|
|
 19 يوليو.. ذاكرة الصِبا..
|
خط الإستواء
عبد الله الشيخ
19 يوليو.. ذاكرة الصِبا..
كان 19 يوليو يوم عيد في حلة حمور.. القرية الصغيرة التي تزحف على بيوتها الرمال كانت معباة تماماً ضد مايو وضد النميري.. في يوم الإنقلاب كان أهلي يتحلقون حول الراديوهات، وبعضهم ينزع من رأسه العمامة ويؤشر بها، يلولح، ويقول: "عفيت منو.. هاشم العطا.. قلبا ضُحى ونُصت نهار"!..
ما زالت ذاكرة الصبا تحفظ أسماء هؤلاء المناضلين، ولربما لا يرغبون في إيراد أسماءهم هنا.. إذ لا فرق بين مايو، و(مايو القائمة حالياً)!.. وكنا نحن درافين صغار نضحك، ونحن نسمع تعليقات ساخرة ضد الحكومة.. وحدث أن جاء النميري مرة على باخرة كربكان، ورسى في محطة الغابة.. وأراد أن يزف التحية لأهالي حمور وقد تراصوا في الضفة الشرقية؛ واقفين (دلم)، لا هتافات ولا لافتات، إلا أن هناك إمراة جاهلة و(داقسة) كانت تزغرد بين الفينة والأخرى.. ما زالت زغرودتها الشاذة ترن في أذني.. رغم طول السنين، ويمكن أن أحددها بالاسم.. وصلت كربكان إلى مشرع حلة حمور ولم ترسو، وبرز النميري ملوحاً بيديه وأغلب أهالي حمور فوق الحمير، خالفين رجل على رجل.. في تلك اللحظة من التاريخ كان مايكرفون كربكان يبث أغاني في تمجيد "الريس القائد" وكنت أنا أسمع تعليقات من خلفي تقول: "حكمتو بالغة.. الزول ده قاعد يأكل مع العمايا"؟..
ويقول آخر معلقاً على غناء سيد خليفة أو أبو داؤود لمايو: "الله خلقني ما شفت لي راجل يغني لي راجل".. ولكن التعليق الساخر جاء على لسان أستاذي- أنصاري التوجه- يرحمه الله.. قال للناس والنميري ما زال يلوح بيديه: "يا ناس أكان عندكم شغلة أمشوا أقضوها، أكان عندكم بهايم أمشو أرعوها.. الراجل مما يكون عدروج، ودقنوسو زي الطاسة ومدغلب من نصو.. أقنعوا من خيراً فيهو"!..
بهذا المزاج المعارض استقبلت قريتي- حمور- نبأ إنقلاب هاشم العطا.. وكانت الأيام الثلاثة أيام فرح، وعيد، واحتفينا ونحن درافين بإشتراكية لا نعرف عنها شيئاً، وبإنقلاب لا نعرف مكانه، فنحن لم نكن نعرف الخرطوم، ولا الحكومة، ولا هاشم العطا، ولكن نعرف أن من (أولاد حلتنا) من حظى بشرف المشاركة في الإنقلاب، منهم دكتور محمد حمور الذي نجا من الإعدام ولجأ إلى لندن، ومنهم خالي يوسف محمد سيد أحمد الذي ساح في السجون، ما بين كوبر وشالا.. وبعد اليوم الثالث تحولت تجمعات الحِلة البهيجة إلى بكيات!.. جاءت بعض النسوة ببكاء مُر مع أمي وقلن لها أن النميري أعدم الشفيع.. كن يعتقدن أن النميري أعدم أخي مباشرة.. وضللهن تشابه الأسماء.. وبعد قليل إنكسرت علينا الوفود باكية ومتسائلة عن أخبار يوسف!.. وبدأت الدعاية المضادة.. وراديو مايو يتوعد كل من ياوي الشيوعيين ولا يبلغ عنهم.. رغم ذلك.. ونحن درافين صغار كنا نعرف أن فطور (البوغة)، المربوط بالفوطة ما كان يذهب للترابلة؛ بل لمناضلين قضوا أياماً جوه العيش في الساب.. وتكهرب الموقف أكثر، لكن تجمعات أهل الحِلة على حالها.. كانوا يثرثرون بأحاديث لا نفهمها.. بيد أني أذكر جيداً أن (محمد أحمد) صاحب الشجرة الظليلة عند مدخل المشرع رزق في تلك الأيام بشبل.. وحلف بالطلاق في السماية أن يسمي الشبل بـ(عبد الخالق).. وما زال يقول: "أنا سميتو على راجل ضكر.. راجل ما بيخاف الموت والسجن"!..
.. لا أعرف، من، ومتى، وكيف نبت الوعي في حِلة حمور، هذه القرية التي تزحف على بيوتها الرمال!
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: 19 يوليو.. ذاكرة الصِبا.. (Re: عبد الله الشيخ)
|
الاخ عبدالله الشيخ
لك الود والتحية ...
أهلنا فى السودان لهم فراسة بالفطرة تتآلف قلوبهم وتنشرح سرايرهم حول من يتوخون فيه الخير وهى ربما كانت نتاج recall لذاكرة مرتبطة بشخصيات من أهلنا الخيرين ممن عاشرنا وحضرنا لهم جلائل المواقف ولا أكون مبالغاً إذا قلت أن أهلنا فى الشمال تفردوا بهذه الفراسه برؤية وجوه البشر...
19 يوليو 1971 دون غيرها من الحركات الوطنية أوجدت لنفسها مكاناً خاصاً فى وجدان هذا الشعب لاسباب كثيرة أولاً ربما لنخوة شبابها وتفرد سيرتهم الطيبة بغض النظر عن توجهاتهم السياسيه والفكريه ورأينا الشخصى فيها ومدى قربها أو بعدها عن الوطنيه كعنصر أسبق وهدف أعلى وهذا شأن لا يعلمه إلا القليل ...كان الصراع فكرياً أثرت فيه تجارب الماضى أى أن الشد لم يكن بأى حال من الأحوال وليد 25 مايو 1969 وثانياً لاختلاف الآراء بين العسكريين فى مجلس مايو بين فريقين أحدهما فريق عُرف بالاستقامه ورجاحة الفكر والاستقامة وآخر عُرف بالهوجائيه والارتجاليه وعقدة أل inferiority ولو كان الأمر بتوجهات وطنية صرفه لكانوا(باركوها) كما كان فاروق يردد كلما علا صوتهم بالاختلاف وهم يناقشون أمر مايو بمنزله ...
والحديث يطول ويمكنك مراجعة البوست السابق بعنوان ...اعدامات الشجرة (صور)
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: 19 يوليو.. ذاكرة الصِبا.. (Re: sourketti)
|
أذكر حزن خالي ع. ص.
أستاذ اللغة والدين
وهو يردد قصص الإعدامات
وكيف أوردتها أحدى المحطات الأجنبية
بمصاحبة أنشودة "وطن الجدود نفديل بالأرواح نجود"
وأذكر حنقه على نميري وشلته من الصعاليك
فقد يكون درس عددا منهم بمدارس أمدرمان
الباقر موسى
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: 19 يوليو.. ذاكرة الصِبا.. (Re: Elbagir Osman)
|
19 يوليو تاريخ من ذاكرة صبية
بعد منتصف النهار فى ذلك اليوم الاثنين من يوليو العام واحد وسبعين
كنا نلتف كعادتنا حول الراديو فى بيتنا فى العباسية
لم يكن يدر بخلد احد ان يكون هناك ثمة ما يمكن ان يتم تصنيفه تحت بند الانقلاب
لكن ما اعاد الى الاذهان مسمى الانقلاب دخول المارشات قاطعة برامج الاذاعة فى تلك اللحظة
يوليو ، غيظ الصيف باكمله كل اهل البيت كانوا فى غرفة واحدة تحت مروحة السقف المصفر لونها بفعل القدم ، لم يكن احد فى تلك اللحظة بقادر على نفى او اثبات ما حدث ، لكن امى كانت تردد فى تلك اللحظة عبارة (الله يستر )
خرجنا بنزق الصبا الى الشارع نستجلى الامر لكن ما من احد يجيب ، فى العصر ايضا حاولنا ان نستجلى الامر من اهلنا الكبار (كنا نراهم يدخلون ويخرجون ، احاديث هامسة واخرى عالية ـ فى الديوان ـ رجال ونساء
يدخلون ويخرجون ـ كانوا يتحدثون عما اسموه ( ثورة تصحيحية ) وكان ذلك مثار تساؤل ايضا فكيف يتم تصحيح الثورة بانقلاب ؟وما هو الخطا ؟
حين خيبت الاذاعة امالنا اتجهنا الى التلفزيون عسى ان نجد ما يفى
فى التلفزيون وجدنا صورة الرائد هاشم العطا حسبما اشار (الكابشن )
لكن مازاد مخاوف امى دخول وخروج اناس لا نعرفهم الى البيت والهمس الدائر حينها والاجتماعات المغلقة فى الديوان
كان الليل هادئا لم يعكر صفوه سوى عربات الجند التى كانت تمر واعلان مستبطن لوصول طائرة القائد الى الخرطوم فى اى لحظة حسبما اورد التلفزيون والاذاعة من ثم .....
بدا اليوم الثانى بتظاهرات لم نكن طرفا فيها لان امى منعتنا من الخروج بتاتا من البيت لكننا كنا نتابعها من شاشة التلفزيون
اليوم الثالث كان الثانى والعشرين من يوليو ، سادت البيت روح فوضى غريبة
كنا نرى ارتالا من الورق يتم حرقها واخرى مثلها من الكتب يتم حفر خندق مرتجل لمواراتها ، شحوب فى الوجوه ، نفس الناس الذين كانوا هاشين بالامس تلاشت ابتساماتهم وحل محلها شحوب لا يخفى على احد من اثر السهر والتعب .
فى صباح اليوم التالى جاء من يحمل نبا اعدام الشفيع زوج السيدة فاطمة احمد ابراهيم ، وهنا كانت الامورقد دخلت الى اللحم الحى
فى المساء كان لابد للجميع من مؤازرة الخالة فاطمة فى فقدها ،فتقاطرت جموع الاهل باتجاه بيتهم فى العباسية
الشارع كان مدججا بالعسكر من كل ناحية ، البيت ايضا كان محاصر بالجند وبنادقهم يمنعون الناس من الدخول الى حيث العزاء بل انهم منعوا اقامة سرادق للعزاء
مر اليوم عاصفا وحامضا على حلوق الجميع
لكن ما زاده حموضة تلك الرصاصة التى تسللت الى سريرى خلسة
السرير كان ملاصقا للحائط الذى يفصل بيتنا عن طلمبة البنزين من الناحية الشرقية كنت لسبب قد تقلبت فى مرقدى فاحسست شيئا حارا ينزلق الى محل مرقدى ، حملته بين الفزع والخوف الى جدى الطيب الذى كان يرقد فى حوش بيتهم صائحة :
ـ جدى عاين لقيت شنو فى السرير
حمل الرصاصة بين كفيه وتفحصها وقال
ـ الله سلمك لانها لسه ماانفجرت
وافرغها من حشوتها
بعدها غادرنا صباح اليوم التالى الى مدينة بربر بايعاز من ابى لان المدينة كما قال لم تعد امانا
2007 يوليو
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
 Re: 19 يوليو.. ذاكرة الصِبا.. (Re: سلمى الشيخ سلامة)
|
الأستاذ عهبد الله الشيخ
والأستاذة سلمى الشيخ
والمتداخلين
تحية واحترام
إلىأن يتواضع السودانيون على ديمقراطية حقة (مصطلح ديمقراطية وحده لم يعد يكفي) سيظل الوطن ينزف ويفقد قيادات في قامة الشفيع ومحمود محمد طه وشهداء رمضان .. ويفقد جنود مجهولين كمن استشهدوا في أحداث 76 وفي الجنوب ودارفور والشرق و.. و..
إلام هذا النزيف؟!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: 19 يوليو.. ذاكرة الصِبا.. (Re: سلمى الشيخ سلامة)
|
الاخت سلمى ..
المتداخلين الاعزاء .. ربما اكون قد وفقت فى فتح هذا البوست لنرى وجوهاً متعددة للحدث ..
وقرأت افادة سلمى ، والتى سلمها الله من رصاص تلك الايام ..
وبالتاكيد هناك من لم يقل بعد الكثير ..
اشكرك ياسلمى على هذه المداخلة الحية رغم انك على ما يبدو سجلتيها فى عام 2007 ولم نسمعها منك فى الايام الخوالى حين كنا نلتقى ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: 19 يوليو.. ذاكرة الصِبا.. (Re: Elbagir Osman)
|
الاخ الباقر موسى ..
تحياتى ..
تحية لخالك(ع ص)..
فقد كانت بطولات يوليو وما تزال حية فى الاذهان ..
الناس لايتذكرون الجلاد الا ليشتموه .. وتبقى سيرة الافذاذ حية ..
قال الفيتورى ( والسلفيون الذين احترفوا النضال سيزولون.. ويبقى الغد للاجيال) ..
ياله من شاعر ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: 19 يوليو.. ذاكرة الصِبا.. (Re: sourketti)
|
الاخ سوركتى
سلامات
تابعت البوست اعدامات الشجرة
واوافقك الرأى فى ماذهبت اليه ..
واعتقد ان هناك تاريخ شعبى إن صح التعبير على هامش هذه الاحداث ، وفىداخلها .. وارى ان نستوعبه فى سياق حديثنا عن هؤلاء الابطال حتى لانقع فى فخ ان الترايخ هو سيرة القيادات فقط ..
اشعر بالاسى دائما حين اعيد قراءة 19 يوليو ..
التضحيات التى قدمها هؤلاء الابطال ليست ملكاً لجهة بعينها .. بل هى ملك لكل السودانيين ، كما اشرت فى حديثك بان الوطنية هى العنصرالاسبق ، والهدف الاعلى ..
لك التحية والتقدير ..
| |
|
|
|
|
|
|
| |
عبد الله الشيخ
sourketti
Elbagir Osman
سلمى الشيخ سلامة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست