شجيرات القطن تتشابك مع بعضها البعض ، ونسمات الشتاء الباردة توفر بيئة طيبة ل ( العسلة ) ، لكنّ الموسم في أوجه ، ولوزات القطن المتفتحة تعلن عن شبقها ، وتدعوك إلى قطافها . شاي الصباح فوقه طبقة من سمن صنعته بيدها ، ثم في ( كورية ) كبيرة وضعت الكسرة ، وفوقها بصلة مبشورة ، وليمونة خضراء فوّاحة ، وربطت في قطعة من كيس بلاستيكي الشطة والملح ، وعبأت ( ترمسة ) كبيرة بالشاي ووضعت بداخلها عودين من القرنفل ، وجعلت الجميع في سلة مصنوعة من أكياس سماد اليوريا ، خاطتها ابنتها أميمة أثناء إجازتها الأخيرة . في الحقل وقفت إلى جانب زوجها أبو أحمد ، ومدت بصرها في اتجاه الشمس الغائمة ، حيث يرقد ( أبوعشرين ) هناك آمنا مطمئنا بعد أن قام بدوره كاملا في ري الحواشة طيلة الموسم . رغم لسعة البرد ، إلا أن ( أم أبوها ) ظلت تحمد الله سرا وجهرا على محصول القطن الوافر ، والبامية التي جففتها ، و ( العدسي ) اللازم ل ( بليلة ) رمضان . فكّر زوجها أن يستعين بعمّال لجني القطن ، لكنّ ( أم أبوها ) وقفت في وجه زوجها ( متخسّمة ، ومتنضّرة ) ، ويدها على صدرها ، تعلن أن لن يدخل إلى حواشتها أي أجير ... أنا ، وإنت ، والوليدات بس ... ( أم أبوها ) لا تترك خلفها لوزة قطن واحدة دون أن تمد إليها يدها ، وتهتم كثيرا باللوزات التي تسقطها الرياح ، لكنها تجمعها في مكان منفصل ، لتصنع منها مراتب النوم ، والمخدات ، وحبال المواشي . تعود ( أم أبوها ) إلى بيتها بعد انقضاء ( الضحوة ) وهي أكثر همة ، يتملكها نشاط وكأنها قد صحت من نومها للتو . وفي مطبخها الذي تسميه ( التّكل ) تصنع عصيدة لها ولأسرتها ، يلتهمونها هنيئا مريئا ، ثم يرقدون مستسلمين للقيلولة . وتدهن ( أم أبوها ) جسدها بزيت السمسم والكركار لتزيل النشققات التي تحدثها خدشات شجيرات القطن . وتستلقي ( أم أبوها ) تحت ظل الراكوبة ، وتستسلم للنوم تحت ثوبها القطني الخفيف ، تحيط بوجهها ضفيرتان مسدلتان تمردتا على الطرحة التي تلف شعر رأسها . وفي المساء ، تعدّ ( أم أبوها ) مديدة الحلبة أو الدخن ، وكوبا من اللبن الساخن لأبو أحمد ، وبعد أن تصلي عشاءها ، تعمد إلى ( الدلكة ) ، و ( حفرة الدخّان ) فتنطلق منها رائحة الشبق ، فيلتهمها أبو أحمد غير مبالي بما ينتظره غدا من تعب وعناء .. وعند الفجر تشعل نارا تضع فوقها قدرا مليئا بالماء ، ثم تستقبل ربها ، وتعيد إنتاج يومها ...
منعم أيها الوفي أهديك نسمات الصبح التي عانقتها في الحصاحيصا ، على صوت مصطفى وهو ممتلئ صحة وعافية ،،، تلك الربوع التي تزيّن نفوسنا بجمالها وألقها ، وطيبة أهلها ، فتجعل ذاكرتنا مشدودة إلى لياليها العذبة ونهاراتهاالبهية ،، فنندفع بكلياتنا نحو الكتابة هربا من الانهيار والنحيب ... لك الحب يا ابن هاتيك الربا ...
04-12-2005, 11:54 PM
THE RAIN
THE RAIN
تاريخ التسجيل: 06-20-2002
مجموع المشاركات: 2761
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة