|
طنين
|
عذراً لطول الغياب فقد شغلتنا حيواتنا عنكم ، يعني شوية عرس وكده !
طنين
أركض ، أركض ، أركض. والكلاب المسعورة تلهث خلفي ، انه الهاجس الذي لازمني منذ بدء معرفتي بها. اشتم رائحة الدم في كل شيء ، يا إلهي أترى أني أُبتليت بعذاب ، أم أن رؤيا الدم في بواكير سني كانت الفجيعة. اتسمّعه وطنين البعوض يتبعني أنى حللت، قلت : الشقي هذا لاينفك يتبعني ولا يشبع من امتصاص دمي . هل لأني رأيت خرائط الدم على فخذ (جامكير)؟ لم يجبني سوى البعوض بطنين جارح ، وخلايا دمي تئن من فرط الخوف. وجدتي اذ تصر حين وشاية لها مع ابي: هوي ترا الول دا عنده عارض ، كن ما وديناه للفكي ، ترا يا هو الجني لينا تب . اعلم انني لم أكن بالجنون الذي تدعية جدتي ، وكل ما في الأمر أن (امانويل) جارنا كان قد ختن بنته الكبرى (جامكير) كنا (سجيلين) وغالباً ما كنا نمضي الليل لعباً حتى منتصفه وننام معاً حيثما تشاء مراقدنا ، لكن أمانويل اختار اسوأ ما للأعراب ليستعرب به ، دخلت على جامكير وهي في فراشها ، مستلقية على ظهرها ، وقدميها مخضبتان بالحناء التي لايكاد يراها الا من يعرف جامكير كحالتي ، وأظنني الأكثر خبرة بجغرافيا جسدها ، قالت: حييييييييييي أنا دبحوني خلاس ، قلت : ضبحوك كيف يعني ؟ قالت: أبا جاب مره عيونه حمر ، عنده موس خلاس دبحاني . لم تمض الحادثة كما يمكن أن يكون حالها عند أقراني ، كنت اكثرهم اصراراً على معرفة كل ما يتعلق بالحادثة ، طلبت منها أن تريني مكان الذبح فتمنعت ، وحين التفاتتها لتجيب داعي امها غافلتها ورفعت تنورتها ، كان مرأى الذبح فظيعاً ، مضيت ، وفي بيتنا هناك سألت جدتي : حبوبة انتي ليه الناس بيضبحوا بناتهم ؟ سكتت ولم تجبني اعدت سؤالي ثانية وكنت أشد الحاحاً من سائلي الصدقات ، حينها ردت جدتي : ها الول المتعوس دا البنات ما بيضبحوهن ، البنات بطحروهن هحار . هكذا قالتها ، وحين سألتها : طيب ليه؟ أجابت : امباكر يوم تكبر بتعرف . صباح اليوم التالي جئت لجدتي ثانية : حبوبة ياهو أنا كبرت . ضحكت وقالت: بي الله الول دا مجنون . جامكير كأي البنات كبرت فجأة وأنا لم أزل يافعاً صارت ناهداً ذات ردفين يكادان ينطقان شبقاً ، أصر أنها رفيقتي وشقيقي الأكبر يراها أنثاه الخصوصية ، وشيت به لأبي ، وحين سأله أنكر متحججاً باني لم أقل ذلك الا لكوني أكرهه . الطنين ها قد عادني ، رأيت الذبح بعيني حمامة تكاد تستحيل نسراً يقوى على مصارعة الذابح ، علمت أذاً لماذا الأغنام تثغوا وتفر بعيداً اذ ترى حسين الجزار ، الطنين عادني وبقايا الدم على فخذ جامكير استحالت خرائطاً من الأسى والهزائم ، يا لهذا الذابح ، او لم يكن يعلم أن الوأد على الأقل أجدى من الذبح الذي لايقتل ، أو لم تكن حجة الشرف تكفي لأن تدفن جامكير حية من أن أن تذبح هكذا ، وتترك لعذاب آت . قالت: لعل البنات لا يفكرن بأكثر من أن يكن الإناث والا لما ارتضين الذبح ، قلت: اذن فأتنا بعجل ، فالجوع الكافر زاد من رغبتنا في القوت ، القوت ياصبية لم يكفني منه ما منحتنيه بنت النمير ، أرضعتني نعم ، ولكنها كانت جديدة الذبح فخشيت أن أوقظ اشواقها للشواء. عادني الطنين فعجت بصدري أشواق الصوفي لبردته ، افترشتها ، وحين بلغنا ناصية الصعود صاحت : حييييييييييي دبحتني ياخ . قلت: مديتي ليست برهافة ما ذبحت به من قبل ، مديتي فتاكة بالشوق . عادني الطنين ، ونبع الحنين نضب ، وكنت إذ أظمأ ، استسقي الحبيبة فتتفجر أشواقاً وحنان .اما الآن فالحبيبة مسجاة على أرض الموت والذابح يرهف مديته. الحبيبة شابها بعض الخوار غير أنها ماتزال تبكي أيامها الماضيات. قالت: أذكر حين دعاني أبي وأعدني للذبح ، قلت حينها: ليس لي سوى الإنصياع لإرادة من لا يقوى على الصراع فيذبحني فدية لكرامته.
حامد بخيت – الخرطوم -2009
|
|
|
|
|
|