|
تعالوا : نتعلم كيف نتذوق .... ثم نحاول أن نحاكي
|
بسم الله الرحمن الرحيم ...
يقول الله جل جلاله في محكم آيات كتابه الكريم : ( والصبح إذا تنفس ) .. فماذا تعني هذه الألفاظ عند الكثيرين من دارسي اللغة العربية …؟ إنها تعني : ( استعارة مكنية في الصبح ، الذي شبهناه بإنسان .. وحذفنا المشبه به ..
ورمزنا إليه بشيء من لوازمه وهو : تنفس ) !! أو هي : تركيب جميل ، ذو إيقاع حين نقرنه إلى الآية قبله : ( والليل إذا عسعس * والصبح إذ تنفس ) فأين هذا مما يشيعه هذا التعبير في النفس الشاعرة ،
من الحياة المُـفاضة على الطبيعة ؟
والأنس بهذه الحياة التي تتنفس في كل حي : من الزهرة المتفتحة للندى .. إلى الطير المتيقظ من الكرى ..
إلى الإنسان المتطلع إلى الضياء …؟! أين هذا من الحركة الوئيدة المستشرفة للضوء والحياة ؟
تصورها لفظ ( تنفس ) … وكأن كل كائن في هذا الوجود يفتح رئتيه لنسيم الصبح البليل ،
وينفض الكرى من عينيه في استبشار وديع ..! إن الفرق بين النظرة الأولى والنظرة الثانية : لهو الفرق بين اللفظ الجامد ، والمعنى الطليق ..
وهو الفرق بين الدمية الميتة ، والحورية المتراقصة في سبحات الخيال ..!! الآن تعالوا نقرأ الآيات
التي وردت في ثناياها هذه الصورة المبهرة الرائعة : ( فلا أقسمُ بالخنّـس * والجوار الكُنّـس * والليـل إذا عسـعس *
والصبح إذا تنفـس : إنه لقول رسول كريم …) إلى آخر الآيات ..
هل ترى صعوبة في التقاط المعنى المراد ..؟! أو هل ترى إشكال في تناغم الصور وأنت تتابعها ؟ أو هل تحتاج إلى من يأخذ بيدك ليوضح لك ما لا يتضح ؟؟ ربما ، تحتاج إلى من يقول لك معنى كلمة ( الخنس ) مثلا .. وهذه مردها إلى المعاجم .. ثم لا تحتاج إلا ..
أن تزيد الآيات تأملا ، لتعطيك من نبعها الغزير .. وخيرها العميم .. وإلى حلقات قادمة بإذن المولى سبحانه .. لنتعلم كيف نتذوق ..
ولتتسع آفاق تصوراتنا مع النص ونحن نقرأه
( رغم وضوحه وعدم اللبس فيه )
.. فإلى لقاء قريب … ودعواتكم لنا بالتوفيق والقبول من الله ..
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: تعالوا : نتعلم كيف نتذوق .... ثم نحاول أن نحاكي (Re: JAD)
|
تعالوا : نتعلم كيف نتذوق .... ثم نحاول أن نحاكي 2 - بسم الله الرحمن الرحيم
في الدرس السابق : تعلمنا كيف : أن روعة الأسلوب وجماله وقوة أثره ، تكمن : في وضوحه .. وفي دقة اختيار الكلمة المناسبة ، ووضعها في موضعها الملائم الذي لا تنفر منه .. واليوم سنركز على : ضرورة الاعتناء بالصورة ، وعرض الفكرة في صورة حية تجسد المعنى المراد ، بكلمات قليلة ، تتضمن معان كثيرة ، وحقائق ضخمة .. ولا ننسى أن ننوه بالهدف الرئيس من هذه السلسلة : أن نتعلم من أعظم وأروع وأرقى كتاب عرفته الدنيا ،كيف نكتب ،وكيف نعرض. - - يُلاحظ ملاحظة واضحة جدا في القرآن الكريم : أنه يعبر بالصورة المحسوسة المتخيلة عن المعنى الذهني ، والحالة النفسية .. وعن الحادث المحسوس ، والمشهد المنظور .. وعن النموذج الإنساني ، والطبيعة البشرية . ثم .. ثم يرتقي بالصورة التي رسمها : فيمنحها الحياة الشاخصة ، أو الحركة المتجددة . فإذا المعنى الذهني : هيئة أو حركة … وإذا الحالة النفسية : لوحة أو مشهـد… وإذا النموذج الإنساني : شاخص حي … وإذا الطبيعة البشرية : مجسمة مرئية … فأما الحوادث والمشاهد ، والقصص والمناظر : فيردها شاخصة حاضرة ، فيها الحياة ، وفيها الحركة .. فإذا أضاف إليها الحوار … فقد استوت لها كل عناصر التخييل ..: فما يكاد ( العرض ) يبدأ .. حتى يُحـيل المستمعين : نظـارة .. وحتى ينقلهم فوراً إلى مسرح الحوادث الأولى الذي وقعت فيه _ أو ستقع _ حيث تتوالى المناظر .. وتتجدد الحركات … وينسى المستمع أن هذا كلام يُتـلى ، ومثل يُضـرب ….!! ويتخيّـل أنه منظر يُـعرض .. وحادث يقــع ..! فها هو يرى شخوصا تروح على المسرح وتغدو … وهذه سمات الانفعال بشتى الوجدانات المنبعثة من الموقف المتساوقة مع الحوادث … وهذه كلمات تتحرك بها الألسنة فتنم عن الأحاسيس المضمرة … إنها الحياة هنا .. وليست حكاية الحياة ..! الأمثلة على ذلك : كل قصص القرآن الكريم … وكل مشاهد اليوم الآخر .. بل الأمثلة على ذلك هي : القرآن كله .. والآن أدعوك أن تقرأ القرآن هذه الليلة ، بهذا الحس .. وبهذا الشعور . وتتفاعل معه على هذا النحو .. وفي ذهنك هذه الحقيقة لا تنساها .. ثم انظر أي متعة رائعة ستجد نفسك فيها .. وأي لذة روحية ستشعر بها وأنت تحلق في أجواء هذا الكتاب الرباني العجيب ..! لكن أرجوك لا تنسني من دعواتك وأنت تشعر بتلك الحالة الروحية العجيبة ..! في درس اليوم فائدتان جليلتان _ بل فوائد _ .. فإن لم تخرج بهاتين الفائدتين ، فأرجو أن تعيد القراءة من جديد ، لتبحث عنهما بتأمل طويل ..! وكان الله في عونك …!! في الدرس القادم سنعرض ( بعض ) الأمثلة التطبيقية _ كمجرد ( عينات ) على هذا الذي قلناه في درس اليوم .. وما التوفيق إلا من الله وحده جل شأنه ، وتبارك اسمه ، ولا إله غيره .
| |
|
|
|
|
|
|
|