عبر الاميل من أخ حبيب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 08:09 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-14-2003, 06:32 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عبر الاميل من أخ حبيب


    ما بعد الحداثة.. مقدمة قصيرة جدا

    عرض/ كامبردج بوك ريفيوز
    اختصار الأفكار والتوجهات الكبرى والخلافية في كتاب واحد يعتبر في حد ذاته تحديا مرهقا لا يتصدى له إلا من له باع كبير في الموضوع المعني. ويتضاعف ذلك التحدي في حالة التصدي للكتابة عن "ما بعد الحداثة", وهو موضوع يحيط به الغموض والتفكيك وأحيانا الازدراء, لأن محاولة اختصارها في كتاب يهدف لأن يكون "مقدمة قصيرة جدا" وتعريفية هي مهمة عسيرة حقا.


    غلاف الكتاب
    -اسم الكتاب: ما بعد الحداثة.. مقدمة قصيرة جدا
    -المؤلف: كريستوفر بتلر
    -عدد الصفحات: 142
    -الطبعة: 2002
    -الناشر: أوكسفورد يونفرستي برس, أوكسفورد


    التحدي المزدوج
    كتاب كريستوفر بتلر, وهو بروفيسور الفكر والنقد الحديث, يمثل تحديا مزدوجا. ما بعد الحداثة هو العنوان الكبير لكل ما له علاقة بالتمرد على الأنماط والأطر السائدة والتقاليد الكتابية والفنية التي تتبع أسسا واضحة ومتمايزة عن بعضها البعض.

    فهي لا تؤمن بالخضوع للقواعد بل بكسرها، ولا تؤمن بالفواصل والحدود بين أنواع الكتابة المختلفة بل بخلطها بعضها ببعض.


    يتمتع بتلر بذهن مرتب, وشغفه باستخدام القوائم والتصانيف غير مقتصر على محاضراته

    في الصفحة الرابعة والعشرين من كتاب كريستوفر بتلر هذا يوجز تأثير مقالة رولان بارت الشهيرة "موت المؤلف" وأفكار دريدا عن "الفوارق" في النظرية الأدبية بعبارات ناقدة حين يقول "الآن أطلقت جميع النصوص لتسبح بحرية مع نظيراتها في اللغة أو الأدب أو الجنس الأدبي في بحر من التداخل النصي لم تعد مهمة فيه الفوارق التي كانت في الماضي تميز ما بينها, وبات ينظر إليها بشكل جمعي على أنها صيغ لخطاب عابث واسع الانتشار (يشبه المحاضرات التي يلقيها دريدا نفسه والتي تحولت إلى مونولوجات مطولة ومنفلتة وغير منظمة وخالية من التركيز)".

    هذا التوصيف يمثل بالتأكيد صفعة قوية فيها الكثير من التعالي, ولا شك في أنها ستثير الكثير من الابتسام خصوصا بين أولئك القراء الذين استمعوا إلى محاضرات بتلر في جامعة أوكسفورد، إذ إن أسلوب بتلر في المحاضرات كان ولا يزال يتميز بالتنظيم البيزنطي المبالغ فيه وهو النقيض المباشر لما ينتقده لدى ما بعد الحداثيين, حيث يسود اللاتنظيم والفوضى.

    ففي أولى محاضراته عن "الحداثة" جاء على ذكر 27 سمة مشتركة بين الأعمال التي تنتمي إلى الفن الحديث، ثم تناول كل واحدة منها بعناية ودقة. وهو أمر يذكرنا بالنكتة القديمة التي تقول إن أحدهم قد استمع إلى اثنين من أساتذة أوكسفورد وهما يتحدثان إلى بعضهما بعضا ويسيران في الشارع, وكان أحدهما يقول للآخر: "... أما النقطة الرابعة عشرة فهي...".

    إن التعارض بين أساليب كتابة المحاضرات مهم من زاوية ما يظهره من اختلافات عامة بين التوجه الفكري لبتلر وذلك الذي يميز المفكرين الذين يناقش أعمالهم، إذ يتمتع بتلر بذهن مرتب, وشغفه باستخدام القوائم والتصانيف غير مقتصر على محاضراته.

    ففي الصفحة الخامسة من كتابه "ما بعد الحداثة" الذي بين أيدينا نجد قائمة بـ"الفنانين الذين يختلفون كثيرا عن بعضهم بعضا"، وفي الصفحة 123 قائمة أخرى بـ"أفراد التقليد الفلسفي الأنغلوأميركي". وهناك قائمة أخرى في الصفحة 126 عن "الروائيين الليبراليين التقليديين". وما هذه إلا عينات من قوائم كثيرة أخرى يحفل بها الكتاب.

    من هذه الدلائل وغيرها يسهل علينا الاستنتاج بأن بتلر ليس واحدا من الذين ولدوا "ما بعد حداثيين" بالفطرة. وهنا يكون من الطبيعي منه أن ينظر إلى مادة بحثه من المفكرين الخارجين عن المألوف والمنفلتين والنسبيين بشيء من الاستغراب، وذلك ما يفعله بالضبط.


    يشير علينا المؤلف بأن نكون على استعداد للنظر في كثير من أفكار ما بعد الحداثة على أنها مضطربة في أفضل أحوالها ومجردة من الصدق في أسوأ الأحوال

    التشكيك: جوهر ما بعد الحداثة
    الفصول الثلاثة الأولى من الكتاب عبارة عن تلخيص للفكر "ما بعد الحداثي". وهنا يكتب بتلر قائلا "سوف أواجه التشكيك ما بعد الحداثي بتشكيك مقابل من جانبي أنا". وهذا الموقف المتفحص هو الذي يجعل من كتاب "ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا" واحدا من أكثر القراءات المتوفرة عن الموضوع فائدة ورصانة.

    ودون أي إنكار لتأثيراتها الثقافية أو لجوء إلى الهجمات الاعتباطية على آبائها المؤسسين, يعرض لنا بتلر مسحا لما بعد الحداثة يمكن القول عنه بشكل عام إنه واضح ونقدي وموسع ومفيد. وهو يشير إلى "أنماط اللغة والكتابة المبهمة إن لم نقل المشوشة" التي يستخدمها المثقفون ما بعد الحداثيين, وإلى الإغراء الذي تمثله مثل تلك الكتابات "للظرف الثقافي الخاص بأقلية من المثقفين"، ثم يشير علينا بأن نكون "على استعداد للنظر في كثير من أفكار ما بعد الحداثة على أنها مضطربة في أفضل أحوالها ومجردة من الصدق في أسوأ الأحوال". ولا شك في أن هذه الآراء تمثل موقفا جديدا طالت الحاجة إليه لتقييم موضوع طالما اقتصر عرضه على جماعة المنتمين إليه وحسب.

    إلا أن ثمة للأسف الشديد حدودا للتشكيك الذي يطرحه بتلر الذي لم يذهب إلى آخر الشوط في نقده التشكيكي لما بعد الحداثة. البعض من تلك الحدود حدود ضرورة (إذ ليس بوسع الكاتب الذي اختار أن "يقدم" ما بعد الحداثة أن يفعل ذلك بإنصاف إذا ما هو اعتمد لغة انتقادية قاطعة في معارضتها لهذه الحركة).

    أما البعض الآخر لتلك الحدود فينبع -عن وعي أو عن لاوعي- من عدم استعداد بتلر نفسه لمعارضة افتتانه الأصيل -وإن جاءه على مضض- بكتابات ما بعد الحداثة.

    وعلى العموم فليس من غير المتوقع من جانب أي شخص يتولى كتابة "مقدمة قصيرة جدا" لأي موضوع أن يحمل تعاطفا أو قرابة طبيعية لذلك الموضوع. ولكن متى ما أعلن الكاتب أنه سوف يقدم قراءة تشكيكية لعمل ما, فإن من حق القراء مطالبته بالمضي قدما في التعهد الذي قطعه على نفسه بكل ما أوتي من ذكاء وخبرة.


    ما بعد الحداثيين هدامون نقديون جيدون لكنهم فظيعون في دور البناة

    ما بعد الحداثة إطار مذهل أم تفكيك مذهل؟
    لكن بتلر الذي يعلن مرارا تشكيكه في تماسك ما بعد الحداثة مكررا وجود افتراضات غير مؤكدة لديه, يدعي بأنه يريد إخضاعها للمساءلة. على سبيل المثال نجده يقوم في وقت مبكر بمسح للمنطقة التي يريد أن يجوس فيها, ثم يسمي عددا من المثقفين الأكثر نفوذا -مثل بارت ودريدا وفوكو- ويقدم مؤشرات موجزة عن اهتماماتهم الأكاديمية الأصلية (مثل اهتمام دريدا بنتشه).

    ثم يبدأ المقطع التالي بجملة تقول "هذا الإطار الفكري المذهل الجديد..." وهي جملة يطلقها قبل أن ينتهي من بسط الرقعة التي كتب أو فكر ضمنها أي من هؤلاء الأشخاص.

    هناك المزيد من التحليل الذي يأتي لاحقا, لكنه انطلق منذ البداية إلى وضع قرائه في هذا الموضع المحير عن طريق الإقرار بأن عمل هؤلاء المثقفين يعتبر (أ) مذهلا, و(ب) جديدا, و(ج) إطارا و(د) فكريا.

    لكننا نجده لاحقا يعمد بالتحديد إلى تفنيد بعض هذه الادعاءات، مثل فكرة كون ما بعد الحداثة "إطارا". فالإطار هو الأساس الصلب الذي يقوم عليه البناء التالي, وهو النقطة المحددة التي يمكن أن تبنى حولها وعليها أشياء أخرى.

    لكن بتلر يكتب في خاتمة كتابه أن "ما بعد الحداثيين هدامون نقديون جيدون, لكنهم فظيعون في دور البناة". وهكذا يكون بتلر محقا في تشخيصه لما بعد الحداثة بصفتها موقفا هدميا بدلا من كونها أساسا راسيا, فلماذا يطالعنا بذلك الكلام عن "الإطار المذهل?"


    المصدر الرئيسي لخيبة الأمل يأتي من عدم توسع بتلر في إظهار موقف الفاحص الموضوعي الذي التزم به في بداية كتابه وإحجامه عن اصطياد المزيد من أمثلة الرطانة والادعاءات الجوفاء في شبكة نقده الذكي

    أثر أفكار ما بعد الحداثيين
    في الفصل الرابع من الكتاب يوجه بتلر اهتمامه وبقدر معقول من التركيز لمناقشة أثر أفكار ما بعد الحداثيين في الفنون وفي العالم الأوسع. وهنا يحتفظ بحد أدنى من التشكيك والنقد وإن كان لا يتغلغل فيه كثيرا. لكنه يحتفظ بصمت لا يغتفر إزاء واحد من أقسى إخفاقات ما بعد الحداثة وأبشعها: ذلك هو بالطبع رتابتها المرهقة إلى أقصى حد.

    وكمثال جيد على ذلك نستشهد بتناوله للفن التركيبي. فعند تصديه لعمل جيف كونز الذي حمل عنوان "ماكنة هوفر الجديدة القابلة للتحوير" (1980) وهو عبارة عن مكنسة كهربائية في صندوق زجاجي, يكتب بتلر قائلا "في هذا العمل يتهكم كونز على أعمال دوشامب الجاهزة، لأن هذه في الحقيقة أداة استهلاكية مرغوب بها (وليست مجرد مبولة أو عجلة دراجة مثل أعمال دوشامب)".

    مرة أخرى يقودنا كلام بتلر إلى مساءلة درجة تشككه: إذ إن خلع صفة المحاكاة التهكمية على عمل كونز لا يمكن أن يكون إلا مبالغة في السخاء. ففي عام 1917 عرض مارسيل دوشامب عملا أطلق عليه اسم "النافورة" وكان عبارة عن مبولة نصبها في معرض فني, ثم ألقى بيانا عن الكيفية التي يتم بها إيصال شروط "الفن" عبر مؤسسة المعارض الفنية.

    وقد صدم ذلك البيان جمهور المستمعين وحملهم على إعادة النظر في وضعهم كمستهلكين للفن, وفي علاقتهم بالأشياء اليومية. يمكن نسب مثل هذه الادعاءات إلى "النافورة" لأن الزمان كان عام 1917 وكان مثل هذا الموقف يحمل الجدة والغرابة.

    وما يفعله الفنانون من أمثال كونز هو إعادة تقديم الحيلة القديمة إنما عبر استبدال المكنسة الكهربائية هذه المرة (أو كومة طابوق, أو سرير غير مرتب) مكان المبولة. وفي كل حالة تطلق القطعة المعروضة إشارة بكماء باتجاه قضايا مبهمة مختلفة, لكن الفكرة المركزية تظل واحدة. ولما كان هذا النوع من الفن الإدراكي يعتمد كليا على الفكرة, فإن الحيلة سرعان ما تصبح مثيرة للضجر. وعلى الرغم من أن بتلر لم يأت على ذلك, فإن الشيء نفسه يمكن أن يقال عن الكثير من مواقف ما بعد الحداثة.

    ربما هناك الكثير ممن يشعرون بخيبة الأمل لأن بتلر لم يكتب "المقدمة" التي كانوا يرغبون في كتابتها بأنفسهم. لكن المصدر الرئيسي لخيبة الأمل يأتي من عدم توسع بتلر في إظهار موقف الفاحص الموضوعي الذي التزم به في بداية كتابه وإحجامه عن اصطياد المزيد من أمثلة الرطانة والادعاءات الجوفاء في شبكة نقده الذكي.

    لكن أيا من هذه الملاحظات لا يغير شيئا من الحقيقة المهمة وهي أن كتاب "ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا" يظل واحدا من أشد الكتب توازنا ومعقولية ووضوحا في هذا المجال, وأنه في حد ذاته يعتبر إنجازا كبيرا.



    (عدل بواسطة bayan on 09-14-2003, 06:44 AM)

                  

09-14-2003, 06:34 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبر الاميل من أخ حبيب (Re: bayan)





    الحداثة الغربية .. مطلب أم تحدي؟

    * بقلم/ إبراهيم غرايبة

    لم تكن الحداثة أو التحديث بمفهومه الفلسفي وتطبيقه العملي والحضاري أمرا جديدا طارئا على الحضارة العربية الإسلامية بعد الاتصال بالغرب، فالإسلام بحد ذاته مشروع حداثي غير القيم والمفاهيم والثقافة السائدة، وحرك أتباعه نحو التحرير والنهضة والتغيير ورفض التقليد والاتباع غير الواعي للموروث والتقاليد.

    وشهد الفكر والعمل الإسلامي حالات من الحداثة والتجديد المهمة والمتتابعة بلا توقف، وأهمها في العصر الحديث حركات وجهود الإصلاح التي بدأت في القرن التاسع عشر الميلادي، وكان لبعضها صلات وتفاعلات مع الحضارة الغربية الزاحفة عسكريا واحتلاليا إلى الشرق.


    عندما أفاقت الولايات المتحدة لتجد نفسها بعد الحرب العالمية الثانية قوة عالمية غير واثقة من دورها القومي والدولي أغرقت نفسها والعالم في صدمات تجريبية

    مسار الحداثة
    فالحداثة الغربية بالمفهوم المتداول اليوم والذي ينصرف إليه الذهن عند ذكر هذا المصطلح تعنى حالة ثقافية وفكرية بدأت في أوائل القرن العشرين، ويعتبرها المؤرخ البريطاني الشهير أرنولد توينبي بدأت عام 1875، وقد شهدت الفترة بين عام 1910 وعام 1950 ذروة نشاط الحداثة، لتبدأ بعد ذلك حقبة حداثية أخرى اصطلح على تسميتها "ما بعد الحداثة" وإن كان البعض يعتبر ما بعد الحداثة ظاهرة ثمانينية ارتبطت بالمعلوماتية والاتصال، وما كان قبل ذلك فهو من امتدادات الحداثة المرتبطة بالصناعة.

    وقد شهدت اتجاهات الأدب والنقد والثقافة والفلسفة والاجتماع والفكر في موجة الحداثة وما بعدها تحولات كبيرة تجلت في تطبيقاتها العملية في الأدب والفن الحديث الذي أوقف الاتجاهات الكلاسيكية، وفي الليبرالية السياسية والاقتصادية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

    وعندما أفاقت الولايات المتحدة لتجد نفسها بعد الحرب العالمية الثانية قوة عالمية غير واثقة من دورها القومي والدولي أغرقت نفسها والعالم في صدمات تجريبية، وفي الحرب الباردة، والنزعة الاستهلاكية، والمعاداة الهستيرية للشيوعية، والثورة الإباحية في الحياة والسينما، والحقوق المدنية، وحقوق النساء، وحرية الشذوذ، والأصولية المسيحية.

    وانعكست هذه التفاعلات الغربية المنشأ في الشرق العربي والإسلامي على نحو ظهرت معه الحداثة العربية والإسلامية رد فعل على الحداثة الغربية، فتحولت الحركة الإصلاحية التي بدأت إسلامية موحدة في القرن التاسع عشر إلى اتجاهات ليبرالية وإسلامية، فكان لطفي السيد ورشيد رضا على سبيل المثال من تلاميذ محمد عبده، وظهرت الاتجاهات الحديثة في الشعر والفن والموسيقى والغناء، وتكونت المدن الحديثة العملاقة على حساب الريف المستنزف المهجور الملوث، وتكون اقتصاد خدماتي تضاءلت فيه الزراعة إلى درجة الفناء أو الاقتراب منه.

    واليوم تبدو الخريطة السياسية والفكرية والفلسفية بعد التحول من الصناعة إلى المعلوماتية (ما بعد الصناعة) وانهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة كما لو أن العالم كان قصورا من الرمل يعصف بها المد، كما يصف الحالة الجديدة آلن تورين مؤلف كتاب "نقد الحداثة" فلم نعد _ يقول تورين_ نؤمن بثقافة حضارة التقنية واستغلال موارد طبيعية لا تنفد، ولم يعد لصورة الإنسانية التي تنهض من البؤس بفضل العمل، وتتقدم في تطور صاعد نحو الوفرة أي تأثير فينا، ولم نعد نحث المعنى عن التاريخ، وأخلاقنا لم يعد يمليها احترام الأب والتعارض بين اللذة المدمرة والطموح أو التوفير كمصدر للربح والفرح، ولم يعد الدين العلماني الرأسمالي أو الاشتراكي يبدو إلا كأيدولوجية تستخدمها الطبقة السائدة كي تفرض تراكم رأس المال.

    الحداثة الغربية والشرق الإسلامي

    التحديث الغربي لم يتوقف عند حركة ثقافية وعلمية وسلوكية، واتجاهات جديدة, بل تعدى ذلك إلى إعادة صياغة وتاطير الشرق


    لقد بدأ تأثير الحداثة الغربية في الشرق العربي والإسلامي عبر مركزين هما: القاهرة بعد الحملة الفرنسية عام 1798 ثم مجيء محمد علي باشا للحكم في مصر عام 1805 وبدء اتصاله الثقافي والتعاوني مع فرنسا، وفي الآستانة عاصمة الدولة العثمانية عندما بدأ السلطان محمود في منتصف القرن التاسع عشر عملية تحديث للدولة العثمانية.

    بدأ التحديث الغربي في مصر وتركيا في الجيش والتعليم، وامتد بمقتضى ذلك وبسرعة إلى الفن والموسيقى واللباس، حتى المساجد بدأت تبنى على الطراز المعماري الإيطالي بخاصة والأوروبي بعامة.

    وأظهر اللباس الغربي الذي بدأ ينتشر في أوساط المتعلمين تأثير المفاهيم البصرية الغربية على الشرق، ومدى اهتراء ثقة العرب والمسلمين بأنفسهم وهوياتهم، "فالملابس تعبر عن الهوية والانتماء، فكأن الناس حين يغيرون ملابسهم ويرتدون ملابس مجتمع آخر يكونون قد اتخذوا خيارا ثقافيا معينا، وكان قبول اللباس ومقاومته يستندان إلى هذه الدلالة" (برنارد لويس/ أين الخطأ: التأثير الغربي واستجابة المسلمين).

    وشهد الشرق بداية الترجمة من اللغات الأوروبية إلى العربية والتركية والفارسية، واختفت اللغات التركية والفارسية من الوسط الثقافي والإداري العربي بعدما كانت سائدة، وتراجعت العربية في إيران وتركيا لتحل محلها اللغة الإنجليزية والفرنسية.

    وبدأت تترجم أعمال في مجالات لم يكن يعرفها أو يهتم بها الشرق العربي والمسلم كالمسرح والروايات والأعمال الأدبية، ثم بدأت محاكاة الحركات والمذاهب والتيارات السياسية الغربية كالقومية والليبرالية، حتى كان القرن العشرون في الشرق قرنا أوروبيا وغربيا، ولكن العالم كله بشرقه وغربه بدأ يشهد مع قدوم السبعينات موجة عودة إلى الدين والأصولية، فظهرت الأصوليات الدينية والقومية والبيئية على نحو يشجع على الاستنتاج أن العلمانية والليبرالية الغربية في الغرب والشرق على السواء تشهد هزيمة وانحسارا، وواجهت الحداثة الجديدة أكبر أزماتها.

    ولكن التحديث الغربي لم يتوقف عند حركة ثقافية وعلمية وسلوكية، واتجاهات جديدة بين الناس وفي الإدارة والتعليم، فيكشف كتاب تيموثي ميتشيل: "استعمار مصر" تحليلات مدهشة عن عمليات إعادة صياغة وتأطير الشرق التي أجراها الاستعمار الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين، فقد أعيد بناء المجتمعات والدول على نحو يضمن السيطرة عليها تماما ويضبطها، فكانت أنظمة الجيش والمدارس والإدارة تضبط السكان والناس في عمليات نمطية محددة تصاحب عمليات التحول الرأسمالي والإنتاجي.

    فقد بدأ المصريون منذ عام 1823 يؤخذون بعشرات الآلاف ويحولون من فلاحين إلى جنود يلتزمون بلباس غربي موحد ومحدد، ويتحركون على إيقاع موسيقى غربية موحدة ومحددة، وبنيت معسكرات وثكنات ومساكن للضباط والجنود وعائلاتهم، وألحق بها مدراس شبه عسكرية لأبنائهم، وأقيمت مؤسسات وكليات لتدريب الجنود والضباط وتأهيلهم، وكانت النتائج المتأتية في ثقافة الناس وتقاليدهم وانضباطهم أبعد بكثير من فكرة الدفاع عن الدولة وعن حدودها وأرضها.

    ونظمت القرى في الإنتاج الزراعي وإدارته بنظام من المأمورين والكتبة والعمد والخفراء والمراكز (البندر) والتفتيش والجباية، والإحصاء، وتنظيم إرسال الفتيان للخدمة العسكرية والأولاد للمدارس والتعليم، وأعيد تنظيم وتخطيط المدن والأحياء والقرى تحت إشراف مهندسين فرنسيين، ونقل السكان إلى بيوت جديدة مصممة لأغراض محددة مسبقا في نمط الحياة والإنتاج، وحولت القرى عمليا إلى معسكرات وثكنات تصوغ حياة الناس وتنظمها وفق رؤية ثقافية وتنظيمية واحتلالية غربية.

    الشرق الحديث والعالم الجديد

    التطبيقات الجديدة في التقنية ستنتقل بحياة الناس, إلى آفاق جديدة، وستطرأ عليها تغيرات جوهرية فينقرض جزء منها وتزداد أهمية أجزاء أخرى

    وتبدو الدول العربية والإسلامية اليوم قد امتلكت كل أدوات الغرب التحديثية من الجيوش والمدارس والجامعات وأنظمة الإدارة والعمارة واللباس، والثقافة والفن، ولكنها بعد قرنين من التحديث تبدو وكأنها في التنمية والإصلاح والاستقلال تسير في الاتجاه المعاكس لما يفترض أن تسير فيه، وتزداد الفجوة بينها وبين الغرب بدلا من تجسيرها.

    فالدول العربية والإسلامية وفق معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية البشرية، والإنتاج الاقتصادي والتقني، والإبداع العلمي والفكري، والمشاركة الحضارية والثقافية في ذيل قائمة دول العالم ولا تفضل سوى بعض دول أفريقيا، وتفوقت عليها دول ناشئة خرجت حديثا من الاحتلال والهزائم مثل اليابان والصين وكوريا وشرق آسيا والكاريبي.

    والعالم اليوم يخرج من المجتمع الصناعي ليدخل مجتمع المعرفة والمعلوماتية، والشرق مازال يراوح في صدمة لم تعد موجودة.

    لقد كونت هذه التحولات تحديات جديدة يجب الالتفات إليها، وقد لقيت الدراسات التي تبشر بهذا التحول إقبالاً واهتماماً كبيراً وكان أشهرها "الموجة الثالثة" (لألفن توفلر)، إذ بيع من الطبعة الأولى من الكتاب عشرة ملايين نسخة، ويعتقد (توفلر) أن البشرية تدخل المرحلة الثالثة أو الموجة الثالثة في مسارها بعد موجتي الزراعة والصناعة وهي مرحلة تنطوي على أنماط جديدة من الحياة والمجتمعات تختلف جذرياً عما سبقها.

    وأصدر عالم الاجتماع الياباني "يونيجي موسودا" كتاباً بعنوان: "مجتمع المعلومات القادم" يتنبأ بمجتمع جديد في أشكاله وتنظيماته ومؤسساته وأدوار أفراده وحكامه ونسق القيم والمعايير التي تولد الغايات وتحكم العلاقات بين الأفراد والمجتمع والمؤسسات.

    ومن قادة إسرائيل المهتمين بطبيعة المرحلة الجديدة شمعون بيريزرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق والذي أصدر مجموعة دراسات منها "مرحلة جديدة لا مكان فيها للمتخلفين ولا عذر للجهلة"، و"إسرائيل على عتبة القرن الحادي والعشرين" وقد سئل بيريز إثر إعلان واشنطن "الاتفاق الأردني -الإسرائيلي" هل تخلت إسرائيل عن مشروع إسرائيل الكبرى" فقال إسرائيل الكبرى تقنياً واقتصادياً وليس جغرافيا.

    لقد انتشرت تطبيقات صناعة المعلومات في كل اتجاه ومجال للحياة في المصانع والحقول والمنازل ومكاتب الإدارة وسفن الفضاء وفصول الدراسة وغرف العمليات، وبمستويات من التطبيق تراوح بين المهارات الدنيا وتصل إلى أدقها وأعلاها، كالترجمة ومعالجة المعلومات وتشخيص الأمراض وقراءة الخرائط والتدريب، والتعليم الذاتي، والتسلية.

    إن هذه التطبيقات الجديدة في التقنية ستنتقل بحياة الناس الاقتصادية والاجتماعية والعلمية إلى آفاق جديدة، وستطرأ عليها تغيرات جوهرية فينقرض جزء منها وتزداد أهمية أجزاء أخرى، وتتغير صيغ الإدارة والعلاقات والقيم والهياكل والبنى التنظيمية والاجتماعية والتشريعات والأنظمة.

    فالعمل تغيرت طبيعته وأهميته، فبعدما كانت الأهمية الأولى للزراعة انتقلت إلى الصناعة، وهي اليوم في المعلوماتية وهو تحول سيؤثر بالطبع على اتجاهات التعليم والتدريب لتلائم تحولات سوق العمل واحتياجاته، فمثلاً لم يعد بإمكان 30% من المديرين في أوروبا وأميركا إحراز ترقيات بسبب عجزهم عن استخدام الكمبيوتر.

    وأتاحت تقنية المعلومات تدفقاً هائلاً في المعلومات "انفجار المعلومات" وإمكانية تحصيلها، حتى أنه ينشر في العام الواحد أكثر من مائة مليون صفحة، وهو تدفق يشكل تراكماً في العلم والمعرفة واستدراكاً ونقضاً، ويغير العلوم والمعارف والمعلومات بسرعة تجعل نصف ما تعلمه المهندس عفى عليه الزمن خلال خمس سنوات، وتجعل التعليم المستمر وإعادة التأهيل جزءاً مستمراً وضرورياً من برامج المؤسسات والأفراد.

    وبانتشار المعلومات وسهولة الحصول عليها بالأقمار الصناعية، وشبكات الاتصال والإنترنت فإنه تصعب وقد تستحيل أعمال الرقابة وضبط تدفق المعلومات وتبادلها، وربما يفسر هذا التحولات نحو الديمقراطية والانفتاح الذي جرى في الاتحاد السوفياتي سابقاً وأوروبا الشرقية.

    لقد أصبحت المعلومات مصدر القوة الأساسية، وستكون معياراً اجتماعياً ووسيلة ارتقاء ومورداً اقتصادياً، وتتأكد قيمة احترام الملكية الفكرية، والحرص على البيانات والأمانة العلمية.
    ــــــــــــــــــ
    كاتب أردني



    (عدل بواسطة bayan on 09-14-2003, 06:38 AM)
    (عدل بواسطة bayan on 09-14-2003, 06:57 AM)

                  

09-14-2003, 06:55 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبر الاميل من أخ حبيب (Re: bayan)

    Quote: وكمثال جيد على ذلك نستشهد بتناوله للفن التركيبي. فعند تصديه لعمل جيف كونز الذي حمل عنوان "ماكنة هوفر الجديدة القابلة للتحوير" (1980) وهو عبارة عن مكنسة كهربائية في صندوق زجاجي, يكتب بتلر قائلا "في هذا العمل يتهكم كونز على أعمال دوشامب الجاهزة، لأن هذه في الحقيقة أداة استهلاكية مرغوب بها (وليست مجرد مبولة أو عجلة دراجة مثل أعمال دوشامب



    Quote: وما يفعله الفنانون من أمثال كونز هو إعادة تقديم الحيلة القديمة إنما عبر استبدال المكنسة الكهربائية هذه المرة (أو كومة طابوق, أو سرير غير مرتب) مكان المبولة. وفي كل حالة تطلق القطعة المعروضة إشارة بكماء باتجاه قضايا مبهمة مختلفة, لكن الفكرة المركزية تظل واحدة. ولما كان هذا النوع من الفن الإدراكي يعتمد كليا على الفكرة, فإن الحيلة سرعان ما تصبح مثيرة للضجر. وعلى الرغم من أن بتلر لم يأت على ذلك, فإن الشيء نفسه يمكن أن يقال عن الكثير من مواقف ما بعد الحداثة.


    ما اشبه اليوم بالبارحة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de