حــــول قضــــية الـديـن والـدولة (قراءة في التأريخ الإجتماعي للدين الإسلامي)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 05:52 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-19-2008, 10:34 AM

abduelgadir mohammed
<aabduelgadir mohammed
تاريخ التسجيل: 04-20-2008
مجموع المشاركات: 733

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حــــول قضــــية الـديـن والـدولة (قراءة في التأريخ الإجتماعي للدين الإسلامي)



    هذا المبحث قراءة في التاريخ الاجتماعي للدين الاسلامي بهدف المحاولة الصادقة والمخلصة لازالة كثير من الالتباس في الوعي العربي/الاسلامي السائد حول طبيعة العلاقة بين الدين والدولة, تلك العلاقة التى اوجدتها ظروف تاريخية اجتماعية محددة متصلة بشخص النبي ، والتي انتفت فيما بعد مع تمهيد النبي نفسه لذلك خصوصاً مع انتفاء الظروف التى اوجدتها ، وإذا كانت واقعة الوحي ذاتها واقعة تاريخية وليست أبدية أو أزلية يكون من الطبيعي ان نراجع بواسطة مناهج التحليل التاريخي كل الاحداث التى صاحبت العهد الاول للاسلام بما في ذلك النصوص القرأنية ،..خصوصاً مع بروز وتنامى حركات الاسلام السياسي التي تعتمد علي الدين كوقود ومحرك سياسي بهدف الوصول للسلطة.واعتمادها فكريا علي تنظيرات (الحاكمية,الخلافة.....الخ) وطرح شعارات (الاسلام دين ودولة)و(الاسلام هو الحل) في محاولة منها لشرعنة دمج وتوحيد الدين والدولة وتقديس هذا الدمج علي اساس انه مبدأ أو قاعدة دينية..ولقد ظلت ظلت قضية الدين والدولة واحدة من اكثر القضايا الخلافية التى اثارات النقاش والجدل وأسالت الدماء على أمتداد فترات تاريخية طويلة في الماضي والحاضر .
    عبر دراسة التاريخ يمكننا اكتشاف العديد من الحقائق الهامة في كثير من القضايا التى تتصل بحياتنا بصورة مباشرة ، والحقيقة التى نريد التوصل اليها ونحن بصدد دراسة (قضية الدين والدولة ) هي أن هنالك مفهوم سائد على مستوي الوعي العربي /الاسلامي يرسخ للفصل بين الدين وتاريخه الاجتماعي , ومن ثم يرى ان الارتباط او الدمج ما بين الدين والدولة هو احد مكملات الدين, اي انه قاعدة او مبدأ دينى .
    الحق انه لايمكن أن نفصل بين الدين _اى دين فى نشأته ومرحلة تأسيسه_ وبين تاريخه الاجتماعى البشرى وهنالك نقطة مهمة لابد من توضيحها هنا وهى انه لايمكن أن أن يأتى الدين من فراغ , انما يأتى نتيجة لتطور المجتمع البشرى وصيرورته . يمر المجتمع البشرى بانتاج الدين كمرحلة قابلة للتجاوز خصوصاً مع تطور العلم وأدوات البحث العلمى .
    فى المجتمع العربى قبل الاسلام كانت هناك حياة بنظمها الاجتماعية , وعاداتها وتقاليدها , وثقافاتها , وحينما جاء الاسلام إعتمد بعضاً من العادات والتقاليد والنظم الاجتماعية والثقافات السائدة انذاك فى المجتع العربى واستوعبها فى بنيته وتكوينه كدين , كما تجاوز بعضها , ونهى عن بعضها , وهذا يعنى ان التاريخ العربى لم يبدأ مع الرسالة المحمدية , من ضمن أبرز النظم والاعراف والعادات التى استوعبها الاسلام فى بنيته كانت مسألة " قطع يد السارق " وهى عرف قانونى "جاهلى " إبتدعه الوليد بن المغيرة قبل الاسلام , وحينما جاء الاسلام اعتمد عليه كعقاب دينى , وكثير من الامثلة والوقائع يمكن أن نسوقها هنا ولكن نكتفي بهذا المثال الوحيد ولان النقطة التى نريد الوصول اليها هنا هى أن الدين الاسلامى ، كأى دين أخر, لايمكننا فصله عن تاريخه الاجتماعى البشرى فى نشأته ومرحلته التأسيسية . وهو قد ظهر فى مجتمع انسانى كامل التكون اجتماعياً , وقد كانت له ارهاصات ما قبل ظهوره تمثلت فى حركة " الحنيفية " التى اعتمد الاسلام على كثير من معتقداتها فى بنيته العقائدية , ومن هنا لابد أن نراجع مسمى "الجاهلية " كدلالة على الفترة التى سبقت الاسلام !.. التجربة التاريخية للاسلام تخبرنا بان الاسلام مر بفترتين حاسمتين فى مرحلته التأسيسية :
    1/ الفتـرة المكـية :
    حيث كانت تعاليم الدين الاسلامى ترتبط بالعقيدة ( الوعد والوعيد , بيان أصول الدين , والدعوة اليها , الايمان بالله .... الخ ) وكانت تنحو اجتماعياً ناحية الموادعة والمسالمة . ولم يكن لمحمد أى سلطة فى مكة سوى دعم ومساندة قومه بنى هاشم له ضد عداء قريش .
    2/ الفتـرة المـدينية :
    فى هذه المرحلة صار الاسلام دولة , وتوحدت السلطتان الزمنية والروحية فى يد القائد الروحى والنبى الذى يتلقى الوحى . والملاحظ أن التعاليم ( الدينية ) أخذت منحى ( دنيوياً ) , تشريع فى الامور المدنية من بيع وإجارة ... الخ , وان تصرفات النبى وممارساته صارت ممارسات قائد الدولة ( راجع د. سيد القمني : حروب دولة الرسول ) . ونسأل الاَن تساؤلاً مشروعاً :- هل هذا التحول هو تحول فى بنية الدين أم هو تحول تاريخى ؟؟ ! وماذا لو لم يلقى النبى تأييد أهل المدينة ومساندتهم ودعمهم ؟؟! لكن الســــــــؤال الاخـطـــــر : هل هذا التوحد التاريخى الذى حدث فى المدينة بين السلطتين خاص بشخص النبى , أم أنه توحد أبدى دائم يجب الحفاظ عليه ؟؟ وإذا كان أبدياً لماذا فصمه عمر بن الخطاب؟؟؟؟!!!!
    كل هذه الاسئلة كانت هى مفتاح التفكير فى قضية الدين والدولة . نودعها فى عقل القارئ لنخلص سوياً الى نتائج اكثر ايجابية حول هذا الموضوع .
    من الواضح أن الخلاف بين الانصار وأهل مكة حول مسألة " الحكم " إنصب على هذه النقطة . ومن الواضح انه كان هنالك اتجاهان :
    1/ اتجاه للفـصل تزعمه أهل المدينة / الانصار .
    2/ اتجاه للــدمج تزعمه أهل مكة / المهاجرين .
    وتغلب اتجاه الدمج وهذه غلبة تاريخية تفسرها نظرية العصبية عند ابن خلدون بمعنى انها غلبة اجتماعية سياسية لا إقرار لمبدأ دينى ( راجع د. نصر حامد أبو زيد : نقد الخطاب الدينى / التفكير فى زمن التفكير )
    وبالرغم من أن الصراع كان مسوقاً بدوافع اجتماعية سياسية غير خفية قد اتخذ شكله الدينى لان هذا هو الشكل التاريخى له موضوعياً فى ذلك العصر ومن هنا تحول ظاهر الصراع من كونه صراعاً بين المهاجرين والانصار على السلطة الى كونه صراع بين الهاشميين وسائر الفرقاء على من هو صاحب الحق الدينى فى الخلافة ( راجع حسين مروة : النزعات المادية الجزء الاول ) هنا نخلص الى نقاط حاسمة ومفصلية فى النقاش وهى :
    أولاً : أن توحد السلطتين الدينية والمدنية ( الذى حدث فى المدينة )هو توحد له اسبابه وظروفه التاريخية الموضوعية وهو خاص بشخص النبى الذى كان يتلقى الوحى وبانقطاع الوحى أو انقطاع العلاقة بين الارض والسماء بات من الضرورى على الانسان مواجهة الواقع وتعقيدلته بعقل مفتوح وتفكير مرن قادر على استيعاب متغيرات الواقع الاجتماعى المتجدد دوماً والمتطور والذى لايمكن أن يتقيد أو يحكم بتشريع واحد على مدى قرون طويلة من الزمان .
    ثانياً : إن العلاقة بين الدين والدولة اقرتها غلبة اجتماعية سياسية ولم ينزل بها وحى أو يقرها مبدأ دينى .وأبعد من ذلك أن بناء وتأسيس الدول هو ليس من إختصاص الدين واذا كان التوحد بين السلطتين حدثاً تاريخياً أو واقعة اجتماعية يعنى انها ليست جوهر الاسلام .
    ان ارتباط الدين بالدولة أو التوحد الذى حدث بين السلطتين الدينية والمدنية علي يد النبى فى المدينة يرجع لكون أن النبى هو الذى يتلقى الوحى , هو ارتباط له أسبابه وظروفه التاريخية والتى لا أرى مبرراً لاستمرارها بعد زوال اللحظة التاريخية المرتبطة بنزول الوحى . أى أن العلاقة بين الدين والدولة , أو السلطتين الدينية والمدنية التى اجتمعت فى شخص النبى انقطعت بانقطاع الوحى . وحتى وأن النبى وهو متلقى الوحى لم يكن يربط ما بين الدين والدولة الا بما يقتضيه ظرفه كنبى وقائد ورئيس دولة . وحينما اجتمعت فى شخص الرسول السلطتين الدينية والمدنية لم يمارس احداهما بديلاً للأخرى . فقد كان يمارس امور الدنيا كما وجدها فى عصره , وكما وجد الاقدمين يفعلون كان يفعل ( ويتجلى هذا فى أحداث مثل حفر الخندق , وهو مقترح فارسى ادخله فى بلاد العرب سلمان الفارسى , تأبير النخل , الزراعة , التجارة , بناء المنازل , اعداد الجيوش وأدوات الحرب , شكل الدولة ونظام الادارة فيها وغير ذلك من المنجزات المدنية ) . أما امور الاخرة فيفعلها وفقاً لما يوحى اليه وفى هذا دلالة واضحة على أن الدين معنى فى الاساس بتدبير شئون الاخرة وعلاقة الفرد مع ربه , وهو -الدين -غير معنى بتدبير شئون الدنيا المتغيرة المتجددة المتطورة والتى فى حالة صيرورة دائمة . هنالك الكثير من الامثلة التى يمكن ايرادها لاثبات ان الرسول لم يكن يدمج ما بين السلطتين الدينية والمدنية , ولكن أسطع الامثلة هو ماحدث فى غزوتى بدر وأحد ففى غزوة بدر جهز النبى جيشه وأختار أماكن الرماة , وكان يمر للإطمئنان على سير الجيش واعداده كقائد عسكرى , وكان النصر حليفه , أما فى غزوة أحد فنجد أنه حينما أهمل الرماة أماكنهم ولم يتبعوا تعليمات قائدهم العسكرى أثناء المعركة , واعتمدوا على المدد السماوى , لم يجنوا سوى الهزيمة . من المعروف أن النبى كان يقول لأصحابه فى أكثر من مناسبة " أنتم أدرى بشئون دنياكم " ومن شئون الدنيا كما هو معلوم السياسة والاقتصاد والزراعة والادب والفن والقانون .... الخ . كما أنه لم يترك النبى ولا الوحى الذى جاءه أى اثر ذكرت فيه أمور السياسة والحكم والنظام السياسى وإدارة الدولة , أو الطرق الاكثر ايجابية لزيادة المحاصيل الزراعية , أو كيفية اعداد الموازنة العامة للدولة أو الوصفات الطبية العلاجية الى غير ذلك من الاشياء و الامور الدنيوية / المدنية المتروكة للعقل والخبرة والتجارب البشرية .
    كان جثمان النبي مايزال مسجى فى بيته حينما اجتمع اهل الحل والعقد فى سقيفة بنى ساعدة يبحثون تنظيم أمور دنياهم بعد أن انقطع الوحى وبقى الانسان المسلم فى مواجهة مصيره على هدى عقله ومبادئ دينه , وحين قال عمر بن الخطاب للمجتمعين ( ان العرب لاتدين الا لهذا الحى من قريش منا الامراء ومنكم الوزراء ) كان يتكلم سياسة بحتة تحدد موازين القوى فى المجتمع العربى وكانت سياسة بعيدة عن الدين أو يمكن أن نقول كانت امور دنيا بعيدة الاخرة . وهى أمور لم يقل بها وحى ولا جاءت بها سنة . ولم يكن المجتمعون يبحثون عن ايهم أشد ايماناً فكلهم مؤمنون , انما كان مدار البحث عن أيهم "أقدر" على تدبير شئون دنياهم , التى هم أدرى بها , والحصول على طاعته ... ان الدمج ما بين أمور الدنيا وأمور الاخرة أو زج الدين فى الممارسة السياسية يخرجه عن أهدافه المثلى ـ كدين ـ ويغرقه حماة الصراع السياسى بل والصراع الدينى والطائفى والقومى . فيصبح الدين سياسة وتصبح السياسة ديناً . وبذلك يحرم من مركزه المتميز الذى يجعله موجهاً للمجتمع وهادياً له .
    كان عمر بن الخطاب الاكثر وعياً بمقولة : ( فصل الدين عن الدولة ) وأول من نفذ عملياً تنظيره ( أنتم ادرى بشئون دنياكم ) , فنجده لوعيه العميق بظروف مجتمعه الاقتصادية ـالاجتماعية قد عطل ( حد السرقة ) المنصوص عليه فى القراَن بنص قطعى الدلالة فى عام الرمادة . كما نجده قد ألغى سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة وهو أيضاً منصوص عليه فى القراَن بنص قطعى الدلالة , التساؤل المشروع الذى يمكن طرحه هنا : هل حينما فعل عمر كل هذا الذى فعله ( من تعطيل للنصوص وخلافه ) كان يخالف كتاب الله وتعاليم النبى ؟! الحقيقة انه كان يتعامل مع روح النصوص وليس مع حرفيتها . اي انه كان يتعامل تعاملاً عقلانياً تقتضيه ظروف الحراك الاجتماعى للمجتمع . أن عمر بن الخطاب بتعامله العقلانى مع النصوص , وتمسكه بروح النص لاحرفيته , يكون قد أرسى بدايات مفهوم تاريخية النصوص القرانية . وفى إطار سلوكه العقلانى هذا نجده ـ عمر - داعماً للفصل المشروع بين الدين والدولة لاسيما وانه قد حول فى عهده وصف أو لقب رئيس الدولة من ( خليفة رسول الله ) الى ( أمير المؤمنين ) داعماً بذلك الاساس المدنى للدولة الناشئة حتى لايكون لرئيس الدولة أى سلطات دينية أو مرتكزاً على الدين أو حاكماً بالحق الالهى . وبالتاكيد لن يكون التحويل من لقب أو وصف ( خليفة رسول الله ) بدلالته الدينية الى لقب / وصف ( أمير ) بدلالته المدنية مجرد تحويل شكلى أو شكلانى بقدر ما كان تحويلاً أو تحولاً جوهرياً سعى لتقويض الاساس الثيوقراطى للدولة . بمعنى اعتماد تشريعات الدولة وقوانينها وادارتها على الواقع الاجتماعى اكثر من اعتمادها على الدين وأحكامه وقد طبق عمر نفسه ذلك فى عهده الذى كان اكثر عهود ( الدولة الاسلامية ) استقراراً , وهذه ملحوظة جديرة بالاهتمام والدراسة . ألم نلاحظ من خلال قراءة التاريخ ان فترة حكم عمر بن الخطاب كانت هى الفترة الوحيدة فى تاريخ ( الدولة الاسلامية ) التى شهدت استقراراً تاماً الى نهايتها , كما انها الفترة الوحيدة التى تبلور فيها الشكل المدنى للدولة , فبخلاف عهد عمر لم تشهد الدولة الاسلامية اودولة المسلمين على سبيل الدقة الاصطلاحية عهداً مستقراً بكامله . فابوبكر الصديق قضى اغلب عهده فى محاربة المرتدين عن الاسلام "حروب الردة" وعثمان فى مقاتلة الثوار , وعلى فى فى سبيل أخذ البيعة وحروب الفتنة ...الخ ( نستطيع أن نذكر بقدركبير من اليقين ان فترات استقرار الحكم فى سنوات حكم الخلفاء الراشدين لم تزد عن عهد عمر ونصف عهد عثمان ( الستة اعوام الاولى من حكمه ) , أما قبل ذلك فهو عهد ابوبكر وأغلبه كان منصرفاً الى قتال المرتدين عن الاسلام , وأما ما تلى ذلك فيتمثل فى الستة اعوام الاخيرة من عهد عثمان , وهى الفترة التى تزعم معارضته فيها نفر من الصدر الاول للاسلام يكفى أن نذكر منهم : عبدالرحمن بن عوف , الزبير ابن العوام , طلحة بن عبيد الله , على بن أبى طالب , أبار الغفارى , عبدالله بن مسعود , عمار بن ياسر وغيرهم كثيرون , فاذا تجاوزنا حكم عثمان فنستطيع أن نقول بدون تجاوز للحقيقة ان خلافة على بن أبى طالب , لم تكن اكثر من فترة جهاد فى سبيل جمع كلمة المسلمين على بيعته , وهو الامر الذى لم يتحقق له , وأنه قاتل فى سبيل ذلك حتى قتل غيلة , وكان اجماع المسلمين عليه عند مقتله أقل بكثير منه عند توليه , ويرى بعض الفقهاء ان الخلافة لم يتحقق الا للثلاثة ( خلفاء ) الاولين وهو أمر محل نقاش وجدل ( راجع د. فرج فودة : قبل السقوط ) . واذا كان هذا حال رجال صدر الاسلام الأول وأصحاب الرسول فان الحقيقة الساطعة هنا هى ان المجتمع المثالى / الفاضل أمر لم يتحقق علي مدي التاريخ الانساني كله ، وبالتالي علي مدي تاريخ الخلافة الاسلامية كله ، حتي في ازهي عصوره وهذه دعوة للتامل والتفكير تقدمها لمن يتصورون ان تطبيق الشريعة الاسلامية والالتزام المظهري بالدين ( نمط التدين الشكلاني ) من تطويل اللحي وتقصير الجلاليب هو الحل لازمات مجتمعنا ويصورون ان الفقر والمرض والجوع والاوبئة التي تعانيها مجتمعاتنا هي بسبب ابتعادنا عن طريق الله ( !!) وتركنا للدين وعدم تطبيق الشريعة ( !!) وهم لايدرون ان ازمات مجتمعنا ( بما فيهم هم ) لها اساسها الاقتصادي المتمثل في فقر البني التحتية للمجتمع من خدمات صحة وتعليم ، وان خيرات بلداننا جميعها تذهب الي خزائن السلطان بدلا عن بطون الجوعي وايادي الفقراء . ان المرض والفقر والجوع لا ارتباط لها بالقرب من الله او الابتعاد عنه بقدر ماهي تجلي لازمات اقتصادية – اجتماعية معينة .
    لكي نصل الي الوعي المطلوب حول قضية الدين والدولة لابد ان نفرق عن وعي و نميز مابين (الاسلام الدين والاسلام الدولة) وما بين (ثوابت الدين ومتحركات التدين) او (ما بين الدين ونمط التدين) وفي كلاهما انتقاد الثاني لايعني الكفر بالاول والخروج عليه ، وانك في الثاني سوف تجد كثيرا يقال او يعترض عليه حتي في اعظم ازمنته ، بينما لانجد في الاول الا ايمانا . وانه اذا جاز ان يقال هذا في عهد الخلفاء الراشدين ، فانه يجوز ان تقول ماهو اكثر واكثر حين تتصدي بالنقد والتحليل لعصور لاحقه ارتفعت فيها رايات الحكم الديني وادعي اصحابها انها وجه الاسلام الصحيح ، وانهم الحافظون لكتاب الله المحافظون عليه ، والتابعون للسنة والمتابعون لها ، وهم بالرغم من ذلك يستحلون القتل في غير حق ، والظلم بلا داع ، وليس لهم وازع . كذلك نريد ان نصل الي ان وعي حقيقي يفرق مابين الدين كمقدس في ذاته سر تقديسه الوحي الالهي والكتب السماوية ومابين الخطاب الديني الذي يفسر ويؤول الوحي او يشوه الدين بالاستخدام النفعي للدين في مصالحه الخاصة وفي دول العالم الاسلامي ومجتمعاتنا اسطع الامثلة علي تشوية الدين واستخدامه استخداما نفعيا في المصالح الخاصة ، فعلي ايام التوجه الاشتراكي ومده المتنامي ساند رجال الدين هذا التوجه وادعوا بان الاسلام هو الدين ، ومثلما ساندوا ودعموا المد الاشتراكي تماما ساندوا ودعموا الراسمالية ونادوا بان الاسلام هو الدين الراسمالي ( وهذه احد اشكاليات فهم التراث الديني يفسرها بصورة ممتازة حسين مروة في مؤلفه الثر النزعات المادية في الفلسفة الاسلامية ) وفي ايام الحرب مع اسرائيل كان الخطاب الديني السائد هو اعلان الجهاد ضد اعداء الله وفي زمن كامب ديفيد برز الي السطح خطاب ديني ينادي بان الاسلام هو دين السلم . وحاضره في الذهن التجربة المريرة التي عايشها ويعانيها الشعب السوداني بعد استيلاء الجبهة الاسلامية علي نظام الحكم بانقلاب عسكري ( لاحظ الوسيلة ) فكان او مافعله نظام الجبهة الاسلامية هو اعلان الجهاد ضد الكفار (!!!) من قوي اليسار والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية لتحرير السودان.. والغريب في الامر ان كل هذه المتضادات والمتناقضات تتم بالاستناد الي ايات قرانية وهذه في حقيقة الامر لاتعدو كونها استهانه بالوحي وجعله مطية لكل الاغراض . ( راجع د.نصر حامد ابوزيد الخطاب والتاويل )
    اذا كان عمر بن الخطاب كما ذكرنا هو اول من طبق عمليا التنظيره المدنية لنبي الاسلام ( انتم ادري بشئون ديناكم ) واسس بذلك الفصل المشروع بين الدين والدولة الذي كان يسعي لتطبيقه نبي الاسلام من خلال عدة مواقف عملية ومقولات نظرية ( حفر الخندق ، الغزوات ، تأبير النخل ) هذا يعني- في اعتقادي- انه كان واعيا بضرورة الدولة المدنية ومضار الدولة الدينية ( الثيوقراطية ) ولفك الالتباس ومزيد من الايضاح حول طبيعة الدولة الدينية ووظيفتها وسماتها يمكن ان نسوق ونناقش التعريف التالي للدولة الدينية. اذ يمكن تعريف الدولة الدينية علي انها ( الدولة التي تنظر الي الاعتبارات الدينية علي انها الاعتبارات النهائية التي ينبغي للحاكم ان يلجا اليها ليقرر ماالذي ينبغي سنه من قوانين واختطاطه من سياسات علي كل المستويات والمجالات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية ... الخ )ومن خلال هذا التعريف تتضح لنا عدة نقاط هي :
    1/ سيطرة رجال الدين ليست هي المعيار لان تكون هذه الدولة دينية ام مدنية بل المعيار هو ان يكون الدين المصدر الاخير للتشريع .
    2/ يتحول رجال الدين الي وسطاء لاضفاء الشرعية علي الحكم وسياساته .
    3/ الدولة الدينية -وفقا لهذا المفهوم – لم توجد في عصور صدر الاسلام الاول ( عهد الرسول ، عهد عمر ) ، ولكن لاحت بعض مظاهرها في عهد عثمان واختفت لتاخذ ملامحها الكاملة ابان عهد الحكام الامويين والطغاه الذين اساءوا للدين وللعلماء واسسوا ملكهم العضود علي دماء المسلمين . خلاصة القول ان المجتمع الفاضل الذي يتصوره البعض -ويصوره للشباب الغض التفكير- لم يتحقق في اي عهد من عهود التاريخ الاسلامي ، ولايمكن ان يتحقق مجتمع فاضل ينبني اساسه علي تنظيرات دينيه / ميتافيزبيقيه / غيبية بعيدة ومنفصله علي الواقع الاجتماعي . ولايمكن لاي دولة قائمة علي اساس ديني ( تشريعات ,قوانين ,احكام مستمدة من الدين ) ان تحقق العيش الكريم والحياه لمواطنيها ( حتي ان مفهوم المواطنه في فكر الاسلامويين يحتاج للبحث والدراسة سنحاولها في مرات قادمة) ان ماتنادي به حركات الاسلام السياسي اليوم وماتدعو اليه من قيام (الخلافة) او( تطبيق الشريعة الاسلامية) لا يعدوا ان يكون سوي ضلال فكري وتوهان وجر لمجتمعاتنا بخطوات متسارعة للوراء . ان الحكم الديني المطلق او الحكم بالحق الالهي الذي تسميه حركات الاسلام السياسي بالخلافة هو ليس جوهر الاسلام كما ذكرنا ولا اساس له الا في تلك الاخيلة المريضة بكراسي السلطة . وان حركات الاسلام السياسي تعمل علي استغلال الدين بصورة مشينة وغير مقبوله علي الاطلاق وتدغدغ من مشاعر وعواطف الجماهير بهدف الوصول لغاياتها المنشودة في السلطة .
    يكفي ان نشير هنا الي الجبهة الاسلامية القومية بالسودان ومافعلته من قبح ودمار للمجتمع السوداني ، بل اصبح في ظل نظام الجبهة الاسلامية وجود السودان كدولة موحدة مهدد بخطر حقيقي وهو التشرزم الي دويلات ، ذلك بفعل اثارة النعرات القبلية والولاءات الذي اتت به سلطة الجبهة الاسلامية . حينما كانت الجبهة خارج سور القصر كان شعارها المرفوع ( شريعة شريعة قبل القوت ، شريعة شريعة ولا نموت ) وبهذه الشعارات داعبت عواطف الجماهير وحتي لحظة وصولها الي كراسي الحكم وبعد ان وصلت الي سدة الحكم ايضا ظلت تسوق الابرياء من ابناء شعبنا الي محرقة الحرب بالجنوب بدعاوي الجهاد ولكن / بعد عدد من الافعال والتحركات داخليا وخارجيا ، الان قبلت الجبهة بالدستور العلماني !! وضربت بشعارات ( شريعة ... الخ ) عرض الحائط كان المهم هو الوصول للسلطة لاغير . في معرض الحديث عن حركات الاسلام السياسي المعاصره لابد من تقديم اشارات مقتضبة حول فكر هذه الحركات 1/ الخلافة :
    وهي اكثر مسالة اشتد فيها الخلاف بين المسلمين وسالت فيها دمائهم والسبب في ذلك يعود الي ان الرسول صلي الله عليه وسلم لم يحدد – من يخلفه في حكم المسلمين وانقسم المسلمون يومها الي سنه وشيعه ومعتزله ومرجئة الي ان بلغ عدد فرقهم الي مايزيد عن ال 70 وان كان لهذا الاختلاف اسبابه التاريخية المرتبطة بواقع المسلمين ذلك الحين الا ان معظم هذا التفرق والاختلاف كان علي خلفيه قضية سياسية وليست دينية ملحة وهي قضية الخلافة .
    2/ الحاكمية : تعتمد قوي الاسلام السياسي او الحركات الاسلامية المعاصره علي مبدا الحاكمية الالهية التي هي نقيض حاكمية البشر ، والتي سوف تقودنا لامحالة الي الحكم بالحق الالهي ،وان يكون الحاكم ظلا لله في الارض وتكون الاعتبارات الدينية هي الاعتبارات النهائية ببساطة تدخلنا الي نفق الدولة الدينية المظلم بمفهومها الذي عرضنا له قبل قليل وينطلق خطابها من مبدا تحكيم النص الذي هو في اساسه تحكيم وتفسير فهم فئة معينة للنص ويتم ذلك علي حساب العقل وينتهي ذلك بالخطاب الديني الي موقف نقيض للاسلام لانه نقيض للعقل رفيق الاسلام اساسه المتين . ثم يقوم الخطاب الديني / خطاب الحركات الدينية بتحريم ماعدا ذلك عن طريق التغطية الايدلوجية لتوجهاته الرجعية عن طريق مبدا ( لا اجتهاد مع النص ) .
    وهي خدعة ايديولوجية لان معني النص هو ( النص الواضح القاطع الذي لايتحمل الا معني واحدا ) وبهذا التعريف يمكن ان يكون النص نادرفي الوحي / القران وتظل سائر الايات قابلة للتاويل والاجتهاد ويستند مفهوم الحاكمية علي شمولية سلطة النصوص الدينية لكافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية ويجب ان تشيرهنا الي انه لاتوجد آية واحدة ولاحديث ولا اي اثر نبوي يشير الي مسالة الحكم بمفهومه السياسي . ولقد كان ابوعلي المودودي اول من وضع مفهوم الحاكمية وقد استند في ذلك علي الايات التاليه من سورة المائدة ( ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون (44) .
    وليحكم اهل الانجيل بما انزل الله فيهم ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون .(47) .
    ومن لم يحكم بماانزل الله فاولئك هم الظالمون (45) .
    وهذه الايات اولا هي منزوعه من سياقها علي نمط ( لاتقربو الصلاة ) واضيفت لها دلالات ليست لها وثانيا معني الحكم الوارد في الايات هو الفصل بين المتخاصمين اي بالمفهوم القضائي للحكم اي انه الحكم بالمعني اللغوي لا بالمعني الاصطلاحي الذي يعني النظام السياسي .
    يقول ابوعلي الموروردي – منظر الحاكمية – في كتابة نظرية الاسلام وهدية في السياسة والقانون والدستور ( ان الاساس الذي يقوم عليه بناؤها الحاكمية تصور مفهوم حاكمية الله الواحد الاحد وان نظريتها الاساسية ان الارض كلها لله وهو ربها المتصرف في شئونها فالامر والحكم والتشريع كلها مختصة بالله وحدة وليس لفرد او اسرة او طبقة او شعب بل ولا النوع البشري كافة شئ من سلطة الامر والتشريع (!!) فلا مجال في حظيرة الاسلام الا لدولة يقوم فيها الفرد بوظيفة خليفة لله تباركت اسماؤه ولاتتاتي هذه الخلافة بوجه صحيح الا من جهتين : اما ان يكون ذلك الخليفة رسولا او رجل يتبع الرسول فيما جاء به الشرع والقانون من عند ربه ) .
    هذا الموقف والشعار هو امتداد لقول الخوارج علي اساس موقفهم من التحكيم بين علي ومعاوية مرددين ( لاحكم الا الله ) وكان رد الامام علي كرم الله وجهه ( الكلام بين دفتي المصحف لاينطق وانما يحكم الرجال ) وهذا يعني تحكيم عقول الرجال الذين يفهمون الكلام الذي بين دفتي المصحف ... اما المنظر الاخر فهو سيد قطب ويكفي لمعرفة موقفه ان نورد الاقتباس التالي من كتابه معالم في الطريق حيث يقول ( العالم كله يعيش اليوم في جاهلية من ناحية الاصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وانظمتها . جاهلية لاتحقق منها شيئا هذه التيسيرات المادية الهائلة وهذا الابداع المادي الفائق وسبب هذه الجاهلية بقول سيد قطب . الاعتداء علي سلطان الله في الارض وعلي اخص خصائص الالوهية وهي الحاكمية انها استند الحاكمية الي البشر ونتيجة لهذا الاعتداء علي سلطان الله يحدث اعتداء علي عباده خاصة وان الله لم ياذن للبشر بوضع الشرائع والقوانين والانظمة والتصورات والقيم (!!) سيد قطب معالم في الطريق ) هذا هو سيد قطب مهندس فكر الحركات الاسلامية المعاصرة ودون ان نناقش فكرته هذه بشكل مستفيض يجب اولا ان نسجل ملحوظة مهمة وبسيطة وهي : ان هذا الافتراض يتناقض مع فكرة استخلاف الانسان علي الارض المشار اليها في القرآن وعلي العموم فان مفهوم الحاكمية يلغي من فهم الاسلام تلك المناطق الدنيوية التي تركها للعقل والخبرة البشرية والتجربة الانسانية في قول النبي (انتم ادري بشئون دنياكم)
    (راجع د.نصر حامد ابوزيد : نقد الخطاب الديني / التفكير في زمن التكفير ضد الجهل والزيف والخرافه ) .
    استغلال الدين :حركات الاسلام السياسي المعاصرة جميعها ،وفي اطار سعيها لتشوية افكار الاخر وهي أحد أليات عملها – تكرر مقولة ( الدين افيون الشعوب ) وتدعي نسبتها للماركسية وتدلل بهذه المقوله علي ان الماركسية ضد الدين وتعمل علي محوه من المجتمع – خصوصا عندما ينادي المراكسة بالعلمانية – وبغض النظر عن صحة هذه المقولة ، او من اي سياق بترت ، او عن صحة نسبتها لماركس ، الا ان حركات الاسلام السياسي تعمل بلا وعي منها علي تحقيق هذه المقوله بامتياز . وبالفعل تستخدم الحركات الاسلامية الدين الاسلامي كافيون تخدر به الشعوب وتدغدغ به عواطف الجماهير ومشاعرها ، وتشل بواسطته الدين قدرة الجماهير علي الفعل وعلي التفكير وتعمل علي نهب خيراتها وفي السودان اصدق نموذج يدلل علي هذا الكلام . تتعامل قوي الاسلام السياسي مع الدين بشكل انتهازي قبيح وتسخره لاستغلال الانسان وسلبه من انسانيته وقد كان ثاقب الفكر والوعي ، عميق الرؤي عبد الخالق محجوب واعيا ومتبصرا بهذا الشكل من اشكال التعامل مع الدين ونوهنا باكرا الي ان استغلال الدين هو احد اهم اليات عمل حركات الاسلام السياسي ويمكن ان يكون احد المنافذ التي يتسلل منها الاستعمار الحديث اذا يقول يرفض النظام الوطني الديمقراطي استغلال الدين من اجل مصالح الطبقات الرجعية في البلاد والتي تسعي الي اعادة العلاقات الانتاجية القديمة وهي بهذا انما تسخر الدين من اجل استغلال الانسان وسلبة من انسانيته .هذا الاستغلال للدين يتعارض مع مصالح المجتمع ويتناقض مع المستقبل الافضل للانسان الذي يصيغه بعقله ويديه وهو ينتقل من ساحة الحاجة الي ساحة الحرية . ولقد ادي استغلال الدين بهذه الطريقة الي الاسفاف به والي استغلال الكادحين وبقائهم في حالة مزرية من الجهل والظلام . تولدت في هذا المستنفع الاسن الطفيليات الاجتماعية مثل الطائفية والدجل والشعوذه واعمال السحر والتي ظلت عونا للمستعمر ايام تحكمه في بلادنا سندا للحكم البرجوازي شبه الاقطاعي فيما بعد وليس ادل علي تلك الاضرار في تاريخ الحركة السياسية السودانية من مسخ الدين وتحويل دعوته الي برنامج كامل لطريق الراسمالية والتبعية للاستعمار الحديث ( مشروع الدستور الاسلامي ) راجع عبد الخالق محجوب : حول البرنامج .
    يتضح من الاشارات التاريخية أنفه الذكر ان العلاقة بين الدين والدولة كانت مرتبطة بشخص النبي الذي يتلقي الوحي وبوفاة النبي وانقطاع الوحي انقطعت العلاقة مابين الارض والسماء وبقي الانسان المسلم في مواجهة واقعه علي هدي العقل وحتي ان النبي الذي جمع السلطتتين الدينية والمدنية لم يكن يداخل ما بينهما ولم يستغل احداهما بديلا للاخري ولذلك لم يكن يخلط او يوجد مابين الدين والدولة الا بما يقتضيه ظرفه كنبي وقائد ورئيس دولة . ولم يكن ليحدث الا لسبب بسيط ومعروف للجميع وهو ان الدولة منجز مدني ولا علاقة لها بالدين ولان الدين في راي هو علاقة ما بين الفرد وربه غير قابلة للتدخل فيها من احد وغير قابلة للتنظير .ثم ان الدين ليست من مهامه بناء وتكوين الدول بقدر ما هو مهتم بتدبير شئون الاخره . وعلي سبيل السجال ليس الا اذا كان من مهام الدين بناء الدول اين هي دول الخمسه وعشرين نبي واديانهم ، اذا لم نسمع بدولة لوط ولا دولة ابراهيم ولادولة يوسف .... الخ .
    ان قصور الفهم الذي لازم الكثير من عقول المسلمين في استيعاب ديانتهم وتعاليمها وارشادات نبيهم كانت هي السبب الرئيسي مع اسباب اخري في الدعاوي الي بناء وتكوين الدولة الاسلامية ومصطلح الدولة الاسلامية دالة لنا عليه ماخذ سنوضحها في مرات قادمة .فاختيار خليفة الرسول بعد وفاته فرض علي المسلمين امتحانا عمليا لمدي قدرتهم عي تجاوز الموقف ، من واقع الدين الاسلامي وذلك الموقف قد وضع الاختبارات والبدائل المتناقضه في محك المواجهه وقد وضعت العصبية القائمة علي الدم ( الائمة من قريش ) في مواجهة الاخوة القائمة علي الدين ووضعت الافضلية القائمة علي الاقليمية او السبق في الاسلام او تاخره ( منا امير ومنكم امير ) في مواجهة الافضلية القائمة علي التقوي . اما التحدي الجوهري الذي واجه العرب المسلمين فقد كان صيغة الحكم بمعني هل يقوم الحكم ويستند علي الشوري ام علي النص والتعيين ، ولقد لخص الشهرستاني الخلاف علي النحو التالي ( واعظم خلاف بين الامه خلافف الامامه اذا ما سل سيف في الاسلام علي قاعدة دينية ، مثل ما سل علي الامامة في كل زمان ) والاختلاف في الامامه علي وجهين احدهما القول بان الامامه تثبت بالاتفاق والاختيار ، والثاني القول بان الامامه تثبت بالنص والتعيين . وقد حدد الاقتتال الدامي حول صيغه الحكم طبيعة الدولة الاسلامية ان لاتقوم علي الاتفاق والاختيار . وهكذا اصبحت الدولة الاسلامية منذ الدولة الاموية امتدادا من زاوية تقاليد الحكم والدولة لشكل الحكم الشرقي القديم .( راجع د. عبد السلام نور الدين : العقل والحضارة / مقدمه بن خلدون / الشهرستاني : الملل والنحل ).
    هكذا نخلص الي ان الدين لم يحدد شكل الدولة ولا طريقة تكوينها ولانظامها الاداري او القانوني وان مبدا السلطان الثلاث ( تشريعية – تنفيذية – قضائية ) هو من انتاج البشر وليس من خلف الإلة . وان الدين لم يفصل او ينزل وحيا في شئون الدولة وامور السياسة اي ان الدولة هي منتوج بشري ظهر الي الوجود بفعل التطور الاجتماعي وتنقل المجتمعات البشرية من تشكيلة اقتصادية – اجتماعية الي تشكيلة اخري . وقد ظهرت تاريخيا مع ظهور الملكية الخاصة .
    وبذا تكون الدولة هي شان مدني محض لاعلاقة له بالدين . والاهم ان مسالة الدين هذه يجب النظر اليها في اطار العلاقة بين الفرد وربه . وتبقي الدولة شانا مدنيا يحتكم الي الدستور المدني / العلماني الذي انتجته العقول البشرية المتمدنه والمهمومه بالتقدم .
                  

06-17-2008, 05:06 PM

abduelgadir mohammed
<aabduelgadir mohammed
تاريخ التسجيل: 04-20-2008
مجموع المشاركات: 733

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حــــول قضــــية الـديـن والـدولة (قراءة في التأريخ الإجتماعي للدين الإسلامي) (Re: abduelgadir mohammed)

    (وردت إليّ هذه الكتابة عبر الإيميل ؛؛؛ ورأيت إضافتها الي البوست مع ذكر إسم كاتبها ؛؛؛ لأنها حتماً ستضيف إلي البوست ؛؛وربما تزيد مساحات الحوار حوله)


    سعيـــد الكحل



    الحاكمية الإلهية‮ ‬
    هل‮ ‬يجب الحكم باسم الله‮..‬؟‮!‬
    ‮ ‬1- الحاكمية الإلهية تعني‮ ‬إقامة الدولة الدينية التي‮ ‬تطبق الشريعة بدلاً‮ ‬من القوانين الوضعية‮. ‬في‮ ‬الحاكمية المشرّع هو العقل الإلهي،‮ ‬وفي‮ ‬الدولة المدنية المشرّع هو العقل البشري‮. ‬يقول أيمن الظواهري‮:"‬فهؤلاء الحكام‮ [‬الذين‮ ‬يسعون للسلام مع إسرائيل‮] ‬خارجون عن الشريعة الإسلامية لاحتكامهم إلى قوانين ودساتير وضعية مخالفة للشريعة الإسلامية‮ ... ‬وهؤلاء لا‮ ‬يعتبرون حكومات إسلامية بل حكومات علمانية لا تحتكم إلى الشريعة‮. ‬وقد نص على كفر أمثالهم كثير من الأئمة المسلمين‮". ‬فكيف تنظرون إلى هذه الحاكمية الإلهية التي‮ ‬يتمسك بها الطيف الإسلامي‮ ‬السياسي‮ ‬من بن لادن إلى مهدي‮ ‬عاكف وعبد السلام‮ ‬ياسين وعلي‮ ‬بلحاج وراشد الغنوشي‮ ‬ويوسف القرضاوي؟
    ـ بداية لا بد من التنبيه إلى أن مفهوم الحاكمية لا أصل له في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة . بل هو مفهوم صاغه أبو الأعلى المودودي . وقد استند في ذلك إلى عدد من الاجتهادات الفقهية التي أنتجتها ظروف سياسية طغت فيها الصراعات على السلطة . فجاءت تلك الاجتهادات الفقهية تشرعن موقف طرف سياسي وتضفي عليه "المشروعية" ، بل تزكي التحريض على الأنظمة السياسية الحاكمة في الدول القطرية . ومن ثمة اتخذ مفهوم الحاكمية "طابعا تحريضيا" أو "دورا تحريضيا" بتعبير الأستاذ طه علواني . ودعاة الحاكمية لا يريدون الفقه أو القضاء لتطبيق ما يعتبرونه "حكم الله" ، بل هدفهم الأساس هو السلطة وحكم الدولة ولا يضيرهم في هذا أن يحاربوا ويقتلوا كل من يخالفهم الرأي . وكان علي بن أبي طالب أول ضحية لشعار " لا حكم إلا لله" الذي سيكون فيما بعد قاعدة إيديولوجية ستتأسس عليها تيارات إسلامية كمذاهب أو كجماعات إسلامية متطرفة أو معتدلة ؛ كلها تعتبر المدخل لإصلاح الأمة وأسلمة الأنظمة الحاكمة هو "الحكم بما أنزل الله" . وبمقتضى هذا يميز دعاة الحاكمية بين النظم السياسية "الإسلامية" وهي التي "تحكم بما أنزل الله" ، وبين النظم التي لا تحكم بما أنزل الله فتكون "كافرة" وإن أقام الحكام الصلاة . إذن ، وبهذا المعنى ، ينصب دعاة الحاكمية أنفسهم نوابا عن الله يقضون بكفران الأنظمة والشعوب ويوجبون قتالها . وفي هذا اعتداء على إرادة الله وصفاته ، إذ يجعلون من الله ما يريدونه أن يكون ويتصرفون في شريعته وخلقه وفق ما يشتهون . فهم من يحدد شروط الإيمان ومن يملك مفاتيح التوبة ومن يقيم الساعة قبل أوانها . بمعنى هم من يشرّع نيابة عن الله فيعطلون تشريعاته ويشاركونه الحكم بما يفترون . وهنا يضع دعاة الحاكمية أنفسهم في تناقض مع كل الشعارات التي يرفعون ومع صدق الإيمان الذي يدعون . فلم يعد الذي يحكم ويشرّع هو الله تعالى ، بل هم دعاة الحاكمية الذين يقتلون الناس ويكفرونهم ويشرّعون لذلك . إن الله تعالى حرّم قتل النفس إما لمعتقد أو عصبية وهم يفعلون باسم الشرع . كما أن الله منع نبيه الكريم من إكراه الناس على اعتناق الدين الإسلامي ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ( لا إكراه في الدين ) ( لست عليهم بمسيطر ) ، بينما دعاة الحاكمية يفعلون ويقتلون ويكفرون وفقا لشريعة افتروها على الله كذبا وبهتانا . فالله تعالى أشرك الناس في الحكم فيما يتعلق بعلاقة العبد بربه وذلك واضح في الآية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرم ومن قتلَهُ منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتَلَ من النَّعَم يحكُمُ به ذوا عدل منكم ) المائدة : 95 . بيّن إذن أن الله تعالى ارتضى حكم عباده وتحكيمهم في قضايا لا تتعلق بالمعاملات ، ولكن بالعبادات . فكيف يزعم دعاة الحاكمية أنهم يحرصون على تطبيق حكم الله وهم أول من يخرقه ويعتدي على سلطة الله ؟ وبسبب ذلك عرفت الأمة الإسلامية تجارب دامية ولا زالت تعاني منها ولم تتحصن من عودة المآسي باسم "حكم الله" وتطبيق شريعته . وما فعلته حركة الطالبان بأفغانستان والمحاكم الإسلامية في الصومال دليل قاطع عن فداحة الجرائم وبشاعتها التي ترتكب باسم الدين السمح وباسم الله الرحيم .
    ‮ ‬2‭-‬ هل التخلي‮ ‬عن الحاكمية،‮ ‬أي‮ ‬عن تطبيق الشريعة بما فيها من عقوبات بدنية كجلد شارب الخمر،‮ ‬وقطع‮ ‬يد السارق،‮ ‬ورجم الزاني‮ ‬والزانية حتى الموت،‮ ‬وقطع رأس المرتد‮. ‬كفر بواح كما‮ ‬يقول الإسلاميون،‮ ‬أم هو ضرورة من ضرورات العصر،‮ ‬والضرورات تبيح المحظورات كما تقول القاعدة الفقهية؟
    ـ إن الأحكام التي ذكرت ليست كلها أحكام أقرها الإسلام ونص عليها . بل أحكام من وضع البشر لأسباب تاريخية وسياسية . ومن تلك الأحكام المفترى على الشرع بها رجم الزناة وقتل المرتد . إذ لا وجود لنص قرآني يشرع لرجم الزاني . وسيكون من الأفيد التذكير بما سبق وحكاه الدكتور القرضاوي ( عند حديثه عن مؤتمر ندوة التشريع الإسلامي المنعقدة في مدينة البيضاء في ليبيا عام (1972)، قوله: «وفي هذه الندوة فجر الشيخ أبو زهرة قنبلة فقهية، هيجت عليه أعضاء المؤتمر، حينما فاجأهم برأيه الجديد. وقصة ذلك: أن الشيخ رحمه الله وقف في المؤتمر، وقال: إني كتمت رأيًا فقهيًّا في نفسي من عشرين سنة، ... وآن لي أن أبوح بما كتمته، قبل أن ألقى الله تعالى، ويسألني: لماذا كتمت ما لديك من علم، ولم تبينه للناس؟. هذا الرأي يتعلق بقضية «الرجم» للمحصن في حد الزنى، فرأيى أن الرجم كان شريعة يهودية، أقرها الرسول في أول الأمر، ثم نسخت بحد الجلد في سورة النور. قال الشيخ: ولي على ذلك أدلة ثلاثة: الأول: أن الله تعالى قال: «فإذا أُحصِنَّ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب» (النساء: 25)، والرجم عقوبة لا تتنصف، فثبت أن العذاب في الآية هو المذكور في سورة النور:«وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين» (النور 2) والثاني: ما رواه البخاري في جامعه الصحيح عن عبد الله بن أوفى أنه سئل عن الرجم..هل كان بعد سورة النور أم قبلها؟ فقال: لا أدري. فمن المحتمل جدًّا أن تكون عقوبة الرجم قبل نزول الآية في سورة النور التي نسختها. الثالث: أن الحديث الذي اعتمدوا عليه، وقالوا إنه كان قرآنًا ثم نسخت تلاوته وبقي حكمه أمر لا يقره العقل، لماذا تنسخ التلاوة والحكم باق؟ وما قيل: إنه كان في صحيفته فجاءت الداجن وأكلتها لا يقبله منطق )( موقع شفاف الشرق الأوسط ـ مارس 2007) . ونفس الرأي أفتى به الدكتور حسن الترابي لما اعتبر أن الرجم ليس حدا شرعيا ، بل هو شريعة اليهود . أما ما يتعلق بباقي الأحكام ، فلا شك أن غاية الإسلام ليس إنزال العقوبة ولكن هداية الناس وإصلاحهم . ومصلحة الناس هي غاية الشرع . وأية عقوبة تحقق هذه المصلحة لا بد وأنها مشروعة حتى وإن لم تلتزم بما نص عليه الشرع . وسبق للخليفة عمر أن اجتهد وأوقف العمل بعدد من الأحكام الشرعية ومن ضمنها المساواة في الإرث بين الإخوة من الأب الذكور والإناث على خلاف الآية الكريمة ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ). وما ينبغي الإقرار به هو أن دعاة الحاكمية يتخذون من الآية الكريمة ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) مبررا لعدوانهم على أمن الشعوب واستقرار الدول . فالسعودية مثلا ، تطبق "شرع الله" وتعتبر أحكامها القضائية مستمدة من الشريعة وليس من القوانين الوضعية ، ورغم ذلك يحاربها دعاة الحاكمية بنفس المبررات التي يحاربون بها بقية الأنظمة السياسية . إذن ليس الغرض تطبيق الشرع بل الغرض هو شرعنة الحرب على الأنظمة السياسية بهدف إسقاطها والاستيلاء على السلطة .
    3ـ يكفر الإسلام السياسي‮ ‬القوانين الوضعية وحقوق الإنسان لثلاثة أسباب‮: ‬1‮-‬أنها من صنع البشر‮ ‬2‮- ‬أن مرجعيتها‮ ‬غربية عن المرجعية الإسلامية‮ ‬3‮- ‬أنها تحلل ما حرمت الشريعة‮ ... ‬ويضربون على ذلك مثلاً‮ ‬بمادة الإعلان العالمي‮ ‬لحقوق الإنسان التي‮ ‬تعترف للإنسان بحقه في‮ ‬حرية التدين وحرية الاعتقاد‮ ... ‬قائلين بأن ذلك‮ ‬يعني‮ ‬حرية المسلم في‮ ‬الردة،‮ ‬أي‮ ‬تغيير دينه أو التخلي‮ ‬عنه جملة‮. ‬فما ردكم على هذه الاعتراضات؟
    ‮إن تيار الإسلام السياسي يختلف جزئيا عن التيار الجهادي في مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان والانتخابات . ذلك أن تيار الإسلام السياسي يعرف ديناميكية داخلية جعلت كثيرا من فصائله تقبل بالعملية الديمقراطية وتنخرط فيها رغم بعض التحفظات التي تبديها من حقوق الإنسان المتعلقة بحرية الاعتقاد وبحقوق النساء . وتراجع قادة هذا التيار عن مواقف سابقة إما بفعل إكراهات الواقع أو بفعل النهج البراجماتي الذي ينهجه هذا التيار . بينما التيار الجهادي يتخذ مواقف عدائية وتكفيرية ضد النظم الديمقراطية وقوانينها الوضعية . إذ نقرأ من بين ما يستند إليه هذا التيار التكفيري من معتقدات ( نعتقد أن الديمقراطية دعوة كفرية تعمل على تأليه المخلوق و اتخاذه ربا و ترد له خاصية التشريع والحكم من دون الله تعالى فهي كفر بواح و خروج عن دائرة الإسلام فمن اعتقد بها أو دعا إليها وناصرها أو تحاكم إليها فهو كافر مرتد مهما تمسح بالإسلام وتسمى بأسماء المسلمين.
    ونعتقد أن الأنظمة الوضعية السائدة في بلاد الإسلام نظام كفري مقتبس من قوانين اليهود و النصارى واضعوها شركاء لله في الحاكمية و العاملون بتلك الأنظمة أو المقرون لها أو المتحاكمون إليها مشركون
    ونعتقد كفر الحكام الذين يبدلون شرع الله بشرائع و قوانين الكفر و الحاكم الذي يجعل من نفسه ندا لله في خاصية التشريع فيشرع التشريع الذي يضاهي شرع الله .
    ونعتقد أن العلمانية على اختلاف راياتها ومسمياتها و أحزابها المعمول بها في الأمصار التي تفصل الدين عن الدولة و الحياة و شؤون الحكم و العباد و تجعل ما لله لله و هي زوايا التعبد و حسب و ما لقيصر لقيصَـر و هي جميع مرافق و شؤون الحياة وما كان لقيصر لا يصل إلى الله وليس من حقه ولا من خصوصياته التدخل فيه غرس خبيث و دخيل على الأمة و هي كفر بواح و مروق من الدين فمن اعتقد بها أو دعا إليها أو ناصرها أو قاتل دونها أو حكم بها فهو كافر مشرك.
    ونعتقد أن الديار التي تعلوها أحكام الكفر هي ديار كفر و حرب ولا يلزم من هذا تكفير ساكنتها مع اعتقادنا بأنها خليط بين الكفار و الفساق و المسلمين كل يعامل بحسب حاله و لا نقول بقول غلاة المكفرة أن الأصل في الناس الكفر .
    و نعتقد أن الكفر بالطاغوت شرط في صحة الإسلام فمن لم يكفر بالطاغوت منفي عنه الإيمان و غير داخل في دائرة الإسلام إذ هو الركن الركين في شهادة التوحيد بنص القرآن) .
    وبناء عليه ، تلتقي جماعات وخلايا هذا التيار على عقيدة الولاء والبراء التي لا تترك من خيار سوى الانتقال إلى الفعل وممارسة العنف والقتل والتدمير باسم "الجهاد" ضد المجتمعات المسلمة ـ مجتمعاتهم الأصلية ـ بحجة أن الجهاد ضد مواطنيهم مقدم على الجهاد ضد غيرهم بحجة أن ( جهادهم مقدم على جهاد اليهود لسببين : القرب والردة ) كما أفتى بهذا عبد الكريم الشاذلي أحد شيوخ هذا التيار. وتجسيدا لهذه العقائد أصدر شيوخ التيار الجهادي الفتاوى والأحكام التالية :
    ـ المجتمع الذي نعيش فيه مجتمع كافر ، لأنه استبدل القوانين الإسلامية بالوضعية ، وأن مظاهر الانحلال والفساد فشت فيه، وأن المعروف قد أصبح منكرا ، والمنكر أضحى معروفا .
    ـ أفراد هذا المجتمع وحكوماته مرتدون مارقون ، والمظاهر الإسلامية في هذا المجتمع مظاهر كاذبة
    مضللة منافقة ، فشيوخ الدين ممالئون للسلطان الكافر .
    ـ الجهاد مفروض لتغيير هذا الواقع ، وإحلال شريعة الله مكان شريعة الكفر .
    ـ الوسائل السلمية لا تجدي فتيلا ولا توصل للهدف السابق لأن كل عمل سلمي للدعوة يقابل بالدعاية الحكومية الكافرة .
    ـ ما دام الحكام كفرة والجهاد واجبا ، فقد وجب الخروج عليهم وقتالهم بالسلاح .
    ـ يجوز قتل كل من تترس به الكافر ولو كان من المسلمين .
    ـ ليس للنساء والأطفال حرمة ، لأن أولاد الكفار من الكفار .
    ـ يجوز قتل الكفار ـ وهم الحكام والشعوب الراضية ـ ليلا ونهارا ، وبغير إعلام وإشعار لهم ، ولو قتل في ذلك نساؤهم وأطفالهم .
    ـ لأن النظام نظام كافر ، فالدار التي نعيش فيها دار حرب ، وبذلك تكون كل ديار المسلمين الآن ديار حرب ، يجوز فيها ما يجوز في دار الحرب ، من القتل والسلب والنهب والغصب والخطف .
    ـ ليست هناك طريقة لإيجاد الحكم الإسلامي إلا بالحرب) .
    إن الذين يرفضون الديمقراطية ويكفرون المجتمعات بحجة أنها تشرع لنفسها ، عليهم أن يدركوا حجم التناقض الذي يسقطون فيه . فإذا كان رفضهم للديمقراطية بمبرر أن الإنسان يشرع ، أي يضع قوانين وتشريعات وفق ما يخدم مصلحة المجتمع من خلال المجلس التشريعي الذي هو مؤسسة تضم ممثلي الشعب ، ومن ثم يكون هؤلاء الممثلون أدرى بمصلحة المواطنين ، فإن الفقهاء هم أنفسهم بشر يجتهدون وفق ما تقتضيه مصلحة الأمة/الشعب . فالفقهاء يستنبطون الأحكام ويجتهدون في وضع تشريعات يعتقدون أنها مستمدة من الشرع وقد لا تكون كذلك ، كما هو فقه البداوة الذي يحرم على المرأة كل مشاركة في الحياة العامة ويجردها من إنسانيتها . فهذا الفقه هو شرعنة للأعراف والقيم البدوية التي جبها الإسلام ، ورغم ذلك يعتبرها دعاة الحاكمية "شرع الله وحكمه " . فهل من شرع الله منع ولاية المرأة على نفسها وعلى غيرها ؟ ألا يتناقض هذا التشريع الفقهي مع التشريع الإلهي الذي أقرته الآية الكريمة ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) ؟ ألم يثن الله تعالى على حكمة ملكة سبأ وجعلها عبرة تحتذى ؟ وهل من شريعة الله تحريم تعليم المرأة وعملها ؟ أليس هذا تشريعا منافيا للتشريع الإلهي ؟ ألا يجعل الفقهاء أنفسهم أندادا لله في التحريم والتحليل ؟ إن التشريع هو التشريع سواء وضعه الفقيه أو البرلماني ، فكلاهما يجتهدان في وضع تشريعات وقوانين . لكن الفرق بينهما ، حسب دعاة الحاكمية ، ليس تحقيق المصلحة العامة وفق ما ينص عليه التوجيه النبوي الشريف ( ما كان من أمر دنياكم فأنتهم أدرى به ) ، بل الفرق هو العمامة واللحية والتمسح بالقرآن والتخفي وراء تلاوته . لقد أكدت عدة تجارب أن هؤلاء أشد عداء لمصلحة شعوبهم . إذ ما تعانيه المرأة في المجتمعات الشرقية بسبب جرائم الشرف لا نظير له ولا أساس له في شرائع الإسلام . وبسبب الأعراف الاجتماعية والقيم الذكورية يعيد دعاة الحاكمية إنتاج تأويلات تكرس الأعراف وتجعلها دينا من الدين . ففي الباكستان ناهض الإسلاميون بشراسة تغيير بنود " قانون الحدود" الخاصة بجريمتي الاغتصاب والزنا . وكان هذا القانون أقر خلال حكم الجنرال ضياء الحق عام 1979 ، وينص أساسا على تطبيق عقوبة الإعدام على كل امرأة تقدمت بشكوى تعرضها للاغتصاب دون أن تتمكن من تقديم أربعة شهود " مسلمين ورعين" . وفي محاولة للضغط على البرلمان وتهييج الرأي العام ، قاطع نواب المعارضة الإسلامية جلسة البرلمان ، بعد أن حذروا بشدة من الإصلاح القانوني المقصود واتهموه بكونه سيجعل من باكستان «مجتمعا تسود فيه الحرية الجنسية». إذ سبق وصرح في البرلمان ، زعيم المعارضة مولانا فضل الرحمن أن(هذه محاولة لإنشاء منطقة حرة للجنس في باكستان) . فالأمر بالنسبة له لا يدعو إلى تغيير القوانين على اعتبار أن (القوانين الحالية صحيحة ويجب المحافظة عليها. ليست هناك حاجة لإدخال أي تعديل. التغييرات لا تتفق مع تعاليم الإسلام ) .
    وفي المغرب ، وعقب صدور مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية ، هاج الإسلاميون تكريسا لظلم المرأة وابتذالها من خلال مناهضتهم لمطالب الرفع من سن الزواج إلى 18 سنة وتقييد تعدد الزوجات ، ووضع الطلاق بيد القاضي واقتسام الممتلكات الزوجية . إنهم لا يراعون في المرأة إلاًّ ولا ذمة . ولولا سلطة إمارة المؤمنين وهيبتها لما وجد مبدأ المساواة منفذا ليكون قاعدة بنود مدونة الأسرة وموجهها . أما في الكويت فظل الإسلاميون يناهضون كل قانون يضمن للمرأة حقها في المشاركة السياسية عبر التصويت والترشيح وتولي المناصب الحكومية . وسبق لجريدة "الخليج الإماراتية" أن نظمت ندوة في موضوع الحقوق السياسية للمرأة إلى أين ؟ نشرتها في عددها ليوم 13 ـ03ـ 2005 ، شارك فيها الأمين العام للتجمع السلفي خالد سلطان بن عيسى الذي قدم مسوغات الرفض التالية : ( هذه قضية شرعية نحتكم فيها لما جاء في الشريعة الإسلامية التي تمنع عمل المرأة بالولاية العامة، ولما كان منصب عضو البرلمان يدخل تحت بند الولاية العامة، فإن الأمر المقرر شرعاً هو عدم جواز مشاركة المرأة فيه، ولذلك فإننا لا نتفق مع أية آراء شاذة تقول غير ذلك، ونحن مستعدون لإثبات ما نقوله بالأدلة والبراهين الشرعية) . واستمر الوضع عقودا حتى تكسر عنادهم على إرادة الأمير ونضال قوى المجتمع الحية . ورغم ذلك يفوتهم الاعتبار ليظلوا يطاردون كل نور يضيء سبيل المرأة إلى الارتقاء والانعتاق . وفي الأردن ظل البرلمانيون الإسلاميين يعارضوا إلغاء المادة 340 من القانون الجنائي التي تقدم عذر التخفيف لفائدة القاتل فيما يعرف بجرائم الشرف ، لدرجة أن عقوبة الجاني لا تتجاوز في أقصى الحالات سنة سجنا . ودفاعها عن موقف الإسلاميين هذا ، قالت إحدى برلمانيات التيار الإسلامي الأردني مشرعنة جريمة القتل ( ولكن لو تم القتل فهناك الحكم الذي نقوله نحن دائما ، هذا الحكم هو : قال الإمام العلامة الفقيه المحدث ابن قدامة المقدسي ( وإذا وجد رجلا يزني بامرأته فقتله فلا قصاص عليه ولا دية لما روي عن عمر ابن الخطاب ) .
    وفي مصر لا يكاد يخمد هيجان حتى يتلوه موجان ضد أي تصريح أو تلميح يتناول "الحجاب" وحتى "النقاب" . فبعد الداعية جمال البنا والأستاذة سعاد صالح كان دور وزير الثقافة المصري فاروق حسني لا لشيء سوى لكونه وصف ارتداء الحجاب بأنه "عودة إلى الوراء".
    4 هل تشاطرون من‮ ‬يطالبون بتعديل الدساتير والقوانين في‮ ‬البلدان العربية لتطهيرها من رواسب الحاكمية مثل اللامساواة بين الرجل والمرأة،‮ ‬والمسلم وغير المسلم،‮ ‬والتنصيص على دين الدولة ودين رئيسها وحرمان المسلمة من الزواج من‮ ‬غير المسلم ؟
    ـ بالتأكيد أن المطالبة بوضع دساتير ديمقراطية مبنية على مبادئ حقوق الإنسان ، تزداد ملحاحية أمام الدعوات التي يقودها دعاة الحاكمية ومعتنقو عقيدة الولاء والبراء . فهذه العقائد لا تقر بحقوق المواطنة ولا بمبادئ حقوق الإنسان . وما يعانيه الأقباط في مصر مؤشر على حجم المخاطر التي تتهدد مجتمعاتنا ويظل مصدرها دعاة الحاكمية . وحتى تقطع الحكومات العربية الطريق على هؤلاء ، عليها أن تعجل بوضع التشريعات التي تقر بالمساواة في المواطنة وفي الحقوق السياسية والمدنية . ومن شأن تشجيع الاجتهاد الفقهي في هذا الشأن أن يقلل حدة المقاومة التي يبديها دعاة الغلو والتطرف والحاكمية . ذلك أن زواج المسلمة من المسيحي بات واقعا لن تمنعه آراء الغلاة ، فضلا عن الاجتهادات الفقهية التي تجيز هذا الزواج . لهذا يكون الانفتاح على مثل هذه الاجتهادات أمرا ضروريا لتحصين المجتمع وتقوية تماسكه . إن الدول العربية بحاجة إلى أن تحكمها القوانين التي تعبر عن إرادة الشعوب وحاجاتها ومصالحها ،لا أن تحكمها الفتاوى التي ، في معظمها ، تظل مصدر فتن لا تبقي ولا تذر . فالدين لله والوطن للجميع . وحتى يكون الأمر كذلك يتوجب التواضع على تشريعات تحمي حقوق كل المواطنين في الانتماء للوطن والمساهمة في بنائه وإدارة شؤونه العامة والمحلية .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de