دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد
|
د. منصور خالد يكتب عن الراحل عزيز بطران إرتجفتُ لحظة سماع نعيه كما ترتجف فروع البان .. كتابه عن صديق منزول أكد حبه لذاك الأسطورة
قلما أرتجفُ لموت قريب أو صديق، لا لخمود في الشعور، وإنما ليقين عميق ان الموت مصير كل حي. رغم ذلك إرتجفتُ لحظة سماع نعي الراحل عزيز بطران في واشنطون في الإسبوع الماضي كما ترتجف فروع البان. إرتجاف فروع البان لا يدهش أحداً، فالبان شجر خوار، وما عرفت ان بي خوراً في الطبيعة. هل كان ذلك الرجفان بسبب الفجاءة من بعد أن أبُل بطران من علة خبيثة وأخذ يعاود حياته الطبيعية ليموت بسكتة قلبية؟ أم هو جزع عند النوازل، وأي نازلة أكثر من رحيل ذي اثرة عند الإنسان. حاشا لله، إذ علمنا اهلونا الصبر على النازلات. فمنذ الصغر ظللنا نتسمع منهم »وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ«. هؤلاء قوم لم تكن تتلقاهم مصيبة إلا أدرأوها بقولهم »لا إله إلا الله«. مصدر جزعي حقاً ولتعجب ما شئت هو عدم إيفائي بدين مستحق لصديقي الراحل رغم أني احسب نفسي رجلاً ميفاءً يأخذ الحق ويعطي الحق. آخر ما يتمناه لنفسه رجل كهذا أن يكون من الذين يبكون الميت ولا يقضون دينه. وعلى هذا الأمر نعود. من هو عزيز بطران؟ هو فتى ولد في كسلا، وعشق أرض التاكا (ومن ذا الذي لا يعشقها). في تلك المدينة عاش في بيئة صوفية تبدأ يومها بصلاة في سلام، وتختمه بمرحبا بالمصطفى يا مسهلا. هذه هي البيئة التي إنتقل منها عبد العزيز إبن الخليفة عبد الله بطران إلى الخرطوم ليلتحق بجامعتها الوطنية الوحيدة كواحد من أوائل الطلاب الذين إختاروا للدراسة كلية حديثة الإنشاء: كلية الإقتصاد والإجتماع. عقب تخرجه بإمتياز من تلك الكلية في عام 1964م إلتحق بطران بوزارة التجارة والتموين ليقضي بها فترة قصيرة قبل أن توفده الوزارة إلى بريطانيا لإكتساب المزيد من المهارة فيما يلي تلك الوزارة من مهام. إرتحل بطران إلى بريطانيا محملاً بالأمل، ومختزناً في وعيه الحاد كل ما هو جميل في السودان. لايدري أحد أي آمال كان يحمل، ولكن ما أن حط رحاله في بريطانيا إلا وأخذ يتطلع إلى عالم آخر غير عالم البيع والشراء، والمقاييس والمكاييل. آثر خريج كلية الإقتصاد المتميز أن ينصرف إلى دراسة التاريخ في جامعة بيرمنجهام، ومن بين كل علوم التاريخ إختار لدراسته موضوع الإسلام الإفريقي وإشعاعاته على السودان. ذلك مجال لم يطرقه يومذاك إلا نفر قليل من مؤرخينا السياسيين والإجتماعيين، منهم من تفرغ له كلية مثل محمد احمد الحاج، ومنهم من تناول فصولاً منه إذ منعهم من التفرغ الكامل للموضوع تفرغاً كاملاً إنشغالهم بضروب أخرى من ضروب المعرفة: جمال محمد أحمد، مدثر عبد الرحيم، يوسف فضل. لا شك في أن الدهشة قد أصابت كثيرين من رفاق دربه يومذاك عندما نمى إلى علمهم أن بطران إتخذ موضوعاً لبحثه للدكتوراة سيرة عالم لم ينصرف إليه إهتمام الباحثين السودانيين، بل ربما لم يعرفه أغلبهم: سيدي الشيخ المختار الكُنتي الفهري القرشي، أحد أعلام الطريقة القادرية. إختار ذلك الشيخ العالم موضوعاً للدراسة في معرض البحث عن إنتشار الإسلام في الصحراء الغربية والنيجر الوســـــــيط، وكـــــــــان عنوان الرســـــــــالة (Sidi al Mukhtar al ذ Kunti and the Recrudescence of Islam in Western Sahara and the Middle Niger). على تلك الدراسة أشرف عالمان خبيران بالشـــــــئون الأفــــــريقية هـــــــما الأستــــــاذ بــــرازيلـــــي الأصــــل باولــــو فيرنــاندو فاريـــــــاس (Paulo Fernando de Morales Farias) وهو أكاديمي متخصص في تاريخ تمبكتو وسانغاي، والثاني هو سلفه في جامعة بيرمنجهام رالـــــف ويــلــــس (Ralph Willis) الذي إرتحل من بعد إلى جامعة بيركلي بكاليفورنيا. من الظاهر أن الأستاذين قد حثا الطالب الذي توسما في نجابة على تبني الموضوع، ولكن لاريب في أن البيئة الصوفية التي نشأ فيها الطالب قد اهلته نفسياً ووجدانياً للقيام بذلك البحث. أياً كانت الأسباب، فطن بطران إلى أن الإسلام الأفريقي، أو الإسلام في ما كان يسميه البلدانيون (الجغرافيون) ببلاد افريقيا، قد لعب دوراً هاماً في أسلمة بلادنا، وهو دور لم يلق بحثاً عميقاً، كما سلفت الإشارة، لا سيما فيما يتعلق بدور الطرق الصوفية. بلاد افريقيا عند البلدانيين هي المنطقة التي تبدأ من تونس وتنتهي عند السهل الأفريقي بممالكه التاريخية: مالي، كانم، سانغاي، تمبكتو، وداي. إشعاعات ذلك الإسلام إنبعثت من القيروان التي لم ينشئ فيها عقبة بن نافع قلعة عسكرية فحسب، بل أقام فيها أول صرح للمعرفة والتنوير الإسلامي في افريقيا. ومن مسجد عقبة تفرقت تلك الإشعاعات وإنتشرت مرسلة ضوءها وحرارتها إلى الزيتونة بتونس الخضراء، وقلاع التجانية في عين ماضي بالجزائر، وجامعة القرويين بفاس، ومرابط العلماء في صنهاجه وشنقيط وتمبكتو. هذه هي المراكز التي إنداح منها الإسلام الصوفي على السودان الكبير (السهل الأفريقي) ثم من بعد إلى ما كان يعرف بالسودان المصري قبل أن ينتهي إلى السودان الإنجليزي المصري. دون إنكار للدور الذي لعبه متصوفة ذلك الزمان الذين وفدوا إلى السودان من المشرق (أرض الحرمين)، ومن الشمال (مصر)، كان لمتصوفة أفريقيا الإسلامية القدح المعلى في نقل الإسلام للسودان: القادرية ببطونها وأفخاذها، التجانية، الشاذلية الجزولية. حل ببلادنا أولئك الأشياخ بدءً بسودان الغرب (دارفور وكردفان) ثم إنتشروا من بعد في وسطه المنبسط. وسيلة هؤلاء الأشياخ في نشر الدين كانت هي الحسنى والمهاداة، دون أن يفترضوا عصمة لشيخ، أو يدعوا لتقديس آخر. كان شعارهم في التبشير: إجعل الكتاب والسنة جناحيك وطر بهما إلى الله، لم يقولوا طر إليه على جناح شيخ ولي، أو عالم، بزعمه، يفتأت في الأحكام أكثر مما يفتي. ديدنهم في ذلك هو قول الباز الأشهب، الشيخ المؤسس لطريقة تمددت عبر العالم حتى وصلت السودان وأصبحت أكبر الطرق فيه: الطريقة القادرية. قال الشيخ عبد القادر الجيلاني: يا بُنى اياك أن تنظر إلى شيخك أنه معصوم، إنما هو بشر يخطئ ويصيب. فإن رأيت منه مخالفة فابحث له عن عذر شرعي. فإن لم تجد له عذراً فاستغفر الله له، فإنه بشر يخطئ ويصيب. نسأل الله أن يعي هذه الحقائق من حسبوا انفسهم مكتشفي براءة إختراع الإسلام في السودان، أو من ظنوا أنهم ظلال الله على الأرض، فهما سيان في الضلال. لعلهم لو فعلوا لكانوا أقرب إلى الله فعلاً لا قولاً، ومخبراً لا مظهراً. على أي، عقب تخرج بطران من جامعة بيرمنجهام التحق بجامعة كينية ناشئة، بل هي أول جامعة في كينيا: جامعة كينياتا. وكان إلتحاقه بتلك الجامعة من بعد فترة قصيرة قضاها كمحاضر في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز (1972م 1973م). ولكن سرعان ما ترك بطران تلك الجامعة عندما احس بأنها لا توفر له مجالاً للمضي في بحوثه حول الإسلام الإفريقي مؤثراً الإلتحاق بالجامعات التي تمكنه من تطوير معارفه، وتعميق بحوثه في موضوعه الأثير. التحق بطران بجامعة هاوارد العتيقة بواشنطون كاستاذ للتاريخ وظل في موقعه ذلك على مدى خمس وثلاثين عاماً حتى رحل. في تلك الفترة تخرج على يديه المئات وأشرف على عشرات من رسائل الماجستير والدكتوراة. عمل بطران أيضاً إستاذاً زائراً بجامعة برنستون مشرفاً على البحوث في تاريخ أفريقيا الإسلامية. وخلال فترة عمله في الجامعتين تواصلت رحلاته البحثية إلى المغرب وغرب أفريقيا، كما توالى نشر بحوثه في عديـد الحوليات الأكاديمية مـثل مجلة التاريخ الأفريقي (Journal of African Studies)، مجلة الجـمـعية النيـجيـرية للتـاريخ (Journal of the Historical Society of Nigeria)، كــــراســــــات معــــهــــــــد الــــدراســــــــات الأفــــريقــــــية بــالــمــغــــــرب (Institut des Etudes Africaines,)، وتاريخ افريقيا العام لليونسكو. الباحثون المؤرخون كثيراً ما ينكبون على أمور يَلزمونَها ويُلزمون أنفسهم بها، لا يرى فيها عامة الناس بل بعض خاصتهم إلا عملاً لا جدوى من ورائه، ولا فائدة تستدرك من أدائه. فإلى جانب الإهتمام الكبير الذي أولى بطران في بحوثه للظروف التي هيأت للإسلام ذ ذ نفسه في التربة الأفريقية، وتوحيد اهليها بمرونة فائــقة، تــناول إيــضاً النــزاعــات الفــقهيــة (Ulema Fracas) بين العلماء في المجال الإجتماعي. في ذلك، تناول بطران قضيتين: الأولى هي الدخان، والثانية الرق. وفيما كتب عن الدخان لم يكن بطران يحلل ظاهرة إجتماعية نجمت عن التواصل تواصل أفريقيا الإسلامية مع الغرب وإنما كان، حسبما ذكر أستاذ التاريخ الإسلامي جون فول في تعليق له على رسالة بطران حول التدخين، يستعرض الأطر الإجتماعية والسياسية التي كانت تكيف الرأي القانوني حول الممارسات الإجتماعية، وتضبط احكام الفقهاء بشأنها. ففي الحوار حول الدخان: أهو مسكر أو مفسد أو مُنوم (Soporific)، لم يكن الموضوع الحقيقي الذي شغل بال الباحث هو الدخان في حد ذاته، بل كان همه التوصل إلى مناهج التحليل والإستدلال عند أولئك الفقهاء، وأسلوبهم في تقعيد الأحكام. قال عن تلك الرسالة عالم مؤرخ آخر: رالف ويليس أنها قد قدمت ارضية خصبة للدراسة المقارنة بين القانون والتاريخ الدينيس من الباحثين الخوض فيه: الرق الإسلامي. ذلك الموضوع إحتل حيزاً كبيراً في دراساته، خاصة في الفترة التي عمل فيها بجامعة برنستون. الرق ظاهرة عرفها العالم منذ عهوده القديمة: مصر الفرعونية، اليونان، الرومان، ومن بعد إرتبطت الظاهرة بافريقيا عند إستشراء الرق الزراعي، من القارة الأفريقية إلى جزر الهند الغربية والشرقية والولايات المتحدة. في زماننا هذا أخذ كل العالم يسعى لتطهير نفسه بالإعتراف بما إقترفه الأسلاف من ذنوب في حق شعوب بأكملها. في ذات الوقت إستحيا المفكرون الإسلاميون ولاذوا بالصمت إلا قلة في تونس والمغرب من الإعتذار عن خطايا الإسترقاق. بطران إجترأ على أحكام لم يسبقه إليها باحث مسلم ممن آثروا الصمت إما خشية، أو جهلاً، او إحجاماً عن قول الحق. وإن كان الصدق مع النفس والمعرفة يكسبان المرء جرأة فكرية، فإن الجهل والإنغلاق الفكري لا يوسعانه إلا الوجل، أو يحملانه على الدجل. على المستوى الشخصي كانت معرفتي المباشرة بالراحل في نيروبي في اوائل سبعينات القرن الماضي. شدتني إليه إهتماماته الاكاديمية، وسعيه الدائب لورود آبار بكر في العلم والمعرفة. حببه أيضاً إلى نفسي روح المرح والفكاهة التي لم تفارقه حتى في أشد حالات مرضه. إلا أن أكثر ما قربني منه، أو قربه إلي، كان خلوه مما عُرف به الكثير من أبناء جيلنا: الغيرة الجيلية، التشنج الفكري خاصة في السياسة، والإنغماس الجزافي في الترهات الأيديولوجية. تلك صفات كانت وما زالت تحمل نفسي على الإنقباض عن أصحابها بلا هوادة أو لين. فإن كان التشنج الطبيعي هو تقبض عضلي غير إرادي، إلا أن التشنج السياسي يصدر دوماً عن إنسداد في خلايا المخ يعطل التفكير. أما الغيرة بين المجايلين فحسبها سوءً انها تعبر عن رغبة الحاسد في ان يُذهب اللهُ عن المحسود خلة موروثة، أو مأثرة مكتسبة. وبما أن كسب المرء لا يكون إلا بعون من الله وجهد من عبده، فإن في مثل هذا الحسد جحود بعطاء الخالق. صفات بطران الشخصية ومميزاته الفكرية تلك حملتني إبان تَوليَّ أمر الدبلوماسية السودانية على أن أنشد عونه مع آخرين من ذوي الدربة والقدارة من داخل وزارة الخارجية وخارجها. طمعت في أن يتولى بطران الإشراف على إدارة إستــحدثتــها يومــذاك وأســميتـــها إدارة الرصـــد والتـنـبـوء (Monitoring and Forecast). لا أدري كيف كان البعض سيستقبل هذا الإسم في زمان أصبح فيه نشر خريطة البروج (horoscope) في أحدى الصحف مُنكراً حُملت معه الصحيفة الناشرة، تحايلاً على نشر ذلك المنكرس : ز س. هؤلاء لأسموها إدارة الرجم بالغيب. رجماً كان أو لم يكن، إستهمتني يومذاك القضايا ذات الطابع المستقبلي: كينيا بعد كينياتا، أثيوبيا بعد هيلاسلاسي، مستقبل الخليج خاصة بعد الهزات التي صحبت إحتلال إيران للجزر الثلاث والسحب التي أخذت تتراكم في الجو عند إستقلال البحرين، العلاقات العربية الإسرائيلية: حرباً أو سلماً. الموضوع الأخير جعل بعض الحواجب ترتفع إذ كيف يجرؤ أحد في عاصمة اللاءات الثلاثة على الحديث عن سلام مع إسرائيل، حتى كإحتمال نظري. مهما يكن من أمر، إعتذر بطران عن القيام بما دعوته له، إلا أنه أعد للوزارة بحثاً رصيناً عن كينيا بعد كينياتا كان جد متوافق مع ما آلت إليه الأحداث فيما بعد. ذلك البحث تضام مع بحوث أخرى لفحول الدبلوماسيين: جمال محمد أحمد (أثيوبيا بعد هيلاسلاسي، القضية العربية الإسرائيلية)، صلاح عثمان هاشم (مستقبل الخليج)، او فحول الباحثين زكي مصطفى (قانون البحار وثروات البحر الأحمر)، فيصل عبد الرحمن على طه (حدود السودان خاصة الشرقية والجنوبية). إنتقل بطران من بعد نيروبي إلى واشنطون ليقيم فيها ، وطاب مقامه هناك بعد إقترانه بهادية طلسم، رعاها الله ومن أنجبت. كفاها توفرها على رعاية رجل لم يكن يكلف احداً رهقاً، بل كان يغدو ويروح في داخل منزله كالنسيم كي لا يثقل على أحد. واشنطون مدينة قرية لا كغيرها من المدن الامريكية الممتدة والمتشعبة. هي قرية يسودها هدوء غريب عندما يغبش الليل. فمنذ الرابعة مساءً يهجرها قرابة نصف سكانها إلى ضواحي المدينة، يخرجون منها متسارعين يركب بعضهم بعضاً إلى تلك الضواحي. هؤلاء هم البيروقراطيون الذين تتكدس بهم مكاتب الدولة ومؤسسات المدينة الإقتصادية. تلك المدينة / القرية عرفتها زائراً ومقيماً. ويوم حللت في المدينة مقيماً في مطلع الثمانينات كزميل باحث في معهد وورد ويلسون ذكرت الصحاب القدامى ومنهم بطران. إلتقيت به وطربت باللقاء طرب الواله أو المختبل. طربي كان طرب إرتياح لا كطرب النابغة الجعدي صاحب هذا القصيد سألتني أمتي عن جارتي وإذا ما عُي ذو اللب سأل سألتني عن أناس هلكوا شرب الدهر عليهم وأكل وأراني طرِباً في ذكرهم طرب الواله أو المختبل الطرب أغلب ما يكون عند الإرتياح، إلا انه يعني أيضاً الإهتزاز من حزن أو غم، كالغم الذي إنتاب النابغة. كنت وجماعة من الراحلين: الرشيد عثمان خالد، صلاح عثمان هاشم، عثمان حسن احمد وبعض نفر من الباقين نتلاقى في مقاصف المدينة ومسارحها ومكتباتها. في كثير من تلك اللقاءات كان بطران هو نقطة الإلتقاء، بل بؤرة الضوء التي تلتقي عندها الأشعة. كان يُعَمرُ نفوسنا بكل ما هو جميل، أو ممتع، أو مفيد. لا عجب، إذ كان بطران يبحر في أفق مفتوح. إتسع افقه للدراسات الأكاديمية، وللموسيقى، وللأدب، وللرياضة دون أن تختلط عليه الأمور. عرفت قليلاً من البشر تحتدم في دواخلهم المتناقضات ولا يفقدون توازنهم. ما أكثر ما كنت أرضخ لهؤلاء الصحاب وهم يغزون داري في بيثيسدا دون ميعاد لإقتلاعي من مكتبي للإرتحال معهم إلى أندية الجاز والبلوز في الشوارع الخلفية لقرية جورج تاون، أو لزيارة مطعم جديد في المدينة، أو للإلتقاء بزائر لا يستثقلونه، وما اكثر الثقلاء الذين كانوا يفدون على المدينة. ليكدرون على الناس صفو الحياة. كان صحبي هؤلاء يعرفون انني أقبع في داري لائذاً بكتبي وموسيقاي لأنهما يغنياني عن الناس أغلب الناس. كما كانوا يعرفون أن الكتابة هي الأكسير الذي يقني من الإنفجار. ذلك قول لم يكن، بوجه خاص، يقنع عثمان وبطران فيردفا قائلين: نعرف هذا ولكن هيا بنا إلى جورج تاون ففيها أكسير آخرً. في نهاية الأمر، كنت ارخي لهم العنان، لسبب واحد هو انني لم أكن زعيماً بحال انني أكثر إنكباباً أو حرصاً على القراءة من عثمان، ولا على البحث من بطران، ولا على الخلوة من صلاح هاشم. ما الذي بقي للمرء بعد رحيل تلك الكوكبة من الفاضلين؟ ما الذي بقي بعد إنكساف البؤرة التي تتلاقى عندها الأشعة، فالبؤرة في علم الطبيعة هي ملتقي الإشعاع كما هي مفترقه. ثم هل يفيد الصحب الأقربون والأهل الأدنون، في لوعة فراق الميت وترقب المزيد من عطائه، أن يقولوا مع الشاعر محمد بن عبدالله عند فقده لولده يا موتُ لو اقلت عُثرتَه يا يومه لو تركتَه لغد أو كنت ارخيتَ في العنَان له حازَ العلا واحتوى على الأمد لا أظن ذلك. ليس من طبعي التشاؤم، بل لا أجعل للحزن سلطاناً على نفسي، ما أستطعت إلى ذلك سبيلا. مع ذلك، عند تذكري لتلك الكوكبة الوشنطونية الرائعة: صلاح عثمان هاشم، الرشيد عثمان خالد، الوليد محمد طه الملك، عثمان حسن أحمد، ثم بطران، لم افلح في قهر نفسي عن إستذكار واحدة من قصائد إدجار الان بو (Edgar Allan Poe)، بل أقول أعظم قصائده، بل هي في رأي الكثير من النقاد واحدة من عيون الشعر الأمريكي. تلك هي قصيدة الغراب الأسحم (The Raven). الغراب طائر مشئوم، ولعل شؤمه هذا هو الذي دفع بو لإختياره ليكون نجياً له، بدلاً من الببغاء مثلاً. القصيدة مرثية في لينور (Lenore) صفية الشاعر التي حزن حزناً كبيراً على فراقها. ولكن بو، بطبعه المتشائم والمأساوي، رأى حتى في ذلك الحزن جمالاً، بل ذهب إلى وصف الحزن بأن أعلى درجات الجمال لأنه يثير في النفس المشاعر الدفينة، ويدر الدموع الغاسقة. كان بو يجلس كل يوم في عتمة الليل البهيم في الغرفة التي كان يتشاركها مع ليونور في إنتظار شئ سيجئ. في إنتظار عودة لينور، فلا يجيئه إلا صوت الغراب المشئوم يردد: لن يعود... لن يعود ما مضى لن يعود على خلاف ادجار الان بو نحن أهل يقين ديني تعلمنا منه «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ». لهذا لا يكون عزاؤنا لأنفسنا إلا في الذكرى، «والذكريات صدى السنين الحاكي». قطعاً سيعود المرء ما أمتد به العمر إلى المناهل التي كان يرتاد، سيعود إليها كما يعود أهل افريقيا إلى موارد الماء القديمة. ومن حكمهم: «عندما نعود إلى موارد المياه القديمة لا نفعل ذلك من أجل الماء بل لأن الذكريات تنتظرنا هناك». أحباب كثر لنا ماتوا فأقبروا، وفي قبورهم أجداث ستنسل إلى ربها يوم القيامة. ولكن بجانب الأجداث تضم قبور البعض ايضاً رفوات أحلام جميلة وذكريات باقية. قلت أنني ساعود على بدء بشأن الدَين المستحق لبطران. ففي لقائي الأخير معه قبل بضع أعوام قدم إلي وثيقتين، الأولى هي بحث لعله آخر ما كتب حول صراعات العلماء في أفريقيا الإسلامية (نشرته مجلة المغرب الأفريقي)، والثاني كتيب لا يتجاوز المائة وخمس وعشرين صفحة إختار له عنوان «حنين إلى كورة زمان». الكتيب، فيما علمت منه، سطا عليه أحد قراصنة النشر وطبع منه، دون إذن صاحبه، بضع عشر عشرات أو إن شئت مئين من النسخ. أشار بطران وهو يقدم لي كتاب ذكرياته: «أريد منك أن تعمل على طبعه من جديد ، وأن تقدم له». قلت للراحل «كتابك كتاب حنين والمرء يعاوده الحنين إلى ما ألف، ويَستَحِنه الشوق إلى ما عرف، فما بالك تريد مني أن أقدم لكتاب يذكرك بماض الفته، ولم أكن الوفاً له، أوشغوفاً به». قال: «أو لم تكن صديقاً للأمير، إقرأ المقدمة». أطللت على مقدمة الكتاب التي صاغها بطران باللغة الإنجليزية وجاء في مطلعها: «إلى نجم النجوم، الإسطورة الخالدة، أعظم لاعبي الكرة في هذا الزمان وكل زمان، الأمير صديق منزول». قلت: «هذا تقريظ جيد لمنزول وأنت تستدعي ذكراه». قال: «هو تقريظ لمنزول فحسب، فلم يأت الوقت بعد ليكون منزول ذكرى». وعلى أي، كان بطران محقاً في جانب، إذ تعود علاقتي بمنزول إلى عهد الطلب في المدرسة الوسطى، ثم بصورة أوثق إبان تولي وزارة الشباب والرياضة. في تلك الفترة امتدت لقاءاتنا وتواصلت، وأعان على ذلك نفاج كان يصل بين مكتبي في الوزارة ومكتبه في ديوان المراجع العام. نابني إحساس بأن الذي كان يبتغيه بطران ليس هو إضافة شئ لم يكن يعرفه الناس عن «الإسطورة الخالدة»، وإنما الإنتصاف لرجل فريد يخطئ من يسعى لإختصاره في لاعب كروي ساد ثم باد. ففي منزول الذي عرفت صفات إنسانية أكسبته فرادة، وصفات خلقية ميزته عن الأقران، ثم إستعلاء حميد لم يكن يبتغي منه الترفع عن الآخرين بقدر ما كان يفرض عبره على نفسه قبل غيره - سلوكاً يتوجب على كل صاحب مهنة أو صنعة ان يلتزم به. فالطبيب البارع، والقانوني الحاذق، والمعلم الجيد، والرياضي المبدع ينبغي أن لا يتوقعوا تقديراً من الناس لحذقهم، وبراعتهم، وجودة أدائهم لمهنتهم إن لم يصحب الحذق والبراعة والتجويد والإبداع إلتزام بأخلاقيات المهنة التي إمتهنوا، وبمدونة السلوك التي تضبط الأداء في تلك المهن والرياضات. زادت يقيني بحب بطران لمن اسماه «الأسطورة الخالدة» إيماءات خلال حديثه عن رحلته إلى السودان في ثمانينات القرن الماضي. بواعث الرحلة في ظاهرها كانت شغفه بالديار، وبمن سكن الديار. وبما أن لكل شئ ظاهر مرئي وباطن خفي، فالباطن الخفي في تلك الزيارة كان هو رغبة بطران لإخراج صديقه نجم النجوم من حالة غم كان عليها. زاد من غم منزول وهمه، فيما روى بطران، رحيل خلصائه: سورين وكوركين أسكندريان، عبد الرحمن صغيرون، ثم غياب شيخ الرياضيين ومؤدبهم الدكتور عبد الحليم محمد عنه من بعد أن أقعدته السنون. يالها من سنون تلك التي تقعد العماليق. من تلك الزيارة عاد بطران موجعاً أسيانا. لم آلو جهداً، علم الله، في السعي للإيفاء بما وعدت صديقي وتعهدت به راضياً. ولكن ما حيلتي مع الناس؟ فمن بين كل من أوصى بطران بإمدادي بما يسد الفجوات فيما كنت أنتوي كتابته لم تصل إلى ومن بعض البعض غير جذاذت (والجذيذ قطعة من حطام)، أو بضع صور فوتوغرافية أشكر عليها الأستاذ أمين زكي. والآن وقد ذهب بطران إلى ربه راضياً مرضيا ما علي إلا أن أستحصد العزم للإيفاء بمهمة غير عسيرة أناطها بي راحل عظيم. ما هو أكثر جدارة بالعناية هو دراسات الراحل التي نشرت بالإنجليزية ومن حق القارئ العربي أن يطلع عليها. في رثائه لطالبه النجيب عبر أستاذه البرازيلي فارياس عن حزن عميق لإضطرار بطران إلى تلخيص رسالته للدكتوراة في كتيب صغير طبعه معهد الدراسات الأفريقية بجامعة محمد الخامس تحت عنوان: «الطريقة القادرية في غرب أفريقيا والصحراء الغربية: حياة وزمان الشيخ المختار الكنتي 1729م 1811م. قال فارياس أن ذلكك الإختصار قد ظلم الكاتب ظلماً بيناً، كما عفى على الصعوبات الجمة التي عاناها في بحثه حتى يلقي الضوء على الكثير مما كان يجهله الباحثون». من أقمن بالإهتمام بجهد هذا الباحث غير الجامعة أنجبته: جامعة الخرطوم، وبوجه خاص كلية الآداب ومعهد الدراسات الأفريقية والأسيوية؟ ومن غيرهما أكثر إدراكاً أو ينبغي أن يكون بأن إهدار الآثار العلمية هو والفتاة مهدرة الجمال سواء؟!
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: munswor almophtah)
|
بطران ذلك الكنز المختبئ فى عاديته وفى تواضعه وفى سماحته أخرجه إلينا رجال عرفوه حق قدره وقالوه كما هو وكان خير القول لخير الرجال حدثنى أول ما حدثنى عنه دكتور عبدالله على إبراهيم حديث العارف للرجل عن تميزه الأكاديمى أبان جامعة الخرطوم وعن حضوره ونشاطاته المتعدده وفرايحيته المعهوده وعن قدرته العاليه فى كتابة البحوث الأكاديميه. أيضا كانت لكتابة زميله الأستاذ عبدالمنعم خليفه والذى زامله بجامعة الخرطوم وببريطانيا تلك الكتابه الباكيه وحاكيه عن قدر بطران بتجويد مشوق يحث قارئها لأن يقول هل من مزيد??!! قال فيها عن صديقه كل ما يمكن أن يقال. بل سمعت بدكتور بطران من الدكتور ميرغنى إسحاق فى فجر التسعين عندما كنا نتقاسم السكن بمدينة تورنتو قبل أن يذهب أستاذا للهندسه المكانيكيه بماليزيا لياتى اليوم التوضيح العميق الكشاف لحقيقة بطران وحقيقة معرفته وحقيقة تميزه وتفرده الأكاديمى وحقيقة بحوثه التى تحث المهتم بالوقوف عليها فقد بين منصور الذى أكد عبقرية بطران فى دراساته للإقتصاد أيضا بين تفوقه فى دراساته اللاحقه فى مجال التاريخ الإسلامى وأثر التصوف فى تشكيل القاره الأفريقيه والحزام السودانى وأيضا وضح عن إسهامه البحثى لوزارة الخارجيه عن كينيا ما لها وما عليها مع نفر آخر كجمال محمد أحمد وفيصل عبدالرحمن على طه فى الحدود وغيرهم بل وضح دراسته التحليليه النقديه الدقيقه لبعض العادات الإجتماعيه السائده كالتدخين وتفنيد أراء الفقهاء عنها لتكون أساسا لمجالات بحث آتيه لا بل وضح تناوله للرق فى الإسلام بجرأة تقاصر عنها الكثر إلا الندر اليسير منهم لا بل تحدث عن إجتماعيته وعن إنسانيته وعن عشقه للاعب الأسطوره صديق منزول الأمير الذى كتب عنه أحسن القص والحديث وتحدث عن حزن بطران لعماليق كدكتور عبدالحليم محمد ومن معه أولئك النفر الذين تركوا فراغا من الصعب أن يشغله غيرهم لا بل تحدث عن إخوانياته وخوته وعشرته وبكى لأنه لم يستطع أن يفئ بوعده فى تقديم بحث ومخطوطة له لا بل تحدث عن أبناءه وهاديه هداهم الله لفعل الخيرات وألزمهم الصبر الجميل والسلوان والرحمة والمغفره لبطران فى البرزخ والعلياء وإن لله وإن إليه راجعون.
والبوست ملك عام للجميع فى حق شخص عام وبتسطير شخص عام
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: munswor almophtah)
|
وداعاً نجم جيلنا الساطع بروفيسور بطران عبد المنعم خليفة
شاءت إرادة الله الغالبة أن يرحل الإنسان الرائع .. ونجم جيلنا الساطع.. البروفيسور عبد العزيز عبد الله بطران - عليه رحمة الله ومغفرته ورضوانه.. العزاء والمواساة لأسرته وأهله وأصدقائه.
أصابني نبأ رحيل صديقي العزيز بحزن عميق؛ وحرَقتني لذعة فراقه.. وزاد من وقع النبأ على نفسي أنه جاء مباشرة بعد الاحتفاء به وتكريمه من قبل أصدقائه الأوفياء، ومجموعة السودانيين بأمريكا من العارفين لفضله والمقدرين لمكانته.. مما ترك لديَ انطباعاً بأنه لا بد أن يكون مشاركاً في الحفل الزاهي والجيد الإعداد، بحيويته ومرحه المعهود.. ولم يدر بخلدي أبداً أن حفل واشنطون كان بمثابة حفل الوداع الأخير للصديق العزيز.
ومن المفارقات أيضاً أن تصادف أن كانت سيرة الراحل العزيز العطرة محور حديثنا في الأسبوع الماضي، عندما زارني صديقي وصديقه، وابن مدينته (كسلا)، د. عبد الله حسن الجاك الذي جاء إلى مسقط أستاذاً زائراً بجامعة السلطان قابوس.. حيث تدفقت الذكريات عن (الأغنية الخضراء)، و(توتيل)، و(القاش)، وعن كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم، وعن (داخلية بحر الغزال) .. وهذه جميعها ساحات كان (عزيز دنيانا) بطران بطلها الذي لا يجارى.
رحل د. بطران مخلفاً فيضا زاخراً من الذكريات العذبة. ونحن، كما جاء في كلمات شاعر أسكوتلاندا العظيم روبرت بيرنز (والتي نقلها للعربية أستاذ الأجيال ألراحل أحمد محمد سعد).. "لن ننسى أياماً مضت لن ننسى ذكراها"..
كنت والراحل العزيز من طلاب الدفعة الأولى بكلية الاقتصاد والدراسات الاجتماعية بجامعة الخرطوم.. وكان صديقي من الطلاب ذوي المستوى الأكاديمي العالي، حيث تخرج بدرجة الشرف. ضمتنا سوياً كذلك (داخلية بحر الغزال) الشهيرة بحيويتها، والتي تمتزج فيها الرياضة بالسياسة، وبالفن، وبالفكاهة.. مكسبة طلابها طعماً خاصاً ونكهة مميزة. وكان الحس الفكاهي الراقي الذي يتمتع به الراحل العزيز أحد العوامل الديناميكية في تشكيل تلك النكهة المحببة. وكان لأبناء كسلا (أبناء الخلفاء – ومنهم الخليفة عبد الله بطران) وجود بارز في (داخلية بحر الغزال) ، منهم د. أحمد حسن الجاك (عميد كلية الاقتصاد)، والمستشار القانوني حسين السمحوني، وشقيقه السفير عثمان السمحوني، والمحامي ونائب كسلا في البرلمان حسن الماحي (عليه رحمة الله). كذلك ضمت (بحر الغزال) مولانا عبد الله التوم ، الذي تربطه صداقة عميقة الجذور مع الراحل العزيز ومجموعة أبناء كسلا.. وكان في قلب هذه المجموعة من الأصدقاء أيضاً القاضي (والمحامي لاحقا) مولانا حسن عبد القادر الشهير بـ (سليقة) – عليه رحمة الله - والذي تنسب إليه طرائف ونوادر سيظل الجيل بعد الجيل يرويها!.. ومن أصدقاء المجموعة كذلك الأعزاء/ د. عبد المنعم ساتي، وعبد الفتاح محمد صالح، وعثمان خليفة سعيد.
كان الراحل العزيز مهتماً بالنشاط الرياضي عامة، وبالرياضة الشعبية (الدافوري) خاصة؛ كما اشتهر بأنه من المشجعين المتحمسين لفريق (الهلال).. وفي ساحة فن الغناء اشتهر الراحل العزيز بطران بتذوقه لغناء ( الفنان الذري) إبراهيم عوض.
يا (عزيز دنيانا) بطران.. تغمرنا ذكراك بحنين دافق لتلك السنوات العامرة.. وتنهض بجيلنا الذكريات (إن كان ثمة نهوض).
جمعتنا بعد تخرجنا زمالة وزارة التجارة والتموين بالسودان.. لفترة قصيرة.. وبعدها تفرقت بيننا الدروب لسنوات - بل عقود طويلة - لظروف العمل والدراسة.. ولم تتم بيننا سوى لقاءات متباعدة.. غير أنها ثرية ومشبعة بالصدق والصداقة.. وستظل أصداؤها دوماً تدق في ذاكرتي.
كانت أولى تلك اللقاءات في مدينة (بيرمنجهام) ببريطانيا في نهاية عقد الستينات، وقد أتيتها من مدينة (ليدز) لتهنئة صديقي العزيز بنيله درجة الدكتوراه.. ومن بين أبرز الانطباعات التي لمستها (ونقلتها لأصدقائنا المشتركين) أن سنوات بريطانيا قد تركت آثار إيجابية على صديقنا بطران؛ ليس فقط في الجانب الأكاديمي، والذي توجه بنيله الدكتوراه، وإنما أيضاً في جوانب اجتماعية وشخصية أخرى.. من بين هذه الآثار الإيجابية أن الاهتمام العام بالرياضة، والحماسة الجماهيرية لفريق (الهلال)، قد تحولت إلى اكتساب الراحل العزيز فهماً وأفقاً عريضين للرياضة وأسسها، استنادا على منهجية علمية.. وقد قادته رغبته المتأصلة في الرياضة إلى التعمق في دراسة التدريب والنقد الرياضي (على أصوله).. لمست كذلك أن عزيزنا بطران أصبح أكثر تذوقاً للفنون والموسيقى – خاصة موسيقى الجاز والبلوز التي تتوافق مع مزاجه النابع من توجهاته الجديدة التي عمقتها ثقافته الإنسانية والأممية، وصداقاته الكاريبية والإفريقية.
هذا ما كان من أمر الرياضة والفن والموسيقى.. أما عن الفكر، والاجتماع، والسياسة، فهي أيضاً من الساحات التي اكتسب فيها عزيزنا بطران معارف واسعة؛ رسخها وصقلها بالموضوعية وبمنهجية البحث العلمي، وبالحوار المستند على احترام الرأي الآخر.. كذلك ساعدته سنوات بريطانيا - والتي يبدو أنه أحسن استغلالها، ولم يهدرها- في معايشة قضايا الفكر والسياسة المعاصرة، والخروج من نطاق المحلية الضيق.. وبذلك كون رؤى مستنيرة لمستقبل السودان، ومستقبل إفريقيا، والتي كان يولي قضاياها الاقتصادية والاجتماعية اهتماماً خاصاً.
كان لقاؤنا بعد ذلك في مطلع الثمانينات، عند زيارتي له في واشنطون.. حيث ظل يعمل أستاذا للتاريخ الإفريقي بجامعة هاوارد (الجامعة التاريخية للأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية، والتي لعبت دوراً مهماً في التاريخ الأمريكي وحركة الحقوق المدنية).. تحاورنا كثيراً حول قضايا الوطن.. وكنت حريصاً على التعرف على رؤية صديقي بروفيسور بطران لها، كمثقف وطني، وكمهاجر، وكأكاديمي صاحب فكر ثاقب.
تبادلنا في ذلك اللقاء العامر حصاد السنين، وتجارب جيلنا، وتجاربنا الشخصية، حيث استعرض كلانا مسيرته عبر دروب مختلفة.. طربنا للذكريات المشتركة العذبة، والتي نستعيدها في مثل تلك المناسبات وغيرها، ليس فقط لإدخال المسرة على نفوسنا؛ وإنما لتجلية تلك النفوس من الصدأ الذي تراكم عليها عبر سنوات من الإحباط والإخفاق في تحقيق الطموحات الوطنية.
تعرفت بفخر على الإسهامات الأكاديمية لصديقي الراحل العزيز؛ وأنه إلى جانب عمله بجامعة هاوارد، قام بالتدريس أيضاً في جامعة كنياتا بكينيا، وجامعة برنستون.. وله كتب ومطبوعات عديدة محورها تاريخ إفريقيا، والتاريخ الإسلامي خاصة؛ من بينها كتابه عن "الإسلام والثورة".. وقد وجدت إسهاماته تلك تقديراً عظيما، حيث تمت الإشادة "بتحليله الدقيق الذي مهد الأرض للدراسات المقارنة في مجالات القانون والتاريخ الديني"، و"تناوله المبدع للفكر والممارسة الإسلامية". وعرفت أيضاً أنه مستشار وعضو في مجالس عدد من المراكز والمنظمات الأكاديمية والثقافية.
عند عودته للسودان في نهاية الثمانينات، بعد غياب طويل، سعدنا لأن عاد لنا (عزيز دنيانا) ومعه رفيقة دربه الفنانة الرائدة والمبدعة الأستاذة هادية طلسم.. استقبلهما الأهل والأصدقاء القدامى بفرح غامر، منبعه أولاً العود الأحمد، وثانياً القران الميمون، الذي طمأننا على صديقنا المهاجر، والذي خشينا أن تكون أمريكا قد ابتلعته منا نهائياً!
قدمت التهنئة لصديقي د. بطران وللأستاذة هادية (والتي كنت قد تعرفت على والدها الأستاذ الراحل/ عبد المجيد طلسم عن طريق صديقي عابدين عبد الهادي (عليهما رحمة الله)، ومن خلال صداقاتي التاريخية لأهالي حلفا.. كما أن عمتهاالأستاذة سارة طلسم كانت زميلتنا بجامعة الخرطوم ، وتزاملنا مرة أخرى بجامعة ليدز ببريطانيا).
رحم الله الراحل العزيز بروفيسور بطران رحمة واسعة.. العزاء الحار والمواساة لزوجه وأبنائه، سائلين الله أن يلهمهم الصبر الجميل، وأن يوفقهم في مسيرة حياتهم.. والعزاء للأهل جميعاً، ولمواطني مدينة كسلا، ولفريق الهلال السوداني، ولأصدقائه وزملائه وطلابه.
وداعاً نجم جيلنا الساطع بروفيسور بطران
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: عبدالله عثمان)
|
عزيزي الأديب منصور.. تحياتي الخالصات
كنت أظن أن كل من عرف البروف بطران سينعيه بكلمات تخطها أيادٍ ترتعش وقلب يئن من ألم الفقد العظيم والمصاب الجلل لعلامة من أجل علماء السودان والإنسانية جمعاء. لقد كتب كل أصدقاء وأحباب وطلاب فقيدنا الإنسان الملاك... ولكني تمعنت وتسمرت حقاً فيما كتبه الدكتور منصور خالد في نعيه أعلاه الذي تجاوز به حدود الفضل والعرفاء.. فأتت كلماته مضيئة بحروف من نور العلم فاقت أدب المقال.
بها تيقنت أن بلادي زاخرة بأهل الفضل وأصحاب المعروف.. لقد كتب الدكتور خالد ناعياً الأستاذ الدكتور بطران بكلمات بكت وفاحت منها رائحة الفضل.. وعتقتها حكمة خالد لخالد. فهاهي كلمات أديبنا المنصور خالد تحكي لنا عن معلمٌ فاق حدود التأدب. مضى عنا وترك لنا إرثاً سيخلده التاريخ.
فأنا يا عزيزي قد علمت بوفاة عزيز في الرابعة صباحاً، أي بعد سويعات من وفاته.. وكنت قد جئت لمنزلي مرهقاً من إجتماع نيويوركي طال إنعقاده.. فدخلت وجلست أمام حاسوبي لأصعق بخبر نعيه في هذا المنبر. فوجدت نفسي أبكي وأبكي بكلمات جاءت وليدة حزن حاد وجارف كتبتها بحروف مهتزة لا لشئ سوى لعدم قدرتي على قراءتها وأنا أعاني من نزيفٍ حاد لدموع إحمرت بها عيناي والتي إمتزجت بكت بدماء ضخها قلب معتصر بالألم من بين ضلوعٍ إنقبضت بعد أن أطبقت عليها رئتين إمتلأتا بالغبن على نفسي التي نازعني شيطانها في ألا أذهب قبلها بيوم لـ دي سي لتكريمه وإنتصر.
تراني اليوم أبكي ببكاء دكتور منصور خالد... فعذراً لعدم تمكني مجاراة متمكن سوى بالبكاء.
فـ لله دركما أيها المنصوران... وليرحمك الله أيها البطران!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: Mohamed Yassin Khalifa)
|
الأستاذ عبدالله عثمان سلام من الله عليك والشكر والتقدير لك وأنت تبذل جهدا فى إظهار الحزن الكشاف لحقيقةالفقبد عالم التاريخ والإجنماع بطران فأنظر لقدره من قدرة نده الذى قاله بلا زياده ولا نقصان ولكنه قاله كما هو وتعرفنا على ما كان عليه بطران وشعرت بالندم والأسف والأسى على عدم التعرف عليه وهو حي بمطالعة بحوثه وكتاباته النيره ولكن ماذا يفيد الندم وسنعمل على البحث عن كل أثر له حتى نقف على تفاصبل غابت عنا من جهده الجهيد والذى لايتوانى تلاميذه الأمريكان فى إخراجها وتوثيقها
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: munswor almophtah)
|
سلام لصاحب البوست وضيوفه الكرام
رحم الله الفقيد رحمة واسعة وجعل الجنة مثواه
حقيقة قرأت المقال مثنى وثلاث ورباع ، مقال رائع ورصين من قلم مقتدر الله يمد في ايام الدكتور منصور خالد ليتحفنا بالرائع فقط لا ادري لماذا لا تتعاقد صحفنا المحلية مع الدكتور لكتابة مقال اسبوعي او حتى شهري بلا شك سيكون مكسبا كبيرا ولا يكون خصما بأي حال من الاحوال عليها
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: عليش)
|
الأخ Mutwakil Mahmoud
نعم كان بكاء خالد بكاء الوجيع المكلوم الصادق لا بكاء الأجير الذى يبكى ليقبض ما يستحق على ذاك البكاء الكاذب ولكنه بكاء الرجال الشوامخ حزنا لفقد الرجال الرواسخ فقد بكى رجل رجلا بحرقة خلاقة أبدع فيها الوصف الذى لا تطوله مدارس العزائين الهابطه مهما أبدت من من عويل ونواح. لا بل شيد منصور خالد حائطا لمبكى جديد.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: عليش)
|
عزيزي منصور، تحياتي ووافر تقديري، ثم شكري العميق على هذا الاستيعاب الذري لبعض كنه العزيز عزيز من خلال مساهمات من عرفوه فاستكنهوه، فعبروا عما عرفوه عن هذا الإنسان الباسق، الظريف، المتواضع، الذي مر كالنسمة في هذه الفانية، كما كان يفعل في عقر داره حتى لا يزعج هادية طلسم، زوجته المبدعة، وبذورهما الخيرة. وقد قال عنه أستاذنا العظيم منصور خالد ماقال في هذا الباب. وهل يرزيد من يزيد على ما يقول أستاذنا منصور المنصور، من مزيد، يا منصور؟ أشعر بأثر خيرة الناس في كل كتاباتك العميقة يا منصور، وأنا من المتابعين لها باهتمام بالغ.
ودعني في هذا السياق أقترح لك أن ندرك أنفسنا وأن نبدأ في الاعتراف بفضل أستاذنا الدكتور منصور خالد علينا. أثر هذا الرجل العظيم واضح في كتاباتك وفي كتابتنا العرجاء، التي تستند على عصا الكلمة الحرة التي علمنا منصور خالد أن نقوله في وجه سلطان العقل الجمعي الجائر! هذا الرجل في مصاف قلة من عظماء السودانيين الذين سيخلدهم تاريخنا يوم يكتب التاريخ الصحيح للسودان. هذا، يوم يكتب تاريخنا مؤرخون أفذاذ مثل العزيز "عزيز" بطران. أثر مثل هؤلاء واضح في كلماتك المشعة دوماً، ومنها تلخيصك هذا البديع لبعض كنه بطران.
وإن كنا حقاً نعرف للعظماء قدرهم فإننا يجب أن نجد في تكريمهم وهم بين ظهرانينا. وهذا ليس تكريم لهم فحسب، بل هو تعظيم لقدر المعرفة وللعلماء. وقد أثلج صدري أن عزيز مضى إلى ربه وهو يعلم أنه محبوب ومقدر وأن حياته وممساهماته ستظل مصدر إلهام ما ظلت في الأرض قيمة للمعرفة وما ظلت هناك قيمة للكلمة. دعنى الآن أدلف إلى ما ألهمتي به كلماتك الناضرة، المشعة، كعباد الشمس.
أقترح أن نكون لجنة للاحتفاء بالدكتور منصور خالد طيلة مدة العام القادم في أنحاء الأرض قاطبة، بدءاً ببلاده التي أحبها وظلت تسكنه ويسكنها، حاضراً فيها أو غائباً عنها. الدكتور منصور خالد والدكتور عزيز بطران خلقوا من طينة واحدة، هي طينة الفردية التي لا ترضى أن يهلكها عقل جمعي متربص، مهووس، استحكمت فيه نوازع الجهل والتخلف من طائفية والعشى الأيدولوجي الذي يتمسح بالحداثة، وما هو منها في شئ. هذا المفكر الحر، الصنديد، منصور خالد، وذاك الغائب الحاضر، عزيز بطران، وغيرهم قليل، انتصفوا لقيمة وإنسانية الإنسان بتعزيز التفرد، والتفكير خارج الصندوق الجمعي، ثم والثورة عليه، كل بطريقته الخاصة.
منصور خالد اختار أن يكون فرداً، صمداً، لا يجامل فيما يراه الحق، ثم هو لا يرتضى لنفسه ألا أن يسهم في الشأن العام على الرغم من حسد الحاسدين من مجايليه، وعلى الرغم من الصغائر التي تغاضى عنها كثيراً من هؤلاء والكبائر التي لم يكن له بد من أن يرجمها رجم من يرجم الكبائر، فيرمي بجمراته عليها، تقرباً إلى الله وإلى الحق. ومن مرتكبي كبيرة الحسد والجور ضد منصور من قضى نحبه، ثم لا يجد ذكراً بين العالمين، ولن يجد له ذكراً، يوم يذكر الذاكرون المذكورن مثل منصور خالد! ومنهم من ينتظر، وما أكثر هؤلاء الجعجاعون، عاطلو المواهب. وعاطل الموهبة الحسود إنسانية الإنسان في نفسه هو فحسب، بل يستمر في تسديد الطعنات لصاحبه الهالك وهو مقبور. ليت قومي يعلمون! نسأل الله لهؤلاء المغفرة والرحمة من الله، الذي تسع رحمته كل شئ، من ظن أنه قد عرف منصور أو بطران، فإنه لا يعرفهما، بل لا يراهما إلا كمن يرى السيف في غمده. أرجو من نفسي ومنك وكل أحباب منصور خالد، وهم كثر، أن يجدوا في توظيف العام القادم، كله، في أرجاء العالم، كله، أن يحتفلوا بهذا الخالد. وأرجو من حساده كذلك أن يخشووا الله في أنفسهم، وأن ينتصروا لأنفسهم في أنفسهم، وأن يتداركوا أن التاريخ لن يرحمهم إذا مضوا وهم حانقون حقادون، ناكرون لفضل هذا الرمز الفكري الشامخ. فكلماته قد خلدته وهو يخفر بها في الصخر ليحيل الصخر إلى تربة خصيبة، فيكتب في أنفسنا ما قد كتب راوياً لزرع غض يانع أنبته شوامخ، مثل الأستاذ محمود محمد طه، ومنصور خالد، الفردين الصمدين، اللذين كانا مصدر إلهام لعزيز وإخوانه وأخواته ممن ظلوا ينشدون التفرد في بلد ما زالت روح القطيع فيه هي التي تحرك المتحرك وتسكن الساكن، وما أقساها حركة حركة "الجهل النشط!" وما أكثر تخلف القطيع حركة الجاهل النشط حين يسكن ساكنها، هذا السكون الذي نعايشة اليوم، ونحن نراوح مكاننا، جعلنا مضحكة بين الأمم بعد أن كنا من صناع حضاراتها التالدة! فقد نشط جهلاؤنا حتى شطروا وطننا إلى شطرين، في عالم ينحو حثيثاً نحو تكوين الكيانات الكبيرة، بل في أن يصبح قرية كونية! ما علينا الآن من هذا، فقد أهرق فيه مداد كثير. ما يهمني الآن هو أن نحتفي بمنصور خالد، لوحده، لأنه كان دائما فرداً، في عام كامل، يحفل بالأنشطة التي أرجو أن تساهم في إعادة نشر مؤلفاته وعقد الندوات حولها، واستخلاص الدروس منها. ولنذكر أنه من حكى لنا "قصة بلدين" قبل أن يقصها عليها قاص وهو يعمل بيديه ورجليه، وبعقله النفاذ، وبقلبه النابض بحب الإنسان، من حيث هو إنسان. فكان أساء الناس، ومعظم هؤلاء دهماء ممن لم يزل عنهم القلم بلماً، وإن ظنوا بأنفسهم ما ظنوا في أنفسهم علماً وباعاً في المعرفة. وهل يعلم من العلم شيئاً من بات وقبله يضج بالحسد والحقد الزؤام؟!
أرجو أن تنظر معي في فكرة أن نجعل العام القادم عام احتفاء "للعلم النشط" الذي ورثنا معرفة. فإن فعلنا ربما نرث من مكتبة دكتور منصور خالد، ومن أنموذجه، بعض حكمة. ومن يورث الحكمة فقد ورث كل شئ! هذا ما ألهمتني إياه حياة عزيز بطران وهي تعبر عن نفسها من خلال كلماتك "الحرى" بلهب رفيق، يضج بالإنسانية الحقة وهي تحرق أعواد صندل نادر المثيل، لا بزفرات كريهة الرائحة، تنبعث من نافخ كير لا يتقن صنعته، فلا يجد منه الناس غير الأذى المكروه!
منصور لا يحتاج لتخليدنا فقد سطرته كلماته منحوتاً ومنصوراً في سفر الخلود، يا منصور. نحن الذين نحتاج أن ننصر أنفسنا بالاحتفال به، فقد همشناه في حياتنا، بقصد من بعضنا من الحساد، النشطون، الفجار، وبغير قصد من بعضنا الزهاد، المحبطون، الأخيار. أما مناوؤه، وحاسدوه، وكلماتهم، وقد سطر التاريخ همزات بعضم ولمزاتهم، فويل لهم من كل همزة لمزة، وويل لهم من قبور ستعلنهم ومن تاريخ سينساهم، وإن لم يفعل فقد لا يذكر غير الهمزات واللمزات وسيئ الأحقاد. ويل لهؤلاء من العزيز المقتدر، يوم لا ينفع الناس مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم!
دعنا نجد في هذا الأمر، واقترح أن تفترع بشأنه خيطاً منفصلاً لأنك ملهمه، وصاحب الحق فيه. وإن لم تشأ أن تفعل فسأفعل ولن تكون لك غير العتبى حتى ترضى!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: عبدالله عثمان)
|
Quote: على خلاف ادجار الان بو نحن أهل يقين ديني تعلمنا منه «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ». لهذا لا يكون عزاؤنا لأنفسنا إلا في الذكرى، «والذكريات صدى السنين الحاكي». قطعاً سيعود المرء ما أمتد به العمر إلى المناهل التي كان يرتاد، سيعود إليها كما يعود أهل افريقيا إلى موارد الماء القديمة. ومن حكمهم: «عندما نعود إلى موارد المياه القديمة لا نفعل ذلك من أجل الماء بل لأن الذكريات تنتظرنا هناك». أحباب كثر لنا ماتوا فأقبروا، وفي قبورهم أجداث ستنسل إلى ربها يوم القيامة. ولكن بجانب الأجداث تضم قبور البعض ايضاً رفوات أحلام جميلة وذكريات باقية. |
الرحمة والمغفرة للعلامة الراحل بروف بطران والشكر لمنصور المعرفة ومنصور ناقل المعرفة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: بدر الدين الأمير)
|
أخى وأستاذى Mohamed Yassin Khalifa السلام ورحمة الله عليك وأنت تحسن الظن فى الناس بأن يكتبوا حزنهم بمداد من دمع ودم على فقد ذاك المجره المضيئه والتى سقطت بكل ضيائها ووهجها عفوا - ودعنا نجد عذرا للكل لأن طرائق التعبير عن الحزن عديدة فهناك من يبكى فى سره وهنالك من يجاهر به وهنالك من يواسى, أما الكتابه فهى البكاء الباقى ما بقى الإنسان وهى فرض كفايه كالصلاة على المتوفى يقوم بها البعض وتسقط عن البعض الآخر لأنها شاقة وعسيره إلا على القلائل من أهل الإخلاص فها هم يسطرون حزنهم بحروف باكبه وبجمل مفعمه بالحزن والأسى كما فعل منصور خالد فى حق بطران وفعل عبدالسلام نورالدين فى حق نفر أخر نعم إنها أصعب الكتابات وأصدقها على الإطلاق أخى محمد يس ولم تبخل أنت بذلك وخير الكلام ما قل ودل.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: munswor almophtah)
|
Quote: أما الكتابه فهى البكاء الباقى ما بقى الإنسان وهى فرض كفايه كالصلاة على المتوفى يقوم بها البعض وتسقط عن البعض الآخر لأنها شاقة وعسيره إلا على القلائل من أهل الإخلاص فها هم يسطرون حزنهم بحروف باكبه وبجمل مفعمه بالحزن والأسى كما فعل منصور خالد فى حق بطران وفعل عبدالسلام نورالدين فى حق نفر أخر نعم إنها أصعب الكتابات وأصدقها على الإطلاق أخى محمد يس ولم تبخل أنت بذلك وخير الكلام ما قل ودل. munswor almophtah
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: عليش)
|
الأخ الدكتور حيدر بدوى صادق السلام ورحمة الله عليك وأنت تكتب كذلك حزينا على بطران الذى تعرفه مكافحا له بلا وسائط ومباشرة بوصال أحسبه حميم ومفيد وضاخا للثناء عن الدكتور منصور خالد الذى بكاه فأبكى الكل بما كتب وأبقى من رثاء عليه سيظل تحفة كتحف الفراعنه والنوبه الملوك إلى يوم يبعثون يراجعه أهل التخصصات ويحللونه ويشرحون معانيه ومضامينه ومحتوياته.عزيزى دكتور بدوى أنا لم ألتق بدكتور بطران ولا بدكتور منصور خالد على الإطلاق ولاأدعى معرفتى بهما كما يعرفها غيرى بالمعايشه أو بالمشائحه ولكنى تعرفت عليهما الآن ومن خلال عرض منصور لبطران ومن خلال ما وقع فى يدى من ما يكتبان أو ما يكتب عنهما وأحسب أنى مازلت فى مرحلة التعرف عليهما وعلى غيرهم وعلى نفسى حتى تتم معرفتى بالله الواحد الأحد الفرد الصمد. عزيزى حيدر تأثرت جدا لبطران الذى رأيته يموت واقفا وهو يعطى دروسا فى علم الإجتماع والإنسانيه يقبل هذا ويحصن ذاك ويرفع كوفيته شكرا وثناء للكل ويستجيب للكلمات والموسيقى ويعبر أحسن التعبير نسأل الله له الغفران والعفو والفوز بالجنه لا بل بأعلى الفراديس فقد ترك تراثا معرفيا مفيد نتمنى أن يكون له صدقة جاريه. أما عن منصور فماذا تود منى أن أقول فقد قلته أنت كما تراه وكما تعرفه وليس لدى ما أضيفه لذلك فهو أحد صانعى التاريخ وشاهديه فقد يراه الناس من زوايا مختلفه قد تطابق وقد تتناقض ولا أحسب فى ذلك ضير بل ثراء يعمق المعرفة عنه وبه ويجلى عن الناس الغموض وهو مازال بين ظهرانينا أطال الله عمره وأبقاه فهو أحد ذوى الإسهام ورواد الحراك المعرفى فى السودان وهم كثر لم نعط أيا منهم حقه كما ينبغى وقبل أن نبدأ ذلك علينا بالتوحد والتصالح وصناعة الأجواء النظيفه التى تحتاجها رئة الوطن ومن ثم نصنع الأعياد لهم جميعا أولئكم الأماجد
فالتحايا لك ولإبن عبدالماجد الماجد عبرك والسلام.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: munswor almophtah)
|
Quote: أما عن منصور فماذا تود منى أن أقول فقد قلته أنت كما تراه وكما تعرفه وليس لدى ما أضيفه لذلك فهو أحد صانعى التاريخ وشاهديه فقد يراه الناس من زوايا مختلفه قد تطابق وقد تتناقض ولا أحسب فى ذلك ضير بل ثراء يعمق المعرفة عنه وبه ويجلى عن الناس الغموض وهو مازال بين ظهرانينا أطال الله عمره وأبقاه فهو أحد ذوى الإسهام ورواد الحراك المعرفى فى السودان وهم كثر لم نعط أيا منهم حقه كما ينبغى وقبل أن نبدأ ذلك علينا بالتوحد والتصالح وصناعة الأجواء النظيفه التى تحتاجها رئة الوطن ومن ثم نصنع الأعياد لهم جميعا |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: munswor almophtah)
|
بشاعريته الأخاذة القفازة دوما يبكيه كذلك شاعرنا الدبلوماسى محمد المكى إبراهيم ويسترسل فى سرد محاسنه وخصاله الحميده وحضوره الطاغى وأفضاله التى لا يتكلفها ولا ينتظر لأى شكر فيها أو عليها وبذلك فقد قاله صنوه فى العبقرية والإبداع وعشق الفنون والآداب أستاذنا المكى حزينا عليه وعلى فقده الكبير للوطن ولأسرته الصغيرة والكبيره فهكذا نتعرف على الرجال بالرجال ونتعرف على المواقف بمواقف أكثر تشريف وأكثر شفافيه وهنا يحضرنى القول الشائع (يوم شكرك ما يجى) ولكنه جاء ذلك اليوم لجرد الحساب وكشف المكنون الجميل فى صدور الأوفياء الخلص لك يا بطران.
الشكر لأستاذنا على مشاركته الصادقه والمعبره
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: munswor almophtah)
|
لم يكن بطران فقدا واحدا بل كان فقد أمه إفتقدته أنا زوجته كزوج وصديق وحبيب حان ورفيق فى طريق الحياة الوعره إفتقده إبنيه غضى الإهاب وهما يتلمسان طرق الحياة الشاقة المظلمه إفتقدته أسرته بكسلا وأفتقدته كسلا من خلالها إلى خلخالها وأفتقدته هوارد وأساتذتها والطلاب لا بل إفتقدته واشنطون الكبرى فرجينا وميرلاند وواشنطون وما حولها وأفتقدته أمريكا وأفتقده السودان كان عالما حالما بتحقيق الإنجازات العظام وكان مرتبا منظما فعالا لواجباته كما ينبغى وكان حاضرا فى المشهد الثقافى والإجتماعى والفنى بصوفية العارفين المدركين لأدوارهم الكبيره كان صديقا للكل مرحا يصنع الملح ويبتدع القفشات والحديث الفكه إفتقدته أنا وإلى الأبد وأفتقده الأبناء ومن حولنا ليبقى لنا حول الله وقوته ولطفه وأفتقدتموه أنتم أيهاالكرام الأعزاء وبكيتموه وأحسنتم البكاء عليه وأبكيتمونا عليه ثانية وثالثة وإلى ما شاء الله وقد قرأناكم واحدا واحد وكان لنا فى ذلك سلوى وإمتنان فالشكر للدكتور منصور خالد الذى تفرغ ليكتب عن عزيز بذلك العمق موضحا صورته لمن لم يلتق به وكاشفا لكل وجوه الجمال المعرفى والإنسانى فيه الشكر له أبدا ودوما والشكر للأستاذ عبدالمنعم خليفه وعلى روعة القول والحديث الذى قاله فيه بإحساس كبير كصديق وزميل منذ أيام الجامعه والشكر للدكتور عبدالله عثمان على كل مشاركاته الحزينه والشكر أيضا للأخ الأستاذ متوكل والذى شعرت بألمه وتأثره كما نشكر الأخ محمد عبدالجليل على المواساة الصادقه أما صديقنا محمد ياسين فقد إفتقده كما أفتقدنا وبكاه كما بكيناه الشكر له على الدوام وكذلك نشكر الشاذلى عجب على إحساسه النبيل ويا صلاح إدريس أكتب عن بطران ما شئت فهو ملك عام لكم والشكر الكثير على العزاء أما أنت يا عليش فقد كان عزاؤك سلوانا ففيه نرى عزيز ويا دكتور حيدر نحن نشكرك على تلك الوقفه المشرفه والصادقه والتى قلت فيها محاسن الفقيد بطران ولا نترددأبدا أن نشكرك أنت يا بدر الدين الأمير ويا أستاذنا طلعت الطيب فقد طالعنا كلامك العميق فلك التحيات ونشكر بحراره الدكتور محمد المكى الشاعر السفير الذى جاء معزيا بأحسن ما لديه لغته الدفاقة الحراقه فقد كان لبطران إحساس جميل تجاهك وتقدير عال تستحقه وهنا لايسعنى إلا أن أشكر منصور المفتاح على كل ما قام به وكل عام وجميعكم بألف خير وكل أسركم الكريمه.
عن أسرة بطران// هاديه طلسم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: munswor almophtah)
|
أعرف تماما عندما تكون الكتابه صعبه كتلك التى إستلها منصور خالد من غمدها كالنصال الحداد تعجب الكل وترعبهم ويترددون فى المشاركه لأن المتر غال والطلب عال إلا للجدير القادر فقد كنتم جميعا من أصحاب الجداره العاليه وأصحاب الحزن العميق على فقدكم الجلل دكتور بطران سفير السودان الدائم بأميركا وأمير الأنس وملك المعرفه ومالك زمامها وماسك رسنها وقاطع رحطها وإمام رهطها بلا منازع فقد أحسنتم القول كما ينبغى وجودتم البكاء وأبكيتم حتى من لا يعرفونه بكاءا حارا وصادقا هكذا دوما أنتم رغم نوازع الدهر وزعازعه القاهرات أبقاكم الله جميعا وسدد خطاكم وأثابكم على فعل الخيرات أبدا ودوما. التحايا لكم أجمعين وكثير الود والشكر والثناء.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بكاء يصنع معرفه (بطران)// منصور خالد (Re: munswor almophtah)
|
اللهم أرحم بطران رحمة واسعه وألطف به وأوسع له فى وأنر جنباته ودرجه عند صراطك وصعده إلى أعلى الفراديس صديقا شهيد اللهم لا تحرمنا من أجره ولا تفتنا ولا تفتن أهله من بعده وأغفر لنا وله ولآله والعزاء لأسرته الصغيره و الكبيره ولأصدقائه وتلاميذه.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
| |