|
هى الدنيا يا محيميد
|
أدناه رسالة خاصة, عمرها اكثر من خمس سنوات, أعدت قراءتها اليوم فأحسست أن الدنيا ( مكانك سر), وأن لا شئ تغير منذ "هى الدنيا" ومنذ هى المنافى! وتخيلت كم منكم سيبدو له هذا الخطاب الخاص بى وكأنه مرسل له دون دون غيرهمن الناس؟
----------------------------------------------------------------------------------
عزيزى فتحى
"هى الدنيا يا محيميد". كم تود أن تستهل بما تيسر من الشعر ومطايب الحياة ولكن شيئا ما يلجم لسانك. لعله غصة لم تبلغ مداها بعد. لعله حجر صوان يسد منافذ الكلام, أو لعله قناعتك, بعد غفوتك الطويلة, أن لا شىء يجدى, وأن الأمور " هيك" منذ الأزل وستكون.
لماذا يحدث ما يحدث أصلا؟ ها شئون البلد ووالد وماولد. ها شئون الناس فى منافيهم الأزلية (هل القاعدة, اذن, أن نولد فى المنافى وننطلق بحثا عن اوطان مفترضة؟) ها شجون الحياة وتلاوينها. ها راية الموت تعلو وتعلو وتعلو, والذاهبون أكثر من القادمين. وهاهو السيد الحزن بمذاقه العلقم وخضرته الفاقعة يعلو ولا يعلى عليه. آخ يا فتحى: لماذا تخيلنا أن نصف التفاحة يساوى نصفها الآخر, وأننا سنفرح بمقدار ما نحزن, ونربح (على قد) ما نخسر؟
هذه – والله أعلم – ساعة الألم العظيم الذى يعصف بالدواخل ويعلن قيامة كل ما نخشاه من عدمية مطلقة وعبثية تجرنا الى حافة التحديق بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان. هناك تتجلى الرؤى الأبوكاليبسية حيث ترتخى قبضة الحدود الفاصلة بين الشئ ونقيضه. هناك حيث وقف بورخيس ودانتى وسان جون بيرس ومحمد المهدى المجذوب والنفرى واليوت وغيرهم. هناك حيث تسقط كل المبررات وتتوالد الأسئلة المرعبة كالأرانب اياها فى رواية ( (مائة عام من الوحدة).
لا يهم. الأهم أننى أحاول منذ "هى الدنيا .." أن أكتب شيئا آخر يميل لونه الى البياض. كأن أقول اننا اجمالا بخير وأن الأطفال يكبرون بشقاوة بينما نشيخ رغم أنوفنا فى صمت ودونما وقار. كأن أقول أننى لم أكتب فى الأزمنة السابقة لأن البريد اليدوى الذى يحمله (حسين) مأمون ومضمون. ولكن هل أملك أن أجترح كل هذه الأكاذيب المطمئنة وأنا أتحرق شوقا للبكاء على كتفيك (الليل وما طال).
لعلكم جميعا بخير. لعلكم تدركون كم أحبكم. ولعل هذا يكفى هذه الساعة.
حسن عثمان
|
|
|
|
|
|