أوباما - فصول من روايتي الجديدة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 11:23 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-14-2009, 01:50 AM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أوباما - فصول من روايتي الجديدة

    1

    إلى حد بعيد لم تكن تلك المرأة الشابة متأكدة من مشاعرها، هل هي فرحة أم تشعر بالحزن؟!. ولوقت متأخر من الليل، كان عليها أن تفتش في زريبة الماعز عن ذلك الضرع الذي التئم قبل يومين. الأغنام تتشابه، والضروع كأنها مستنسخة بآلة، كتلك التي رأتها تفرّخ الطوب الحراري في المصنع القريب من القرية.
    قبل أن تحدد المطلوب منها، وما هو يتوجب الدقة والحذر، لأن الخطأ لا يغتفر، كانت قد غسلت يدها بالماء الحار، وهي تشعر بمتعة في ذلك، فالهواء البارد كان يلفحها بنسمات تعيدها إلى لحظات متشتتة من حياتها، وحدها سخونة الماء كانت قادرة على تجميد الزمن وجعله يختصر على اللحظة الراهنة، أن تعثر على الضرع الذي تدفق دمه ثقيلاً في ساعات الفجر الباكر، قبل أن يمتلئ الإناء الكبير المصنوع من النحاس بالحليب، وقبل أن تسمع صوت المؤذن في مسجد القرية.
    وضعت الماء على الحطب، ولم يمض وقت طويل حتى سخن، في الوقت الذي كانت فيه عيناها تراقبان القمر شاحباً في السماء، كأنه يشاطرها تلك المشاعر المرتبكة التي عاشتها هذا المساء، منذ أن عادت من المرعى. تحديداً بعد أن التقت ذلك السيد الهرِم صاحب العمامة الزرقاء، والتي لا تشبه العمامات السائدة التي تعود الرجال على ارتدائها في القرية وفي مواسم محددة، كالأعياد مثلاً.
    عندما تخفت الشمس وراء الأشجار، وقبل أن يحل الظلام تماماً، كانت قد وصلت إلى عتبة البيت القائم عند طرف التلة المجاورة للبحيرة القديمة، والتي جفّ ماؤها منذ عقود بعيدة. كان دماغها مشغولاً بصورة ذلك السيد، دون أن تهتم بعمامته، أو تتذكر شكل وجهه بالضبط، لكنها تذكرت أنه كان يبتسم مثل ملاك، كواحد من أولئك الملائكة الذين رأتهم في حلم قديم من أحلامها الكثيرة. هي دائمة الحلم، ما أن يدخل الليل وتشرع في النوم، حتى تبدأ فسحتها في مدن أحلامها المجنونة، حيث ترى كل شيء. كل شيء تقريباً، أما أن تعيد استحضار ما رأته فذلك أمر صعب. وفي ذلك اليوم الذي حلمت فيه برؤية الملائكة، كانت قد نسيت في الفجر وهي تذهب لحليب الماعز، ما الذي رأته بالضبط. وكالعادة لن تحفل بالأمر، ولن يقلقها، فالأحلام وفيرة، غداً سترى غير الحلم الذي رأته ليلة أمس.
    ذلك الحلم البعيد، سيعود إليها اليوم، قبل أن تفتح الباب الخشبي العتيق، وقبل أن تسمع أنين الخشب، كأنه يكلمها بموسيقى حزينة كأنها جزء من حديث ذلك السيد صاحب العمامة. ستتذكر الآن اليوم والتاريخ بالضبط. وتفاصيل وجوههم. الملائكة، الذين تتشابه ملامحهم، تتساوى أطوالهم، بنيتهم الفارعة النورانية. لكن المهم بالنسبة لها في هذه اللحظة ذلك الوجه الذي يشبه وجوههم، وجه ذلك الغريب الذي قال إنه جاء من مكان بعيد، دون أن يحدده. ودون أن تسأله، لأن ما تفوّه به السيد أصابها بالدهشة، وجعلها لا ترى لدقائق سوى ظلال باهتة لأشجار نمت بصعوبة في المرعى، بعد موسم الجفاف الذي ضرب الأرض قبل سبع سنوات.
    عندما تقدم السيد نحوها، بخطوات عجولة، ووجه ملائكي، كان مدهشاً أن يمشي رجل مسن بهذه السرعة الفائقة، وهو يتقدم نحوها بالتحديد دون النسوة اللائي كنّ قد غادرن لأن المساء قد دنا. في العادة هنّ لا يتأخرن عنها أو يسبقنها، فقافلة النساء تعود مرة واحدة إلى القرية من المرعى، بعد أن يتأكدن من عودة الأغنام مبكراً إلى الزرائب في بيوتهن، فالصبية يعودون بها قبل ساعة على الأقل من المغيب وهم يصدحون بأصوات بريئة، في حين لا يمكن أخذ براءتهم على محمل الجد، لأن أفعال بعضهم تفوق خيال النسوة المضخمات بشهوة الحب وراء الأعشاب، خلف الأزهار الملونة التي يعشقها نحل ألِّف المكان منذ آلاف السنوات.
    هل هي الوحيدة التي رأته دون غيرها من النساء؟! ليس بإمكانها أن تدرك. فما حدث أن ذاكرتها تعطلت، خيالها توقف، ودموعها جرت بغزارة وهي لا تفهم السبب!. ربما كان لذلك السيد سحر من نوع خاص، كذلك الذي لا وجود له إلا في أحلامها. كان هذا السحر كفيلاً بخطفها عن عالم القرية ومراعها لجزء غير معلوم من الزمن، ليهرب بها إلى بقعة ما في هذا العالم، ويعود بها من جديد لتجد أنها تقف في الموقع نفسه، لم تغادره. وحتى لو تخيلت ما جرى على أنه حلم، فهل لم تكن متأكدة أنها نامت فعلاً، ولم تتعود أبداً أن تنام في المرعى، فالناس هنا وهي واحدة منهم يستيقظون في الفجر الباكر ولا ينامون إلا في المساء.
    على أية حال، عليها ألا تقلق نفسها كثيراً، قررت ذلك. فالمهم أن تنفذ الوصية حرفياً، وألا تخطئ، فأي خطأ يعني أن ما قاله السيد صاحب العمامة الزرقاء لن يتحقق. ورغم أنها حاولت أن تقنع نفسها أن تنسى كل شيء، وأن تذهب لتنام بهدوء، فهي مرهقة بعد عناء يوم طويل مع الأغنام. فقد قررت أخيراً أن تستجيب لصوت خفي في مكان مجهول من روحها، لتنتظر حتى وقت متأخر من الليل، أن ينام الجميع من سكان البيت، لتبدأ في البحث عن الضرع ذلك الذي التئم جرحه، والذي وصفه لها السيد.
    "سيكون عليك أن تسخني الماء أولاً، وأن تغسلي يديك جيداً. فالطهارة الحقيقية لا تكتمل إلا بالماء الساخن. ثم كوني حذرة. يجب أن يكون الحليب الذي ستحصلين عليه، من ذلك الضرع بالتحديد. أعرف أنه ستواجهين مهمة شاقة. لكن عليك أن تتذكري الماعز التي كانت تعاني من الألم. ستسكبين الحليب في كوب نحاسي. وستقدمينه لزوجك".
    ثمة تفاصيل كثيرة، أو هكذا تتخيل، كان عليها أن تغفلها، وتركز على النقاط المهمة في وصية السيد، فهي تريد ابناً، تريد ابناً بأي شكل كان. هذا هو حلمها من أن تزوجت من أوباما قبل عشرين سنة. وإذا كانت قد جربت وصفات لا عد لها خلال عقدين من الزمان، منذ أن تزوجت وهي في سن العاشرة. فلا بأس أن تجرب وصية هذا السيد، حتى لو أنه كان يهزأ، أو كان ما سمعته مجرد خيال. أيضا كان عليها أن تلتزم الصمت وألا تقصّ على أي من النساء الساخرات منها كونها عاقرة؛ ما حدث، فهذا سوف يوسِّع من مجال السخرية حتماً. سيقلن ببساطة أن السيدة أوباما جُنت، أصبحت ترى الملائكة في اليقظة أيضا. هذا إذا ما أخبرتهن أنه سبق لها رؤيتهم في النوم.
    ولنصف ساعة ربما أكثر، عاشت الفرح والحزن. الفرح لأنها كانت ترى أنها تحمل طفلها وتسرع به إلى المدرسة الجديدة التي بناها الرجال البيض، لتجلسه في الصف الأول وتسمعه يقرأ آيات القرآن بصوت مرتفع، يكاد يصل صوته إلى ما وراء التلة القديمة، يصل إليها في البيت لأن اليوم راحة، ولن تذهب إلى المرعى، فقد تفرغت للاحتفال بدخول ابنها المدرسة. أما الحزن فسببه الإحباط الذي ظل يطاردها طوال العقدين الماضيين، وهي الآن تقارب الثلاثين، فكم مرة عادت بوصفة، جربتها دون أن ترى جديداً. ما يجعلها تشعر بالطمأنينة لثوانٍ ثم تعود مرة أخرى للمشاعر غير المحددة، أن الذي تجربه هذه المرة ليست وصفة لساحرة أو شيخ من شيوخ القرية أو القرى المجاورة، أو تلك المرأة التي قبض عليها رجال المفتش الإنجليزي في نهاية الأمر، وحاكموها بتهمة الشعوذة وبلبلة مشاعر الناس، بوعود زائفة، وهي الآن في السجن في المدينة المجاورة. فهي تجرب الآن شيئاً مختلفاً، يشبه غموض الحياة، ذلك الأمر الذي كان تتشكك فيه، فكل شيء واضح. غير أنه وبعد شهر من هذا اليوم ستدرك جيداً أن الحياة غامضة جداً.
    فجأة، ستتوقف لتكتشف أن عليها ألا تفرح كثيراً، فهي لم تحدد الضرع المطلوب. صحيح أن الأغنام تبدو متشابهة، لكنها في هذا الليل المتأخر أكثر تشابهاً، ثم أنها لم تكن ذات يوم مهتمة بالبحث عن فروقات بين الأشياء أو الكائنات، لأن هذه الأمر لا يشغلها، ولم تشبّ عليه. فهي تنتمي لعائلة ترى أن العالم يقوم على التشابه، وإذا كانت ثمة اختلاف بين شيء وشيء آخر، فلا يعني هذا إلا خلل ما، ولكن ليس على المرء أن يرهق نفسه لأجل اكتشافه.
    سيتملكها اليأس لكن السيد أوصاها أن تشغل قلبها بالتفاؤل، فالذي يتشاءم لا يصل إلى هدفه: "ألست ترغبين في طفل جميل؟ سيكون لك هذا الطفل، لكن عليك ألا تنظري إلى الحياة على أنها ليل". تتذكر الوصية وتغني مع نفسها بهمس، حتى لا يرتفع الصوت فيسمعها أحد بالبيت. صحيح أن الزريبة بعيدة عن الأكواخ البعيدة، ولاشك أن زوجها نائم غير حافل بما يجري من حوله، فهو يعود من عمله كأنه جثة خامدة، يتناول الأكل على عجل، وغالباً ما يكتفي بالحليب مع الذرة، ورغم تعبه يسرح قليلاً في أزقة القرية مع زمرة من أصحابه، بعضهم كانوا محاربين أشاوس يفكرون في النضال لأجل وطن مستقل عن المستعمر، وبعضهم كانت أحلامه في الحياة تقتصر على سعادة مؤقتة يلقاها الواحد منهم من امرأة عابرة ينام معها ليلة واحدة لا أكثر، أو كأس معتقة يشربها وهو يتأمل القمر، قبل أن يرسم بذهنه الشارد خيالات محددة مجالها ذكريات قديمة وأمنيات تاهت في دروب الحياة، فنادراً ما يتحقق شيء عظيم في هذا المكان، هذا ما كانوا يرددونه، وقلة منهم كانت على خطأ.
    الغناء منحها سعادة فائقة، شعور بالخفة كأنها ستطير بعد قليل. مع ذلك السيد الملائكي، ومع الغناء انزاحت عن صدرها هموم وأحزان، رغم أنها لم تكن قد حددت الضرع المطلوب، فالأغنام كثيرة، والمهمة صعبة، لكن السيد أوصاها أيضا: "إذا فكرت في أي شيء على أنه صعب، فلن يتحقق لك هدف". لهذا منحت نفسها المزيد من الثقة أنها سوف تُحصِّل المطلوب، وفكرت، غالباً ما سيحدث أمر مفاجئ، ينقذها من هذه الحيرة. وبالفعل ما أن أحست بالفرح يغمر قلبها، لسبب مجهول لم تكن قد تأكدت منه بعد، إلا وأحست بيد ما تمسك بيدها اليمنى. في البداية شعرت بالخوف، فهي لا ترى أحداً في المكان. هل هو شيطان رجيم؟! خاصة أنها منذ الصغر تعرف أن الشياطين تسكن في مثل هذه الزرائب النائية. لكن لماذا يأتي الشيطان في هذا اليوم؟ ففي حياتها ومنذ أن كانت طفلة لم تر شيطاناً أو على الأقل شعرت به يتحسس يدها، رغم كثرة القصص المتداولة حول شياطين عجيبة فعلت ما فعلت بالبني آدميين.
    لكن اليد التي أمسكت بها، بيدها، لم تكن يد شهوانية. ليس وراءها غاية بذيئة. فهي قادرة على التفريق بين اليد الحنونة واليد المبتذلة، لقد تدربت على هذه الأمور منذ الصغر، وهي تتخذ طريقها عائدة من المرعى متأخرة بعض الوقت لأن موعداً ما كان قد أبرم مع أحد الصبية، وهي كانت صبية. ومن ضمن هؤلاء كانت يد أوباما الحنونة، اللينة، ليست كأيادٍ أخرى حاولت أن تجرها إلى وراء إحدى الأشجار لكي تنال منها متعة ما. كانت في تلك الأيام قد تعرفت على أولى تفاصيل الدخول في عالم متع الكبار المحرّمة على الصغار.
    تبسملت لتطرد الشيطان، لكن يبدو أنه غير موجود. ربما هو موجود وترك يده معلقة في الفراغ. يد من لحم ودم. رغم أنهم يقولون أن الشياطين جسدها من نار. لم تستغرق كثيراً في التفكير مع نفسها لتدرك أن هذه اليد صاحبها هو السيد ذو العمامة الزرقاء، فقد ميّزت صوته يكلمها: "لا تخافي لقد جئت لكي أدلك على الضرع المطلوب.. أعرف أنك كنت ستعجزين عن تحديده.. عجبت لك تعيشين مع الأغنام ليل نهار، وأنت لا تعرفين كيف تميّزي بينها.. لكن سأخبرك أن الأمر لا يتعلق بك، بل بأشياء لابد لها أن تحدث لكي يكون وجودي هنا ضرورياً، فأنا من سيمنحك هذا الطفل الجميل الذي تبحثين عنه".
    صرخت بقوة دون أن تنتبه. دون أن ترى شيئاً. فلم يكن بإمكانها أن تتمالك نفسها، أن ترتكب الخطيئة. حتى لو أن ذلك سيحدث مع رجل على هيئة ملاك قادم من السماء، أو من حلم قديم. أو حتى لو أن هذا الرجل ليس له جسد أو رأس أو قضيب بإمكانها أن تراه، تتحسسه. وفيما يشبه لحظات شاردة من الزمن، كتلك التي تعيشها في الأحلام، وجدت نفسها طريحة على الأرض، إلى جوار زوجها. كانا عاريين تماماً في زريبة الأغنام وهما يتمرقان فوق الروث. وكان أوباما يخبرها: "لا يوجد أطيب من هذا الحليب الذي شربته اليوم.. يبدو أنه من حليب أغنام الجنة.. إنه لذيذ جداً".
    على عجل كانت قد لبست ثيابها، في حين عدّل زوجها سرواله القصير، قبل أن يعودا سويا إلى الكوخ الصغير الذي تزوجا فيه، في يوم بدآه بحلم جميل، أن يكون لهما طفل بعد تسعة أشهر، سنة على الأكثر. لكن هذا الحلم تأخر كثيراً جداً. لم يأت الطفل إلا بعد عشرين سنة. وإلى أن يأتي الطفل، وطوال تسعة أشهر من الحمل، عاشت السيدة أوباما لحظات عصيبة لا تتعلق بالتغيرات التي تمر بها أية امرأة حامل، بل بأطياف ذلك اليوم الذي تعلق في ذاكرتها كما لو أنه خيال أو حلم أو شيء ما يصعب تحديده. منذ تلك اللحظة التي ظهر فيها الرجل في المرعى قبل المغيب، وغاب فجأة كأنه ذاب مع الشمس وهي تتدلى وراء الأفق الغربي.
    طوال تلك الشهور التسعة، كان أوباما يتحرك في البيت وفي الأزقة وداخل مصنع الطوب الحراري، كما لو أنه وُلِد من جديد. فأن يكون لك ابن شيء عظيم، هذا ما فهمه أخيراً، وأن تجرب يختلف تماماً عن مجرد السماع. كان يتنقل بين الماكينات بخفة، يقفز هنا وهناك وأحياناً يشرد بذهنه بعيداً يحاول تخيّل الهيئة التي سيكون عليها طفله القادم، وفي الليل قبل أن ينام متأخراً كغير العادة، كان لا ينسى أن يكلم زوجته كل ليلة: "مهما يكن شكله، فهو جميل قطعاً، لأن أنتِ من حملته. ولأن الله استجاب لدعائي أخيراً.. لقد فهمت ما كان شيخ القرية يطمئنني به دائماً: يا بني الله لا ينسى، فقط خياراته تختلف عنّا نحن البشر، فإذا كان أمر ما سيسعدنا فحتما سوف يكون بمشيئته. المشكلة أننا دائماً ما نضل الطريق، ونفهم السعادة وفق ما نحلم به، في حين أن الله يحلم بطريقة مختلفة".

                  

02-14-2009, 01:59 AM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أوباما - فصول من روايتي الجديدة (Re: emadblake)



    2

    في صيف 1988، عندما زار الحفيد باراك الجدة سارة أوباما في بلده الأم، لأول مرة في حياته، حيث قضى ثلاثة أسابيع إلى جوارها. كانت للجدة حكايات كثيرة تريد أن تقصها على حفيدها، لكن الحكاية الأكثر الإثارة بالنسبة لها تتعلق بذلك اليوم البعيد، الذي رأت فيه الرجل صاحب العمامة الزرقاء. وحتى تؤخذ حكايتها على محمل الجد، سيتوجب عليها ألا تستعجل، فعليها أولاً أن تتأكد إن كان حفيدها سيصدقها أم لا!. هو شاب مهذب، لبق، إلى حد ما يشبه والده في الطريقة التي يقيّم بها الأشياء. لكن هذا لا يكفي لكي تستعجل الجدة، فإذا كانت تعرف ابنها حسين جيداً، فليس بإمكانها إذا ما صدقت مع نفسها أن تقرر ببساطة أنها تفهم حفيدها، وأنه سيرى العالم بالطريقة نفسها التي كان والده يرى بها الأمور. كلاهما يبدو طموحاً، غير أن الطموح الزائد عن حده يتوّه الإنسان في كثير من الأحيان، تعتقد في ذلك لكن زوجها كان يردد دائماً ما سمعه من شيخ القرية بعد أن وثق فيه تماماً عقب مولد حسين، وبعد أن أثبتت نصائح الشيخ جدواها: "لا يوجد إنسان طموح في العالم إلا وفيه نفث من روح الله". وهذا يعني بتقدير الجدة، أن الله لن يكون مضطراً لكثير شرح وتفسير لكي يفهم الأشياء. وبهذا الشكل عليها أن تسرّ لحفيدها بالحكاية. لكن من أين ستبدأ؟!
    هي الآن لا تقيم في تلك القرية التي باتت جزءاً من عالم قديم، لهذا ستأخذ حفيدها ابن السبعة والعشرين ربيعاً من "كوجيلو" حيث تسكن، إلى ناينغوما، وطوال الطريق إلى هناك وهما في الحافلة السفرية، ستفكر في البداية. لكن بعد أن يصلا لن تتملكها الحيرة كثيراً، لاسيما بعد أن تأخذه في جولة بالمرعى، الذي لم يعد موجوداً حيث قامت محله مجموعة من القصور لأثرياء جدد قفزوا هكذا فجأة، دون مقدمات، من رحم الفوضى التي تعيشها البلد، والتي فسرتها الجدة للحفيد على أنها: "استغلال حقوق الناس. لا يوجد أحد له ضمير هنا. كلهم يحلمون. الحلم مشروع لكن يجب ألا يقوم على باطل". هذه الجولة، كانت قد أزاحت الحيرة عن دماغ الجدة، فقد فهمت جيداً من خلال كلمات مقتضبة كان يتفوّه بها حفيدها، الذي ركّز على السماع أكثر من الكلام. فهمت أنه سوف يستوعب تماماً الحكاية القديمة، وأن ذلك المكان الذي تغيّرت ملامحه له تاريخ خاص بها، لولاه لما كانت هي تتمشى اليوم معه، وهي تشير إلى نافذة في أحد القصور وتقول: "تحتها تماماً كانت تقوم شجرة (باباي) وتحت هذه الشجرة تعرفت على جدك.. كان رجلاً طيباً.. المرعى لم يمنحه المتعة مثلي ومثل والداك فيما بعد.. لقد آثر جدك أن يعمل في مصنع الطوب الحراري، لأنه كانت له طموحات سياسية". أما الجزء الذي أسرّت به لنفسها ولم تجهر به: "تحت هذه الشجرة كان قد ظهر الرجل الملاك".
    "طموحات سياسية.. ماذا تعنين جدتي؟"
    "كانت له زمرة من الأصدقاء الحالمين بالنضال، لكن واحداً منهم لم يفعل شيئاً من أجل الوطن.. أبوك كان قد تأثر بهم، وفي النهاية أصبح مثلهم فالعمل في المصنع لم يكن شاقاً فحسب، بل كان المصنع أشبه بسجن، لا أحد كان يقدر على المعارضة أو الصراخ بصوت عالٍ. قلة حاولت أن تتمرد على نظم العمل التي فرضها الإنجليز، وانتهى بهم الأمر أن فصلوا وعاشوا مشردين بعد أن نسوا كيف يقودون الأغنام ويشرفون على رعايتها، بالأحرى نسوا مهنة أجدادهم في قبيلة (لوا)".
    "إذن لم يكن جدي مع أولئك الذين تمردوا؟"
    "لو أن هذا تم قبل مولد والدك، لكان قد شارك معهم.. كان يخاف على حسين أن يتربى يتيماً.. لا قريب يعين قريباً هنا.. رغم هذا فالحياة لم تكن جحيماً"
    لدقائق استرجع باراك حياته كطفل يتيم، لقد عاش طفولته يتيماً بحق، فاليتم الحقيقي أن يكون أبوك حياً ولا تنعم بالعيش إلى جواره. هذا ما حدث معه. فهو لا يتذكر صورة والده جيداً، فقد قابله مرة واحدة في حياته عندما كان في العاشرة من عمره. لقدر ما كان على والده ووالدته أن ينفصلا بعد زواج لم يدم أكثر من سنتين، ليبقى الطفل ابن العامين مع والدته التي ستتزوج من رجل آخر قادم من بلد بعيد من الولايات المتحدة حيث كانوا يعيشون، قبل أن يسافرا ويصطحبان باراك إلى أندونيسيا، وهناك سيبدأ الطفل في اكتشاف العالم بطريقته الخاصة، فالوالدة رغم حنانها العميق كانت مشغولة بزوجها، خاصة بعد أن أنجبت منه، أما والده فقد كان مشغولاً ببلده الذي جاء منه ذات يوم للدراسة في أمريكا، كان يخطط لمستقبله في نيروبي، على أن يبني أسرة بديلة وأن ينجب أبناء من امرأة ذات سحنة سوداء، بخلاف زوجته الأولى "ستانلي آن" التي ربما لو تذكرها الآن لن تعدو مجرد محطة عابرة في حياته. جزءاً من عالم هاواي وجامعتها العريقة. فلكي يصنع ذلك الأب مكانة مرموقة في بلده عليه أن يكون تقليدياً إلى أبعد مدى، عليه أن يكون له أبناء هنا.
    تركت الجدة سارة حفيدها يعيش ذكرياته، فقد كانت تدرك أن جرح الحفيد وألمه كبيران، لا يقلان عن جرحها وألمها هي في الحياة عندما فوجئت ذات يوم في عام 1982 بخبر وفاة ابنها في حادث سيارة. بلغها الخبر وهي جالسة في بيتها في منطقة "كوجيلو" والذي انتقلت هي وزوجها للعيش فيه، بعد أن ساءت الظروف في قرية ناينغوما، بعد أن نما الإقطاعيون الجدد كالفطريات، لم يتركوا شبراً من الأرض إلا وأخذوه عنوة أو بالتي هي أحسن، وكانت الطريقة الأخيرة ناجحة فأغلب القرويون لم يكونوا بذات حماسهم القديم للحياة في المكان. فالحياة تغيرت في القرية، كما أنها لم تعد تلك القرية الناعمة بالهدوء والطمأنينة والقمر الذي يبزغ على الناس سواء. كان العشب قد مات وضرب جفاف من نوع آخر الأرض، بعد أن حشدت الماكينات في المكان وبدأت في الحفر والضجيج دون أن تفرق بين ليل ونهار، أو ترحم الأشجار والحشائش.
    إلى حد كبير كانت سارة عطوفة، دموعها سريعة التحدر، ثمة لمسة حزن تكسو وجهها خاصة بعد أن رحل ابنها الوحيد، ورغم أنها تقبلت قدر الله كمسلمة مؤمنة، إلا أنها في لحظات وحدتها، كانت تفكر في الشكل الذي تسير عليه أقدار الله في الأرض. وهي تتذكر كيف كان فرحها كبيراً يوم مولد حسين، ولم يكن يخطر ببالها مطلقاً أنها سوف تفقده مبكراً وهو في سن السادسة والأربعين، قبل رحيلها هي عن الحياة. الآن مضت ست سنوات على ذلك الحادث المشئوم، لكنها نست؟!. أبداً !. كما أن زيارة الحفيد هيجت فيها أوجاعاً كثيرة، وجعلتها أكثر حزناً رغم أنها كانت تحاول أن تبدو متماسكة، قوية، وهذا لم يفت على باراك، فقد كان لماحاً واكتشف بسهولة كم هي تعاني هذه الجدة! ولأكثر من مرة تمنى لو أنه لم يأتِ، وهو يكلم نفسه، هل كان ضرورياً أن يقوم بهذه الزيارة إلى وطنه الأم؟!.



                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de