علي شاطئ البحر بنت، وللبنت أهل وللأهل بيت. وللبيت نافذتانِ وبابْ... وفي البحر بارجة تتسّلٌّي بِصّيْدِ المجشّاةِ علي شاطئ البحر: أربعة، خمسة، سبعة يسقطون علي الرمل. والبنت تنجو قليلا لأنٌّ يدا من ضبابْ يدا ما إلهيٌّة أسْعّفّتْها. فنادتْ: أبي يا أبي! قمْ لنرجع، فالبحر ليس لأمثالنا! لم يجبْها أّبوها المسّجٌّي علي ظلٌِهِ في مهبٌِ الغِيابْ دّم في النخيل، دّم في السحابْ يطير بها الصوت أعلي وأّبعدّ من شاطئ البحر. تصرخ في ليل بّرٌية، لا صدي للصدي. فتصير هي الصّرْخّةّ الأبديٌّةّ في خّبّري عاجل لم يعد خبرا عاجلا عندما عادت الطائرات لتقصف بيتا بنافذتين وبابْ!.
ذباب أخضر المشهد هوّ هو صّيْف وّعّرّق. وخيال يعجز عن رؤية ما وراء الأفق. واليوم أفضل من الغد. لكنٌ القتلي هم الذين يتجدٌدون. يولّدون كل يوم. وحين يحاولون النوم يأخذهم القّتْل من نعاسهم إلي نوم بلا أحلام. لا قيمة للعدد. ولا أحد منهم يطلب عونا من أحد. أصوات تبحث عن كلمات في البرية، فيعود الصدي واضحا جارحا: لا أحد. لكنٌ ثّمٌّةّ مّنْ يقول: ¢من حقٌِ القاتل أن يدافع عن غريزة القتل¢. أمٌّا القتلي فيقولون متأخرين: ¢من حقٌِ الضحية أن تدافع عن حقٌِها في الصراخ¢. يعلو الأذان صاعدا من وقت الصلاة إلي جنازات متشابهة: توابيت مرفوعة علي عّجّل، تدْفّن علي عجل... إذ لا وقت لإكمال الطقوس، فإن قتلي آخرين قادمون، مسرعين، من غارات أخري. قادمون فرادي أو جماعات... أو عائلة واحدة لا تترك وراءها أيتاما وثكالي. السماء رماديٌة رصاصيٌّة. والبحر رماديٌ أزرق. أمٌّا لون الدم فقد حّجّبّتْه عن الكاميرا أسراب من ذباب أخضر!.
كقصيدة نثرية صّيْف خريفيٌ علي التلال كقصيدة نثرية. النسيم إيقاع خفيف احسٌ به ولا أسمعه في تواضع الشجيرات. والعشب المائل إلي الاصفرار صور تتقشٌّف، وتغْري البلاغةّ بالتشبٌه بأفعالها الماكرة. لا احتفاء علي هذه الشعاب إلاٌّ بالمتاح من نشاط الدوريٌِ، نشاط يراوح بين معني وعّبّث. والطبيعة جسد يتخفٌف من البهرجة والزينة، ريثما ينضج التين والعنب والرمٌّان ونسيان شهواتي يوقظها المطر. ¢لولا حاجتي الغامضة إلي الشعر لما كنْت في حاجة إلي شيء¢ يقول الشاعر الذي خفٌّتْ حماسته فقلٌّتْ أخطاؤه. ويمشي، لأن الأطباء نصحوه بالمشي بلا هدف لتمرين القلب علي لامبالاة ما ضروريٌة للعافية. وإذا هّجّسّ، فليس بأكثرّ من خاطرة مجانيٌة. الصيف لا يصلح للإنشاد إلاٌ فيما ندر. الصيف قصيدة نثرية لا تكترث بالنسور المحلقة في الأعالي.
ليتني حجر لا أحنٌ إلي أيٌِ شيء فلا أمسِ يمضي، ولا الغّد يأتي ولا حاضري يتقدٌّم أو يتراجع لا شيءّ يحدث لي! ليتني حجر قلت يا ليتني حّجّر ما ليصقلني الماء أّخضرٌ، أّصفرٌ... أوضع في حجرة مثل مّنْحوتة، أو تمارين في النحتِ، أو مادٌة لانبثاق الضروريٌِ من عّبّث اللاضروريٌ... يا ليتني حّجّر كي أحنٌّ إلي أيٌ شيء! أبعد من التماهي أجْلِس أمام التلفزيون، إذ ليس في وسعي أن أّفعل شيئا آخر. هناك، أمام التلفزيون، أّعثر علي عواطفي. وأري ما يحدث بي ولي. الدخان يتصاعد مني، وأّمدٌ يدي المقطوعةّ لأمسك بأعضائي المبعثرة من جسوم عديدة، فلا أجدها ولا أهرب منها من فرط جاذبيٌة الألم. أنا المحاصر من البرٌ والجو والبحر واللغة. أقلعتْ آخر طائرة من مطار بيروت، ووّضّعّتْني أمام التلفزيون، لأري بقيٌّة موتي مع ملايين المشاهدين. لا شيء يثبت أني موجود حين أفكٌر مع ديكارت، بل حين ينهض مني القربان، الآن، في لبنان. أدخل في التلفزيون، أنا والوحش. أّعلم أن الوحش أقوي مني في صراع الطائرة مع الطائر. ولكني أّدْمّنْت، ربما أكثر مما ينبغي، بطولة المجاز: التّهّمني الوحش ولم يهضمني. وخرجت سالما أكثر من مرة. كانت روحي التي طارت شعاعا مني ومن بطن الوحش تسكن جسدا آخر أّخفٌّ وأّقوي. لكني لا أعرف أين أنا الآن: أمام التلفزيون، أم في التلفزيون. أما القلب فإني أراه يتدحرج، ككوز صنوبر، من جبل لبناني إلي غزة!.
العدو كنت هناك قبل شهر.كنت هناك قبل سنة. وكنت هناك دائما كأني لم أكن إلاٌ هناك. وفي عام 82 من القرن الماضي حدث لنا شيء مما يحدث لنا الآن. حوصِرْنا وقتِلْنا وقاومنا ما يعرض علينا من جهنم. القتلي/ الشهداء لا يتشابهون. لكلٌِ واحدي منهم قوام خاص، وملامح خاصة، وعينان واسم وعمْر مختلف. لكن القتلة هم الذين يتشابهون. فهم واحد موّزٌّع علي أّجهزة معدنية. يضغط علي أزرار الكترونية. يقتل ويختفي. يرانا ولا نراه، لا لأنه شّبّح بل لأنه قناع فولاذيٌ لفكرة... لا ملامحّ له ولا عينان ولا عمر ولا اسم. هو... هو الذي اختار أن يكون له اسم وحيد: العّدوٌ. نيرون ماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرٌج علي حريق لبنان؟ عيناه زائغتان من النشوة، ويمشي كالراقص في حفلة عرس: هذا الجنون، جنوني، سيٌد الحكمة، فلتشعلوا النار في كل شيء خارج طاعتي... وعلي الأطفال أن يتأدبوا ويتهذبوا ويكفوا عن الصراخ بحضرة أنغامي! وماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرٌج علي حريق العراق؟ يسعده أن يوقظ في تاريخ الغابات ذاكرة تحفظ اسمه عدوا لحمورابي وجلجامش وأبي نواس: شريعتي هي أم الشرائع. وعشبة الخلود تنمو في مزرعتي. والشعر، ما معني هذه الكلمة؟ وماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرٌج علي حريق فلسطين؟ يبهجه أن يدرج اسمه في قائمة الأنبياء نبيٌا لم يؤمن به أحد من قبل. نبيٌا للقتل كّلفّه الله بتصحيح الأخطاء التي لا حصر لها في الكتب السماوية: ¢أنا أيضا كليم الله¢! وماذا يدور في بال نيرون وهو يتفرٌج علي حريق العالم؟ ¢أنا صاحب القيامة¢. ثم يطلب من الكاميرا وقف التصوير، لأنه لا يريد لأحد أن يري النار المشتعلة في أصابعه في نهاية هذا الفيلم الأميركي الطويل!. الغابة لا أسْمّع صوتي في الغابةِ، حتي لو خّلّتِ الغابة من جوع الوحش... وعاد الجيش المهزوم أو الظافر، لا فرق، علي أشلاء الموتي المجهولين إلي الثكنات أو العرش/ ولا أسمع صوتي في الغابة، حتي لو حّمّلّتْه الرِيح إليٌ، وقالت لي: "هذا صوتك¢... لا أسمعه/! لا أسمع صوتي في الغابة حتي لو وّقّفّ الذئب علي قدمين وّصفٌّقّ لي: إني أسمع صوتك، فلتّأْمرْني!/ فأقول: الغابة ليست في الغابة، يا أبتي الذئبّ ويا ابني!/ لا أسمع صوتي إلاٌ إن خّلّتِ الغابة مني، وخلوت أنا من صمت الغابة! حمام رف من الحمام ينقشع فجأة من خلل الدخان. يلمع كبارقةِ سلْمي سماوية. يحلٌِق بين الرماديٌ وفتّات الأزرق علي مدينة من ركام. ويذكٌرنا بأنٌّ الجمال ما زال موجودا، وبأنٌّ اللاموجود لا يعبث بنا تماما إذ يّعِدنا، أو نظنٌ أنه يّعِدنا بتجلٌِي اختلافه عن العدم. في الحرب لا يشعر أحد منا بأنه مات إذا أّحس بالألم. الموت يسبق الألم، الألم هو النعمة الوحيدة في الحرب. ينتقل من حّيٌي إلي حّيٌ مع وقف التنفيذ. وإذا حالف الحظٌ أحدا نسي مشاريعه البعيدة وانتظر اللاموجود وقد وجد محلٌِقا في رفٌ حمام. أري في سماء لبنان كثيرا من الحمام العابث بدخان يتصاعد من جهة العدم! البيت قتيلا بدقيقة واحدة، تنتهي حياة بيت كاملة. البيت قتيلا هو أيضا قّتْل جماعيٌ حتي لو خلا من سكانه. مقبرة جماعيٌّة للمواد الأولية المعّدٌّةِ لبناء مبني للمعني، أو قصيدة غير ذاتِ شأْن في زمن الحرب. البيت قتيلا هو بّتْر الأشياء عن علاقاتها وعن أسماء المشاعر، وحاجّة التراجيديا إلي تصويب البلاغة نحو التبصٌر في حياة الشيء. في كل شيء كائن يتوجٌع... ذكري أصابع وذكري رائحة وذكري صورة. والبيوت تقْتّل كما يقتل سكانها. وتقْتّل ذاكرة الأشياء: الحجر والخشب والزجاج والحديد والاسمنت تتناثر أشلاء كالكائنات. والقطن والحرير والكتان والدفاتر والكتب تتمزق كالكلمات التي لم يتسنٌ لأصحابها أن يقولوها. وتنكسر الصحون والملاعق والألعاب والأسطوانات والحنفيات والأنابيب ومقابض الأبواب والثلاٌّجة والغسٌالة والمزهريات ومرطبانات الزيتون والمخللات والمعلبات كما انكسر أصحابها. ويسحق الأبيضان الملح والسكر والبهارات وعلب الكبريت وأقراص الدواء وحبوب منع الحمل/ والعقاقِير المنشطة وجدائل الثوم والبصل والبندورة والبامية المجففة والأّرزٌ والعدس كما يحدث لأصحابها. وتتمزق عقود الإيجار ووثيقة الزواج وشهادة الميلاد وفاتورة الماء والكهرباء وبطاقات الهوية وجوازات السفر والرسائل الغرامية كما تتمزٌق قلوب أصحابها. وتتطاير الصور وفرّش الأسنان وأمشاط الشّعْر وأدوات الزينة والأحذية والثياب الداخلية والشراشف والمناشف كأسرار عائلية تنْشّر علي الملأ والخراب. كل هذه الأشياء ذاكرة الناس التي أفرغت من الأشياء، وذاكرة الأشياء التي أفرغت من الناس... تنتهي بدقيقة واحدة. إن أشياءنا تموت مثلنا، لكنها لا تدفن معنا! مكر المجاز مجازا أقول: انتصرت مجازا أقول: خسرت... ويمتد وادي سحيق أمامي وأّمتدٌ في ما تبقٌي من السنديانْ وثمٌة زيتونتانْ تلجمّانني من جهات ثلاث ويحملني طائرانْ إلي الجهة الخاليةْ من الأوج والهاويةْ لئلا أقول: انتصرت لئلا أقول: خسرت الرهان!
عملية تسلٌل اليوم، في السادس والعشرين من تموز، تمكن واحد وعشرون قتيلا/ شهيدا في غزة، بينهما رضيعان، من اجتياز الحواجز العسكرية والأسلاك الشائكة... والتسلٌل إلي نشرة الأخبار. لم يدْلوا بأي تعليق، إذ وقع الألم منهم قبل الوصول إلي الكلمة. ولم يبوحوا بأسمائهم من فرط ما هي فقيرة وعاديٌة. ولم يرفعوا إشارات النصر أمام الكاميرا لازدحام الكاميرا بصوّر أكثرّ إثارة. الحرب إثارة، مسلسل يقضي فيه الفصل الجديد علي الفصل السابق، ومذبحة تنسخ مذبحة. وحين يصير القتل يوميا يصير عاديا ويتحول القتلي أرقاما، ويصير الموت إلي روتين، ولا تتجاوز الحرارة درجة الثلاثين. الروتين يسبٌِب الملل. والملل يبعد المشاهد عن الشاشة، ويحرم المراسل من العمل. وحين يقلٌ المشاهدون تنضب الإعلانات فتصاب صناعة الصورة بالكساد. يضاف إلي ذلك: أن مواقع غزة التصويرية صارت مألوفة ضعيفةّ الإيحاء. سماء رصاصيٌة علي أزقة ضيقة في مخيمات لا تطل علي البحر. لا مرتفعات هناك، ولا مّشّاهِدّ طبيعية تسرٌ المشّاهِد. كل شيء عادي القتل عادي والجنازة عادية والشوارع رمادية. أّمٌّا ما هو غير عادي اليوم، فهو: أن يتمكن واحد وعشرون قتيلا/ شهيدا من التسلٌل الجريء، وبلا مرشدين، إلي نشرة الأخبار!
البعوضة البعوضة، ولا أعرف اسم مذكرها في اللغة، أّشدٌ فتكا من النميمة. لا تكتفي بمصٌ الدم، بل تزجٌ بك في معركة عبثية. ولا تزور إلاٌ في الظلام كحمٌّي المتنبي. تّطِنٌ وتزن كطائرة حربيٌة لا تسمعها إلا بعد إصابة الهدف. دّمكّ هو الهدف. تشعل الضوء لتراها فتختفي في ركن ما من الغرفة والوساوس، ثم تقف علي الحائط... آمنة مسالمة كالمستسلمة. تحاول أن تقتلها بفردة حذائك، فتراوغك وتفلت وتعاود الظهور الشامت. تكرٌر محاولتك وتفشل. تشتمها بصوت عال فلا تكترث. تفاوضها علي هدنة بصوت ودٌيٌ: نامي لأنام! تظن أنك أّقْنّعْتّها فتطفئ النور وتنام. لكنها وقد امتصت المزيد من دمك تعاود الطنين إنذارا بغارة جديدة. وتدفعك إلي معركة جانبية مع الأرق. تشعل الضوء ثانية وتقاومهما، هي والأرق، بالقراءة. لكن البعوضة تحط علي الصفحة التي تقرؤها، فتفرح قائلا في سرٌِك: لقد وّقّعّتْ في الفخٌ. وتطوي الكتاب عليها بقوة: قتلتها... قتلتها! وحين تفتح الكتاب لتزهو بانتصارك، لا تجد البعوضة، ولا تجد الكلمات. كتابك أّبيض. البعوضة، ولا أعرف اسم مذكرها في اللغة، ليست استعارة ولا كناية ولا تّوْرية. إنها حشرة تحبٌ دمك. تشمٌه عن بعد عشرين ميلا. ولا سبيل لك لمساومتها علي هدنة غير وسيلة واحدة هي: أن تغيٌِر فصيلة دمك! بقية حياة إذا قيل لي: ستموت هنا في المساء فماذا ستفعل في ما تبقٌّي من الوقتِ؟ أنظر في ساعة اليد/ أشرب كأسّ عصيري، وأّقضم تفٌّاحّة، وأطيل التأمٌلّ في نّمْلّة وّجّدّتْ رزقها، ثم أنظر في ساعة اليدِ/ ما زال ثمٌّة وقت لأحلق ذقني وأّغطس في الماء/ أهس: "لا بدٌّ من زينة للكتابة/ فليكن الثوب أزرق¢/ أجْلِس حتي الظهيرة حيٌا إلي مكتبي لا أري أّثر اللون في الكلمات، بياض، بياض، بياض... أعدغدائي الأخير أّصبٌ النبيذ بكأسين: لي ولمن سوف يأتي بلا موعد، ثم آخذ قّيْلولّة بين حلْمّينْ/ لكنٌ صوت شخيري سيوقظني... ثم أّنظر في ساعة اليد: ما زال ثمٌةّ وّقْت لأقرأ/ أقرأ فصلا لدانتي ونصْفّ معّلٌّقّة وأري كيف تذهب مني حياتي إلي الآخرين، ولا أتساءل عّمٌّنْ سيملأ نقصانها هكذا ؟ هكذا ، هكذا ثم ماذا ؟ أمشٌط شّعْري، وأرمي القصيدة... هذي القصيدة في سلة المهملات وألبس أحدث قمصان إيطاليا، وأشّيٌع نفسي بحاشية من كمنجات إسبانيا ثم أمشي إلي المقبرةْ !
قانا طبعة ثانية فجر اليوم، الثلاثين من تموز، حّقٌّقت دولة إسرائيل تّفّوٌقّها العسكري الكاسح: انتصرت علي الأطفال في قانا، وقطٌّعتهم أشلاء. كان الأطفال نائمين حالمين بالعودة إلي أّسِرٌّتهم الأصليٌة سالمين، وربما حالمين بسلام صغير علي هذه الأرض الصغيرة، يكبرون علي مّهْل علي مهل، ويذهبون إلي المدرسة في أول الخريف، ويهربون منها لا خوفا من الطائرات.. بل سأما من درس الجغرافيا. لكنهم قتلوا دون أن ينتبهوا، فيخافوا ويصرخوا. كانوا نائمين وظلوا نائمين.. أّيدي بعضهم علي صدورهم، وأّيدي بعضهم مقطوعة. لم أّبْكِ منذ فترة طويلة، منذ أدركت أن دمعتي تفرح من يحبٌونني ميتا. ولكن الذين يريدوننا ميتين فرحون اليوم مّزْهوٌون بانتصارهم... بانتصار غريزة الكراهية والقتل المجانيٌ علي فطرة حبٌ الأطفال لأمهاتهم. لا، ليس الحليب أسود. الحليب دم سائل ومجّفٌّف. فلأبْكِ إذا بلا حّرّي وبلا خشية من شماتة. فالقتلة إيٌاهم الخارجون من قانا الأولي يخافون علينا من النسيان، ويعيدون تمثيل المذبحة وارتكابها لئلا يحسب أحد منا أن أحلام أطفالنا بالسلام ممكنة التحقٌق. لم يعتذروا هذه المرة، لئلا يتهمهم أّحد منا بالرغبة في التكافؤ الأخلاقي بين القاتل والقتيل. لا، لا أستطيع الكلام مع أحد لئلا يسألني: ماذا تكتب؟ لا أّخلاق للوصف إذا نزعتْ اللغة إلي البلاغة، فليس من حق اللغة أن تشرح الصورة، الصورة التي تضيق بتناثر أشلاء الملائكة الصغار. كم من يسوع صغير تتسع له الأيقونة؟ من يستطيع أن يكتب شعرا اليوم وأن يرسم لوحة وأن يقرأ رواية وأن يستمع إلي موسيقي... فهو آثم. إنه عيد الدولة التي انتصرت علي الملائكة، وذكٌّرتْنا بأن الهدنة هي استراحتها القصيرة بين مذبحة ومذبحة!
رام الله، تموز 2006 نقلا عن اخبار الادب عدد اليوم27اغسطس 2006
تنويه النص الموجود على عدد اخبار الادب سليم الا انى نقلته من موقعهم على النت مباشرة فصاحبته بعض الاخطاء التى لاتفوت على فطنة القارى وناسف لهذا الخطا القاتل.
08-27-2006, 05:40 PM
osama elkhawad
osama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20885
مطر، لا شكر على واجب، ونعتل هذا البوست، في سبيل ان نعيد المنبر الى دوره التنويري، ويبدو انه استعاد عافيته ، في غياب ا و انسحاب معكري ومعكرات صفو المنبر محبتي لك المشاء
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة