|
|
 كتاب مثير للجدل«عهد مبارك» على مشرحة جلال أمين
|
«عهد مبارك» على مشرحة جلال أمين
كتابه الجديد يطرح قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية، من الفساد والفقر والردّة الدينية إلى توريث الحكم: مسائل تتداخل فتشكّل صورة مصر في ربع القرن الأخير. والنتيجة، صورة قاتمة، وإن اختتم المؤلف عمله ببعض الأمل
محمد خير
«هكذا جاء الرئيس ريغان وذهب، والرئيس بوش الأب وذهب، والرئيس كلينتون وذهب، ثم الرئيس بوش الابن وكاد يذهب، كل هذا والرئيس مبارك قابع في مكانه. فالرؤساء يأتون ويذهبون إلا الرئيس مبارك. فيا له من رجل!» هكذا اختار المفكر المصري جلال أمين أن يفتتح كتابه «مصر والمصريون في عهد مبارك، 1981 ـــــ 2008» ( دار ميريت) الذي واكبت طباعته ذهاب الرئيس بوش الابن ومجيء أوباما. لكنّ أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة لم يصدر كتابه ليقارن بين رئاستين على النمطين المصري والأميركي، بل لأنّه «آن الأوان لأن نلقي نظرة شاملة على عهد الرئيس حسني مبارك بأكمله. فها قد مرّ أكثر من ربع قرن على تسلّمه حكم مصر»، وخصوصاً أنّ «دلائل كثيرة تشير إلى أنّ عصر مبارك أصبح قريباً جداً من نهايته».
رغم أنّ الكتاب ينطلق من بداية حكم مبارك التي مثّلت «شهر عسل قصير كان لا بد منه في أعقاب حادث بخطورة قتل رئيس الجمهورية» (يقصد اغتيال أنور السادات، 1981)، إلا أنّ المؤلف يعود إلى ما قبل ذلك بكثير: يتلمّس بداية الظواهر، بدءاً من زمن نكسة 67، وأحياناً إلى العهد الملكي قبل ثورة يوليو، بل يعود إلى القرن التاسع عشر ويتتبّع صفات وسمات مصرية قد تعود بداية تشكّلها إلى العصر الفرعوني. لكنّ الكتاب يختار عدداً من القضايا تتنوع بين اقتصادية واجتماعية وسياسية (الفساد والفقر، المثقفون والصحافة، الخطاب الديني، والاغتراب وتوريث الحكم، صورة مصر وحجمها في العالم العربي....)، وهي قضايا تتداخل لتشكّل صورة البلاد في ربع القرن الأخير، وهي صورة ليست إيجابية، وإن اختتم المؤلف كتابه ببعض الأمل.
ينطلق أمين في وصفه مصر الحالية من مفهوم «الدولة الرخوة». المصطلح الذي أطلقه عالم الاجتماع السويدي غونار ميردال نهاية الستينيات، كان يعني به دولاً ـــــ معظمها من العالم الثالث ـــــ تصدر القوانين ولا تطبّقها. هي دولة العمولات والسمسرة، الرشى والنفوذ المالي... من البديهي إذًا أن ينتقل المؤلف من هنا إلى مرحلة الانفتاح الساداتي الذي يختلف عن المفهوم الطبيعي للانفتاح، حيث «تخلّي الدولة عن النشاط الإنتاجي الذي يمكن أن يقوم به الأفراد، وتركيز الدولة على البنى الأساسية وحماية النظام العام وتطبيق القانون». ما حدث في مصر خلال ثلث القرن الأخير كان مرتبطاً بفتح الاستيراد وإلغاء ـــــ فرض ـــــ الحماية على المنتجين المحليين»، حسب ما تمليه مصالح فئة معينة من عليّة القوم».
هذا السلوك الذي بدأ في عصر السادات، استشرى خلال عصر مبارك. منذ منتصف الثمانينيات، بدأ المصريون يعانون مما تكشَّف من عيوب تلك الدولة الرخوة، مع عودة المهاجرين من بلاد النفط، وانخفاض الرواج التجاري المرتبط بالانفتاح المفاجئ. وبدأ عصر جديد يختلف عن دولة «الشدّة» الناصرية، وعن دولة السادات وانفتاحها «السداح مداح». إنه عصر مبارك الذي «لم يكن صاحب مشروع... بل كان مطالباً فقط بالسير في الطريق نفسه الذي شقّه السادات». بالتالي، كان طبيعياً أن يستعين برجال من نوع جديد، مستعدين للقيام بأي شيء ما دام هناك مقابل مُجز، وهو التعريف الصحيح ـــــ يقول الكاتب ـــــ لوصف المرتزقة. من هنا، لم يعد غريباً، كما يشرح المؤلف في فصل «الفساد»، أن تتحول مصر في السنوات العشرين الأخيرة إلى «دولة ضعيفة فاقدة للقدرة أو حتى الرغبة في معاقبة الخارجين عن القانون، ولا تملك أي مشرع قومي أو هدف وطني يجتمع عليه الناس، وتعلّق أهمية كبرى على رضا القوة الخارجية التي تحميها وتسمح لها بالبقاء في الحكم وتعطيها المعونات». بالتالي، يشرح المؤلف منطقيّة انتشار الفساد في دولة مماثلة، تتجاور فيها أنماط عيش شاسعة الاختلاف، بين ثراء فاحش وفقر يائس يحتكّان يومياً بصورة تزيد من الشعور بالحرمان. على رغم أنّ الفقراء المصريين، قبل الثورة أو حتى خلال العهد الناصري، كانوا أشد فقراً من اليوم، إلا أنّ التطلّعات التي تزيدها الميديا وأنماط سلوك الإنفاق ارتفعت أيضاً، ما زاد شعور «الحرمان».
دولة رخوة وحكم بلا مشروع وعدالة غائبة، ظروف مناسبة لانتعاش ظاهرة «الاغتراب»، وانتعاش ظواهر أبرزها «الصحوة الدينية» التي يفضّل المؤلف تسميتها «المدّ الديني»، ملاحظاً ما أصاب الخطاب الديني المصري من تراجع، أبرز علاماته فوضى الفتاوى الدينية، وإن كان لا يرى في انتشار الحجاب بين المصريات «ردة»، بل تعبيراً عن ظرف اجتماعي واكب خروج المرأة إلى العمل والدراسة، ما فضّلت معه أن تضع غطاءً للرأس. «بحجاب أو بدونه»، ليس في ذلك أيّ تناقض، تماماً كما لاحظ تجّار الكتب محاولة الشباب التوفيق بين الماضي والحاضر، فانتعشت تجارة الكتب الدينية التراثية، جنباً إلى جنب مع كتب الكمبيوتر.
نغمة الأسى الواضحة في معظم الصفحات، تكتسي شيئاً من الأمل في الخاتمة، حيث يخاطب المؤلف قوى المعارضة والإصلاح، مطالباً إياها بعدم استخدام خطاب يستغل إحباطات الناس لتحقيق مكاسب وقتية، بل الاعتراف بأنّ النهضة تحتاج إلى مدى زمني طويل لعلاج تدهور 40 سنة خلت وانحطاطها، ويحتاج، فضلاً عن مناخ تغيير دولي، إلى اشتداد سواعد الإصلاح في الداخل، ورؤية واضحة تميّز بين التغيير المطلوب والتغيير الممكن.
.
|
|
 
|
|
|
|
زهير عثمان حمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست