|
رجلٌ ميت يخالف قواعد المرور في السودان
|
( الشرطة في خدمة الشعب ) شعار جميل وجذاب ، مراكز الشرطة كانت تكتب هذه العبارات في وجه أبوابها ، لكن لكل شيء في السودان بداية ونهاية ، الإنقاذ لم تحرمنا فقط من الحرية ونعمة الرخاء والدواء ، بل أن ذيلها الأخطبوطي المتعمق في جذور الدولة والمؤسسات ضرب كل ما هو حميد وفاضل في السودان ، وأنا الآن أشعر بالذهول ، وأحس بالأسي وأنا أري رجال الشرطة يتحولون إلي عمال جباية ، يطوقون العاصمة الخرطوم من كل الجوانب ، ينشرون نقاط التفتيش ويعترضون أصحاب المركبات ، في هذه المهمات يستعينون بسيارات الشرطة التي كان من باب أولي أن تهرع إلي إغاثة المواطن الملهوف الذي تقلقه نُذر تدهور الأحوال الأمنية ، ضباط ذو رتب رفيعة عربات نجدة بيضاء اللون ، مواتر وأجهزة اتصالات متطورة ، ذلك كله من أجل تحصيل أكبر عدد من المخالفات ، الضحايا يقولون أنه من سابع المستحيلات النجاة من تحرير المخالفة ، وما عليك في حالة اعتراضهم لك غير دفع المبلغ من غير ضجة ، فاغضابهم ربما يجلب عليك المزيد من البلاوي والإحن ، من الممكن أن تتضاعف الغرامة ، ومن المحتمل أن تقضي الليل وانت حبيس في زنزانة صغيرة ، بالتأكيد لن تخرج منها إلا بعد أن تقوم بالواجب ، عندها عليك أن تدفع مقابلاً من أجل حريتك ، دفتر المخالفات يضم مائة ورقة ، قيمة كل ورقة 30ألف جنيه ، مطلوبٌ من كل شرطي أن يحرر هذا الدفتر في شكل مخالفات ، أو ما يسمونه ( بقطع التذاكر ) وهو المصطلح المتعارف عليه بين سائقي المركبات ، فعلي كل شرطي المرور أن يقطع كل يوم إيصالات بقيمة 3 مليون جنيه ، ومقابل هذه المهمة العسيرة ينال بدل وجبة لا تزيد قيمتها عن خمسة آلاف جنيه ، وأخطر شيء في هذا النوع من التحصيل هو استغلال التقسيمات الإدارية للعاصمة الخرطوم لقطع أكبر عدد من الإيصالات ، شرطة المرور في الشهداء بأمدرمان لا تعترف بإلايصالات الصادرة من رصيفتها في محلية كرري ، وصائدي المخالفات في الخرطوم لا يعترفون بإلايصالات الصادرة من شرطة أمدرمان وبحري ، هذا التنوع جعل سائق أمجاد فقير يدفع 90 ألفاً في يوم واحد ، وقد اقترضها من أحد الأصدقاء وسدد المبلغ المطلوب وعاد إلي أهله هو غضباناً اسفاً ، خاوي اليدين من قوت اليوم ، يتجرع الحسرة تلو الحسرة في بلد شاعت فيه المظالم وأنحسرت عن شواطئه الفضيلة . لا أعرف من هو المفكر الاستراتيجي الي أشعل هذه الفكرة الجهنمية ، ومهما خفي علينا اسمه إلا أنه نجح في جر جهاز الشرطة إلي مستنقع الضريبة اليومية التي يدفعها البسطاء من أبناء هذا الوطن ، سائقي البصات والتاكسي التعاوني والأمجاد والركشات ، وهناك محاذير من أن يتطور هذا الأمر فيصبح حتى المارة الذي يمشون بأرجلهم عرضةً لمخالفات السير والطريق ، أما الواجب الوطني وحماية المواطن من الأخطار فهي أمور نسيتها الشرطة السودانية .فهي لا ترحم المتعثرين في السداد لأن الدفع قاعدته فورية والآن وإلا ... ، من القصص الطريفة أن شرطي تحصيل قام بتحرير مخالفة لسيارة ملاكي تحمل جنازة لرجل ميت ، ومبرره في ذلك أن الميت أخذ حيزاً في حوض السيارة الخلفي والمسموح به هو فقط راكبين في المقاعد الأمامية . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|