منصور خالد في ذكرياته: هذه قصة انضمامي لحكومة نميري وخروجي عليه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 08:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-11-2003, 07:51 AM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
منصور خالد في ذكرياته: هذه قصة انضمامي لحكومة نميري وخروجي عليه




    تنشر صحيفة البيان الاماراتية في ملحقها السبوعي ( بيان الأربعاء) اليوم 11 يونيو2003م الجزء الثاني من مذكرات الدكتور منصور خالد وهذا نصه





    منصور خالد يفتح:أيزنهاور اعتذر للسفير السوداني


    حاوره: كمال حسن بخيت






    الدكتور منصور خالد مفكر وكاتب سوداني غزير الانتاج خصوصاً في شئون السياسة واستراتيجيات التنمية، ويملك قلماً جزلاً رشيقاً مقروءاً ومثيراً للجدل في آن.وفضلا عن علمه وثقافته الموسوعية التي كثيراً ما يبهر بهما خصومه قبل مريديه، وهم كثر في الجانبين، فان الرجل خبير بخبايا واسرار وتطورات واشكالات السياسة السودانية التي خاض اتونها منظراً فكرياً، ووزيرا، ومعارضا شرساً. لكنه في كل الاحوال كان دائماً، ولايزال، مشهوداً له بالكفاءة والتجويد.


    سطع نجمه عند العامة عندما تولى وزارة الشباب في بداية العهد المايوي «نظام الرئيس الاسبق جعفر نميري» الا انه لدى خاصة المثقفين كان معروفاً بينهم.. يتابعون انتاجه الفكري وكتاباته ومشاركاته في المؤتمرات الدولية.. وما تنشره له الصحف من مقالات تحمل وجهة نظره وفكره. كان احد ابرز من تولوا مسئولية وزارة الخارجية عندما كانت مايو في اوجها واعتبر حينذاك احد اعمدة النظام ومنظريه. وفي العام 1979 انقلب د. منصور على مايو بسبب أخطاء لم يتحملها ولا تتوافق مع ما يؤمن به من قيم وما يعتقد ويحمل من فكر.. وبدأ نقدها وتعريتها في كتابه «السودان والنفق المظلم».. ثم انضم الى الحركة الشعبية لتحرير السودان مستشاراً سياسياً لجون قرنق. ثلاثة عقود او اكثر ظل د. منصور شخصاً مثيراً للجدل كسياسي وككاتب ومفكر متميز وجريء يختلف البعض حول افكاره واطروحاته لكن الجميع يعترف بقوة قلمه وجزالة تعبيره.


    ما هي علاقاته بالإمام عبدالرحمن المهدي والمحجوب وقبلهما عبدالله خليل، بمن تأثر في بدايات حياته وما هي الظروف التي اسهمت في تكوين شخصيته وما علاقاته بالنخبة او الصفوة.. ما هو تأثير عمله بالأمم المتحدة عليه، وماذا تركت فيه الدراسة والعمل في الولايات المتحدة، كيف ينظر الى الداخل الى الصراع السياسي والبحث عن حل شامل واستقرار للسودان ما هي المحددات التي يراها للسودان الجديد وماذا يأخذ على قادة الاحزاب وكيف يعيش حياته الخاصة هذه الاسئلة وغيرها يجيب عنها د. منصور في اول حوار معه يتطرق الى الخاص والعام في حياته وينشره «بيان الاربعاء» في حلقات. وفي هذه الحلقة الاولى يكشف العلامة السوداني في ثنايا الحوار انه لم ينضم لاي حزب لانه كان يهتم بالجانب الفكري الجدلي في السياسة وليس الجانب التنظيمي وان اهم منعطف في حياته هو انتقاله للعمل في الامم المتحدة ويكشف كيف ان الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور اضطر للاعتذار للسفير السوداني بعد ان اثار ازمة دبلوماسية صاخبة في واشنطن. فالى نص الحوار الذي اجريناه معه في القاهرة وننشره تباعاً في حلقات وهنا الحلقة الاولى:


    ـ متى بدأ اهتمامك بالسياسة وبمن تأثرت ولماذا لم تصبح شيوعياً او اخاً مسلماً مثل اقرانك في الجامعة في ذلك الوقت؟


    ـ اهتمامي بالسياسة قديم، منذ عهد الطلب ولربما طغى على ذلك الاهتمام الجانب الفكري الجدلي على الجانب الحركي التنظيمي. منذ صغري طُبعت على بعض القولبة والتعليب. وكان لاساتذتي المعلمين دور في هذا: جمال محمد احمد، بشير محمد سعيد، محمد توفيق، وعبدالرحيم الامين المعلم الاكبر. ما أسماه صحبه «المعلم» الا لما تميز به. علم وارف ومقول بليغ وصارم لا يماري معه ولا يداري. ورغم نشأتي في اسرة الاشياخ المتصوفة الذين نذروا انفسهم للعلم وعافوا السياسة، الا ان بعض ابناء الجيل الثاني منهم ولج ميدانها كاتحاديين.


    علاقتي بالمعلم هي التي قادتني الى حزب الامة وبوجه خاص الى البيه عبدالله خليل وكان بين الرجلين تماثل في الصراحة الممعنة.


    ـ اذا لم تكن تهتم بالجانب الحركي التنظيمي في السياسة وكنت كما قلت تهتم بالجانب الفكري الجدلي ما هي الوسائل التي كانت متاحة لك للتعبير عن افكارك.. عن نفسك في السياسة؟


    ـ مدخلي للتعبير عن نفسي في السياسة كان هو الصحافة صحافة الحائط في الثانوي والجامعة بجانب الصحف التي كنت اعمل فيها في فترات العطلة الصيفية من تلك الصحف جريدة الـ «النيل» التي كان يحررها المعلم، ووكالة السودان للنشر التي كان يحررها محمد احمد عمر بالانجليزية، وتعاقب على مراجعة ترجمة اخبار الصحافة السودانية فيها رجلان كانا يقفان على طرفي نقيض عبدالخالق محجوب وعوض عبدالرازق كما اسهمت بالعمل في جريدة «الشباب» لعفان، وكان يتوسم فيّ خيراً. ولا يدرك اسباب خياري السياسي على ان عفان كان حيياً، لم يكن في قسوة حسن احمد عثمان الكد وخلف الله بابكر كانا كلما لقياني في زياراتهما لمصطفى الصاوي يقولان: «او لم يحدثك خالك عما فعله خليفة المهدي بأولاد السارة؟».


    من الصحف الاخرى التي عملت فيها اسبوعية كان يصدرها يحيى عبدالقادر وهو صحفي عصامي حببه الى نفسي رعايته للشباب واستهواني اسلوبه وقد كرمني يحيى بأن ضم اسمي وصورتي في كتاب اصدره يوم ذاك «شخصيات سودانية». وكان من بين معاوني يحيى رحمي محمد سليمان وادريس حسن.. كما كان الزائر الدائم للصحيفة ولعله ممولها الشريف حسين الهندي قبل ان يدخل السياسة من اوسع ابوابها. ولن انسى بالطبع جريدة «الايام» التي أتاحت لي الكتابة الجادة فيما بعد، وكان محجوب عثمان الصديق القديم والباقي ـ رغم غثاثات الموتورين ـ من اكثر المشجعين لي، رغم اختلاف المنابت الفكرية.


    اطلقت على صحيفتي الجدارية في مرحلة الدراسة الثانوية اسم «هذيان» وكان الفنان ابراهيم الصلحي يقوم بتزويقها بتصاويره، وليتني احتفظت بكل ما زوق فناننا العظيم، فقد اصبح الصلحي فيما بعد شيخ الفن السوداني الحديث بلا منازع عبّر في فنه عن الشخصية السودانية ببعديها العربي ـ الاسلامي والافريقي. اما صحيفة الجامعة فكان اسمها «المقص» واخترت لها شعاراً «انهم يقولون دعهم يقولون، ماذا يقولون» كان ذلك ردي على اصحاب العقائد من الاخوان والشيوعيين الذين قدروا ان في شق طريق ثالث مستقل ما يؤثر على ما يعتبرونه رصيداً جماهيرياً استراتيجياً.


    ـ لماذا تساقط كثير من الذين كانوا ينتمون الى التنظيمات العقائدية التي ذكرت، وما هو السر في ان معظمهم كانوا اخواناً مسلمين؟ ـ لا اعرف من هم هؤلاء، ولكن حسب تجربتي الجامعية هناك كثيرون اتخذوا لانفسهم هذا الطريق او ذاك، لظروف لا تمت للفكر بسبب، مثل الرابطة الاسرية او الجهوية او الصداقة او الحرص على الانضمام لكيان يحميهم، هؤلاء هم الذين يتساقطون حسب تعبيرك ولكني اعرف ايضا جماعات اخرى آمنوا بالفكر الاخواني او الشيوعي وظلوا ثابتين عليه رغم كل ما لاقوا من اهوال، ومع اختلافي مع هؤلاء في الرأي والرؤية الا اني احترم استمساكهم بما آمنوا به، ديدني في ذلك الوسط الجامعي كان هو قول الله تعالى: «وكان بين ذلك قواماً» لا ميل الى هذا ولا انحراف الى ذلك.


    بهؤلاء تأثرت


    ـ لا تميل الى هذا ولا تنحرف الى ذلك نسألك اذن عمن شكلوا رؤى د. منصور واولئك الذين أثروا في تكوين وعيه مبكراً؟ ـ من العسير ان احدد بصدق كل الذين اثروا في تكوين وعيي فالآباء الاسرة التي نشأت فيها اثر في اهتمامي بالدراسات الدينية.. ولبعض معلمي الذين اشرت الى بعضهم اثر في اهتماماتي الادبية والفنية «عبدالرحيم محمد سعيد، عبدالقادر تلودي». كما ان لبعض من عملت تحت امرتهم في المنظمات الدولية اثراً كبيراً في دربتي على مناهج العمل ولربما اضفت ايضا ان كان لي ان اذكر واحداً من المنتديات الفكرية في السودان التي كان لها اثر بالغ في اقبالي على القضايا العامة، دار الثقافة التي كان بعض أصحابي يحسبونها قلعة من قلاع الاستعمار، ربما لانها تقع بقرب القصر والكنيسة الانجليكانية او فيما كان يعرف بالحي الشرقي.


    اذ لا اظن ان هناك رابطاً سياسياً بين من كانوا يرتادونها، ففيهم الاستقلالي والاتحادي. ولكن ان يتاح للفتى الناشيء ان يجلس مستمعاً للشنقيطي ومكي شبيكة والقاضي ابو رنات والدكتور التجاني الماحي وجمال محمد احمد ومكاوي اكرت وداوود عبداللطيف وابراهيم عثمان اسحق، تلك وايم الحق منة من الله. ارتاد الدار ايضا بعض مما يلي وان كانوا سبقوني في الدراسة محجوب محمد صالح وسر الختم السنوسي ومحمد عبدالحليم وعبدالوهاب موسى ولا انسى الاخ الحبيب احمد عمر امين مكتبة الدار من بين كل هؤلاء ترك في نفسي ابو رنات اثراً لا انساه، ليس بحسبانه القاضي العدل النصيف بل لتواضعه العلمي. فوجئت مرة بالشيخ الجليل يحمل كتابه وكراسته في المعهد الفرنسي حيث كنت اتعلم مباديء اللغة. سألت ذلك الرجل العظيم رئيس قضاء السودان ما الذي يحمله على الوفود الى حلقات المبتدئين؟ فرد في تواضع جم، وفي كلمات تنسل من الفم انسلالاً وكأنه يحسب كل حرف فيها: «ياابني العلم لا حدود له، يطلب من المهد الى اللحد». ثم مضى يقول: «لاقتني في عملي وقراءاتي القانونية تعبيرات فرنسية كثيرة فاردت ان احسن معرفتي بتلك اللغة». كم منا اليوم يعترف بان الانسان والمعرفة خطان متوازيان لا يلتقيان الا في اللانهاية.


    ـ ما هي اهم المنعطفات في حياتك السياسية.. الاحداث، الشخصيات التي عرفتها او عاصرتها وكان لها دور في تشكيل وعيك اللاحق؟ ـ اهم منعطف في حياتي ـ بمجملها ـ ولا اقول في حياتي السياسية ـ هو انتقالي للعمل في الأمم المتحدة بنيويورك ثم في الجزائر من بعد. في الاولى ـ بجانب ما اكتسبت من خبرات حول مناهج العمل ومن علائق زادتها الايام رسوخاً ـ تعرضت لتجربتين: الاولى: هي محاباة البزوغ الافريقي في العالم «بعد الاستقلال وانضمام اغلب الدول الافريقية للمنظمة»، اذ لم تكن تمثل الدول الافريقية جنوب الصحراء في المنظمة غير دولتين ـ اثيوبيا وليبيريا ـ ثم جاء السودان من بعد والثانية: الصراع لانهاء التمييز العرقي في اميركا خاصة في عهد الرئيس كنيدي. التجربة الاولى كانت مدخلا فقد ربيت منذ الصغر على نشيد «امة اصلها للعرب دينها خير دين يحب». في ذلك النشيد اسقطنا كل تاريخنا النوبي الزاهر، كما اسقطنا من الاعتبار اقواماً اخر يشاركوننا الوطن، ولا يدينون بما ندين، وكان اغلب الافارقة الذين التقيت يومذاك ينظرون للسودان نظرة فيها الكثير من التقدير والرجاء وهم لا يدرون ما ننطوي عليه من استهجان لهم.


    كنت اعجب ـ بعد ان لقيت من الافارقة من لقيت ـ ما الذي يحمل المرء منا على التهوين من اقدار رجال مثل ديفيد نكول «سيراليون» والبرتو موندلاني ـ «موزامبيق» وجون مالشلا «تنزانيا» ـ ود يالوتيلي «غينيا». أهو العرق واللون؟ ان كان الامر كذلك.. ففي التجربة الثانية ما يردع المرء عن هذا الغي. الا وهي تجربة التمييز بين ابناء الوطن الواحد على اساس العرق واللون، ومن التجارب التي عايشت ما تعرض له اول سفير للسودان في واشنطن. دعي السفير الدكتور ابراهيم انيس الى حفل جامع ـ وسحنة الرجل ابعد ما تكون عن السواد الذي نعرفه ـ فمنع من الدخول من الباب الرئيسي لان دخول امثاله من «الملونين» لا يكون الا من باب الخدم في شريعة العنصريين. بالطبع غضب انيس وقفل راجعاً مما اثار ازمة دبلوماسية صاخبة حملت الرئيس ايزنهاور لدعوته في البيت الابيض والاعتذار له.


    القصة الثانية كانت مع الصديق صلاح احمد السكرتير الثاني بالسفارة آنذاك، وصلاح هو الشاعر «العربي» الفصيح ابن الشاعر «العربي» الافصح الذي طالما تغنى بعرار نجد وربى تهامة، الحظ العاثر قاد صلاحاً لدخول احد المتاجر والافصاح عن اصله السوداني، فما كان من البائع اليهودي الغليظ الا ان قال له: اقرأ هذه الايام في الصحف حملات ـ العرب ـ عليكم «وكان ذلك في عهد عبود» قلوبنا معكم. البائع لم يصدق ان الطود الاسود الذي يقف امامه هو واحد من هؤلاء العرب، خاصة بعد ان وشى للرجل بسودانيته ـ بل هو رسولهم الى تلك النجوع النائية. مع ان صلاح يتمتع بقدر كبير من السخرية التي تقارب جلد الذات، جاءه دبلوماسي ناشيء «عزت الديب» يحتج غاضباً لان الحلاق الابيض رفض استقباله في صالون الحلاقة بواشنطن، فما كان من صلاح الا ان قال له «روح أحلق عند البيشبهونا واعتبر نفسك حلقت عند دراج» او ترى الظلال البعيدة في هاتين القصتين. القصتان وتجارب اخرى نظيرة كشفت لي عن الغباء الكامن في التمييز بين البشر حسب الوانهم واعراقهم، في اميركا كما في السودان.


    تأثير اميركا علي


    ـ او لم يكن لاميركا تأثير ايجابي عليك؟


    ـ اميركا كان لها ايضاً اثر اخر عليّ، خاصة في فترة الدراسة الجامعية بجامعة بنسلفانيا. ذهبت اليها للدراسات العليا في القانون وتخيرت القانون الدولي كمادة للتخصص. فاجأني لويس هينكن بالقول: لماذا لا تختار بجانب هذا موضوع قانون المعاملات وتختار بجانبه مادة مباديء الاقتصاد في law of international tran actions الدولية مدرسة هوارتون الملحقة بالجامعة، حسبت ذلك تخليطاً فقلت ان لا شأن لي بالاقتصاد، لم ادرسه ولا رغبة لي في دراسته، وقد تعلمنا في بلادنا الفصل القسري بين المعارف، فطالب القانون لا يدرس غير القانون، وطالب الاقتصاد لا يدرس غير الاقتصاد، تلك التجربة نمت في الاحساس بموسوعية المعرفة والرغبة في التزود بالمعارف في ميادين شتى. هوارتون ايضاً أتاحت لي اللقاء بزملاء من العرب افدت كثيراً من الحوار معهم وقد أصبح لأغلبهم شأن. من اولئك استذكر نبيل شعث المستشار الاقتصادي للرئيس عرفات. وحازم البيلاوي الاقتصادي المصري المعروف والذي يشغل الان منصب السكرتير التنفيذي للجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لغرب اسيا.


    ـ انتقل بك من اميركا وتجربتك بها.. الى الجزائر؟


    ـ المرحلة الجزائرية عمقت في وجداني النظرة الانسانية للافريقي والوعي العميق بضرورات الوحدة الافريقية والتناصر العربي الافريقي بصورة لا مكان معها للتناقض المفتعل بين الهويتين. ولربما اعان اهل الجزائر على ذلك انهم لا يعانون مما نعاني من عقد نفسية. هم ليسوا بحاجة الى اثبات عروبتهم فلونهم كلون غيرهم من العرب. كما لا يستنكف البربري منهم عن الاعتراف بأصوله البربرية، او يتظاهر المتعلم بالفرنسية منهم بالعداء لمكتسباته الثقافية من الفرنسيين.. كانت الجزائر يومها هي المنطلق لكل حركات التحرير الافريقية، انقولا، غينيا، اللوممبيين، كما كانت في ذات الوقت منبراً للحوار الحافل الذكي بين المفكرين الافارقة والعرب. ومن العرب اذكر لطفي الخولي وبطرس غالي ومراد غالب.. هذه التجارب جعلتني اسعى دوماً للتعرف على الاخر، وان كان العجز عن التعرف على الاخر نقصاً مفهومياً، الا انه في السودان نقص خلقي ايضا بسبب الكوارث التي ادى ومازال يؤدي اليها عجزنا عن التعرف ـ ناهيك عن الاعتراف بالاخر.


    ـ واشنطن.. الجزائر نعود بك منهما الى باريس د.منصور انت كاتب متميز ومفكر له تأثيره ومشاركاته نسأل ماذا اضافت باريس وفرنسا عامة اليك بمن تأثرت؟


    ـ لا ادري ما الذي تعنيه بكاتب متميز. انا اسعى لان اكون مؤرخاً اجتماعياً اسرد الاحداث التي عايشت احللها استنتج منها العبر، ثم اجلي ما استقر عليه رأيي للحوار. هذا النهج من الكتابة يستوجب الحرص على التوثيق والاحصاء الرقمي والمقارنة بين المواقف. ولا شك في ان حياتي في الخارج قد اتاحت لي شيئين اساسيين بصورة ما كانت لتتحقق لو اني عشت في السودان. الاول هو توفر مصادر المعرفة واسلوب الاستخراج والاستنباط، والثاني هو العزلة ان اردت فالقراءة رياضة وجدانية، هذا امر لا يستطيعه المرء في السودان مع الضغوط الاسرية والاجتماعية.


    ثمة شيء اخر اضيف حول المؤثرات والمكونات التي ساهمت في تكييف نظرتي للقضايا.. الفترة الباريسية ودورها في فتح طاقات جديدة للرؤية للتاريخ الاسلامي ومنهج الاقبال على دراسته. في هذا تأثرت كثيراً بالمفكرين جاك بيرك وماكسيم رودانسون. قرأت لهما وتحاورت معهما، وتعلمت منهما فوجدت كنوزاً زاخرة من المعرفة فيما كنا نسميه الكتب الصفراء. كما كان للمدرسة المغربية ـ «اعني المغرب العربي» اثر ملموس في نظرتي للتاريخ العربي. بدءاً من بن باديس والى مالك بني وما عبدالله العروي ومحمد اركون الا امتداد لتلك المدارس. مدارس المشرق كانت تتسم بالخطابية، والسرد التاريخي الذي لا يصحبه تحليل متعمق، والرومانسية باستثناء جهد قلة مثل ذكي مبارك «كتبه عن التصوف الاسلامي» والعقاد في اسلامياته واخيرا حسن حنفي، بيرك هو الذي اتاح له فرصة التعليم في فرنسا وكان يتردد الى السودان كثيراً بحسبانه مستشاراً للشئون العربية ـ الاسلامية لوزارة الخارجية الفرنسية.


    لست انطوائياً


    ـ بالرغم من هذا الانفتاح والعلاقات الواسعة ينظر اليك الكثيرون كشخص انطوائي.. هل خصوماتك الشخصية او السياسية وراء هذه النظرة؟


    ـ لست انطوائياً، وكيف يصبح انطوائياً من يكشف عن ذاته بادمان الكتابة والنزال الفكري مع الاخرين. اما ان اردت حياتي الخاصة فتلك انا بها ضنين الا على اصدقائي الاقربين ولا شأن لغيرهم بها سئل فرويد لماذا لا يسجل مذكراته قال: «لا يستحق الناس ان تقول لهم كل الحقائق» يريد بذلك عامة الناس. ومن ادرى بالناس من فرويد الذي سبر غور نفوسهم، علاقتي الخاصة قزحية فيها السياسي والاديب والعالم واهل الفن والغناء لهذا فما تسميه خصومات شخصية ليس فيه من الشخصانية شيء. كما اني لست عدوانياً. قد اكون قاسياً في نقدي لمن يتحرش بي، وقد اكون ممعناً في الزراية بمن يتكذب على الاحياء او الاموات ان يسعى لتلوين التاريخ، مع هذا لي علاقات وارفة مع اهل كل المدارس الفكرية، بل وصداقات احرص عليها رغم اختلاف الرأي.


    ـ تحدثت كثيراً عن ادمان النخبة للفشل اين تضع نفسك من هذه النخبة؟


    ـ انا جزء من هذه النخبة وتجاربها ولعل الذين قرأوا ما كتبت ولم يقنعوا في اصدارهم الاحكام عليه بقراءة عناوين الكتب يدركون حرصي على القول بأن فيما سجلت ايضاً نقداً ذاتياً لتجاربي، وبصورة عامة اقدم للأحكام دوماً بالقول: «هذه آراء للسجال الفكري ابتنيتها على حقائق موثقة» فمن انكر الادلة عليه ان يأتي بأدلة داحضة، ومن شاء الحوار حول النتائج حاورناه ومن ذهب للتنطع عاجلناه بقلم سيف حاد الشذاة: لساني طويل فاحترس من شذاته عليك، وسيفي من لساني طويل هذا هو نهجي يا صديقي حتى تنسخ الشمس الظلام.


    العلاقة بحزب الامة


    ـ كنت في شبابك الباكر أقرب لعبدالله خليل، امين عام حزب الامة، ورئيس حكومته في الخمسينيات، اي كنت محسوباً على حزب الامة ـ مع انه يبدو للمدقق انك أقرب للحداثة والتجديد ظاهراً وباطناً، حدثنا عن ميولك السياسية والبيئة التي نشأت فيها؟ ـ تعبير اقرب قد يكون غير سليم استخدام افعال التفضيل فاقرب من من؟ وأقرب من ماذا؟ واستطرد الدكتور صحيح كنت قريباً جدا من عبدالله خليل وتعلمت منه الكثير، لذا حرصت على اهداء الجزء الاول من كتابي «النخبة السودانية وادمان الفشل»، الى ذكرى رجلين كان عبدالله خليل احدهما، وبلاشك ان عبدالله خليل اسهم اسهاماً كبيراً في تكويني السياسي «قدوة وتمثلاً» ليس من جانب الافكار وانما على المستوى الخلقي، وسعيه لتقريب القاصي والداني وكان على درجة كبيرة من احتمال الاخر، وكانت داره تعج بكثيرين بدءاً بعبد الخالق محجوب الى صحبه مثل الدرديري احمد اسماعيل، وايضا في اقترابه من الصحافة،


    واذكر ان يحيى عبدالقادر في فترة من فتراته ويحيى كان رجلا كثير التحول في مواقفه سخر كل صحيفته للهجوم على عبدالله خليل وفي يوم من الايام حضر في الصباح الباكر لمأدبة الافطار «مأدبة مفتوحة دائماً في منزل عبدالله خليل» ـ حضر يحيى ـ وما ان شاهده حسن محجوب حتى انتفض غاضباً وأطلق بعض الألفاظ غير اللائقة في حق يحيى، قال لعبدالله خليل: «الرجل ده ما عنده غير شتيمتك، وأنت برضو تفتح ليه بيتك وتستقبله»، وكان رد البيك غريباً قال له: «ياحسن سيب الناس في حالها، اذا يحيى ما بقدر يعيش من غير شتيمة.. سيبو يعيش» ضحك الدكتور منصور وأضاف هذه هي الجوانب التي كان لها بدون شك اثر كبير علي فيما يتعلق بتلك العلاقة، وبالطبع هذه العلاقة كانت في فترة صبا، ولا استطيع ان اقول انها قربتني كثيرا او جعلت لي اي دور في صنع القرار وانما قربتني من دوائر صنع القرار مما مكنني من التعرف على الكثير من الاشياء التي افدت منها لاحقاً، والاتصال ببعض القيادات من ذوي القربى، عبدالرحيم الامين وأمين التوم من حزب الامة.


    اما الحديث عن الحداثة والعصرية، استطيع ان اقول انني رجل غير تقليدي وربما كانت محنتي دوماً حتى في صفوف حزب الامة عندما كنت فيه هي انني لا استكين الى الخطأ المجمع عليه، ويمكن انها مازالت مشكلتي في أنني افضي بالرأي الذي ارى انه صواب دون اضفاء اية حتمية على الآراء التي انادي بها لأنني اؤمن بأن الحتميات حتى في العلوم البيولوجية الان اصبحت غير ثابتة خاصة بعد اكتشاف الجينوم البشري واليقين الثابت في الحقيقة هو عدم التيقن وبالتالي اي يقين لابد ان يكون يقينا نسبيا.


    ـ ما هي طبيعة علاقتك بالامام عبدالرحمن المهدي والصادق والهادي وكيف تقيّم دور كل منهم في قيادة حزب الامة؟ ـ بحكم السن في تلك الفترة ما كان هناك مجال ان تكون لي علاقة بالامام عبدالرحمن، لكن اتيحت لي الفرص لحضور مجلسه للاستماع اليه وعبدالرحمن رجل ذو ميزات عظيمة، اهم ميزاته انه رجل لا تهزه الاحداث، ايضا كان به السماحة والكرم وكان حريصاً على التوفيق بين الناس وجمع المتناثرات، اما الصديق فبحكم رئاسته لحزب الامة فكانت علاقتي به اوثق، وشاركت في بعض رحلاته، اذكر رحلة قام بها الى الابيض برفقة الدكتور مأمون حسين شريف «رحمهما الله» وكان صديقاً ايضا له علاقات واسعة تتجاوز حزبه،


    وكان مدركا ايضا للمرارات ـ تماما مثل والده ـ التي خلفتها المهدية، والتي كان يسعى دائماً لمحوها، وأذكر قصة طريفة رواها لي يوسف بدري كانت في فترة عبود بعد احداث المولد المشهور وكانت معارضة نظام عبود التي يرأسها الصديق المهدي تريد الدخول في مجابهة كانت تتمنى ان يقود الانصار هذه المجابهة وكما روى لي يوسف، جاء نصر الدين ووداعة عثمان رحمة الى الصديق يطلبان ان ينزل الانصار الى الشارع لمجابهة النظام، كان رد الصديق رداً بليغاً قال لهما: «لو الانصار نزلوا الشارع، ما حيسيبوه، واحسن ليكم دكتاتورية عبود من دكتاتورية الانصار»، فان يصدر هذا الحديث عن زعيم الانصار، فهو يكشف عن وعيه بالمخاطر، ولا يعني هذا انه يتهم الطائفة التي يقودها بالدكتاتورية او لا يريدها ان تحتل المركز الذي يليق بها، وانما كان مدركاً لطبيعة تكوين هذه الجماعة ولعنفوانها، ولان ترك الساحة لها وحدها قد يقود الى نتائج لا تحقق خيراً للسودان.


    اما الصادق فتعرفت عليه بحكم التلاقي التنفيذي ولم نكن اصدقاء بمعنى الصداقة ولكن كانت بيننا علاقة وتوادد، ويمكن الفترة التي برز فيها الصادق لم اكن في السودان ولكن كنت احرص دوماً على لقائه في كل الفترات التي ازور فيها السودان، والصادق دون شك حباه الله بصفات كثيرة اولا له سند جماهيري واسع، وعنده ثقافة متنوعة، وقدرات فائقة على التعبير عن رأيه وكل هذه الاشياء يمكن هي التي جعلت كثيراً من الشباب يسميه في فترة من الفترات «الصادق امل الامة»، لسوء الحظ هذا الامل لم يتحقق لان الصادق في تقديري كان ضحية للتاريخ الذي كونه والذي مازال يؤطر تفكيره، وطالما ظل حبيسا لتاريخه ولمواريثه يصعب عليه جدا ان يحقق النقلة المطلوبة في ظل مستجدات وفي ظل تطورات.





    =======

    المصدر
    http://www.albayan.co.ae/albayan/alarbea/2003/issue187/papers/1.htm

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de