|
|
 مطلوبات التنمية والاستقرار في أبيي /فضل الله خاطر / سول – كوريا الجنوبية
|
مطلوبات التنمية والاستقرار في أبيي
بقلم: فضل الله خاطر / سول – كوريا الجنوبية
[email protected]
[email protected]
بعد أن أسدل الستار على نزاع أبيي قضائيا بحكم محكمة لاهاي الملزم قانونا للأطراف المتنازعة سواء السياسية منها الحركة الشعبية أو المؤتمر الوطني أو القبلية المسيرية ودينكا نوك، لابد من التفكير الجاد في كيفية النهوض بالمنطقة، حتى تكون بالفعل جسرا للتواصل والوحدة بعد سنوات الصراع والاحتراب.
فقد رأينا بعد صدور القرار ترحيبا فوريا من الأطراف بحكم المحكمة وإن صدر من بعض الأصوات والشخصيات من هنا وهناك تصريحات تعبر عن عدم رضاها عن الحكم، فمنهم من طالب بالتعويض عما فقد، ومنهم من طالب بضم مناطق أخرى كهجليج وغيرها في بادرة قد تخلق صراعا جديدا في أراضي في نظر البعض محسوم انتماؤها.
المنطقة بشكل عام تأخرت كثيراً في التنمية بسبب الحرب وما صاحبها من آثار انعكست سلباً على الإنسان في تعليمه وصحته وعلى البنيات التحتية من طرق ومنشآت ومدارس ومستشفيات وما يتبع هذه من خدمات.
وقبل الخوض في المطلوب يجب أن نعلم أن رأي قواعد المسيرية النهائي بشأن الالتزام بالقرار لم يتضح بعد، وهذا الكلام يجب أن يؤخذ بكل الجدية اللازمة، لأن البدو لا يعرفون تعقيدات السياسة، والمعلومات المتعلقة بالحدود والترسيم والأراضي التي ذهبت من ديارهم تحتاج إلى تبيان كبير لكل القواعد وبكل الوضوح الذي يجب، ولا شيء أفضل من الحقيقة والتزام القيادات البارزة بالقرار لا يعني انسحاب ذلك على القواعد، فتلك مهمة أخرى تحتاج إلى جهد ووقت.
وهذه المهمة هي مهمة الساسة وعلى رأسهم المؤتمر الوطني، وهي أيضاً مهمة زعماء الإدارة الأهلية ومثقفي المنطقة، وهي مهمة أيضاً ليست باليسيرة نظراً لتعقيدات الملف على الأرض.
ولتبيان الصورة أكثر يجب أن توضح للقواعد مزايا السلام ومكاسبه بعيداً عن المداراة في الحديث، لأن الذي جاء به حكم محكمة لاهاي سلب المسيرية أراضي صعب تعويضها، وخطورته فيما يترتب عليه حال الانفصال، وكما قال أحدهم "لو بعث أجداد المسيرية الشيوخ والنظار والعمد أمثال على أبو قرون وأبو أجبر وعزاز وعلى الجلة ومهدي أبو فضيلة وخدام بابي وحرقاص مريده وحيمات وبابو نمر وسرير الحاج أجبر، وفاوضوا نيابة عن القبيلة لدى محكمة لاهاي لما خرج الجنوب بمكسب شمال بحر العرب وعلى أسوأ تقدير حدود الرقبة الزرقاء"، ولكن الحكمة غابت عنا حينما فوضنا ما يسمى بالخبراء - تفويض من لا أمانة له، فخرجوا علينا بتقرير خلق واقعا مشوهاً لم يسبق له مثيل في تاريخ السودان القديم والحديث، وهم من غرر بالسودان كله وكادوا أن يوردوه المهالك بتجاوزهم للتفويض الممنوح لهم وترتب على ذلك الحكم الماثل. فالتحسر على الماضي لا يفيد ويجب ألا نبكي على اللبن المسكوب، والنكوص عن العهود يدخل البلاد في متاهة لا حدود لها فيجب أن نهتم بالمعالجة.
المعالجة المطلوبة لتنمية المنطقة واستقرارها لا تخفى على المسئولين، وإنما تأتي مساهمتنا هذه من مبدأ أن نصف رأيك عند أخيك وأن العقول توفى من بعضها، وهي تهدف إلى دعوة واستنهاض أبناء المنطقة بكافة مشاربهم وتوجهاتهم ودعوة كل من عاش فيها من أبناء السودان العريض إلى المساهمة بفكره في كيفية بناء الاستقرار وتعزيز أسس التعايش القائمة بين المسيرية والدينكا، وبناء نموذج ينسحب أثره على كل الوطن، وهو نموذج بكل تأكيد كان وما زال قائما، رغم حل السنون الأخير (تقول المسيرية حل الأيدي ولا حل السنون ويقصدون بذلك أن الحل الذي يتوصل إليه الناس عبر الحوار والجودية في جلسة مباشرة خير وأفضل من الذي يتم التوصل إليه من خلال القانون، الذي يوصف بأنه جفي؛ لأنه يزرع الجفاء بين الناس). ومساهمتنا في المطلوب فعله يمكن تلخيصها في الآتي:
توفير الأمن:
يجب أن نفكر جميعاً في توفير الأمن والاستقرار فلا تنمية بلا أمن واستقرار، لأن ذلك سينعكس إيجاباً على الجو العام الذي سيسود خلال مرحلة الاستفتاء. والاستقرار المطلوب في شقه الأول هو استقرار أمني بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. فالأمن يتحقق بعدة طرق من بينها شرح أبعاد نتائج التحكيم وتعظيم الفوائد التي يمكن تحقيقها لإنسان المنطقة وضرورة أن يكون الاستقرار مكسب كبير مفضي إلى تنمية يحسها المواطن.
القرى النموذجية:
يجب أن نفكر بشكل جدي في إنشاء قرى نموذجية، ونموذجية لا يعني أن تكون مبنية من الطوب الأحمر وشوارع الإسفلت ومحطات البنزين والمصانع وغيرها، وإنما المقصود قرى عادية تتوفر فيها المدارس والمراكز الصحية ونقطة الشرطة وبئر المياه (دونكي) وأسباب العيش الكريم، والنماذج في المنطقة موجودة ومنها نموذج الدبب (سنأتي إليه لاحقا).
توفير مياه الشرب: يجب وضع برنامج شامل لتوفير مياه الشرب وذلك بحفر آبار (دوانكي: جمع دونكي) على كل مسارات الرحل بشكل متباعد يراعي وضع المراعي والفلوات (جمع فلاة) وعدم إمحالها (من المحل). وستساعد هذه الآبار المبعثرة أو المتناثرة إن صح التعبير إلى حجز عدد كبير من الرعاة في مصايف تقلل من الاحتكاك مع قوات الحركة الشعبية في فترات الصيف عند بحر العرب في الحدود مع الولايات الجنوبية.
التعليم: يجب أن تنصب جهود أبناء أبيي شمالا وجنوباً ومن خلفهم الحكومة على التعليم، لأنه ليس هناك نهضة من غير تعليم وليس هناك تنمية من غير تخطيط وعلم وتعليم يرفدها. فثاني أهداف الألفية التي أقرتها الأمم المتحدة هو ضرورة توفير التعليم الأساسي لكل الأطفال، فإذا استطعنا أن نوفر الاستقرار وتعليم لنسبة 50% فقط من أبناء المنطقة، فبلا شك سنساهم بكل تأكيد في تنمية المنطقة في شق الموارد البشرية.
نشر ثقافة السلام:
هناك دور كبير ومهم يتوجب على الجميع فعله، وهو نشر ثقافة السلام، وهذا الدور يجب أن تقوم به الحكومة والإدارات الأهلية ومثقفو المنطقة من خلال الندوات والطواف على القرى ومجامع الناس. فالتعايش القائم بين المسيرية والدينكا نوك هو تعايش أصيل ومصيري، سواء صار السودان دولة واحدة كما هو الحال الآن أو انفصل إلى دولتين بعد الاستفتاء مستقبلا، فيجب أن نخطط لتعزيز التعايش ودعم كل جهد يساعد في إزالة كل أسباب التوتر. وقد أضر الاستقطاب الحاد لأبناء المنطقة بقضية أبيي فيجب أن نعمل على تجاوز هذه المرحلة.
الثروة الحيوانية: نرى ضرورة الاهتمام بالثروة الحيوانية، ويجب أن نخطط بشكل سليم من خلال وضع خطة طويلة وقصيرة ومتوسطة المدى لاستقرار الرحل والاستفادة من الثروة الهائلة التي بحوزتهم. فالأراضي الرعوية تتراجع باستمرار وتضيق بسبب زيادة الثروة الحيوانية وبسبب عمليات التنقيب على النفط التي قصت أجزاء واسعة من المسارات وجيرتها لصالح الاستكشافات النفطية. فيجب الاهتمام أولا بتنمية هذه الثروة وكيفية الاستفادة منها وكيفية تحويل الرعاة إلى مزارعين مستقرين سواء كان ذلك عن طريق تغيير السلالة تدريجيا أو عن طريق تغيير أساليب الرعي أو المزاوجة بينهما أو ابتكار أساليب أخرى، والأمر في النهاية بلا شك متروك لأصحاب الاختصاص.
الحركة الشعبية: يجب أن تتحمل الحركة الشعبية مسئوليتها في تنمية منطقة أبيي كافة وأن تتعامل مع كافة المواطنين من الشمال أو الجنوب على أنهم شعبها دون تفريق. ويجب عليها كذلك أن تتحمل مسئوليتها في توفير الأمن وأن تحد من عمليات الخارجين عن القانون في مناطق التماس وهم في الغالب يمارسون النهب والسلب وأحيانا القتل بالزي الرسمي لقوات الحركة، وفي كثير من الأحيان ينفي قادة الحركة في المنطقة بعد وقوع الجريمة انتماؤهم إليها وتصفهم بأنهم مجرد شفتة وخارجين عن القانون، وهذا الأمر في الطرف الآخر لا يفهم على هذا النحو وستكون ردود فعله مدمره، فلابد من لجم هؤلاء النفر والعمل بين الطرفين على استقرار المنطقة. الكلام ذاته ينطبق إن كان هناك من يمارس البلطجة والنهب أو يعكر صفو الاستقرار من الشمال، فلابد من ميثاق شرف يأمن المواطن العادي ويجعله لا يخشى إلا الذئب على غنمه.
مطبات السلام: هناك أمور لابد أن تعالج وتحسم بالروية اللازمة ومنها مسألة الاستفتاء ومنهم هم من يحق لهم حق الاستفتاء في أبيي، وضرورة حسم مسألة ترسيم الحدود مع الولايات الأخرى، حتى لا نخرج من مسألة لنلج إلى أخرى.
نسأل الله أن يوفقنا جميعا لما فيه خير السودان
|
|
 
|
|
|
|
AnwarKing
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست