كلام في الفلسفة - حوار مع د. بكري خليل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 02:21 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-12-2008, 01:22 PM

Mohammed Elhaj
<aMohammed Elhaj
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1670

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كلام في الفلسفة - حوار مع د. بكري خليل


    لقاء نُشر في جريدة الصحافة بوم أمس مع استاذنا د. بكري خليل
    أجراه: مجذوب عيدروس
    د. بكري خليل أستاذ الفلسفة بجامعة النيلين بالخرطوم، ومؤلف لعدة كتب منها (التأويل الصوفي للحداثة- عن الفكر الجمهوري السوداني)، و(المنطق عند الغزالي)، و(الهويّة السودانية)، و(تجديد الفكر الصوفي)، وغيرها من الموضوعات المهمة على صعيد الفكر والثقافة والسياسة.. التقيناه في حوار فكري عميق حول دراسة الفلسفة وجدواها والهويّة السودانية وغيرها.
    * كيف تنظر إلى موقع الفلسفة في المؤسسات التعليمية وفي محيطنا الثقافي؟
    - أرى أن أفضل الإحداثيات التي تحدد موقعها هو الانتشار والنفاذ في الوعي الاجتماعي، فافقياً لا تتعدى أقسام الفلسفة ثلاث جامعات هي الخرطوم والنيلين وجوبا إلى بعض الكليات والمراكز التي تدرّس أو تهتم بمواد ذات صلة بالفلسفة، كما في جامعات ام درمان الإسلامية والسودان والجزيرة، فضلاً عن بعض الدوائر البحثية التي تهتم بالشأن الفلسفي إلى حدٍّ ما.
    أما نوعية الدرس الفلسفي فتعاني من نواقص أساسية تواجه العملية التعليمية سواء في المناهج أو المستلزمات الأكاديمية أو المعينات والموارد وهي في حقيقتها تتصل بأوضاع التعليم العالي في السودان.
    فإذا عرضنا للمجتمع نجد تراجعاً ملحوظاً للفعالية الفلسفية في اوساط المثقفين قياساً إلى الالتفاف الواسع الذي حظيت به الجمعية الفلسفية السودانية منذ ما يزيد عن نصف قرن والتي ضمت أبرز المتخصصين من الروافد العلمية والاجتماعية، وكانت منبراً لا نجد له نظيراً في ميادين الاختصاص، كما أن هذه الجمعية قد واظبت على إصدار «السودان في رسائل ومدونات» أهم سجل للثقافة والمجتمع عرفه السودان.
    وعلى الرغم مما ذكرناه، فإن المحيط الثقافي لا يخلو من محاولات الإضافة والحضور سواء بالتأليف أو المشاركات في المحافل الفكرية والملتقيات الفلسفية.
    * نسمع بين الحين والآخر بعض الأصوات التي تردد عدم جدوى تدريس الفلسفة، فما رأيك فيما يثار في هذا الصدد؟
    - هناك ثلاث طبقات لهذه الأصوات، الاولى صادرة من سماعيات وتجهل ما بلغته الفلسفة في العصر الحديث وكأنها تعيش تحت سقف واحد مع ابن صلاح الشهرزوري.
    أما الثانية فذات أساس إقصائي نفعي ترى في الفلسفة علماً تجريدياً لا طائل من ورائه، فهي تفتقد العمق، والثالثة ذات أساس اقصائي دوغمائي تعتقد بأن الفلسفة ضلال وافساد للإيمان والعقيدة فتنطلق من نظرة متحفية لا تعرف إلا التكفير والتنسي والتبديع، وأياً كان رأينا فيها فهي في حاجة إلى تصحيح للمزيد من الاطلاع على الفكر الفلسفي والتعرّف على ميادينه ومشاغله الراهنة، فلا حل معها إلا الحوار والمزيد من التوعية.
    * أليس في ما يقال استناداً للطابع التجريدي للفلسفة ومساسها بالإيمان شيء من الحقيقة؟
    - من الصحيح القول إن الفلسفة تنتمي لدائرة علوم الثقافة وليس العلوم التطبيقية. وعلوم الثقافة او التخصصات السوسيوثقافية والإنسانية هي مجالات تكوين رأس المال الاجتماعي وأدوات إنتاجه الواقعي والرمزي ذات الاستثمار والانتاج الطويل الأمد والأبعد أثراً في البناء الاجمالي للمجتمع وصناعة الحياة.
    فنحن ندرس التاريخ الفني والفلسفة والمذاهب وعلم الاجتماع والانثربولوجيا والسيكولوجي انطلاقاً من المنظور العلمي البعيد المدى ومن المنظور المعرفي والثقافي لتأكيد الاستمرارية وتجديد التجربة الحضارية وانعاش قوى الخلق الروحية.
    لكن الفلسفة تتفوّق على غيرها في دائرة العلوم الإنسانية والاجتماعية بأنها منتج حقيقي لنظام الوعي الجماعي لا يقدر على مجاراتها أي من التخصصات النظيرة، بل إن أياً منها لا تقدر على الابتعاد منها او الامتناع عن التعاطي معها.
    اما ما يتصل بمسألة الايمان، فؤن الفلسفة قد ظلت دائماً تبحث عن اليقين ولم يكن ما داخلها من منازع شكية إلا حافزاً لتسكين القلق الإنساني وخواء الضياع الفكري، وهكذا لم تكن المغامرة الأولى للفلسفة إلا سعياً وراء الأجوبة على الأسئلة الكبرى استناداً للدلائل والحجج والبرهانية ونقل الإنسان من المجهول إلى المعلوم ومن التيه إلى الرشاد.
    * كيف تصحح إذن، هذه النظرات الخاطئة والمحافظة للفلسفة؟
    - يمكن التصحيح في العودة إلى موضوعات الفلسفة كي نرى تحولها في مختلف الاقسام فهي وان ابقت على المجالات التأملية والنظرية فقد تطوّرت في مباحثها واضافت اليها عناصر جذرية في الابواب المعروفة من ذي قبل، ونشأت فروع لم تكن قائمة او مستقلة بذاتها في مجالات المنطق والاستجوكوجي والاكسيولوجي وأصبحت هذه المجالات تتداخل مع العلم التطبيقي والعلوم الإنسانية الأخرى، كما امتدت واتسعت الفلسفة واتصلت بالفنون والأدب وأسفرت التطورات عن نشوء فلسفات العلوم والتقانة والرياضيات والذكاء الاصطناعي وفلسفة التنمية وفلسفة البيئة واللغة اللسانية والأخلاقيات المهنية في أبرز ميادين العلوم كالطب والقانون وفي الدراسات ذات الاتساق والمناهج المتداخلة.
    * ما هي علاقة الدراسة المنهجية للفلسفة بهذا التصور وما العمل لتعميمها في السودان؟
    - هناك ضرورات تربوية وثقافية تفرض تعميم الدرس الفلسفي في السودان، واؤكد القول أن في هذا تتحقق ابجديات الاصلاح التربوي والتعليمي في مناهجنا المدرسية. فلا يمكن الزعم بأي توجه تنويري معرفي في غياب الدرس الفلسفي لأن تحقيق الاستنارة إنما يتم بتوسيع الآفاق وإعداد الأذهان للتثقيف والتلقي المنهجي للمعارف الفلسفية مما يمكننا من اختصار الجهد والطاقات المبذولة في خصومات العقل المستقبل، وانه لمن غير المعقول أن يتأخر السودانيون عن باقي دول المنطقة حوالى سبعين عاماً او يزيد، اذ يغيب الدرس الفلسفي في مدارسنا اللهم تلك التي كان تشرف عليها البعثة التعليمية المصرية، وتلك السنة التجريبية اليتيمة عام 1970م على عهد النظام المايوي بالنسبة للمدارس الحكومية.
    وهذا النقص إنما يؤشر خللاً في تركيبة مناهجنا المدرسية وكذلك الجمعية والتي سوف تغتني وتعزز فيما أدخلت فيها الفلسلفة التي هي عنوان إتصال الفكر بمصادر الثقافة العالمية، والمعين الذي لا بديل لمختلف التخصصات عنه، فلا مناص من شمول الفلسفة في مختلف الجامعات، وتدريس مواد الفلسفة بحسب التخصصات في كليات العلوم والهندسة والطب والقانون وأقسام اللغات والإنسانيات كالاجتماع والتربية وعلم النفس والتاريخ... إلخ.
                  

03-12-2008, 02:24 PM

Mohammed Elhaj
<aMohammed Elhaj
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1670

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلام في الفلسفة - حوار مع د. بكري خليل (Re: Mohammed Elhaj)


    * هل فيما عددتم ما يدلنا إلى كيفية الإفادة من الفلسفة في مشكلات الحياة المعاصرة؟
    - لم تعد الفلسفة علماً ثقافياً ذا مردود بعيد الأمد فقط، بل أصبحت علماً حيوياً للممارسة العملية خاصة في المهن والعلوم الماسة بالبقاء الإنساني أو في تحسينه، فلا بد من فهم فلسفي للقيم المهنية في العديد من العلوم كالطب والتقنيات الحيوية ومجالات الخدمات والبيئة والصحة النفسية... إلخ. فهذا العصر يعيش نقلات ضخمة تنال من منظومات القيم ومؤسساتها بفعل انفجار المعرفة وتلاشي المسافات بين الزمان والمكان إلى درجة القابلية على فقدان الاتجاه والعجز عن التباري مع هذه النقلات.
    فثمة معضلات لا سابق للإنسان بها تحتّم على مختلف الثقافات الإقبال على حلها برؤية مشتركة لمشاهد المستقبل ولا اظن انها ستلتقي في بؤرة غير فلسفية.
    * هل ستضع هذه المهمة كلاً من الحلول الدينية والحلول الفلسفية في مواجهة بعضها؟
    - هناك خط عام لمسألة النزاع بين السلطات المعرفية في كل المجتمعات وهو أن يجري في إطار اجتماعي تاريخي فلم يحدث التواجه بين الدين والفلسفة في سباق مستقل عن مجمل مشكلات التطور. ومع ذلك نجد انواعاً متعددة ذات طابع ذاتي بين المكونات الفلسفية والدينية أفرزت في النهاية تفاعلات وتأثيرات متبادلة كما أن هناك خصائص مشتركة أحياناً. فهناك فلسفات دينية، وأديان فلسفية، وتصوف فلسفي، إلى جانب اللاهوت.
    فإذا كان مدار الدين هو المصير الإنساني المجاوز للدنيوي إلى الاخروي، فإن مدار الفلسفة هو تحسين الكمال الانساني، ولكن لكل منهما منهجه ومنطقه الخاص.
    لكن المطروح علينا في مواجهة اشكاليات العصر هو موقف الفكرين الديني والفلسفي، وليس الدين والفلسفة بالمطلق في مستجدات ليست مألوفة في الشكل والمضمون وليست هناك اجابات لها. ومن هنا لا تصبح المواجهة راجحة في المقام الأول.
    * ولكن أليس هناك احتمال للنزاع بينها؟
    - لو فحصنا طبيعة الخصومات لوجدنا أن المذاهب والآيديولوجيات المتقاربة هي الأقرب إلى الصراعات التناحرية، لذا ليس من الضروري ان يقع النزاع بين هذين الطرفين، وكثيرا ما كان كلاهما ضحية لسلطة خارجية.
    فمثلاً على الرغم من تباين موقف ابن رشد الفلسفي عن موقف الغزالي الكلامي فإن حظهما كان مصادره واحراق كتبهما وعلى الرغم من تقارب مواقف اعلام الفقه الإسلامي ابن حنبل وابن تيمية وابن حزم بخصوص الرأي والمنطق والقياس على التوالي فإنهم قد واجهوا الاضطهاد والتنكيل، فلم يكن كل هذا هرطقة أو خروجاً عن الملة.
    ما أريد أن أشير إليه عن ثنائية الاستقطاب الديني- الفلسفي قد انتهت صورتها التاريخية بعد ان اتسع المجال العام في هذا العصر وخرجت الأفكار والنخب من مجالس الولاة وبلاط الملوك والخلفاء وحلقات العلم وأماكن العبادة، إلى رحاب اجتماعي ومجتمعي واتصالي أوسع لم يعهده عصر ما قبل الصناعة، فلكل من الفلسفة والدين متسع للإضافة والمقاربة على قاعدة التعددية والاختلاف، وكذا فإن كليهما يواجه تحديات العصر وتبعاته.
    * ما هو رأيكم في المناهج الفلسفية الحديثة وما هو تقديركم لتطبيقات هذه المناهج على النصوص العربية؟
    - لقد ظهرت المناهج الفلسفية في إطار المشروع الثقافي والعلمي والغربي، من أجل امتلاك الأدوات العقلية الضامنة لإحراز اليقين ومن ثم تبرير المعرفة العلمية. وهكذا فإن صيغتها ونموذجها الميكانيكي قد ادمجت الظاهرة الإنسانية في الظاهرة الطبقية وتبنت العلوم الإنسانية أيضاً منهج العلوم الطبيعية.
    ولهذا فقد توالت المناهج تبعاً لاتجاهات التيارات الفلسفية كذلك تطور العلم في ظل تداعي النموذج الحتمي الميكانيكي وأزمات الحداثة الغربية وسيطرة العقل الأدائي.
    وأدى ذلك إلى الانسحاب من دائرة الفكر الى دائرة الإجراء واختزال القيمي لصالح ما هو وسيلي، ونشأت أشكال معالجة المعنى التي رأى بعض المناهج أن حلها لا يتأتى بالإتصال بالواقع الخارجي وإنما في عزل الخطاب من الانتقال من النقد المضمون للمعرفة إلى اللغة والنص أو تفكيكه وتقويض دلالات الظاهرة للكشف عن متناقضات الداخلية.
    وضمن هذا المطاف، فهناك اشكالية عامة للمنهج واخرى خاصة بتوجيهه، لذا فقد تعارضت المناهج إزاء بعضها، وتشعّبت ضمن المنهج الواحد، إضافة إلى وقوف بعض علماء المنهج إلى جانب الاتجاه الوصفي والبعض الآخر الذي مال نحو الاتجاه التفسيري وجنوح البعض إلى التعددية المنهجية ووقوف غيرهم إلى جانب معاداة المنهج في حد ذاته.
    وما يهمنا أن الاسقاطات المذهبية قد اثرت على موضوعية وحيادية المناهج بصفة عامة في البحث العلمي.
    فإذا كانت لهذه المناهج من ميزات فإنها تتمثّل في قدرتها على التأطير وفي ربط الأنساق العلمية والمعرفية وما أحدثته من حراك فكري، وما فتحته من دروس الانبثاق المتصل للمفاهيم والمعالجات وانتاجها على النقد.
    لكن المناهج تعاني من آثارالمشكلات الابستمولوجية والقيمية للمشروع الثقافي العربي في فهمه لأهدافه وفي اخضاعه إرادة المعرفة لإرادة القوة.
    واعتقد ان بعض مفكرينا وكتابنا قد جهدوا لاستخدام هذه المناهج في نطاق النصوص الفلسفية، وكذا في أعمالهم الفكرية في ميادين النقد الثقافي والنقد الأدبي، وقد وقع بعضهم في أخطاء عديدة جلها ناتج عن فقدان السيطرة على توجيه الأدوات المنهجية أو الاستسلام لقوالب التقليد وهم في ذلك يتقاسمون الإخفاق مع حالة تبدو عالمية في التطبيق الإبداعي للمناهج لاسيما خارج الدوائر التي انتجتها.
                  

03-12-2008, 03:12 PM

Mohammed Elhaj
<aMohammed Elhaj
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1670

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلام في الفلسفة - حوار مع د. بكري خليل (Re: Mohammed Elhaj)


    أتيت على ذكر الحداثة، ما هي محدداتها وشروط تحققها وكيف ترصدها في مجتمعنا؟
    - تستشعر الحاجة إلى الحداثة من أحوال التأخر الممتد لمئات السنين، وأرى أن هناك نقطتين جديرتين بالانتباه إحداهما مفاهيمية والأخرى تشخيصية.
    فالتحديث هو كلما هو منجز كأثر تمديني مباشر، أما الحداثة فهي كلما هو معياري في المدى الحضاري فهناك فارق بين التحديث والحداثة. فالتحديث يتقدم الحداثة ونحن نعيش معطياته ونتائجه كنتيجة للاحتكاك بالغرب او بقوة الدفع التلقائي للمدنية واتصالنا بالعالم واتصاله بنا، اما الحداثة كمشروع للتحول الحضاري فهي اما تراوح في مكانها وتتقدم أو حتى تتراجع خطاها، ولكن على كل حال هناك تراكمات على مستوى الوعي الذاتي الجماعي وقيم التحرر والمساواة والمواطنة.
    ولكن مطلب الحداثة ليس متروكاً لذاته فهو محاط بمعوقات التحرر العقلي الفردي، والتحرر الاجتماعي السياسي والتحرر القومي والاستقلال الحضاري.
    فثمة محاولات حداثية وشروط للنجاح في معركة الحداثة، ضد التقاليد البالية والعادات الذهنية الترديدية والماضوية، وثمة كوابح ثقافية وتنموية تتمثّل في التبعية والأساس الريعي لاقتصادياتنا والنزعة الاستهلاكية المسيطرة على مجتمعاتنا، والولاءات دون الوطنية والانقسامات والعصبيات التي تضعف من وحدة الجماعة والدولة الوطنية.
    إن المنزلق الأكبر لجهودنا الحداثية تكمن في اتباع الآخر والتضاؤل أمام التراث. ومن هنا فإن معقولية الحداثة تعني وضعها في أفق النهضات التاريخية بمعنى ترسيخ مفهوم الاستنطاق والتجاوز وإجادة فن التجديد أي الإبقاء على المعالم الحيّة في تراثنا واستخلاصه بالنقد والتحليل، فكما أبدع الإسلام التعامل مع الاستبطان والتجاوز باستيعاب تقاليد المجتمع العربي وأتم ما جاد من تعاليم الديانات السابقة كجزء من نسيجه الأخلاقي في التعبدي والتشريعي، فإن انجاز الحداثة يعني استبطان التراث وتجاوزه معاً.
    وذلك يعني أن معقولية حداثتنا لا تتأسس في نزاع لكنها تخلق معاييرها استناداً إلى العقلانية وروح العصر من جهة وهويتنا الحضارية من جهة أخرى كصمامات أمان ضد الاستلاب وعوامل الإجهاض.
    * أين تتناقض العروبة والأفريقانية في هذه التصورات؟
    - يبدو أن في بعض ممارستنا الخطابية قدراً من الغموض خاصة ما يتعلّق منها بالهوية.
    فالخوض في مسألة الهوية فوق ارضية الثنائية واستخدام جهازها المفاهيمي التفاضلي لا يخلو من أهمية تحليلية أحياناً في توصيف ماهية الوجود الوطني وتعداد بعض تشكلاته.
    غير أن هذه القيمة التحليلية تصبح أحياناً تشريحاً كيفياً للواقع الوطني بحيث يفوت أو يغيب حدس الهوية أي تلك القوة القادرة على النفاذ إلى الهوية في مجموعها أي إلى كل مكوناتها وخصائصها الذاتية وهنا تكمن مخاطر التحليل الهدامة على حد قول «بيرجسون» لأنه يفصل الماهية عن الهوية أي يعزل صفاتها الجوهرية غير القابلة للإنقسام في الواقع.
    اذاً، فالحديث عن تعارض الأفريقانية والعروبة بالفهم التحليلي المجرد يقود الى اضطراب مجالنا الخطابي ويحيل المتخيل العروبي والافريقاني الى فزاعة لضميرنا الوطني ووجداننا الحضاري لان دلالات كل منهما سوف يكون بعبعاً للآخر، عندها تكون ازالة آثار الخطاب الملتبس همَاً معرفياً ينبغي العمل على التحقق منه بالوعي لطبيعة الوجود الوطني لانه غير قابل للتعريف المنطقي وهذا شأن الهوية السودانية.
    فهذه الثنائية تشبه النقطة العمياء في قاع العين تتفرّع منها أعصاب الأبصار دون أن تكون هي قادرة على الإبصار، فهي منطقة مهمة لكنها لا تقوم بالوظيفة العضوية، فالمسألة إذن كيف توظف فسلجة الوطنية السودانية حتى تنطلق طاقاتها وتستلهم دورها الحداثي.
    * لكن كيف يمكننا التخلص من هذا الإلتباس وكل خطاب فيه سلطة ما؟
    - أنا لا أقصد بأن هذا الخطاب عائق معرفي في حد ذاته حتى ادعو الى سودانوية منبتة الجذور لأنه من الترف الفكري أن نروّج للتخلص من مكونات وجودية تتصورها العلة التي أصابت كياننا وحاضرنا، لكنني أرى ضرورة الانتباه الى سلطة المفاهيم واوجهها المتعددة.
    وعلى سبيل المثال يمكننا أن نؤسس السودان الحديث بدءاً من ظهور السلطنة الزرقاء ولكن دون أن نرى في هذا التأسيس عقداً سياسياً بين العروبة والأفريقانية أو لقاء بين الغابة والصحراء أو ذرة النضج والتحول الحضاري للمثاقفة بين العروبة والزنوجة.
    فمثل هذه المعالجة تطرح قضية الخلفية والوعاء التاريخي المستوعب لتلك اللحظة المهمة، وبالتالي لا بد من مثول الوادي، وهو الأكثر تعبيراً عن التفاعل المكاني والزماني، بل هو الأكثر رمزية ودلالة على تفاعل الجهات السودانية الأربع، ومهد ايكولوجيتها الوطنية وبيئتها الثقافية وموطن تراثها الكتابي والقابلة التي ولدت إرادة التوحيد الوطني على يديها.
    وفوق هذا وذاك فالوادي هو مركز ثقل الحمولة والجذب بحسب قوانين العمران المدنيات القديمة، مما أهله على لقاء وامتزاج الصحراء والغابة انسانياً وحضارياً وليس جغرافياً او عرقياً فهذه الثنائية لا تقوى على الوقوف لوحدها بل ستستدعي إليها المزيد حتى لا تجد «جنباً ترقد عليه».
                  

03-12-2008, 07:42 PM

محمد الأمين موسى
<aمحمد الأمين موسى
تاريخ التسجيل: 10-30-2005
مجموع المشاركات: 3470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلام في الفلسفة - حوار مع د. بكري خليل (Re: Mohammed Elhaj)

    Quote: هناك ضرورات تربوية وثقافية تفرض تعميم الدرس الفلسفي في السودان، واؤكد القول أن في هذا تتحقق ابجديات الاصلاح التربوي والتعليمي في مناهجنا المدرسية. فلا يمكن الزعم بأي توجه تنويري معرفي في غياب الدرس الفلسفي لأن تحقيق الاستنارة إنما يتم بتوسيع الآفاق وإعداد الأذهان للتثقيف والتلقي المنهجي للمعارف الفلسفية مما يمكننا من اختصار الجهد والطاقات المبذولة في خصومات العقل المستقبل، وانه لمن غير المعقول أن يتأخر السودانيون عن باقي دول المنطقة حوالى سبعين عاماً او يزيد


    التحية للدكتور بكري.. حقا لقد أثر غياب الدرس الفلسفي في طرق تفكير العديد من السودانيين.. والنتيجة ضعف الخطاب السياسي وافتقاره لأدوات المنطق وضعف الحجاج.. فضلا عن سطيحة معالجة القضايا الحيوية مثل قضية الهوية والصراعات الجهوية والتخطيط التنموي المستدام..
    الفلسفة تهذب الفكر وتشحذ آليات التفكير وتعمق القضايا وتعلم الإنسان كيف يحترم السؤال.
    شكرا أخي محمد الحاج.
                  

03-13-2008, 03:09 PM

Mohammed Elhaj
<aMohammed Elhaj
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1670

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلام في الفلسفة - حوار مع د. بكري خليل (Re: Mohammed Elhaj)


    سلامات محمد الأمين موسى
    حينما قرأت هذه الجزئية التي قمت بإقتباسها خطرت ببالي مجموعة من المقالات نشرها د. هشام عمر النور (هو بالمناسبة زميل ل. د. بكري)، المقالات بعنوان هل هناك ضرورة نظرية لتخطي الماركسية؟ نشرت في احدى الصحف بالسودان في سلسلة من 13 مقالاً و نشرت أيضا بسودان فور ال،
    Quote: لابد من أن أتفق مع المقالات بداية في طرحها الأوّلِى حول جمود المفاهيم النظرية في حياتنا (الفكرية)، هذا الجمود له تقاليد عريقة تبدو واضحة في المقولات التي تبخس من شأن (التنظير) و ترى أنه مجرد (كلام ساكت) و (فلسفة) أو كما تنطق في عاميتنا، ينسحب هذا على كل ما له علاقة بالعمل الذهني (تخطيط، دراسة... الخ) و تمجيد العمل و الممارسة المباشرة، يقرأ هذا مع المناهج المدرسية التي تُبذل للطلاب في مراحلهم المختلفة،(التعليم النظامي (والمناهج) الذي وفره الإنجليز للسودانيين قبل الاستقلال كان يهدف لتأهيل إدارة وسيطة و للأسف لم يختلف الأمر كثيراً بعد الاستقلال، وربما كان الأمر أفضل حالاً من المناهج الموجودة حالياً و التي أنت د. هشام لصيق بها، الامر الذي رسخ للفقر الذي تحدثت عنه في المقال الأول و (حرم الأجيال الجديدة من امكانية قراءة الواقع بشكل أكثر وضوحاً وصاروا امتدادا لما سبق)، على أي حال أمر التعليم و المناهج في سنى التعليم المختلفة هام عند طرق الحديث عن المفاهيم النظرية في المجتمع.
    هذه كانت جزء من مداخلة لي موافقاً على ما أسماه د. هشام بفقر الحياة النظرية والفكرية، وتتماهي هذه الرؤية مع ما يطرحه هنا د. بكري خليل، مصر مثلا تدرس الفلسفة لطلاب المرحلة الثانوية وهي التي ارتبط بها في مرحلة ما تصميم المناهج في بلادنا،
    ولي عودة
                  

03-19-2008, 08:06 AM

Mohammed Elhaj
<aMohammed Elhaj
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1670

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلام في الفلسفة - حوار مع د. بكري خليل (Re: Mohammed Elhaj)

    *
                  

04-04-2008, 07:52 PM

salah awad allah
<asalah awad allah
تاريخ التسجيل: 07-15-2007
مجموع المشاركات: 2298

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلام في الفلسفة - حوار مع د. بكري خليل (Re: Mohammed Elhaj)

    شكرا ود الحاج على نشر هذا الحوار العميق هنا
    وحقيقة ان دكتور يكرى اضافه حقيقيه للفكر السودانى
    وقد اطلعت على هذا الحوار القيم من الصحيفه كدت ان انشره هنا لولا زحمة العمل
    اكرر لك عظيم شكرى
                  

04-27-2008, 03:04 PM

Mohammed Elhaj
<aMohammed Elhaj
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1670

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلام في الفلسفة - حوار مع د. بكري خليل (Re: Mohammed Elhaj)

    سلامات صلاح وآسف على التأخير في الرد
    أنا متأكد جداً من أن د. بكري سيسعد بتعليقك وبقراءتك للمقابلة،
    وأنا على علم بترحيبه بالنقاش والكلام حول إفاداته للصحيفةز
    شكراً جزيلا و لمزيد من القراءة ل د. بكري خليل
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de