يوميات زلابية الحنّانة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 09:57 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-21-2006, 01:51 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
يوميات زلابية الحنّانة

    يوميات زلابية الحنّانة

    - إضاءات -

    ( زلابية ) هو الاسم الحقيقي للسيدة ذات السبع وثلاثين ربيعاً. امرأة ممتلئة الوجه، مكتنزة الجسم، ذات بشرة سمراء داكنة. شعرها القصير سوداني المزاج. يُميّزها لحمية بارزة في الجانب الأيسر من رقبتها. تُفرّق شعرها إلى نصفين، وتُسدلهما ضفيرتين قصيرتين، لا تكاد تصلان إلى مؤخرة رقبتها. متزوجة ولديها ابنة واحدة فقط هي ( عديله ). زلابية تسكن إحدى حواري الثورات - المُنهكة بالبعوض والحُفر - هي وزوجها ( حمد ) بائع الفحم. صاحب عربة الكارو، النحيل، ذو الشارب الكثّ، والوجه ذو الملامح القاسية.


    ( زلابية ) القادمة من غرب السودان (الأبيّض) منذ أن كان عمرها أحد عشر عاماً، تنقّلت مع والدها (الكُمُسنجي) البسيط بين مدن الخرطوم شمالاً وجنوباً، حتى طاب لهم المقام أخيراً في الثورات، هي الآن أشهر ( حنّانة ) في المنطقة قاطبةً. وما يجعلها كذلك، ليس فقط إجادتها لعمل الزخرفات بناءً على الطلب، وحسب المناسبات المختلفة؛ بل هو الجو الذي تُضفيه على المكان بحكاياتها الشيّقة، وتعليقاتها الساخرة. ( زلابية ) التي امتهنت هذه المهنة عن عشق لها، تُحب أن تتقن عملها حتى قد تُصاب بعض النساء بالملل، ولذا فهي تعتمد أسلوب سرد القصص والحكايات عليهن بغرض التسلية.


    منزل ( زلابية ) هو الأشهر في المنطقة رغم تواضعه الشديد. بل هو معلم يستدل به الناس. فيقال "وين من بيت زلابية؟"، "قبل ولا بعد بيت زلابية؟"، "نفس شارع بيت زلابية". ورغم ذلك فإنّ ( حمد ) لم تكن تزعجه هذه المسألة كثيراً. بيت ( زلابية ) كالبيت الأبيض في الثورات الحارة التاسعة. بيت مبني من الطوب، مكوّن من حوش متوسط المساحة، هو نفسه مكوّن من حوشين أمامي وجانبي ينتهي بمطبخ صغير في آخر المنزل. في منتصف الحوش مزيرة ثلاثية. البيت نفسه مكوّن من غرفتين و( برندة ). تهتم ( زلابية ) بزراعة شجر الحناء في بيتها فتجد خمس شجرات حناء صغيرة محاذية للجدار الشمالي للمنزل. وتتدلى عليها أغصان شجرة ( نَبَق ) كبيرة من البيت المجاور لها تماماً، لتعطي مساحة وافرة جداً من الظل خلال ساعات ما قبل وبعد الظهيرة.


    ( حمد ) زوج ( زلابية ) أُمي، ولكنه يعشق الاستماع إلى الأخبار من خلال مذياعه الصغير الذي يأخذه معه في كل مكان. حتى عندما يذهب إلى عمله، فإنه يُعلّق المذياع على إحدى بروز خشبات الكارو. وهو – كغيره من جيرانه – سياسي بالفطرة. وله آرائه التي يُعتد بها بين رفاقه في مسائل تتعلّق بأزمة لوكربي، ومشكلة الشرق الأوسط، وبرنامج الحد من انتشار الأسلحة النووية (كل ذلك بحسب مفهومه البسيط!!). وهو في ذلك كلّه يحفظ بعض المصطلحات السياسية والتي قد يستخدمها في غير مواطنها الصحيحة. و ( حمد ) نقيض ( زلابية ) تماماً، فهو جاد دائماً، وسريع الاهتياج. يُمسك العصا من المنتصف. وكثيراً ما يتشاجر معها بسبب محاولاتها لـ( تمييع ) المواضيع التي يتناقشون فيها. ولكن الحقيقة هي أنّ ( زلابية ) لا تُحب أن تُحمّل المسائل فوق ما تحتمل، بل إنّها لا تُحب الموضوعات الجادة أصلاً؛ لذا فهي تُحاول أن تُلطف الجو المشحون الذي يخلقه ( حمد ) بجديّته.


    ( عديله ) ابنة ( زلابية ) و ( حمد ) في الثاني عشر من عمرها، أخذت من ملامح والدها الكثير، فهي نحيلة وذات ملامح قاسية، وتعشق السياسة – وخصوصاً الخارجية – ولها اهتمامات أخرى كتربية الحمام، وجمع الطوابع. ولم تأخذ عن أمها غير الإهمال. ولتسميتها بهذا الاسم قصة، فقد اضطر ( حمد ) للسفر إلى الدمازين في اليوم الثاني من ولادتها. فاستحسنت ( زلابية ) أن تُسمي ابنتها بهذا الاسم، حتى تُصبح كجملة مفيدة ( عديله حمد ). ولعديله وزلابية حوارات طريفة لا سيما عندما تُريد ( زلابية ) معرفة أمر ما سمعته في الأخبار. أو عندما تريد (عديله) إقناع أمها بأمر لا توافق عليه. وغالباً ما تنتهي هذه النقاشات بجملة ختامية من ( زلابية ) : "أصلو ما خربِك إلاّ أبوك بالداهية الاسمها السياسة دي".


    سنحاول أن نعيش وسط هذه العائلة البسيطة، ونتعرف على تاريخهم اليومي بحيادية تامة. نرتدي طاقة الإخفاء، ونتنقل بين غرفهم. نعيش معهم لحظات البهجة والضحك، ونُقاسمهم تلك اللحظات الحزينة المُلطّخة بالدموع. نستيقظ معهم باكراً، ونشرب معهم شاي الصباح، ونسترق السمع لمناقشاتهم الطريفة والجادة. نعرف تفاصيل العلاقة بين ( زلابية ) وجاراتها، وضيوفها، وزبائنها. وتفاصيل العلاقة بين ( حمد ) و الباعة في سوق الفحم، ورجالات الحي. نُرافق ( عديله ) إلى مدرستها صباحاً، وإلى فصول التقوية بعد العصر. ندخل في علاقاتها مع صديقاتها وأي نوعية من الفتيات تُصادق ( عديله ). ونجلس القرفصاء لنتمتع بالاستماع إلى محاوراتها مع أساتذتها. كما سنعرف طبيعة العلاقة التي تربط هذا الثلاثي ( زلابية ) و ( حمد ) و ( عديلة ).


    هشام آدم محمد


                  

01-21-2006, 02:35 PM

القلب النابض
<aالقلب النابض
تاريخ التسجيل: 06-22-2002
مجموع المشاركات: 8418

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: هشام آدم)

    يبدو أننا سندخ الى بيت يحمل كل ملامح البيت السوداني العادي

    وبلا مقدات وجدت نفسي انحاز لعديلة (أرجو أن لا أغير رأيي بعد حلقتين تلاتة) لانها خفيفة الظل وضاربة طناش من الجدية قريط الحاجات. ولانها تجيد مهمنتها.

    ولانها تسكن الثورات.

    ولانها من الأبيض

    تحياتي

    موسيقى تصويرية

    ترررررررررررررررررم
                  

01-21-2006, 02:46 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: القلب النابض)


    ( خبر عاجل )



    عادةً لا تضع (زلابية) عدتها مكشوفةً هكذا، ولكنها – ربما لارتباكها – تركت أكياس الحناء، وقناني الحِلبة، والصحون الفارغة فوق طاولة منخفضة وسط برندة المنزل، وخرجت حتى تستطلع سِر الصرخة التي سمعتها من بيت إحدى الجارات. وقبل أن تعود زلابية مُحمّلةً بالأخبار غير السارة، كانت (عديله) قد بدأت تحاول اكتشاف سِر اللون في هذه الحناء. كيف أنّ لونها الأخضر، يتحوّل إلى الأسود الداكن بمجرّد إضافة الماء، وكيف أنه يأخذ اللون الأحمر بجميع درجاته في أكف النساء. وبينما هي منهمكة في تجاربها، دخلت عليها (زلابية) وهي تحوقل وتضرب كفاً بكف. وما أن رأت منظر (عديله) وهي تفترش أرضية البرندة الرملية، ومن حولها كؤوس الماء، وصحون ممتلئة بالحناء، ورائحة الحِلبة المنتشرة. وقفت (زلابية) لبرهة، وكأنها تُريد أن تجعل فاصلاً بين حوقلتها وبين ما يليه من حوقلات جديدة، لموضوعٍ جديد!

    * سجم خشم أُمك، ده شنو ده يا عديله؟ حسبُنا الله ونعم الوكيل! يا بت إنتِ غير الخراب ما عندك شغلة في البت ده؟

    (بهلع) - خراب شنو يا يُمّه؟ أنا بس كنتَ دايرة....

    * يدورك عزرائيل إن شا الله، قولي آمين.

    اقتربت (زلابية) من موقع الجريمة، وهي تُمسك (عديله) من وجناتها

    * كم مررررة قولتَ ليكِ ما تهبشِ العِدة؟ يا بت ماك عارفة دي عِدّة الشُغل؟

    - واااااااي . . . خلاص تاني ما بعمل كده وعد بلفور والله

    * يفوّر راسك إن شا الله. حسي ده شنو الخراب ده؟

    في هذه الأثناء يدخل (حمد) بعد أن ربط حماره خارج باب المنزل، ليدخل بسرعة:

    * هووي، في شنو؟ ده شنو الهرج والمرج ده؟ صوتكم جايب آخر الشارع السوداني. في شنو؟

    - يا (حمد) عليك الله زح مني كده، أصلاً إنتَ وبتّك حتكتلوني. أنا عارفة.

    * ما لا (عديله) عملت شنو؟

    - آآآ راجل ماك شايف قدامك، ا########## دي مجخبطة كيفن؟

    * ياخي الموضوع ممكن ينتهي سِلمي يا (زلابية). روقي عليكِ الله

    - سِلمي شنو، عليك الله المغصة الفيني ماها شوية. حسي الليلة أحنّن العروس بي سجم خشمي ؟

    * سمح الكوراك ده عرفنا دوافعو شنو، لاكين دي حاجة تستاهل البُكا والدموع دي كلها؟

    - لا الدموع دي لي (شريفة بت محمد) أبوها قالوا مات الليلة.

    * لا حول ولا قوة إلاّ بالله. ده شنو الخبر العاجل ده؟ ياخي كمان تقولي لي حنّة

    لقد كان لمنظر (حمد) وهو متأثر بخبر وفاة (محمد الخير) والد (شريفة) جارته، أثره البالغ الذي هزّ (زلابية) وجعلها تُرخي ضفائر (عديله) من يدها، بعد أن كانت ممسكة بها بشدة وهي تهزها. فجلست القرفصاء بجوار ابنتها وكأنها سمعت الخبر للتو، وراحت تبكي بحرقة. أمّا (حمد) فقد دخل غرفته ليُغيّر ثيابه ويخرج للعزاء والواجب. الغريب أن (عديله) نفسها راحت تبكي في حِجر أمها. ولم يُعرف سبب واضحٌ وقاطع لبكائها حتى اللحظة.





                  

01-21-2006, 03:17 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: هشام آدم)

    ( المرة الضكرانة . . وأدب الفضايح )



    جلست (زلابية) بين نساء الحلة، وهي تُمسك بقدم (عشوشة). بللت قدمها بقليل من الماء، وبدأت تمسح عليها بالحِلبة، وهي تقول:

    * والله يا بنات أمي كان شفتن (التومة بت حسن) عملت شنو أُمبارح، أكان تستغربن. سجمنا المرة دي ما صعبة عدييييييل.

    هزت إحدى النسوة الحاضرات رأسها باهتمامٍ بالغ:

    - مالا عملت شنو؟

    رفعت (زلابية) رأسها وهي ما تزال ممسكة بقدم (عشوشة) ابنة الخمس وعشرين بعدما رفعت - بطرف أصابعها - ثوبها الذي سقط عن رأسها، فكشف عن شعرها الأجعد القصير:

    * والله جنس مِحن . . قالوا المرة دي مشت السوق البارحة. سوق الخدار بتاع محطة ستة.

    - آآي آآي . . أها؟

    * بس!! قال ليكِ في راجل جهامة جا صاقرا ليكِ في الزحمة.

    - سجمنا . . الرُجال ديل ما بختشو عاد . . أها ؟

    * أها شنو، والله قال ليكِ ساعة المرة دي اتلفتت عليهو، وصييييي أدتو كف !!

    - ووب علي، قِدام الناس؟

    وهنا تدخل فتاة كانت تجلس في مكانٍ غير بعد:

    = والله عافيت منها.

    - يا بت صُمّي خشمك سااااي، هو عليكِ الله في واحدة تدور الفضيحة لي روحا؟

    * والله يا (تضامر) قال ليكِ ساعة الناس ديل اتلمو . . السوق ما يديكِ درب.

    - حسي عليكن الله المرة دي غبيانة، في داعي للفضايح دي؟

    = أها وتعمل شنو يعني؟ تسكت؟ والله أنا لو كنتَ مكانا ما بسكت، أسكت ليه؟ والله ده الفضّل كمان.

    - هوووي يا بنيّة ما قلنا ليكِ صُمّي خشمك ده.

    = ليه يعني؟ شايفاني صغيرة وله شنو؟

    - آآي صغيرة . . حسي عليك الله كان ضارت روحا وزحت منو سااااااي ما كان أخير ليها بدل ما توري ناس السوق ديل كلهم.

    * هو قالوا ليكِ السوق بس الفيهو الحاجات دي، والله أكان تشوفي البحصل في البصات تستغربي!

    = حسي يا خالة (زلابية) ناس السوق سابو الراجل ده، ولا دقّوهو؟

    * والله يا بت أمي السمعتو، إنو ناس السوق زااااااتهم انقسمو. عِلّ الكلام ده كان قِدّام دكان (وقيع الله)

    - (وقيع الله) بتاع الهَتَش؟

    * بسسسس، ياهو زاااتو. و(وقيع الله) ده ما زول شَكَل.

    - عارفااااااهو ما متزكرة لمّن اتشاكل مع (ود المحجوب) والله قالوا ليكِ (ود المحجوب) ده قعد شهرين ما بمرق من البيت.

    = لا بس . . الناس المفروض ما تسكت على الحاجات دي. دي قلّة أدب.

    * اسمعي كلام خالتك (زلابية) يا بت أمي، البنات ديل ألزم ما عليهن شرفن وسمعتن. والمرة لمن تتشاكل مع الرجال، حتى لو كانت على حق، بتطلع غلطانة في عين الناس.

    = يعني تسكت وتاكُل الموضوع في حنانا ولا كيف يعني؟

    - تسكت آآآي، بس ما تاكل الموضوع في حنانا. النسوان بتصرفن. بس ما في داعي للفضيحة.

    في هذه الأثناء كانت (زلابية) قد بدأت تُركز على وضع كُتلة الحناء في قدم (عشوشة) التي كانت تستمع بإنصات للحوار الذي دار بينها وبين (تماضر) و (إيناس) التي كانت تجلسُ في مكانٍ غير بعيد.



    (عدل بواسطة هشام آدم on 01-21-2006, 03:22 PM)

                  

01-21-2006, 03:48 PM

يوسف السماني يوسف
<aيوسف السماني يوسف
تاريخ التسجيل: 12-10-2005
مجموع المشاركات: 3838

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: هشام آدم)

    صديقي الجميل
    هشام ادم

    تحياتي.


    **** ( زلابية ) القادمة من غرب السودان (الأبيّض) *****

    التنمية الغير متوازنة هي التي دفعت ابناء الريف لهجر قراهم والعيش علي هوامش ، وزلابية بنت الابيض الدفاق الممتد خيرا ينعم بة غيرنا . ولعل تعبير غرب السودان ( الابيض ) فية لمحة عميقة
    وذكية تؤكد ان الظلم يمتد في اكثر الماطق خيرا هكذا فعل بنا الساسة وزلابية نموذج لكل فقراء بلادي .
    , وحان الوقت لرفع الظلم قبل ان تكون هنالك حركات مسلحة للهامشين في الوسط حتي يعرف الاخرون
    قضاياهم .
                  

01-22-2006, 10:42 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: يوسف السماني يوسف)

    ( عديلة و حمدن الله )


    يدخل ( حمد ) بعد أن ربط حماره قرب ( أميّة ) الكهرباء الملاصقة لمنزله تاركاً له برسيمه الطازج الذي اشتراه للتو من سوق النص. ونزع عنه عربة الكارو المرهِقة ذات العجلات المدهونة ببوهية صفراء فاقعة. البيت يبدو هادئاً على غير العادة ، تنحنح بصوتٍ عالٍ وكأنه يختبر المكان . ولكن لا أحد . يخلع طاقيته البرتقالية المميزة ويرمي بها على إحدى أسرّة البرندة . مساحة البرندة التي بالكاد تتسع لسريرين خشبيين - أحدهما متهالك والآخر جديد نوعاً ما – و (حافلة) زرقاء اللون من الموديل القديم ذو الزجاج المزخرف عليها تحفة عبارة عن مزهرية مشغولة باليد وزهور اصطناعية عتيقة ، وكرسي منفرد في إحدى جنبات البرندة من النوع المصنوع من الحبال البلاستيكية ، وطاولة بنية ممتلئة بالخدوش وبقع الجير منذ زمن الرحيل الأول ، وصورة لنميري ببزته العسكرية على إحدى الجدران. يتوغل متجهاً حيث غرفة النوم ، وفي طريقه يمر بغرفة (التلفزيون) يلاحظ وجود شخص ما . يقترب أكثر ليكتشف أنها (عديلة) تكتب شيئاً باهتمام مبالغ. وقف على باب الغرفة وهو يحاول معرفة سر ما تكتبه ، حاول أن يقترب منها دون أن تشعر بوجوده ، ساعده على ذلك أرضية البيت الرملية . وقف خلفها مباشرة وبدأ يركز على ما تكتبه ، و (حمد) رغم أميته - إذ أنه لم تحالفه الفرصة حتى لدخول الكتاب – كان لا يترك جريدة قديمة أو جديدة إلا ويتصفحها ، كانت لديه ملكة أن يفسر الأحداث وأن يقرأ الأخبار من خلال الصور ، وكان متابعاً جيداً لكاركتير الصفحة الداخلية التي يرسمها أحدهم بكل حرفية. وكان يقول دائماً عن أحد شخصيات الكاركتير أنه يشبه إمام جامع الحي (الشيخ ياسين المرزوق) ، ورغم أنه لا يترك صلاة مفروضة ، إلا أن لديه رأيه الواضح تجاه الشيخ المرزوق (الدجال) كما يسميه (حمد) . ولا أشد من كراهية (حمد) لأصحاب اللحى ، فكانت لديه حساسية تجاههم.

    ويذكر (حمد) أنه ذات ليلة وبينما كان في سوق الشهداء رأى الشيخ ياسين مرتجلاً من عربة فارهة لا يبدو على صاحبها التقوى. بيد أنه كان يحمل في يده بقجة كبيرة لم يعرف ما بداخلها على وجه الدقة ، ولكنه رآه يدخل بها إلى بنك الثروة الحيوانية ، وما لفت انتباه (حمد) هو اعتدال الشيخ ياسين المرزوق في مشيته على غير المألوف، فالجميع يعرف أن الشيخ ياسين يمشي بعرجة خفيفة وميلان في ظهره بمقدار 30% ينم عن عدد سنواته الخمس وستين. ومن يومها و (حمد) يحس بالريبة من هذا الرجل ، ولا يصلي خلفه. فالجميع يعرف عن الشيخ ياسين القادم من (النهود) أنه لا يملك غير بيته الذي قدمه له (عثمان القلّع) هدية له بعد أن استطاع أن يشفي ابنته الوحيدة من داء ألم بها قبل ما يربو على سبع سنوات ، وعندما طاب له المقام أرسل في طلب زوجته (سعيدة سر الختم). والبعض يتناولون سيرة الشيخ ياسين النازح من (انجمينا) ويلفون هذه الشخصية بالغموض ربما لإضفاء الهيبة المطلوبة عليه. والغريب أن (حمد) الذي ما زال يعتقد أن السواك بمعجون Signal 2 فرض من فروض الوضوء لذا يحمل معجونه وفرشاته معه أينما حل أو ارتحل. يرى أن معلوماته في الدين تتجاوز تلك التي يتمتع بها شيوخ القرية الذين لا يعرفون من الدين إلا عدم مصافحة النساء.

    حاول (حمد) أن يستشف مما تكتبه (عديله) شيئاً ولكنه لم يفلح ، فمد يده ولمس كتفها برفق ، فقفزت (عديله) من هلعها عالياً وهي تصرخ ، ونظرت ورائها بعينين جاحظتين وهي لا تكاد تصدق.

    * يا بت كدي قولي بسم اللهي ... مالك؟

    (بابتسامة ما تزال خائفة) – خلعتني .....

    * بتعملي في شنو ؟

    - بكتب .........

    * بتكتبي في شنو؟

    - رسالة ...

    * لي منو ؟

    - لي (حمدن الله)

    * (حمدن الله) ده منو كمان؟

    - بتاع اللبن...

    * شنو ؟ حمدن الله بتاع اللبن؟ يا بت إنكِ ماك نصيحة؟ كاتبة ليهو شنو بتاع اللبن ده؟

    - يابا ... مش حمدن الله بجيب اللبن بتاعو في بستلّة ؟

    * أها ؟

    - مش ؟

    * أهاااا أيوه .. وبعدين ؟

    - سمح ... سمح .. ومش بيجيب بيت ناس ود الفكي الفي آخر الحلة ؟

    * أها ؟

    - وناس ود الفكي ديل مش بيجيبوا اللبن من حوش أب جقودا ؟

    * أها ؟

    - وناس أب جقودا ديل ما عندهم بقر .. مش ؟

    * آآآي

    - بيقوموا يجيبوا اللبن من خالتي ست الدار ... مش؟

    - أها وخالتي ست الدار راجلا كان غنيان وعندو بقر كتييير ... مش ؟

    * آآآآي .. دايرة تصلي لي شنو يا عديلة ؟ أخلصي

    - أنا بس دايرة أعرف حمدن الله بيجينا الساعة خمسة الفجر كيف وكت اللبن بياخد المشوار ده كلو ؟؟؟؟
                  

01-22-2006, 02:09 PM

ناصر محمد خليل
<aناصر محمد خليل
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: هشام آدم)

    الأخ هشام أدم

    تحياتي للسرد الجميل

    فقط لدي ملاحظة أرجو منك قبولها

    Quote: ( زلابية ) القادمة من غرب السودان (الأبيّض) منذ أن كان عمرها أحد عشر عاماً، تنقّلت مع والدها (الكُمُسنجي) البسيط بين مدن الخرطوم شمالاً وجنوباً،


    لقد لا حظت ان مجمل القصص والروايات والسرديات في هذا المنير محورها شخوص وأبطال من المناطق المهمشة .. هل لا حظت انت هذا معي ؟

    أتمنى أن تنتهي روايتك نهاية سعيدة ولا تكون نهايتها ترسيخ لذهنية وتصوير أن ابناء المناطق المهمشة هم جهال وما خلقوا إلا لتسخيرهم لرفاهية المناطق المتحضرة .

    ناصر
                  

01-22-2006, 02:25 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: ناصر محمد خليل)

    الأخ ناصر

    أولاً أشكرك على القراءة وعلى المرور بهذا البوست. واسمح لي أن أوافقك الرأي في أن أبناء المناطق المهمشة أصبحوا مادة أدبية ونضالية مستهلكة كثيراً ، ولكني – صدقاً – لم أقصد أبداً تناولهم بشيء من السخرية أو الترف الثقافي على أنهم عينات لترفيه أبناء الوسط.

    أخي ناصر ، ربما لا تعرفني جيداً ، وأؤكد لك أنك حين تعرفني عن قريب ستعرف أنني لا أفرق في معاملتي بين أي من قبائل السودان أبداً .. كانت لي علاقات طيبة جداً بل ولصيقة مع أخوة جنوبيين ربما كانت أعمق بكثير من بلدي جلدتي النوبيين. وأحب الشوايقة والدناقلة ، وأعشق أغاني الشوايقة وليست لدي أي حساسيات عنصرية أبداً تجاه أي قبيلة سودانية. في محل عملي السابق قبل محلي الحالي كنت برفقة ثمانية زملاء كلهم سودانيون قادمون من مناطق مختلفة فمنهم القادمون من الجزيرة (أرض المحنة) ومنهم القادمون من كسلا (بلد القاش) ومنهم القادمون من دنقلا ، وكان احدهم وهو الأقرب إلى قلبي حتى اللحظة شخص يدعى (حسن حمدتي) وهو من أبناء الأبيض ، وصدقاً فهو شخص راقي في تعامله ويجبرك على احترامه ولقد أحببته بطريقة مختلفة عن البقية.


    مرورك من هنا محل تقديري الشخصي

                  

01-22-2006, 02:58 PM

ناصر محمد خليل
<aناصر محمد خليل
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: هشام آدم)

    الحمد لله أخي هشام فقد إطمأنيت والله .
    وأحمد الله مرة اخرى اننا نتفق سويا في هذه النقاط وانك تفهمت مقصدي .
    بالمناسبة انا متابع لجميع كتاباتك في هذا البورد وجئت الان من بوست الهدية وسأدلي برأيه لك في وقته .

    شكرا لأريحية التعامل .

    ناصر
                  

01-23-2006, 08:41 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: ناصر محمد خليل)

    ( النسوان وفلسفة اللبان )


    (حمد) الذي ربط حماره على باب البيت، ونام تحت شجرة الحناء، كان قد عاد للتو من سوق الفحم، عندما دخلت عليه (زلابية) وهي تخلع عنها ثوبها بعد أن ركلت الباب بقدمها:

    * لا حولة الله !!!!!

    يرفع (حمد) رأسه بتثاقل وهو يلتفت إلى (زلابية)

    - مالك في شنو؟

    * عاد لاكين بنات الزمن ديل ما بقن صعبات عديييل كده.

    عاد (حمد) إلى وضعيته الأولى بعد أن عرف أن الموضوع فيه (نقه) طويلة، ولم يسألها عن التفاصيل، ولكن (زلابية) لم تنتظر أن يسألها فواصلت كلامه:

    * (إشراقة بت عبد الجليل) الخياط! البيتهم مطرطش داك! جمب المحطة! عرفتها؟

    - أها أها .. مالا؟

    * من يوم ما قالوا خشت الجامعة وهي رافعة نخرتا، ومافي زول قادر يتكلم معاها.

    - حسي الموضوع ده مضايقك في شنو يا (زلابية) دي ما شئون داخلية يا بت الناس!!

    * شئون شنو يا راجل، هو ناس الحلة كلهم بيتكلم فوق الموضوع ده.

    - حسي الجديد شنو في الموضوع ده؟ (إشراقة) دي مش خشت الجامعة السنة الفاتت؟ الجديد شنو حسي في الموضوع ده؟

    * لا ما قبييل، وأنا جاية من بيت ناس (ود الفكي)، لاقيتا واقفة في المحطة، والله يا (حمد) أكان تشوفا . . . أخخخخخخ. جِنس حنكشة! فوق كم ما عارفة. لا والغريبة واقفة تلوك ليها في لُبان . . عاين البت الما بتختشي دي عليك الله.

    - يا (زلابية) عليكِ الله حسي ده موضوع، قومي أكلتِ الجداد ديل ، انا قبيل نظفت موية الحمام وكشحتو بره .

    نهضت (زلابية) وهي ما تزال تثرثر بكلمات لم يكترث لها (حمد) كثيراً، سألها:

    - إنتِ عندك مشاوير الليلة؟

    * حمشي أحنن بت ناس (كلتوم)، طهورا الليلة. في حاجة؟

    - لا بس، شايفك ما جبتِ سيرة.

    * وأنا عاد شفتك متين من الصباح عِلّ حسي؟

    دخلت (زلابية) المطبخ، لتجد (عديله) وهي نائمة في البرندة المقابلة للمطبخ. فبدأت تغمغم:

    - الفطيسة دي كمان قدر ما أعاين ليها يا نايمة يا بتسوي خراب . غايتو حالة!!!


    كان (حمد) يستغرب كثيراً في قدرة زوجته على الكلام المتواصل دون توقف ، وعرف أنها سوف لن يهدأ لها بال إن لم تجرجره للخوض في موضوع ما معها . ففكر قليلاً ثم استدار بجسمه ورأسه ناحية المطبخ :

    * إنت يا زلابية ؟؟؟

    - آآآآي .... أها ؟

    * علاقة النسوان باللبان ده شنو ؟

    لم ترد زلابية ولكنها جاءت مسرعة وقد شمرت كمها عن ساعديها ويداها ما زالتا ملطختين برغوة الصابون وبدأت في سحب (بنبر) بقدمها كان على مقربة من بيت الدجاج فجلست أمام سرير حمد الذي ابتسم ابتسامة المنتصر:

    - والله يا حمد يا خوي النسوان ديل عجيبات خلاس .. هي يا حنكشة منهن ما تفهم ، لياقة منهن ما تفهم ، يا كمان لمن ما يلقن حاجة يقولنّها بيقعدوا يلوكوا في اللبان ده ساااااي ... عشان خشمن ما يقعد مقفول ساي. لاكين ساعة تلقى ليها فرقة بتاعت نضمي ، تبزغ اللبان وهاااااك يا نضمي.

    انقلب حمد إلى الجهة الثانية وهو يقول بكل برود :

    * أكان كده بشتري ليك شواااال بتاع لبان من بكره دي!!!!!!!
                  

01-23-2006, 08:47 AM

elham ahmed
<aelham ahmed
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: هشام آدم)

    العزيز
    هشام
    واصل انحنا فى الانتظار
    لك الود
                  

01-23-2006, 04:53 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: elham ahmed)

    أختي إلهام

    أشكرك كثيراً على القراءة وعلى المتابعة. سوف تتواصل يوميات زلابية وحمد وعديله في موقعhishamadam.com وأتمنى أن أوفق فعلاً في إمتاعك وإمتاع القراء بتقديم شيء يعكس واقع بعض الأسر السودانية البسيطة وما تعانية ضمن إحباطاتها اليومية المتكررة من طرائف ومفارقات.

    أكرر لك شكري وعميق امتناني

    (عدل بواسطة هشام آدم on 01-23-2006, 04:54 PM)

                  

01-24-2006, 12:27 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: هشام آدم)

    ( معقولة بس يا زلابية ؟؟!!!)



    زلابية التي استنفرت شباب الحي ليغرسوا لها في فناء دارها الصغير عامودين من الحديد كتلك التي تستخدم في صيوان العزاءات والأفراح ، جندت عديلة لتزودهم بالماء البارد والشاي وأخرجت ما كانت تدخره للشدائد من بسكويت المناسبات المخزن في كراتين أعلى دولابها العتيق المصنوع من خشب رديء الصنع. وكثيراً ما يتشاجر معها حمد حول وضع هذه الكراتين التي ترهق الدولاب المتهالك أساساً ما يعجل بسقوطه في أي وقت ، ولذا فهو لا ينام في غرفة النوم حتى في الشتاء حيث ينزل ضيفاً على عديلة التي تنزعج كثيراً من شخيره المزعج فتترك له الغرفة لتنام بجوار أمها التي لا تتوقف عن الحركة أثناء النوم ، وقدر أخف من قدر.

    سحبت زلابية بنبرها المشهور ، وجلست تراقب شباب الحي وهم يثبتون تلك العمدان الحديدية ، وتظن زلابية أن جلوسها سوف يساعد كثيراً في التسريع من عملية تثبيت العواميد فبدأت بممارسة هوايتها أو (صنعتها) فراحت تسرد لهم قصة الشيخ ذو السبعين خريفاً الذي تزوج من فتاة هي أصغر من صغريات أحفاده ، وكيف أن تلك الفتاة عاشت معه أجمل لحظات عمرها رغم هذا الفارق العُمري الكبير. وقصة شجرة التبلدي التي كانت رمز أهل قرية صغيرة في مدينة الفاشر عندما كان الصبية والنساء والرجال يجتمعون حولها في مناسباتهم السعيدة وكيف أن تلك الشجرة العملاقة تمثل لكل واحد من هؤلاء الراقدين تحتها تاريخاً إذ يتجاوز عمرها الثمانين عاماً. وكيف أن الحكومة أمرت بخلع الشجرة وأقامت الخطب المأدلجة في ساحة القرية وامتلأت القرية الصغيرة - المليئة بعربات الكارو وعجلات الموظفين وربما بعض لواري الطوب الأحمر – بالسيارات الفارهة والدراجات النارية. وطغت أصوات مكبرات الصوت على أصوات ديوك وكلاب القرية الأكثر إلفة. ولا تزال تذكر أن كل هذه (الهيلمانة) من أجل إقناع سكان القرية بأهمية نزع الشجرة من مكانها حتى تسمح بإنشاء الطريق التي من شأنها أن تخدم المنطقة.

    ورغم أن أهل القرية رفضوا ذلك لأنهم ليسوا بحاجة لهذا الطريق إلا أن الموكب الذي غادر الحي بالهتافات والاحتجاجات لم يعد إلا على ظهور البلدوزرات وشاحنات الرمل. وقلة من الناس فقط في تلك القرية ممن يملكون تلفزيونات هم الذين شاهدوا ما بثه التلفزيون في نشرة أخبار الثامنة لقاء الوالي (أبو سفاري أزرق) وكيف أن التلفزيون فسر ذلك اللقاء على أنه مباركة من أهالي القرية وفرح بهذا الطريق التي تأتيها أخبارها من بعض ذويها القادمين من الفاشر بأنه ما زال منذ ذلك الحين مجرد (طريق ردمية) !!!

    كما راحت زلابية تحكي لهم قصة الشيخ (السيخ الله جابو) وسبب تسميته بهذا الاسم ، حيث تقول الأسطورة أن القرية - التي كان بها هذا الشيخ لم يكن بها غير خمسين منزلاً ، وفي تمام الساعة السابعة تطفأ جميع الفوانيس التي تعمل بالزيت وينام الجميع باكراً ليس لشيء ، ولكن لأن هذه القرية تصبح عمياء بعد غروب الشمس ، فلا كهرباء ولا إنارات شوارع ولا حتى مذياع – استيقظت صباحاً لتجد عدد البيوت ازداد بيتاً على طريق مراعي تلك القرية الصغيرة حيث وجدوا بيتاً متواضعاً في تلك المنطقة ولم يروا أحداً يخرج أو يدخل من المنزل إلا بعد الظهيرة ، عندما خرج عليهم شيخ لا يتكأ على عصا وإنما على سيخ طويل. ولأن أهل القرية البسطاء كانوا بسطاء فقد استطاع هذا الشيخ أن يقنعهم أن الله أرسله وحتى هو لم يكن يعلم بوجوده في هذه القرية حتى تلك اللحظة عندما خرج عليهم. ولأن قسمات الشيخ كانت تدل على هيبة ووقار فقط اقتنع الجميع بتلك الأكذوبة ولم يكتشفوا كذبه إلا عندما استيقظت القرية صباحاً لتجد أن لا وجود لمنزل الشيخ السيخ ، الذي اختفى فجأة كما ظهر فجأة ، وكان قبلها قد جمع بعض المال من أهل القرية بغرض إقامة جامع صغير للصلاة ولتعليم أطفال القرية القرآن. ولما لم يجد بعضهم ما يدفعه من مال قدموا له ذهب زوجاتهم وبعض الأثاث لكي يبيعه ويشتري بماله ما يساعد في بناء الجامع. ومن يومها اشتهر أهل القرية بسب الدين!

    عديلة التي أنهكها السعي بين المطبخ في آخر الممر الضيق وبين الحوش ، فضلت أن تجلس على (مصطبة) داخل الحوش زاهدة في حديث أمها الذي سمعته مئات المرات. بينما راحت زلابية تكرر على مسامع (مجاهد) بأنها تنوي تزويج عديلة له ، لتبتسم عديلة في براءتها وهي ترفض متحججة بـ(جلحاته) العريضة. وفي جو من المرح راح الجميع يحملون العواميد حافرين حفرة بعمق متر تقريباً في الجانب القصي من الحوش حيث حددت زلابية ومن ثم قام البعض بحمل العامود الأول وإنزاله في الحفرة ، بينما راح البعض الآخر في رمي ما توفر لديهم من حجارة و (حصحاص) داخل الحفرة على جنبات العامود ومن ثم ردمه بالتراب ، وكان (مجاهد) الذي راح يضرب - بمدية كان يحملها - الحجارة والحصحاص داخل الحفرة كي تعمل على تثبت العامود داخل الحفرة ، وبنفس الطريقة قاموا بتثبيت العامود الآخر في الجانب الآخر من حوش زلابية.

    وبعد أن انتهوا من عملهم الذي استغرق قرابة الأربع ساعات متواصلة ما بين قصص زلابية التي لا تنتهي ، وتعليقات عديلة الساخرة ، وجدية العمل المجهد ، بدأ الجميع بتجفيف عرقهم ، بينما أحضرت عديلة - التي بلغ منها الإنهاك والجهد حده – (صبّارة) الماء وبدأت تناول كل واحدٍ منهم كأسه في يده. بينما وقف (عثمان) يسأل زلابية:

    * إنت يا خالة زلابية العمدان والهيلمانة دي كلها حتعملوا بيها شنو ؟

    - والله يا ولدي دايرة أعملا حبل غسيل !!!!!!!!!!!!!!!

    (عدل بواسطة هشام آدم on 01-24-2006, 12:30 PM)

                  

01-29-2006, 10:12 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: هشام آدم)

    ( عندما يكون الجداد قضية انصرافية )

    (عديلة) جالسة على الأرض تحاول أن ترسم طريقاً وهمية لسيارة هي عبارة عن (شبط) أمها الذي يبلغ من العمر عتيا. بينما يرقد (حمد) على سريره المفضل ممداً ظهره وواضعاً مذياعه على صدره مسدلاً طاقيته الغريبة على وجهه. (زلابية) هي الوحيدة التي لا يهدأ لها بال في هذا البيت. والحق يقال فهي التي تقوم بكل شيء في هذا البيت. هي التي تطعم الدجاج ، وهي التي تنظف البيت ، وهي التي تهتم بشجرتيها ، وهي التي تهتم بشئون المطبخ وبشراء حاجياتها بمفردها ، وهي التي تنظف ماء الحمام وسكبه خارج البيت. فهي العامود الفقري للبيت، وما زال حمد يذكر كيف أنه وعديلة قد عاشا يومين من أطول أيام الله عندما اضطرت زلابية للمبيت في بيت إحدى الزبونات. وما زلت عديلة نفسها تستخدم بعض ما فعله ككرت تضغط بها عليه عندما يرفع تحقيق طلب لها. فقد رأته وهو يحمل ما جمعه من أوساخ ويرمي بها في الحمام البلدي. وقد برر لها فعلته تلك بأنه لم يكن يعلم أين يجدر به وضع هذه النفايات. ولكن حمد ربما يرد عليها الصاع صاعين بأن يهددها بان يفشي سر السواد الذي على إحدى الطناجر ، حينما حاولت أن تطبخ غداء والدها فاحرقت الطبخة وحاولت جاهدة بأن تغسل أسفل الطنجرة ولم تفلح كل محاولاتها.

    زلابية التي بدأت في ربط خرطوم الماء بالصنبور لتسقي شجرة الحناء ، كانت ترتدي (سفجنتها) الخضراء المشهورة. وشهرة هذه السفنجة لها قصة طريفة، حيث يحكي حمد عن زوجته أنها في ذات يوم وبينما هي في طريقها إلى السوق صادفتها صديقتها (نهلة بنت سرور) مع مجموعة من الصديقات اللواتي اتشحن بالسواد. وهن في طريقهن إلى بيت الحاجة (منيرة عبدون) الحلفاوية التي تفويت صباح نفس اليوم. والجميع يعرفون منيرة بأنها أول حلفاوية تحفظ سورة الفلق وآية الكرسي كاملة وذلك بعد زيارتها للكعبة في حجة (الوداع). فلم تستطع زلابية أن تخفي حزنها على الحاجة منيرة التي أهدتها (دكتور شول) لدى عودتها من الحج. وللحقيقة والتاريخ فإن الحاجة منيرة لم تنس أحداً من أبناء أو بنات حيها . ولا ينس أحد (لا سيما حمد) فرحة زلابية بالهدية التي أهدته إياها الحاجة منيرة ، وكانت تعتز كثيراً بهذه الهدية فلقد جاءت في وقتها تماماً ، حيث كانت بحاجة ماسة إلى تغيير حذائها الذي تهالك بفعل مشاويرها الكثيرة وزياراتها التي لا تنقطع لجاراتها وللسوق ولعيادة الدكتور أمين ، ودكتور أمين هذا نفسه هو ليس دكتوراً ولكنه (فحيص) ، ولكن الجميع يطلقون عليه لقب دكتور ، لأنه يرتدي (بالطو) أبيض ، وهو الذي يحدد لهم نوع المرض الذي يعانون منه. وزلابية لن تنس أبداً الحاجة منيرة لا سيما وهي ترتدي (دكتور شول) الآن ، فأحست بوخز الضمير فاضطرت للذهاب معهن. ويقهقه حمد وهو يتذكر كيف أنها ذهبت إلى بيت العزاء متبخترة بالدكتور شول وعادت بالسفنجة الخضراء ، فأصبحت منذ ذلك الوقت لا تذهب إلى أي عزاء إلا بتلك السفنجة الخضراء.

    وبينما الجميع على ما هم عليه صرخت زلابية في حمد :

    * حمد .. حمد .. يا حمد

    رفع حمد رأسه بعد أن أزاح الطاقية جانباً ، والتفتت عديلة :

    - في شنو ؟ باسم الله ....
    * يا راجل تعال قوم جاي

    وثب حمد من سريره ظناً منه أن زوجته ملدوغة ، وعندما اقترب بدأ ينظر إلى قدميها ، ولكنها أشارت له بيدها إلى داخل (بيت الدجاج) فنظر ، فإذا بالبيض يفقس. فرفع حمد رأسه واعتدل في وقفته وهو ينظر إلى زلابية شذراً :

    - عليك الله يا زلابية مقوماني من هناي عشان الكلام الفاضي ده؟
    * أجي ... حسي يا راجل فقيس البيض ده كلام فاضي؟

    تقف عديلة على مقربة من المشهد وهي مبتسمة وكأنها تشمت في أبيها الذي لا يبدو أنه فهم زوجته بعد هذه العشرة الطويلة.

    - آآآي .. كلام فاضي وقضية انصرافية زاتو .... يعني ما شايفاني راقد ومتكوّع وبسمع في الرادي؟ بيض شنو ... وجداد شنو .. والله إنت مرة مخرفة.

    لم ترد زلابية بل اكتفت بابتسامتها الهادئة وهي تراقب خروج الفروخ لتضيف إلى البيت سكاناً جدد. ويزداد بذلك مسؤولية جديدة على مسؤلياتها.
                  

01-30-2006, 10:05 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: هشام آدم)

    ( كلام في السياسة )


    (عديله) التي فرشت على الأرض دفاترها وكتبها وتنهمك في الدراسة رغم بغضها الشديد للمناهج الدراسية ، فهي ترى أن ما يقدم لهم في المدرسة ما هو إلا سخف يجب عليها أن تقبل به من أجل ألا تضطر لترك المدرسة ، وهي في ذلك إنما تحرص على عدم تفويت متعة الشغب الذي تجده هناك وليس لشيء آخر. ويقال أنها كانت في أيامها الأولى في المدرسة - عندما كانت تذهب مع والدها على ظهر العربة الكارو في طريقه إلى سوق الفحم - باكية ومستاءة أشد ما يكون الاستياء . وقد تولد هذا الشعور البغيض لديها للمدرسة وكل ما فيه وما يرتبط به من عملية الاستيقاظ المبكرة التي تعنيها المدرسة . وهي التي كانت تنام حتى العاشرة صباحاً لتستيقظ على أصوات أطفال الشارع فتذهب دون أن تغسل وجهها ، وقبل أن تمر على الحمام أولاً لتدخل معهم مباشرة في اللعب. (زلابية) هي الأخرى تتذكر يوم أن جاءت (عديله) في أول يوم دراسي لها باكية وساخطة على كل ما يتعلق بالمدرسة ، وكأنها تريد بذلك التأكيد على استياءها الذي أبدته صباحاً ، وعندما سألت عن سبب سخطها على المدرسة قالت رأيها بكل صراحة:

    * الأستاذ قال لينا أكتبو (أحمد) في الكراريس

    - ومالو يا عديلة ... ده ما علم ، ما دايرة تتعلمي يا ماما؟

    * وأنحنا كان بنعرف نكتب (أحمد) كان مشينا المدرسة؟


    فنظرت (زلابية) إلى (حمد) - الذي وقف شامخاً معتزاً بابنته – وهي تهمس له:

    - شكلو بتك دي ما حتنفع في القراية بتعريفة



    وفي غمرة انشغالها بالدراسة وفروضات المدرسة ، سمعت في مذياع أبيها الذي نام وهو يستمع إلى أخبار منتصف النهار : "هذا وقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس عزم بلاده على المواصلة في إقامة الجدار الفاصل ...."

    = يابا ... يابا

    يرد (حمد) وهو يغالب النعاس ويمسح فمه بباطن كفه:

    - في شنو ؟

    = إنتا الجدار الفاصل ده يعني كيف؟

    - عديله عليك الله داير أنوم لي ساعة كده قبل ما أرجع الشغل

    = عليك الله يا أبوي .. يعني شنو الجدار الفاصل ده ؟

    - يعني ما ننوم في البيت ده وله شنو يعني؟

    = بس وريني ونوم .....

    - ما جدار .. يعني حيطة بين اليهود والجماعة الفلسطينيين ديل

    = عشان ما يفلعوهن بالحجار؟

    - آآآي ...

    = طيب ما ممكن يقوموا يلفوا بالجهة التانية !!!!

    - عديلة !!! الحيطة دي داير ما يدور البلد ديك كلها ...


    هنا تشترك زلابية في الحوار السياسي عندما سمعت جملة حمد الأخيرة ، فتركت صينية الرز التي كانت تنظفها :

    * سجمنا ... وحيلقوا الطوب ده كلو من وين؟

    - لا حول ولا قوة إلا بالله

    * صحي ... عارف (علي ود الرضية) ده عشان يسور البيت بتاعون الفي جبرة.. جايب ليهو أربع أدوار لواري طوب ، كلفتو الشي الفلاني .. تقول لي المساخيت ديل دايرين يسوّروا بلد بي حالا ؟؟؟

    - زلابية ... إنك قايله المساخيت ديل مفلسين زي ود الرضية ده؟

    * أصلو قروشون دي شن قدُرا عشان يكملوها كلها في حيطة؟

    - إنت دافعة حاجة من جيبك؟ ولا مشاركاهن فوقو؟

    * أكان كملوا قروشون فوق الحيطة دي ... ياكلوا من وين؟

    - إنتِ في هم ياكلوا كيف؟ ولا أنا أنوم كيف؟ أقوم أسيب ليكم البيت وأطفش وله كيف يعني؟

    * آآ راجل يعني ما نتكلم وله شنو؟


    تتدخل عديله قبل أن تستفحل المشكلة كعادتها :

    = شكلهن حيسور الشارع بتاع سوق الخدار . أستاذة فوزية قالت لينا إنو فلسطين فوقا زيتون كتيييييير

    * شنو ؟ زيتون؟ والزيتون ده كمان شن طعمو؟

    = ما سمعتي (التين والزيتون) ؟

    * يطرشني ... القال كده منو؟

    = ده في القرآن يا أمي ...

    * قالوا (التين والزيتون) ديل؟

    = آآآآي

    * يعني شيتن سمح؟

    = آآآآي

    * إن شاالله أعدمك يا بت بطن ما سمعت بيهن!!! سجمنا ... نموت فطيس قبال ما نشوف الدنيا دي فيها شنو ... أبوكِ ده عمرو ما خش علي غير بالقرع البيجيبو من العيد للعيد


    ينهض (حمد) في هدوء تام وقد ارتسمت على وجه علامات الإرهاق والغضب المكبوت وارتدا طاقيته البرتقالية ومركوبه وخرج في صمت ، بينما لم تكلّف (زلابية) خاطرا أن تسأله عن وجهته بل كانت منشغلة مع (عديله) التي بدأت توصف لها شكل الزيتون وطعمه . وفجأة تنتبه (عديله) و (زلابية) لخروج (حمد) بعد ان سمعتا صوت (رزع) الباب بقوة ... :

    * إنتِ أبوكي ده مالوا الليلة؟

    ترفع كتفيها ثم تنحني على كتبها ودفاترها وتواصل الدراسة ، بينما تعود (زلابية) لتنظيف الرز من جديد ... !!!!!!!!!
                  

02-01-2006, 04:06 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوميات زلابية الحنّانة (Re: هشام آدم)

    ( زغرودة ضد الجهوية تماماً )

    تجلس زلابية في المنتصف تماماً بعد أن أفرغت محتويات كيسها القماشي الكبير الذي كانت تحمله وبدأت ترتب أشيائها الخاصة: المحلبية وتوابعها ، السرتية ، أكياس الحناء ، ورق الرسم وتوابعه ، علبة الرسم والرؤوس ، وأكياس نايلون كثيرة متداخلة في بعضها تستخدمها زلابية كقفازات عندما تريد خلط الحناء. بينما راحت النسوة يتناقلن الأحاديث والأخبار والضحكات. المكان: منزل مطرطش في أطراف الحي الهادئ نسبياً تسكنه فوزية دهب زوجة بلّة الميكانيكي (سابقاً) وصاحب أكبر مغلق في الحي وسوق صغيرة للـ(إسبريات) في الخرطوم (حالياً). ورغم أن هذا البلّة ، قد بنا ما بناه من كده ومن عرقه ، إلا أن الناس تتناقل عنه (حرامي) ويتحالف مع آخر من مخلفات الجيش لتجميع قطع غيار سيارات الجيش القديمة وبيعها على أنها جديدة أو أنها استعمال جيد. والعديد من الشائعات عن هذا الفتى الثلاثيني الذي أصبح بين يوم وليلة صاحب أجمل بيت في المنطقة ، وفي الحقيقة فإنه البيت الوحيد بطابقين على عكس البيوت المجاورة والملاصقة له.

    زلابية التي لا تكف عن الكلام حتى في إنشغالها بتجهيز الحناء كانت تحاول أن تأسر انتباه فوزية دهب التي بدت مرتبكة وخائفة فهي أول مرة تشهد تجهيز عروس. والعروس فتاة تنحدر من أصول تركية غير أنها تلتقي مع فوزية من ناحية أبيها الحلبي أصلاً ربما لنفس الأسباب. فكانت تحاول تهدأتها والتخفيف من توترها غير المبرر إذ أن العروس هي من يجب أن تتوتر وليس وصيفاتها. وهي بذلك تحاول أن تظهر لفوزية وللحاضرات مدى ثقتها الكاملة في تجهيز هذه العروس على أفضل ما قد يكون عليه الحال.

    فيما جلست نسوة في سرير (عنقريب أبنوسي) تاركات للبقية ما يشئن من حديث وانصرفن في حديث لا يفهمه إلا هنّ!! فنادت زلابية على إحداهن ، غير أن سرورة بت حامد دفعتها بأنهن (حلفاويات) متعنصرات ولا يجدن الكلام بالعربية كما يجب. فضحكت زلابية وبعض النسوة، في حيث وقفت (شهايه) -إحدى الحلفاويات – واعتدلت ثم لفت ثوبها جيداً واستئذنت في الرحيل. فقامت إليها فوزية ممازحة:

    * أجي يا بت أمي ... ما تكوني زعلاتي بس... أنا بنهظر معاكن.
    - الهظار ما كده لاكين.
    * يا زولة .... كدي قولي بسم الله ... أنحنا جيران ... ما مفروض تزعلي من كلام زي ده.
    - أنا ما زعلان .. بس داير أمشي ...

    تغامزت بعض النسوة بينما أصرت فوزية على بقاء شهاية ورفيقاتها الحلفاويات. ورغم أن بعضهن لم يكن حلفاويات إلا أن كل من يتكلم بلغة غير مفهومة كان يتم تصنيفه بأنه من فصيلة الحلفاويين. وهذا ما أثار حفيظة (فانه) التي كان يبدو عليها علامات الصرامة والحزم أكثر بقليل من شهايه.

    فتقافزت إحدى النسوة.. :

    * إنت يا حجة فانا ... صحي الكلام البيقولو عن الحلفاويين ده؟
    (بجدية) – بيقولوا شنو ؟
    * بيقولوا سب الدين ده عندكم زي شراب الموية.

    تسكت فانا غير أنها لم تشأ أن تخفض بصرها عن عين تلك المتعرفجة التي ما أرادت بذلك السؤال إلا أن تضحك الحاضرات. زلابية في هذا كله تحاول أن تضحك مع هذه الفئة ومع الفئة الأخرى ، غير أن الجو العام للجلسة قد انقلب مغامزات وملامزات بين جميع الأطراف.

    * لا ما إنت ما عارفة ... قالوا الحلفاويين ديل أول ما ظهر الرسول في مكة رسلوا واحد يمشي يشوف الحاصل شنو ... ولي حسي الزول ده ما جا راجع ... عشان كده ما قادرين يركزوا على حاجة ...
    - يمين تلاتة كان ما سكتي يا زينب .. أنا بسيب ليك البيت وأمرق. ما باقي إلا عرب الجزيرة كمان يجتو يتكلموا فوقنا كمان!!!

    وعندها فقط وقفت فوزية دهب بعد أن استرجعت قدميها من يد زلابية وخفضت ملابسها ...

    * ده شنو الكلام ده يا زينب؟ الزولة دي ضيفة في بيتي ... ... معليش يا فانا أمسحيها في وشي.

    زلابية التي كانت تكرر (ياخوانا صلوا ع النبي) ، لاذت بالصمت عندما احتدم النقاش كانت مثلها مثل غيرها من النسوة الحاضرت إذ فجأةً عم سكون غريب المكان، فامسكت زلابية بقدم فوزية بعد أن عادت إلى وضعيتها الأولى وبدأت تمسح قدمها بالماء أولاً ثم وقبل أن تضع الحناء رفعت زلابية رأسها بطريقة درامية وأطلقت زغرودة أصابت الجميع بالهلع. فما وجد البقية إلا ترديد نفس الزغردة لتعود المياه إلى مجاريها شيئاً فشيئاً ...... والفضل في ذلك إلى زلابية التي وجدت جوها المناسب أخيراً فبدأت بسرد القصص ( إياها ) !!!!
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de