انتخابات مبكرة

Quote: لم يكن خروج السيد مبارك الفاضل من حزب الأمة، موفقاً، وكان قفزة في الظلام فقد اخذ اكثر عناصر الامة حيوية ووضعها في ثلاجة السلطة، وقد قلنا ذلك حينها. كذلك لم يكن اخراج مبارك الفاضل من القصر موفقاً، حيث تم بطريقة الفصل للصالح العام من الخدمة المدنية. ولم يكن خروج الوزراء جماعة المبارك موفقاً من حيث الاخراج، فكان ينبغي أن يكون ذلك في ذات اليوم الذي اعفى فيه المبارك، فقد كان من المؤكد ان مفاوضات الزهاوي/المجذوب، لن تعيد المبارك للسلطة ولن تعطيه منصباً جديداً، وسيبقى معارضاً فمن غير المعقول ان يكون حزبه داخل السلطة. لكن الاكثر عدم توفيق والخطأ الذي يرقي لمرحلة الخطيئة، هو بقاء بعض الوزراء من جماعة مبارك في السلطة واعلانهم الانسلاخ منه، فالمعلوم ان هؤلاء الوزراء قد دخلوا الحكومة من بوابة المبارك، وكان الطبيعي إذا انشقوا عنه ان يخرجوا من الحكومة ويشكلوا حزبهم الجديد، ثم يتفاوضوا مع الحزب الحاكم، ثم بعد ان خرج اخوتهم، ما كان ينبغي أن «ينملخوا» ويتمسكوا بالمنصب الوزاري، وكان الواجب ان يخرجوا من الحكومة ويشكلوا حزبهم ويتفاوضوا مع الحزب الحاكم، اللهم إلا إذا كان هؤلاء السادة قد استمرأوا الرضاعة وصعبت عليهم «الفطامة»، والحلو ما يكلمش، كما يقول أهلنا في شمال الوادي. الحزب الحاكم أو السلطة القائمة، متهمة بأنها السبب في تشظى وانقسام الاحزاب، وقد يكون الأصوب انها ترى بذور الانقسام وتتعهدها بالسقاية والرعاية إلى ان تنمو، وقد يكون هذا حادثاً مع مبارك الفاضل، فالحكومة وفرت له بابور «الجاز» الذي ابحر به بعيداً عن السيد الصادق، ولكن يبدو انه لا الحكومة ولا حزبها لهما دور في الانقسام الذي حدث لحزب المبارك، فإدارة السيد مبارك لحزبه أو ربما انشغال المبارك عن حزبه، هو الذي ادى لتفلت وخروج البعض عليه واحداً تلو الآخر، وكان بعضهم من الحجم القبلي والعشائري الكبير جداً، والآن يبدو ان حزب المبارك قد تشظى إلى ثلاثة كويمات، وافراد لم «يتكوموا» بعد. وفي تقديري، ان هؤلاء يعيشون ازمة سياسية حقيقية، قلوبهم تعلقت بالحزب الحاكم، وعقولهم مع قواعدهم الانصارية، خرجوا عن المبارك ومن قبل فروا من الصادق، لكن بيني وبينكم، ليسوا وحدهم المأزومين، فالمبارك مأزوم والصادق مأزوم والحكومة مأزومة والبلاد كلها مأزومة، وغايتو ربك يفرجها. وتقديري ان التشظى الذي حدث لحزب المبارك، لم يكن الاول ولا الاخير، وإن كان الاعنف. فكل احزاب السودان دون استثناء، قد مارست الانقسام والتكاثر، بل والاستنسال، وهذا يرجع لظروف موضوعية تتعلق بمسيرة البلاد السياسية، وظروف ذاتية تتعلق بالسياسيين انفسهم، فإن كان مجمل البناء السياسي ضعيفاً، فإن البناء الحزبي هو الاكثر ضعفاً، بل انه مصاب بانيمياء حادة لن تنفع معها أي كمية من دربات الدم المجلوبة، والآن بدأت الجهوية وتلطفاً يمكن ان نقول الاقليمية تزحف لتكون معيار التكتلات الجديدة، وانه لأمر مؤسف، ولكن ماذا نفعل والسياسة مثل الطبيعة، لا تعرف الفراغ، فكلما انهار بناء ينمو على انقاضه بناء آخر، وليس بالضرورة ان يكون البناء اللاحق خيرا من البناء السابق، فقد يكون ازفت وأضل. عودة للسيد مبارك، فكل الدلائل تشير إلى انه يراهن على شيء غير الديمقراطية الليبرالية، فهو يراهن على قدراته الشخصية وعلاقاته الدولية، وهي اشياء لم يرثها انما «ضرب أيدو»، فالرجل سياسي محترف، وذو حيوية فائقة ولا ينقصه الذكاء، ففي كل مقابلاته الاخيرة تجده مصراً على أن يقود حزب الامة الحقيقي، وان الآخرين بمن فيهم الصادق، هم الذين انشقوا عنه، وهو يعلم إن هذه ليست الحقيقة، ولكنه في نفس الوقت يعلم ان زعمه لن يتعرض لاختبار، فالرجوع للشعب السوداني لكي يحدد خياراته ليس مطروحاً لا الآن ولا في المستقبل القريب، فالطريق للسلطة في السودان لا يمر عبر بطاقات الانتخاب وهذا هو التدويل الصحي صحي. كسرة: بعد ان كوّن الجماعة حزبهم، هل يمنحون المقاعد التي شغرت بخروج الزهاوي واخوانه؟. مجرد سؤال.