|
في قبول الآخر
|
الصباح رباح في قبول الآخر -سعد الدين إبراهيم
في الحافلة التي تحمل ركاباً من مختلف السحنات ركب رجل يحمل «لاب توب» جلس وأخذ يعمل فيه.. ثم رن «موبايله» فرد عليه بلهجة تنم عن ثقافة أو تعليم.. بعد حين.. أوقف الحافلة ونزل.. هنا صفق مواطن بيديه عجباً وهتف: فعلاً آخر زمن.. بقوا يشيلو «لاب توبات وموبايلات».. كان ذلك معرضاً بالجهة التي ينتمي اليها الشخص ولا تجتهد.. عزيزى القارىء.. في معرفتها فلا ينجو من تقليل الشأن أحد فان كنت «أسمر اللونا» فانت من المستعبدين.. وان كنت عكس ذلك فأنت «حلبي».. وان كنت خاتف لونين فانت «عربي ساكت».. اندهشت ولكن ليس كثيراً فقد قرأت من قبل لكاتب مرموق أو ينبغى ان يكون كذلك.. وقد اشار متحسراً على أبناء جهات بعينها اذ اصبحوا مهندسين وأطباء.. وتباكى على زمن كانوا يعملون بسواعدهم ويبنون العمائر فكانوا أصحاب عضلات قوية.. كأنما يريد من هؤلاء ان يظلوا يعملون طلباً وباعة سلع هامشية وعمال عتالة حتى ان تعلموا وتخرجوا في الجامعات.. والمضحك في الأمر ولو انه ضحك كالبكاء.. في ان يتخرج أبناء هذه الجهات في كلية الهندسة فلا يعملون مهندسين بل عمال بناء حتى يظلوا أقوياء ولهم عضلات من جراء العمل الشاق ومن يتخرج منهم في كلية الطب يعمل في نظافة المستشفيات حتى يظل قوي العود خشن الكف.. البعض للأسف لا يفهم ان امتهان بعض أفراد الجهات لمهن يسمونها وضيعة لم يكن الا لأسباب حضارية وقد تغيرت وتبدلت وليس لأنهم بسحناتهم وهيئاتهم خلقوا لهذه المهن الشاقة.. وانهم لما تعلموا وتفوقوا استحقوا المواقع التي يشغلونها بعلمهم ودأبهم وكفاحهم.. لعل الجميع يعلم انني من المنتمين لوادي حلفا.. وذات مرة وكنا جلوساً أخذ أحد المتحدثين يتحدث عن رهطي بسوء.. وتفهمت انه من الجهلاء الذين يثبتون المواقف والسلوك.. فقد يكون رأي أحد الأفراد سيئاً.. وكل جنس في العالم فيه الجيد والردىء فالناس بشر يخطئون ويصيبون.. ولما استمر في غيه.. ويبدو اننى كنت أعاني في كظم غيظي.. فأنتبه أحد الأصدقاء وأعلمه بأنني من هؤلاء القوم فأسقط في يده فقال: علي الطلاق ما منهم!! وبالمقابل كنا في أول أيام رمضان وقد سكنا في حي جديد وكان ذلك أول رمضان لنا في الحي وكنا قد اعتدنا في الحي السابق ان نفطر أمام البيت.. ولكن لاحظ أبنائى انه لا أحد قدخرج أثناء الآذان فأفطرنا في الحوش وتركنا الباب مفتوحاً.. فمر رجل.. فأرسلت أبنائي لاصطياده ليفطر معنا.. و«تعكلتوا» فيه فدخل مجبراً.. ورغم انه اعتذر بأنه مفطر بسبب مرض يبيح له الفطر الا اننا مضينا قدماً في التمسك بافطاره معنا وقد كان.. ولما شربنا الشاي وفي انتظار القهوة سألنا هل انتم من حلفا؟ لما قلنا له: نعم ابتسم ثم ضحك وحكى لنا انه لم يحدث ان تناول افطاراً بهذه الكيفية الا مع حلفاويين حدث له ذلك في «اروما» مرة... وفي «الكلاكلة» مرة أخرى.. وعدد من المرات.. وخرج بانطباع اننا قوم كرماء ورغم اعجابي بالمديح المطرب الا اننى قلت له نحن من البشر فينا الكريم وفينا البخيل.. عموماً نحن في حاجة الى قبول بعضنا أكثر فأكثر.. ولأننا نجهل ثقافات «بعضنا» ولا نعرف الكثير عن «بعضنا» يظل «بعضنا» عدواً لما جهل!
http://www.rayaam.info/Raay_view.aspx?pid=560&id=42085
|
|
|
|
|
|