في الرحلة العدلانية*..صعود الجغرافيا تاريخاً وإنحطاط التاريخ جغرافيةً..صلاح الزين

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 02:06 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عصام جبر الله(esam gabralla)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-20-2006, 02:23 AM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في الرحلة العدلانية*..صعود الجغرافيا تاريخاً وإنحطاط التاريخ جغرافيةً..صلاح الزين

    Quote: في الرحلة العدلانية*

    صعود الجغرافيا تاريخاً وإنحطاط التاريخ جغرافيةً

    مقاربة في بوطيقيا السيرورتين

    صلاح الزين

    استحدثت إدارة الاستعمار البريطاني، في عشرينات القرن الماضي، مشروع الجزيرة، مشروعاً لضخ الأقطان لمصانع لانكشير في بريطانيا. بمعنىً آخر، نهوض التحديث و علاقاته الرأسمالية في فضاء إجتماعي و جغرافي محضون في أقماط بنية إنتاجية لم تتباعد، بعد، ثقافياً، من إشتراطاتها الطبيعية و علاقاتها القبل رأسمالية مما أسس لإنرفاد تلك البقعة الجغرافية بأوآليات إنتاج القطن و إعادة إنتاج الفقر و التخلف.

    إنفرش الفضاء ذاك بمجاميع سكانية ذات أصول إثنية و ثقافية متباعدة و متغايرة تقطن قرىً تتناثر في فضاء الفقر ذاك و تهبه لبوس إجتماعي طبقي يعرِّف المكان و به يتعرَّف.

    عادة ما يبدأ التحديث بالجغرافية و يعمل على إزاحتها من حيزها الموسوم بتعالقات المناخ و لون المكان، إلى مكان آخر، يجعل من الجغرافيا جغرافية لتاريخ يصير ويتكون ومن ثم تستبين جغرافية تاريخية لا جغرافية تزهو بالمكان و عبقه.

    بكلام آخر، المكان في سيرورته الجغرافية يذهب بالجغرافيا إلى حالة هيولية صماء تعرف، فقط، بتماهيها مع ذاتها، و لا تحيل إلى غير تعريف الرياح كريح و الهواء هواء. إنعجان المكان في المكان و إنوجاد الأخير كجغرافية بملامح مكان لا تتعرف إلا به. بكلمة، سديم المكان في جغرافياه و الجغرافيا في سديم المكان.

    و لأن التاريخ يذهب بالزمن و طنينه إلى ما يجعل منه زمن إجتماعي، زمن بذاكرة من خبز و جسد بأهواء، لا زمن لمكان يتعرَّف بذاته و جغرافيا لا ترى أسفلها، أقول، تلازمت الصيرورة الجغرافية و تمفصلت مع صيرورة تاريخية تخلع الجغرافيا من ضلع المكان و تهبها ضلعاً من تاريخ يتراكز على المكان و مخلوقاته فتصير الجغرافيا جغرافية مغموسة في تاريخ تتعرَّف به و يتعرَّف بها- تاريخ إجتماعي تتمفصل الجغرافيا فيه بتاريخ آخر، هو، بدوره، يتمفصل مع جغرافيات أُخَر، جغرافية تنداح خارج حدود تاريخها و تاريخ يرمق و يختال خارج حدود جغرافيته.

    و كان ما كان، ذلك الحيز الجغرافي المركون في شمال غرب الجزيرة، و المطرّز، كسماء صيفي، بقرىً منهكة بفقرها، حيث قرية (أم دَكَّتْْ الجعليين) مسقط جبين صديقنا الخاتم، أقول، كان أن نهض ذلك الجزء الذي، وحتى ينشمل بالتاريخ وسيروراته ويعرَّف كمكان تاريخي لسيرورات إجتماعية، أن قايض التاريخ الجغرافيا بالفقر والتراكوما والسركاريا. ومن ثم برزت تلك القرى والكنابي ككانتونات فقر و جيتوهات مرض مقيم، إذ لم توفرها علاقات الإنتاج ودورة رأس المال في إرتكازاتها الخارجية إلى غير ما هي عليه- فضاء مريض يستعلن معالم وجوده الإجتماعي و المكاني بعروق فقر تحزّه من الوسط، تحزّه وتعتصره حتى يكون وجود الناس فيه هو إنوجاد فوق أنامل المرض و حفافي الفقر. وببطء و تريّث، يخب التاريخ نحو إشتهاءاته هو لا إشتهاءات تلك القرى وأناسها إلى ما يجعل المكان، مكانهم، مكان للإنسانية و العيش الكريم.

    تأخذ دولة ما بعد الكولونيالية بيد ذلك التاريخ آن إنعيائه بفقر المكان و مجاميعه، تأخذ بيده وتسلس قيادته إلى ما يجعل منه تاريخاً يستقيم في إنعواجه و هو يغذّ السير نحو متاهات دورات رأس المال في تمفصلاتها العالمية. هكذا، هكذا يضخ وطن بأكمله، و فيه تلك القرى، ثروات و بشراً يخاصمون المكان و كأن تمام وجودهم هو هو إنسرابهم في الخارجي الغامض.

    تكاثرت تلك القرى و خلفها يركض فقرها القابض بتلابيبها و هو يسوطها نحو وجود إجتماعي بغوايات تخالف وجودها ذاك و تدهنه بإحتمالات وجودٍ مغاير و إمكانٍ نبيل، نبيل و إنساني.

    و لأن التاريخ فعل اصطراعي منذ الأزل الذي هو أزله، فقد انفتح أفق أربعينات القرن المنصرم على صباحات خطاب سياسي وفكري يرى إلى التاريخ، ذاك التاريخ المنخور بالصديد، يرى إليه كتاريخ بقامة لا ظل لها، تاريخ يرى ذاته في إمتدادها الزمني، زمن صرف هو هو جوهر زمنه وزمان جوهره، لا تاريخ سيرورات إجتماعية و طبقية بها التاريخ يستقيم تاريخاً يمكن مقاربته وتدوير أطرافه مما يبرز بهاء جماله لا فقط الصديد فيه .

    ولد صديقنا في آن الوقت الذي فيه كان الخطاب السياسي و الفكري اليساري ينقر بوابات أربعينات القرن الفائت و يحاول الإنسلال خلل ثقوب كانتونات الفقر تلك و يقول بحقها في أن تطرب الصباح بمسامرات المساءات الفائتة و تعدَّ النهارات لقيلولات لا يصوِّحها رفيف أجنحة الذباب.

    و لادتين: ولادة خطاب للإختلاف و حامل محتمل يسوق إختلاف الخطاب إلى ما يجعل من الإختلاف و خطابه قوّة إجتماعية و سياسية تؤخذ في حسبان الخطابات العربسلامية المجاورة لها. و القرى، تلك القرى المتناسلة من تناسل السركاريا و التراكوما ترفل في شراشف فقرها المرشوح في عروق المكان و الكائنات، و لكنها، و بمكر ذرب، ترخي مسامع فقرها لوقع أقدام ترى للفقر وقبحه لا كإبتلاء من الله و إنّما بفعل فاعل يمكن لمسه، شم رائحته و إزاحته من غير إعتذار و إستغفار.

    قلنا، في أربعينات القرن المنصرم، بدأت طلائع الشيوعيين و الديمقراطيين في الإنبثاث في أوساط تلك الهيولات الجغرافية و البشرية والتأسيس لحركة سياسية تدرك بوعي غزير القرابة الإبستمولوجية ما بين تشقق الأرجل و إنحسار النظر و محالج القطن التي تدوّر القطن قماشاً و لباساً بعيد المنال حتى في رؤيته ساتراً للفقر و عيوبه. ولأن للخطاب قدرة قراءة العادي في إختلافه و على إزاحته من بداهات وجوده المكرور، و إنسناده بقوى إجتماعية تنتج فائضاً إنتاجياً به تؤسس الدول و الجيوش و الديمقراطيات الصدئة بصدأ حوامل الخطاب، أقول إرتفق ذلك الخطاب بقوى إجتماعية قوامها فقراء المزارعين و العمال الزراعيين في رحلة ترى في الليل سقالات فجر وشيك.

    الفقر، في أحد تعريفاته، كفعل إنبتاتي بنائي به تنخلع البنية عن روافعها وصولاً لحالة فرجة تعرض البنية المنخلعة في طبوغرافيا ميتافيزيقية برأس ورأس. الفقر هذا لا يحمل في صيرورته التاريخية ثورة تعيد تركيب البنية و بنائها، و لا ثوّاراً يسحبون الصباحات من جوف عتمة الليالي الفاترة. وإنما الوعي بأسباب الفقر و ألوان زي سيروراته هو ما يجعل البنية مترعة بإحتمال رعافها ثوّاراً و خطابات تعيد للبنية بنية وجودها و عودتها من ميتافيزيقيا بأحابيل إلى وضوحٍ به تستقيم.

    ابن مزارع فقير و بيت أكثر فقراً، حملت أحشاؤه باكراً سركاريا صارعها زمناً و تراكوما أهدته إنحسار البصر. ابن لتلك القرى المبذورة في كرم فيّاض لفقر واضح في غموضه و غامض في وضوحه. ابن لذاك الفضاء المغموسة أطرافه في الحاجة و العوز. و لكن، ألم نقل أن الفقر، الفقر وحده لا ينجب صباحات بثوّار؟!

    باكراً، باكراً جداً، أولم صديقنا عيني عقله على مشهد الحاجة و العوز ذاك. فقد سبق ولادته بعقد أو يزيد، إنبثاث خطابات اليسار الشيوعي وسط فقراء المزارعيين و عمال الزراعة، المصانع الصغيرة وإتحادات الطلاّب، منظمات الشباب والنساء، إتحادات العمال والنقابات المهنية. و سط هذا المشهد الذي يشي بفضاءات مغايرة تستَّل أسافلها من جلوسات أصدأها طول الجلوس، خطا صديقنا، خطا باكراً نحو ما يستعلن وضوح القرابة الطبقية بين تكرار الفصول و تَسَفُّلِ المكان. بين أن تكون منتجاً في فصلين ومعدماً في كل الفصول… حمل صديقنا وعي وضوح العلاقة تلك، تزيَّا به و تهندم، قرابة خمسين عاماً ما بين سجون، على غير ما أريد لها، تشحذ وضوح القرابة تلك، و إختفاءات تنقع الروح بالسِرِّي في التاريخ و تمظهراته.(هناك ورقة تقرأ مسيرة الخاتم الطلابية ونضالاته) .

    يرى الفكر إلى الظاهرة/الواقع على مستويين: مستوى به تبدو الظاهرة كما هي عليه، تستعلن نفسها بسفور فيه تنعدم المسافة بين الرائي و موضوع الرؤية فيصير أحدهما الآخر في تماثلٍ يُماثلهما إلى حد صيرورتهما واحداً أحد، لا رائي و منظور إليه. يتماهى الإثنان و يتطابقان، مما يغرق المسافة بين العقل الرائي و موضوع الرؤية بسراب ميتافيزيقي ميتاواقعي به تكون الظاهرة و إحداثياتها بنية بقدمين: أحداهما في بداية أبد لا بداية له و الأخرى في نهاية أبد لا نهاية له. منطقاً، تصبح الظاهرة هي هي، هي ما كانت و ما تكون وما ستصير، جوهر إلهي يسبح بألوهيته و آلهة تتجوهر بالتسبيح ذاك... مستوى ثاني: فيه يرى العقل الرائي للظاهرة كظاهرة قيد الإنجاز، لم تتكوّن وتستقر بعد، ما هي عليه الآن لن تكونه بعد حين لأنها ما كانته من قبل، ظاهرة تتكوّن لتصير و تصير لتتكوّن... بداهةً، المسافة بين هذا العقل الرائي و موضوع الرؤية تزوِّقها عين التاريخ و إشتراطات الإسترابة والشك الإبستيمي.

    يتفارق المستويان، ليس في بنية منظور النظر لموضوعه، وإنما في إنتاج معرفة بموضوع الرؤية. معرفة به تموضعه في إشتراطاته التاريخية، أو أخرى تركزه خارج شروطه تلك فتكون المعرفة به هي هي سيرورته هو.

    المستوى الأول يتماهى مع موضوعه ومن ثم لا ينتج معرفة به لأنه صاره، لم يخالفه أو يتفارق معه. و إن أنتج معرفة به فإنها معرفة الفكر اليومي، كما يسميها "مهدي عامل"، التي تتطابق و لا تنزاح لتنتج معرفة بموضوعها فتكونه و يكونها في بلادة سعيدة تزهو بغبائها و ضمور المفاهيمي فيها.

    المعرفة تأتي من الإختلاف و التفارق، هكذا يقول المستوى الثاني، الذي ينتج معرفة بموضوعه عندما يتخالف معه، أي لا يصيره، لا يكونه و إنما ياتي إليه إستدباراً و كأن المعرفة هي قول و إنتاج المختلف الذي يزيح و يقضم العادي في متنه وأطرافه المصقولة، حد السأم، بتكرار العادات و المألوف. هو بالضد من اليومي الذي يرمم موضوعه، يزوِّقه و ينشره لريح البداهة و بلادة العقل السعيد بغبائه، هو تهديمي، تفكيكي، إزاحي، ينتهك المقدس و يزفه إلى سماواته ليمكث هناك، هناك بعيداً عن رجس الأرض و صرير أبوابها الممض.

    أن إختلف معك يعني أن أحبُّك، بأن لا أكونك و لا تكونني إذ أن فعل الحب هو جهد ثنائي، لا واحداً يتكرر…

    أقول: و كأن المعرفة هي معادل الحب، الحب في سيرورته الإختلافية التي تذهب بالمحبين إلى بذر الأرض بكل ما هو مختلف و شقي، و شقي بإختلافه السعيد.



    بالمفهوم أعلاه تنتفي أطروحة التعاقد السرمدي مع الحزب الثوري و خطاباته، تنتفي تلك المسافة التي فيها يصير الثوري إستطالة عادية، إستطالة عادية و تافهة لحزبه و الحزب إمتداداً لأهواء الثوري وأمزجته المنتلفة بالإستطالات تلك، و لتحل محلها مسافة سرية، سرية و واضحة تُجلِس الإثنين حول طاولة، طاولة معدّة بحكمة لإقتناص المفاجئ أو خسران السري في التاريخ و تبدياته. إنه تعاقد الشهيات التي تنفّض عندما ينعدم المشتهى.

    إستطراداً، تتنوّع خروجات الثوري عن خطابات الحزب منظوراً لتلك الخطابات كشُرَف للرؤية و الرؤيا لا مخازن ومخابيء لفكر و ممارسة أغلقت و ختمت بختم السلطان الذي لا سلطان عليه. هناك إنتقال وإنتقال، خروج و خروج، أشبه بتبديل القدم حتى يستقيم الجسم واقفاً، واقفاً لا آيلاً للإنحناء و الركوع. إنه إنتقال داخل بنية الخطاب في تعددية تبدياته، لا خطواً خارجه و هجراً مرير. الإنتقال داخل حقول الخطاب المتعددة لتمضيض بنية حقول الخطاب نفسه لا مفارقة تقصم ظهر الخطاب و تعصف به إلى السديم و العدم.

    هكذا، كان خطو صديقنا الخاتم، في تسعينات القرن المنصرم. خطواً خارج أحد حقول الخطاب و ولوج إلى الخطاب ذاته من بوابة حقل آخر لا يستقيم الخطاب إلا به، شيء أشبه بالخروج على الصياغة في سياق السياق، أو خروج من أقماط تهفهفت نحو أخرى تسند المولود و الميلاد. خروج نحو نفس الحلم و إن من بوابة مغايرة، ليبقى الحلم حلماً مشرعاً على كل بوابات الولوج.

    ظرفان، عالمي و محلي، اسسا لذلك الخروج الذي هو هو دخول آخر في الخطاب ذاته من دون تذريره و نثره لرياح الكهانة وقساوسة العدم.



    إنسدّ القرن الماضي وإنردم بحدثين؛ نهوض الخطاب العربسلامي وإنهيار أقاليم الإشتراكية؛ الأول محلياً والآخر عالمياً، و كأن قدر ذاك من هذا أو ضرورة الموت في الموت مرتين و ما بين الموتين من خلخلة و إرتجاج تستلزم، فيما تستلزم، ضرورة إعادة النظر، نظرياً و ممارسياً، في الذي كان و الكائن وما سيكون. إنه سؤال التاريخ، التاريخ حين يمكر ، و هو أمقت الماكرين.

    أقول، تزامن خروج صديقنا مع الموتين أعلاهما و كأنه خروج من نشيد الموت إلى ما يعيد في الموت ضرورات الحياة عوض كونه موتاً ميتاً وإلى عدم.

    بحساسية المفكر، لا الموظف التنظيمي، الذي كانه صديقنا طوال سنوات عمره في الحزب الشيوعي، رأى الى ما رأى إليه، و كأي مفكر لم ينختم عقله بعد بإكتمال الإجابة و إنعطاب السؤال و القلق، خطا نحو فجر ما رآه و كأنه يقول للذين رابطوا: ثمّة أفجار عدّة لليل واحد، ذائقات عدّة لنصٍ واحد، وخروجات عن متن لتمتين المتن ذاته و حلمه.

    إشتمل المشروع الحضاري الأسلاموي، بسبب من غربته التاريخية في زمان البنية ومكانها، على آليات تفكيكية أفضت إلى تفكيك المشروع الحضاري نفسه. ولكن، و في الآن ذاته، مهّدت لتقليص البنية إلى بنية أخرى تعرّف بشكل الشفاه و حلمة الأذن و تصويتات اللغة و تخارجاتها… بكلام آخر، أثننة تلك الكليّة التاريخية المسمّاة (السودان) و القذف بها إلى وحدات مكانية وجغرافية ترى في صراع السيرورات التاريخية صراع الجغرافيا ضد الجغرافيا، لون البشرة ضد لون البشرة، و لثغة اللسان ضد لسان بلثغات مغايرة، لا صراعاً إجتماعياً طبقياً بإستراتيجيات و شراك تاريخية تتقن الإصطفاف الطبقي عبر المكان والجغرافيا، رائحة الفصول و الطعام، إنتهاءاً بهيئة الجسد، خواتم الحكايا، قيلولات الظهيرة وتعاطي الطرب ورنين الدفوف. بمعنى آخر، نجح المشروع الحضاري الإسلاموي، في سقوطه الداوي ذاك، بسبب من إرتفاقه بمشروعات سابقة بزي مختلف، أقول ، نجح في ترحيل تلك البنية و صراعاتها، اللازمة لها، إلى ما يجعل منها بنية تصطرع على المكان ومحمولاته لا بنية تشتمل على بنيات مشمولة في تاريخٍ الصراع فيه ترجيع لخبز يبحث عن حريته و حرية تبحث عن خبزها. هكذا، هكذا إنحط التاريخ إلى هيولية الجغرافيا و عطن المكان فيها، انحسر وبهت، و تضاءل إلى حيز مكاني و جغرافي يمكن الإستيلاء عليه بجيوش صغيرة منهكة بتضخم الجغرافية فيها و أسلحة تفتقر، فيما تفتقر، إلى رشادة النظرية و المنهج، لتنتهي ، أعني الجيوش و أسلحتها، إلى قرابة، بالضرورة طبقية و آيدلوجية، مع مرشح الخطاب وتمكث هناك، ترقب بذل يعوزه الإحساس بالخيانة لخروجها الداوي من تاريخية الصراع إلى جغرافيتة. مركز همّش الهامش و أعاد تهميشه ممركزاً: فضيحة البنية عندما يُقرأ التاريخُ جغرافياً.

    بذات السياق يمكن النظر إلى تحلل أقاليم الإشتراكية وأقانيمها، في الجغرافية الأخرى من كونية التاريخ وإنحطاط إمبراطوريتها التاريخية إلى جغرافيات تبحث عن تاريخ لها مؤود. و الفرق بين التجربتين هو فرق بين جغرافيا و تاريخ و جغرافيا وتاريخ.

    في صباحات إنخلاع الجغرافيا من التاريخ وإنخلاع التاريخ من الجغرافيا، كان خروج صديقنا الخاتم خروج على عبثية ذلك التخلع و صدأه و دخول إلى ذات بوابات الصباح لرتق الإنفكاك ذاك و فتقه، خروج المفكر الذي يرى إلى إعادة صياغة الممارسة كأنبل السبل لممارسة النظرية وإعادة تفكيكها. أبن ميلاد بذاكرة بارحت فيها كانتونات الفقر تلك، في ذلك الجزء من مشروع الجزيرة، إنوجادها المكاني و صعود الجغرافيا نحو التاريخ و أبن خروج آخر فيه ترجل الوطن الإشتراكي من حصان التاريخ إلى حوافر الجغرافيا وروثها. من كلا الخروجين خرج بحثاً عن درب آخر يشي بإنحطاط أقل.

    مفكر مختلف كان صديقنا، و إختلاف بقلق يزوبع الإقامات السعيدة بيقين الإجابة وموت السؤال.

    ما خان ولا انحرف، و لكنه ذاهب لذات الصباح الممكن ولوجه من بوابات شتى.



    * قدمت هذه الورقة في الإحتفالية الأولى بحياة المناضل الخاتم عدلان- أي عقل إنطفأت جذوته!!؟ أي قلب توقف عن الخفقان!!؟)

    ألكساندريا، فرجينيا

    16سبتمبر 2
                  

09-20-2006, 05:22 PM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الرحلة العدلانية*..صعود الجغرافيا تاريخاً وإنحطاط التاريخ جغرافيةً..صلاح الزين (Re: esam gabralla)

    Another powerful and challenging article from our 'language philospher' Salah Elzein... I wrote the following comment in another place:
    Quote: Wow…Wow…. Wow… ya Salah… this is another mind-squeezing article that made me stop anything and finish it (I even called in 2 hrs late to finish the re-reading)…!

    I believe we need to have a conference call for your fans to share their feelings on the “

    جغرافيخية الزمكان في رحلة الخاتم عدلان

    As I called your paper …. As usual you are bringing many words to the world in this article… in particular I loved this one: أثننة


    mohamed elgadi
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de