|
|
 القاضي المزيف والمحكمة المزورة
|
بالمناسبة القصة حقيقية حصلت وتم نشرها قبل أيام في صحيفة يومية في عمود الأستاذ-أسعد الطيب العباسي (بين الأدب والقضاء)
(الحلقة الأولى) 1 ــــ 4
(هذه القضية التي نظرتها محاكمنا السودانية تعد وقائعها من أغرب الوقائع التي مرت على القضاء السوداني فالمتهم إنتحل شخصية قاضي وأنشأ لنفسه محكمة مزيفة متكاملة بشرطة حقيقية وموظفين وألحق بها حراسه في المباني التي إستأجرها ومن ثم أخذ يصدر أحكامه بالغرامة أو السجن أوالجلد لفترة من الزمان ضد من يحال إليه من المتهمين حتى تكدست جيوبه بأموال الغرامات ولكنه سقط
أخيراً في يد العدالة الحقيقية وزجت به في السجن وكان ذات المتهم قد إنتحل من قبل في قصة مثيرةشخصية طبيب.
(1)
كان "و.ح" الذي يبدو في الأربعينيات من عمره وسيماً طويل القامة يحمل بشرة سمراء مشربة بحمرة ووجهاً إختفت منه ملامح الزنوجة وتقاطيعها وتشي عيناه ذات البريق العجيب بذكاءٍ حاد يمشي بتؤدة ومهل ويتحدث بهدوء ويلقي تحياته بمودة واحترام وهبه الله القبول وقوة الحجة والمنطق وكان قارئاً نهما يقرأ كل ما تطاله يداه منتظماً في شراء الصحف والمجلات ويدون في دفاتره خواطره وما يعجب به من قراءاته فقد كان موهوباً في الخط فجمال خطه لا يدانيه جمال كان يتأنق في مظهره وملبسه و يجيد التبسم والضحك والتجهم والغضب كان في ضعفه قوة وفي قوته ضعف.
(2)
لم يستثمر "و.ح" مواهبه الشتى وذكاءه الحاد واستعداده الفطري لحياة طبيعية ولو فعل هذا لكان له اليوم شأن آخر وبسبب عقدة إجتاحته عندما تم فصله في وقت مبكر من المدرسة رغم أنه كان أول الناجحين في الإمتحانات جنح نحو إرتكاب جرائم الإحتيال وإنتحال الشخصية وهي جرائم تناسب مواهبه وتكوينه فهو مرة ضابط شرطة وتارة مهندساً وطوراً محامياً أو طبيباً وكان يجيد هذه الأدوار إجادة تامة وبطريقة مذهلة ومدهشة.
(3)
سقط صاحبنا في شباك الحب فقد ولجت قلبه فتاة حسناء فعرض عليها حبه ورغبته الزواج منها فسألته ماذا تعمل؟ فرد عليها دون تردد وكأنه يتوقع هذا السؤال: أعمل طبيباً بمستشفى "ب" فنظرت إليه كأنما تختبر صدقه ثم غادرته وهي صامتة عن لا وعن نعم،ثم فاجأته ذات يوم وقالت له وهي لا تخفي غضبها: ذهبت للمستشفى الذي قلت لي أنك تعمل فيه طبيباً ولكنهم قالوا لي لا أحد عندنا يحمل مثل هذا الإسم لماذا تخدعني بمثل هذه الأكذوبة وهل كنا سنبني بيتاً أساسه هذه الكذبة البلقاء أرجوك لا تتصل بي مرة أخرى. قبل أن يستوقف صاحبنا فتاته ويستعطفها لتستمع إليه كان قد أدرك جيداً أنها ستكون من نصيبه متى ما أثبت لها أنه طبيب في ذات المستشفي التي أشار إليها.وعندما بدأت تسمعه قال لها: بالفعل أعمل طبيباً في المستشفى الذي ذكرت لك اسمه ولكني قدمت إليه منقولاً في الأيام القليلة الماضية ولم يتعرف علي الكثير من العاملين به وقد إختاروني ضمن قافلة طبية مسافرة لإحدى القرى وسنعود لمستشفانا في غضون أربعة أيام وعليك أن تزوريني بالمستشفى حال عودتنا وحينها ستكتشفين أنني لم أكذب عليك مطلقاً.وقبل ان تغادر حسناءه المكان رسمت على وجهها إبتسامة لم يستطع رغم ذكائه أن يدرك لها معنى.
(4)
بعد يومين طرق "و.ح" باب مكتب مدير المستشفى طرقاً خفيفاً ومهذباً وعندما سمح له بالدخول أخذه بحديثه اللطيف وتحياته الودودة قال: أخيراً رضوا عنا ونقلونا من مناطق الشدة إلى الخرطوم وتحديداً إلى مستشفاكم العامر!! ثم رأى على وجه المدير رضاء غامراًً عبر عنه بإبتسامة ودودة فأدرك أنه يسيطر على الموقف سيطرة تمامة وأخد يخاطبه مخاطبة تخللتها كل مايعرفه عن الطب ومصطلحاته فرأى الإبتسامة تتسع على وجه المدير إذن إنها اللحظة المناسبة ليقدم له الأوراق والمستندات التي إنكب على تزويرها منذ تلك اللحظة التي فارقته فيه فتاته الحسناء.
(5)
سيدي المدير هذا هو ملف خدمتي فضلت أن أحضره بنفسي فإنك تعلم أن الملف يأخذ وقتاً طويلاً في حالة إرساله بالبريد أو بالسيرك من تلك الولاية البعيدة وهذا أمر يعطلني كثيراً من ممارسة المهنة التي أعشقها حتى الثمالة وكما ترى سيدي المدير هذا أمر التحرك وهذا خطاب موجه إليكم من وزارة الصحة الإتحادية بناء على هذه التوصية الصادرة من الوزارة الولائية وقد لاتعلم سيدي المدير مدى ما عانيته وأنا أحاول أن أقنع وزيرنا بأن يوافق ويوصي على نقلي ! ثم هذه آخر الصرفية ياسيدي المدير وأخيراً هذه هي البطاقة وهذه هي عضويتي في نقابة الأطباء ولتعلم ياسيدي المدير إنك بعد حضوري للخرطوم لن تفشل في الحصول الأصوات التي تؤهلك لقيادة نقابتنا في الإنتخابات القادمة وأن ما حدث في الإنتخابات الماضية لن يتكرر ولعلك لا تدري مدى علمي بأصول لعبة الإنتخابات !!. بعدها أمر المدير أن يُلحق الدكتور "و.ح" فوراًبقسم الولادة بالمستشفى! ولكن "و.ح" إلتفت إليه بوجهٍ تعمد أن يخفي فيه إنتصاره بضعف مصطنع وقال: ماذا عن السكن؟ فرد عليه المدير: سنخصص لك الآن غرفة بميز الأطباء المجاور للمستشفى. وغادر صاحبنا مكتب المدير وهو يقول لنفسه مغتبطاً: الآن فقط أنتهت حالة التشرد وغداً ستنتهي حالة العزوبية..!
|
|
 
|
|
|
|
Fathi Ali Mohammed
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست