دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
أرخبيل الألفة والمسرات...محمد الربيع محمد صالح
|
أرخبيل الألفة والمسرات
مؤانسة وعرفان في حضرة الطيب صالح
محمد الربيع محمد صالح
(عدت الى اهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة، سبعة اعوام على وجه التحديد كنت خلالها اتعلم في اوروبا تعلمت الكثير وغاب عني الكثير لكن تلك قصة اخرى المهم انني عدت وبي شوق عظيم الى اهلي في تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل، سبعة اعوام وانا أحن اليهم واحلم بهم ولما جئتهم كانت لحظة عجيبة ان وجدتني حقيقة قائمة بينهم، فرحوا بي وضجوا حولي ولم يمض وقت طول حتى احسست كأن ثلجا يذوب في دخيلتي فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس، ذاك دفء الحياة في العشيرة).
يمثل هذا المشهد الاستهلالي لرواية «موسم الهجرة الى الشمال» للروائي السوداني الكبير يالطيب صالح والذي جاء على لسان الروائي مدخلا واسعاً للتأمل والحوار حول تجربته الروائية والفكرية وشخصيته الانسانية فالالفة هي كلمة السر في اللوحة البيانية لمشروعه الثقافي والجمالي ولعلاقته مع الوجود واعماله الروائية والقصصية «موسم الهجرة الى الشمال وعرس الزين وبندر شاه بجزءيها ضو البيت ومريود ودومة ود حامد»، تشكل ارشيفاً للوجود الحميم وللالفة المهددة بالتمزق والشرور فالى جانب العذوبة الواضحة والحميمية الغامرة للتفاصيل الانسانية فيها يعتمد الطيب صالح تكنيكاً جمالياً في بناء المشاهد يستمد عمقه من بساطة اسرة اشبه ما تكون بعملية توثيق تلقائية للحظات مركزية في الوجود الحميم للمجتمع السوداني ممثلاً في جلسات الانس والسمر والتعاضد الاجتماعي في المسرات والاحزان والنصرة في الملمات.
الاصغاء لنداءات الحنين
قال لى الطيب صالح حين سألته عن سر جماليات هذا البناء انه نوع من الاصغاء لنداءات الحنان التي يبثها هذا العالم الذي اعتبر نفسي مجرد وسيط وناقل له، والحوار مع الطيب الصالح لا يأخذ مداه في الاريحية والجمال إلا حين يقبس من هذه العوالم ناره لانه لا ينظر الى التفاصيل في هذه الحياة بوصفها جزراً معزولة عن بعهضا بعضاً بل يكونها ارخبيل اجتماعي وثقافي مفتوح الابواب والنوافذ والممرات في وحدة وجود انسانية على قاعدة الالفة وهو يراه مثل كوم القمح الذي تنطوي كل حبة منه على سر عظيم، مشيراً الى مشهد زواج ضو البيت «في رواية بندر شاه» الذي كان حفلاً امه جميع الناس بمختلف مناشئهم العرقية ومواقعهم الطبقية، وصورة المرأة التي زغردت تحت وقع هذا الاحساس الجماعي بالالفة، والتي كانت زغرودتها تعبيراً عن كونها جزءاً من هذا الجسم، لا يتحقق انتماؤها إليه الا عندما يدخل صوتها مع بقية الاصوات.
التنويع على لحن الألفة
كل شئ في حياة الطيب صالح هو تنويع على لحن الالفة حياته الوظيفية، علاقاته الانسانية وتأملاته النقدية وابداعه الروائي فهي الناظم الوجودي لهذا الارخبيل، وفي معرض المؤانسة حول هذه التجربة التي طوفنا فيها على انتاجه الابداعي سألته عن سر التوسع والامتداد والانتقال الذي حدث في المشهد الروائي لملامح شخصيات مثل مريود ومريوم وبندر شاه ومن مسرحها الاساسي على منحنى النيل في السودان الى قطر وفي مسرح فني جديد هو قصة يوم مبارك على شاطئ أم باب التي تدور في البحر، وتتقاطع فيها مصائر الشخصيات وصراع معسكرات الخير والشر.. الخ فقال لي:
كتبت هذا النص وجعلت مشاهده تدور في البحر رغم انني ولدت قرب النهر وربما اعطيته هنا منزلة النهر بعد ان عرفته عالما مسيطراً خلال اسفاري واصبحت دلالته عندي ترتبط بالتئام الامور واجتماعها وجلب العناصر الي جانب دلالات الاطلاق واللا نهائية، ومن الجائز ان اكون قد نقلت دون ان اشعر اصداء بعض الشخصيات مثل مريم في رواية مريود إلى رباب في قصة يوم مبارك على شاطئ ام باب.
واجمل الطيب صالح شهادته عن قصة يوم مبارك بقوله: ربما كتبتها خاضعاً لاحساس خفي ان العالم الوادع المطمئن للخليج مهدد بما يجلب له القلق، والتعابير التي استخدمها في تلخيصه للبناء الجمالي لقصته وللعناصر والعلامات التي تعمل في نسيجها تدل بشكل واضح على قاموس الالفة الذي يسكن اعماقه ومشروعه مثل وادع، مطمئن مهدد يجلب القلق.. الخ، وهيمنة هذا القاموس تتجلى في الاشكال والاطر البسيطة والحميمة التي يضع فيها مادته الفكرية والثقافية وتأملاته الجوهرية والعميقة، في مناطق معقدة من الفكر الانساني مثل مقالاته العذبة بمجلة «المجلة»، بعنوان: «الاقامة في ويمبلدون» التي كشف فيها عن الحوار الانساني العميق الذي يدور بينه وزوجته السيدة الاسكتلندية الذي هو حوار امزجة وطرائف مختلفة في التفكير حولتها المودة الى طبق جميل من المشاعر ومجال انساني لا يلغي فيه احد الآخر وقد عبر بشفافية في حديثه الى حين سألته عن الصعوبات التي يواجهها احيانا نتيجة لهذا الاختلاف في الثقافة والمزاج قائلاً: الامر ليس سهلاً في كل الاوقات، لكنها امرأة في غاية الطيبة، ومتفهمة وهبتني ثلاث بنات جميلات واظن ان افضل ما فعلت هو انني فكرت منذ البداية ان اية محاولة لسودنتها ستكون مضرة بها وبي فقبلتها كما هي وقبلتني كما انا.
ابو العلاء شاعر وليس فيلسوفاً
وعلى النسق نفسه والطريقة ذاتها قدم قراءة عارفة وناقدة للابداع الالماني في مقالاته «الاقامة في فايمار» واحتفظ بالتقليد ذاته في محاضرته عن ابي العلاء شاعراً في خيمة البرنامج الثقافي لمعرض الدوحة للكتاب فاتخذ المؤانسة مدخلا الي اسماع ووجدان الحضور واللغة العذبة بسيطة الجرس عميقة الدلالة لمناقشة اكثر الافكار تعقيداً وليحاجج الدكتور طه حسين نافياً عن ابي العلاء الفلسفة التي اثبتها له ومؤكداً انه شاعر اولاً واخيراً معززاً منطقه بارسال العلامات الدالة على مركزية الشعر في تجربة ابي العلاء ومبيناً موقعه في المثلث الذهبي العربي - المتنبي والمعري وابونواس - ولم ينس وهو يختتم حديثه عن شعرية ابي العلاء الاشارة الى سؤال الالفة في قصيدة ابي العلاء التي يقول فيها:
طربن لضوء البارق المتعالي
بغداد وهنا ما لهن ومالي
اذا لاح ايماض سترت وجوهها
كأنى عمرو والمطي سعالى
قائلاً: انها قصيدة باذخة الجمال ونص بليغ يضئ احوالنا المعاصرة، حيث الناس مثل ابل ابي العلاء تريد عالماً إليفا ويصر الناس على احاطتها بالنوازع المادية.
التشكيل والرواية
ولا تكتمل هذه الكلمة حول المؤانسة والعرفان في حضرة الطيب صالح دون الاشارة الى تداعياته في الاجابة عن سؤالي حول علاقته شخصياً باجناس الابداع الاخرى وتجليها في كتابته وخصوصاً علاقته بالموسيقى التي قال فيها إن الفنون جميعاً تتجاوز وتتحاور وتؤثر في تجربة الفنان وخبرته الابداعية لكن التشكيل والموسيقى يأخذان ارجحية وخصوصية عندي خاصة تجربتي مع الفنان التشكيلي الكبير ابراهيم الصلحي الذي فتحت لي رسومه بعض الآفاق في الرواية وفتحت له رواياتي بعض الآفاق في التشكيل وقد انتبه المرحوم الشاعر توفيق صائغ الى ذلك مبكراً فكلف الصلحي بعمل الرسوم للطبعة الاولى من «عرس الزين» التي اصدرتها دار الحوار، فجاءت تحفة فنية.
موسيقى الجاز
اما الموسيقى فقد مكنتني تجربتي مع الـ (بي بي سي) في الاستماع والتعرف على موسيقى من كل انحاء العالم ووجدت انني احب موسيقى الجاز خاصة اغنيات الفنانة العظيمة سيرا بون التي يترقرق صوتها كالفضة المذابة وهي تغني تجربة وجودية وجمالية عظيمة يشاركها في التعبير عنها مغنون كبار أسسوا للمعطى الحضاري الابرز لامريكا - موسيقى الجاز - امثال ماهيلا جاكسون وادي فيزجرالد ولوي ارمسترونغ وراي شارلس، واما تجلي الموسيقى في ابداعه فقال عنها: لقد نشأت في منطقة تمثل المدائح للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بايقاعاتها وانغامها وايقاعات الطمبور «الربابة» جزءاً اصيلاً من عمارة الوجدان، ولا بد ان شيئاً من ذلك تسرّب من لا وعيي الى عمارتي اللغوية والتعبيرية.
لقد طوف بنا المبدع الكبير الطيب صالح في ارخبيل من الالفة والمسرات في حضرته العذبة بين آلاء المؤانسة والعرفان. نقلا عن الراى العام السودانية 7يونيو2006
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أرخبيل الألفة والمسرات...محمد الربيع محمد صالح (Re: مطر قادم)
|
الاخ الحنون /مطر قادم
معزتى ومودتى واشواقى الحاره
دائما كالعهد بك تاتى بالجميل ياجميل. التحيه ايضا للفنان الاديب الرائع محمد الربيع
لقد ازدانت به الدوحه ونحن ايضا فهو بيننا دوما يتحفنا بالروائع..
ادخل هذا البوست سترى صوره هنا لاحقا فى يوم كان جميلا/ بورداب الدوحه يحتفلون ببودراب الرياض وبورداب سويسرا
تقبل تحيات الاخ سليمان عبدالرسول..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أرخبيل الألفة والمسرات...محمد الربيع محمد صالح (Re: nassar elhaj)
|
الاخnassar elhaj كل التحايا والود
Quote: الصديق محمد الربيع محمد صالح هو نفسه يمثل أرخبيل من الألفة والمسرات إنسان وكاتب بديع ورائع وملم بخيط همومه الابداعية له المحبة والمودة دائماً... |
شكرا على المرور والتعليق ولقد كان ومازال صديقنا محمد الربيع مثلما قلت ويزيد وكان محل محبة وتقدير اينما حل وذهب وايامها كانت كتاباته وهو طالب فى الجامعة ذات اسلوب فخيم ومنغم.
| |
|
|
|
|
|
|
|