|
|
 حكاية (حوش البقر) ..!!
|
(*)
لم يكن هنالك أحد يستطيع ردعه..
تعودوا على أن يمتثلوا لأمره وعودوه..
يقال إنه ورث ذلك عن جده , يقال إن ذلك الجد كان يحكم ما بين النيلين (الأبيض) و(الأزرق)، حتى حدود سنار جنوباً, ويقول بعضهم إن ملكه لم يتجاوز جبل الأولياء.. لا أهمية لذلك.. ذلك عهد قد ولّى.. ومملكة قد بادت..
كان جباراً مثله فحسب..
أما جدتي.. التي كانت تمت له بصلة القرابة فكانت تقول.. إنه كان (صالح)اً.. (ورعاً).. (ولياً).. من أولياء الله... ورث ذلك عن جده الأكبر، الذي درس بالأزهر الشريف، وصار مفتياً بمصر، ثم هاجر جنوباً حتى توتي.. وتزوج ابنة الشيخ حمد ود أمريوم.. فأولدها جدهم الأكبر الذي ارتحل بها جنوباً، فأسس الخلاوي، وأقام المساجد، ودرس على يده جمع من علماء الشرق والغرب.. وكانت عزوته ومكانته دينية وروحية، حتى حولها أبناؤها من بعده ملكاً عضوضاً.. ففسدوا وأفسدوا ما بناه الأولون.. فأصابتهم لعنة إلى يوم الدين. كان اسمهم (الفتاياب)، فصاروا (الفتاقاب) , ثم (الفرتاكاب)، وهذه لجدهم الأصغر الذي فرق طلاب العلم وجمع من حوله طالبي الدنيا.
كان الحي عند الشروق كغيره من أحياء الدنيا.. يصيح الديك، تبدأ بعده الدواب في مناجاة بعضها البعض.. تلك المناجاة الحزينة.. بعدها يبدأ العمل.. تأخذ الحياة دورتها الرتيبة.. لا شيء يستغرب.
بعد المغيب، يغرق الحي في ظلمة داكنة تتراقص.. أما الجميع.. خيالات ورؤى.. تصيب الحي لعنة سوداء.. لا صوت إلا لماجن أو عربيد.
لا تمتد الأيادي إلا ضاربة أو صافعة.. ولا تمد الأرجل إلا ركلاً أو هرولةً.. من اللاشيء أو المجهول.. أو ربما من عدو تراه رأي عين.
تشرق الشمس من جديد..
يعود كل شيء إلى أصله ومرجعه.. ينسى الجميع ما كان بالأمس.. لا أحد يحصي الخسائر.
فكأنما الجراح تلتئم وحدها..
ولكأنما الأعراض لم تهتك.. ولا الحرمات قد انتهكت.
كان الأغراب فقط يلحظون ذلك.. فكأنما على أعين القوم غشاوة.
تجيئهم نهاراً.. تقسم أنك لم تر ولم تسمع.. أكرم وأنبل خلقاً.. من القوم.
تجيئهم ليلاً.. وإن كنت من اسعفهم حظهم.. وخرجوا على أرجلهم من غير سوء، تقسم على أن القوم من عجينة الشياطين.. يحسبك السامع إما مبالغاً أو مجنوناً.
كان هو قمة هذا الجنون.. كما أنه أيضاً قمة تلك الحفاوة وذلك النبل.. كان مسيطراً على الأمر.. نهاره في شأن.. ولليله شؤون.. حتى ذلك النهار، جاءه الفتى وهو مستلقٍ على بطنه كعادته.. تحت تلك السيالة.. كانت (سكينه) كعادتها أيضاً.. نهارا على عضده في غمدها الذي صنع من جلد جاموسة.. ربما أخطأت طريقها إليهم.
وقف الفتى على مقربة منه.. ثم خاطبه في أدب شابه التردد:
- خالي أديني سكينك أسنها ليك.. أنا ماشي سوق الجبل.
لم ينظر إليه.. لم يرفع رأسه.. لم ينقلب على ظهره.
كان بين النوم واليقظة.. أجفانه ثقيلة ورأسه عار.. وقعت عمامته على الأرض.. كان خائراً.. لا يقوى على رفعها.
.. يداه ممدودتان على الأرض.. على جانبي (العنقريب) الصغير لا يقوى علىرفعهما.
أومأ للفتى إيماءة دلت على الرضا.. وكأنه يأمره بأن يمد يده ويستلها من غمدها.
تردد الفتي قليلا.. استجمع شجاعته.. مد يده ببطء.. وأخذها.
وقف مكانه لا يحرك ساكناً.. حتى سمع شخيره وتأكد أنه عاد يغط في نومه العميق.
اقترب منه..
ولمعت سكينه تحت أشعة شمس النهار..
وجز عنقه من الخلف..
وسال الدم نهاراً للمرة الأولى..
***
كانت ليلة لفها ظلام من نوع آخر..
ليلة لم يشربوا فيها خمراً، ولم يهتكوا عرضاً.. ليلة خلت من العنف.
التفوا حول جثته مذعورين.. بعثوا لأهله في القوز..
اقسموا لخاله شيخ القوز أنهم وجدوه هكذا.. وأنهم ما فعلوها.. ولا يجرؤون.
أقسم خاله على أنه لن يدفن.. ولن يضمه باطن الأرض قبل أن يسبقه من فعلها إليه..
أوقدوا سراجهم ودقت نحاسهم.. وراح خاله يرقص العرضة.. كان في كامل عدته وعتاده.. ثوبه وملفحته وسيفه.. ودرعه.
ركب فرسه وجال بين القوم.
نزل عن صهوته.. ودار بينهم.. يضع سيفه على عنق هذا.. فيتملّكه الذعر، وينظر إلى آخر يكاد يطير عقله جزعاً..
ما أرعبها من ليلة..
إخواته النائحات.. أقسمن أن يقطّعِن من فعلها بأسنانهن..
وخارج الحي، كان رجال الشرطة يترقبون في حذر، فهم أيضاً لا يجرؤون على التدخل.
لم يفتقد الفتى أحدا.. ولم تحم حوله شبهة.. فليس الفعل فعل صبية.
أطل فجر ذلك اليوم ولم يزل جثمانه مسجى.. وعنقريبه الصغير في مكانه تحت السيالة.. وما جفت دماؤه بعد.
خيّم الظلام على الغابة التي تحيط بالحي..
جثمت هذه الليلة الليلاء.. بأحداثها الدامية على صدورهم كأنها دهر.. كلهم يتساءلون: من سيدفع ثمن هذه الفعلة؟.
كانوا يعلمون أن (آل شكر الله) لا يهمهم.. لو أفنوا الحي عن بكرة أبيه..
المهم أن أحدهم قتل.. مقتل أحدهم يعني أنهم لم يعودوا كما كانوا..
أو أن الأمور في طريقها إلى التغيير.
الحياة بأكملها تغيرت وتبدلت، لأن يداً تجرأت وامتدت لتقتل أحدهم..
هناك. قرب السيالة حيث وقعت الواقعة.. جلس كبير (أولاد سالم) - وهم اصهارهم وانسباؤهم وشركاءهم في الحيولكنهم أيضاً أول من ستشير إليهم أصابع الاتهام, عاد بذاكرته( حين كان شكر الله الكبير بينهم.. ارجعته ذاكرته نصف قرن من الزمان.. عاد بالذاكرة إلى يوم مقتل أحد الضباط الإنجليز على يد شكر الله الكبير.. كيف أنه وقف شامخاً.. وصاح في وجه المفتش الإنجليزي (كتلتو وبروح في ديتو).
اهتزت أنحاء الخرطوم أجمعها يوم سجنه.. ثار أهله في الجبل.. وفي قبة الكلاكلة.. وفي القوز.. والسجانة.. وتوتي والجريف.. والفتيحاب.. وحي العرب حتى العجيجة.
جمع أهلهم في النيل الأبيض ومدني وضواحيها.. حتى شكابة الناظر عبدالله ودشاع الدين. جمعوا المال والرجال واصطفت خيلهم ودروعهم وسنوا رماحهم وامتشقوا سيوفهم.
كانوا يومها أهل القاتل.. فكيف وهم اليوم أهل القتيل؟!
كانوا يومها المعتدين.. فكيف وهم اليوم معتدى عليهم؟!
كانوا من أراق الدماء.. كيف وهم اليوم أولياء الدم؟!
تذكر يوم أخذ شر الله الكبير من بيته الذي كان يتوسط الخرطوم، حوشه الذي كان يسمى «حوش البقر».. لما كانت تضمه حظيرته من أعداد كبيرة من الماشية، تعد ثروة بحسابات هذه الأيام.
يوم ترحيل شكر الله الكبير إلى السجن العمومي.. خرجوا في موكبهم ذاك.. وطافوا شوارع. الخرطوم.. كانت مقدمة ركبهم عند سرايا أولاد شداد.. أقصى شرق الخرطوم، ومؤخرته عند بيت العمدة كرم الله في أقصى غربها، عند مسجد جدهم الأكبر الشيخ أرباب العقائد.
يومها أودعوه السجن العمومي.. دخل السجن وعبده (النصيح) يحمل فروته وإبريقه وآنية طعامه. اعترض مأمور السجن على دخول العبد مع سيده.. إلا أنه سرعان ما أنصاع للأمر، وسط صياحهم وزمجرتهم.
جلس في باحة السجن العمومي.. وضع كرسيه ليتوسط الباحة.. وعبده النصيح يجلس القرفصاء تحت أقدامه.
جاء أحد الضباط على صهوة حصانه.. وجده على هذه الحالة..
انتهره قائلاً:
«انتي مين.. قاعدة هنا تعملي شنو.. ليش مافيش شغل؟»!
نظر له.. شكر الله الكبير.. نظرته تلك التي تذيب الحجر..
وانتهره قائلاً:
أمش شوف لك شغلة.. يا خواجة!
غضب الضابط واستغرب لوقاحة الرجل.. وصاح في وجهه:
«انتي يا زول.. لازم شيلي جردل.. بتاع حمام تعملي نضافة»!
كانت المراحيض في تلك الايام تفرق عبر جرادل.. توضع تحتها!!
استشاط شكر الله غضباً ورد على الرجل بأبيات من الشعر:
الجردل ده ما حقي.. حقي المشنقة والمدفع أب ثكلي..
وحالف باليمين.. أعز بنات أهلي..
والتي سار بها بعدها كل ركب.. وصارت إحدى قصائد البطولة والحماسة.. ولكنّ ظروفاً تاريخية لاحقة جعلتها تحرف من:
الجردل ده ما حقي إلى الجري ده ما حقي.
الضابط يومها صاح في وجهها:
شكر الله راجل مش كويس..
شكر الله لازوم خوف حكومة إنجليز.. لازوم شوية احترام قانون.
انتهره شكر الله قائلاً في عنجهية:
(أمش غور كده ولا كدي.. يا أغلف.)
قطع هذه الخواطر.. وتلك الذكريات صوت أحد أبناء اخوة القتيل:
الجنا السواها.. عرفناهو..
والليلة مافي زول من أهلو بمرق على رجليهو!
فضج الجمع..
وسال الدم من جديد..
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
 Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
أخذت بيده أساعده على صعود الدرج..
لم يكن أكثر من ست خطوات.. تصبح بعدها داخل الفناء الكبير..
ضرب بعصاه الأرض.. وقال كأنه يخاطب المجهول: أنا جيت اكتر من سبعين سنة، لكن الطريق ياهو الطريق..
كل شيء اتغير.. لكن ريحتكم لسه مالية المكان.. ومحبتكم في قلوبنا زي نار أولاد المجذوب.. ما بتموت.
ثم تنهد وجلس على الأرض.. وأردف بصوتٍ تعمده خافتاً: الله يرحمك يا (بت البدري).. الله يرحمك يا (أم كلتوم).. الله يرحمكم جميعاً.
كان معي.. ولكنه ليس معي.
مذ حطت أقدامه هذا المكان تغير كأنه ليس جدي الذي أعرفه.. انتصبت قامته، واختفت هذه الهالات السوداء حول عينيه كأنه فجأة نفض عنه غبار السنين.
عاد شاباً قوياً متقد الذهن.. حاضر الذاكرة.
سألته:
- على من تترحم يا جدي.. (بت البدري) منو؟؟ و(كلتوم) شنو؟؟ بعدين يا جدي انت واقف بدون عصاية.. وشكلك مختلف.. مالك يا جدي؟!
رد دون أن يلتفت إليّ.. بصره هنالك، عند نقطة لا أتبينها:
(بنت البدري) دي ماياها أمي.. و(أم كلتوم) دي كانت مرتي.. ماتت هنا في الحوش ده.
- جدي انت عيان ولا شنو؟ ماتت وين؟ ماتت هنا في نص السينما؟ كنت بتحضروا في فيلم؟
رد غاضبا:
- فيلم شنو يا مسخوت؟ ده كان بيتنا هنا.. هنا كان حوش شكر الله.. حوش البقر.
كتمت ضحكة ساخرة كادت أن تخرج رغماً عني.. ورددت:
- جدي الله يهديك.. أرح البيت.. دي سينما كلوزيوم، من قمنا مافي حاجة غيرا هنا، ومن قمنا بنعرف بيتنا هناك.
أرجعت الأمر إلى تقدمه في السن وضعف ذاكرته.
أخذته إلى بيته..
ظل صامتاً طوال الطريق..
كان ساهماً واجماً.. يحدق في.. لا شيء.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)ورثوا عنه الكثير..
أراضي، وبيوتاً، ومزارع، وعنجهية وكبرياء..
كانوا يترفعون عن كل شيء.. يتعالون على الجميع.
لم يحبوا أن يزرعوا أرضهم ويفلحونها كغيرهم.
لجأ كبيرهم إلىجيرانهم من عرب غرب النيل.
كانت أرضهم غرب النيل صحراء جرداء..
ضربوا بفؤوسهم سنين عددا.. لم تعطهم غير الفقر والقحط والحاجة..
أقطعهم شكر الله الكبير أرضاً يعمرونها مقابل بضعة قروش.
لم يصرح لهم ببناء البيوت من الحجر والطين اللبن. لم يرد لهم استقرارا.. ولكن الله أراد.
سنوات عديدة مرت على تواجدهم هناك.. تطور بهم الأمر.. امتدت مساكنهم التي أنشأوها من القش والحصير. تطورت في غفلة منهم إلى بيوت.. امتدت البيوت وكبرت وتشعبت، وصارت حياً، ثم.. أحياءً.. اخضرت أرضهم وعملوا بالتجارة والصناعة وصار لهم سوقهم الخاص يتوسط حيهم.. صار لهم مسجدهم الخاص يؤمونه في الجمعة والأعياد. بنوا المدارس.. والشفخانة. قويت شوكتهم وصارت لهم جذور.
كل هذا.. وأولاد شكر الله من غربة إلى غربة.. صراع وأحقاد.. وكبرياء.. لم يعد يدعمها ملك أو سطوة.. تعايشوا معهم.. زاوجوهم.
صار كبيرهم يجلس كتفاً بكتف.. مع كبير أولاد شكر الله.. لا يهمهم إن كان لايزال متغطرساً عنيداً متعالياً.. طالما أن أرضهم تخضر.. وتجارتهم تزدهر.. وحيهم يتوسع وأحلامهم تتحقق.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
خيم الصمت على المكان.. انشغل كل منهم بما في يده كأنه يبرر شروده والتزامه الصمت على غير عادتهم حين يجمعهم شاطئ النهر..
(حمد أبحجل) ينظف شباكه التي علقت بها بعض حشائش النهر وطميه الذي يأتي كل عام في نفس الموعد حاملاً معه أشواق مياه الهضبة الإثيوبية وأخبار خريفها الذي ينذر خيراً وشراً.
(مرزوق) راح ينظف مقصه العتيق مستخدماً رمال الشاطئ حتى لمعت أنصاله وبدا كأنه يعده لذبح بهيمة وليس لقص شعر إنسان.
أما (يحيى الفلاتي) فقد انشغل عنهم بقراءة بعض آيات القرآن.. ربما يتحجج بها عن التحدث معهم، واحتمال سخريتهم على أمره وأمر (بت رحمة) التي صارت زوجاً له، وأماً لابنائه.. ومازال أهلها يعاملونه كأنه عبدٌ لهم.
قطع ذلك الصمت صوت (يحيى الصغير) ابن (حمد أبحجل) وهو يجري نحوهم صائحاً ملوحاً بيديه كأنه يحمل خبراً خطيراً ربما أخرجهم من عزلتهم ليعيدهم إلى صخبهم ومشاحناتهم.. فأياً كان الخبر لابد أنهم سينقسمون حوله كعادتهم.. سينتظر (أبحجل) حتى يبدي (يحيى الفلاتي) رأيه ليأخذ جانب المعارضة.. بينما سيرفض (مرزوق) رأيهما كعادته لا يقبل بشيء.. دائماً ما يجيد الرفض والمعارضة.
وما كاد الفتى يقترب منهم حتى رمى بما في جعبته صائحاً:
(نميري) شالوا خلاص.. البلد بدأت عهد جديد.. ديمقراطية.. حرية.. برلمان منتخب.. أحزاب حرة.. و.. قاطعه (يحيى الفلاتي): يا ولد (نميري) شنو البمشي عليّ الحرام خمسة انقلابات ويرجع تاني زي (الكديس).. عندو عشرة أرواح.
سرعان ما حدد (أبحجل) موقفه من الأمر معارضاً لرأي (يحيى)، بالطبع:
يا بهيمة.. المرة دي انتفاضة شعبية.. يعني الشعب كلوا مش خمسة ولا ستة عساكر.. عليّ الطلاق ما يشمها تاني.
لم يخيب (مرزوق) ظنهم وحافظ على طبيعة الأشياء.. حين صاح في وجوههم: (نميري) راح ولا جا.. الأحزاب حكمت ولا ما حكمت.. انتو يا سجمانين صالحكم شنو؟! انتو بالكتير متفرجين.. اتخلقتوا عشان تتفرجوا وبس..
تخير (الصغير يحيى) موقعاً لجلوسه يتوسط ثلاثتهم.. فكأنما يعبر عن حيرته في أمرهم.. ثم راح يتنقل بينهم بأعينه الصغيرة الحائرة وعلى وجهه يلوح سؤال:
أنت يا أبوي.. أخير حكم (عبود) ولا (نميري) ولا (الأحزاب)؟!
رمى الفتى كل أوراق حيرته هكذا بوجوههم دون مقدمات.. وكأنما تعمد إرباكهم.
رد أبوه وهو يحتمي بشباكه المتسخة وفي كلماته ذلك المرار:
يا ولدي.. أنا في زمن (عبود) سنجك بنا.. وفي زمن (نميري) سنجك بنا.. وفي زمن (الأحزاب) مافي شي اتغير.. برضو ياني نفس السنجك البنا.. اسأل عمك (يحيى).
وكأنما انتظر (يحيى الفلاتي) دوره فقال دون أن يعطي للفتى فرصة التعليق:
أنا في زمن (عبود) عب.. وفي زمن (نميري) عب.. وفي زمن الأحزاب ياني نفس العب.. كدي أسأل حكيم الزمان عمك (مرزوق) ده يمكن يفيدك.
أما (مرزوق) فقد اتفق معهم على غير عادته فقال:
وأنا شرحوا.. ياني (مرزوق الحلبي).. حلاق الحمير ونافخ الكير.. الثورات والديمقراطيات كلها ما زحزحتني من مكاني.
مر عليهم (ود منصور) على حماره العجوز.. ألقى عليهم السلام قبل أن يبادر أحدهم برد تحيته صاح فيه الفتى:
يا (ود منصور) أخير عبود ولا نميري ولا الأحزاب؟؟
رد (ود منصور) دون أن يلتفت إليهم.. ودون أن يتوقف:
أخير الإنجليز.
وراح يضرب على ظهر حماره بقسوة كأنه يعجل في الابتعاد..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)(ود منصور) ومنذ اختفاء زوجته الذي تزامن مع حادثة القتل واتهام أهل البلد لها بهروبها مع الفتى حفيد (ود سالم).. وهو في شرود دائم.. يطوف البلد على ظهر حماره معظم النهار.. توقف عن العمل.. آلت أرضه إلى بوار.. وشقيت أمه واخواته عملاً بالزراعة ورعي ما بقي من بهائمهم.
كلما حدثه أحد عن زوجته أو عن الفتى يضحك في بلاهة.. لكن عينيه تلمعان كأنه يقول: انتم لا تعلمون شيئاً..
لم يعد يخاف (أولاد شكر الله).. ولم يعد يعمل لهم حساباً كما في السابق.. جاءهم فحياهم وجلس.. دون أن يدعوه أحدهم..
استغربوا مشاركته لهم اليوم.. سمرهم.. وجلستهم التي اعتادوها زماناً ربما يفوق عمره لم يجالسهم قبله أحد من أهل البلد..
ترى لماذا كسر (ود منصور) هذا الحصار وهذه العزلة التي فرضت عليهم؟!!
صمتوا جميعهم.. اتكأ (ود منصور) على بردعة حماره بعد أن ألقاها على الأرض بجانبهم.. سألهم: عندكم تمباك؟؟
أجابه (يحيى الفلاتي) بأن رمى بعلبة التمباك أمامه.
التقطها (ود منصور) وهو يغمغم: (فلاتي) بسف التمباك.. عجايبك يا بلد.
أعادها له بعد أن ملأ فمه منها.. ثم بصق.. وقال في صوت لم يألفوه منذ اختفاء زوجته:
كل شي بقى ما عندو طعم.. الأكل.. الشراب.. الفرح.. الحزن حتى التمباك.. اتغير التمباك ولا رؤوسنا هي اللي اتغيرت؟!!
انتبهوا فجأة.. لأنهم يشاطرونه ذلك الإحساس.. فكأنه يتحدث بألسنتهم جميعاً.. سأله (أبحجل):
إت يا (ود منصور).. ما تواخذني.. ساكت ليك زمن.. لا بتجالس الناس ولا عندك شغلة في زول.. عليّ الحرام فاكرنك مودّر.. لكن كلامك ده مو كلام مجانين.
ضحك (ود منصور) وتمدد على ظهره.. ووضع يديه خلف رأسه وشبكهما.. وقال وهو يتجه ببصره نحو السماء:
(مجنون منو يا السنجك؟! أنا ماني مجنون.. أنا.. ولا بلاش)، ثم صمت وظل يحدق في الأفق.
رد (أبحجل) وكأنه يحثه على الكلام:
لالا يا (ود منصور) اتكلم.. بلاش ليه.. إحنا اخوانك.. افتح لينا صدرك.. أنضم.. ما تكتم جواك.. بتتشقا يا زول..
فجأة هب (ود منصور) واقفاً وصاح في وجهه:
أنا ما بنشقا.. أنا كنت بنشق لو ما خنقتها بيديني دي لمّا قطعت النفس.. أنا كنت بنشق لو ما دفنتها بيديني دي ودفنت معاها عاري وفضيحتي.. أنا (ود منصور) جدي (شكر الله) الكان سيد البلد دي من حدود مصر لي يوغندا.. كل الناس كانوا عبيدنا.. مافي راجلاً رفع عينوا فينا.. خمسمية سنة نحنا مالكين الناس.. تجي واحدة زي دي عاوزة تخت راسي في التراب؟!!
قام نحو (مرزوق) وهو يربت على كتفه:
استهدا بالله يا (ود منصور) أقعد مالك يا زول.. صلي على النبي..
أجلسه في مكانه وهو يتحدث إلى (أبحجل):
السنجك.. الله يقطعك.. مالك على الراجل.. (ود منصور) ده سنين ماشفناهو نطق.. ولا هاج متل الهيجة!.
رد (أبحجل):
مالك يا (مرزوق).. الراجل ماهو مجنون.. الراجل شايل جواهو بلاوي.. قلنا نخليهو يفضفض يمكن يرتاح.. امكن يرجع (ود منصور) بتاع زمان.
رمقه (مرزوق) بنظرته تلك التي يستخدم فها حاجبيه الكثيفين للتأكيد على غضبه:
يا زول انتا غشيم.. (ود منصور) ده الحكما غلبوا فيه.. قالوا خلوه ده ممسوس.. (يحيى الفلاتي) ده قرالو القرآن كلو سبع مرات فوق راسو ده.. ما سوالو شي.. بتدور تعالجو إت يا معولق.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
أشار إليه جدي قائلا: هذا (ود منصور) كنا يومها نتجول في سوق السجانة.. ثم ربت على كتفي وأضاف: الحقوا بدور أكلمو..
سألته وأنا انتقل بنظري بين زحام المارة: يا جدي.. حا أعرف ليك (ود منصور) بتاعك ده كيف في الزحمة دي؟؟
أجابني وهو يسرع الخطى: هداك.. ابو جلابية بيضا ده..
وما أكثر الجلابيب البيض في سوق السجانة.. حرت في أمره.. ولما رأى مني انصرافاً عن تلبية رغبته في اللحاق بالرجل.. سارع هو للحاق به.. وسرعان ما غاب عن ناظري..
لحقت به وأنا ألهث.. وجدته يحادث رجلاً أشيب الفودين.. قوي البنية.. على وجهه جمود كالذي تراه على وجوه الموتى.. لا تستطيع أن تميز من انفعالاته شيئاً.. عانقه جدي وطفقا ينظران إلى بعضهما البعض دون كلام.. بعدها.. تصافحا وتفرقا.. سألته: ده منو يا جدي؟!
أجابني دون أن ينظر في وجهي: اييييه دنيا.. ده (ود منصور).. سنين طويلة مافي حد شافوا.. كان مسجون.. قتل مرتو ودفنا جنب ضريح (شكر الله الكبير).. اياميها اتهموا بيها وليد من عيال (أولاد سالم).. قالوا هربت معاهو.. أتاريهو (ود منصور) قتلا ودفنا.. وبعدها بقي زي المجنون.. هايم على وشو.. سجنوهوا خمس سنين.. بعدها اختفى..
ثم واصل كأنه يحدث نفسه:
الله يرحما.. كانت مره سمحة.. كانت غريبة من ناس بحري.. عرسا وجابا البلد.. تمت معاهو سنة وبعدها.. اختفت يوم كتلة عمي.. كانت أيام عجيبة.. آآآه يا زمن.
أجلسني بجواره على مسطبة أمام بيته في السجانة ثم بدأ كعادته في الاستمتاع بالحديث عن زمان مضى.. وقوم غابرين.. وحكايا كأنها ألف ليلة وليلة.. أظنها من نسج خياله..
كنت أسمعها ولا اصدق منها شيئاً.. لكني احفظها عن ظهر قلب.. لماذا؟! لست أدري.. ربما لأنني أثق في رجاحة عقله.. وربما كنت في دواخلي أصدقه.. فهو رغم كبر سنه ليس من أدركهم الخرف..
حكايا جدي كانت دائما ما تشدني.. بعض رفاقي حين أقصها عليهم كانوا يتهمونني بالكذب..
أنا الذي كنت أصدقه دون أدنى ريبة..
أعادني إلى أيامهم التي كتب عليّ ان اعيشها معهم بأثر رجعي.. موتى وأحياء.. وأساطير وأفراح ومآس.. أبطالها جميعاً لم يرني أحدهم.. لكنني أكثر الناس معرفة بهم..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
لم يكن أولاد شكر الله راضين عن تزويج قريبهم (رحمة) ابنته من (يحيى الفلاتي).. بل انهم لم يتصوروا يوماً انهم سيصاهرون رجلاً مثله..
في ليلة مولد ابنه (عمر) ركض (يحيى الفلاتي) نحو (ود منصور) يسأله أن يوصله للمشفى.. هو وزوجته (بت رحمة)، فقد جاءها المخاض.. ونصحته قابلة البلد أن يسرعوا بها للمشفى..
كانت السيارات تلك الأيام تعد على الأصابع.. كان (ود منصور) يمتلك سيارة (لوري).. كان الوقت متأخرا قليلاً.. طرق باب (ود منصور) ذلك الليل.. جاءه (ود منصور) والنوم على أجفانه يرسم خطوطاً من الضجر.. سأله:
في شنو يا (يحيى).. خير؟؟ وضغط على أحرف كلماته تلك كأنه يقول له: ماذا تريد في هذا الوقت؟؟
رد (يحيى) جزعاً: (بت رحمة) مضايقة.. بندور نوديها الاستبالية..
رد (ود منصور) متهكماً:
الاستبالية بالليل ده.. هي بتدور تجيب لك (علي الكرار).. ما تخليها للصباح!.
رغم أنه لبس ثيابه وأوصلهم إلا أن نفس (يحيى) مازالت بها شيء من الغل تجاه (ود منصور).
بعدها روى (يحيى) لصديقيه (مرزوق) و(أبحجل) ما كان من أمره مع (ود منصور).. قال (مرزوق):
الراجل معذور.. ماشيلو في نص الليل؟!
رد يحيى: يعني أخلي الولية تموت؟! هي قالولك عرسناه بالساهل.. عليك أمان الله أنا من يوم عرستها بطلت أحلف بالطلاق.. والبحلف بالطلاق.. ما بصاحبوا حتى.. ضحك (أبحجل) وتدخل قائلاً:
شوف يا (يحيى) يا أخوي.. أنا أديك الخلاصة في تلاتة حاجات في البلد دي ما بتتغير..!
رد مرزوق: يلا.. اتفسح فينا يا بتاع الطين!
تجاهله (أبحجل) وواصل موجهاً حديثه ليحيى:
شوف يا يحيى يا اخوي.. الزيي ده عربي.. والزيك ده عب.. والزي مرزوق اخوي ده حلبي.. دي الخلاصة.. أها شن قولك؟
نظرا إليه في أسى فقد أصاب كبد الحقيقة!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
جاءهم يحمل مخلاته بيمينه.. حافياً متوشحاً ثوبه المتسخ..
أمامه تتراقص أحلامه ويطارده من خلفه ماض مأساوي حزين عنوانه الفقر والظلم وقلة الحيلة.. ودنيا نهش برد لياليها.. لحمه، وبالكاد ترك عظمه لحر أيامها يتلذذ في ما بقي من حطام..
كل ما يملك كان حفظه لكتاب الله وصوت عزب يردد به آياته وعجمة لسانه.. تقودك إلى هناك حيث ولد ونشأ.. إلى ديار الفولاني في غرب إفريقيا..
كان حلمه كغيره من أبناء عشيرته.. حجة يكسب بعدها لقباً يوازي الباشوية في حوض النيل.. وسلطنة آل عثمان..
حط رحاله بينهم هناك عند ملتقى النيلين. وجد منهم كرماً ومروءة وحسن ضيافة لم يكدره سوى تلك النظرة الاستعلائية التي فهم مردها إلى أصله الفولاني.
استقر به المقام بينهم يحفّظ أبناءهم القرآن.. والتجويد مقابل بضعة قروش..
اقطعوه أرضا وبنوا له منزلاً من الطوب اللبن.. وهيأوا له باحة للدرس..
كان كبيرهم يجله ويحترمه.. لكنه ظل في نظرهم الفلاتي الذي لا يرقى لأنسابهم التي بها يفاخرون بين الناس.
لم يكن يلقى ذلك التقدير وتلك النظرة الآدمية التي لا يقف أمامها أصل ولا تنتقص عجمته منها ذراعاً إلا حين تأتيه هي بقامتها القصيرة وجسمها المكتنز ووجهها البيضاوي..
كانت تعاني مرضاً نفسياً.. وفي أعرافهم أن المرض النفسي هو مرض (فقرا).. والفقرا في عرف أهل السودان هم أولياء الله الصالحون من المتصوفة وحفظة القرآن.. ويطلق عليهم هذا الاسم لزهدهم وإعراضهم عن الدنيا ومباهجها.
كان هذا هو خيطه الأول الذي قاده إليها...
قرأ لها القرآن..
أرقاها كل ليلة رقية..
تأتيه كل يوم بضع دقائق وتغادره في عجل.. لكنها لا تبرح خياله..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
كانت إحدى أكثر القضايا التي نظرها القضاء.. غرابة.. كانت قضية حصر تركة (شكر الله الكبير) قضية استعصت على القضاة وعلى الحكومات التي تعاقبت بعد زوال الاستعماري الإنجليزي..
قدم (أولاد شكر الله) مستنداتهم التي تثبت أن أغلب الأراضي بين النيلين حتى جبل الأولياء.. وبعض الأراضي الزراعية المتناثرة هنا.. وهناك.. بين بحري والخرطوم وبعض أجزاء مشروع الجزيرة.. جميعها مسجلة باسم (شكر الله والحكومة).
أكثر من نصف قرن من الزمان والقضية تنتقل من محكمة لأخرى دون حل الحكومات المتعاقبة.. تتوارثها مع ما تتوارثه من الحكام الذين سبقوهم من مشكلات.
(أولاد شكر الله) يرفضون كل تسوية، يريدونها خالصة لهم كما ورثوها عن جدهم.. لا تنقص ذراعاً.. بعضهم أنفق عمره على أبواب المحاكم.. وامتهن كتابة الشكاوى والعرائض حتى أنهم صاروا مراجع في قانون التركات.
أكثر ما أدهش نظام الفريق (عبود) أنه أراد تسوية معهم.. فعقد اجتماعا مع كبرائهم وزعاماتهم.. وأقر بحقهم مناصفة مع الحكومة.. كما جاء في السجلات الرسمية.. إلا أنهم أدهشوه حين قالوا: إذن كلها لنا..
قال: لماذا لكم النصف وللحكومة النصف الآخر؟!
رد أحدهم: نحن ورثة الحكومة.
قال عبود: حتى الحكومة عايزين تورثوها.. بس الحكومة ما ماتت؟!
رد كبيرهم: (حكومة) ماتت من زمان.. أصلك يا ريس مش فاهم.. الحكومة المقصودة في السجلات ماها حكومة السودان.. (حكومة) دي اخت (شكر الله الكبير).. يعني حبوبة لينا.
استشاط عبود غضباً وطلب أن يغربوا عن وجهه الساعة..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
في زمن (عبود) سنجك بنا.. وفي زمن (نميري) سنجك بنا.. وفي زمن (الأحزاب) مافي شي اتغير.. برضو ياني نفس السنجك البنا.
________________________________________________________________________________________________________________
يا كمااال
تسلم ايدك
بدون مجاملة .. هذه الكتابة هى الكتابة التى تروق الاعصاب
..انا فى غاية الانسجام مع النص..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: عادل فضل المولى)
|
(*)
تعرف يا(عادل) ..
ست سنوات وأنا أكتب هذه (الملحمة) بتصرف طبعاً ..
طالما حلمت بكتابة( رواية) سودانية خالصة ..
ليست تقليداً لأدب (المشرق والمغرب) ,..
(رواية) تحكي عنا ولنا فقط دون النظر إلى الآخر ..
إرضاء الآخر لا يجب أن يقدم على إرضاءنا نحن ..
أكملتها وأنا أستمتع بحكاوي الحبوبات , والأجداد ..
وقصص الأحياء والأموات ..
محبتي ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
الحبيب كمال (ود حبوباتو)
اطيب التحايا
Quote: طالما حلمت بكتابة( رواية) سودانية خالصة ..
ليست تقليداً لأدب (المشرق والمغرب) ,.. |
تعرف تاريخ شكر الله دا ممكن بكل بساطة نقول عليهو واحد (أوجه الهوية) السودانية
الوجه الذي يكشف عن الاعتزاز الذي يصل حد العنجهية واحتقار الآخر ايا كان..وفي الوقت نفسه التعايش مع الآخر القريب (عقائدياً) والبعيد( عنصريا) بجانب رفض كافة أشكال الخنوع والاستكانة لما هو مختلف عنا كلياً
وتاريخ الجد شكر الله لم يجد حظه من التعريف او الترويج رغم انتشار احفاده في معظم بقاع السودان وخارجه ايضاً، فهذا التاريخ لم يبارح خانة النقل الشفاهي في الحكايا والونسات وحتى القرية التي قامت مذ سنوات حاملة اسمه على طريق جبل اولياء الخرطوم، لا تحس انها تنتمي لهذا الجد الفريد، فهي لا تحمل الا اسمه ولن تجد فيها ما يذكر بشيء من ذلك التاريخ الناصع، (ربما اكون ظلمتهم لأنني لا اعيش وسطهم) لكن رغم زياراتي المستمرة لها لم اقف على شيء فيها يدل على انها تمت بصلة للجد، وربما يكون ذلك بسبب ان قاطنيها جاءوا من بقاع مختلفة من وسط السودان..ولم يعرفوا عنه الا هذه الأرض القابلة للاستثمار ..
لذلك اتمنى لك اخي كمال ان تنجز هذه الملحمة في اسرع وقت ممكن وستجد حظها من القبول والقبول الواسع فعند الجد شكر الله ما هو جدير بالنشر..
ولك المحبة
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
انتظرته كل يوم.. هناك عند منحنى النهر.. حيث التقته للمرة الأولى.. حين وفد إليهم.. غابة صغيرة كانت تعرف باسم غابة (عبدالقيوم).. لا أحد يعرف من هو هذا (العبد القيوم) الذي حملت الغابة اسمه.. عندما يسأل السائل من هو عبدالقيوم؟ تسمع جملة أقوال.. كل شيء في هذا البلد عرضة للتأويل.. حتى تاريخه يرويه كل على طريقته.
(بت رحمة) لا يهمها من هو (عبدالقيوم)، ما يهمها أنها التقته هنا أول مرة وهنا يجب أن تنتظر عودته.. تجلس بين عيدان القصب.. وتقضي وقتها في قطف أوراق اللوبيا.. التي تزرع عقب انحسار الفيضان.. تظل هكذا حتى المغيب.. ثم تعود أدراجها تنظر نحو بيوت البلد من أسفل النهر.. تتنهد في حسرة على ما أصاب البلد من نعمة. دخلت الكهرباء.. وكثرت السيارات وقلت المروءة..
تحبها كما كانت بلدة تغرق في الظلام.. ينام أهلها وفي أجفانهم حنين إلى الشمس وضوئها الذي بدا لها أنه سر تحنانهم وتواددهم..
ربطت بين غيبة زوجها (يحيى) ومجيء الكهرباء.. رفضها (يحيى) وسانده في ذلك كثير من أهل البلد.. كادوا يتقاتلون فيما بينهم بين مؤيد ورافض، حتى حسم الأمر ابنه (عمر) حين تصدى لأبيه قائلاً:
شوف يا (حاج يحيى) انت رحتا ولا جيت فلاتي ضيف وماك من أهل البلد سكّنوك ومكّنوك وناسبوك بس ده ما بديك الحق في انك تعطل تطور البلد..
قام (مرزوق) من بين الجمع وصفعه على وجهه وهو يردد ثائراً:
يا جنا بتعاير أبوك بي جنسو بعدين انتا فاكر نفسك (شريفي)، ولا (ود شكر الله) انتا فلاتي من صلب فلاتي..
رد (عمر) وهو يزمجر غاضباً:
أنا ود (بت رحمة).. ود (أ محمد ودشكر الله).. أنا ماني فلاتي.. (حمد أبحجل) و(أولاد سالم).. وابنه (يحيي الصغير) قاموا ليفصلوا بين الرجلين.. وعنفوا الصبي على سوء أدبه ووقاحته..
أراد (حمد أبحجل) أن يطيب خاطر (حاج يحيى) تلفت حوله.. فلم يجد له أثرا!
لم تكن تصدق نبأ وفاته.. انتظرته سنوات طويلة كانتظارها لأهلها للموافقة على تزويجهما.. كل حياتها معه عنوانها انتظار طويل.. انتظارها له الآن ربما لن يكون الأخير.. كثير من القادمين من الحجاز أخبروها انهم رأوه هناك.. زوجها (يحيى) بشحمه ودمه كان يلازم الحرم.. لا يخرج من صحنه أبداً.. يقضي أوقاته في خدمة حجاج بيت الله ومعتمريه.. يطوف بينهم حافياً عاري الرأس حليقه.. يسقي هذا ويطعم ذاك.. لا يتحدث أبدا.. صائم عن الحديث، كما انه صائم عن الأكل والشرب.. صائم مذ حطت قدماه أرض الحجاز.
ثم ما تكد تصدق هذه الرواية حتى يأتيها آخر وقد رآه في ليبيا.. وقد عمل بالتجارة وصار من أغنياء (طرابلس) وتجارها الكبار.. يلبس الحرير وعلى فمه غليون من الفضة لا يفارقه أبداً.
ثم ما يلبس أن يأتي آخر بخبر آخر عن رؤيته في مكان لا هو بالحجاز ولا هو بليبيا، وإنما هو داخل البلد.. في الجنوب يتاجر في العاج والأبنوس.. أو في الغرب يعمل في تجارة الجلود.
لا ترد على هؤلاء.. ولا على اولئك.. تكتفي بالقول: كان حي بعود!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
جاءنا تلك الليلة.. تصادف انني من قابله عند الباب.. سألني عن جدي.. أخبرته انه مريض.. دعا له بالشفاء..
سمعه جدي وهو يدعو له فقال:
الكبر دواه الموت..
سألته جدتي: الزول منو.. صوتك مو غريب علي؟؟
رد عليها: غريب وعابر سبيل..
ردت جدتي: حباب الضيوف.. ادخل لي جوه.
رافقته حتى ديوان جدي على الناحية المقابلة للمنزل.. جاءته جدتي بالعشاء والشاي.
واستوقفها متسائلاً: ده ما ياهو حوش (أولاد شكرالله)؟؟
ردت: أيوه ياهو.. لكن حليل زمن الحيشان..
سألها: وحوش (أولاد سالم).. وأولاد عمكم (رحمة) مش كان مقابلكم؟؟
استوقفها سؤاله الذي كان سؤال العارف بالبلد وأهلها..
:الزول منو.. انا بقول الشكل مو غريب.. والصوت سامعاها قبُل؟!
أجابها: لا.. أنا من ناس غرب النيل.. كنت بجيكم موسم الحصاد مع العمال.. عارف البلد وأهلها زين..
أجابت وفي صوتها ذلك الحزن:
والله فيك الخير.. لكن الأيام غير الأيام.. والحال ما ياهو الحال الزمان ..
وكأنما اغتنم فرصة لاحت بوجهه:
كيف وين الناس..؟؟
أجابته وكأن أمراً حديث الذكريات قد راقها:
أولاد (رحمة) ماتوا كلهم.. ما باقي إلا شوية من وليداتم وكبارهم .. وأولاد (سالم) نصهم هنا والنص التاني غرّب.. الحال هناك بقى أفضل..
باغتها بسؤال:
و(مرزوق الحلبي).. و(حمد أبحجل)؟!
أجابته: (مرزوق) الله يرحمو.. كبر وعمى ومات عاماً أول.. و(أبحجل) مات مقهور ,باقيلك وليدو (يحيى) قالوا قتلوها في الجامعة.. الوليد ما لقولوا جثة.. انتظروا حول كامل.. قال:
(كان حي بعود)
ما اتحمل مات في نفس السنة ولحقتو مرتو (بت الإمام) عُقب شهر.. الله يرحمهم جميعاً..
ختمت حديثها معه هكذا.. واعتذرت بأن معها نسوة من البلد.. استأذنته ومضت!
جال ببصره حول المكان.. ثم سألني أن أقوده إلى حيث يستلقي جدي.. قدته إليه.. كان جدي في فراشه.. لا يستطيع الحراك.. اقترب منه ومال عليه وهمس له في أذنه ببضع كلمات.. لم أتبين منها شيئاً.. اعتدل وهمّ بالانصراف.. امسكه جدي من طرف ثوبه كأنه يدعوه للبقاء.. أفلت من بين يديه وأسرع مغادراً.. لحقت به عند الباب.. وجدته مفتوحاً على مصراعيه ولا أثر للرجل. عدت إلى جدي أساله: ده منو يا جدي.. وقال ليك شنو؟؟
لم ألق جواباً.. اقتربت منه وجدته وقد اغرورقت عيناه بالدموع.. أمسكت بيده وجلست قربه على الأرض.. قلت وقد تقطعت أحشائي ألما لبكائه:
جدي.. عمري ما شفتك بتبكي.. الراجل ده قال ليك شنو؟
رد جدي: ده جدك (يحيى الفلاتي)؟
رددت: تاني يا جدي.. حاترجع لي قصصك.. انا قلت شوية المرض شغلك ونساك الجماعة ديل .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
انقبض قلبي ألماً وحسرة لما روى لي جدي أن (بت رحمة) توفيت دون أن ترى زوجها (يحيى) مرة أخرى..
ليس هذا ما أحزنني، بقدر ما عجبت للقدر.. فقد أخبرني جدي أنه يوم عودة (يحيى الفلاتي) تلك، ومجيئه بيتنا.. كانت (بت رحمة) مع جدتي في الداخل.. ولما لم تتعرف عليه جدتي لم تخبرها عن أمره شيئاً.. فغادر وفي اعتقاده أنها توفيت مع من توفاهم الله من أهل البلد..
بضعة أمتار كانت تفصل بين حوش الحريم وديوان جدي.. إلا أنها كانت أطول من آلاف الأميال..
سألت جدي: لماذا لم تخبره بأنها هنا؟؟
رد جدي: أمسكت بطرف ثوبه لأحدثه.. لكنني أشفقت عليهما من هذا اللقاء فأفلته ليمضي..
عجبت لأمره.. أي شفقة هذي؟!!
أجابني: .. كل شيء عندو زمنو (يحيى) و(بت رحمة) لو كانوا اتلاقو بعد الغياب الطويل ده.. ما كانوا حايشعروا بنفس الإحساس الأول.. كأنك جمعت بين غريبين.. (بت رحمة) منتظرة (يحيى) بتاع زمان.. شاب قوي حريص على الدنيا.. بيفكر في المستقبل.. و(يحيى) خلا وراه (بت رحمة) البنية السمحة.. الحية.. والليلة هم الاثنين رِجل في القبر ورِجل في الدنيا.. والماضي ذكرى حلوة.. زبدة حياة الإنسان.. أما المستقبل عايز قلوب مفتوحة وعقول بتفكر في بكرة.. قلت أخليهم على ذكرياتهم الحلوة.. يموتوا وفي الخيال صور ما افسدا الكبر.. ولا الضعف واليأس..
فهمته وعرفت كم هو حكيم.. وكم هي قسوة الحياة!
ملأت صدري من هواء ذلك الفجر النقي.. وأنا اتهيأ للرحيل.. اغراني جدي بالسفر.. أخبرني أن ما في نفسي من كدر لا يذهبه سوى السفر.. لما رأى حيرتي ويأسي من أمر البلد.. دعاني إلى حجرته كان لا يستطيع الحركة.. خاطبني يومها وفي صوته ما يبعث الأمل.. رغم علمه أنني ربما لن أراه مرة أخرى.
- العمر بقى زي ضل الضحى.. ويمكن لما ترجع تلقاني بين ايدين رب كريم.. سافر وشوف.. وأعرف ليه لسا رغم الحزن والدم.. والناس لسا بتغني.. وحاتعرف كمان ليه رغم الظلم.. والحكام البنهبو في الناس لسا البلد لاقية تاكل.. وتشرب وتتعلم.. وتفرح.
ذهبت.. وطال سفري.. عدت فلم أجده ولم أجد البلد التي تركت.. لكنني عرفت.. معنى كلماته تلك.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
رقصوا وطربوا وأكلوا وشربوا.. ودارت عليهم خمر معتقة.. والليل يجرجر أذياله مهزوماً أمام ضوء نهار ذلك الفجر الذي أرسل جيشه خيوطاً من ضياء.. ما تفتأ ترتمي في أحضان كثبان الرمل التي بللها ندى الصبح.. فكأنها أول من يعلن استسلامه.. وأهل البلدة أيضاً بدأوا في إعلان استسلامهم لجبروت النوم.. فأنفضوا من حول المغنين وراحوا يتسللون إلى بيوتهم الواحد تلو الآخر.. كان عرساً ستتحدث عنه البلد لسنوات.. جاء كل أهل الزمام حتى الحكومة أرسلت من ينوب عنها.. جلس (حمد أبحجل) وحيداً صامتاً متكئاً على عصاه.. فكأنما يرمي بحموله عليها.كانت ابنته تتزوج اليوم.. من زهرة شباب البلد.. كيف لا.. وهو (ابن مرزوق) كبير تجار البلد وممثلها في برلمان الحكومة.. تذكر أهله في ديار الشايقية.. مضى زمان دون أن يذكرهم أو يحن إليهم.. أخذته الحياة والآن تأخذ نطفة منه لتزاوجها مع قوم آخرين.. قوم (مرزوق الحلبي).. راح يدندن مع نفسه:
طريت أهلي وبلدنا الداير اموت بي شوقة
واتذكرت لي ايامنا وكتين نسوق البوقة
عبرة شديدة سدت حلقي والعينين تكب سبلوقة
واتأوه واقول يا حليلنا يا حليل البلد والروقة
طافت ذهني صورة أهلنا بي ايدينن المعروقة
والكارديق مع الطورية واللربل مع واسوقة.
جاءه ابنه الأكبر (يحيى) مخاطباً مشفقاً: يا أبوي ما تقوم ترتاح شوية.. انت من أمس ما غمدتا.. رفع رأسه وسأله متجاهلاً جملته:
الفجر باقيلو كم؟ باقي لي أذن؟؟
رد ابنه يحيى: يا أبوي كان أذن كنا سمعناهو..
أجابه وهو يهم بالوقوف: نسمعو كيف مع الغُنى والرقص.. حرّم كان القيامة قامت ما جبنالا خبر. قطع جدالهما صوت المؤذن رافعاً النداء، فأتجه الأب إلى المسجد.. وعاد الابن إلى سمره وندمائه.
بعد اختفاء ابنه (يحيى الصغير) ظل (حمد أبحجل) محتفظاً بكل أشيائه الخاصة في مكانها كما كانت وكأنه ينتظر عودته.كان ينظر إلى (بت رحمة) في صبرا وايمانها بعودة زوجها (يحيى الفلاتي).. يستقي من صلابتها وصبرها، صبره وصلابته.. بعد أن سمع الناس بأمر إقتتال طلاب الجامعة ,هرع (حمد أبحجل) وأصهاره (أولاد الإمام) للبحث عن ابنهم (يحيى) بجامعة الخرطوم.. لم يجدوه بين القتلى، كما أنه أيضاً لم يكن بين المصابين.. كأن الأرض قد انشقت وابتلعته.. اختفاؤه هكذا كان بمثابة إعلان وفاة تم تأجيله لسنوات.. كما أنه كان أمرا أكثر قساوة من الموت.. كان الناس يشفقون عليهما.. فالموت أقله خبر مؤكد.. وحزن ربما يذهبه النسيان.. جرح يداويه الزمن.ظل على أمل رجوع ابنه سنوات.. كان هو و(بت رحمة) شركاء في هم الانتظار.. سألته مرة:ات يا أبحجل.. الجنا سميتو (يحيى) ليش؟ أهو الاسم جبدوا.. وغطس ما قلع زي (يحيى) الكبير..وكما كان من أمر (يحيى الفلاتي) فقد جاء أولاد الحلال أيضاً بأخبار متفرقة عن (يحيى الصغير).. مرة بأميركا.. ومرة بمصر وآخر رآه بجنوب إفريقيا!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
Quote: في زمن (عبود) سنجك بنا.. وفي زمن (نميري) سنجك بنا.. وفي زمن (الأحزاب) مافي شي اتغير.. برضو ياني نفس السنجك البنا.
________________________________________________________________________________________________________________
يا كمااال
تسلم ايدك
بدون مجاملة .. هذه الكتابة هى الكتابة التى تروق الاعصاب
..انا فى غاية الانسجام مع النص.. |
عبدالله الشيخ .. (كاتبي المفضل) ..
شكراً يا صديقي على لطفك ..
بالمناسبة : هاشم كرار قال لي خليت الجريدة لي جريدة تانية ..
طمنا على أخبارك ..
محبتي ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
كانت غريبة الأطوار..
لا تكلم أحدا من أهل الحي.. ولا يكلمها أحد..
تأتي إلى بيوت الأفراح والأتراح.. بصحبة والدته واخته..
لا تغني مع المغنين ولا تنوح مع النائحين..
تكتفي بالفرجة.. والمشاهدة..
تلتزم الصمت.. إلا بعضاً من تحية.. وبعض الكلمات التي لا تعدو إلا أن تكون مجاملة..
كأن لا شيء يعجبها في هذه البلدة وأهلها.. أهل البلدة لا يتمايزون بشيء..
حين تراهم يتبادر إلى ذهنك على الفور أن هؤلاء لا شك بلهاء..
لا تستثني سواه..
ذلك الصبي الفارع القوام.. يبدو لك أنه أكثر نظافة.. جلبابه أبيض ناصع.. وشعره مصفف على غير عادة أهل الحي.. لا تراهم متأنقين إلا في العيدين الكبيرين..
كانت تراه كل يوم على شاطئ البحر (النيل)-كما يصطلحون على تسميته- النيل كلمة لا يستخدمها سوى معلم الجغرافيا بمدرسة البلد. كل أهل البلد يتوجهون إلى النيل عصراً حتى مغيب الشمس..
كان الذهاب إلى النيل غاية ما يجده المرء في هذه البقعة من الأرض من ترفيه..
كانت تراقبه عن كثب.. تراه مختلفاً عن القوم.. نظراته تخلو من بلاهة.. مشيته الواثقة.. هندامه المرتب.
كان الصبية يلتفون حوله، من هم في سنه، ومن هم دونه، ومن يكبرونه.. كان لديها رغبة ملحة في أن تعرف في أن تسأل من هو هذا الصبي؟؟
لكنها كانت تتراجع.. ثم تكتفي بمراقبته خلسة...
عرفت فيما بعد أنه أحد أحفاد كبير حوش (أولاد سالم).. أمه أيضا كانت غريبة عنهم.. ماتت أثناء وضعه.. خرج هو إلى الدنيا وغادرتها هي في ذات الوقت.. كان جده غير راضٍ عن هذه الزيجة.. عانت أمه كثيراً.. رفضهم ومضايقتهم..
تركتها لهم.. وغادرت..
لحق بها زوجها بعد عام، فنشأ الفتى يتيم الأبوين.. يُـدلّلــه جده كثيراً.. عاش معه كل حياته.. لم يعرف أحداً سواه..
كان بينهم كالغريب لا يحفل بحربهم المستمرة مع (أولاد شكرالله)..
لا يزعجه علو كعب (أولاد شكر الله) وغلبتهم على أهله في هذا الصراع.. كغيره من ابناء عمومته.
كان دائماً ما يجاهر بالقول:
إن (أولاد شكر الله) هم أيضا أهلي!
فقد كانت والدة جدهم (سالم الكبير)، شقيقة (شكر الله الكبير).. يجمعهم رحمٌ وتفرقهم مصالح، وأحقاد، وأشياء أخرى لا يعرفها سوى القلة من الطرفين.
قابلها في مشواره اليومي عند شاطئ البحر.. تحادثا بضع دقائق.. بعدها بيومين هزت البلد حادثة القتل، واختفى الصبي.. وهي أيضا لم يرها بعدها أحد!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
كنت أحبهم جميعاً على اختلافهم... الحاج (حسن بن مرزوق الحلبي) التاجر الميسور الحال.. الذي بنى المدارس وشيد المساجد والمستشفيات.. لم يعمل في حياته شرا سوى إنجابه هذين الولدين..
كنت احبهما أيضاً...
(عثمان) الطويل الوسيم المفتول العضلات.. يغطي الشعر الكثيف صدره ويديه القويتين.. شعره أسود ناعم.. بشرته حنطية تميل للبياض.. حينما كان يأتي بيتنا كل يوم تقريباً.. كنت حين أراه كأنني أرى بطلاً من ابطال اليونانيين القدماء.. ثيابه كلها متشابهة.. بنطلون الشارلستون وفانلاته الضيقة التي تبرز عضلاته.. عليها خطوط أفقية لا تختلف إلا في ألوانها.. لا يهمه شيء سوى الخمر والنساء والبانقو..
(نادر) الابن الأصغر.. كان أقل حجماً، أكثر وسامة، وأوفر ذكاء.. هادئ الطباع.. لا يكلمك إلا حين تسأله.. وأحيانا يؤثر الصمت وتجاهل الآخرين.. لا تهمه الخمر.. لا يحفل بالنساء.. لا يتعاطى البانقو.. كل أموال أبيه (الحاج حسن مرزوق) لا تعنيه.. لا يطمع في مليم واحد منها.. ولكنه كان وياللعجب يهوى السرقة.. حيلة ويتلذذ بها.. كانت أقصى أمانيه أن يسرق مالا حرص صاحبه عليه.. كان يعد خطة لا تخطر على بال.. ثم بعد أن تنجح حيلته يفرق المال على أصدقائه.. وإذا قبض عليه لا ينكر ولا يحاول فراراً.. بل يذهب إلى سجنه فرحاً مسروراً.. وما يلبث أن يكمل مدة العقوبة.. حتى يعود مخفوراً بدهشة الجميع.. لأنه سرق بنكاً بعد أن اتصل بالشرطة قبلها محذراً في تحد غريب.. وتنجح خططه الشيطانية رغم علم الشرطة المسبق..
كان عبقرياً..
ثم أنه كان ابن من تستدين منه البنوك..
آخرهم كان خالي (محمود).. لا هو صعلوك كـ (عثمان) ولا هو لص مثل (نادر).. كما أنه لم يكن ثرياً محسناً كأبيهما..
كان صديقاً لثلاثتهم.. رغم تمايزهم وتناقضهم.. وفوق هذا وذاك كان أقوى بنية من (عثمان) وأكثر دهاء من (نادر) ويفوق (الحاج حسن مرزوق) كرماً.. رغم فقره ورقة حاله.
كان حلم حياة (عثمان) أن يموت والده.. ويترك له من المال ما يسمح له بالزواج من صديقته المغنية التي أنجب منها دون زواج. الحياة بالنسبة له.. خمر ونساء.. فاليوم خمر.. والغد خمر.. ولا أمر..
لا يريد قصوراً ولا ثواباً.. فهذا هو خير الدنيا ومافيها..
ركبا القطار الذي يتجه إلى عطبرة.. كان (عثمان) وكعادته يحمل قطعة من (البانغو) الذي لا يفارقه.. أخرجها في القطار وما كاد يشعلها حتى داهمته شرطة السكك الحديدية.. وجد خالي (محمود) نفسه في مأزق.. فلو علم (الحاج حسن مرزوق) لتبرأ منه.. وكعادته اتخذ قراره ونفذه..
بعد أيام عاد (عثمان) وحده ليخبر( جدتي) أن خالي (محمود)حكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر.. في سجن (الدامر) بعد أن اعترف بأنه صاحب قطعة البانغو.. ولكنه ارسل معه ثلاثة آلاف تكفيهم حتى عودته..
حقيقة الأمر أنها حينها كانت تكفيهم عاماً كاملاً..
ثلاثة أشهر بيتنا دون خالي (محمود).. لا يتخيله أحد.. لا أستطيع وصفه..
كرسيه أمام الباب عند المغرب.. الراديو تحته على الأرض.. يسلم عليه المارة.. فيرد بصوت عالٍ كأنه يتحداهم..
ننام دون أن نسمعه مع أمي.. وخالاتي يحكي لهن النكات.. يروي حكاياته مع البوليس في السينما ودار الرياضة حين يضربونه بالسياط.. لأنه كعادته لم يكن مضطراً لدفع القرشين ثمن التذكرة..
بعد عودته من الدامر أصر على أن يسافر خارج السودان..
ذهب إلى (اليونان).. ثم إلى (ليبيا) فكانت البداية..
ظل على سفر متواصل حتى جاءوا به يوماً من (السعودية) على فراش، لا يتكلم.. لا يتحرك.. على وجهه اصفرار غريب.
صحوت ذات يوم وبيتنا يمور بالنائحين والنائحات.. وبعدها لم أر خالي (محمود) مرة أخرى قط.. علمت فيما بعد أنه مات ودفن..
صدقتهم وما صدقتهم.. فحينها لم أكن أعرف معنى للموت..
ذات ليلة سألت جدتي آناء الليل: ماذا يعني أن نموت..
أجابتني: نوم قبال أجيك اكتلك وارتاح منك..
نمت.. ولكني فهمت وما فهمت.. كنت أراه وأنا في طريقي للمدرسة.. ثم مع المارة في السوق الكبير.. أظل متيقظاً.. كلما مررت بالسوق الكبير.. أكاد أجزم انني رأيته مرات.. ومرات.. ظللت على حالتي هذه..
حتى تزوجت زوجته بآخر..مات (الحاج حسن مرزوق).. رأيته قبلها يبكي خالي (محمود).. ينتحب كما تنتحب النساء.. مات في نفس العام..بلغ (عثمان) نبأ وفاته.. قاد سيارته مسرعاً.. حتى يبشر صديقته المغنية.. فقد تحقق المراد وأصاب ثروة كبيرة.. لكنه لم يصل إليها.. اصطدمت سيارته بعمود الكهرباء ووقع عليه.. احترقت سيارته وهو بداخلها.. تفحمت جثته.. مات ومازالت الفتيات يغنين:
(نادو لي عثمان الليلة نادو لي )..
كما كانت تغني له صاحبته وتجاهر بحبه , الحقيقة أن أغلب فتيات البلد كن مغرمات به .
مات (الحاج حسن مرزوق) و(خالي محمود).. و(عثمان).. لم يتبق سوى ذكرياتي هذه التي يلفها الضباب.. وتظللها براءة طفل محب.. و (نادر) الذي يقبع في أحد سجون بورسودان.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
ضاقت بهم قاعة المحكمة.. جاءوا من كل حدب وصوب، ليشهدوا بدء جلسات محاكمة القاتل (أولاد شكر الله) لم يحضر منهم أحد.. كل الحضور كانوا من أهل القتيل، وبقية أهل البلد.. وجمهرة من الفضوليين.. ما ان تهيأ القاضي لبدء الجلسة حتى دخل عليه جدي مقاطعاً:
لو تسمح يا مولانا.. عندي كلمة..
رد القاضي مستغرباً:
نحن لسا ما بدينا.. حا نديك فرصة.. لما نبدأ في سماع الشهود..
أجابه جدي:
شهود شنو يا مولانا.. إحنا عندنا كلمة واحدة.. وبعدها مانا جايين محكمتك دي..
أجابه القاضي:
طيب اتفضل.. عاوز تقول شنو
رد جدي:
الزول ده ان اعدمتو ميت.. وان تركتوا ميت.. معاكم سلامة..
ثم غادر قاعة المحكمة.. وتبعه بعض أهل البلد!
اجتمع أهل البلد في بيت جدي.. يتشاورون حول أمر محكمة الفتى، (أولاد سالم) ارسلوا (مرزوق الحلبي) لينقل وجهة نظرهم للجمع.. أما بقية أهل البلد فقد انقسموا بين مصدق لزعم الفتى بأنه بريء من دم الشيخ.. وانه هرب ليلتها قبل شروق الشمس قاصداً أهل أمه في بحري.. وبين مكذب لها ومؤيد لاتهامه بتلك الفعلة النكراء.
(مرزوق) قام مخاطباً الجمع:
يا ناس البلد (أولاد سالم) قالوا مستعدين لكل طلباتكم إن درتوا الدية.. حلال (أولاد سالم) كتير.. وان درتوا الدم بالدم.. الولييد ياهو مرمي في المركز..
وقف جدي ثائراً في وجهه:
هوي يا الحلبي الشوم.. دية شنو.. البقبلوها (أولاد شكر الله).. وحلال (أولاد سالم) ده ما ياهو..
عطايانا ومنحنا.. والوليد براهو ما بشيلا.. دي ما فعلة وليدات.. الجنا مكري.. أمش لي (أولاد سالم) قول ليهم قدامكم سبوع.. تخلو أرض (شكر الله) بالكامل ترجعوا غرب البحر محل ما جيتو..
رد عليه (مرزوق): ده كلام شنو ده.. الناس ماهم ناسك الأمس.. الناس بقوا قبيلة تسد عين الشمس يرحلوا كيف؟!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
 مرزوق الحلبي) حلاّل المشاكل وزعيم أجاويد البلد.. والله عشنا وشفنا حلاق الحمير(الحلبي نافخ الكير) بتزعم البلد.. و(أولاد شكر الله) يقصدوه في الملمات.. وبرسلوا ليهو كروت في الأفراح)..
هكذا استهل (ودمنصور) حديثه معهم.. كان كعادته يرمي بكلماته هكذا.. دون أن يفكر، ودون أن يأبه لمحدثه.. ثم ينصرف دون أن ينتظر رداً!.
كان (مرزوق الحلبي ) و(حمدأبحجل) و(عمر ابن يحيى الفلاتي) يجلسون أمام ديوان (مرزوق الحلبي) الكبير الذي بناه لاستقبال الضيوف واكرام عابري السبيل.. كما كان يستخدمه لإدارة شؤون تجارته التي توسعت وبهائمه التي صارت تفوق ما امتلكه (شكر الله الكبير).
(حمدأبحجل) لم يفلح في شيء، سوى أنه تزوج من ابنة (أولاد الإمام) وصارت له دار كبيرة وأرض يزرعها كل عام إلا انه لم يترك مهنته كبناء حتى وهو في تلك السن فقد ورثها عنه ابناؤه بشيء من مجاراة ما أصاب البلد من نعمة.. فقد تحولوا من بناء الطوب اللبن الى بناء الطوب الأحمر والأسمنت.
كان (أولاد شكر الله) دائماً ما يصرون على دفن موتاهم ومن هم من نسل (شكر الله الكبير) أمام ضريحه.. ويتعصبون لذلك الأمر حتى أن بلغ بهم الأمر إلى تحديد منطقة فاصلة بين الأماكن المخصصة لهم.. والأماكن المسموح بها لبقية أهل البلد وكان أن عينوا لذلك الأمر أحد أحفاد الذين يسكنون بالقرب من الضريح، فكان كلما سمع عن وفاة أحدهم يجيء لتوجيه مكان الحفر حسب قبيلة المتوفى.. وبذلك فاقت عصيبتهم كل تصور.. ويوم اكتشاف جثة امرأة (ود منصور) لم يزعجهم أمر مقتلها على يد زوجها ودفنه لها بكامل ثيابها على عمق ذراعين أو أقل، حتى نبشتها الكلاب الضالة التي كانت تتخذ من الضريح مأوى لها.. بقدر ما هالهم أن (ود منصور) دفن امرأة غريبة عنهم بالقرب من مثوى جدهم (المقدس). كان (ود منصور) ينتسب لشكر الله الكبير.. من جهة أمه فقط.. وهذه القرابة في عرفهم (لحمة مرة) أي انها ليست بالقرابة التي يتوجب عليهم حسبانه من (آل شكر الله). جثتها المتحللة لم تشفع لها.. اخذوا رفاتها لتدفن من جديد في أطراف المقبرة.
أعيان البلد الجدد (مرزوق وحمد أبحجل وعمر ابن يحيى الفلاتي) يجتمعون كل ليلة للتشاور حول أمر البلد، اكثر ما يقلقهم هو بيع أهل البلد أراضيهم لغرباء يأتون من كل مكان.. كانت كل بيوت البلد محاذية للنيل، ما عدا ذلك عبارة عن أرض فضاء.. كانت بمثابة مراع اثناء فصل الخريف.. الآن هذه الأرض الفضاء اصبحت عالماً جديداً. امتدت البلد حت صار أهلها غرباء فيها، بعد أن كانوا بضعة حيشان.. كل عائلة لها حوش يعرف باسم جدهم الكبير، كبر سوق البلد.. أقام بعض الغرباء مصانع ومزارع في ذلك الفضاء الذي كان يعرف بالخلاء..بعد غياب (يحيى الفلاتي) وتواتر انباء عن وفاته في رحلته لأداء فريضة الحج أخذ ابنه (عمر) مكانه بين أعيان البلد، ليكمل الضلع الثالث الذي افتقده (مرزوق) و(حمد أبحجل).. إلا أنه لم يكن كأبيه.. كان يفوق الرجلين علماً ومعرفة.. ثم أنه كان قوياً بمعاضدة أخواله له.المعجزات لا تحدث إلا في الماضي.. هي بضع حكايا.. اسمعها من جدي وجدتي.. وزمرة من أهل البلد.. كل معجزة دائماً ما يسبقها «عندما كان» أو «حين كنا».. لماذا لم ندرك هذا الزمان.. (زمان المعجزات).. فنحن أحوج إليها من أهل ذلك الزمان.. حتى حكاياهم عن الفروسية والنبل.. ايضا تنتمي الى ذلك الماضي..
فررت من جدي في ذلك الصبح سئمت حكاياه.. فررت وتطاردني أشباح أولئك القوم.(مرزوق الحلبي) و(حمدأبحجل) و(يحيى الفلاتي) وبقية أهل ذلك الزمان، الذي صرت انتمي له أكثر من انتمائي للحاضر..هومت روحي بين أرواحهم.. أردت أن أكون أحدهم.. حاولت أن أكون (مرزوق) ولم أفلح.. كما أنني لم أقبل بأن أكون (يحيى) وما رضيت.. بكوني (حمد أبحجل) فشلت حتى في أن أكون كخالي (محمود) رغم حبي له.. اليوم أدركت أن الإنسان لا يستطيع إلا أن يكون نفسه فقط!
روى لي جدي أنه وبعد سقوط نظام الفريق عبود تم إلقاء القبض على قتلة الشيخ.. كانوا ثلاثة اعترفوا بأنهم فعلوها بإيعاز من خال ابنيه.. لم يكن الابن بعيداً عن الشبهات.. فقد كانت كراهيته لأبيه، لا تخفى على أحد.. صارت لدي قناعة تامة أن الابن هو قاتل ابيه.. أو على الأقل تواطأ على قتله..حكايا جدي كانت هي كل مرجع لي في حياتي , حينما يروي أحدهم إحدي الروايات التي سمعتها من جدي.. وتختلف الروايتين.. لا تهتز قناعتي بصدق روايته.. وأظل أزعم أنهم لا يعرفون شيئاً.. فجدي دائماً على حق!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
مررت أمام منزلهم في حي السوق.. موضع جلوس ابيهم (الحاج حسن مرزوق).. ثم موضع جلستهم تلك التي كان يتوق لها كل ابناء البلد, كان (نادر) و(عثمان) و(خالي محمود) يقبلون على الحياة, لا يحفلون بشيء.. كان كل ابناء البلد يتوقون لصحبتهم.. ومجالستهم.. ومشاركتهم مغامراتهم تلك.. لم أر البلد جميلة مفعمة بالحياة مذ رحلوا..
قطعت تلك الامتار التي تفصلني عن بيت (الحاج حسن مرزوق) وأنا أنظر صوب موضعهم الذي كان.. فكأني بهم هناك.. يتآمرون على أحد.. أو يتفقون على إقامة إحدى حفلاتهم التي كانوا يقيمونها بين الفينة والفينة.. كانوا يفعلون كل شيء على عجل.. فكأني بهم يسابقون الموت.. دفعت باب السنط القديم ودلفت الى باحة البيت المهجور.. انقبض قلبي وأنا اتجول ببصري حول المكان.
هنا روى لي (الحاج حسن مرزوق) حادثة مقتل الشيخ.. هنا ابتدأت حيرتي حين رحت أقارن بين روايته تلك ورواية جدي.. حادثة قتل الشيخ كالحقيقة لها ألف وجه.. ووجه.
(عثمان) كان دائماً ما يطالب أبيه (الحاج حسن مرزوق) بالانتقال إلى منطقة أخرى قامت فيها عمارات شاهقة ومساكن كالتي كان يراها في أوروبا..(الحاج حسن مرزوق) كان يصر على الرفض.. كان يقول: إن هذا الحي هو هويتي.. هو حياتي، هو أنا.. هنا كل عمري الذي ضاع، والذي سيأتي.. هنا أمكم وهنا ولدتم وهنا سأموت.كان جدي له موقف مشابه ربما لأن أبناء ذلك الجيل جميعهم متشابهون.. كانوا كلهم يساريين حين كان اليسار في عنفوانه.. ثم تحولوا عنه حين انكساره.. ثم أصبحوا يمينيين جميعهم حين غلب اليمين.. كان جدي ينزعج حين أصارحه برأيي هذا.. كان يعترض ويغضب.. غضبه هذا لم يغير قناعاتي بصحة ما أزعم!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
حيرتي بين محبتي لخالي (محمود) و(عثمان) و(نادر) وابيهما (الحاج حسن مرزوق).. كحيرتي في أمر (حمد أبحجل) و(يحيى الفلاتي) و(مرزوق الحلبي).. (مروزق) و(حمد) و(يحيى).. كرههم من كرههم على خلفية أصلهم ونسبهم وغربتهم عن المكان.. و(عثمان) و(نادر) وخالي (محمود).. احببتهم معتمداً على ذاكرة طفل.. كان قريباً منهم.. رغم فظاعة ما كانوا يقومون به من أعمال.. (الحاج حسن مرزوق) أحببته حين غلبت على انسانيتي.. وفطرتي التي تحب كل خير وكل جميل.. لكن ترى هل من العدل ان أكره أن اكون أحد أولئك الثلاثة.. (حمد) أو (يحيى) أو (مرزوق)؟.. رغم نبل أخلاقهم..وأتمنى أن أكون.. أحد الذين احببتهم رغم علمي بأنهم ليسوا أنداداً لهؤلاء الرجال.. ثمة أمر لم استطع فهمه.. ربما فهمته فيما بعد حين سافرت ورأيت بلاداً غير البلاد.. وأقواماً غير القوم.. إلا انني رأيت أمر (يحيى الفلاتي) و(حمد أبحجل ) و(مرزوق الحلبي ) يتكرر في كل مكان وزمان.
سيرة أولاد شكرالله وعنادهم وعصبيتهم , لم تكن وليدة لحظات .. ولم يبدل حالهم الزمان ...
ظل أولاد (شكر الله) على عصبيتهم.. ورفضوا كل تسوية عرضت عليهم.. كانت مطالبهم واضحة.. كل شيء أو لا شيء.. فاغترفوا من اللاشيء كؤوساً.. تسربت أراضيهم من بين أيديهم.. كل يوم يفقدون آلاف الأفدنة.. بعض أصهارهم وانسابهم قبلوا بعض ما منحوا.. واخذوها بوصفهم بعض ورثة (شكر الله الكبير).. و(أولاد شكر الله) والحكومة أيضا تصرفت في الكثير من أراضيهم بينما ظلوا على عنادهم يحلمون بعودة الذي ضاع من عز الأمس وملك الآباء.
(جدي) وهو يدعوني للرحيل أخبرني بأن هناك الكثير مما يجب علي رؤيته.. فلا أسجن نفسي بين أطلال ماض لم يكن لي منه نصيب.. سوى بضعة حكايات.ذهبت.. وفي نفس شيء من الخوف أن يتكرر معي ما حدث مع (خالي محمود) الذي أحببته.. وأحببت أن أكون مثله.. لكنني أحببت الحياة أيضا!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
عادته التي ظل يحافظ عليها لسنوات.. لم يستطع التخلي عنها.. كان يداوم على زيارة أهله في جزيرة(توتي) مساء كل خميس.. يشرب خمرهم ويحضر احتفالاتهم ويستمتع بطربهم وغنائهم، ثم يبات ليلته هناك وسط حفاوتهم وتقديرهم، محاطاً برعايتهم وحبهم وكرمهم.جاءه زمان صارت كل عاداته مرهقة ومكلفة.. في الماضي كان لا يهتم، فالمال كثير.. والأراضي مخضرة واسعة.. وعبيده يقومون بكل شيء.. لم يكن غير خازن للمال بعد الحصاد.. ومسرف في صرفه وتبذيره.. لم يعرف معنى العمل.. كانت مهنته ومصدر رزقه أنه (كبير أولاد شكر الله)!
في خضم حيرته، وبؤسه جاءه الخواجة (ديمتري)، كان ديمتري يونانياً متسودنا، ولد وعاش عمره المديد الذي ناهز السبعين بشجرة (محو بك) جنوب الخرطوم، كان يتمنى أن يمتلك أرضاً، فقد كان رغم ثرائه وثروته الكبيرة التي جناها من بيع الخمور لا يجد من يبيعه أرضاً، فقد كان القوم يرفضون بيعه لأنه خواجة، وأعرافهم تقضي أن الخواجة إذا اشترى أرضاً فقد أهانهم وقلل من شأنهم.جاءه (ديمتري) قائلاً: انتي ما عندك فلوس ليه ما تجيني أنا، أنا برضو صاحبك!..رد خجلاً: يا خواجة ات ما بتقصر، لكن والله خجلتنا بي كرمك.
لما حار به دليله، عاد يفكر ماذا لو باع بضعة أفدنة للخواجة (ديمتري).. بضعة أفدنة ليس إلا، يعود بعدها إلى سابق عهده، ولو لبضعة أيام، لماذا يخشى الناس وحديثهم عن بيعه أرضه، ثم ماذا فعل له الناس، اصدقاؤه من المنتفعين انفضوا عنه جميعهم حتى أهله الاقربون لم يعودوا كما كانوا يجلونه ويحترمونه ويخشون غضبته!حزم أمره وعزم على بيع قطعة صغيرة من أرضه الواسعة للخواجة، يفك بها حصار حاجته إلى حين ذهب ووجه عابس، وقلبه منقبض، لكن حاجته للمال كانت أكبر عبوس وجهه وانقباضة قلبه!
نادى على الخواجة والدنيا تغرق في الظلام، وأرضه الواسعة من حوله، إرثه وعز أهله، لم تكن سوى قطعة من هذا الظلام:تعال يا خواجة بعنالك الأرض! تهللت أسارير (ديمتري) وصرخ دون وعي: مش حاتندمي يا زول، حا تديني كم فدان؟؟أشاح بوجهه عنه وقال:جيب ستة جنيه وأخد الأرض وبلاش كلام كتير!!أجابه (ديمتري): لكن مساحة لازم يكون معروف تعالي حددي! أطرق قليلاً ثم رفع رأسه إلى السماء وأشار إلى نجمي (الريا) و(الثريا) كانت المسافة بينهما في السماء هي مقدار ما بين سبابته وابهامه ثم قال: أرضك يا خواجة من: (الريا لي أب تريا) جيب القريشات خلنا نغور نشوف مصالحنا..أخرج الخواجة ستة جنيهات فضية، وعدها ووضعها بين كفيه..أخذها ومضى وبدأت رحلة الأرض المعلقة بين (الريا والثريا) وعرفت هذه القطعة من أرضه باسم (المعلقة).أخذ الجنيهات الستة، وقلبه يكاد يتمزق، عبر (النهر) إلى توتي انفقها جميعها على الخمر!
عاد صباح اليوم التالي وجيبه خال وقد أضاع جزءا عزيزاً من أرضه!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
تلك الجبال التي يكسوها لون رمادي، كنا نحسبها نهاية العالم، هنالك خلف النهر وتلك الأرض الفضاء الواسعة، كنا نظن أن ( الله) هناك، يدير الكون من ورائها، وان من يقربها لا يعود.. حتى الموتى كنا نظن ان مآلهم إليها، يحيون حياتهم الأخرى هنالك، حيث يأتلف كل تضاد، كل الأحياء تحيا هنالك، دون حاجة إلى صراع.هنالك لا أحقاد، لا ثارات، لا يبغضن أحدهم سوى ذكريات حياته الدنيا، ودنيا عاشها حسب تصاريف الأقدار، تخيلتهما هناك، التقيا هي وقاتلها، ربما فرحت حين لحق بها إلى ما وراء الجبل بسرعة لم تتوقعها، سعدت حين علمت أنه قتلها ثم انتحر، قتلها ولم يستطع تخيل
العالم دونها، فلحق بها ليلتقيا هناك، وتعود جذوة المحبة تستعر كأن شيئا لم يكن، هنالك لا شيء سوى المحبة، لذلك هنالك حرية مطلقة ولا وجود لسلطان القضاء والقدر، أجزم أن القضاء والقدر كانا هنالك في تلك الدنيا تبعاً للكراهية، حتى اللون الأسود الذي لا وجود له هناك خلف الجبل، كان يستقي ظلامه من الكراهية.
كل شيء بينهما كان مستحيلاً، كانا ضدين في كل شيء كان يحلم بها امرأة كاملة وكانت تحلم هي بأن تكون لا شيء، يبدو أنها كانت تستمتع بكونها لا شيء أو ربما كان كماله هذا أقل من اللاشيء- على الأقل بنظرها هي - أحيانا كان يبرر عطاءه هذا بأنه كان على قدر حبه وأنه أيضا يملك هذا العطاء كما يملك ذلك القلب الذي أحبها، تمناها هنالك خلف ذلك الجبل حيث كل شيء واضح لا كذب ولا نفاق، هنالك حيث الحقيقة المجردة، حيث الألوان الناصعة، حتى السواد هنالك يعز حين تخلطه بالأبيض على أن يكون لوناً رمادياً، رمادية الأشياء هذه هي التي جعلته يعشق ما خلف الجبل، جبل الحقيقة المجردة.
هنالك لا تمازج إلا بين القاتل والقاتل والقتيل والقتيل، قاتل كبير (أولاد شكر الله) يمتزجان مع (ودمنصور) الذي قتل زوجته ليكونا شيطان ذلك المكان.. وكبير( أولاد شكر الله) وزوجة ودمنصور أيضا يشكلون شخصاً واحداً، مخلوقاً لا هو برجل ولا هو بامرأة، لا هو شاب وما هو بشيخ إنما مخلوق كان ضحية مشاعر متقاربة لا تختلط إلا في تلك الحياة السابقة، محبة ودمنصور لزوجته التي أودت بحياتها وبغض قاتل كبير( أولاد شكر الله) لضحيته ، المحبة والكراهية أديتا إلى نتيجة واحدة لا يحدث هذا إلا في تلك الحياة التي لا شيء فيها بوضوح ما هو خلف ذلك الجبل.
حتى محبتي لخالي (محمود )والحاج (حسن مرزوق) وابنيه( عثمان) و(نادر) لم تكن لتتفتح معالمها إلا خلف ذلك الجبل، هنالك أحببت الحاج (حسن مرزوق) فقط وأدركت أنني أحببت خالي (محمود) و(عثمان) و(نادر) لكون الأول خالي والآخرين هما ما يمثلان بعضا منه ومني وبعضا من الشر الذي تمنيت أن أكون عليه ولم أستطع، حتى حكامنا الظالمون الذين قرأت عنهم وشهدت ظلمهم وبعض عدلهم، لم أميز ما بين الاسطورة والحقيقة في سيرهم إلا خلف ذلك الجبل، أشفقت على بعضهم حين رأيتهم في ذل الرعية، وإلا أنني لم أخف سعادتي حين رأيت بعضهم يدفعون ثمن ما اقترفت أياديهم رغم أن هذا الإحساس بالشماتة لا يشبه ذلك المكان، كنت أمني نفسي برؤية (مرزوق الحلبي) و(يحيى الفلاتي) و(حمد أبحجل) و(شكر الله الكبير) خلف ذلك الجبل، حيث لا تعالي ولا علو لبشر على بشر، حلمت بأن تتحول هذه الحياة من خلف الجبل إلى تلك الدنيا التي نعيشها إلا أنني أعلم أنه لولا قبح تلك الحياة لما كان جمال ما خلف هذا الجبل.
كان (ودمنصور) يخشى على هذا الحب الذي يحمله لها، لم يخش عليه من نفسه، بل لم يخش عليه من كل الورى مهما قسوا كان بين أضلعه وهي معه، كان غنياً بها وكانت ترى به ولم تعلم، ما ضيع النفائس سوى حماقات أهلها، وعليها لم يخش سواها ,بعد أن قتلها، تمنى أنه لو أوقف عقارب الساعات بين ذاك الفم والنهد الذي لا صنو يدنوه جمالا واستدارة، فما بين فخذيها يهون العمر وتحترق الحياة كلفافة تبغ بين كفي مراهق، كل ما تمناه بأحلامه كان قليلا، كم أحس بعدها بأن الموت جميل، بين عينيها كانت الدنيا ترقص فرحاً كانت أحلامه وأوهامه، أحس أنه لم يذق طعم النساء، قبلها وبعدها ,كان يحلم دائماً أن تكون امرأة كغيرها من النساء تتلاشى بين فخذيها وذكره كل محبة حملها لها ولكل النساء، تمنى أن تكون امرأة فقط، حين يذكرها لا يذكر سوى ساعة من المتعة، لكنها أرهقته حباً فقتلها , ودفنها هنالك عند ضريح (شكر الله الكبير).
(ود منصور) كان بعضاً منا جميعاً، أحيانا أشعر أنني يجب أن أقتل كل من أحببتهم، ربما كان هذا الشعور غريزة إنسانية عصية على البوح فبكل حب هنالك شرارة تستطيع أن تدمر الكون بأكمله، و(ود منصور) كان ينظر إليّ وأنا بين يدي جدي (صغيراً) ويربت على رأسي دون غيري من الأطفال، علمت فيما بعد أنه علم أنني دون أهل الأرض جميعا سأتفهم دافعه لقتلها، وقد كان , أنا فقط من حكم ببراءته..!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: عبد الله الشيخ)
|
Quote: يا كمال ...
هاشم كرار ترك السودان كلو للكيزان
وجاء يعاتبنى عشان مشيت من جريدة
لجريدة !
داخل دولة المشروع الحضارى .. وحين استراح فى اليوم السابع
خطف معه كل الذين يمكن ان استأنس بهم ..
وآخرهم نجيب نور الدين !
انا انتقلت من اجراس الحرية الى الاخبار..
|
عبدالله الشيخ .. (نجيب) قال مازول قعدة , قلنا ليهو أصلو (العشرة سنين ) الأولى ياها كده , ..
هاشم كرار .. ركب طقم سنون جديد لكن لسا ماعرف درب (الصبغة) ,..
والحال ياهو كلو شكلو كده ,..
(الأخبار) دي لسا ماسمعنا بيها ,
لكنها ولدت بأسنانها على مايبدو , فأقلامك أنتا وأمثالك هي التي تصنع الصحيفة الناجحة , ..
محبتي ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: احمد العربي)
|
Quote: هي الرؤيه
والنظر الى ما بعد
الغوص في السطور
كويس اني فترتك بلوحتي المكعوجه دي
لانو كتابتك السمحه دي
وسحر ما بين سطورها جعلني جالسا هنا
وانتظر ما هو ات في تلهف مع
الاجتهاد لى الوصول لدلالات الما وراء
كتابه ممتعه
هذا العمل منحوته
قمت بتصويرها باسقاط ضوء بدرجه مقصوده
وزاويه معينه حتى اتحصل على هذه النتيجه
وعلى الذكر هي لوحة الغلاف اقصد العمل الاصلي
لروايه لطه جعفر الخليفه
وده عمل مولد من تلك المنحوته
والتي سماها طه جعفر بفركا
|
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: العوض المسلمي)
|
(*)
العوض أخوي.. سلامات يابا وكيفنك ..
كل سنة وإنتا طيب ..
شنو ياخوي آخر (وجاهات) في صور اللإطار..
بعدين (العمة) و(الجلابية) ديل ما تخلوهم لي ناس (أب كرشة) بتاع الرياض ,..
و(أب كرشة) بتاع الشارقة ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
(بعاصمة إمبراطورية (شكر الله الكبير) ,الحقيقة كانت أبعد مما تصوره (مرزوق الحلبي) أحكم الحكماء الثلاثة , ..جرى دمهم على بلاط قصورهم , دون أن يجف ..لم يحفل بأمر موتهم كثيراً , ..
جلس على عرشه يراقب السماء , لم تكن حينها قد أزرقت بعد , ..كان لونها أحمراً , الدماء هي التي كانت زرقاء , ظل يراقب السماء من خلال سقف بلاطه الزجاجي , ..ثم راقب قمراً صناعياً كان قد أرسله قبل عام لمراقبة أعداءه , ..أظنه كان يستهدف كوكب (آشوتس) , الذي كان حاكمه يطمع ( بنهر النيل) ,وكان يدرس كيفية نقله إلى كوكبه (آشوتس) .
(شكر الله الكبير) أيضاً كان يطمع بالسيطرة على (الكواكب السبعة) , التي كانت تحيط بالأرض , كان شعبه قادر على صنع كل شئ , كانت (المركبات) التي تنقلهم بين نواحي الإمبراطورية , تعمل بلا وقود , وكانت تعمل بالأوامر الصوتية , كان كل شئ بإمبراطوريته يوحي بأنهم أقوياء , حتى أنهم علمو بعض (الغيب)
يقال أن (شكر الله الكبير) قد ترك رسائل خطية إلى (أرسطوطاليس) و(سقراط) ,وجدت بعد قرون وكأنه يعلم أنهم لا شك سيولدون,كانت الرسائل تحمل عناوينهم , وأسماءهم. !!
(*)
(أنا من وهبهم الحياة ..وأنا من أخذها)
هكذا صرخ (شكر الله الكبير) وهو يقف على مقربة من جثث قتلاه , ..كانت دماءهم الزرقاء تغطي أرض بلاطه , عاد وجلس على عرشه , نظر إليهم بتشفي , كانت والدته التي تتوسط جثتها , جثث القتلى , تنظر إليه كانت تحدثه قائلة : لماذا قتلتني يابني ؟(فقدكانت الجثث تتحدث في ذلك العصر)
يرد عليها مكرراً قولته :
أنا من وهبكم الحياة , وأنا الذي أخذت ما وهبت ,..!!
كان ذلك الزمان كل شئ فيه متطور وكل مستحيل به جائز , ..
(الولد يستطيع أن يولد من رحم الغيب , ثم بعدها يعود لإختيار والديه ) ..!!
كان (نهر النيل) يجرى من منبعه بالقمر , ..
كان جريانه من أعلى إلى أسفل , ..
تصب مياهه جنوب إمبراطورية (شكر الله الكبير) , تدق الأرض مخلفة حفراً عميقاُ , ..
ثم ماتلبث أن تجري على الأرض ناحية الشمال , ..
لتستقبلها قنوات وسدود , ومجاري بين حدائق قطفت أشجارها , من مكان ما , ..
قال أحدهم عنها :
أن (شكر الله الكبير) قد غافل كبير آلهة إمبراطوريته وأرسل إلى الجنة أحد قواده ليقطف هذه الشجيرات , ..
فلما علم كبير آلهته , حاول رشوته لكنه رفض , ..
فقتله وأعطى موقعه لإله آخر , لم يكن سوى (ملاكا) بائساً في ما مضى , ..
وحتى الذي نقل هذه الرواية , والذي أشارت إليه نقوشهم التأريخية بكلمة (أحدهم) , ..
كان قد قتل على أيدى جنود (شكرالله الكبير) , ..
لكنه ظل يتمسك بكلمة أحدهم , مخافة أن يلحق به بطش (شكر الله الكبير) , ..
حتى ماوراء (الموت ) ..!!
(عدل بواسطة كمال علي الزين on 10-07-2008, 10:57 AM)
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: rosemen osman)
|
Quote: سلام يا زول يا أبيض
وبلغ تحياتى لنادر النساى على طريقته |
الرائعة / روزمين
نادر وأخواله (عادل) و(كمال) من أكثر متابعيك وأشد معجبيك ..
وقبلهم أنا ..
فواصلي سبر أغوار الجمال والحديث الطلي والحرف الراقي ..
شكراً ياستي على لطفك ..
محبتي ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
رأي (شكرالله الكبير) بمنامه (يوسف) وهو يحلم , ..
رأى (يوسف) حين حلم (بكواكبه) لكنه لم يتبين لها عدداً , ..
أراد أن يشارك (يوسف) حلمه , ليعد معه (كم كوكباً رأى) , ..
لم يستطع مشاركته (حلمه) , ..
لكنه يستطيع مشاركته (ملكه) , ..
علم بعدها أن (ملك يوسف) هو (حلمه) , ..
وأن (يوسف) أوسع سلطاناً منه , ..
لأنه يستطيع أن (يحلم) ..!!
سأل كهنته في حيرة , ..
أيهما سبق الآخر إلى الوجود , (الخير أم الشر) ..؟
زعر كهنته وأسودت ألوانهم وقال كبيرهم :
الحق لم يسبق الباطل إلى الوجود , ..
قال (شكرالله الكبير) :
ما أجبتني ..؟
وما عن هذا سألت , ..
قاطعه صوت نفسه إلى نفسه :
أنت سبقت والديك إلى الوجود , وأنت ترشو الإله , ..
فما الحق والباطل , ..
وما الخير والشر , ..
إضرب أعداءك , فأنت لا شك ظاهر عليهم , ..
ما دمت تضمن أن (الإله) سيغض البصر عن أفعالك ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
Quote: بعاصمة إمبراطورية (شكر الله الكبير) ,الحقيقة هنالك , كانت أبعد مما تصوره (صولون) أحكم الحكماء السبعة , ..جرى دمهم على بلاط قصورهم , دون أن يجف ..لم يحفل بأمر موتهم كثيراً , ..
جلس على عرشه يراقب السماء , لم تكن حينها قد أزرقت بعد , ..كان لونها أحمراً , الدماء هي التي كانت زرقاء , ظل يراقب السماء من خلال سقف بلاطه الزجاجي , ..ثم راقب قمراً صناعياً كان قد أرسله قبل عام لمراقبة أعداءه , ..أظنه كان يستهدف كوكب (آشوتس) , الذي كان حاكمه يطمع ( بنهر النيل) ,وكان يدرس كيفية نقله إلى كوكبه (آشوتس) . |
وحات الله إنت ما براك؟
ياخ أنا قريت البرقراف ده عشره مرات ولسه داير أقراه تاني
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: ممدوح أبارو)
|
Quote: وحات الله إنت ما براك؟
ياخ أنا قريت البرقراف ده عشره مرات ولسه داير أقراه تاني
|
ممدوح .. كيفك ياصديقي ..
والله براي .. وما معاي زول (وحيد وكده) ..
أقرأ ورايك مهم جداً ..
محبتي ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
نفض الغبار عن بعض الحجارة التي برزت من تحت سكينه الصغير , ..
كان عليها بضع رسومات , ألوانها تنقسم بين (الأزرق والأحمر) , ..
ما أن بدأت (تلوح ) له من تحت الرمل , حتى صارت يداه تتحركان بسرعة أكبر , ...
فقد كاد الفضول يقتله , قبل أن يرى ماتحت الرمل من رسومات , ..
بدأت الرسومات تتضح , ..
ظهر له وجه رجل ملتحي ثم فمه وأسنانه , ..
و..
فجأة رمي بأدواته وولى هارباً , ..
فقد كان الوجه الذي بدا له رسماً,
يغلق فمه ويفتحه متبسماً , ..!!
ذهب عالم الآثار الألماني (غوتنبرغ) ولم يعد , ..
كان يجزم أنه رأى رسماً أثرياً , لكنه من شحم ولحم ودم , ..
وأبتسم له , إبتسامة لا شك أنها حقيقية , ..
وربما تفل على يديه حين أراد التخلص من الرمل العالق على وجهه لقرون , ..
كلما يتذكر ذلك الرسم , وتلك اللحظات , ..
ينصح الناس بعدم الذهاب إلى موقع قصر(شكر الله الكبير) القديم, ..
فهنالك أرض ملعونة , لا تجف على ثراها الدماء , ..
وحدثت بها مذابح على مدار التأريخ , ..
ولا شك سيتكرر الأمر ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
(*)
أحلام الطغاة كلها متشابهة , ونهاياتهم أيضاً , ..
(الإسكندر الأكبر) , حتى (نابليون) و(هتلر) , ..
ومن قبلهم (شكرالله الكبير) , ..
يستعرض الطاغية قواه , ..
ثم يحلم بالسيادة على العالم الذي يعرفه , ..
فكل طاغية كان عالمه تختلف حدوده عن عالم الطاغية الذي يليه , ..
طموحات الطواغيت يحدد سقفها العلماء, ..
ثم يروحون ضحيته , ..
ويضيع قبلهم العالم الذي صنعته المعرفة , ..
ليبدأ حلم جديد , ..
يستند على مخطوطات التأريخ , ..
لا يعترف الإنسان بأن الجنة التي وصفتها المخطوطات قد آلت إلى زوال , ..
بل يبدأ في الإستعانة بالتنجيم والأحلام , ..
للبحث عن جنان ضائعة ,صنعها العلم , في مكان ما من العالم , ..
حتى يأتي أمثال (غوتنبرغ) , ليخرجونها من تحت الأنقاض , ..
حضارات أتت على نفسها ..!!
(عدل بواسطة كمال علي الزين on 09-21-2008, 08:29 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
(شكرالله الكبير) كان يتهيأ لغزو العالم عبر خطب كان يلقيها على شعبه , ..
شعبه الذي كان يعاني ظلمه , يتوقع (شكرالله الكبير) أن يساعده هذا الشعب على تحقيق حلمه الشخصي , ..
(ملحمة الشعراء الجوعى) كانت تغنى على حواشي دولته سراً , ..
يقال أنه عذب (الشعراء والفنانين) و(العلماء) , ..
حبسهم بأقفاص صغيرة في سراديب على صخور البحر , ..
جوعهم , وجعلهم ينظرون للماء الأعجاج , الذي يرونه من تحت سراديبهم , ويحلمون به, ..
كانوا يرونه حلم نجاتهم , ..
كتبوا أشعارهم بدماءهم , ..
مات أغلب شعراء دولته جوعى , ..
وكذلك علماءها وفنانيها , ..
لم يبقى من (الشعب) سوى (المقاتلون) , ..
ظن (شكرالله الكبير)أن المقاتلين هم فقط من يصنعون الأمبراطوريات ...!!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
Quote: ممدوح .. كيفك ياصديقي ..
والله براي .. وما معاي زول (وحيد وكده) ..
أقرأ ورايك مهم جداً ..
محبتي .. |
ياخ الثلاثي ده براه كوم وود منصور كومين
زائداً آل شكرالله وحوش البقر......
كدي كمل لينا الخيوط وبعداك نديك راينا
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: ممدوح أبارو)
|
Quote: ياخ الثلاثي ده براه كوم وود منصور كومين
زائداً آل شكرالله وحوش البقر......
كدي كمل لينا الخيوط وبعداك نديك راينا
|
تسلم يا(ممدوح ) حا نكمل , ..
وربنا يستر ..
محبتي ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
عكف بعض علماء (دولته) على تطوير أسلحة من نوع خاص , ..
تستطيع هذه الأجهزة قراءة أفكار أفراد الشعب , ..
ومعرفة (ماتبرق به الأعين وماتخفي الصدور) , ..
كل ذلك من أجل حماية الشعب من نفسه , ..أفتى كهنة الدولة , بأمر (الآلهة) , أن للسلطان الحق بإعدام المواطن , ..
لحمايته من نفسه , وحذروا المواطنين من التفكير , فهو جريمة ضد الدولة , ..
ثم باءت محاولات العلماء بالفشل , ..
فلجأ (شكر الله الكبير) مرة أخرى إلى الحق الإلهي , ..
فقضى كهنته بأمر (الآلهة) طبعاً , ..
إلى قطع رؤوس من سولت نفسه من الشعب , بالتطلع إلى المعرفة , ..
وهي فتاوى توفر أموالاً للدولة , ..
وتقلل من نسبة السكان المرتفعة , ..
وتقود إلى وفرة في الغذاء والدواء والكساء , ..
ولكن لها آثاراً سالبة على الجيش فقط , ..
فأولى بالرأس هذه أن تقطع وهي تحارب من أجل صاحب الجلالة (شكرالله الكبير) , ..!!
بدأت أولى بوادر زوال دولته ,حين أرتمي (نهر النيل) على الأرض وواصل جريانه شمالاً , ..
تغير منبع (نهر النيل) من موقعه السابق على سطح القمر , ..
إلى تلك الحفرة البائسة التي تسمى (بحيرة) على أرض منخفضة تستقبل مزن السماء , ..
وتحولها إلى مياه عكرة تندفع شمالاً , ..
الأسماك التي كانت تهبط إلى الأرض مع زرات مياه (نهر النيل) من على سطح القمر , ..
كانت تشع (فسفوراً) أكثر توهجاً , ..
واحدة منهن فقط , تضئ مساحة قطرها (لاشئ) , ..
واللاشئ بقياس أهل ذلك الزمان تعني (كل شئ )..!!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
(شكرالله الكبير)أسمى عاصمته على إسم معدن نفيس إنتشر بنواحيها ومثل مصدراً لثروتها وقوتها , ..
قال المؤرخون :أنه يوازي معدن (اليورانيوم) بالحضارات اللاحقة , ..
كان بطانته المقربون يملكون مفاتيح خزائنه ومناجمه دون غيرهم , ..
وبه أسسوا ملكهم العضود , ..
وبه صنعوا تلك الحضارة , ..
وبه أيضاً , أذلوا شعبهم ..!!
وبعام أسقط من التأريخ , أظنه قبل الميلاد ..
(شكرالله الكبير) يقتل أحد وزارءه ويتزوج من زوجته , ..
(الأغريق) وأقوام أخرى تتربص بإمبراطوريته , وهو غارق بين فخذيها , ..
جلس على عرشه مساءً , إستقبل تقارير قواده ووزراءه , ..
فجأة نهض عن عرشه متثاقلاً وصاح بهم :
أجلوا كل شئ ..
قال وزيره الأول :
(ولكن يامولاي , العدو ينربص بنا وشعبنا جائع , ودولتنا بمهب الريح , ..)
واصل سيره نحو مخدعها وكأنه لم يستمع إلى وزيره , ..
إرتمي بأحضانها , بدأ مضاجعتها , أحس أنه هنا فقط ملك حقيقي , ..
بين أفخاذها المفتوحة أمامه , وهو تحدق به في شغف ..!!
أعطى عالمه ظهره , وأنكفى على وجهه بين فخذيها , ..
ومن شباك غرفته بقصره الذي يرتفع آلاف الأميال فوق سطح الحقيقة , ..
بدت نيران النهاية , ..
وسحب الدخان , لتعلن موت عالم آخر ..
وليس أخيراً ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
موضع قصر (شكرالله الكبير) القديم , طريق أسفلتي يشقه , كان موقع قصره القديم عند إحدى منحنيات (النيل) , عند موضع حجرته وزوجته بالضبط , ..
كانت (لفة الموت) , السيارات تجن عندها , وتكثر الحوادث , دون أسباب منطقية , ..
وتتناثر الجثث وتسيل الدماء , في ذات الموضع الذي سالت به الدماء قديماً..!!
حفيد (شكرالله الكبير) ولد على ذات المتر المربع , الذي خرج فيه جده (شكرالله الكبير) إلى العالم ,
بزمان آخر , كان والده يبحث عن موضع قدم بين الأكرمين , عانى زل الفاقة وإنعدام العضد وقلة العشيرة , فألبس إبنه زياً من زمان آخر , أيضاً , ..
ليس زمان (شكرالله الكبير) , كما أنه ليس زماننا هذا , زمان تاه به الإنسان , بحثاً عن (إله) , ..
فالإنسان بطبعه جبل على حب العبودية , وإستعباد الآخرين ..!!
وحفيد آخر , ولد بذات عام ميلاده , وسبقه إلي البحث , عن مجد لا يفنى وسلطان متوارث , ..
وذكر في الخالدين , ..
الأول , صاغ ديناً توافد إليه الناس من مجاهل (إفريقية) , ..
أما الثاني فصنع جيشاً , قاتل ذات الأفارقة وعمل على بيعهم , وإسترقاقهم , ..
ورد أسمهما بأسفار كثيرة , وترانيم وأغنيات ونبؤآت , ..
عاشا أكثر مما يجب , ..
دين الأول صار دين الكثيرين , ..
وجيش الثاني أسترق ما يساوي أتباع الأول , صدقت الرؤية , ..
وصار الحفيد الأول (نبياً) جديداً , ..
حمل تعاليم بعض من سبقوه من الأنبياء , ..
لكنه مزجها ببعض من ما يدفع بسلطانه ويوطد ملكه ..!
وهناك أيضاً , ..
صدقت الرؤية الأخرى , وصار رصيفه ,تاجر رقيق محتكر , لرقاب بعض القبائل , ..
جاءته النبوءة طائعة , رفضها وأختار أن يكون مقاتلاً , وتاجر رقيق ..!!
رضخ أتباع الأول لمن سرق هوية الإله , ورضخ أتباع الثاني لمن سرق سلطة الإله ,..!!
سألت معلم التأريخ , ذات حصة , والنهار ينتصف , ..
من منهما أستحق الإحترام , ..؟
: النبي كذباً ..؟
أم تاجر الرقيق ..؟
قال معلمي :هولاء , رجال عظماء ..!
كنت طفلاً حينها , لكنني رمقته في إحتقار..!
نبوءة (كاهنه) الأعظم , أشارت إلى عام ما بعد ميلاد المسيح , عودته إلى الحياة , ثم عودة (الروح) لإلهته , التي حبسها الضجر , ..
قال كاهنه بسفر (عودته) الخاص :
ستنفخ فيك الروح مرة أخرى , وستولد على منحنى قصرك هذا , مرة أخرى , ..
ستتبعك إمرأتك , لكنها ستلتقيك بمنتصف الطريق , ..
فقد تولد هي بمكان آخر , ستلتقيها , وربما تتعارفا من الوهلة الأولى , ..
وربما لا ,لكن الدماء , ستسيل , وستعود روحك إلى اللمعان , ..
وسينبت حاجباك من جديد , لكن حذاري أن لا تقتل (أمك) مرة أخرى , ..
فبحياتها , رقة قلبك , التي لم يراد لها أن تشع ..!!
أرجع البصر مرتين , وما رأي سوى (دخان) ,(دخان ) ليس وراءه (نار) , ..
وقف عند حافة النافذة , ..
(نافذة) حجرته بالقصر , التي منها كان يخاطب شعبه , ..
ومنها كان يحكم بإعدام إعداءه, ..
ومنها نظر إلى شعبه فرآها , تقف في خشوع الرعية , قرب زوجها , قرر أن يتزوجها , ..
ثم ومن ذات النافذة قرر إعدام زوجها , ..
وبذات النافذة أدخلها إلى حجرته , ..
وصارت زوجه و(أم الشعب) ..!!
عالم الآثار الألماني (غوتنبرغ) , عاد إلى موقع قصر(شكرالله) القديم , أملاً في معرفة (أسرار) , ماحدث هنا , ..
بدأ يبحث عن وجه (شكرالله الكبير)الذي بدا له من تحت موضع تنقيبه , ..
لم يجد أثراً , لمومياءه , ..
وجد أربطة القماش (المهترئة) التي كانت تلف المومياء , على عمق مترين أو أقل ..
ولكن قبره , كان خالي ..!!
حين نفخ الملاك الأول , ببوقه , وتبعه الثاني , ..
أختفى (شكرالله الكبير) وحده , وبقي عالمه , في إنتظار الملاك الثالث , ..
قبل أن ينفخ الملاك الثالث ببوقه , ..
كان (شكرالله الكبير) قد أستيقظ على (سكين) (غوتنبرغ ) وهي تعبث بشاربه , ..
من فوق (الرمل) الذي طمره , لقرون , حسبها (بضع لحظات) ..!!
وجد نفسه هكذا , عارياً , وبعيداً عن قصره وحراسه , ..
نظر حوله في فزع , ..
لم يقلقه عريه , بقدر ما أقلقه بعده عن قصره وحاشيته وحراسه , ..
كان الظلام قد خيم على المكان من حوله , ..
صاح بعنجهيته تلك :
ياحراااس ..!
لم يجبه سوى صدى صوته , ..!!
إستغرب للأمر , فهنالك الكثير من من يتربصون به , ..
طالبين ثأرهم منه , ..
فقد قتل بحياته من البشر , ..
مايجعله يخشي كل البشر , ..
فلا بد أن لأحد سكان (البسيطة) , علاقة ما بأحد ضحاياه , ..!!
تطلع إلى السماء , والرمل من حوله على مد (الأفق) , ..
حاول أن يدقق النظر من حوله , ويمعن , عله يبصر حدائقه أو قصره , ..
أو إشارة إلى مملكته , رائحة الصحراء ليست كما ألفها , ..
تلك الرائحة التي تختلط مع نسائم المساء , التي تهب على رمالها , محملة قبل وصولها
بعبق خضرة ما بجانبي (النيل) من جنان ,
لكأن المكان , لم يكن المكان , ..
لكنه لم يدر بخلده قط , .أو يتصور , أن الزمان أيضاً , ..
لم يكن ذات الزمان ..!!
(عدل بواسطة كمال علي الزين on 09-24-2008, 11:47 PM)
(عدل بواسطة كمال علي الزين on 09-24-2008, 11:59 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
أمسية ليست كأماسي زمان (شكرالله الكبير) , جمعت (ودمنصور) بوجهاء الزمان الجدد , ..
(مرزوق الحلبي) و(حمدأبحجل) ورفيقهما ورفيق عمرهما (يحي الفلاتي) , توسطهم (ودمنصور) وعلى وجهه ذات
النظرات , نظرة يتخللها (إحتقار) قديم , ونظرة تشربت حقد عشيرة (شكرالله الله الكبير) وأقرباءه , على هؤلاء الذين ملكوا زمام أمرهم بعد أن كانوا مستخدميهم وخدامهم ومن عاشوا على هامش عزهم وفخارهم الذي بلي وطمرته رياح عهود جديدة , ..
كان (مرزوق ) وصاحبيه قد إستطاعا خلق مجمتع جديد , نظام آخر , يقوم على العدل والمساواة وإحترام الآخرين , جلستهم هذه كل مساء , يستمعون خلالها على شكاوى ومظلمات ويستمتعون بشرب (القهوة) و(الشاي) , ويذبحون من حلالهم لقرى ضيفهم , بينما يعملون على حل مشكلات أهل البلد , سادتها السابقون , ..
جاء أحد أحفاد (شكرالله الكبير) شاكياً , إقتحم مجلسهم دون إذن أو حتى تحية وصاح بوجههم :
هوي يا(مرزوق ) وجماعتو , كيفن بتسكنوا (العبيد) في شق (الحلة) ..؟
رد عليه (مرزوق) ولم يبدو عليه الضيق , فكأنما أعتاد على هذا الأمر :
ياود الأصول , وحفيد (الناظر) , (عبيد) شنو ؟ إنتو لسا ما قادرين تتعلموا إنو زمن العبودية ده خلاص بح ؟ بعدين ديل ما سكنتهم أنا ديل سكنتهم (الحكومة) , كان عنك قول أمش قولوا للحكومة , ودحين يا تقعد تشرب قهوتنا , يا إما تمشي تنوم بدري عشان تتوكل صبحاً بدري وتمشي تشتكي في المديرية .
قبل أن ينبس الرجل ببنت شفة , سبقه (ودمنصور) قائلاً:
ياقريبي , إت بتشتكي العب لي للحلبي , الحكاية يا خوي حرم جاطت وأهو (ودمنصور) القدامك ده , قاعد يرتع في خير (مرزوق الحلبي) حلاق الحمير , و(أبحجل ) بتاع الطين , و(يحي الفلاتي) الفقير , الدنيا ماياها الدنيا , و ..,
قاطعه (أبحجل) :
إت يا(ودمنصور) قاعد في نصنا وتاكل في خيرنا وتشتم فينا , والله أمانة ماقلة أدب ..
ضحك (مرزوق الحلبي) وقال :
يا (أبحجل) ياخوي , الجماعة ديل مافي يدهم حيلة , ما فضل ليهم غير الشتيمة والكلام , والكلام عمرو قتل ليهو روح , ولا عمر ليهو مخروبة , خليهم يقولوا قولهم ونحنا نعمل عملنا , ..
(ودمنصور) رشف رشفة من قهوته , ومضغها كأنما يمضغ لقم خبز , ثم رمى بها بجوفه وقال:
يا جماعة كمان الحكاية صعبة علينا شوية , وحات الخوة كان جدي حي وشافني قاعد معاكم جنس القعدة دي , إلا يطهرني ..
هب نحوه (أبحجل ) غاضباً :
والله أنتا طهورتك علي وحرم ما أخليك ..
حال بينهما (مرزوق الحلبي) و(يحي الفلاتي) , الذي ظل صامتا كعاته كلما رأي أن الحديث لا يليق برجل دين مثله ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
في زحمة إنشغالهم بالحيلولة بين الرجلين , خرج لهم من بين طيات ظلمة الليل رجل (عاري) , فغروا فاههم دهشة , وسادت بينهم لحظات من الصمت قطعها الوافد الجديد قائلاً بلهجة كانت غريبة عليهم :
أين حراسي ؟
رد عليه (ودمنصور) :
حراس منو يابا , قول وين ملابسي , ده السؤال المفروض تسألوا في حالتك دي ..!
صاح فيهم بعنجهية :
إنتو منو , عبيد ولا أحرار ؟ مؤمنين ولا كفار ..؟
رد عليه (ودمنصور) بسرعة :
والله سؤالك في محلو , ياهو ده زاتو الكنا مختلفين فيهو ..
إستلم (مرزوق الحلبي) زمام الأمر بعد أن خرج من دهشته :
يا ناس أستروا الراجل بي هدمة وبعدين شوفوهو مجنون ولا واعي , ..
أسرع أحد الصبية بإحضار ملابس من ديوان (مرزوق الحلبي) وجاء بها إلى الرجل , ..
ولكنهم فوجئوا بأنه رفضهابعنجهية قائلاً :
(شكرالله الكبير) ما بلبس جنس الهلاهيل ديل , ..
صاح (ودمنصور) ضاحكاً :
إنتا زاتك يا الغريب (العريان) جاي بي نغمة (شكرالله الكبير) , هو إحنا ناقصين ..؟
رد الرجل العاري:
أنا (شكرالله الكبير) , إنتو منو ؟
ضحك (حمد أبحجل) , وقال (ودمنصور) :
الليلة أمانة ماجاكم جناً ما عرفتوهو قبل كده ..!!
(عدل بواسطة كمال علي الزين on 09-25-2008, 06:53 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
حسبوه معتوهاً , ألقت به الأرض فيما تلقي به من أصناف من البشر على بلدتهم , إلا أن (ودمنصور) كان يرى غير ذلك , فأخذه معه إلى منزله وبات ليلته عنده .
إستيقظ الرجل صباحاً , ورفض إستخدام مرحاضهم وطالهم بالعطور وصرح لهم بأنه أعتاد حياة القصور , أقنعوه بأن البلدة لم يعد بها قصور , صرخ بوجه (ودمنصور) :
وأين قصري ..؟
رد (ودمنصور) :
يازول ما تستهدى بالله , البلد ده عاداني مجنون ومتحملاني , ماناقصين جنك ده , تقول ليهم إنك (شكرالله الكبير) , بمشوها ليك كلا مجانين ساي , لكن قصة قصرك البتفتش عليهو ده , بكملا معاك , وبكمل ليك رايك أرح النوريك (قصر شكر الله الكبير) عشان ما تفلقني تاني بي كلامك الخارم بارم ده .
أخذه (ودمنصور) إلى موضع قصر (شكرالله الكبير) , بضعة أحجار وأطلال تدل على أن المكان قد شهد بناءً من طراز آخر , لكن الآن أطلال وبضعة (أعمدة) حجرية وصخور ضخمة متفرقة , ..
ما أن رآها صاحبنا الغريب الذي أطلقوا عليه لقب (العريان) , حتى جثى على ركبتيه باكياً ..!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
أخرجه (ودمنصور) من بين ثنايا أحزانه وبكاءه , وطيب خاطره قائلاً :
يا (العريان) ياخوي , ده حال الدنيا , عالم يتولد وعوالم تموت , قوم ياخوي أرح على ديوان (مرزوق الحلبي) , مضى معه ساهماً , ما أن رآهما (أبحجل ) قادمين نحوهم , حتى همس لصاحبيه :
إتلم (المتعوس) على (خايب الرجا) , بعد ما قلنا (ودمنصور) شوية راسو أتعدل , جان الأجنا منو ..
قال (مرزوق) :
لكن على الحرام يا (أبحجل) ياخوي , الزول عليهو هيبة ملوك , ومشيتو مشية ملك فوق جاهو ..
(يحي الفلاتي) تمتم قائلاً:
قادر الله , الماشاف (الناظر شكرالله الصغير) , حفيد (شكرالله الكبير) بس يعاين لي (العريان) ده , والله الخالق الناطق , ..
(مرزوق الحلبي) :
إت يا (أبحجل) ويا(حاج يحي) بتسوا زي ماسولكم الناس قبل , الراجل بتسموهو (العريان) , زي ما زمان الناس سموكم (الفلاتي) و(السنجك) أسي المابنها زمان , بتقبلوها للراجل كيف ؟
رد (أبحجل) :
صدقت والله يا (مرزوق) ياخوي , لكن الراجل معرفنالو إسم وهو ماسكلنا في حكاية (شكرالله الكبير) دي , وما راضي يقولنا إسمو منو ؟
(مرزوق) :
خلوهو يجي علينا وبعدين أنا بتفاهملكم معاهو , عسى ولعل ربنا يقدرنا نعرف أصلو وفصلو وحكايتو ..!
(عدل بواسطة كمال علي الزين on 09-25-2008, 08:09 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
أمضيا يومهما بديوان (مرزوق الحلبي) ومضيفته التي يتوافد إليها أهل البلد لقضاء حوائجهم , والفصل بينهم بنزاعاتهم , كان (العريان) أول الأمر يجلس بينهم صامتاً يتفرس بوجوههم , ثم أثار إعجابهم حين صار يشارك بالحديث , خاصة فيما يتعلق بالفصل بالنزاعات , ..
علق (أبحجل ) على الأمر :
وحات الله زولك كلامو كلام حكام ..
مضى به (ودمنصور) نحو بيته , إلا أنه بمنتصف الطريق سأله :
ما مكن أنوم في (ديوان مرزوق) ..
أجابه (ودمنصور) :
ومالك مابي بيتي ..؟
رد (العريان) :
والله المكان هناك أوسع والنومة تصلح لي أكتر , ..
عاد به إلى (الديوان) ورحب (مرزوق ) بميته عنده , ..
أشرقت الشمس وأصبح الناس على وفاة (العريان) الغريب على سرير (مرزوق ) بديوانه , تناقل الناس الخبر , وجده (مرزوق الحلبي) وقد فارق الحياة أثناء نومه , هبوا لدفنه , أرادوا دفنه بالمقابر الجديدة إلا أن (ودمنصور) أصر على دفنه بمقبرة (أولاد شكرالله) ..
قال (مرزوق) :
يا(ودمنصور) أهلك ديل مابوافقوا وبسولنا مشاكل إحنا ماصدقنا راقوا ..!!
(ودمنصور) :
خلهم علي .. الزول زولي وبندفن عند أهلي ..
دفنوهوا هناك , فقد إكتشفوا أن (أولاد شكرالله) لم يعد يعني لهم الأمر الكثير , لم يعترضوا على الأمر , وشهدوا دفن الرجل وصلوا عليه ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
(ودمنصور) بعد حاثة ظهور الغريب (العريان) المفاجئ وموته المفاجئ , صار أكثر غرابة , وجنح إلى صمته وعزلته , فكأنما عاد إلى الأيام التي أعقبت قتله لزوجته ودفنه لها بضريح (شكرالله الكبير) , كان يمشي ويحدث نفسه , ولا يسلم على أحد وترك مجالسة (مرزوق) وصحبه , إستمر على هذا الحال بضعة أشهر , ثم عاد فجأة وأطل عليهم ذات مساء , حياهم بإيماءة صامتة وجلس , صمتوا في إنتظار ما سيسفر عنه خروجه عن عزلته , وكعادته لم يطق (أبحجل) صبراً , نظر إليه ملياً ثم قال :
إت يا(ودمنصور) جنيت زي قبال , ولا ده كان شنو ياخوي؟
رد (ودمنصور) بعد أن إستلقى على ظهره وبصره إلى السماء:
ياجماعة الشفتو أنا خلاني أسكت تب , خفتا تقولوا الزول جنا , عملتا زي الأنبياء صمتا عن الكلام ..
(أبحجل) :
شفتا شنو , يازول ورينا الله يرضى عليك ..؟
(مرزوق الحلبي) قطب حاجبيه ووضع يده اليسرى على طرف شاربه وقال:
الزول رجع لي حركات زمان زاتا , الله يستر ,..
(ودمنصور) :
أها ماقلتا ليكم , إن سكتنا جنينا وإن نضمنا جنينا ..
ثم هب واقفاً وغادرهم قائلاً :
معاكم سلامة ..
لاحقه (أبحجل) :
تعال يازول , تعال ماتسمع كلام عمك المخرف ده ,..
لكنه لم يتوقف , ولم يستجب لنداءه ..
(أبحجل) غضب على (مرزوق) ونظر إليه شذراً وصاح بوجهه:
الله يمرضك يا(الحلبي) , الراجل عندو كلاماً خطير , وخبراً عجيب و ..
وبدأ حوار آخر كحوار أيام خلت , حتى قطعه صوت (يحي الفلاتي) :
دايم هو , الليلة الناس كأنهم ناس زمان , حتى (ودمنصور) رجع ياهو زولنا الزمان ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
(أبحجل) لم يجد إلى النوم سبيلاً ليلتها , فقد أرقه مايخفيه (ودمنصور) من أمر الغريب (العريان) , لحق به ببيته والليل قد أنتصف , وجده قد إستلقى على سريره ساهماً كعادته , جلس قربه وحدثه هامساً :
إت يا(ودمنصور) داسي شنو علينا , أنا بعرفك من يومك لما تسكت متل السكتة , أمانة مابكون وراك العجب ؟
تنهد (ودمنصور) وقال وكأنه يحدث نفسه :
الدنيا ياما فيها , شفتا فيها وسمعت العجب , لكن جنس حكاية جدي (شكرالله الكبير) دي أصلو ما رأيت ؟
(أب حجل) :
وجدك ياخوي الدخلو شنو في حكاية الغريب (العريان) ؟ إت إتعولقتا تاني وجنيت ؟
(ودمنصور) :
الغريب (العريان) ده ماياهو جدي (شكرالله الكبير) مرق من قبروا وجانا ؟
(أبحجل) مد يده وهو يسأله :
إت ميرود يازول ولا جنك تاورك ؟
(ودمنصور) :
ماقلنا ليكم إن سكتنا مجانين وإن نضمن مجانين , حرم الراجل ياهو جدي (شكرالله الكبير) , أنا ماشفتو ولا حضرتا زمنو , لكن سمعتو وشفتو وصدقتو ..!
صمت (أبحجل) تاركاً للرجل فرصة الحديث , جلس (ودمنصور) بطرف سريره , وواصل حديثه هامساً :
في الليلة ديك أخدني علي المقبرة القديمة , مكان القصر القديم , المكان البحفر فيهو الخواجة داك ..
(أبحجل) :
أيوة الخواجة أب إسماً غريب , إسمو قلبنا سميناهو (جون) , أصلو إسمو قريب من كده ,..
كان (أبحجل) يعني (جوتنبرغ) ..
(ودمنصور) :
اليوم داك سألت الغريب (العريان) عن إسمو وأصلو وفصلو , قال لي :
أنا (شكرالله ) ملك البلد دي من( مصر) لي حدود( يوغندا) ..
قت ليهو ياخوي (شكرالله) ده جدي ومات ليهو زمن , ناس تقول ألف سنة وناس تقول خمسمية , وناس تقول (شكرالله الكبير) سيد الإسم كان قبل الإسلام , والحضر الإسلام ده حفيدو سموهو على إسمو , وبعدو شال الإسم جدنا (الناظر شكرالله) , ..
قال لي :
أنا مابعرف الناس البتقول عليهم ديل , لكن ودني على مكان (القصر ) القلتا عليهو كان قصر (شكرالله ) جدك البتقول عليهو , وديتو والراجل كأنو مساهو جن , لغوتو إتغيرت , وزولك بقى يجري ويصرخ في المكان , وديتو البيت , في نص الطريق , قال لي وديني (ديوان مرزوق الحلبي) يبيت هناك وديتو , لكن العجيب ..
قالها وصمت ..
لاحقه (أبحجل) :
العجيب شنو يا (ودمنصور) ..؟
(ودمنصور):
إن قت لك مابتصدق , وبتسوني مجنون ساي ؟
(أبحجل) :
أنا راجل ماني صغير وشفتا كتير , قول يا زول ؟
(ودمنصور) :
بعد وديت الزول ديوان (مرزوق) , رجعتا البيت ورقدتا في سريري ده , غفيت , ونمتا نوما من يوم قتلتا المرة مقطوعة الطاري مانمت جنس النومة دي , فجأة جاني زول قومني من سريري ده وساقني معاهو على ديوان (مرزوق) , لقيت لك (العريان) نايم والزول الساقني من سريري ده ياهو زاتو (العريان) وقفتا بيناتم زي المجنون , (العريان) واقف جنبي , و(العريان) زاتو , نايم قدامي , بقيت أنازع في نفسي بدور أصحا , مسكني من يدي , قال لي :
يا(ودمنصور) ده جدك (شكرالله الكبير) , قام من قبروا بدور ملكو , لقا البلد ماياها البلد والزمن ماياهو الزمن , كان عاش بيناتكم تاني , ما بتشوفوا إلا (الدم) , دحين أخنقوا , هو راجيك , ترجعوا مكان ماجا ..
قت للزول :
أقتلوا إت إت مالك ما عندك يدين , ..؟
الراجل قال لي : أنا يازول أقتل نفسي كيف ..؟القاتل والمقتول مو واحد , أقتلوا ينوبك ثواب في خلق الله , وتمسح ذنبك القديم , المرة دمها في رقبتك لسا , والدم مابمحاها إلا الدم ..
زولك يا(أبحجل) شال يديني وختاهم في رقبتو , وخنقتو لما سلم وداعتو , ..
(أبحجل) :
أها وبعدها سويت شنو ؟
(ودمنصور) :
بعدها صحيت على صوت الثكلي , جريت علي ديوان (مرزوق) سمعت خبر (العريان) , ..!!
(أبحجل) سمع روايته تلك , وتوجه نحو بيته ونام ليلتها وفي نفسه شئ من تصديق الرجل أكثر منه تكذيب ..!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
خيم الصمت بينهم , سنوات طويلة وهم يجلسون كل مساء بديوان (مرزوق الحلبي) , جلساتهم تشبه بعضها , أمسياتهم جميعها تأخذ ذات الطابع , (مرزوق) ينطق حكمة , و(أبحجل) يهرطق ويثرثر , و(يحي الفلاتي) يأخذ منهم ولا يعطيهم سوى بضع كلمات , صمتوا جميعهم ذلك المساء , فكأنما نضب معين حكمة (مرزوق) وأنقطع لسان (أبحجل) , لكن (يحي الفلاتي) كأنما تبادل معهم مواقعهم , فكسر صمتهم قائلاً :
إنتو ياناس الليلة لاحقين (ودمنصور) في سكتتو , إن ما بتدورا تتكلموا أخير نمشي ننوم ..
نظرا إليه دون أن يرد أحدهما , ..
فجأة دخل عليهم (الخواجة جوتنبرج) , سلم عليهم بعربيته الركيكة , وجلس بينهم , وأطرق في حيرة بدت كأنها مقدمة لحديث جلل , سأله (يحي الفلاتة) :
إت يا(خواجة) معزوم سكات ولا كيفن , أنا ماصدقتا جيتنا قلتا الناس يطلع لهم لسان ..؟
رد (جوتنبرج) :
إنتي ما تعرفيش حاجة مستر (يحي) , (جوتنبرج ) مش قادر يصدق ؟
(يحي الفلاتي) :
مش قادر تصدق شنو يا(خواجة) ؟
(جوتنبرج) :
(جوتنبرج) عشرين سنة تنقيب في قبور بتاع قصر قديم , قبر بتاع (شكرالله الكبير) نضفتو وشلتا غبار من فوق , (جوتنبرج) يلقى (مومياء) محنط , (مومياء) يبصق على إيد (جوتنبرج) , ويحرك عين يرمش , (جوتنبرج) يجري , يرجع بعدين يلقى (قبر) فاضي , مافي غير شوية قماش بتاع (مومياء) , ..
يخرج (أبحجل) عن صمته , ويهلل :
(ودمنصور) ماهو مجنون , (ودمنصور ماهو مجنون) , ..
وظل يصيح هكذا وقام من مجلسه وغادرهم مسرعاً ..!!
(عدل بواسطة كمال علي الزين on 09-28-2008, 05:56 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
يوم أن روى لي جدي قصة عودة (شكرالله الكبير) من قبره (عارياً) , لم أكذب الأمر ليس لأنني أؤمن بالمعجزات , ربما لأنني كنت مثل (ودمنصور) حين كنت أدعي أنني أرى خالي (محمود) بعد موته في السوق , وفي زحمة الناس أمام (دار الرياضة) أو (السينما) , ملت إلى تصديق رواية (ودمنصور) حتى أستطيع أن أحمل نفسي على تصديق أمر رؤيتي لخالي (محمود) , ..
لم أؤمن يوماً بعودة أحد , حتى السيد (المسيح) أظل متأرجحاً في أمر عودته , لكن عنجهية (أحفاد شكرالله) التي ورثتها , وميلهم إلى جعل كل أمر من أمورهم فوق أمور الآخرين , وفوق العادي , جعلني أميل إلى تصديق الروايتين , رواية سمعتها من جدي , وروايتي التي أظل أتمسك بها وأقسم على أنني رأيت خالي (محمود) بعيد وفاته ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: هشام مدنى)
|
Quote: شخصك الكريم وأستاذي الفاضل عثمان محمدصالح
Quote: من أولياء الله
استاذي كمال.. لك التحيه والتقدير
|
الحبيب / هشام
عيدك مبارك ياصديقي ..
وتحيات ومحبة للأستاذ/ عثمان محمد صالح
فأنا أحد محبيه ..
شكراً على لطف حضورك ..
محبتي ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
مات قبل أن أكمل كتابة هذه القصة , (ودمنصور) آخر رجال ذلك الزمان الذي عشته مع جدي وجدتي كل ليلة , جدي يظل كل مساء يروي رواياتهم ويحكي حكاياهم وجدتي , تومئ برأسها كلما إستشارها أو أستشهد بها , أخرج إلى الشارع , إلى عالمي أجده غير الذي أحيا به مع حكايا جدي , أظن أن (ودمنصور) مات حتى لا أواصل ما بدأته من جمع قصصه , موته كان إشارة إلى موت عالمهم , إشارة خصني بها , كأنه يدعوني للتوقف عن نبش ماضي لا يمت لي ولعالمي بصلة , يوم أن رأيته , (ودمنصور) لم يبدو أنه ذات الرجل الذي يحدثني عنه جدي , بدا كأنه كغيره من الكهول والشيوخ الذين أراهم كل يوم , عالمهم هذا أحس بأنه عالم من خيالات ورؤى لا تخص أحداً سواي وسواه , ..
مات (جدي) قبل أن يقول الكثير عن هؤلاء , الكثير مما ألتبس علي ولم أستطع فهمه , حكاياهم جميعها كانت ذات تتمة ناقصة , وعدني جدي قبيل وفاته أن يكملها لي , طمعت بأن تواصل جدتي ما بدأه جدي , لكنها آثرت (الصمت) , أرادتني أن أحيا حياة من أنتمي إلى عصرهم , أراتني أن أنسى ما رواه جدي , أن أنسى وجه (ودمنصور) , أن أنسى شبح (يحي الفلاتي ) الذي رأيته حين زارنا ذلك المساء , ليتني أستطيع ..!!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
الحبيب كمال
متابعك من قريب
والخبر من حوش البقر..
وتعرف يا كمال
هناك تململ يصاحبني
منذ أمد بعيد صاحبني سنين الطفولة وما بعدها..
عند قولة حوش البقر..
لأني أراه حوش كبير وفاضي
وأسأل مستغرباً
وين البقر؟؟
راحت..
وليه مصرين على تسميته حوش البقر ما دام البقر راحت..
والجواب دائما: لأنه كان حوش البقر..
ولأنه كان..
( وأصله العمر كان..
شوقاً كان وحزناً كان فصيح وصحيح..)
هذا الوجود كان إعتقاد..
ذلك الإعتقاد الذي تقوم على تفسيره كل الحقائق..
تلك الحقائق التي تدور حول وجودهم..
مثلك حدثتني الأيام من خلال سمعي لإرتجالات الجدة لوصف حياة كانت..
وأناس كانوا..
فعلوا وتركوا..
ومن آثارهم أشياء مبعثرة هنا وهناك
وأثارة من شيئ قديم..
ربما قرب وبروش ومحاريث وسروج خيل وجمال وألجمة حديد وجنازير ..
الحقيقة الأصيلة هي أن كل شي نابع من أصالتهم..
ومثل ما لحق باسم شكر الله وصف الكبير
هناك أوصاف لحقت بأسماء في مكان ما هنا وهناك
وعندنا لحق اسم ( القديم ) باسم جدنا حمد ..
ومثل ما أعتقد الشكرية في ملكيتهم لكل شيئ
هؤلاء كانوا يعتقدون أنهم أسياد القبل الأربعة..
( محل ما تقبل هيلهم )
والناس الباقية " زعيط ومعيط" برانيين
ترابلة وعابرين سبيل.
ومثلهم فيما بعد حصروا تحت قوة أن الحكومة أخذت كل شيء
ولو فضل شيء ما يكفي زعيط ومعيط
حوش البقر الفاضي يشاركه الحديث سرداب مرقون مملوء بالحراب الصدئة والسيوف والأدوات الحديدية التي يمكنها أن تغزو قرية من قرى الفيافي التي أحرقت وأزهقت بقاذفات القنابل..
سيف حمد القديم
الحربة أم جقو
القسي والأقواس..
لما كان السلاح في يد حمد
البلد اسمها باوقة حمد
ولماأصبح السلاح في يد الحكومة
ورثة الحكومة شعارهم " كل شيء مش لحد"
ولتغرق البلد
""ماكن قدرو
لا تطروه ..
نقرو حجروا..
ما يقوم من قبرو..""
كان لديهم نفس الإعتقاد أن هؤلاء الناس عند ذكرهم يتحركون في قبورهم وربما قاموا وجاءوا وفي حضورهم شر مستطير.. لذلك إذا ذكروهم ألحقوا الحديث " نقرهم حجرهم " وهو الحجر الموجود في راس القبر .. وفي الأول الهدف منه أن يثبت من في القبر ويمنعه من الخروج .. كلما حاول ذلك يجد الحجر أعلى رأسه ..
وهذه إعتقادات قديمة ربما لديها وجود في بعض الحضارات القديمة..وفي الحقيقة كان هناك بعض الناس يأتون ويمكثون أياماً ويذهبون .. ويمنع علينا الحديث معهم أو سؤالهم.. ونفس الجدة التي ذكرتها كانت قبل وفاتها بثلاثة أيام كانت تؤكد وجود والدتها المتوفية منذ عقود في المنزل وتشير إلى مكان وجودها.. وأنها لا تتحدث معها وأنها جاءت لكي تأخذها معها، والمقام ليس مقام شكوك..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: المسافر)
|
الحبيب كمال
متابعك من قريب
والخبر من حوش البقر..
وتعرف يا كمال
هناك تململ يصاحبني
منذ أمد بعيد صاحبني سنين الطفولة وما بعدها..
عند قولة حوش البقر..
لأني أراه حوش كبير وفاضي
وأسأل مستغرباً
وين البقر؟؟
راحت..
وليه مصرين على تسميته حوش البقر ما دام البقر راحت..
والجواب دائما: لأنه كان حوش البقر..
ولأنه كان..
( وأصله العمر كان..
شوقاً كان وحزناً كان فصيح وصحيح..)
هذا الوجود كان إعتقاد..
ذلك الإعتقاد الذي تقوم على تفسيره كل الحقائق..
تلك الحقائق التي تدور حول وجودهم..
مثلك حدثتني الأيام من خلال سمعي لإرتجالات الجدة لوصف حياة كانت..
وأناس كانوا..
فعلوا وتركوا..
ومن آثارهم أشياء مبعثرة هنا وهناك
وأثارة من شيئ قديم..
ربما قرب وبروش ومحاريث وسروج خيل وجمال وألجمة حديد وجنازير ..
الحقيقة الأصيلة هي أن كل شي نابع من أصالتهم..
ومثل ما لحق باسم شكر الله وصف الكبير
هناك أوصاف لحقت بأسماء في مكان ما هنا وهناك
وعندنا لحق اسم ( القديم ) باسم جدنا حمد ..
ومثل ما أعتقد الشكرية في ملكيتهم لكل شيئ
هؤلاء كانوا يعتقدون أنهم أسياد القبل الأربعة..
( محل ما تقبل هيلهم )
والناس الباقية " زعيط ومعيط" برانيين
ترابلة وعابرين سبيل.
ومثلهم فيما بعد حصروا تحت قوة أن الحكومة أخذت كل شيء
ولو فضل شيء ما يكفي زعيط ومعيط
حوش البقر الفاضي يشاركه الحديث سرداب مرقون مملوء بالحراب الصدئة والسيوف والأدوات الحديدية التي يمكنها أن تغزو قرية من قرى الفيافي التي أحرقت وأزهقت بقاذفات القنابل..
سيف حمد القديم
الحربة أم جقو
القسي والأقواس..
لما كان السلاح في يد حمد
البلد اسمها باوقة حمد
ولماأصبح السلاح في يد الحكومة
ورثة الحكومة شعارهم " كل شيء مش لحد"
ولتغرق البلد
""ماكن قدرو
لا تطروه ..
نقرو حجروا..
ما يقوم من قبرو..""
كان لديهم نفس الإعتقاد أن هؤلاء الناس عند ذكرهم يتحركون في قبورهم وربما قاموا وجاءوا وفي حضورهم شر مستطير.. لذلك إذا ذكروهم ألحقوا الحديث " نقرهم حجرهم " وهو الحجر الموجود في راس القبر .. وفي الأول الهدف منه أن يثبت من في القبر ويمنعه من الخروج .. كلما حاول ذلك يجد الحجر أعلى رأسه ..
وهذه إعتقادات قديمة ربما لديها وجود في بعض الحضارات القديمة..وفي الحقيقة كان هناك بعض الناس يأتون ويمكثون أياماً ويذهبون .. ويمنع علينا الحديث معهم أو سؤالهم.. ونفس الجدة التي ذكرتها كانت قبل وفاتها بثلاثة أيام كانت تؤكد وجود والدتها المتوفية منذ عقود في المنزل وتشير إلى مكان وجودها.. وأنها لا تتحدث معها وأنها جاءت لكي تأخذها معها، والمقام ليس مقام شكوك..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
الحبيب / كمال
لك في التقدير مقعد متقدم..
وأعتقد أن حكاية حوش البقر إضافة حقيقية
وإطلالة مضيئة على حقائق ظلت لا تجد ما يعبر عنها في دنيا الأدب والسرد والرواية
وهناك إبداع في الإنتقالات والإرفاق بين الأحداث والتوابع
ومن خلالها يمكن للقارئ أن يطل على عدة نوافذ بما فيها الدواخل الكامنة والرغبة في تحقيق المقاييس والمعايير التي يمتحن بها شعوره نحو المساقط المرئية له من تلك النوافذ.. والتعبير من خلال إطلالة الراوي التي يحكمها وضعه التاريخي ( مثال: يحي ، ود منصور، مرزوق)عن العلائق الحاكمة بين أصحاب الحق ( ملاك الأرض ) والمستفيدين منها ( الترابلة والمزارعية ) ومآلات الاستفادة التي تقود إلى نتائج أخرى ( مرزوق الحلبي وورثته ) والأقدار ( سجن شكر الله وتعرضه للإهانة والشنق - حقي المشنقة والمدفع أب سكلي)..( والدنيا بتهينك والزمان يوريك وقل المال يفرقك من بنات واليك )..
هذه العلائق الحاكمة تأسست على أفعال أناس من صفاتهم ( قل المروءة ) ( نقص الإنسانية ) ( نكران الجميل ) وكثرة مثل هذا السواد الأعظم طمست وجود أصيل لو ظهر لكانت الحياة عامرة بمعانيها وتلاشت آثار كان يمكن أن تكون غرساً نابتً بدلا من الأطلال ( التي أبكت شبح شكر الله الكبير ).. فتلك الأطلال تحدث عن أطلال أخرى .. معاني أخرى راحت مع الزينين ( الزينين راحو ).. وأخلاق كفنت في ثياب الفقر والعدم ودفنت بفعل السيل الذي أعلن حربه على المكان العالي..وقامت مدافقه بنحت صخور الطود والتوباز حتى تنحت غفلة بعد غفلة..
هؤلاء قليلي المروءة وناقصي الإنسانية لو بحثت عن جذور لهم تجدها أرتوت بنهر الظلم الذي تسرب بعد أن غمد سيف شكر الله الكبير في جفيره ولم تعتاد أم لبوس النترة ( فرتيقة أم لبوس ).. وما عاد الصقير يكافت الفرة..وظهر الإلتباس بين أصحاب الحق بين ورثة الحكومة أخت شكر الله الكبير وورثة الحكومة التي حجر عليها الغفير..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية (حوش البقر) ..!! (Re: المسافر)
|
Quote: الحبيب / كمال
لك في التقدير مقعد متقدم..
وأعتقد أن حكاية حوش البقر إضافة حقيقية
وإطلالة مضيئة على حقائق ظلت لا تجد ما يعبر عنها في دنيا الأدب والسرد والرواية
وهناك إبداع في الإنتقالات والإرفاق بين الأحداث والتوابع
ومن خلالها يمكن للقارئ أن يطل على عدة نوافذ بما فيها الدواخل الكامنة والرغبة في تحقيق المقاييس والمعايير التي يمتحن بها شعوره نحو المساقط المرئية له من تلك النوافذ.. والتعبير من خلال إطلالة الراوي التي يحكمها وضعه التاريخي ( مثال: يحي ، ود منصور، مرزوق)عن العلائق الحاكمة بين أصحاب الحق ( ملاك الأرض ) والمستفيدين منها ( الترابلة والمزارعية ) ومآلات الاستفادة التي تقود إلى نتائج أخرى ( مرزوق الحلبي وورثته ) والأقدار ( سجن شكر الله وتعرضه للإهانة والشنق - حقي المشنقة والمدفع أب سكلي)..( والدنيا بتهينك والزمان يوريك وقل المال يفرقك من بنات واليك )..
هذه العلائق الحاكمة تأسست على أفعال أناس من صفاتهم ( قل المروءة ) ( نقص الإنسانية ) ( نكران الجميل ) وكثرة مثل هذا السواد الأعظم طمست وجود أصيل لو ظهر لكانت الحياة عامرة بمعانيها وتلاشت آثار كان يمكن أن تكون غرساً نابتً بدلا من الأطلال ( التي أبكت شبح شكر الله الكبير ).. فتلك الأطلال تحدث عن أطلال أخرى .. معاني أخرى راحت مع الزينين ( الزينين راحو ).. وأخلاق كفنت في ثياب الفقر والعدم ودفنت بفعل السيل الذي أعلن حربه على المكان العالي..وقامت مدافقه بنحت صخور الطود والتوباز حتى تنحت غفلة بعد غفلة..
هؤلاء قليلي المروءة وناقصي الإنسانية لو بحثت عن جذور لهم تجدها أرتوت بنهر الظلم الذي تسرب بعد أن غمد سيف شكر الله الكبير في جفيره ولم تعتاد أم لبوس النترة ( فرتيقة أم لبوس ).. وما عاد الصقير يكافت الفرة..وظهر الإلتباس بين أصحاب الحق بين ورثة الحكومة أخت شكر الله الكبير وورثة الحكومة التي حجر عليها الغفير..
|
| |
|
|
|
|
|
|
| |
كمال علي الزين
احمد العربي
عبد الله الشيخ
عادل فضل المولى
بله محمد الفاضل
willeim andrea
عبدالوهاب علي الحاج
العوض المسلمي
rosemen osman
ممدوح أبارو
محمد عكاشة
المسافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست