|
تاريخ الأرصفة ... محاولة للتوثيق
|
________________________
تاريخ الأرصفة ... محاولة للتوثيق مقاطع من رواية (السيّدة الأولى)
أرصفة المدينة المريضة تحكي كل شيء، وتعرّي الوجوه والأقدام التي تدوس على جلود الشوارع الناتئة. أرصفة المدينة ثرثارة إلى حدّ الفضيحة، وحيث يعبر الآلاف فوق جثتها المصلوبة على أقدام عابريها؛ تكشف سرّها ليلاً عندما تطفأ الأنوار، وتضاء القناديل الزيتية الخافتة. الأرصفة وحوش اصطادها صيّاد أعزل، وفرشها سجادات على أرض المدينة وشوارعها، والأحلام والأمنيات الكبيرة والمستعصية كالأرواح والكائنات اللطيفة، تمر كل يوم تصابح الجدران الباردة، وتنتظر أن يُؤذن لها بالتحقق. أرصفة المدينة النظيفة متسخة بآثار الأقدام والأمنيات المنتحرة، والروائح ... الروائح!
ذلك اليوم ضجّت الرائحة وتعالى صوتها في المكان، فسدّ الجميع أنوفهم وهم يشاهدون سيارات الإسعاف تقف في الرصيف المقابل، ورجال الشرطة يقتحمون شقة كهلٍ لم ينتبه لغيابه أحد إلا عندما فاحت رائحته، نقلوه إلى ثلاجة الموتى، واستجوبوا الجميع، ثم دفن مطلع الفجر بكل هدوء. ذات الأنوف فتحت شرايينها على مصراعيها عندما مرّت أنثى ليلية تضع عطراً باريسياً مغرياً، وسرح الجميع ثم ناموا، واغتسلوا صباحاً. تلك الأنثى ألهبت خيال المراهقين والمتزوجين حديثاً. بعض الأنوف فقط تأسرها بعض الروائح وتلفها بالحزن والحنين، وبعض الروائح تشعرك بالوحدة والخوف.
على الرصيف المقابل، يتشاجر صديقان ثم افترقا، كلاهما تمنى أمنية ولم تتحقق: أحدهما ظلّ على مدار سبع سنوات يجلس على الأرصفة ليرسم الأقدام العابرة ويوثق تاريخ الأرصفة الخفي الذي لا يتذكره أحد. يرسم اللحظات التي تسقط مكن أذهان الناس في الحافلات أو عند إشارات المرور، أو خلف أسوار حديقة عامة، أو تحت مظلّة المقهى الليلي وأضوائها الخافتة. واجبه المقدّس هو الإمساك باللحظة الإنسانية الصادقة: بكاء طفلة تائهة، هرولة شيخ مسن يحاول اللحاق بالحافلة، استغاثة امرأة تعرّضت لسرقة حقيبتها اليدوية، ملاحقة غير متكافئة بين طفل مشاغب وكلب شرس، لحظة نادرة، لمراهق يسترق النظر لعورة فتاةٍ انحنت لإصلاح حذائها. يتقاضى بعض النقود على بورتريهات يرسمها لأناس ليسوا من هذا العالم، أناس ليسوا منشغلين بحمى لافتات الأسعار، أو بمواعيد القطارات أو بعناوين الصحف الرئيسية. حلم أن يعرض لوحاته ورسوماته في معرض محترم ذات يوم، وعاش الحلم لسنوات. توقع أن يأتيه شخص وقور، مدخناّ غليونه الفاخر، يقف ورائه وهو منهمك في الرسم، فيربّت على كتفيه ثم يعلنه اكتشاف رسام المدينة الأول، أول ينتشله من ضيق الأرصفة إلى فضاءات المعارض وصالتها الفخمة. حلم أن يصبح مشهوراً وأن يتمنى الجميع أن يرسم لهم بورتريهات تذكارية بالمجان.
صديقه الآخر، كان يمسك جيتاره النورمال، ويجلس حول نافورة "كانتو مورنيك" يعزف للسائحين والعشاق والمجانين، ويستكثر نفسه على عزف الشوارع. ظنّ أن ملحناً ما، أو قائد أوركسترا ما يظل طريقه إليه فيكتشفه؛ ولكنه ظلّ يعزف دون أن يشعر به أحد. ولم تسمح له السلطان بالعزف في مكانٍ آخر، فأصبح حبيس نوافير كانتو مورنيك الساحرة. كان يتساءل دائماً "ألا يتمشى قائدو الأوركسترا على الأرصفة؟ ألا ينزلون إلى الشوارع؟" عزف بجيتاره النورمال للبساط عن البساط، وعن كوابيس الرغيف الليلية، وعن أحلام المراهقين، ومعانات حاملات البرسيم، وعاملات النظافة. كان يغني للناس في الشوارع، ولكن دون أن ينتبه أحد إلى غنائه. كان غناؤه إحدى الأصوات التي تعبر آذان الناس في الشوارع: أبواق السيارات، وأجراس الدراجات الهوائية، وأصوات الباعة المتجولين، وصافرات شرطي المرور، وكان حظه من كل ذلك بعض النقود المعدنية التي يرميها السائحون داخل طبقه المصنوع من الكروم. قال عازف الجيتار قبل أن يقرر الرحيل: "لو لم يكن هنالك موت، لانتحر الجميع!"
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: تاريخ الأرصفة ... محاولة للتوثيق (Re: العوض المسلمي)
|
____________________
Quote: نسيت ولاشنو ؟ الماجستير وما ادراك ما الماجستير اها تذكرت ولا اذكرك ؟ |
أخوي : عوض المسلمي
أنا مستغرب فوقك إنت دا ... ياخي أنا فاتح لي بوست بتاع قصة قصيرة شنو ثنائية وما ثنائية ؟؟؟ وبعدين عينك في الفيل تطعن في ظله ليه؟ ياهو قدامك .. قدر يجيب حاجة جديدة؟ ولا هو كوار ساي؟
| |
|
|
|
|
|
|
|