|
... محمد حسنين هيكل و الفاضل سعيـــد
|
اليكم كلمات هذا الرجل العاقل و هو يودع قراءه الكثيرون على امتداد العالم العربى. و ليس المقصود مقال هيكل و طرحه هنا ، فذلك أمر سأفرد له بوست اخر ، و المقصود من هذه الكلمات سأحدثكم عنه لاحقا ..و ربما يتسائل الكثير منكم ، ما العالاقة بين هيكل و الفاضل سعيد ، و هذا ما سأناقشه لاحقا . فالى كلمات هيكل مودعـــا :
بقلم: محمد حسنين هيكل لقد كان يرد على بالي منذ سنوات ان الوقت يقترب من لحظة يمكن فيها لمحارب قديم ان يستأذن في الانصراف، وظني ان هذه اللحظة حل موعدها بالنسبة لي، ففي يوم من أيام هذا الشهر (سبتمبر/ايلول 2003) استوفيت عامي الثمانين وذلك قول شهادة الميلاد وهو دقيق يومىء بحمد الله الى عمر طويل مديد لكن هناك مع ذلك قولاً آخر أكثر صواباً هو حساب زمان العمل على مساحة العمر، والحقيقة انه في حالتي تواصل دون انقطاع لأكثر من ستين سنة (قرابة اثنتين وستين) لأن تجربتي معه بدأت بالتحديد يوم 8 فبراير/شباط 1942 حين رأى استاذنا في مادة جمع الأخبار ان يعرض على اربعة من تلاميذه (تكرمت المقادير وكنت أحدهم) فرصة التدريب العملي تحت اشرافه في جريدة “الاجيبشيان جازيت” وهو يومها مدير تحريرها، وهي وقتها، وبسبب ظروف الحرب وزحام الجيوش، أوسع الجرائد الصادرة في مصر انتشاراً (رغم لغتها الانجليزية). وكانت فكرة هذا الاستاذ وهو “سكوت واطسن” ان التدريب العملي يعطي تلاميذه امكانية الجمع بين الدراسة والممارسة وذلك تأهيل ناجز ونافع. وكان الرجل خبيراً عارفاً، فقد كان قبل التدريس مراسلاً صحافياً غطى الحرب الأهلية في اسبانيا (1936 1939) وفي تلك المهمة زامل اسماء علت ولمعت في آفاق النجوم (من طراز ارنست همنجواي) وجورج أرويل وآرثر كوستلر واندريه مالرو وغيرهم) ولم نكن وقتها ندرك ما فيه الكفاية عن هؤلاء الرجال ولا عن المعركة الإنسانية الكبرى التي نبهوا العالم اليها خبراً ورأياً لكن شخصية استاذنا وما تميزت به من الحماسة المشبوبة بالنار تكفلت بتعويض النقص في معارفنا حتى أتيح لنا فيما بعد ان نستوعب تلك الرابطة الدقيقة العميقة بين الحرف والموقف وعلى اية حال فإنه من 8 فبراير/شباط 1948 وحتى سبتمبر/ايلول 2003 مشت الدراسة والممارسة بسرعة ومسافة فلكية باعتبار متغيرات العصور والعلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وكان تقديري ان أي حياة عمرا وعملا لها فترة صلاحية بدنية وعقلية وانه من الصواب ان يقر كل انسان بهذه الحقيقة ويعطيها بالحس قبل النص واجبها واحترامها، ثم انه من اللائق ان يجيء مثل هذا الاقرار قبولا ورضى وليس إقرارا وقسراً كما يستحسن ان يتوافق مع أوانه فلا ينتظر المعني به حتى تتطوع مصارحة مخلصة او تدارى مجاملة مشفقة لأن انتظار المصارحة مؤلم وغطاء المجاملة مهين. وكذلك حاولت من سنوات ان انبه نفسي بين وقت وآخر الى مزالق الانتظار وضمن ما فعلت انني وضعت حدوداً لما اكتب بأفضلية ان يتساءل الناس “لماذا لا يكتب هذا الرجل اكثر” بدلاً ان يكون سؤالهم “لماذا يكتب هذا الرجل اصلاً” وعلى نفس المنوال فإن ما يساورني الآن يتلخص في افضلية ان يتساءل الناس “لماذا يستأذن هذا الرجل في الانصراف متعجلاً” بدلاً من ان يكون سؤالهم “لماذا يتلكأ هذا الرجل متثاقلاً”.
|
|
|
|
|
|