محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 10:54 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة محمد قاسم(ودقاسم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-12-2003, 11:41 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم

    الفصل الأول
    الاستقبال بالمطار

    قبل عشرين عاما خلت ، وقف الشاب عبد الحليم مع بعض أقاربه ، ونفر من أصدقائه المقربين قبالة لوحة الرحلات القادمة في صالة القدوم الواسعة في ذلك المطار الخليجي الضخم . وهو المطار الذي استقبله هو نفسه قبل عام ونصف العام عندما قدم لأول مرة من الخرطوم ليبدأ مشواره في هذه الغربة الطويلة ، ويلتحق بعمل جديد ، ليدخل به فصلا جديدا من فصول حياته في هذا البلد الغني الذي يجعل كل القادمين إليه يحلمون بالغنى وسعة الرزق . الصالة الواسعة تعج بالبشر من كل جنس ، نساء ورجال وأطفال ، شباب وشيوخ ، عرب وعجم ، آسيويين وأفارقة ، مسلمون ونصارى ، وملل أخرى . لغات عديدة ، وسحنات شتى . وأزياء مختلفة ومتنوعة تنعكس ألوانها مع الأضواء المنبعثة من كل أنحاء الصالة ، فتكون حزمة ألوان زاهية كأنها مجموعة ألوان الطيف أو تزيد . الكل يتجه بأنظاره عبر الزجاج السميك الملون الذي يفصل الصالة الداخلية عن الخارجية ، والجميع يحاول اختراق ذلك الحاجز ليرى من هو في انتظارهم ، وكثيرا ما يرتد إليه بصره دون أن يحصل على ما يرغب فيه .
    عبد الحليم لا يشغل نفسه بشيء من ذلك ، فنظره وتفكيره ينصب في اتجاه لوحة القدوم يتابع تغيراتها حرفا حرفاً ، رقما رقماً ، لحظة بلحظة . لوحة الرحلات القادمة مازالت تؤكد أن الرحلة التي ينتظرها عبد الحليم قادمة في موعدها ، وهو يعلم تماماً أن الناقل الوطني ( سودانير ) لا تفي بوعدها ، ولاتصل في موعدها إلا في حالات قليلة . لذا أعد عبد الحليم نفسه لانتظار طويل ، لكنه ظل يخشى من حدوث مالا يمكن الاحتياط له . تتنازعه هواجسه في اتجاهات شتى . هاجس يقول أنها لن تأت إلى هنا أبداً ، هاجس آخر يقول له أن أحداً ينادي باسمه ليبلغه أنها قابلته في مطار الخرطوم وكلفته بإبلاغه أن حجزها قد سقط في اللحظات الأخيرة ، وأنها ستحاول إيجاد حجز بديل وستتصل به حال توفره . وبينما هو مستسلم لهذه الهواجس وغيرها ، فإذا بأحد أصدقائه يلفت نظره إلى حضور أحد موظفي ( سودانير ) إلى صالة المطار ، والتفاف المستقبلين حوله يسألونه عن حقيقة قيام الطائرة في موعدها المحدد من مطار الخرطوم . يدلف عبد الحليم بحركة لاشعورية نحو الجمع المتحلق حول موظف ( سودانير ) ليستطلع الأخبار ، وموظف ( سودانير ) الطويل القامة يقف وسط الجمع ، ويتطاول أكثر مما يجب حتى ليبدو وكأنه نخلة تحيط بها الحشائش من كل جانب ، وهي لا تأبه بذلك . هذا المتعالي دائما ، تعّود أن يخاطب الناس بهذه الصورة ، ويخيّب آمالهم بإجابة مقتضبة للغاية وهي :
    ( والله نحن المعلومات اللي عندنا هي نفسها الإنتو شايفنها على الشاشة )
    يغمغم الحضور ويبدءون بالانصراف من حوله ، إلا أن آخرين ينتبهون لوجود موظف ( سودانير ) بينهم في صالة المطار ، فيتوجهون إليه لطرح نفس السؤال ، ليتلقوا نفس الإجابة دون حذف أو زيادة . فضل عبد الحليم أن يعود للبحلقة في لوحة الرحلات القادمة . حدثت بعض التغيرات على المعلومات التي رآها من قبل ، فهناك أمور استجدت . الباكستانية وصلت ، الشرق الأوسط على البوابة ، والسودانية في موعدها المحدد . الانفعال يبدو واضحا على عبد الحليم ، ويظهر التوتر في كل حركة من حركاته . يداعب شفتيه بأنامله دون ما عصبية ، يتلاعب بشاربه الكث الذي لم يعمد إلى تقصيره حتى لهذه المناسبة . نظر حوله فرأى أصدقاءه يوجهون أنظارهم إليه ،حملق في وجوههم فخيل إليه أنهم جاءوا معه إلى المطار فقط ليرقبوا حركاته ويسجلونها . وبلا شك سيعيدون تشغيل شريط الذكريات هذا عدة مرات ، وسيضحكون عليه ، ويسخرون من قلقه ، وتلف أعصابه في ذلك اليوم .
    تذكر عبد الحليم ما حكته له أمه قبل عدة سنوات ، عن زواجها من أبيه ، وكيف انتقلت من بيت أهلها للعيش في بيتها بعد أن تم عقد قرانها على والده حين كانت الأمور تؤتى بمنتهى البساطة دون تعقيدات اجتماعية ، أو مادية ، أو إدارية . قالت أمه أنها فقط خطت خطوات معدودة لتنتقل من منزل والدها وتبدأ العيش في منزل عمها الذي هو والد زوجها وجد أولادها . لم يكلفها ذلك تأشيرات ، أو مراجعة سفارات ، أو سفر بالطائرات ، أو أي تجهيزات إضافية . لم يستقبلها أناس عديدون عند الباب ، فقط خالتها الحاجة خديجة أخت أمها ووالدة زوجها وجدة أولادها هي التي استقبلتها عند الباب مرحبة بها وبمقدمها لتنضم إلى أسرتها وتعيش بينهم كواحدة من بناتها . تذكر أن أمه قالت له أن قطيع البقر الذي تملكه قد انحدر كله من بقرة واحدة أهدتها لها خالتها خديجة كنوع من الترحيب بها حين انتقلت للعيش في دار زوجها . تلك الأم لم تترك بيتها مطلقا إلا لأداء واجبات من نوع العزاء ، أو لزيارة مريض ، أو لمشاركة في أفراح الأقربين ، ولم تسافر أبدا خارج الوطن ولا ترغب في ذلك ، إلا أن يكون لرحلة الحج أو العمرة .
    عبد الحليم رجل عملي لا يحتمل الانتظار ، وقد تشرب عادات أهله ، وهم قوم لا يؤجلون أعمالهم إلى موعد لاحق ، ويعمدون إلى فعل البر فورا باعتبار أن خير البر عاجله . والزواج بر ، وقمة هذا البر اجتماع الرجل بزوجته ليلة الدخلة التي يسمونها عندهم ( القيلة ) ، ويقصدون بها بقاء العروس مع عريسها طوال الليل وجزءا من نهار ، يفعلان خلالها الأفاعيل دون كلل أو ملل ، ثم يخرجان للناس بدم صدق ، فينحر الخروف الممتلئ شحما ولحما أمام الدار احتفالا ببراءة العروس واجتياز العريس للحواجز بنجاح . وفي حركة مسرحية رائعة ، تقفز العروس فوق الخروف المذبوح عبورا إلى بيت أهلها ، وكأنها بذلك تمنح الآخرين الإذن للاستمتاع بلحمه . أما صبية البلدة فلهم احتفال من نوع آخر ، يشوبه التصنت والهمس ، والغمز واللمز . يعيش هؤلاء الصبية جوا متوترا طوال الليل كأنهم مشجعي فريق كرة القدم الذين يطالبون فريقهم بالانتصار فقط ، ولا يرون لذلك بديلا ، ثم لا ينصرفون إلا عند الفجر الذي يمثل بزوغه بالنسبة لهم صافرة انتهاء المباراة ، وبذلك يكون هؤلاء الصبية هم أول من يعرف النتيجة ، ويا ويل صاحبهم إذا ظلت المباراة سجالا بينه وبين عروسه حتى دخول الفجر، حينها ستتحدث البيوت عنه والطرقات ، وتنقل النسمات والرياح أخباره إلى القرى المجاورة . وفي كل الحالات هم يسجلون الحدث لحظة بلحظة ، وينقلون الأخبار بأمانة وحيادية ، ولا يهمهم إن كانت سارة أم لم تكن . ويظل الحدث في ذاكرتهم لا يمحوه إلا أن يحل محله حدث مشابه آخر ، ويظل أرشيفهم حافل بمثل هذه الأحداث .
    وهنا ، من يحتفل بعبد الحليم وعروسه ؟ من يهتم بهم ؟ من يتنصت عليهم ؟ من ينقل أخبارهم ؟ هنا لا أحد يقوم بهذا الدور . فالكل بما لديهم مشغولون ، ولا أحد يأبه بالبراءة والاجتياز ، وكأنها أمور مسلم بها ، أو أنه لا أهمية لإثباتها من عدمه ، ومجرد مجيء أصدقاء عبد الحليم ، وبعض أقاربه للمطار لاستقبال العروس يعتبر نوعا من الاحتفال ، وقد يكون هو النوع الوحيد من الاحتفالات الذي في استطاعتهم فعله هنا، وكل الاعتبارات قد لا تسمح بأكثر من ذلك .
    العروس المنتظرة ليست من أقارب عبد الحليم ، وليست من معارف أهله أو جيرتهم . وأهل عبد الحليم لم يروها أو يتعرفوا عليها إلا عند خطبتها ، وبحسابات أهله هي - ببساطة متناهية - بنت غريبة . لكن أمه حين وافقت على خطبتها لعبد الحليم قالت لأخواته ، إنها غريبة ، ولكنها ستصبح زوجة لعبد الحليم ، وأما لأولاده ، وبالتالي فهي ستكون جزءاً من العائلة ، وستنتفي عنها صفة الغربة .
    فاطمة أم عبد الحليم قالت ذلك والعبرة تكاد تخنقها ، وأمور كثيرة تعتمل في صدرها ، لكنها تمالكت نفسها ، وقررت أن تفرح بزواج عبد الحليم وأن تكبت كل مشاعرها الأخرى . كانت فاطمة تحلم بزواج ابنها عبد الحليم من بثينة ابنة أختها التي احتضنتها بعد وفاة أمها وهي ما تزال طفلة في المهد ، وأشرفت على تربيتها ، وأدخلتها المدرسة ، وصبرت عليها حتى أكملت دراستها الابتدائية . ولو توفرت بالقرية مستويات دراسية أعلى لما ترددت في أن تجعلها تواصل دراستها . وبثينة مثال للفتاة القروية الجميلة المهذبة ، الممتلئة بالحيوية ، وقد عاشت في بيت خالتها مع عبد الحليم وأخواته كأنها أخت شقيقة ، إلا أن عبد الحليم كان يرغب في الزواج من فتاة حضرية راقية نالت قسطا أكبر من التعليم حتى لا تكون هناك هوة ثقافية كبيرة بينه وبينها . ولو تزوج عبد الحليم من بثينة ، ابنة خالته لقالت فاطمة أمه:
    الحمد لله يا عبد الحليم يا ولدي ( زيتنا في بيتنا ) و ( يا دار ما دخلك شر ) .
    انتبه عبد الحليم فجأة ووجد نفسه يردد مستغربا :
    ( يا دار ما دخلك شر ؟!)
    يستعيذ عبد الحليم من الشيطان ويلعنه ، ويتساءل في نفسه :
    من أين يأتي الشر يا أمي ؟ وفاء ليست شريرة ، ولن يمسني أو أهلي منها إلا كل خير إن شاء الله . هي ودودة وتحبني ، وأنا واثق أنها ستحب أهلي ، وستصبح بنتا لأمي ، وأختا لأخواتي ، وصديقة للجميع . وهي متواضعة ، ومهذبة ، وتجيد فن التعامل مع الآخرين . أريدها فقط أن تأتي إلي الآن ، وسنبدأ حياتنا فورا ، لن أؤجل عناقها حتى تصل البيت ، فذلك عمر طويل ، سأعانقها هنا بالمطار، وعلى مرأى من كل الناس . أعرف أنهم سيتبنون مواقف مختلفة تجاهي ، لكن من المؤكد أن بعضهم سيقف إلى جانبي ، أو على الأقل سيقدر ما يعتريني من شوق للقائها ، والذين يرون في ذلك عيبا أو هتكا للعرف والذوق العام ، فأنا لا أهتم بهم الآن .
    ظل عبد الحليم ينتقل من هاجس إلى آخر ، ويشعر بالجو حوله يزداد برودة ، والمكيفات الضخمة الموجهة إلى هامات زوار المطار تهمس في آذانهم بردا ، إلا أن إحساسه بالبرد كان يفوق إحساس غيره ممن هم حوله ، أو هكذا يبدو لعبد الحليم . بدأ يقاوم قشعريرة في جسده حين نبهه فجأة أحد المرافقين أن الطائرة قد وصلت في موعدها . التفت ناحية اللوحة ليتأكد بنفسه من صحة ذلك ، وبدت له الكلمات المثبتة على اللوحة أكثر وضوحا من ذي قبل ( وصلت في الموعد المحدد ) .
    صمت الناس من حوله لبضع لحظات كمن أصابهم ذهول بسبب وصول الرحلة في الموعد المحدد على غير العادة . ثم عادوا يتحدثون مع بعضهم البعض ، ويركزون أبصارهم تجاه الحاجز الزجاجي السميك ليتمكنوا من رؤية القادمين ، والكل يتلهف شوقا للقاء من يحب أو من ينتظر . الحواجز هنا كلها سميكة بهذا المستوى أو ربما أكثر ، ولا أحد من هؤلاء المنتظرين يعرف سببا لذلك . كل الناس يعرفون أن رؤية المستقبلين للقادمين تبعث على السرور والاطمئنان ، ولا أحد يعلم سببا لهذه الرغبة في تعكير أمزجة الناس ، ومضايقتهم ، وزرع الإحساس بالخوف في نفوسهم . الكل يتساءل :
    ما الحاجة لإقامة مثل هذا الحاجز ؟
    ما الهدف منه ؟
    أهو للحماية ، أم الستر ، أم هو حاجز وكفى ؟
    عبد الحليم يعرف أن وفاء ستكون رزينة في هذا الموقف ولن تتعجل الخروج ، أو تزاحم الناس في صفوف الجوازات ، أو الجمارك ، وستنتظر دورها بكل هدوء . وهي تعرف مدى شوقه للقائها ، كما تتوق للقائه وتهيم به وجدا وحباً ، لكن كلاهما يعلم أنها مسالة وقت ، وهي ليست إلا دقائق معدودة وينتهي كل شئ ، وسيبقيان مع بعضهما بقية العمر .
    الزمن بحسابات عبد الحليم يسير بطيئا . الانتظار ممل ، والدقائق كأنها الدهور . لو أن سلطات الجوازات وسلطات المطار تحسان بما يعيشه عبد الحليم من قلق وتوتر ، وما يكتنف وفاء من شوق ولهفة لما ترددا مطلقا في إطلاق سراح وفاء . مرت ربع ساعة منذ وصول الطائرة ، لكن أحدا من القادمين لم يخرج من الصالة .
    لماذا هذه الإجراءات العقيمة المملة ؟
    من اخترع مثل هذه المعوقات ؟
    ولمصلحة من ؟
    من المؤكد أنه شخص قاس القلب لم يتعرف على الحب في حياته ، ولم يعش لحظاته . هذا الكم الهائل من الإجراءات لم يوضع إلا لحرمان الأحبة من الاستمتاع بحلاوة اللقاء . لم كل هذه التأشيرات والمستندات ، والإجراءات الجمركية ، والقيود على حركة الناس وسفرهم ؟
    أليس في الأسفار فوائد ؟
    كل تلك الأسئلة ، وغيرها كثير ، ظلت تدور في ذهن عبد الحليم وهو يوجه نظره بقوة عله يخترق ذلك الزجاج السميك الملون ليرى وفاء في أي صف تقف وكيف تتصرف .
    الباب الأوتوماتيكي ينفتح فجأة ويخرج أحد القادمين ، نشط الخطى ، يحمل حقيبة على كتفه ولا تبدو عليه آثار السفر ووعثائه . انطلق هذا الخارج من الصالة دون أن يلقي نظرة ناحية المنتظرين ، ربما لأنه لا يتوقع أحدا ينتظره . إذن هو شاب لا يحمل في ثناياه شوقا لأحد ، لكن من المؤكد أنه شاب عملي ، وأن لديه هدفا محددا يسعى إليه ولا يحيد عنه .
    يتوالى القادمون في الخروج ، ويتحرك الأطفال رغبة في اللعب بالباب الأوتوماتيكي . المستقبلون يحاولون كسر الملل فيعمدون إلى مداعبة الأطفال القادمين ومساءلتهم . السؤال التلقائي الذي يتردد على شفاه الكل :
    ( السودان كيف ؟ )
    فيرد الأطفال في براءة كل حسب رؤيته الخاصة خلال فترة الإجازة .
    قال أحدهم :
    ( السودان كعب خلاص )
    وقال آخر :
    ( والله يا عمو السودان كويس جدا )
    وردت طفلة :
    ( والله السودان حلو خالص يا عمو ) .
    امرأة مسنة خرجت من الصالة متجهة بكليتها نحو المستقبلين تبحث في وجوههم عن عزيز ينتظرها . قفز أحدهم من بين المنتظرين مناديا بصوت عال :
    ( أيوة يا حاجة أنا هنا ) .
    جاءت إليه بلهفة ، وعانقته كأنها تحاول إفراغ شحنة أشواق السنين . إنه ابنها الذي غاب عنها ثلاثة أعوام متتالية لم تره خلالها . كانت تنتظر قدومه إليها ، إلا أنه فاجأها بطلبه قدومها إليه للزيارة وأداء العمرة في رمضان وانتظار الحج . استجابت الأم لطلب ابنها على مضض ، فقد كانت ترغب في أن يعود هو من غربته ليراه الجميع ، أهله وإخوانه وأخواته . وهاهي الآن تقف أمامه ، تزداد وقارا بشلوخها العريضة ، وهي تتدثر بالزي السوداني المميز ، الثوب الذي يستر جميع جسدها فلا يظهر منها إلا ذلك الوجه الدائري المشرق الذي حرك شوق كل المنتظرين وأثار فيهم الرغبة للقيا أمهاتهم . تناولت منه تصريح الإقامة حسب النظام المتبع ، وعادت إلى الصالة الداخلية مرة أخرى لتكمل بقية الإجراءات .
    عدد من القادمين خرجوا والتقوا بمن ينتظرونهم . عناق ، وقبلات ، وأحضان ، ودموع فرح . حقائب تفوح منها روائح شتى ، الحلو مر ، الفسيخ ، الويكة ، البهارات ،الكركديه ، العطور ، كلها تختلط مع بعضها البعض ، فتمنحك إحساسا بأنك تخترق سوق أم درمان من الشمال إلى الجنوب مبتدئا بزنك اللحمة ، مارا بزنك الخضار ، ثم أكشاك البهارات ، فالملابس ، فالعجلات ، فالسرائر والمراتب ، فالعطور ، وغيرها حتى تصل منطقة البوستة . ومن بين القادمين نساء يبدو عليهن علامات دخولهن حديثا إلى عش الزوجية ، عرائس في عمر الزهور ، نقشن الحناء على أيديهن ببراعة ودقة متناهية ، فجعلن الوقوف من رجال ونساء ، يطلقون العنان لنظراتهم وتعليقاتهم أحيانا .
    عادت المرأة المسنة هذه المرة يرافقها عامل آسيوي يحمل لها حقائبها وإلى يمينها تسير عروس كالقمر . طويلة القامة ، رفيعة القوام ، ذات جمال أخاذ ، لا يغيب عن الناظر إليها من أول وهلة . افترت أسارير عبد الحليم حين وقعت عينه عليها . نعم إنها الحبيبة التي انتظرها كثيرا . هذه المرة هي بشحمها ولحمها ليست صورة ،أو خطابا ، أو اتصالا هاتفيا ، إنها هي حقيقة لا حلما ،إنها هي حتى من بين أربعين شبيها . هي وفاء التي أحبت وأوفت وصدقت الوعد ، هاهي الآن تبدأ خطوتها الأولى من مشوارها الطويل إلى بيت الزوجية والأمومة والأسرة . ابتسمت باستحياء حين وقع بصرها على عبد الحليم ، واتجهت إليه مباشرة دون تردد . بادرته بالتحية ، ومد إليها يده ليصافحها ، فبادلته ذلك بيد ناعمة كالحرير نقشت عليها الحناء فأحالتها إلى لوحة فسيفساء نادرة . إذن لم يتمكن عبد الحليم من معانقة وفاء أمام كل هذا الجمع ، واكتفى فقط بأن يمد يده ليصافح وفاء ، وكأنه لم يغب عنها إلا للحظات . أدخل يده في جيبه ليخرج لها تصريح الإقامة لتتمكن من إنهاء إجراءات الجوازات . تسلمت وفاء التصريح والتفتت ناحية المرأة المسنة لتودعها وتطمئنها أنها وصلت إلى زوجها، فقد كانت تجلس إلى جوارها في الطائرة ، وأمضيتا مع بعضهما وقتا ممتعا ، واستطاعت وفاء أن تقدم خدمات كثيرة لتلك المرأة التي كانت تركب الطائرة لأول مرة في حياتها . دلفت وفاء إلى داخل الصالة وانطلقت المرأة المسنة مع ابنها وهي تردد :
    ( إن شاء الله عروسك يا أحمد يا ولدي ، البنية الحليوة المؤدبة دي )
    كان أحمد قد ملأ عينيه من جمال وفاء ، فقد رآها وهي خارجة مع والدته من صالة المطار تسير قريبة منها وكأنها ابنتها . سأل أحمد أمه إن كانت تعرف هذه العروس من قبل أم أنها فقط تعرفت عليها خلال سفرها هذا . قالت الأم أن وفاء كانت تجلس إلى جوارها في الطائرة ، وأنها ساعدتها كثيرا خلال السفر ، وقد عرفت منها أنها من عائلة كريمة تسكن في حي شمبات بالخرطوم بحري ، وهي كانت تعمل موظفة في إحدى الوزارات ، وزوجها كان زميلا لها تقدم لخطبتها من أهلها بعد أن تعرف عليهم ، وقد قدمت للعيش معه في الغربة ، وزودتني بهاتف زوجها، وطلبت مني أن اتصل للسؤال عنها بعد أن استقر وارتاح من تعب السفر .
                  

05-12-2003, 03:05 PM

Elmosley
<aElmosley
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 34683

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: ودقاسم)

    محاوله ممتازه في رايي
    واصل يازول تب
                  

05-12-2003, 04:37 PM

غدى

تاريخ التسجيل: 04-27-2002
مجموع المشاركات: 1449

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: Elmosley)


    وانا مع الموصلى وبقول ليك ممتازه

    وواصل
                  

05-13-2003, 09:16 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: غدى)

    غدي
    أسعد الله صباحك بكل خير
    أشكر تشجيعك لي ، وأنتظر نوعا من التحليل الأدبي لأستفيد منه مستقبلا
                  

05-13-2003, 07:13 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: Elmosley)

    الموصلي أخوي
    لك التحية أيها الشامخ
    ما دام الشكرة جات منك فستجدني إن شاء الله عند حسن ظنك
    كتر خيرك
                  

05-13-2003, 08:12 AM

abuguta
<aabuguta
تاريخ التسجيل: 04-20-2003
مجموع المشاركات: 8276

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: ودقاسم)

    اخوى ودقاسم
    انت اديب عديل كدا بس لازم تختار ليك لون مناسب وخط كبير ولازم نقاط زى نقاط سجيمان وشولات كتيرة وعلامات استفهام
    والله حلوة ومعبرة ودا حالة كل المغتربين كدا بالذات ناس المملكة امه جاءت وانتظرت الحج واشياء تانية مزهجانى
    شكرا ليك انت لسان حالنا بس ياترى ودقاسم دا بكون اسم لامع فى عالم الكتابة ولا نغير الاسم الى اسم حركى شنو رايك

    اخوك ابوقوتة
                  

05-13-2003, 10:17 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: abuguta)

    الأخ العزيز أبو قوتة
    لك التحية
    أشكرك ، بس ما تكبر لي راسي بعدين ينفجر ، وملاحظاتك في محلها ، وأسلوب سجيمان حلو جدا ، وهناك غدي وغيرهما من زملاء البورد ، وبالطبع هناك أصحاب الباع الطويل من الأدباء والكتاب ولكنهم لا يشغلون أنفسهم بالاطلاع على كتابات المبتدئين
    لك شكري وتحياتي
                  

05-13-2003, 08:03 AM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: ودقاسم)



    الاخ ود قاسم
    لاشك المحاولة جيده وممتازه وواصل فى كتاباتك
                  

05-13-2003, 09:29 AM

السفير

تاريخ التسجيل: 08-08-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: ودقاسم)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    محاوله ممتازه خالص مع انو نفسي اشوف وفاء هههههه

    استمر وورينا ابداعاتك يا ود قاسم
                  

05-13-2003, 02:15 PM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: ودقاسم)

    العزيز الشريف
    لك التحايا الطيبة
    انا افتكرتك زول سياسة بس اتضح انك ذو اهتمامات متعددة
    والله حقيت الأسم


    أخي السفير
    عايز تشغل وفاء معاك سكرتيرة في السفارة ؟ ستجد هذا مستقبلا بس أصبر شوية
                  

05-19-2003, 07:26 PM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: ودقاسم)

    أرغب في إنزال الفصل الثاني لكني لم أجد منكم تشجيعا ، وأعدت المحاولة لأن أحدا لم يقل لي انت ما بتعرف تكتب
    وها أنذا استجدي آراءكم للمرة الثانية
                  

05-26-2003, 08:59 PM

Abdalla Gaafar

تاريخ التسجيل: 02-10-2003
مجموع المشاركات: 2149

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: ودقاسم)

    الاخ
    ودقاسم
    تعجب
    شكرا علي النص الجميل وليتك تواصل

    عبدالله جعفر
                  

05-27-2003, 09:31 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: ودقاسم)

    أخي عبدالله جعفر
    عساك طيب
    يا أخي الله يكثر خيرك ويشد من أزرك ، وإن شاء الله الفصل الثاني ينزل اليوم أو بكرة بالكثير
    وأتمنى أن يجد من يقرأه
                  

05-28-2003, 11:05 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: ودقاسم)

    الجزء الثاني
    الطريق إلى البيت والحفل

    بسيارته ( الكورولا )، انطلق عبد الحليم برفقة وفاء مخترقين المدينة عبر شارع المطار ، وهو شارع رئيسي في هذه المدينة الكبيرة التي تنمو بسرعة مذهلة . الطريق تبدو مزدحمة ، والحر قائظ ، إلا أن الأشجار الظليلة المزروعة بعناية على جانبي الطريق ألقت بظلالها فعانقت تلك الظلال بعضها بعضا كما الأحبة عند اللقاء . مكيف سيارة عبد الحليم يعمل باجتهاد وصبر وأناة ليبرد داخل السيارة للحبيبة القادمة التي ستهب باقي حياتها لزوجها . وقد اشترى عبد الحليم تلك السيارة قبل ستة أشهر من أحد الأصدقاء الذي باعها له بالتقسيط المريح ، وكأنه يحاول أن يساعده على إكمال مشروع الزواج ، وتكلف عبد الحليم مبلغا من المال لشراء فرش جديد للسيارة ، وصرف الكثير ليجعل هذا المكيف يعمل حتى يتمكن من تهيئة استقبال كريم لوفاء .
    الطريق تمر عبر العديد من الدوائر الحكومية ، وتؤدي إلى السوق الرئيسي الواقع في وسط المدينة ، وهو طريق جميل تقاطعه بعض الجسور المعلقة لتزيده روعة وجمالا ، ولتخفف الازدحام وتسهل الحركة . لم تتجول أنظار وفاء كثيرا ، فقد فضلت أن تتجه بأنظارها إلى الأمام ، وانتابها شعور غريب اختلطت فيه المشاعر والأحاسيس المتناقضة ، فيخالجها شعور بالفرح والزهو ، وتغالب في نفس الوقت إحساسا بالرهبة ، والخجل ، وتقدر أن مشوارا طويلا من الغربة ينتظرها . لكن كل ذلك لا يهم ، فهذه ستكون أحلى وأغلى مراحل حياتها ، خاصة وأنها الآن ستقضي كل وقتها مع عبد الحليم .
    نظر عبد الحليم خلسة نحو عروسه القادمة للتو وهي معبقة بالعطور السودانية التي طالما تمنى أن يدفن أنفه فيها . امتلأت السيارة بعبق بخور الصندل ودخان الطلح . لابد أن صويحبات وفاء بذلن مجهودا خارقا ليقدمنها بهذه الصورة إلى عريسها ليلة الدخلة . نظر عبد الحليم ، فإذا الحناء المرسومة على يديها تدعوه لمزيد من التأمل ، وقعت عيناه على عينيها فابتسم لها وبادلته الابتسامة على استحياء .
    ( حمدا لله على السلامة )
    قالها عبد الحليم وهو يقف أمام إشارة المرور، وواصل دون أن ينتظر ردا :
    ( الحمد لله أن طائرتكم وصلت في موعدها ) .
    بدأ بعض الإعياء على وجه وفاء وردت مبتسمة :
    ( الله يسلمك . الحقيقة نحن قبل ما نتحرك من مطار الخرطوم كان يخيل إلينا أن الطائرة لن تقلع في موعدها ، إلا أن ما حدث كان غير ذلك تماما ، والغريب في الأمر أن خدماتهم داخل الطائرة كانت مقنعة جدا ولا أدري إن كان ذلك صدفة أم أنه حال دائم ، كما أن حركة الإقلاع والهبوط كانت هادئة ، فقط كان هناك عدد من الأطفال الأشقياء وكانوا مزعجين جدا وحركتهم كثيرة للغاية ) .
    ( إذن رحلتك كانت سهلة وممتعة )
    قالها عبد الحليم .
    ( نعم )
    ردت وفاء ، ثم واصلت :
    ( الخالة زينب كانت جزءا هاما من حلاوة هذه الرحلة ، فقد كانت ودودة ، وكان حديثها مسليا ، واستطاعت أن تجعل من رحلتنا رحلة ممتعة ، وكأنها جلسة على قهوة في ظل الضحى ) .
    سأل عبد الحليم وفاء بدهشة :
    ( من تكون الخالة زينب هذه ؟ )
    ردت وفاء :
    ( ألم ترها وهي تخرج معي من صالة المطار ؟ لقد نسيت أن أعرفك عليها ، لكنني حدثتها عنك أثناء الرحلة وبدت معجبة بك ، كما سجلت لها رقم هاتفك ، ومن المؤكد أنها ستفي بوعدها وستتصل بنا ، فهي امرأة ودودة ، وفية ، وطيبة ، وقد عرفت منها أنها من منطقة الجزيرة ، لكني نسيت اسم القرية التي تنتمي إليها ، وربما تعرفها أنت ، إن ذكرت لك ذلك )
    قال عبد الحليم مبديا مزيدا من الدهشة :
    ( والله يا وفاء ، أنت ، أنت ، لم يتغير منك شئ تحبين الناس ومعاشرتهم ، وتقيمين علاقاتك بسرعة مع كل من يصادفك دون تحفظات . لقد رأيت تلك المرأة عندما خرجت في المرة الأولى ، ورأيتها وهي تخرج برفقتك للمرة الثانية ، ولولا أنني كنت مشغولا بك لبادرتها بالسلام ولتعرفت عليها ، لأنها بالفعل شدتني إليها كما شدت انتباه كل المستقبلين ، كأن كل واحد منهم رأى أمه في ملامح وجهها ، وهي فعلا تشبه أهلنا في الجزيرة ، ابتسامتهم بيضاء صافية كحبات الذرة الناضجة في سنابلها ، طوال القامة كتيلة قطنهم ، موفوري الصحة والعافية تماما كبيئتهم المعافاة من كل تلوث أو اختلال . )
    ( الله ، الله ، ما هذا كله ، كل الأمر أنني كنت في حاجة لأحد يسليني ، وكانت هي في حاجة لمن يقدم لها بعض المساعدة داخل الطائرة )
    قالت وفاء ذلك وكأنها تحاول أن تدفع عن نفسها تهمة إقامة علاقات سريعة دون ما تحفظات .
    في مرآة سيارته ظل عبد الحليم يراقب أصدقاءه وأقاربه وهم يسيرون خلفه بسياراتهم . سيصل الركب حتى الشقة التي جهزها عبد الحليم لوفاء ، وربما يمكثون قليلا ثم يتركون الشقة ، وربما لا يعودون إليها قريبا .
    وفاء لا تعرفهم ولم يسبق لأحد منهم رؤيتها من قبل ، وقد صافحتهم واحدا ، واحدا ، في المطار حين عرفها عليهم عبد الحليم ، إلا أنها الآن لا تذكر أي من الأسماء التي ذكرها عبد الحليم وهو يعرفها عليهم وكأنها تقول في نفسها هذا مجرد بروتوكول .
    هؤلاء جهزوا معه الشقة ، وقدموا له مساعدات مادية ، وتواصوا بجعل ذلك عادة ملزمة لهم طيلة فترة بقائهم بالغربة . بعضهم عرف عبد الحليم منذ فترة طويلة حتى قبل مجيئه إلى هنا ، والبعض الآخر تعرف عليه هنا في العمل ، أو في مناسبات عامة وأقام معهم علاقات وطيدة جعلت منهم أصدقاء مقربين . وهاهم الآن يسيرون خلفه كأنهم ركب رسمي كلف باستقبال ضيف كبير .
    لاحظت وفاء أن مشوار الطريق إلى البيت قد طال ، وهي لا تدري إلى أي أحياء المدينة يقودها الطريق ، وسيارة عبد الحليم تخترق المدينة متجهة من الشمال إلى الجنوب . عبد الحليم يعرفها على بعض المعالم الرئيسية للمدينة ، الوزارات ، المباني المميزة ، برج المياه ، السوق الرئيسي . الأحياء التي تلت ذلك تبدو شعبية لا تتخللها معالم واضحة والطريق تضيق ، ولم تعد وفاء ترى أشجارا على جانبي الطريق .
    يتوقف عبد الحليم عند إشارة المرور الرئيسية في هذه المنطقة . تبدو الإشارة مزدحمة بالسيارات من كل جانب ، وهي توزع الفرص عليهم بالتساوي كأنها ملك لا يظلم عنده أحد . التفتت وفاء ناحية اللافتة لتقرأ ، اللافتة كتبت باللون الأبيض وخلفية خضراء ، يتوسطها سهمان ، أحدهما يشير يمينا إلى حي مرزوقة ، والآخر يشير يسارا إلى حي زريقاء . يدلف عبد الحليم يسارا ناحية حي زريقاء سالكا شارع زريقاء العام ، وبعد أقل من مائتي متر يدخل يمينا ، ليتوقف بعد مائة متر أخرى أمام مبنى من طابقين . يوقف سيارته في ظل المبنى . يتبعه أصدقاؤه الذين كانوا يستغلون ثلاث سيارات متوسطة الحال . يخرجون جميعهم من سياراتهم ليحملوا حقائب وفاء ، ثم يتجهون إلى مدخل المبنى . صعد عبد الحليم وعروسه الدرج الرخامي ، واتجه الجميع إلى الشقة رقم ( 3 ) على يمينك وأنت تترك الدرج .
    اكتمل دخول الحقائب إلى الشقة وجلس الجميع ومعهم وفاء بغرفة الصالون ، وكان بالبيت امرأتان استقبلتا وفاء استقبالا حارا عند الباب ، وزغردت إحداهما احتفالا بمقدم العروس وأدخلتاها إلى الدار وكأنهما تزفانها إلى مشوارها الجديد . عم الجالسين فرح غامر ، تبادلوا الابتسامات ، ووجهوا تهانيهم لعبد الحليم وعروسه :
    ( مبروك ، بيت مال وعيال ) .
    وزعت إحدى المرأتين الحلوى والعصير البارد على الجالسين ، بينما انهمكت الأخرى في إعداد الطعام بالمطبخ . قامت وفاء وكأنها ترغب في تقديم المساعدة للمرأتين وتوجهت إلى المطبخ ، وما أن دخلت عليهما حتى أقسمتا سويا عليها أن ترجع من حيث أتت .
    قالت إحداهما :
    ( أنت ضيفة علينا وعلى هذه المدينة ، ونحن أخواتك سبقناك إلى هذه البلاد ، وعبد الحليم أخ عزيز علينا ، تعرفنا عليه كصديق لزوجينا من أول يوم قدمنا فيه إلى هذا البلد ، وظل صديقا وفيا لكل هؤلاء الذين رأيتهم ) .
    بادرت وفاء :
    ( إذن أنتما سمية وشادية ) .
    ردت إحداهن :
    ( نعم . أنا شادية ، وهذه سمية ) .
    قالت وفاء :
    ( عبد الحليم أخبرني عنكما وعن زوجيكما في أكثر من رسالة ، وهو يذكركن بالخير دائما ) .
    ( وفاء لابد أن تذهب وتجلس جوار عريسها بين أصدقائه ، ولا يجب أن تقف معنا هنا بالمطبخ ، تفضلي أخت وفاء ، هذا ليس مكانك الآن ، سيكون لديك متسع من الوقت للعمل في هذا المطبخ ولكن مكانك اليوم جوار عريسك )
    قالت سمية ذلك ، وهي تسحب وفاء من يدها ، وتقودها ناحية الصالون ، وتجلسها بجوار عبد الحليم .
    ما هي إلا دقائق وتدخل شادية على الجالسين بالصالون لتدعوهم إلى الغداء :
    ( العروس والعريس أولا يا جماعة )
    قال أحدهم .
    لكن عبد الحليم يصر على ضيوفه أن يتقدموا أولا . يتردد الجميع في الدخول إلى غرفة الطعام . تأخذ شادية وفاء من يدها وتتقدم بها وهي تنادي على الباقين :
    ( اتفضلوا يا جماعة عشان الأكل ما يبرد ) .
    يدخل الجميع إلى غرفة الطعام ، ليجدوا غداء دسما ، احتوى على العديد من أصناف اللحوم والخضار وتم تشكيله وتقديمه بطريقة جذابة أثارت نهم الجميع .
    كانت وفاء أول المعلقين :
    ( ما شاء الله ،ما شاء الله ، تسلم أيديكن يا شادية وسمية ، تقديم رائع وعرض شهي .)
    عاجلها عبد الحليم :
    ( عقبال نشوف تقديمك وعروضك ) .
    شادية تولت الرد وقالت أن وفاء ما تزال عروسا ، وستظل عروسا لفترة من الزمن ، ولا عجلة على تحولها إلى ربة منزل وطاهية .
    انشغل الجميع بتناول الطعام ، وتخللت الجلسة بعض الأحاديث وبعض التعليقات . قفشات من هنا وهناك ، وضحكات من بعض الرجال ، وابتسامات من العروس والمرأتين . الطعام كان كثيرا وشهيا ، والشطة كانت حارة ، أضيف إليها الملح والليمون والخل ، فألهبت الألسن ، كما ألهبت حماس البطون . سمية قالت أنها شطة ( القبانيت ) التي أرسلتها لها أمها من السودان وهي مطحونة ومغربلة بعد أن تم خلطها بالشمار السوداني . علام – أحد الحاضرين - أكل من الشطة واللحوم حتى سال عرقه ، وخرجت من فمه حمحمة ، ووحوحة ، ثم عمد إلى العصير يعب منه عله يطفئ حدة حرارة الشطة أو يخفف آثارها . وهذا أمر بسيط اعتاده علام خاصة في المناسبات السعيدة ولا يمنعه من ذلك ثمة مانع . حتى نظرات سمية ، ابنة خالته وأخت خطيبته ، وتعليقها على الزيادة الواضحة في حجم كرشه عقب كل وجبة مثل هذه ، كل ذلك لا يمنع علام من أن يزدرد الطعام ويلتهم اللحوم بعد أن يغمسها في الشطة الحارة ، ولا يبالي بما يمكن أن يحدث عند دخول الحمام ، ولا بأي نتائج أخرى يمكن أن تترتب على ذلك . هو أصغر الموجودين سنا ، لكن يبدو أنه مركز اهتمامهم جميعا ، فاسمه يتردد كثيرا في أحاديثهم وحكاياتهم ، ويعمدون إلى توجيه الحديث إليه طمعا في تعليقاته الساخرة ، وهو ملح جلساتهم .
    بعد تناول الغداء اجتمع الجميع في الصالون ، دخل عليهم آخرون انضموا إلى جمهور المستقبلين والمهنئين . رجال ونساء يبدو عليهم ومن أحاديثهم أنهم من سكان الحي . أحد القادمين كان يحمل آلة عود في يده ، إذن هو مغن . يبدو أن هناك برنامجا معدا للاحتفال ، وربما أن الجميع يعلمون تفاصيل ذلك إلا وفاء فهي لا تعلم ما أعد لاستقبالها ، ولم تكن تعلم أن شيئا مما رأت يمكن أن يكون جزءا من هذا الاستقبال . لم تعمد وفاء للسؤال عن تفاصيل ذلك البرنامج ، وفضلت أن تتقبل مفاجئاته وتستمتع بها .
    جلست النساء على يسار وفاء ، وجلس عبد الحليم إلى يمينها ، وابتدأت جلسة الرجال من على يمين عبد الحليم في شكل دائري . صمت الجميع برهة ، وانطلق صوت معتصم زوج شادية ، وقريب عبد الحليم ، بالبسملة وحمد الله على سلامة وصول وفاء ولقائها بعبد الحليم ، وبارك لهما زواجهما متمنيا أن يجعله الله زواجا ميمونا ثمرته المال والعيال . وأعلن معتصم أن جلسة فرح قصيرة بقيادة الفنان عابد ستبدأ الآن احتفاء بهذا الحدث ، وتمنى العقبى للآخرين .
    جلس عابد ، الفنان ، قبالة العريس والعروس وغنى غناء جميلا بدأه بأغنية تقول :
    في إيديها سمــحة الحنه
    بدورك يا عريس تتهنى
    وتباهي بيها حور الجنة
    غنى ذلك من أعماقه ، وبكل أحاسيسه ، حتى ظنت وفاء أن تلك الأغنية ما قيلت إلا من أجلها ، ومن أجل هذا اليوم الذي انتظرته طويلا . وانطلقت زغاريد النسوة ورقصن ، وعرض الرجال فوق رؤوسهن ، وبشروا فوق العريس وعروسه . وقد بادلا الجالسين فرحهم وشاركا في الرقص والطرب رغما عن إحساس وفاء بعناء السفر وما يحس به عبد الحليم من تعب وإرهاق نتجا عن المجهود الكبير الذي ظل يبذله للإعداد لكل هذا ، وطول الانتظار بالمطار . قدم عابد ، الفنان ، مقطعين غنائيين من أجمل الغناء السوداني ، وقد طرب الجميع وألهبوا الجلسة برقصهم ، ورفعوا أصواتهم بالغناء .
    قامت سمية وأخذت وفاء من يدها وأدخلتها إلى غرفة داخلية ، ودخلت شادية وامرأة أخرى خلفهن . كانت وفاء تعرف ما سيطلبنه منها ، وهو أن الدور عليها لترقص للحاضرين رقصة العروس ، حسب التقاليد التي لم يستطع السودانيون الفكاك منها . وقد كانت وفاء جاهزة للاستجابة لهذا الطلب ، وأعدت له عدته . ملابس مخصصة لهذه الرقصة أعدتها والدة وفاء لها لتقف بها أمام جمع المهنئين ، ولترقص أمامهم كما جرت العادة عند عرائس السودان المفاخرات بجمالهن وبجمال قوامهن واعتداله وليونته . أشارت وفاء إلى الحقيبة التي تحوي هذه الملابس ، وساعدتها سمية عل استبدال ملابسها ، وقامت النسوة بإعداد وفاء لتخرج إلى الجالسين وكأنها البدر ينفذ من بين الغيوم ليضئ الأرض بنوره .
    جذبت إحدى النساء الدف إليها ، وبدأت بالغناء ورددت بقية النساء غناءها ، ووقفت وفاء في الوسط كفارس يطلب النزال . وقفت سمية إلى جوارها وغطتها بقطعة من الحرير المشجر الأملس يسمونها ( القرمصيص ). طلبت سمية من عبد الحليم أن يكشف وجه عروسه . وما كاد يفعل حتى تمايلت وفاء قليلا ، ثم انطلقت ترقص رقصة العروس ، تؤشر بيديها وتبرز أجزاء جسمها بالتناوب ، إلى الأمام أحيانا ، وإلى الخلف أحيانا أخرى ، تميل إلى الجانب الأيمن أحيانا ، وإلى الجانب الأيسر أحيانا أخرى ، تتلاعب بشعر مسدل كالليل ، تديره يمنة ويسرة ، والعريس يقف قريبا من عروسه يحمل في يده قطعة الحرير الأملس المشجر ، وتنقطع ضربات الدف فجأة ، فتجلس وفاء على الأرض وتغطي وجهها بيديها . توقع الجميع أن يكون العريس منتبها فيقوم بتغطيتها فور جلوسها ، إلا أنه يفشل في المتابعة ، ويغرق في الدهشة ، فيضحك الجميع عليه ، ويضحك العريس على نفسه ، وهو يمتلئ زهوا وسرورا بجمال عروسه ، ورشاقتها ، وخفة حركتها . في قانون هذه الرقصة يعتبر ما حدث هدفا يحسب لصالح العروس ، لذا فقد صفق الجميع ، خاصة النساء ، اللائى اعتبرن أنفسهن من مشجعي فريق العروس الفائز بهدف حتى هذه اللحظة . ووقف الرجال يشجعون العريس ، ويحضونه على مزيد من الحركة والخفة ، ليتمكن من المتابعة وإحراز هدف التعادل .
    غنت النساء الكثير من الأغاني القصيرة الخاصة بمثل هذه المناسبة ، ولكل أغنية رقصة تناسبها ، وإشارات تتبع معانيها ، وكانت وفاء تؤدي كل تلك الرقصات ببراعة فائقة ، وعبد الحليم يقف مبهورا ويسائل نفسه :
    من أين لها هذا ؟
    من علمها كل هذا الرقص الذي يتطلب متابعة دقيقة لكلمات الأغنية وضربات الدف ؟
    يسرح عبد الحليم ويغيب في ثنايا هذا القوام الرفيع ، ووفاء تحرز مزيدا من الأهداف ، وعبد الحليم لا يملك إلا أن يشارك أصدقاءه الضحك من نفسه .
    الأغنية الأخيرة كانت أغنية الوداع ، ( يا حمامة مع السلامة ، ظللت جوك الغمامة ) ، وقد شارك الجميع في أدائها ، رجالا ونساء . أشرت وفاء بإشارات الوداع في كل الاتجاهات ، وحيت الجميع ، كأنها ستتركهم إلى سفر طويل لن تلقاهم بعده أبدا . وقاموا إليها جميعا ليقدموا لها التهنئة وليودعوها ، ويودعوا عريسها بنفس حرارة وداعها لهم ، وليتركوها وشأنها في شقتها، تدير وقتها هي وزوجها كما يرغبان .
    بدأ المهنئون بالخروج ، وكانت سمية وشادية وزوجاهما ، يرافقهما علام ، هم آخر الخارجين .
                  

05-30-2003, 05:12 PM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: ودقاسم)

    هنا يجد الراغبون الجزئين الأول والثاني
                  

06-03-2003, 10:53 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم (Re: ودقاسم)

    أقدم عرضا خاصا بتخفيض تكلفة الإطلاع بنسبة خمسة وعشرين بالمائة ، ولمن يدلي برأي بنسبة خمسة وثلاثين بالمائة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de