|
|
 شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى )
|
الإخوة والإخوات الكرام ... حفظهم الله
كنت قد سطرت بعض الكلمات فى مواقع بعض القرى النوبية تحت مسمى " شذرات ماهرية " وبما أنها تحوى بعض الملعومات التى قد تكون مفيدة للناس فقد رأيت نقلها هنا إن سمحتم لى بذلك .
وهى تتحدث فى شكل حلقات عن الفنتيات ( النخيل ) ، والسقريات ( المراكب ) ، والنوقريات ( البيوت ) ، والتوربكانيه ( المزارع ) وأخرى متفرقات .
ورغم علمى بأنه تم تناول كثير من هذه الأمور من آخرين هنا أو فى المواقع النوبية الأخرى ، إلا أننا مزجنا المعلومة ببعض من الفكاهة وبعض من " التون بانجاد " حتى ننعش زاكرة العارفين وكذلك حتى نعلم الأجيال النوبية الحديثة الذى شبوا وترعرعوا فى بلاد المهجر والخرطوم حتى أن بعضهم وبعض آبائهم لم يروا البلد منذ عقود أو لم يروه على الإطلاق نعلمهم بعض من تراث الآباء والأجداد.
وكذلك فإنه يسعدنا أن يتعرف علينا الآخرون الذين لا ينتمون إلى منطقتنا لعل بعض ما سيكتب هنا يصادف هوىَ فى نفوسهم .
وسأبدأ بالفنتيات ( النخيل ) لا لسبب محدد ولكن لكونها تشكلت بسبب عقدنا لمحكمة صورية المتهم فيها عضو بارز جداَ فى هذا الموقع بل هو من أحد أعمدته إلا وهو الأخ العزيز أبو جهينة ( جلال عثمان داؤود ) حيث تبارينا أنا وأحد أقاربه ( الرشيد أنور ) فى تقديم مرافعات للمحكمة عنه .
فقط ستواجه بعض الصعوبات البسيطة للإخوة والأخوات الغير ناطقين بالنوبية فى فهم بعض الكلمات والجُمل ولكننا على إستعداد تام لشرح وحللة الأمر لهم .
خالص مودتى ،،،
ماهر محمد صالح
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
الفنتيات ( النخيل ) - 1
محكككككككككككككمة - قييييييييام - جللللللللوس
وكيل النيابة يتقدم فى إستجواب المتهم :
حضرات السادة القضاة والمستشارين ، لقد قمنا ببحثنا فى كافة جوانب هذا الأمر وقمنا كذلك فى تفتيش كل ركن من أركان منزله بل لقد حرضت القوة المصاحبة فى إستعمال الأدوات الحادة لفلفلة وتشريط المراتب والمخدات ، ورفعنا المفارش فى دواليب الصالون الخارجى والداخلى وكذا دواليب غرف النوم ولم نجد شيئاَ ذى بال ، وعند الإستجواب إرتبك هذا المتهم الماثل أمامكم إرتباكاَ شديداَ وقال لنا كلاماَ غير مفهوم وطنطنات لم نعرف كنهها ، وتحت الضفط الشديد خارت قواه وإعترف لنا بجرمه المشهود والذى بسببه يقف أمام عدالتكم اليوم .
قال أنه إستلقى يوماَ فى سريره غير عابىء بما حوله وسرح بخياله بعيداَ بعيداَ فى رحم التاريخ ، وهل السرحان والتخيل جرم فى عرفكم ؟؟ وأصبحت أرى الأشياء والأحداث والأشخاص وكأنها أمامى فى شاشة بلورية ، ذلك على مد البصر صف أشجار النخيل لا أعلم أين مبتداه قد يكون من توشكى وإلى أين منتهاه ربما فى عقولة أو كوسى كونجا ، وكأنك تنظر من خلال منظار تظهر صغيرة هنالك ولكنا نراها فى مستوى نظرنا فى "قبان فينتين تو" باسقة وارفة مخضرة مثمرة تتدلى صبيتتها حاملة السبو والأوركج من قنديلة وأبيتى مودة وأورمدينة ودوكنة وجاواَ وبعض من الكوريه ، وربما أننا فى شهر يوليو الآن حيث أننى لم إستطع الفرز إن كانت تلك الثمرات من شاكلة الأوركاج أو نضجت وأصبحت فينتى سما ، يا لهذه النبتة الملائكية فغير أنها تتطعمنا بما تحويها من كافة العناصر الهامة لإحتياجات الجسم البشرى والحيوانى حيث يقولون أن التمر غذاء كامل الدسم لذا فإنه أول شىء يدخل بطن المسلم بعد صوم يوم كامل ، فغير ذلك فإنه يمد أهلنا بجميع إحتياجاتهم الضرورية فى حياتهم المعيشية .
ألم نستعمل جريدها الكبير فى الدوكسيد ( التعريش ) حيث نستظل تحتها فى بيوتنا ؟؟ ألم يدخل كذلك مع الأسيد ( بواقى جزع القمح ) فى عمل السيليتى ( ما يعمل به الراكوبة ) وذلك لإعطائه القوة اللازمة فى الإنتصاب ومقاومة الرياح ؟؟ ألم يدخل كذلك فى صناعة العناقريب الكبيرة ( جريد أنقاريه ) التى لم نجد مثيل لها حالياَ والتى كانت تحمى أهلنا من أوجاع الظهر والمفاصل ؟؟ وكذلك ألم نستعمل جريدها الصغير فى عمل الأورتيرين كيرى ( حظيرة الغنم ) وكذلك إستعماله كـ ديتيه ( وقود ) مع أخيه الهاروو حيث لم تطفىء مواقدنا إلا عند الهجيع ليلاَ ؟؟ ألم يكن الجريد اليابس منه والأخضر أداة تأديب وتربية لمدرسينا وأهالينا وهم يرصعون به كل من يخرج من حدود الأدب وكل من يهمل واجباته ؟؟ ألم نكن نلعب الشيليه ( الطوطحنية أو المرجيحة ) بالجريد الأخضر بعد شقه نصفين طولياَ وهو مازال معلقاَ فى نخله وتحت ظلال طبيعية وارفة ، ألم نكن نلعب التاب والكونيسة ( لا أعرف إسميهما بالعربى فعزراَ ) بعد تقطيع الجريد إلى قطعات متساوية صغيرة ، أى جريد هذا الذى يظلننا ويحمى ظهورنا وبهائمنا وينضج إدامنا ويحسن تربيتنا ويلهى أطفالنا.
أيا هذا هل جننت ؟؟ هل إنتهيت ؟؟ يرفع عقيرته هذا الشرطى .
فيقول متهمنا الماثل أمامكم ، كيف إنتهى ؟؟ وهل أنا بدأت أصلاَ ، فإننى لم أفرغ إلا من عطاء عضو واحد من عطايات هذه النبتة الملائكية فلا تستجعلوا هلاكى .
إسمعتم بالأومبو ؟؟ إنه الجسم الرئيسى للنخل ، إنه إتكائته السرمدية ، إنه الصمد الذى لا يجزعه لا الرياح ولا الهبوب ، إنه يكيف نفسه كيفما شاء ، إن شاء وقف لا يلوى على شىء ، وإن شاء مال على راحته وكأنه يريد أخذ نفس من طول الوقوف ، وإن شاء يطول وكأنه يعانق السماء ، وإن شاء يمكث فى الأرض رافضاَ بث الحياة فى نفسه ، وإن شاء هوى على الأرض من طوله غير عابىء بلذة الحياة ،،
رفعت الجلسة مؤقتاَ لضيف الوقت على أن يعاود الإنعقاد فى أقرب فرصة ممكنة ..........
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
الفنتيات ( النخيل ) - 2
إنه الأومبو كما قلنا لكم فى الحلقة الماضية ، إنه الحياة التى تربط أسفل النخل بأعلاه ، إنه من يحمل الأمباج فى إضلاعه حتى يسهل للناس طلوع النخل حتى أعلاه ، إنه من يبث فينا الروح حتى بعد خروج روحه نفسه ، فقد نأخذه بعد تشذيب جسمه من الشوائب فى أعلى بيتواتنا كعامود رئيسى فى تماسك الحيطان الأربعة وكذلك كعمود رئيسى لحمل ثقل السقف ، بالله عليكم أنظروا لهذا التمازج فى الأرواح لقد فارقه الجريد وهو قائم هنالك ولكنه عانقه مرة أخرى هنا فى سقف بيوتنا بعد مماتهم ، هذا مسانداَ وذلك مظللاَ ، وكذلك فى سقف بيوتنا فإننا نستعمله كدعامات جانبية طولاَ وعرضاَ بعد شقها بالمناشير إلى أربعة إجزاء متساوية الطول والحجم ، وكذلك فإننا عندما نريد إنزال المراكب فى البحر بعد صناعتها تحت أشجار النخيل فإن الوسيلة الوحيدة لذلك هو هذا الأومبو نضعه تحت المراكب حتى يكون مزلقانات مثل السكلة حديد حتى يرسى المركب فى مستقره يعانق جرف البحر ، وبعضنا كان ومازال يستعمل الأومبو كمركب فى حد زاته يقضى حاجته بين البحر والجزر ، وكذلك فإننا نستعمل الأومبو كساتر ومساند لأطراف الفاية ( الأحواض ) التى تنتهى فى هاوية حتى لا تتكسر الأقمة ( طرف الحوض ) عند السقاية ، أى أمبو هذا الذى يعطينا كل هذا ميسراَ لحياتنا ومكملاَ لنواقصنا من المواد الحديثة .
وعندما اراد هذا المتهم الماثل أمامكم أخذ نفس فقد هرول ثانية ذاك الشرطى مكرراَ نفس كلامه : هل إنتهيت هل إنتهيت ؟؟ فقال له ماذا تقول يا هذا فقد قلت لكم أننى بدأت تواَ فالحديث لا ينتهى عن هذه الشجرة الملائكية .
هل سمعتم بالأشمان ( العاشميق ) إنه ذاك الرداء القانى المائل للون البنى الذى يتدثر به النخل إن كان صغيراَ أو كبيراَ ، ومن غرائبه أنه يكثر كلما إتجهت لأعلى النخل ويقل أو يختفى فى أسفله وكذلك فإنه ينحشر بين الأمباج والأومبو ولا نعرف لذلك سببا ، إنه منسوج تماماَ مثل السجاة الإيرانية بخيوط طولية وعرضية ، ويتميز خيوطه بصلابة غير معهودة ، ولهذا فإننا نصنع منه حبال تماثل صلابتها أجعص مصانع الحبال اليابانية حيث نستعمله فى كافة أمورنا الحياتية من التربيط والربيط وتستيف العفش فى العربات وربط إجزاء الإسكاليه مع بعضها البعض وتنجيد العناقريب وعمل الواير والأولير وتثبيت الأوسو فى المراكب وكذلك الأباير بتاع السارى الذى يوجه المركب أصلاَ مع الدفة شرقاَ أوغرباَ ، وكذلك فإننا نستعلمه فى بعض الأحيان فى إيقاد النار إن كان فى العراء لطرد الكوتى مانج أو فى المنازل تحت الحلل والدوكات وخاصة عند صناعة العسل المستخرج من البلح والذى سنأتى فى ذكره لاحقاَ لأن الأمباج عصى التوليع وهو ما يماثل فى الخرطوم توليع الفحم فوق المناقد بورق الجرايد ، أرأيتم يا هؤلاء كيف أن الأشمان الذى لا يعيره الكثيرون إلتفاتاَ كيف أنه يسهل أمورنا .
طلب المتهم عند هذه المرحلة كوب ماء حتى يبرد جوفه ، ونحن نطلب العفو منكم للتوقف هاهنا لمواصلة المشوار لاحقاَ .
تحياتى ،،،
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
الفنتيات ( النخيل ) - 3
وقد إنتهينا من تونا عن الحديث فى الأشمان ، ودعنا لا نذهب بعيداَ عنه ونحدثكم عن الأمباج الذى يتحوط جسم النخل كتحوط السوار لمِعْصم النساءِ من أعلاه إلى أسفله ، ومن المعلوم لدى الجميع بأن الأمباج أصلاَ كان فى زمانه جريداَ أخضراَ يتدلى بمنظومة فنية جميلة فى قمة النخل ، ومجمل الجريد كالزهرة المتفتحة يكون فى منتصفه واقفاَ ويتدرج فى الإنحناء كلما خطوت أسفلاَ ، ومن حكمه كذلك بأن هنالك تدرج فى ألوان الجريد الذى ينقلب أمباجاَ لاحقاَ وكأنه قوس قزح : يحمًرُ البرتقالُ بعد إصفرارٍ وإخضرارٍ ولا ينيلُ ولا يزرًقُ إلا البنفسَجُ ( كان أستاذ العلوم يحفًّظنا التدرج التسلسلى لألوان الطيف هكذا ) ففى منتصفه يكون شديد الإخضرار رمز الحيوية والنضار ويتباهت لونه كلما خطونا للأسف حتى يصل مرحلة اللون البيجى المائل للرمادى عندما يصل إلى مرحلة الأمباج ، ويعاكسه فى ذلك حافة الأمباج حيث يكون مدبباَ كلما إتجهنا للأعلى لذا كان يهلكنا إن لم نكن ننتعل شبشباَ أو حزاءاَ عند طلوع النخل .
وهذا الأمباج كان مصدراَ كبيراَ للرزق وتحسين الوضع الإقتصادى للأطفال ، فعند فينتين موكاد ( موسم حش البلح ) فذلك الرجل الذى يقطع السبيطة بمنجله ( التيريب ) إن لم يكن متمرساَ فى هذه المهنة فإنه يهوزز السبيطة عشرات المرات قبل أن يقطع دابره ، حينها فإن هنالك كمية مقدرة من الفينتى ( البلح ) يتساقط بين جسم النخل والأمباج وبعد رحيلهم يأتى دور الأطفال فى الطلوع سريعاَ فى أعلى النخل لإخراج حبات البلح التى علقت هنا وهنالك بين الأمباجات ( ويسمى ذلك بلغتنا : قولين دولاد ) ويكون الناتج من ذلك خاصته تماماَ ولا دخل لأصحاب النخل به ويضاف هذا مع ( توقين فينتى ) الذى تعبنا فى جمعه عند الصباحات الباكر ، وإسمه يغنى عن السؤال حيث هو ذلك البلح الذى سبًبً التيارات الهوائية فى تساقطه من أعلى النخل ويكون مشاعاَ لعامة الناس ، ولكننا كذلك كنا فى بعض الأحيان عندما يخلو الجو من المتطفلين نستعمل الحجارة فى إسقاطه عمداَ ، ويخزن كل ذلك فى ركن بالمنزل ، هذا كوم جلال وذاك كوم الفاتح وذاك كوم آمال ، ولكن كيف يؤثر ذلك على الوضع الإقتصادى للأطفال ؟؟ فإنه يعبأ لاحقاَ فى شوالات أو فى قوسيبات لشراء مستلزمات الأطفال السنوية من ملابس وجزم وشنط من الكناتين الراسية فى البحر تحت بيوتنا وكذلك لشراء بعض الألعاب مثل المسدسات مع طلقاتها الفشنك وكذلك لشراء بعض أغذية الفاست فود مثل الدوقة والطعمية من بعض البائعين والبائعات الذين يزورون بلدنا خصيصاَ فى هذا الموسم للإسترزاق بمثل هذه التجارة وكذلك من الكرامة التى يتحصلون عليها من أصحاب النخيل عند مساعدتهم لهم فى جنى البلح ( فينتين دولاد ) .
أكثر شىء ملفت فى إستعمالات الأمباج هو إستعماله كوقود فى إستخراج عسل البلح الأسود الذى لا تطفىء ناره من الصباح الباكر وحتى وقت المغرب ، كميات كبيرة من الأمباج تستعمل فى هذا الخصوص والذى يزودنا بهذا المنتج الخالى من المحسنات ومواد الحفظ والألوان الصناعية وماشكل ذلك من الأمور التى يشتبه فى أنها من مسببات مرض السرطان ( حمانا الله وإياكم منه ) ، ما أحلى هذا العسل وخاصة عند الخرمجة بعد خلطه بشىء من السمن البلدى .. يا سلالالالالالالالالالالالالالالالام ، هذا العسل لا يخلو منه منزل فى البلد فهو يعتبر من المصادر الهامة لإعطاء الطاقة للجسم وخاصة إذا علمنا بأن جميع الأشغال فى البلد ذات طبيعة شاقة ، وقد جرت هذه الأيام عادة إرسال العسل للخرطوم وإن لم أبالغ حتى إلى السعودية وهو معبأ فى جركانات صغيرة ، ولا نستطيع مغادرة الأمباج وإستعماله فى صناعة عسل البلح حتى نعلمكم بأنه وفى إحدى مراحل صناعة العسل ( رغم أن هذه العادة قد تركت الآن نهائياَ ) كان يصنع النبيذ منه وهو قريب من النبيذ الأحمر الذى يتعاطاه الخواجات كثيراَ قبل وأثناء الأكلات دائماَ ، وهذا النبيذ كان يعتق لسنين عددا وجودته لها علاقة طردية مع هذه السنين ، فكلما طالت مدة التعتيق كلما أتصف أن النبيذ جيد .
وأخيراَ فإن بعض الأطفال الذين لديهم حس فنى فى صغرهم ( ومثلهم كثر فى قرية مصرة بأبوراقة ) فإنهم كانوا يصنعون من الأمباج مراكباَ ( سيقر ) وكأنه حق وحقيق ويمكنك أن تنسى وتضع رجليك عليه ممنياَ نفسك بتعدية مريحة ،،، أرأيتم يا هؤلاء ماذا يقدم لنا هذا الأمباج ؟؟ إنه حياتنا وحياتنا قائمة عليه .
ألم يملوا هؤلاء القوم ؟؟ نطق بهذا متهمنا وهو يقلب نفسه لإتجاه اليمين بعد أن وضع رأسه على راحة يده المغروسة فى الرمال التى تعانق سور منزل بابا طيفور بجهة الجنوب ،،، ورفع ماهر يده من لوحة المفاتيح إيذاناَ بالرحيل مع الوعد بالعودة قريباَ .
ودمتم أحبتى ،،،
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: ابو جهينة)
|
في سيرة النخيل ( فنتيات )
أرجو أن يشمل السرد ( الشتول ) OASIR
و حوامة ( الكناتين ) في أيام الدميرة و مبادلة البضائع بالتمور .. و ليتك تعرج على أصحاب الكناتين ( أحمد جفر / سيد كاشف/سيدي سليم/) ..
و التعداد و المرحوم عمدة نوري
و في إنتظارك تحت ظلال النخلات
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
الفنتيات ( النخيل ) - 4
سكت المتهم لحظة حين ولج ذاك الشقى أبوإدريس مكان الإستجواب لتقديم بعض النصح لأحد الحاضرين وتذكيره بالهانقو ، وبعد أن قمنا بإسكات ذاك العسكرى للمرة المائة بعد الألف فقد واصل متهمنا طنطناته .
أتعرفون الهانقو ؟؟ إنه عصارة عصارة ما يمكن أن تقدمها الشجرة الملائكية بعد إعلان وفاتها رسمياَ ، إنها المكان الذى تتخذ منه الروح مسكناَ لها ومنها تخرج ، تماماَ مثل قلب الإنسان وحقيقة هو فى قلب رأس النخلة ، إنه مادة بيضاء من عائلة المقرمشات مثلها ومثل التفاح ( زى بتاع الملك داك البياكلوه ناس الرياض ) إنه يذوب كالثلج فى فمك مانحاَ لك طعماَ جميلاَ ونكهة لا يضاهيها شىء من سائر الفواكه الحمضية منها والسكرية ، وهو إسطوانى الشكل يمتد من رأس النخل لحوالى ربع متر للداخل ، ومن عجائبه بأن حلاوته تقل تدريجياَ كلما تغولت للداخل إلى أن تنعدم تماماَ فى مرحلة ما ، فعندها تعرف بأن إستمتاعك بالهانقو قد إنتهى وعليك الإكتفاء بما غنمت .
ومن أغرب ما رأيت أن هنالك ماء يصنع من هذا الهنقو فى هذه البلاد وسعره يفوق سعر نفس العبوة من المياه المعروفة بخمسة مرات هذا إن وجدته أصلاَ فى البقالات والأسواق وهو ناصع البياض وأثقل من الماء كثقل الزيت تماماَ .
لم نرى أو نسمع أى إستخدامات أخرى للهانقو فى حياتنا اليومية هنالك غير ضرب الهانقو فى موقعه وتاريخه وقد قلنا لكم بإنك إن أردت خمج الهانقو فلا بد أن يكون ذلك مباشرة عند وفاته ومازال جسمه حاراَ ( اليوم التانى ما بينفع ) وإن لم أكن مخطاءاَ فإن عملية أكل الهانقو كان يسمى ( هانقون قيشاد ) .
وطالما نحن فى سقف النخلة فدعنا نحدثكم كذلك عن الهارو والهرجوم ، كلاهما يمثلان مبيض ورحم النخل ومنهما يولد ثمرة النخل وهو البلح أو التمر كما يقولون عليه فى الخليج أو كما هو مزكور فى كتب الأحاديث النبوية .
بدءاَ هل تعلمون بأن هنالك نخل ذكر ونخلة أنثى ؟؟ الذكر هذا يسمى ( أدمين فينتى ) وهو النخل الذى يؤخذ منه الأدم ( والذى يماثل الحيوان المنوى لدى البنى آدمين ) ويلقح به النخلة الأنثى ، وهذه العملية تسمى ( الأيراد ) ، وعملية الزواج هذه لها طقوس وبروتوكولات يقوم بها أصحاب النخل بالتضامن مع الشخص الذى يقوم بحش البلح لهم دائماَ ( وما ذلك إلا لمعرفته اللصيقة بأماكن ومواضع نخلاتهم وكذلك لخبرته فى هذا الأمر ) ، يؤتى بهذا الأدم وتربط كل شريحتين أو ثلاثة منها بسعف النخل بعد تطبيقها بعناية فائقة حتى لا تذهب البودرة التى توشح سطحه ، وبعد ذلك يحمله ذاك الخبير فى قفة ويطلع فى كل نخلة حتى يقوم بعملية التلقيح وهى أن يضع ذاك الأدم بعناية داخل الهرجوم ، ولك أن تعلم بأن كل هرجوم سينقلب فيما بعد إلى سبيطة تحمل البلح بين ثناياها ، هناك طرفه تقال هذه الأيام دلالة على الخصوبة الزائدة لبنات هذا الجيل وهى : أن الأولاد عندما يتونسون غير بعيدين عن البنات من جهة الشمال فإن البنات اللائى يتونسن جنوبهم يحملن مباشرة ، والنخلة كذلك فإذا تصادف أن هنالك نخلات قائمة بجوار ( أدمين فينتى ) فإنهن يحملن مباشرة بدون التلقيح الصناعى الذى يقوم به ذاك الخبير ، ومثلهم ومثل البنى آدمين فإذا لم تكن المسافة كافية لإتمام هذا التلقيح الطبيعى ولم يقم ذلك الخبير بالتدخل فإن تلك النخلات يلدن ولكن يلدن بلحات مشوهات شِكلاَ وموضوعاَ وطعماَ وقيمة ونسميها ( باكة ) لا تصلح إلا طعاماَ للغنم والحمير .
هنا إنقلب أخونا المتهم للجهة الثانية ولكن بنفس إتكائته السابقة وطلب قسطاَ من الراحة ، وإنتهز أخوكم فى الله تلك الفرصة ودلف للداخل على أن يعاودكم فى وقت آخر بإذن الله حتى نكمل موضوع الهارو والهرجوم .
ودمتم أحبتى ،،،
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
الفنتيات ( النخيل ) - 5
كنا قد توقفنا فى الحلقة الماضية عند الهارو والهرجوم واليوم سنتحدث عنهما ، لعل أحدهما ( الهرجوم ) يسمى بالعرجون فى اللغة العربية ولكننى لا أعرف بما يسمى الثانى ( الهارو ) بالعربى ، ويمكننا تشبيه الهارو والهرجوم باللب وقشره ( التسالى ) فإن القشر يمثل الهرجوم واللب يمثل الهارو ، ويظل هذا الثنائى مع بعضهما البعض منذ نشأتهما وحتى مماتهما على يد الحاطبين ( إذا جازت التسمية ) ، وكذلك فإننا يمكن تشبيه هذا الثنائى بالحبل السرى زى بتاع البنى آدمين ، حيث أن الأول يقطع بعد أن يمنحنا طفلاَ فى هذا الوجود والثانى يقطع ( بالترب ، وهو المنجل بالعربى ) ليعطينا رطباَ جنيا أو تمراَ نصف إستوا .
وكما قلنا سابقاَ فإننا نستفيد فى حياتنا هنالك من كل جزء من اجزاء النخل لذا سميناه بالشجرة الملائكية ، فهذا الثنائى لا نتخلص منه كما يتخلص الدكاترة من الحبل السرى ، فإنهما من أجود أنواع الوقود عندما ينشف وأسرعه إشتعالاَ وأزكاه ريحة ، والله ( وما تقولوا أنا بجر الكركر ) لو مركبين شاى العصر فى أقصى منزل فى عمارة فإنك شامم ريحة الشاى بجنبة وريحة حريق الهارو والهرجوم بجنبة فى آخر منزل فى عبرى ( تجو تقولوا لى لبتون وبوتجاز ، بالله إتلهوا كده ) ، وهذا الثنائى يمكن أن يترك أرضاَ حتى ينشف أو يترك فى عقر داره فى أعلى النخل لحين إستعماله عند الحاجة ، والهرجوم كان يستفيد منه البعض حتى بعد حرقه ويصبح رماداَ ، فإن بعض نسائنا هنالك كن يخلطن رماد الهرجوم تحديداَ ( رماد أى شىء تانى ما ينفع حتى ولو كان هاروياَ ) مع التولى ديسى ( والتولى ديسى هذا مادة تبغية شبيهة بالقمشة ولكنها خضراء اللون ) وتستعمل كما يستعمل الصعود وهى حادة المزاق .
أما الهارو فله إستعمالات وإستعمالات ناشفاَ كان أو طرياَ ، ففى أيام حش البلح ( فينتى مُوكًاريهْ ) كان نسائنا يصنعن منه الكوسير ( المقشاشة ) وكن يخترن أكثر الهارويات طولا حيث يقطع على شكل شرائح من كلا الجانبين حتى منتصفه وبعد ذلك تطوى الجانبين فى صفحة واحدة ومن ثم تربط بجانب قعرها بخيط مصنوع كذلك من الهارو نفسه ، وتترك فى الشمس حتى تنشف ، وخلاص أصبح لدينا مقشاشة جاهزة للقش بها فى السامينتوهات والغرف ، وطالما تحدثنا عن خيط الهارو وأيام حش البلح فإن هذا الخيط كان يستعمل كذلك فى خياطة الشوال الملىء بالبلح حتى تأخذه فوق حمار لتفريغه فى حوش منزلكم أو فى المخزن وكذلك فإننا كنا نربط به السبائط بعد رصها خلف خلاف ليسهل لنا تحميله ونقله إلى البيوت .
كذلك فإن الهارو يستعمل بعد تقطيعه على شكل شرائح مع شقيقه سعف النخل فى صناعة الشوير ( الطبق ) الذى يستعمل فى تغطية صينية الصفرة و الكونتى ( طبق كبير ) والذى يستعمل فى نظافة القمح والزرة ( إيوين فاراد ) فى عملية فنية لا يعرفها كل النساء ، وبعضهن يتفنن فى زركشة الطبق بألوان زاهية بعد تلوين شرائخ الهاور بشىء إسمه ( التفتة ، ولا أعلم إسمها بالعربى ) .
كذلك فإن الأطفال لهم حظ وإستعمالات فى هذا الهارو أيام حش البلح ، فإنهم يصنعون منه لعبة إسمها ( التاجى تاجى ) وإسمها هذا مستمد من الصوت الذى يحدثها عند الإستعمال ، يأتون بهارو مفلطح الجوانب ويقطعونه بطول حوالى ربع متر ، ومن ثم يشق إلى نصفين حتى منتصفه ليكون لديك شريحتين بالأعلى ويترك النصف الأسفل كما هو ليكون مسكة لليد ، خلاص كده صنعنا التاجى تاجى فتضعه فى يدك وتحركه يميناَ وشمالاَ حتى يصدر لك ذلك الصوت ( تاج تاج تاج تاج ) ويختلف صوت كل واحد حسب نوعية الهارو وسُمكه .
يا لنا من عباقرة لا نترك شيئاَ من النخل حتى عندما نحيله رماداَ .
وإلى الحلقة ما قبل الأخيرة إنشاء الله .
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
Quote:
ماهر
نتابع معك الشذرات بهذه اللقطات
|
عزيزى الأخ أبو جهينة ،، لك الشكر ،، البلحات التى تظهر فى الصورة الآولى هى ما نسميها الأورمادينة ،، وهى كقيمة نقدية ضعيفة جداَ ولا تنافس القنديلة والمودة ،، ولكن لها طعم خاص وجميل جداَ عندما كنا نعل بها " الفينجيكيريه " وهى دفن التمرات فى الرملة الرطبة لمدة تقارب 8 ساعات ومن ثم تعاطيها بعد ذلك ،، سا سلالالالالالالالالالالالالالالالام يا أبوجهينة والله إنها تكون الذّ من الشكولاته زاتها .
أما الصورة الثانية فهى تماماَ أدوات الإيراد ( التلقيح ) وهى التى تمنح لزة الحياة للنخلة ، أحدهم كتب لى بأن هذه المادة البيضاء التى تكسى سطح الأدم تفعل ما تفعله الفياقرا إذا ما شربتها فى الريق مخلوطاَ بالماء والعسل ، وقال أنه جربها وإشتغل شغل تمام بعد ذلك .
لك التحية والعرفان على إضافاتك الثرة .
ماهر
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
| Quote: ، أحدهم كتب لى بأن هذه المادة البيضاء التى تكسى سطح الأدم تفعل ما تفعله الفياقرا إذا ما شربتها فى الريق مخلوطاَ بالماء والعسل ، وقال أنه جربها وإشتغل شغل تمام بعد ذلك . |
غريبة ما بكت العيون في يوما داك
لامين كتم نفس القليب
الكان بشيل هواه من هواك
غريبة يادكتور
والله أني لمن الفائزين بمروري بهذي الوصفات
وبجيك
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
| Quote: ، أحدهم كتب لى بأن هذه المادة البيضاء التى تكسى سطح الأدم تفعل ما تفعله الفياقرا إذا ما شربتها فى الريق مخلوطاَ بالماء والعسل ، وقال أنه جربها وإشتغل شغل تمام بعد ذلك . |
غريبة ما بكت العيون في يوما داك
لامين كتم نفس القليب
الكان بشيل هواه من هواك
غريبة يادكتور
والله أني لمن الفائزين بمروري بهذي الوصفات
وبجيك
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
الفنتيات ( النخيل ) - 6 وماقبل الأخيرة .
أها يا شباب الكلام عن النخل لا ينتهى أبداَ حيث هو مصدر رزقنا الرئيسى وكذلك غذائنا فى ذالك الوقت وحالياَ ، ولكنكم تعلمون بأن هذا الشرطى يقف فوقنا ليلاَ ونهاراَ حتى يمارس هواية القبض علينا ، لماذا ؟؟ لأننا صببنا بعض الأفكار التى إعتبرت شيطانية فى عرفهم فى كتاب أسميناه أمالدا والأبانوس رغم أن الخلق فى مشارق الأرض ومغاربها قد إحتفلوا بصدور هذا الكتاب والذى إن قرأوه ( وأنًا لهم ذلك ) لأتوا خاشعين مستأسفين وحملوا بدل البندقية زهوراَ وورودا ليوشحوا به صدرى ( المقصود هنا هو كتاب أمالدا والأبنوس للقاص والكاتب القدير جلال عثمان داؤود - عضو المنبر أبو جهينة ) .
فيا أحبتى فإن أول درس عن هذا النخل هو عمره المديد حيث يمكنه العيش لأكثر من مائة سنة والأجمل أنك لا تبذل فى رعايته أى شىء غير تهذيب جريده من سنة إلى أخرى حتى لا يصبح أعلاه كالغاب يستعصى على الناس وصوله ، فالمطلوب منك هو سقايته فى بداية نموه حتى تضرب جزوره فى الأرض وبعد ذلك تسقى نفسه من مياه البحر ( طبعاَ المقصود هو النهر ولكننا كنا نسميه هكذا ولا أعلم ما السبب فى ذلك ) ، ومن غرائبه إن جزوره هذه لا تكلف نفسها البحث عن مناسيب المياه إن تجرأت وشتلته بعيداَ عن الجرف ، لذا فإنك من النادر جداَ أن تجد نخيلاَ أمام البيوت إلا إن كنت عزمت سقايته لمدى الدهر كما يفعل الشوايقة والرباطاب ، أو كما يفعل بعض الناس عندنا بشتله وسط حقول الزرة والبرسيم والفول المصرى حتى يضمنوا إستمرارية سقايته .
أما الدرس الثانى فهو أنه لا يزرع بل يشتل ( ماعدا باسين فنتى الذى ينمو لوحده ولذلك تجد ما ينتجه كله باكة غير صالح للأكل والتسوق ) فإن فكرت فى شتل نخلة عليك فى البدء تحديد نوع النخل الذى تريد شتله ، ومن ثم تحديد الأرض المناسبة له حيث أن معظم مشاكل البلد لا تأتى إلا من هذه الناحية ، دى أرض ناس فلان ودى ساقية علان ، وبعضهم يعرف حدود أرض كل شخص ويحفظه عن ظهر قلب بدوب اللجوء إلى خُرط ( ويسمونهم الصمد إن لم أكن مخطاءاَ ) ولعلم الجميع فهناك شواهد حديدية مدفونة فى نهاية حدود كل ساقية غرزت هنالك من قبل مصلحة المساحة فى زمن الأنجليز ويلجأون إليها عند الحاجة ، بعد ذلك تجهز أدوات قلع الأوسير ( الشتلة ) من ضلع النخل الأصلى كما أخرج الله حواء من ضلع آدم ، والأدوات معروفة الزمبيل والأتلة والشاكوش ، ولا تتخيل أن كل من هبً ودبً يستطيع قلع الأوسير من مكمنه فلا بد من أن يقوم به شخص متمرس حتى لا يكسر ضلوع وجزور النخل الأصلى ويتسبب فى موته ويصبح بذلك كأمثال العرب ( أنجى سعد فقد هلك سعيد ) ، وبعد قلعه يمكنك شتله مباشرة فى موضعه الذى إخترته ولكن بعض الناس يجمعون كذا شتلة ويشتلونها مرة واحدة ، ففى هذا الحالة فلابد من حفظ الشتلات فى طرف البحر ( النهر ) واضعاَ الجزء السفلى داخل البحر وذلك حتى يحين موعد غرسه فى الأرض وإلا فإنه يهلك من ساعته ، وجرى لبعض الناس أن يضعوا طاقية من الأشمان فوق راس الشتلة بعد غرسها ويلطخونها ببعض من الطين حيث لديهم إعتقاد بأن مثل هذه الممارسات لا تؤدى إلى موت الشتلة وكذلك فإنها تُسًرع فى نموها .
أما الدرس الثالث فإنه إجتماعى بحت ، فكان سابقاَ فى البلد عندما يأتى العريس فى ليلة العرس مع رهط من أهله وجيرانه وناس قريته وهم يحملون شنطته التى تحوى ملابسه وهم يرددون رواتب دينية ( صلاة الله مولانا - على طه الذى جانا ) أو شىء من ذلك القبيل فقد يكون عند آخرين هجيجاَ وليس مديحاَ ، فعندما يقفون فى الساحة المخصصة لإجراء عقد الزواج أمام منزل أهل العروس فإن والد العروس أو أحد أقاربها يتقدم للأمام ويعلن أمام الملأ بأنه أنزلهم منزلة الكرام وأهداهم تلك النخلة التى فى الأوتى وكذلك تلك النخلات التى تجاور ساقية فلان ، فتكون تلك النخلات ملك للعريس من ساعته وتاريخه ، والحقيقة فإنه يقول بالرطانة ( والله مان فينتين أوبر لوق سوكيروشوا ) والأوبر هنا لايعنى شجرة نخله واحدة إنما يعنى مجموعة نخلات تشترك فى أسفلها فى قاعدة واحدة - لذا فيمكنك إعتبار أن الهدية الواحدة حقيقة مضاعفة أو متلته أو مربعة حسب عدد النخل فى ذلك الأوبر .
أما الدرس الرابع فهو أن البلح سلعة نقدية لأهل بلدنا ، فكما تعلمون فإن البلح بعد حشه يقسم إلى ثلاثة أقسام ، قسم يعمل به العجوة ، وقسم يحفظ فى القوسيه ( القوسيبة ) إما لأكله لاحقاَ أو لتبادله سلعاَ عند إرتفاع سعره والقسم الأكبر يذهب فى عدة جهات منها 1- تسديداَ لديون عام كامل لدى التجار 2- يشترى به بضاعة وسلع منوعة من الكناتين أو من المناطق المجاورة 3- تسديد إلتزامات الخدمات مثل المعدية والمدرسة والطاحونة 4- تسديد الخراج ( ضريبة النخل )
وبخصوص هذه الضريبة ( الخراج ) تحضرنى طرفة جميلة :
بعد أن إشتكى ضابط مجلس عبرى لسيدى بندق عن قلة الخراج الذى يأتى به دوناَ عما كان يفعله والدى ( رحمه الله ) فقال له سيدى بندق : يا أخى أنا أبقليك شيخ فى الكلاكلة ، دلالة على هجرة الجميع للخرطوم ، فضحك الضابط وأخلى سبيله .
أما الدرس الخامس فإنه أصبح جاذباَ لناس الخرطوم ، فقديماَ كان الناس الذين يقطنون فى البلد هم من يحشون البلح ويرسلونه لأصحابهم فى الخرطوم ، أما الآن وقد رحل كافة الناس أو جلهم إلى الخرطوم ولا يستطيع من تبقى منهم فى البلد بالقيام بعملية الحش لوحدهم ، وإقترن مع ذلك تبدل حال معظم الناس من يسر إلى عسر لذا فإنهم يحتاجون لكل حبة بلح من نخيلهم ، لذا فإنك الآن لا تجد موطىء قدم فى الباصات التى تتحرك شمالاَ من منتصف أغسطس وحتى نهايته وذلك من كثرة المسافرين لهنالك مما أدى إلى زيادة التواصل بين الأهل .
أما الدرس السادس فهو الظل الظليل ، فكما تعلمون فإن بلدنا هو الوحيد فى العالم الذى يمكنك التنقل من قرية إلى أخرى لعشرات ومئات الكيلومترات إن كنت راجلاَ أو راكباَ لإحدى وسائل النقل الخاص بالبلد وأنت مستظل بظلال طبيعية حبانا الله بها ، فرغم أن أقصر طريق بين نقطتين هو المستقيم وهو ما يمكن أن تسلكه إذا أخذت الخلا ( دورون سيكا ) إلا أننا نسلك فى كثير من الأحيان ( تاون سيكا ) الملىء بالمنعرجات ونطول المسافات عمداَ حتى ننعم بالظل الوفير الذى يوفره لنا أشجار النخيل ، حتى إن تعبت من الطريق يمكنك أخذ قسط من الراحة مفترشاَ سعفات النخيل وإن عطشت فإن البحر ( النهر ) على مرمى يدك ، وإن جُعت فإن بيوت تاون مار مباشرة تطل عليك وإن سئمت من المشوار يمكنك أخذ حنك أو حنكين مع الذين يتسامرون تحت أشجار النخيل
أما الدرس السابع والأخير فهو الحراك التجارى الثقافى الإجتماعى ( العاطفى ) الذى يميز وقت حش البلح فى البلد ، أما الشىء الذى وضعته بين قوسين فإننا لم نكن من اصحابه وكذلك فإننا نصاب برجفات ظاهرة بالأطراف ويبتل أجسامنا من أعلاه إلى أدناه بالعرق الذى يتصبب كالشلال بمجرد أن تقول لك إحداهن السلام عليكم ، والحراكات الأخرى سنتركها للسادة المتداخلين حيث أن كل نوبى للمنطقة الممتدة من حلفا إلى دنقلا له قصة وقصة فى ذلك الموسم الذى نعتبره من أجمل المواسم فى البلد على الإطلاق .
ودمتم أحبتى ،،، وإلى الحلقة الأخيرة إنشاء الله
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
الفنتيات ( النخيل ) - 7 والأخيرة
وبدون ترتيب مسبق فقد طلب منا أنا وصاحبى إبو إدريس للتوجه لمطار دبى للسفر إلى مسقط على الخطوط العمانية والتى نمتطيها لأول مرة قبل حوالى ساعة واحدة من الإقلاع ، وكان فى ذلك الوقت نتواجد فى منطقة القرهود التى تبعد عن فندقنا حوالى ساعة ( أثناء ساعات الزروة التى كنا فيها ) ومن حسن حظنا أن جوازات سفرنا كانت فى جيوبنا ، فهرعنا إلى المطار سريعاَ ووصلناها قبل موعد الإقلاع بحوالى نصف ساعة ، للأسف وجدنا كاونتر إستخراج بطاقات الصعود قد أقفل ، فرجونا تلك الهندية بأن تسمح لنا بالسفر على الطائرة وخاصة أننا لا نحمل شنط للشحن فإبت بشدة ، وحينها علمت الفرق بين التزكرة السياحية وتزاكر الدرجة الأولى ، فقلنا لها يا أختى لن يضيرك شىء نحن لا نملك شنط ولدينا تزاكر رجال الأعمال ، فما كان منها إلا أن فتحت الكاونتر وأنهت الإجراءات سريعاَ وقالت لنا أسرعوا الخطى فإن الطائرة أوشكت أن تقفل أبوابها ، وتعلمون أعزائى المسافة التى تقطعها فى مطار دبى حتى تصل إلى طائرتك فإنها مشوار ربع ساعة تقريباَ مع وجود السيور المتحركة الطولية التى تقصر لك المسافة كثيراَ .
المهم وصلنا هنالك بخير وكنا آخر الداخلين وقرأت علينا دعاء السفر وأنطلقنا إلى هنالك ، سردت لكم كل هذه حتى أصل إلى ما أريد ، فبعد بروتوكولات الجرسات التى يبديها أخونا أبو إدريس أثناء الإقلاع وتشبثه بالكرسى بكلتا يديه وكأنه سينجو بذلك إذا وقعت الواقعة ، وحقيقة فهو صادق فى مشاعره حيث أننى قد حكيت لكم مرة كيف أن أحد أصحابنا لديه قولة مشهورة فى هذا فهو يقول بأن جميع الأسباب متوفرة لهذه المدينة الطائرة أن تقع فى أية لحظة ، إنها فى البدء طائر فى الهواء بدون أى دعامات أرضية ، وهى كبيرة الحجم بصورة غير إعتيادية ، وهى مليئة بالخلق ، وهى مشحونة بكمية هائلة من الشنط والكراتين لا يعرف أحد ماهى محتواها ، وهى أن تلكلكت ماكينتها فليس هنالك مغيث غير الله حيث لا مجال لفتح الكبوت وليس هنالك أرض يقف عليها الميكانيكى لإصلاح العطل .
المهم بعد أن خمجنا وإستوت الطائرة فى طيرانها فقد مددت يدى على المجلة المجانية لتلك الخطوط وإسمها ( أجنحة عمان ) وبدأت فى تقليب صفحاتها حتى وقعت عيناى على مقال جميل عن النخيل فى عمان ، وبما أننى كنت أسرد فى شذراتى هذه بعض المعلومات عن هذه الشجرة التى سميتها حينها ( الشجرة الملائكية ) فقد لطشت بعض المعلومات الجديدة من تلك المقالة أردت أن أسطرها هنا للفائدة .
فحين أننى سميتها الشجرة الملائكية فقد سماها هذا " أم الفقراء " كناية على أن أجزائها متعددة الإستعمالات ، وقد أشرت أنا على ذلك حيث أخذناها جزءاَ جزاَ من أعلاها إلى أدناها وعددنا فائدتها فى حياتنا اليومية .
وإليكم بعض المعلومات الجديدة :
- التمر مرتبط بالضيافة حيث أنهم فى الخليج لابد وأن يقدموا التمر مع القهوة وهذه حقيقة نلاحظها فى السعودية . وعندنا كذلك فإن التمر يقدم فى الأعراس والبكيات مع الأشياء الأخرى مثل الأسليه وخلافها ، وكذلك فإننا نهب التمر بالشواويل لكل من يزورنا هناك من غير أهل المنطقة إكراماَ له .
- اقصى حد لإرتفاع النخلة هى 30 متر ، ولكننى أستطيع أن أجزم بأن فى بلادنا ماهو أطول من ذلك إذا حسبنا الأعوجاج الذى يحدث للنخلة عند الهرم وحش مثل هذه النخيل له برتكول لوحده حيث يرفض معظم الذين يحشون البلح فى طلوع مثل هذه النخيل خوفاَ أن يقع بهم النخل على ثقل جسمانهم لذا فإن بعض المغامرين يقومون بالحش ولكن بشرط تفسيم الغِلة مناصفة مع صاحب النخل .
- أن أوراقها ريشية الشكل وهذا ما لم أستطع التعبير عنه ( ابو العربى زاتو ) ونسيت أن أحكى لكم بأن هذه الأوراق تستعمل فى ( النيتى ) الذى يعمل منه القجلى وهو برش خاص بالضيوف والمناسبات وخاصة الحنة وكذلك يعمل منه البرش العادى والذى يستعمل يومياَ فى البيوت وخاصة فى البولو ، يا سلالالالالالالالالام هل جربت نومة فى البرش فى أحد البولوهات بجانب المزيرة وتهب عليك رياح باردة بالأقوة المفتوحة شمالاَ ؟؟ والله تنوم لحد ما تقول كفى ، قال إييييه ؟؟ قال مكيف قال ، وما يميز القجلى من البرش العادى هو أن النيتى بتاع القجلى يلون بشىء إسمه التفته ( لا أعلم أسمه بالعربى ) لذا تجده مشكلاَ بألوان زاهية تسر العين ، وكذلك فإننا كنانصننع من السعف الأخضر شىء إسمه ( التيلى أو الآبيه ) ويعمل عمل الشباك فى إصطياد السمك .
- الشماريخ هو الأمباج ولا أعلم هل هذا عربى فصيح أم تسمية خليجية بحتة ، على كل هى أقرب لبعض كلماتهم مثل الشماغ وغيره .
- الأكمام أو الكيزان ( عفواَ يا كيزان فإن إسمه هكذا لديهم وليس لدينا دخل فيه ولا عداء لنا ضد الكيزان ) وهذا هو الهرجوم والهارو وقد تحدثنا عنهما من قبل
- الزهور أو الفثرة وهذه هى المادة الملقحة للنخلة ( الأدم ) والتى تؤخذ من النخل الظكر وقد تحدثنا عنها من قبل وأوضح لنا الأخ أبوجهينة بإنزال صورتها فى مداخلته أعلاه .
- الكمرى وهو ( القلو ) وهو أول مراحل تكوين التمر عندما يكون أخضراَ بدون طعم السكر ( قلو ديسى ) ، وكنا نبعد بهائمنا من هذه القلو تماماَ حيث أن تعاطيها من قبلهم يوؤدى إلى هلاكم لا محالة ولا نعلم سر ذلك حتى يومنا هذا .
- الخلال وهو الأوركج وهو بداية نضوج التمر وبداية تكوين السكر فيه ، ومن الغرائب بأن جميع الخلق بما فيهم ناس الشايقية الرباطاب يحشون البلح فى هذه المرحلة ولا يتركوه ينضج أكثر من ذلك عكس بلادنا تماماَ لأننا نتركه فى عقر داره حتى ينشف بنسبة 90% تقريباَ ومن ثم نعمل عليه مناجلنا بعد ذلك ، وهنا فى السعودية عادة جميلة وهو أن الناس يشترون هذا الأوركج فى بداية نزوله فى السوق ( مايو ، يونيو ) ويخزنونها فى الديب فريزرات حتى موعد شهر رمضان لأكلها فى الفطور .
- عصير التمور يسمونه الدبس ، وأعتقد أنهم يقصدون العسل الذى نستخرجه نحن من البلح ، حيث أن الصعايدة فى مصر يقولون للعسل الدبس .
- العجوة يسمونها المدلوك ، وقد تخلط بعض المكسرات مع المدلوك لأعطائه مزيداَ من الحلاوة والطعم ، أما عمل العجوة لدينا فهو بروتكول لوحده حيث أن نسائنا يأخذون الجيد من الرطب ويقوموا بتنظيفه وغسله جيداَ ومن ثم يترك فى الشمس فوق برش نضيف حتى تضربه الشمس لمدة لا تقل عى ثلاثة أيام وبعد ذلك يصبح عجوة قابلة للأكل وتخزن فى صفائح إما لأرسالها للأهل فى الخرطوم والمهجر أو لتخزينها فى المنزل لأستعمالها عند الحاجة ، لكن بينى وبينكم الفرق كبير بين عجوتنا الطبيعية ديك والعجوة التى نراها هنا والمصنعة من قبل الشركات فليست هنالك أى وجه مقارنة حيث أن العجوة هنا كأنهم يضيفون إليها شيئاَ وبصراحة أكتر ما بتعجبنى شكلها زاتو.
- لديهم حوالى 200 صنف من التمور ولكن أشهرها هى الخلاص ، الخنيزى ، الخصاب ، المبسلى ، الفرض ، النفال ، قش طبق والهلالى ، طبعاَ لا نعرف ماهى القنديلة وماهى الموودة وماهى الكوكولوة والتى تطابق هذه الأصناف ، أما أصنافنا فهى القنديلة وهى الأكثر شهرة وقيمة والمودة والدوكنة ( وهذه الدوكنة هى التى تستعمل فى عمل الدكاى والعرقى ، وكان أحدهم وهو مغرم بالخمر عندما لايجد أحدهم قد قام بتلقيح الدوكنة فإنه يقوم بذلك بدون أن يكلفه أحد قائلاَ " والله أحبك يا دوكنة " ) والأرمادينة والشروة والكوكومة وكولمة ، وهنالك بعض النخيل تثمر نوعاَ من الرطب لابد وأن تأكله وهو فى عقر داره ولا ينفع مطلقاَ أن تحشه أو تتركه هكذا حيث أنه لذيذ الطعم وحلاوته زائدة بصورة كبيرة لذا فإن الطيور لا تتركه أبدا وبعض أنواعه هى : الكوكولوة ، الجاى ، قربان ، باجيليى ، ويقال بأن أهلنا كانوا يتعمدون شتل بعض النخيل من هذه الشاكلة بين النخيل الأخرى حتى يشغلوا بها الطير لكى لا تخرب عليهم البلحات النقدية .
أما ما دون ذلك من المقال فإننا أتينا فى ذكرها عندما حصرنا أجزائها فى شذراتنا .
وبذا نكون قد إنتهينا من الفنتيات وسنتحدث فى الحلقات القادمة عن السقريات " المراكب " ،،
ودمتم أحبتى ،،،
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
ماهر، أيها النوبىّ حتى النخاع سلمك الله.
ويا ماهر :
يا ريت التمر
يا ريت لو يشيل كل تلات أشر
والأيام كمان كانت مابتمر
كان ما جاك هوان ما لاقاك ُضُر
والتمر والنخل كما النيل والصحراء والجُزر نحن من بعض عناصرها وبها إمتزجت
جيناتنا وتخلّلقت أبداننا ونحن بعد فى أرحام أمهاتنا قبل أن نهبط
أرض النوبة بسلامٍ آمنين .
وكيف كان يُقيّض لإبن صحراء النوبة أن يقاوم برد طوبة القارس دون أن يتكىء على
حفنة تميراتٍ يضعهن فى تلابيب جيوبه وهو يزرع الجرف والجزر على النيل
أو إلى بعض رشفاتٍ من نبيتٍ معتّق كما كان يفعل آباؤنا وأجدادنا قبل أن ينزلوا
إلى عمق نفق (النوج) فى زمهير الشتاء ، أو بعض كاساتٍ من الدكّاى لزوم الفزع
فى حصاد القمح وتعريش بيت أرملةٍ مأزومة أو ...أو..أو.
نحن أولاد التمور والنيل والصحراء والجزر نبتت جذورنا عميقاً فى تلك التربة
المقدسة والآن يهمون بإقتلاعنا من جذورنا بالإغراق للمرة الثانية والأخيرة
قيا وجعى على تاريخى وعلى وطنى .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: محمد أحمد إدريس)
|
أبو إدريس لك الشكر الكثير على هذه الكلمات الطيبة واللغة البديعة والتأكيد على أهمية النخيل فى حياتنا سابقاَ وحالياَ ومستقبلاَ ، وكلامك هذا يذكرنى تماماَ ما فعله الملك فيصل بن عبدالعزيز عندما أحضر الرئيس ( ريجان على ما أعتقد ) فى خيمته بالصحراء وقال له : أتدرى تلك الشجرة ماهى ؟؟ إنها النخلة التى كنا نعيش علي خيراتها ويمكننا الآن أن نعيش عليها ( فى دلالة على مقولة أمريكا بضرب آبار البترول السعودية .
لك خالص التحية وخليك بالجوار حيث أننا سنتحدث عن السقريات بعد حين ،،،،
ماهر
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
Quote:
يعني الزولة القالت ليك سلامة الاسم طلعت عميانه وغبيانه
|
بالله مش كده يا محمد خليل ،، غايتو لكن غاظتنى غيظة شديدة ،، بس أخوك بلع الحكاية اليوم داك ،، بس بعد ما بقينا أصحاب شديد ذكّرتها باليوم داك ، حلفت بدين أبوها وأمها أنها لم تقل ذلك ،، إذن !! لقد تخيل لنا .
ألف شكر على المرور الطيب ،،
ماهر
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
السِقريات ( المراكب ) - 1
موكى سيقر موكى - توق صلاحنقوسنان موكى
قد لا يعير أهل الضفة الغربية أو الشرقية من بلادنا إهتماماَ كبيراَ للسيقر ، كونهم يذهبون ويأتون شمالاَ وجنوباَ بكل حرية فى تقضية شؤونهم ، ولكننا نحن سكان الجزر فإن السيقر ( قبل ظهور الرفاصات ) وسيلتنا الوحيدة فى التواصل مع العالم الخارجى لذا فإنه ليس لنا سبيل إلا إقتنائه إن كان ذلك بصفة شخصية أو بصفة جماعية والتى نقول عنه حينئذ المعدية .
ولهذا السيقر إسرار وأسرار ، كيف يجهز ؟؟ ومن الذى يجهز ؟؟ وكيف يصنع ؟؟ وكيف يعمل ؟؟ لذلك فإننى أردت أن أوثق هذا السيقر من جميع جوانبه ولنبدأ .
1- أنواع الأخشاب التى يصنع منها السيقر:
لك أن تعرف بأنه كان يصنع السيقر من أحد هذه الأخشاب المتوفرة فى البلد ولله الحمد بكثرة لذا فإننا لا نتعب كثيراَ فى صناعة المراكب حيث أن الخشب هو المادة الرئيسية فى صناعة المراكب ، لا نأتى بأى جزء من اجزاء المركب من الخارج إلا فبما ندر مثل المسامير أو السارى وحتى هذه نحورها تحويرا بل نصنعها صناعة ، أحد أهم هذه الأخشاب هو خشب السنط ( الجولى وهى التى تحمل زهر البرامب الذى أتى ذكره فى أغنية من أغانى عبدالله الزبير " أيام زمان " ) وأهميته يأتى من قوته وصلابته وديمومته لعشرات السنوات عكس الأنواع الأخرى ، النوع الثانى من الأخشاب هو ( الأورج - ولا تسألونى عن أسمه بالعربى لأننى لا أعلم ) وهذا الخشب يتميز بخفته الشديدة ولذلك فإنه يطفو فوق سطح الماء ولا يغرق أبداَ إذا أنقلب السيقر لأى سبب من الأسباب وكذلك فإنه سريع جداَ فى الجيراد والناكاد ، النوع الثالث من الأخشاب هو المور ( بالعربى إسمه طرفة - على زمة المترجم ) وهذا النوع من الخشب ومعه النوع الرابع وهو الكورميه فمثلهما ومثل الأورج فى جميع الأمور ولكنهما لا يستعملان كثيراَ فى صناعة السيقر نسبة لندرة أشجارهما فى البلد .
2- تحديد مكان صناعة المركب :
عندما يفكر المرء فى صناعة السيقر فإن أول شىء يفكر فيه هو المكان الذى سيصنع فيه السيقر ، حيث لا بد أن يراعى أشياء كثيرة فى تحديده وهى :
- قرب المكان من الشجر الذى سيقطع منه الخشب ، حيث أن نقل كتل الخشب بعد تقطيعها هو من أصعب مراحل الصناعة نسبة لثقلها الشديد .
- لا بد أن يكون المكان ظليلاَ على مدار النهار لأن العمل يستمر منذ الصباح الباكر وحتى المغرب .
- لابد أن تكون المساحة المحصورة بين النهر ومكان صناعة السيقر إنسيابية تميل إلى جهة النهر وذلك لتسهيل إنزال المركب عند الإنتهاء من صناعته .
- عدم وجود عوائق طبيعية فى طريق الإنزال مثل الأحجار والأشجار والأوبول .
3- ماهى أنواع المراكب :
المراكب أنواع وأنواع من حيث الطول والعرض والتجهيز والإستعمال ، وعليه فيمكننا حصر خمسة أنواع منها وهى :
- البيليكى ، وهذا يا أخوانا ممكن تقول عليه باخرة عديل كده ، حيث لا يمكن تعديته إلا فى الدميرة لأن الغاطس كبير لا يستحمل المياه الضحلة ، ومن العجائب بأن هذا النوع كان لا يصنع أبداَ فى بلاد السكوت وحلفا ولا نعلم سبباَ لذلك ، إنما كان يصنع فقط فى بلاد المحس ودنقلا ، وقد عرفناه عندما كانوا يأتوا به تجار المحس ودنقلا أيام الدميرة محملاَ بشتى أنواع البضائع ، يعنى ممكن تقول عليهم تجار جملة ، وكان أشهر أصحاب تلك المراكب هو صالح شبلول ( سالى شبلول ) شقيق فضل شبلول بجزيرة نلوتى وعائشة شبلول فى أبوراقة وهى زوجة حسن دبية ، لذا فإن مربطه الأساسى كان فى قريتنا بجزيرة نلوتى المسماة بجكعين ، وأنا عندما أقول باخرة نرجو أن لا يذهب بكم الظنون على صدقيتنا ، فإن عدد أفراد الطاقم لحالهم حوالى عشرون شخصاَ غير الريس ، وكان يحمل فى متنه مثلاَ حوالى 500 شوال من القمح والزرة واللوبيا والترمس والفول والسكر وكذلك حوالى 200 صفيح من الزيوت والجاز والسمن ومئات الكراتين من الشاى والإقمشة ومئات الأزيار التى يصنعونها هنالك ، غايتو دى كانت حاجة عجيبة وكما قلت لكم فإنهم لم يكن يأتون إلينا إلا وقت الدميرة ويذهبون راجعين قبل إنحسار المياه خوفاَ من ضحالة مجرى النهر مما يتسبب فى إعاقة رجوعهم .
- الكانتين ، وهذا يا أخوانا أقل ثقلاَ وحجماَ من البيليكى ولكنه أكبر من المعدية ، وأهم ما يميز هذا المنوع من السيقر هو أن كشكاَ كبيراَ به رفوف وشباك وباب وخزنة صغيرة والميزان وأدوات التمتير والغرف ، يعنى بس تخيل أنك أمام بقالة بس جو البحر حيث يجلس التاجر بداخله ، ويكون محملاَ بشتى أنواع البضائع ، أها إذا سمينا البيلكى بتجارة الجملة فإن الكانتين هو تجارة التجزئة ، هذا الكانتين يجوب جميع قرانا شمالاَ وجنوباَ ويمكثون فى كل قرية أياماَ وأياماَ وكانوا يركزون فى القرى التى لا توجد بها دكاكين ، فى الغالب فإن طاقم الكانتين يتكون من شخصين وهما التاجر نفسه والمساعد والذى كان يسمى بـ ( الكوكج ) وهذا الكوكج غير أنه يساعد التاجر فى أعماله فإنه يقوم بأعمال الطبخ والعواسة اسفل الجزء الخلفى من المركب والذى يسمى ( الهوندو ) ، ومن المعروف بأن عملية الشراء كانت تتم بالبلح ( القروش كان مافى زمان ) لذا فعندما يمتلىء المركب بشوالات البلح فإن التاجر يبحر إلى موطنه الأصلى ويفرغ شوالات البلح هنالك ويتزود ببعض البضائع من دكانه الأساسى فى البر ويرجع مرة أخرى إلى نفس تلك القرية أو إلى قرية أخرى
وإلى الحلقة الثانية قريباَ .
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
أبو جهينة ،، وذاك هو الكانتين بعينه ،،
بالله عليك أنظر للبحر والخلق فوق الكانتين
تقول بابور بحر ،، كله ده كوم و" شوقارين كانتين "
كوم تانى ،، بالله أرايت الأستاذ وهو يذوب رقة وجمالاَ
فى هذه الأغنية الرائعة والتى يخلد فيها زكرى صديقه
حسين سليم وكيف أنه يصف هذا الشوقر ( السيرة ) بين
أوشين ماتو ونلوة بهذا الوصف الدقيق حتى تخال أنك
كنت أحد الممتطين لذلك الكانتين الذى يشق عباب البحر .
لك ألف ألف تحية أبو جهينة ،، وحقيقة أقول لك أن دعمك
هنا لا يقدر وأصبح فاكهة البوست بدون جدال .
فتك بعافية
ماهر
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
السقريات ( المراكب ) - 2
كنا قد وقفنا فى نوعيات المراكب عند الكانتين ، وها نحن نواصل :
- المعدية ، وهذه المعدية تكون أصغر حجماَ وطولاَ من الكانتين ولا يوجد فيها الكُشك وسطحها غير مغطى فقط عمدان عرضية يجلس عليها الخلق ( والتى سنتأتى فى زكرها لاحقاَ وإسمها الجاقوس ) ، والمعدية تصنع خصيصاَ لتعدية الناس بين البر الفربى والشرقى بمبلغ معلوم إذا كان الشخص ليس من أهل البلد أو بقيراط أو قيراطين من البلح من كل منزل فى موسم حش البلح لأهل البلد المعين ( والقيراط هو نوع من أنواع الكيل لا نعرف أصله ولكن بالعربى هو الرُبع ) ، فإذا كانت المعدية تتبع لجمعية القرية أو هى معدية عامة فإن أهل البلد يسلمون قيادتها لشخص معين يسمى " الريس " هو من يعدى بالناس إما فى فترات زمنية محددة أو عندما تكورك له بإسمه ( وووووووووو دهب ) وكان لبشير هجلى ( بشير حاج على ) فى قرية حميد قولة شهيرة عندما تكورك له ( ووووووووووو بشير ) فكان يرد عليك " بشير ويلون إيكا بيشا وايكيجا " حيث كان لديه معدية خاصة به ويتزمر كثيراَ عندما تكورك له .
- فلوكة ، وهذه أصغر حجماَ من المعدية بكثير وتستعمل غالباَ فى التعدية بين البر والجزر الصغيرة إما لحش القش أو البلح أو لسقى البهائم ، ويمكن لهذا النوع من المراكب أن تركب فيه السارى كطاقة محركة له ، أو يمكن إستعمال المجداف أو الميدرى بدلاَ عنه ، أو حتى يمكنك إستعمال الأمباج فى تحريكه وتوجيهه ، ولا يتعدى صناعة الفلوكة أكثر من عشرون يوماَ كأقصى تقدير ولا تحتاج إلى صنايعى متمرس فى صناعتها حيث يمكن لأى هاوٍ أن يصنعها لأن المعايير الفنية العالية غير مطلوبة هنا ، هنالك بعض الفلوكات وخاصة تلك التى كانت بين جزيرة قوتاب وخناق تبحر بشىء مستحدث وقد رأيت مثله فى الأفلام الأمريكية القديمة ، يثبت حبل قوى طويل بين قتاب وخناق بحيث يمر ذلك الحبل بحلقة حديدة مثبتة فى الفلوكة ، فما عليك إذا أردت الأبحار إلا الجلوس بجانب تلك الحلقة وتسحب الحبل بيدك وعنده تنساب الفلوكة للإتجاه الآخر ، بمعنى أنك تستعمل طاقة يديك فى تحريك المركب .
- أما النوع الأخير من المراكب فهو القييى ، وقد سمينا هذا القييى بمركب مجازاَ حيث هو لا مركب ولا حاجة ، ويمكن لأى شخص صناعته بنفسه حيث لا يحتاج لخشب أو مسامير أو حبال أو ماشاكل ذلك ، وكذلك فإنك يمكن صناعته بعدة أشكال ووسائل ، فمثلاَ يمكنك صناعته بأعواد الهاقى والقناتى والقويه ، أو يمكن صناعته بالأمبو أو حقيقة فهو الأمبو نفسه وما عليك إلا ركوبه وممارسة التجديف للوصول إلى وجهتك مع اليقظة التامة حيث يمكن أن يخرج عقرب من بين ثنايا الأمباجات التى تغطى الأومبو ، ويمكن صناعته بربط مجموعة من الكيبيه ( والكيبيه هو ما نشف من القرع ) مع بعضها البعض وتمتطى فوقها
( وخارج عن النص فإن هذا الكيبيه يستعمل أيضاَ فى أمور كثيرة منها على سبيل المثال لحفظ اللبن الرائب أو ككوز لشرب الماء أو إستعماله فى " الوجيه - والوجيه هو ذلك الخيط الطويل الذى يربط فيه عدة سنارات فى أبعاد متساوية لصيد السمك ، فهذا الكيبيه يجعل ذلك الخيط مرتفعاَ لعمق قريب من سطح النهر حتى يصتاد الإسماك التى تتفلسف بالنطيط عند السطح )
أو كذلك فإن القييى يصنع من القِربة بعد نفخها وربطها جيداَ من خشمها ( والقربة يا إخوانى وإخواتى هى مثلها ومثل الكورة تصنع من جلد الغنم وكانت تستعمل فى خَج اللبن - سون كورواد - أو كمُبّرد وخازن للماء فى المناسبات ، وكذلك فإن القربة تستعمل من ناس سلاح الموسيقى حيث هى من أدوات النفخ ) .
أها هذا النوع من المراكب المسمى بالقييى فغير مستعمل كثيراَ فى التعدية حيث يستعمله الصغار فقط فى لهوهم فى عرض البحر أو كانت تستعمل فى الهروب من البلد ليلاَ لكى لا يرى الهارب أى شخص وفى بعض الأحيان يستعمل فى حش القش من الجزر .
أها كده إنتهينا من أنواع المراكب .. فإلى الحلقة الثالثة من السقريات قريباَ .
ودمتم ،،،
ماهرمحمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: ابو جهينة)
|
أبو جهينة والله صدقت ،، وخاصة الأغنية تحديداَ ومعها أغنية كجبار بتاعة مكى على إدريس ،، بس نعمل شنو يا أبوجهينة ؟؟ عاداتنا وتقاليدنا أصبحت تتقلص حتى كادت أن تتلاشى ،، وناس الحكومة ديل عاوزين يتموا الناقصة كمان ،، الشكية لى الله بس .
شكراَ على إثرائك البوست بالمعينات الجمالية والتراثية والفنية .
ماهر
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
السقريات ( المراكب ) - 3
كنا قد توقفنا فى رقم 2 من السقريات على أنواعها ، فإلى أهم إجزائها:
4- ماهى أهم مكونات المركب :
- الدرقة ، وهذا خشب على شكل واى الأنجليزية وموقعها هى مؤخرة المركب وهى الجزء الذى يركب فيه الدفة ، وهو أول جزء يصنع من قبل الصانع ، ومن أسفل هذه الدرقة ينطلق العمود الطولى للمركب ويمتد حتى القوقكى فى أقصى مقدمة المركب ، ويرتفع فى المقدمة حتى تعطى مقدمة المركب الشكل الإنسيابى لشق البحر عند الإبحار ، وهذا العمود ينتصف المركب تماماَ بحيث يمكننا أن نقول أنه يقسم المركب إلى صفحتين مثله ومثل الكتاب أو يمكننا تسميته بالشاسية بتاعت العربات ويسمى بلغتنا ( مَقدَمْ ) ، ومن هذا المكان تحديداَ ينطلق بناء المركب لوح خشب بيمينه ولوح خشب مساوى له حجماَ وطولاَ بيساره .
- الصف ، ولكن نسببى محمد أحمد يصر بأن أسمه ( مللاى ) والذى لم نسمع به على الإطلاق ، هذا الصف هو ذلك الخشب المفلطح الشكل ( كنا نقول عليه المورينو ) وهو الذى تراه داير ما يدور فى أعلى المركب بحيث يمكنك السير عليه من مقدمة المركب إلى المؤخرة أو العكس بكل إرتياح دون الخوف من الوقوع ، ومن يخافون السير فيه وخاصة عندما يكون المركب مبحراَ فإنهم يستعينون بالحبال التى تشد الأوسو بالجانبين .
- الدفة ، الدفة هى العضو الرئيسى فى التحكم على إتجاه المركب تماماَ مثلها ومثل الدركسون فى السيارة ، أو مثلها ومثل جناح الزيل فى الطائرة أو مثل الزمام فى الخيل والحمير لذلك تجدها فى مؤخرة المركب ، ويتحكم الريس على الدفة بشىء إسمه " ديفان إيدى " أى يد الدفة بالعربى ، وبدون هذه الديفان إيدى لا يمكنك تحريك الدفة بأى حال من الأحوال ، ومرات يشعر الريس بزهو شديد وعظمة كبيرة ويضع على أثرها إحدى رجليه فوق يد الدفة ويشدو بأغنيات نوبية جميلة ( موكى سيقر موكى ... توق صلاحانقوسنان موكى ) وخاصة عندما يكون الجو صحواَ والهواء عليلاَ ، لم لا ؟؟ أليس هو قائد الركب ؟؟ أليس هو مستأمن على أرواح جميع هذا البشر الذين فى جوف مركبه ؟؟ ، وهذه الدفة تثبت فى المركب بشىء إسمه " الرنشة " والرنشة مسمار قوى وطويل تنزلق ما بين حلقتى حديد مثبتتان فى الدفة والمركب ( إنتاية وضكر ) وهذا يماثل تماماَ ربط عربات القطار مع بعضها البعض ، وهذه الرنشة ومعها يد الدفة يلعبان دوراَ رئيسياَ فى حفظ المركب من السرقة حيث يمكنك إذا كان المركب من نوعية المعدية أو الفولوكة خلع الدفة من جسم المركب وأخذ الرنشة معك حتى ترجع ، أما إذا كان المركب كبيراَ ومن نوعية البيليكى أو الكانتين فإنه يمكنك إخفاء يد الدفة فى إحدى الكوشوكيات ( والكوشوكى هو تلك السعفات الكثيفة أو الشتول الصغيرة التى تحيط بالنخل فى أسفله ) .
الدفة هى المكان الوحيد فى المركب الذى يمكنك الكتابة فيه عبارات خاصة بك مثل تلك الكتابات فى مؤخرة اللوارى والباصات زى " يا ناس يا شر .. كفاية قر " أو آيات قرآنية ، وأيضاَ بعضهم يضعون علماَ ( بيرق ، وهى عربى نوبى الإستعمال ) فيها ولم يكن علم السودان على كل حال .
- رزقالة ، ورغم أن الرزقالة ليست جزء من أجزاء المركب إلا أنها شديدة الأرتباط به ، ولا يمكن أن يبحر البيليكى والكانتين ما لم يكن لديهم رزقالة فى مركبهم ، والرزقالة عبارة عن جسر خشبى يتيح للناس ولزبائن الكانتين التنقل بين اليابسة والمركب حتى لا تتوسخ أرجلهم وملابسهم بالطين ، ويصنع من خشب المورينو ، أما فى المعديات والفولوكة فإنها تجلب فقط عندما يأتى موظف كبير من الخرطوم من الذين يلبسون البناطلين حيث لا يستطيعون إيزائه خوض البحر إذا لم يتمكن المركب من الرسو تماماَ فى اليابسة ، وأيضا تستعمل الرزقالة فى تحميل وتنزيل البضاعة .
- ميدلى ، والميدلى كذلك ليس جزء من اجزاء المركب إلا أنه لا يفارق أى مركب مهما كان نوعه ، وهو مرق خشب طويل دائرى الشكل يستعمل من قبل الريس فى إبعاد المركب من البر بعد دخول الناس قبل إستعمال السارى ، وهو تماماَ زى ناس الرفاصات حالياَ يدورون الماكينة بعد إنزلاق الرفاص لمسافة معقولة من البر ، ومرات تحدث نوادر جميلة وخاصة أيام الدميرة عندما يغرس طرف الميدلى فى أسفل البحر ويقع إزائها الريس والميدلى فى البحر .
نكتفى بهذا وإلى الحلقة القادمة من السقريات إنشاء الله ،،،
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
السقريات ( المراكب ) - 4
كنا قد توقفنا فى الحلقة الماضية فى سرد أجزاء المركب ,وكان آخره عن الميدلى واليوم نكمل ذلك:
الجاقوس ، وهذا الجاقوس هو تلك الخشبات العرضية التى تتفاوت عددها حسب حجم المركب والذى يلعب دوراَ رئيسياَ فى تماسك جسم المركب من الهلهلة وأطوله هو ذلك الذى يثبت فيه الأوسو ويسمى ( جاقوسن نين ) وترجمتها هى أم الجواقيس ( على وزن أم المعارك ) وتقريباَ يكون فى منتصف جسم المركب ، فهذا الجاقوس يتحمل الكثير والكثير غير عمله الرئيسى حيث يجلس فوقه الركاب إن كان جاقوس معدية أو فلوكة أثناء التعدية ، إما فى حالة الكانتين والبيليكى فإنه يحمل الكشك والبضائع ، واسم الجاقوس نفسه غريب لا نعرف أصله أو فصله
- الطنبور ، وهذا الطنبور ليس هو تلك الآلة التى نعزف بها أغانينا الجميلة ولكنه أخشاب أبلاكاش يغطى بها سطح المراكب من الأمام ومن الخلف ، ولكن حصرياَ فى البيلكى والكانتين ولا يوجد فى المعدية والفولوكة ، يعنى ممكن نقول عليه هو البلاط أو السيراميك بتاع المركب لذا فهو فى مقدمة المركب يغطى المنطقة من القوقكى وحتى بداية الكشك ومن الخلف يغطى من الدفة وحتى الجاقوس الذى قبل جاقوسن نين عند الأوسو تاركين بذلك مساحة كافية للدخول والخروج من السطح للهوندو ، وكذلك فإنه يغطى كذلك جانبى الكشك ، ومهمته الرئيسية هى إتاحة الفرصة للزبائن للجلوس أمام التاجر الذى داخل الكشك عندما يتفاوضون للشراء ، أو يجلس عليه الخلق عند تعاطى الأكل ، أو يستعمل لتخزين شووايل البلح والحبوب حيث لا يحبز تخزين مثل هذه البضائع فى جوف المركب ( الهوندو ) خوفاَ من تسرب الماء إليه ، وهنالك شىء صببانى كان يمارسه البعض عندما كنا صغاراَ ، وهو أن نرقد فى جوف المركب ( الهوندو ) ونبصبص فى خلق الله عبر الشقوق التى بين هذه الأخشاب بدون علم الناس بى فوق ( وخاصة إذا كانوا وقوفاَ وليسوا بجالسين ) ، وأهم شىء هو أن تكتم أنفاسك تماماَ حتى لا يشعر بك أحد وإلا فهى الكارثة بعينها ، بعض الناس يطلقون على هذا الطنبور " الدوشاد " ولانعلم أيهما هو المتداول بكثرة ولكننى أخال أن هذا الأخير ذات معنى وله علاقة بدوشاد آخر وهو ( كيسرين دوشاد ) و يعنى تغطية كوز الطنبور بجلد الغنم حتى يخرج لنا ذلك النغم الجميل فإن تلك الأخشاب يمكن تسميتها بالدوشاد لأنها تغطى جوف المركب ، والله ورسوله أعلم .
- القوكى ، القوكى هو مقدمة المركب التى يشق بها المركب عباب البحر محدثة صوتاَ جميلاَ عند مرحلة الجيراد وكأنها تعزف لحناَ كلاسيكياَ ، والله لو أتو ببيوتهوفن نفسه لما عزف مثل ذلك ، جب جب جب جب جب حب جب وينقلب عند إتيان موجة عالية إلى تراش تراش تراش تراش ثم إلى سكون عند هدوء الأمواج وبعدها يتكرر هذا السيناريو مرة أخرى ، إن التصميم السليم للقوكى يلعب دوراَ رئيسياَ فى سرعة المركب وكذلك فى توازنه عند الإبحار ، حتى فى مرحلة الصناعة فإن الأخشاب التى تنتهى عند القوكى تشذب بطريقة خاصة بحيث تكون ملوية بقدر الإمكان حتى تعطى ذلك الشكل الذى يشبه مقدمة الصواريخ والذى نراه فى السفن والرفاصات .
- القاضى ، وهذا القاضى ليس بإنسان ولا بالقاضى الذى يحكم بين الناس ، ولكنه شكل مخروطى من الخشب يشبه كثيراَ شكل الجندى فى لعبة الشطرنج ، وهو الذى يربط فيه الحبل الذى يثبت المركب فى اليابسة بالخطاف ( والذى كنا نقول عليه الهلب ) وإن لم يكن لديك الخطاف فعليك بإستعمال الفيندى ( الوتد ) ، ولابد أن يكون القاضى قوياَ ومتيناَ ومثبتاَ فى المركب بطريقة جيدة لأنه فى بعض الأحيان تهب رياح قوية جداَ تتسبب فى إرتفاع الأمواج مما يعرض المركب للإنطلاق بدون أن يكون فوقه أى شخص ، ونقول فى هذه الحالة ( سيقير كيكيجا موكوسو ) وقد حدث كثيراَ فى بلادنا وخاصة مراكب الكانتين ويا ما تبعثرت البضائع فى عرض البحر عندما تصتدم بأحجار أو جزر أو فى البر الأخر ، وهذا القاضى يماثل تماماَ ذلك الدولاب ( العجلة ) المنتهى بمنفلة والذى يلف به القبطان سلك البواخر عند الرسو أو عند المبيت ليلاَ .
- الهوندو ، والهوندو سبق زكره كثيراَ فى السقريات السابقة وهو جوف المركب إن كان سيقراَ كبيراَ أو صغيراَ ، ولكن ما يميز الهوندو بتاع المراكب الكبيرة والصغيرة هو أنه فى المراكب الكبيرة مثل البيليكى والكانتين وفى الجزء الخلفى منه فإنه يوجد مطبخ كامل التجهيز من الدوكة والأوبيرتى والحلل والشاى والسكر والبهارات والتركينج والشرموط والتوربى ساما والسبليى بتاع العواسة ورفوف للكبابى والمعالق والصوانى وماشاكل ذلك ، ويسمى من يتولى أمر المطبخ بالكوكج مهمته الرئيسية هو الطبخ وإعداد الصفرة بجانب تقديم المساعدة للتاجر داخل المركب وكذلك فرد السارى ولفه عند الإبحار ، أما الجزء الأمامى من الهوندو فيستعمل كأسرة للنوم وكذلك لتخزين بعض البضائع التى لا تتاثر بالمياه مثل صفائح الجاز والزيت ، والله لو أخذت ليك نومة فى الهوندو فإنك لن تقوم أبداَ من لذتها حيث أن البحر تماماَ تحتك ليبث لجسدك البرودة ، والأمواج تلوليك مثل ما كانت تلوليك والدتك عند الصغر .
- الكشك ، وهذا الكشك لا يوجد إلا فى الكانتين ، وهو بالخارج وكأنه كشك عادى مثل أى كشك فى سوق السجانة ، وبالداخل فهو دكان بالمعنى المفهوم للدكان من رفوف مرصوصة على جوانبها الأربعة فيها من البضاعة أشكال وألوان ، مستطيل الشكل له باب يفتح إلى مقدمة المركب وبه شباك صغير يفتح لخلف المركب ، يجلس فيه التاجر القرفصاء حيث تطال يده كافة الرفوف مع همة قومة بسيطة وأمامه الميزان وعدة المكاييل والمقاييس ، وفى أعلى يمينه يوجد خزنة خشبية بسيطة لوضع النقود ( إن وجد ) ، وليستظل الناس الذين يونسون التاجر أو الزبائن الذين يشترون البضاعة فإن الساحة التى أمام الكشك ( والذى سميناه الطنبور سابقاَ ) فإنه توجد تندة بأعلى الكشك مثبت فى الحبال الأمامية والجانبية ، وحتى لا يعكر صفوهم شمس الظهيرة التى تأتيك بالأجناب فإنهم كانوا يغطون ذلك الجانب بشوالات خيش فارغة ، وكان بعضهم يزخرف الكشك بألوان زاهية جداَ يميزهم عن غيرهم حتى أنك تعرف صاحب المركب وهو مازال فى عرض البحر ، وسقف الكشك هو غرفة النوم الرئيسية للتاجر حيث يوجد فيه مرتبته وبطانيته حيث يقضى الليل هنالك بعيداَ عن الهوام من الحيوانات والحشرات وكذلك حتى يحرس دكانه من المتطفلين ، موش بيقولوا قاعد فوق تلة قروش أها المثل ده ينطبق هنا ، وهذا الكشك كان له وقع خاص لدى الأطفال حيث كنا نمارس هواية القفز من أعلاه أثناء العوم والإستحمام ونحن ( ألوج بلوج ) ، شىء اخير هو أن بعض أصحاب الكناتين كانوا يستصحبون فوق مركبهم خياطاَ متمرساَ بماكنيته السينجر ليضرب بذلك عصفورين ، العصفور الأول إغراء الناس لشراء الأقمشة من دكانه العائم هذا والعصفور الثانى هو أخذ إيجار من الترزى نفسه .
نكتفى بهذا وإلى الحلقة القادمة إنشاء الله ،،،
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
السقريات ( المراكب ) - 5 وماقبل الأخيرة
ونواصل جزئيات السيقر حيث وقفنا فى الحلقة الماضية فى الكشك ...
- الأوسو ، وهذا الأوسو هو ذلك العمود الواقف طولياَ زى الصنافور فى منتصف المركب والذى يركب فى أعلاه السارى ، ويتم تركيب الأوسو بعد نزول السيقر فى البحر ، والأوسو نفسه إما يصنع من الأومبو أو من الخشب ، وإذا كان المركب كبيراَ فإنه يتم إلصاق أكثر من أومبو أو أكثر من خشب وذلك لتطويله ويثبت الطرفين الملتصقين بجلد البقر واسلاك قوية ومسامير ، يثبت الأوسو بعدد ثمانية حبال قوية كبيرة الحجم ، ثلاثة على كل جانب وأثنتين فى المقدمة ، وتتنزل هذه الحبال من أعلى الأوسو فى السماء وحتى طرف السيقر ، والحبال الجانبية نفسها تربط مع بعضها البعض فى أرتفاع مترين من السيقر حتى تعطى الأوسو الصلابة اللازمة ، وتركيب الأوسو فى السيقرات الكبيرة يتم بطريقة فنية عالية لا يستطيعه حتى الأمريكان أنفسهم ، فالذى يحدث أن يثبت عدد 2 كركر ( والكركر هو تلك العجلة الدائرية الصغيرة التى تساعد فى رفع الماء من الآبار والتى تسمى بالعربى البكرة ) فى أعلى شجرتى نخل موجودَين فى تلك المنطقة ويمرر حبلين بداخل تلك الكركر مربوط طرفاه فى راس الأوسو المرمى فى الأرض ، ويتجمع الخلق ويمسكوا بالطرق الأخر من الحبل ويجروا الحبل بحركة واحدة مع أهازيج حماسية ( صلو على النبى صالوووووو يقولها أحدهم ويردد الآخرون هووووليبااااااا ) وماهى إلا دقائق ويأخذ الأوسو مكانه فى وسط السيقر قائماَ ومثبتاَ بصفة مبدئية بنفس الحبال التى تم رفعه بها وتكمل لاحقاَ بالحبال الأخرى التى زكرتها لك ، أهمية الأوسو تنبع من شيئين ، الشىء الأول هو أن السارى يركب فى أعلاه ، والثانى هو أنه نقطة إرتكاز لخشبتى القاريا والقارية هذه هى خشب طويل بطول السارى تثبت فى طرفى السارى ، وكذلك فإنه فى أسفل الأوسو يربط طرف السارى إذا كان السيقر واقفاَ والسارى ملفوفاَ ، وإذا سالنى شخص كيف يطلع الشخص فى رأس الأوسو لتثيبت السارى أو لآى شئ آخر فإننا نجاوب عليه بأن نقول بإنه تثبت بعض قطع الخشب الصغيرة فى مسافات معقولة من أسفل الأوسو حتى اعلاه وهى بمثابة السلم .
- القدوسة ، وهذه القدوسة مثبتة فى أسفل السيقر ( الهوندو ) وشكلها عبارة عن خشب مستطيل مخرومة فى وسطها ( وهى الإنتاية ) حتى تنزل فيها قعر الأوسو ( وهو الضكر ) مما تساعد فى عدم تحرك الأوسو لأى إتجاه عند ضغط الهواء فى السارى ، وكسائر أجزاء المركب الأخرى فإن حجم وطول القدوسة تتوقف على نوعية وحجم المركب .
- السارى ، وهذا السارى هو من أهم أجزاء المركب على الإطلاق ، حيث أنه الموجه الرئيسى للمركب مع أخته الدفة فى الوصول إلى وجهته المقصودة إن كانت للبر الغربى أو أى مكان فيه ، أو للبر الشرقى أو أى مكان فيه ، أو إلى جزيرة من الجزر أو أى مكان فيها ، ولكن لك أن تعلم بأنه بدون الرياح ( الهواء والذى تطلق عليه بلغتنا التوق ) فإنه يكون عديم الفائدة ولا يسوى أى شىء ، يصنع السارى فى البر على شكل مستطيل وهذا بروتوكول لوحده يأخذ حوالى العشرة ايام لصنعه ، حيث أن مكونه الرئيسى قطع متعددة من القماش يمكن أن يكون جديداَ أو مستعملاَ ( غالباَ ما يتكون من القونجة ) وبعد تحديد حجم السارى المناسب للسيقر حيث يخطط ذلك فى الأرض يجلس الناس ويخيطوا تلك القطعات مع بعضها البعض بخيط نايلون قوى جداَ ، ولا يحبذ كثرة القطع حتى لا تتقطع بكثرة الإبحار وضغط الهواء ، تنتهى طرفا المستطيل فى ضلعيه الكبيرين بخشبين يقال لهما ( القاريا ) حيث تربط طرفى السارى بإحكام فى هذه الخشبتين بطريقة سبعة تمانية ، حقيقة فإن القاريا الأعلى أطول بدرجة قليلة من القاريا التحتانية ليربط فى أعلاها علماَ أو هلالاَ ، الجزء الأسفل من القاريا هو المسؤول عن لف السارى أو فرده ( زى المفتاح الذى كنا نفتح به علب السردين زمان ) لا نعلم أصل كلمة السارى وهل هى رطانة أم عربى ، ولكن الهنود يطلقون ذلك الثوب الكبير الذى تلف به نسائهم إجسادهم بالسارى لذا فقد تكون الكلمة هندية .. والله أعلم ، إذا كنت معدياَ للغرب فإنك تفرد السارى بجهة الشرق من المركب والعكس صحيح ، ويرفع السارى عند الإنتهاء من صناعته بربط كركر كبير فى أعلى الأوسو ومن ثم ربط أحد طرفى الحبل فى القاريا الأعلى عند منتصفه ثم تسحب الطرف الأخر حتى يصل القاريا عند مبتغاه ومن ثم يربط هذا الحبل فى الجاقوس فى أسفل الأوسو ، ويسمى هذا الحبل ( أباير نص ) ويظل هنالك حتى تستعلمه مرة أخرى أذا أردت تنزيل السارى للترقيع أو لأى سبب آخر .
- ملمنية ، وهذه الملمنية شىء أقرب للمفراكة ( النيبر ) وهى موجودة فى أسفل قارية السارى التحتية ، ومهمتها هى لف أو فرد السارى بها ، فعند اللف تلف على إتجاه عقارب الساعة وعند الفرد تلفها عكس عقارب الساعة ، وكذلك فإنك تربطها بحبل دائرى مثبت فى الجاقوس الأوسط عند الأوسو تماماَ عندما يكون المركب مربوطاَ فى البر حتى لا تفلت مع الهواء أو مع حركة الأمواج ، وكلما كان المركب كبيراَ لا يستطيع أن يلفه شخص واحد فلابد من شخصين يمسك كل واحد منهم طرف المفراكة على شاكلة خذ وهات ، وعندما يستوى المركب فى إبحاره وحتى لا يمسكها الشخص لوقت طويل فإنك يمكن أن تثبت الملمنية فى طرف الحبل الذى يثبت الأوسو .
- الأباير ، وهو عدد أثنين من الحبال تتدليان من الوسط العلوى للسارى وحتى مؤخرة المركب توجد فيها كركر صغير فى متناول يد الريس حيث تشد أو ترخى حسب الأتجاه الذى تريده للمركب أن يسير فيها ، ويربط الحبل عند الكركر بطريقة فنية لا يمكن لأى أحد أن يقوم به ، وهذا الحبل ليس بسميك مثل الحبال التى تثبت الأوسو ولكنه حبل مثل ما يربط به الحمير أو أتخن قليلاَ .
- التيبيسى والتِنقل ، وهذان لا ينفصلان عن بعضهما مطلقاَ عند الإستعمال رغم أنهما وحدتين منفصلتين مختلفتين ، فالأول أى التيبيسى هو عبارة عن مسمار كبير حجماَ وطولاَ ولكن حُوًر أسفله من سِنة حادة إلى سِنة مفلطحة حتى يأخذ شكل المفك العادى ( موش مفك نجمة ) ، أما الثانى أى التِنقل فهو عبارة عن شاكوش ولكنه شاكوش من خشب يتكون من قطعة واحدة وليس من قطعتين مثل الشاكوش العادى الذى نعرفه ( حديد فى عود خشب ) ، وتستعمل هذه القطعتين فى سد الفراغات ما بين الأخشاب بقطع من القماش حتى لا تدخل المياه لجوف المركب ( ونسمى هذه العملية بعملية القوداد ) ، هذا القوداد يعمل فى البدء والمركب ما زال فى البر ولكن فى اللحظة التى ينزل فيها المركب فى البحر لابد أن يكون أكثر من شخص جاهزاَ بهما حتى تقفل جميع المنافذ التى تدخل المياه فى جوف المركب ( أمان بوجبوجاد ) وبعد ذلك يستقر الحال لفترة كبيرة حتى تهترء جزء من القماش هنا أو هنالك وعندها تمارس عملية القوداد فى ذلك الجزء ( ده زى عملية نفخ وترقيع اللستك بتاع العربات ) هنا لابد للإشارة إلى أن عملية غرف المياه من جوف المركب للخارج تسمى بـ ( أمان كوسوراد ) وكان يتم دائماَ بصحن قديم ، المهم أن التيبيسى والتنقل والقماش وصحن الغرف لا يخلو منهم أى مركب من المراكب مهما كان نوعه .
وإلى هنا تقريباَ أنتهينا من جميع أجزاء المركب وملحقاته ( ACCESSOREIES ) ، فإننا سنتحدث فى الحلقة الأخيرة من السقريات عن بروتوكول أنزال المركب فى البحر وعن أشهر صناع المراكب فى المنطقة وماشاكل ذلك من الأمور ، فإلى ذلك الحين إستودعكم الله .
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
السقريات ( المراكب ) - 6 وهى الأخيرة
كنا قد إنتهينا فى الحلقة الماضية عن جزئيات المركب ، ونختم لكم اليوم بما تبقى لنا من السقريات ،،
5- ماهى أنواع حركة المركب :
- الجيرًاد ، وهذا الجيراد هو أهم حركات المركب حيث هو الأصل ، وهو إنسياب المركب رقراقاَ عندما يكون الرياح ( التوق ) آتيةً من جهة الشمال إلى الجنوب ، وتسمى حركة الرياح فى هذه الحالة ( صلاح - ولاعلاقة لهذا الصلاح مع إسم صلاح الذى يطلق على الناس ) ، وكان عندما يأتى هذا الصلاح على دفعات نقول له ( شيريد شيردين أباق ) ، وقد ورد الجيراد كثيراَ فى أغنية شوقارين كانتين بتاعة وردى ، وهنالك شىء له علاقة وثيقة بالجيراد لابد من ذكره وهو ، أنك إذا كنت فى مشوار مركبى ومتجه للجنوب لمسافة طويلة مثلاَ من عمارة إلى نلوتى فلابد من الإستفادة من خاصية ( الشيميه ) لأنها تزيد مع سرعة المركب بصورة كبيرة ، والشيميه هى منطقة لايوجد بها تيار النهر ودائماَ تكون شمال الجزر والكورميهات وبعض الأحجار التى تنتشر فى وسط مجرى النهر.
- الناكاد ، وهذا هو عكس الجيراد ، وهو إبحار المركب إلى أية نقطة لإتجاه الشمال ، ونقول إبحاراَ مجازاَ حيث أنك لا تبذل أى شىء فى مرحلة الناكاد ولا تفرد السارى حيث يظل ملفوفاَ طوال مرحلة الناكاد ولا تتحكم فى الدفة ولا فى الأباير، يعنى ما عليك إلا وضع رجل فوق رجل وتتفرج على مناظر الجزر حتى وصولك قصاد المنطقة التى تود الرسو فيها وعندها فقط تستعمل خاصية الجيراد ، والطاقة التى تحرك المركب فى هذه الحالة هى الطاقة الحركية لنهر النيل والتى نقول عليها تيار النيل المتجه إلى الشمال لمصبه ( ولا توجد هذه الطاقة فى البحار حيث أن مياه البحار ساكنة إلا من الأمواج وحركتى المد والجزر ) ، وتحضرنى طرفة هنا : كان أحدهم قد غرق فى النهر فى بلدنا ومباشرة الناس يبحثون شمال المنطقة التى غرق فيها بحكم التيار المتجه شمالاَ ، والناس فى هذا الخضم أتى إليهم سيد تلول فقال لهم ماذا تبحثون هناك ؟؟ فقالوا له والله فلان غرق هنا ونبحث عنه ، فقال لهم سيد تلول : يا أخوانا فلان ده أصلاَ كان عكس الناس فى كل شىء فى حياته عشان كده أنا متأكد أنو حتلقوه جنوب المنطقة التى غرق فيها ( وهذا طبعاَ مستحيل كما قلنا ) . ولا أعلم إن كانوا وجدوه شمال أم جنوب المنطقة التى غرق فيها.
- هاوداد ، وهذا الهاوداد هو أن تتمكن من غش الرياح بإستعمال السارى والدفة والأباير وتبحر عكسها تماما ، فمثلاَ إذا كانت حركة الرياح من الغرب إلى الشرق وأنت تريد الإبحار من الشرق إلى الغرب وهو نظرياَ مستحيل طبعاَ ، فما عليك إلا إستعمال حرفة الهاوداد حتى تصل إلى مبتغاك فى الضفة الغربية ، وفى مرة من المرات وكان الوقت قريباَ للمغرب كنت فى الفينتين تو وكورك بعض الناس بالبر الشرقى ( عبود ) لتعديتهم ، وبما أن الريس كان قد غادر إلى بيته فقد ضرب أخوكم مهورى صدره لإتيان هؤلاء من البر الشرقى ، وكان الهواء شرقياَ ( أى لإتجاه الشرق ) لذا فقد وصلت هنالك فى دقائق معدودة حتى أننى لم أحتاج لفرد السارى ، أها شيلت الناس وأردت إستعمال خاصية الهاوداد لأبحر إلى إتجاه الغرب ( نلوتى ) أها ألز المركب وأتحكم فى كل شىء لأغش الرياح ولكنها تأبى إلا أن ترجعنى مرة أخرى إلى البر ، أها يمكن تجى زى عشرة مرات والواطة قربت تمغرب ، أها فى المرة الأخيرة لَفَقَت معاى وإستطعت خداع الرياح وتحركت ببطىء شديد لإتجاه نلوتى حركة للغرب وحركتين إلى الجنوب ، فأين رسوت يا إخوانى وإخواتى ؟؟ فقد رسيت فى نهاية جزيرة قوتاب التى تبعد حوالى 5 كيلومتر من مكان الرسو الأصلى فى نلوتى ، وماذا كان العقاب ؟؟ العقاب هو تقديم شكوى لشيخ البلد ( وهو والدى ) للتأديب وقد كان ، وهذه طبعاَ عاقبة حشر نفسك فيما لا يعنيك والذى يتميز به كافة السودانيين وخاصة أهل بلدنا .
6- إنزال المركب فى البحر بعد صنعه :
بعد الإتتهاء من صنع المركب وبعد عملية القوداد الذى حدثناكم عنه سابقاَ ، يحدد يوم إنزال المركب فى البحر عن طريق الفلكيين ( وكان فرح جبارة من أرودين بصاى ) وعندما يحددوا اليوم المعين يعملوا كرامة كبيرة بضبيحتها ، وبعد الخمج يتحرك الخلق لإتجاه المركب ، ثم يأتوا بعدد مقدر من الأومبو يضعونه تحت المركب واحداَ تلو الآخر ، يعنى فى البداية يضعوا أمبو أمام المركب ويلزوا المركب شوية لقدام ، ومن ثم يضعوا الأومبو الثانى وشوية يلزوا لقدام ، ومن ثم يضعوا الأمبو الثالث ..... وهكذا حتى يستقر المركب تماماَ فى البحر ، طبعاَ تتخلل ذلك بعض الحماسيات التى يطلقها بعض العارفين بها ، وكذلك فإن النساء يطلقن الزغاريد التى تشق البلد شمالاَ وجنوباَ .
7- أهم مخلفات صناعة المركب ( BY-PRODUCTS ) .
من أهم المخلفات التى يستفيد منها الناس من صناعة المركب هى " السوتى " وهذا السوتى هو فتات الخشب الذى ينتج من تسوية ألواح الخشب وهو وقود جيد جداَ أحسن من الدييتييه والخشب الكامل ، ويستعمل بعد تنشيفه حيث أن قطع الخشب الذى يصنع منه المراكب لابد أن يكون داخل المياه حتى يوم إستعماله كألواح لذا يكون مشبعاَ بالماء ، وكذلك فإن من المخلفات أيضاَ مسامير مختلفة الأحجام والأطوال حيث يستفيد منها الناس فى صناعة المناجل عندما يأتى الحداد فى بلادنا ( التابيد ) ، وكذلك فإن من المخلفات أيضاَ قطع الخشب نفسه حيث يستعمل فى صناعة أيادى الطوريات والشواكيش وأرجل العناقريب وكذلك الشورو بتاع الأبواب ومفاتيحه ، ولو كان لدينا صناعة الثلج فى البلد كنا سنستعمل ما ينثره المنشار من الخشب الناعم فى حفظ الثلج لذا فإنه يذهب هباءاَ مع الريح .
8- من هم أشهر صناع المراكب فى البلد :
- من نلوتى : من أغرب الأشياء وإذا إستثنينا ضراغمة قرية موصرة بأبوراقة فإن معظم صناع المراكب كانوا من نلوتى ولا أعرف سبباَ محدداَ لذلك ، كنت سأقول يمكن عشان نحن من سكان الجزر ، ولكن أليست صاى جزيرة ؟؟ فلم يكن هنالك أى صنايعى مراكب مشهور من جزيرة صاى على الإطلاق ( أو لم أسمع به شخصياَ ) ، فمن نلوتى هم : على شلبى وكان أمهرهم على الإطلاق ، أحمد حسين شلبى ، حسن فرح دوكو ، عثمان إلمين ، عبد الفضيل الذى أشتهر بجبيرة الكسور أكثر من صناعة المراكب ، جمعة سرور ، ومن جيل الشباب فإنه يمكننا ذكر نميرى عثمان ألمين ، خطيب عبدالعزيز ، سيف الدين على عثمان ، وفى تطور لافت لصناعة المراكب يمكننا ذكر نسيبنا كمال أحمد مختار المتخرج فى تخصص نادر ( الذرًة ) والذى يصنع الآن مراكب من البراميل الفارغة فى ورشته بنلوتى ، أما الأخ إبراهيم محمد صالح ( سيدى بندق ) فقد إخترع شكلاَ جديداَ من المراكب شبيه بمراكب أهل جنوب السودان والذى كنا نراه عندما يأتون لصيد التماسيح فى بلادنا ، وشكله نحيف زى قلم الرصاص ويصنع بخشب الأبلاكاش أو بتقوير الأمبو .
- من أبوراقة : جميع ناس موصرة كانوا يصنعون المراكب على أحسن ما يكون ، وكان معظم ما يصنعونه من شاكلة الفلوكات أو بالكتير معدية ، ولكنهم كانوا سريعين جداَ ماشاء الله ، وأشهر هؤلاء عبدالحليم وولده محمد عبدالحليم ( والد جميل محمد عبده ) وأحمد زبير ونور الدين زبير وعزالدين زبير وكثيرون غيرهم ، ولو لم أوصف بالكذب الصراح فإن هنالك من هو فاقد للبصر ولكنه يصنع المراكب ( توفيق عزالدين )
- من حميد : الرجل القدير الشهم زو المهارات المتعددة محمد مختار والذى بذر زكائه المتقد فى أبنائه وهم اليوم ملىء السمع والبصر .
- من صواردة : عثمان بدرى ، أما بشير على حمزة فكان مقاولاَ حيث كان يأتى بالصنايعى ويجهز له كل شىء وثم يبيع المراكب لحسابه ، وكان له طرف وحكاوى كثيرة ، حيث أتى بعض المحس لشراء مركب له فقال لهم بـ 500 جنيه ، فرفضوا وذهبوا لحال سبيلهم ولكنهم أتو له مرة أخرى حاملين معهم 500 جنيه ، فقال لهم لالالالا السعر بقى بـ 1000 جنيه ، وعندما إحتجوا فى هذه الزيادة الكبيرة فى وقت لا يتحاوز ثلاثة أيام قال لهم : والله خمسميتكم دى ولا بتسوى الإيدويرة التى عملتها بابة ( زوجته ) لكم .
- من عمارة : محمد خيرى وهو قدير جداَ وكان متخصصاَ فى المراكب الكبيرة .
9- من هم أشهر الذين قاموا بتعدية الناس ( ريس )
- من نلوتى : دهب محمد مصطفى ( دهب قاضى ) ، سعيد عبدالله منير ( سعيد مورتو ) ، على كرار ، رجب سعيد ، محمد بلال ، وهاشم شامة بمركبه الخاص .
- من أبوراقة : على آدم ، صالح جارة ، عكاشة صالح ، حسن عيسى ، دودة سليمان ، أنور سليمان ، محمد خليل صالح ، محمد عمر كيييه
- من حميد : بشير حاج على ( بشير حجلى ) ، تيفى
- من قبة سليم : طه حسنين ، سعيد عبدالفضيل
- من نلوة : محمد أحمد أحميدى ، عبدالرزاق شكشك ، مجذوب حسن بخيت
وهكذا أتينا إلى نهاية السقريات رغم علمى التام بأننى قد أكون نسيت عشرات الحيثيات فيها ، أرجو أن أكون قد وفقت فى توثيقها ، فمن كان لدى أى شخص فيكم أى زيادة فى ذلك فليتفضل بها مشكوراَ فإن الساحة مفتوحة أمامه حيث سيسعدنا كثيراَ ذلك .
مع خالص مودتى ،،،
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
أبو جهينة ،، لك الشكر الكثير على المرور .
الصورة هذه توضح أشياء كثيرة مما تحدثنا عنه فى هذه السقريات ،، فى البدء فإن هذا المركب من نوعية الفلوكة ( الدزاينات الصغيرة ) وهو فى حالة البناء وفى مراحله الأخيرة ،، بالخلف ظاهر ما قلنا عليه " الدرقة " التى قلنا إنها زى حرف الواى الإنجليزية ،، وكذلك ظاهر الجواقيس كلها .
طبعاَ السقر بجميع إشكاله بقى من الماضى ،، وسينمحى من ذاكرة الناس مثله ومثل الأسكاليه والكييه وجميع مآثرنا التى تربينا عليها،، فالآن فإن الرفاصات ما تديك الدرب وهى تجوب بلادنا شمالاَ وجنوباَ وشرقاَ وغرباَ لسهولة حركتها وعدم إرتباطها بالهواء ( الصلاح ) فى تحريكها ،، وعلى إثر ذلك فقد ظهرت أعمال لم تكن موجودة فى بلادنا وهى ورش الحديد التى تعمل معداتها بالجنريترات والتى تقوم بصناعة جسم الرفاصات ،، لدينا فى نلوتى شخصين يقومات بذلك أحدهم يمارسه هواية وهو إبراهيم محمد صالح والآخر هو كمال أحمد مختار لديه ورشة رسمية تصمم وتصنع جسم الرفاصات .
خالص التحية لك وللجميع ،،،
ماهر
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
وقبل أن نبدأ فى سلسلة النوقريات ( المنازل ) إليكم هذه الشذرة الخفيفة ،،،
شىء من التُربى ساما " الويكة "
طبعاَ هذه أكلة شعبية مش فى بلدنا وبس ولكن فى جميع أنحاء السودان ، وذلك لسهولة إعدادها من جهة ولعدم حوجتها إلى الكثير من الأشياء من جهة أخرى ، والعجيب أن هذه الويكة يمكن إعدادها بعدة طرق مختلفة ولها عدة ألوان وعدة أسماء ، ولكل مناسبة لها تسبيكتها الخاصة ، ومن غرائبها أيضاَ أنها تؤكل فقط إما بالكسرة أو بالقراصة ولم أرى أنها تؤكل بالخبز أو بالمعلقة بتاتاَ ، ولكن نساء أواسط وغرب السودان يعملن أكلة تسمى العصيدة تتوسط الصحون ويدلق على جوانبها إدامات مختلفة ومن ضمن تلك الإدامات الويكة وأعتقد أنها أجودها وأطعمها وبتعمل ماتشينق مع إخواتها القراصة والكسرة وهذه فقط يمكن أن تؤكل بالمعلقة ، طبعاَ ناس بلدنا مرات بيسموها أم شيفة وحورها الخرطوميون وأسموها أم شعيفة وهذين الأسمين متداولين كثيراَ عندنا وعند ناس الخرطوم ، وطبعاَ لا أريد أن أقوًم جنس الحريم ضدى حيث يقولون أن الويكة هى أقصر طريق للخروج من مأذق الضيوف الفجائيين ، ماكسمام ربع ساعة والصفرة جاهزة أمامهم مع شوية بصل مقطع فى الصحن الجانبى .
أتت خبيرة من منظمة الغذاء العالمى فى السودان ورفعت تقريراَ جاء فيه أن الويكة الناشفة هى مجرد خشب مطحون لا قيمة غذائية فيها البتة ، وإقترحت للنساء السودانيات بخلط قليل من الحليب الناشف أثناء الطحن أو أثناء الإعداد حتى يكسبها نوعاَ من الأشياء المفيدة للجسم وخاصة أنها أكلة شعبية تؤكل يومياَ تقريباَ فى السودان فى كل منزل إن كانوا أغنياء أو فقراء ، ولا أعلم تحديداَ هل أخذن بتوصيتها أم لا ولكننى أجزم بأنهن لم يفعلن ذلك كوننا نرى بعلولتنا تمارس علينا الويكة تلو الويكة بدون أى تغيير يذكر فى صحتنا وصحة أولادنا ويمكن بقت عندنا شوية كعوجة فى المشى جراء هذه الأكلة .
طبعاَ الإعداد العام واحد فى كل الحالات وهو تحمير البصل فى الزيت كأول خطوة ، ولكن المفارقات تأتى بعد ذلك ، ففى بلدنا ولإنعدام اللحوم الطازجة فإنها تعد بالشرموط ( والشرموط هذا يا بنات هذا الجيل هو أن ينشف اللحم بعد تقطيعه على شكل شرائح ومن ثم تمليحه وتعليقه فى الواير ( حبل الغسيل ) حتى تضربه الشمس لمدة يومان ولابد أن يلف بقماش خفيف وهو معلق هنالك خوفاَ من هجمات الصقور ( السوقرى ) ومن ثم الإحتفاظ به فى حلة تعلق فى الأولير ( معلاقة ) وتتطبخ به الطبائخ بعد ذلك ، ويمكنك إعتبار أن هذا يماثل الماجى حالياَ وقد كثر إستعماله فى البلد بدلاَ عن الشرموط وهو من نتاج المغتربين الذين يكدسونه لأمهاتهم وزوجاتهم عند كل حضور للبلد ، ولكن فى بلدنا أيضاَ هنالك من يطبخونها بدون لحم أو شرموط أو ماجى وهم من المعوزين بعض الشىء ، فقط تحمير البصل ومن ثم دلق الماء عليه حتى يفور وتضرب الويكة بعد ذلك جاهزة للأكل ومثل هذا يكون واضحاَ من شكل الويكة وطعمها كذلك التى لو لم أكن مخطئاَ تسمى الفِتين تيتا فى هذه الحالة .
أما فى المدن فإن لهم عدة خيارات فإما أن تطبخ باللحم الطازج مفروداَ أو مفروماَ إن كانت الأسرة مقتدرة - ويقولون أنك إن طبختها بالعِكَوْ فإنها عز الطلب ( ولمن لا يعرف العكو فإنه لحم الزنب وما أطعمه ويعرفونه أهل الليل كثيراَ ) أو يطبخونها بالماجى عندغالبية الناس ، طبعاَ بعد كده زيها وزى بقية الطبخات يقلب اللحم حتى يأخذ رائحة البصل والزيت ومن ثم يكسر بقليل من الماء وتتضرب الويكة فيها ، وتتوقف كمية الويكة على نوعية الطبخة التى تريدها فكلما كانت الكمية زائدة كلما كانت الويكة تقيلة والعكس صحيح .
الغريب أن ناس الخرطوم يدلعون هذه الويكة ويسمونها إم رقيقة ولا أعرف تحديداَ لماذا سميت بهذا الأسم الغريب ، يمكن لأنها تنزل رقيقاَ فى الحلقوم بدون أن تناوش جدار البلعوم زى ما بيعمل شوك السمك أو جنبات بعض العظم ، ويدلعونها أكثر ويقولون لها التحلية وهذه من غرائب الأمور لدى السودانيين ، مجرد ما يجيبوا الصفرة يقوموا يختوا صحن الأم رقيقة بعيد ولمن تقول ليهم ده شنو يقولوا ليك ما دى التحلية ، يعنى تاكل ما لز وطاب لك من الأكل وتجى تحلى بالويكة .. عجبى !!!!
وأصل الويكة طبعاَ المفروض يكون معروف لديكم حيث هو ذلك الخضار المسمى بالبامية التى تطبخ كإدام من أجود الإدامات أو يمكن عمل التربى جاوا ، وهذين الإثنين لابد أن تكون البامية طازجة ، ولكن البامية التى تعمل منها الويكة مختلفة شوية من البامية التى يطبخونها ، فهذه تكون حباتها صغيرة أما تلك فحباتها تكون طويلة ولا تنفع إلا فى عمل البامية المفروكة أو تنشيفها وطحنها لعمل الويكة التى نتحدث عنها ، ولقطف حبات البامية من نباتها له بروتوكول معين حيث أنك لا بد وأن تلبس شيئاَ فى يدك حيث بها شوك صغير وكذلك فى ساقها ، طبعاَ لا نريد أن نأخدكم فى كيفية إعداد التربى جاوا إن كان مفروكاَ أو مطبوخاَ حيث أن هذه قصة أخرى سنحكيها يوماَ ما .
دمتم فى رعاية الله ،،
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
شىء من النوقرى ( البيوت ) -1
تجمهر الخلق فى صباح ذلك اليوم فى منزل حجى محمد ، الرجال إفترشوا ظلال شجرتى النيم بعضهم أرضاَ وبعضهم فى بروش رصت بعناية ، هييى مسكاكجيلو ؟؟ كل من يأتى يرمى هذا الكلام ويجلس مع قرنائه ، الشباب دائماَ يكونوا فى الأطراف حيث يتجازبون أعزب الأحاديث ويراجعون أحدثيات الأمس فى كل شىء ، هذا يصعط وهذا يقمش وهذا ينكت وهذا يشاغب وهذا ينادى وهذا يهادى ، وهم هكذا أتى إبن ذلك الرجل يجرجر خروفاَ ماكناَ خلفه حيث توقف به على مقربة منهم ، وظهر فضل شبلول خارجاَ من الباب الشرقى والذى يسمونه ( بابين سِرِى ، ولا نعلم ماهو سريته ) حاملاَ فى يديه سكيناَ وساطوراَ .
ولكنه تحت دهشتى أخذ الخروف إلى مكان ليس ببعيد من مكاننا هذا ، حيث تقف هنالك جمهرة من النساء والرجال وبعض الطُلبجية والطيانة منهم من نعرفهم ومنهم من لا نعرفهم ولكنى أعرف ذلك الأسمر الرشيق الذى يشير بيديه لوضع ذلك الخيط عند ذلك الركن وخلط ذاك الطين بماء يغرف بجوزٍ من حوض قريب ، إنه عبدالله زايد الأسطى الذى يضاهى أجعص المهندسين فى بناء المنازل إنه من قرية حميد القريبة .
وقف فضل شبلول بجانب حفرة هنالك وأجهز على الخروف تماماَ بجانب تلك الحفرة مع رفع التكبير بصوت عالٍ ، هنا أطلقت فاطمة ( أوناتى ) وصاحباتها زغرودة جلجلت فى سماء جكعين ودان سمعها فى الحلال المجاورة ، إذن إنه يوم الكرامة ، كرامة وضع أساس منزل أبن حجى محمد ، وعرفنا ذلك من التهانى التى إنهالت عليه من كل صوب .
أخذ الخروف مزبوحاَ بعد ذلك لنفس مكاننا الذى نجلس فيه وعلق فى شجر النيم بعد أن أمرنا فضل شبلول بإحضار حبل وتولوق وإبريق وصوانى وهى إدوات تقطيع وتكسير اللحم ، وإرسل ذلك المسكين إلى البحر لغسل الكرشة من فضلاتها مع تزكيره بنظافة تلابيب الكرشة ( نوق نوق ) ، وبعد أن ضربت أنوفنا رائحة الشواء واللحم المحمر والإيسى فقد تجهزنا للخمج بعد الدعوات المعهودة التى تسبق ذلك ، اللهم أجعله بيتاَ مباركاَ ، اللهم أبعد عنه الجن والشيطان ، اللهم إحفظ أهله من كل سوء .....وهكذا من الأدعيات المأثورة ، طبعاَ كل ده بلغة نوبية رصينة .
هذا هو بالظبط ما كان يحدث عندما يراد الشروع فى بناء منزل فى البلد ، بعض الأوراق البيسطة من شيخ القرية ممهورة من مجلس عبرى ومن ثم التفاوض مع بناءٍ معروف حيث كان أسطجية البناء يعدون على أصابع اليد ، وعليك بتحديد منزل قريب غير مسكون ( فاضى ) لتسكين الأسطة والطيانة ، والأسطجية هم من يحضرون الطيانة ( صبى طلبة ، وإستأذن هنا من العضو الرائع طارق جبريل فى إستعمال جملته هذه ) بمعرفتهم والذين يقومون بكافة الأعمال من حفر حوض للماء وتكويم التراب الذى يستخرج من هذا الحوض الذى يعتبر المادة الرئيسية للبناء وثم الإشراف على ملىء الحوض يومياَ بالماء الذى يعمل به عجين الطين ( الأركى ) الذى يجهز فى مكان يسمى ( أركى كول ، وترجمتها حفرة الطين على وزن حفرة الدخان ) ثم نقل العجين بعربة خشبية يسمونها العربية (وبلغتنا الأربية ) وهى على شكل حرف كابيتال إتش يحملها عاملين بعد ملئها بالطين ، يدخل أحدهم بين ريشتى الأتش التحت والآخر بين ريشتى الأتش الفوق وما بينهما دكة العربة التى يضعوا فيها العجين ، وأرجو أن لا تعتقد بأن كل من هب ودب يستطيع السير بهذه العربة وهى محملة بالطين ، لابد أن تكون قوى العضلات ، سريع الحركة ، شديد الأحتمال مع ضبط حركة الرجلين مع بعضها البعض تماماَ مثل ناس الجيش أو البوليس فى العروض العسكرية وإلا فإن الطين مكبوب لا محالة قبل أن يصل مبتغاه .
كثيرون كانوا يعتقدون بأنهم يستطيعون البناء وأنا منهم ، ولم يكن يروا فيه إلا رص الطين فوق الطين ، ولكن عندما كنت تمارسه إنشاء الله فى بناء حمام صغير يطلع شىء أقرب إلى متوازى مكعوج الأضلاع ، أو يتميز أحد الحيطان بالبوجا فيلاد ( والبوجا فيلاد هو ما يشبه بطن النساء عند الحمل ) فلذا لزاماَ عليك أن تترك الأمر لأصحابه على غرار المثل الشعبى ( أترك الخبز لخبازه حتى لو أكل نصفه ) ، وكان أشهر البنائين فى منطقنا هم :
- عبدالله زايد من حميد
- محمد عثمان يونس من حميد
- همد توفيلى من ابوراقة
- مصطفى المنصورى من أبوراقة
- سليمان دودة من إبوراقة
- عبدالنبى من نلوة
- و واحد من جنس لا أذكر إسمه حاليا َ وهو من بنى مسجد نلوتى الكبير وقد مارسنا أعمال الطيانة على يديه ، وقد أخرج لنا مسجداَ فى تحفة معمارية رائعة .
وإلى الحلقة القادمة .
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
شىء من النوقرى ( البيوت ) -2
كنا قد توقفنا عند أهم البنائين فى منطقتنا والآن دعننا نتحدث شيئاَ عن أدوات الأسطة فى بناء المنازل .
إن الأدوات المستعملة فى البناء فى بلادنا قليلة وليست معقدة وكلها محلية الصنع والفكرة ولن تجد فيها إلا أشياءاَ لا تذكر من واردات الخرطوم ، ولا يدخل فيها جاز ولا بنزين ولا شىء من ذلك القبيل ، المسطرينة وهى الأداة الرئيسية التى يعول عليها الأسطة بالإضافة إلى يده فى فرش الطين وتسويته ، وكذلك فإنها تساعده على إلتقاط الطين الذى يتم تدويره من العمال مثل الكورة ومن ثم يقذفونه للأسطى الذى يقبضه مثلما يقبض حارس المرمى الكرة ( ويسمى ذلك بلغتنا أركين هاباد ) ، وكذلك من الأدوات الهامة هنا خيط طويل ( كنا نسميه الدوبارة ، ولا نعلم إن كان هذا عربياَ أم نوبياَ ) مع وتدين صغيرين أحدهما يغرس فى بداية السارّى والأخر فى نهايته ، ومهمة هذا الخيط هو معرفة إستواء هذا الصف ( السارّى ) الذى يعمل فيه الأسطة حالياَ مع الصف الأسفل الذى أنتهى منه الأسطة قبل أيام ( والصف هنا يا جماعة بمثابة الطوب أو البولوك فى البنايات الحديثة ) .
وهنا لا بد من الأشارة إلى ملاحظة هامة جداَ وهى أنك لا يمكن أن تعمل صفين فى يوم واحد مثل ما يمكن أن تفعل فى حالة البناء بالطوب أو البولوك ، حيث لابد أن ينشف الصف الأسفل أولاَ وبعد ذلك تبنى صفاَ فوقه بعد يوم أو يومين إذا كان الوقت صيفاَ وأكثر من ذلك إذا كان الوقت شتاءاَ ، لذا فإن بناء المنازل فى بلادنا كان يأخذ وقتاَ أكبر لهذا السبب ، وكذلك من الأدوات الهامة ميزان الموية ويستعمل فى معرفة إستواء سطح الصف ، هذه هى كل أدوات البناء فى بلادنا وليس أى شىء أخر " وقد كنت قد حدثتكم عن العربية فى الشذرة السابقة ، الآن هل علمت بأن كل أمورنا بسيطة وميسرة وفى متناول أى شخص ؟؟ كل ما علينا عمله وذلك بمساعدة الأسطة هو التأكد بأن هذا الطين ( الأركى ) الذى سنبنى به المنزل من النوعية الجيدة وخالى من الجادّى ( العطرون ) الذى لا يصلح أبداَ فى البناء إذا كان مخلوطاَ به .
يستمر البناء هكذا حتى الوصول إلى مستوى الأرتفاع الذى تريده لسقفك عندما نتحدث عن الغرف ( الأوض ) أو حتى مستوى الكارمانقى ( تلك السبعة تمانية التى تراها فى كل البيوت النوبية ) للأسوار الفاصلة بين سامينتو الرجال وسامينتو النساء ، طبعاَ هنالك فنيات بسيطة عند إنهاء حيطان البولو وبرندة البولو وكذلك الشبابيك الداخلية للقصر ( الديوان ) حيث هنالك شىء إسمه ( القبوة ) وأظنها تحمل نفس الأسم بالعربى وهى تلك الفتحات الكبيرة التى تتنهى فى جزئها الأعلى بشكل قوس ، وأيضاَ لابد أن يراعى الأسطة ( الهاتابا كيد ) وهى أحجار كبيرة تعلو فتحات الأبواب والشبابك لابد من وضعها هنالك قبل مرور الصف ( السارّى ) بذلك المكان ، وهنا تحضرنى طرفة جميلة ، ففى يوم دخلة أحدهم هنالك وعندما أصبحا لوحدهم بعد قفل الباب فقد نطت العروس وتشعلقت سريعاَ فى التودى حتى وصلت الهاتبا كيد ورفضت النزول بتاتاَ وطبعاَ مع الصراخ المتواصل ، وقد كان أن أتى عمها وأسمعها كلاماَ قوياَ حتى نزلت من هنالك ، ولا أعرف ماذا تم بعد ذلك .
عند هذه المرحلة فإن على الأسطة أن يترجل من أعلى المبنى إيزاناَ بإنتهاء عمله ويعطى له بقية حسابه حتى يبحث له عن رزق آخر ، أما صبى البنائين فعليهم كذلك غسل أرجلهم وأياديهم من الطين وأخذ بقية ممتلكاتهم من محل إقامتهم والسفر إلى أهاليهم .
الآن ماذا تبقى لنا لنسكن فى هذا المنزل العامر ؟؟ تبقى لنا تعريشه ( الدوكسيد ) وهذا بروتوكول سنتحدث عنه بالتفصيل وكذلك تلييس حيطانه ( الكاساد ) وهذا أيضاَ سنتحدث عنه بالتفصيل ، وأخيراَ تركيب الأبواب والشبابيك ، وبعد ذلك بسلامتك تنقل عفشك إليه وتسكنه بالصحة والعافية .
وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
شىء من النوقرى ( البيوت ) - 3
قبل حوالى الأسبوعين وتحديداَ فى النوقرى 2 إنتهى عمنا الأسطة عبدالله زايد من بناء ذلك المنزل وقبض فلوسه وزهب إلى حال سبيله ، الآن على صاحب المنزل أن يجهز نفسه فى تعريش البيت ، وأنا هنا عندما أقول تعريش يعنى تعريش مش كام لوح زنك فى أوضتين خلف خلاف كما نفعل فى الخرطوم ، الآن لديك حولى 8 غرف نوم 6 فى 6 وفى رواية أخرى 6 فى عشرة ، ولديك القصر ( الديوان ) 8 فى 15 ، ولديك قصرين تاون أودا ، ولديك البولو وبرندته ، ولديك المطبخ ( القوشامبى وفى رواية أخرى التوكول ) ولديك قربادين نوق ، عليك بتعريش هذا كله ، فكيف لنا ذلك ؟؟
بدءاَ إذا كنت من أصحاب نخيل كثيرة فعليك أن تبدأ فى قطع الجريد ( كوسين قوراد ) من هنالك فوراَ حيث يأخذ ذلك وقتاَ كبيراَ مع ما يصاحبه من تنظيف الشوك منه ، وكذلك ربط كل خمسة وعشرين حبة منه فى ربطة ، وكذلك نقله إلى البحر لتنقيعه هنالك لقرابة خمسة أيام لإكسابه بعض الطول والحجم والمتانة والإستواء ، ويمكنك هنا أن تنقله إلى ذلك الحوض الذى أنشىء بجانب المنزل لغرض البناء إذا كان البحر بعيداَ أو إذا اردت أن يكون الجريد قريباَ من مكان التعريش ( الدوكساد ) ، وكذلك عليك بعد إخراجه من البحر أو الحوض وبعد تنشيفه أن تزيل السعف ( كوسين أوكى ، والتسمية غريبة على كل حال فالترجمة هى أزن الجريد ) من الجريد والذى له إستعمال هام جداَ بعد الإنتهاء من الدوكساد وسنخبركم به فى حينه ، وعليك بأن تزيل مؤخرة الجريد زى شبرين كده لأنها بتكون ملوية ولا تنعدل أبداَ ( مثل زيل الكلب ) وهذه أيضاَ تستعمل كوقود فيما بعد ، ولك أن تعلم أعزائى بأن قطع الجريد من النخل له فائدتين ، الفائدة الأولى هى حوجتك لهذا الجريد الذى هو المادة الرئيسية فى التعريش ( الدوكساد ) ، والفائدة الثانية هى أنك بذلك تشذب أعلى النخل حتى لا يصبح ( هوشوشاَ ) ويصبح بذلك عصياَ على الحاصدين ولؤلئك الذين يمارسون القولين دولاد فى وقت حش البلح ، طبعاَ كل ذلك إذا كنت أنت من تمارس قطع الجريد أما إذا إستعنت بأحدهم فى قطع الجريد لك فعليك أن تتنازل عن نصف كمية الجريد المقطوع لقاطعه حيث أن هذا هو العرف السائد فى البلد آنذاك ( ولا نعلم إن كان ذلك سائداَ حالياَ ) ، إما إذا لم تكن لديك نخيل كافية تمكنك من توفير الجريد اللازم للدوكسيد فما عليك إلا كشكشة جيبك لشراء رُبط الجريد من أناس آخرين ، وحين ذاك عليك وعلى الذين يساعدوك فى نقل ذلك الجريد المخزن منذ وقت طويل الحرص الشديد لأنها تكون مأوى آمنة للثعابين والعقارب والفئران .
هذا ما كان من أمر الجريد ، وبعد أن تم تأمينه عليك أن تهيم على رجليك فى جميع الفينتين تو إن كان فى قريتك أو فى القرى المجاورة وذلك للبحث عن النخلات الواقعة ( فينتى ناددافييه ) وذلك لتأمين الأمبو ، حيث أن الأمبو هو المادة الرئسية الثانية فى التعريش ( الدوكساد ) فى بلادنا ، هذا الأمبو هو بمثابة أخشاب المورينو ( العرًاضات ) فى تعريش بيوت الخرطوم والذى يثبتون فيه الزنك ، نحن هنا نثبت جرايد النخيل فوق هذا الأمبو ، ولك ان تعلم بأن هنالك أمبو رئيسى ويؤتى به كاملاَ بعد تنظيفه من الأمباجات والأشمان ليكون العارض الأساسى والرئيسى فى سقف الغرفة ( ونقول للسقف بلغتنا الدامبى ) ويُمَدُ بعرض الغرفة من منتصفه ، ولاتنسى أن تضع بعض الأحجار الكبيرة تحته بعد رفعه فى الدامبى لمنع حشرة الأرضة من أتخاذه مسكناَ له مما يعرض سقفك للإنهيار على مر الزمن ، وهنالك أمبوهات فرعية وهذه تؤتى بها بعد شق الأمبو طولياَ إلى أربعة قطعات متساوية والتى تُرصُ هنالك فى السقف طولياَ بوضع أحد أطرافها فى الحيطة والطرف الآخر فى الأمبو الرئيسى . ولك أن تعلم بأنه زماناَ فإن بعض الميسورين كانوا يأتون بقضبان السكة حديد لإستعمالها بدلاَ من الأمبو الرئيسى ومازالت معتلية سقف بعض البيوت فى بلادنا إلى يومنا هذا ولا نعلم من أين وكيف أتو بها فى بلادنا ، إحدى الأساطير تقول بأنها تلك القضبان التى إستعملت كسكك حديدية لقطار كتشنر والتى كانت تمر بمنطقتنا فى يوم من الأيام والتى مازال بعض آثارها موجود حتى الآن ويمكن لمسافرى البر الغربى ملاحظته أثناء سفرهم من بلادنا إلى حلفا ، نسيت أن أقول لكم بأنك إذا كنت تملك الأمبو فبها وكفى الله المؤمنين القتال ، أما إذا لم تكن تملك نخلاَ واقعاَ فعليك بشراء الأمبو من أصحابها ، ولذلك فإن معظم الناس بعد أن يقع النخل وبعد أن يضربوا الهانقو بتاعه ويجردونه من جريده وكل ما يمكن الأستفادة منه فإنهم يتركونه هكذا إلى أن يحين موعد إستعماله إن كان لنفسه أو لبيعه لآخرين ، الآن فإن سقفنا أصبح جاهزاَ بالعراضات الطولية والعرضية منتظرين يوم الدوكساد ( وهو يوم التعريش ) .
وإلى الحلقة القادمة إنشاء الله .
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
شىء من النوقرى ( البيوت ) -4
كنت قد تركتم هنالك عندما جهزنا جميع السقوف ( الدامبيات ) لجميع الغرف بالأمبو إنتظاراَ ليوم الدوكساد ،،
ها قد تم تحديد يوم الدوكسيد ( التعريش ) سيكون بإذن الله يوم غدٍ ، وأرسل الولد لإخبار ناس جكعين تاون مار و دورون مار وكذلك لبعض العارفين والمنظرين من ناس أورميتة وكنج وسناد وونيسين وأجمعين وحلتى العرب الغربية والشرقية ، وأرجو أن لا يعتقد الناس بأن هذا الجمع سيأتوا للتعريش الذى يأخذ يوماَ كاملاَ بمقابل مادى لا سمح الله ، فإن مثل هذا العمل الجماعى التطوعى المجانى فى بلدنا يسمى " الفيسا " ( وبالعربى هو الفزعة ) ويؤسفنى أن أعبر هنا بأن الفيسا قد إنتهى فى بلدنا حالياَ وأى عمل أصبح بالفلوس ، وبعد رجوعه من دعوة الناس فإنه كلف مع أصحابه من ناس الحلة بعمل شىء هام جداَ كان سيضيع على الناس وقتاَ كبيراَ فى يوم التعريش ، وهو لف السلك فى بكرة من جريد ( زى بكرة الخياطة ) وهذا السلك هو المادة الرئيسية الثالثة فى الدوكساد وهو الذى يقال عليه " سلك التربيط " وحقيقة فهو إسم على مسمى حيث ينسج به الجريد مع بعضه البعض هنال فى الدامبى فى عمل فنى رائع ، والآن قاموا بلف حوالى مائتى بكرة من السلك وأصبح جاهزاَ ليوم غد ، ماذا تيقى يا ناس ؟؟ أها عليهم بالسلم الذى سيطلع وينزل به الناس من وإلى الدامبى وقد أتو به من منزل جمعة سرور ، ثم ماذا تبقى ؟؟ تبقت الحبال التى سيرفعوا بها ربطة الجريد الجاهز ( كوسين أور ) إلى الدامبى فأتوا بها من منزل آبا ميمى .
حركة دؤوبة فى صباحيات هذا اليوم الذى ستباشر فيه عملية الدوكسيد ، لقد تكرر نفس المشهد الذى رأيناه عند وضع أساس المنزل من اللمة من صباح الرحمن إلى الزبيحة التى قام بها فضل شبلول إلى حركة دؤوبة فى القوشامبى لعمل الأيسى والإيدويرات ليكون جاهزاَ للغداء والتركينج والقراريص والأبصال والشطوط ليكون جاهزاَ للفطور والذى سنخمجه بعد أن نكون قد عرشنا كذا أوضة ، الآن حركة كبيرة فى الدامبى وحركة كبيرة فى الأسفل ، تتكون مجموعات حسب الناس الموجودين وكل مجموعة تتكون من حوالى 8 أشخاص لتأخذ كل مجموعة سقف غرفة من الغرف ، وكل مجموعة لديها مساعدين إثنين فى السقف ومساعدين أثنين فى الأرض لمناولة الجريد والأسلاك ، كما أن لكل مجموعة ملاحظ متمرس وزو خبرة ( مراقب عمال ) يقف فى داخل الغرفة بالأسفل حتى يوجههم إن إنحرف أحدهم من الخط المستقيم الذى رسم له فى خياطة الجريد بالسلك الذى بيده ، ووووو ميد ديفى كديكا إيونانق .... وووو رجب كديكا كوندونانق ( يا هذا قليلاَ للشمال ويا هذا قليلاَ للجنوب ) لأن أى تشويه فى الخياطة يؤثر فى منظر السقف بداخل الغرفة عند السكن ، وبما أن شمس الصباح أحر من شمس العصر فإن الدوكساد يبدأ دائماَ من الشرق للغرب لتعطى الشمس ظهرك .
والآن لقد أمرنا ميرغنى بأن ينزل الكل من الدامبى وذلك لتعاطى الفطور والذى قلنا أنه من التركينج الخالص ، كل تحلق فى صينيته وكل أخذ فص بصل ( فيلين قانقار ) ويهوى به فى البرش الذى يجلسون عليه ليفتفته إلى قطعات يسهل خمجها ( ولا إدرى لماذا لم نكن نريد تقطيعه بالسكين ) ، وبعده كوّع بعض من كبار السن فى نفس بروشهم إنتظاراَ للشاى الذى يشربونه سريعاَ ليطلعوا مرة أخرى إلى الدامبى ليواصل كل من المكان الذى وقف فيه ، ويستمر الحال هكذا حتى حدود العصر حيث يكون كامل البيت وبجميع غرفه وبرنداته وقصره قد إكتمل عرشه تماماَ ، وعندها ينزلون من هنالك ويتعاطون الغداء فى نفس مكان الفطور بالأيسى والإتر ديسى ويقيل من يقيل هنالك ويذهب من أراد إلى منزله .
وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شذرات ماهرية ( من عُمق التراث النوبى ) (Re: Mahir Mohammed Salih)
|
شىء من النوقرى ( البيوت ) - 5
الآن فقد أصبح بيتنا جاهزاَ من حيث البناء والدوقسد وقد تبقى أشياء بسيطة حتى يصبح جاهزاَ للسكن بإذن الله ، فقد تبقى لنا الآتى :
1- دامبين كاساد ( لياسة السقف )
2- نوقين كاساد ( لياسة حيطان البيت )
3- سامينتود كاساد ( لياسة الحيشان )
4- تركيب الأبواب والشبابيك
5- أثاث المنزل
دامبين كاساد :
أتزكرون ذلك الكوسين أووكى الذى كومناه بجانب المنزل عندما كنا فى مرحلة التجهيز للدوكساد ؟؟ حيث نظفنا الجريد منه ( ويقال على تلك العملية كوسين كارانجاد ) وقلنا لكم أننا سنستعمله مرة أخرى عند مرحة الكاساد ، أها فقد أتى وقته الآن تماماَ ، أها ما تعتقدوا بأننا عندما أنهينا الدوكساد أن مرحلة التعريش قد إنتهى تماماَ ، حيث أنه لا يعوق ضوء الشمس من زيارة الغرف من تلك الفتحات التى بين الجريد والآخر ، وكذلك فإنه لا يعوق مياه الأمطار من إغراق الغرف إذا هطلت يوماَ ما ( رغم أن بلادنا من دون خلق الله لا يغشاها المطر إلا مصادفة وفى أى موسم يشاء ) وكذلك فإنه لا يعوق التراب من التسلل إلى داخل الغرف ويعمل فى الأثاث فساداَ .
أها فماذا نفعل حيال هذه المشكلة العويصة ،، الحل بسيط جداَ ، فإننا نعمل على لياسة السقف بعد التعريش وبعد أن نضع ذلك الكوسين أووكى كساندوتش بين العرش الجريدى وبين مادة اللياسة وهى الطين المخلوط بالسييتى ( التبن - وهو من مخلفات النورج الذى إستعملناه فى نظافة القمح ) ويمكننا أن نقول أيضاَ بأن ذلك الكوسين أوكى الذى فرشناه فوق الجريد وغطيناه بالطين يلعب دوراَ رئيساَ آخر فهو مادة عازلة للحرارة وكذلك للبرودة لذا فإننا لا نحتاج إلى مراوح ومكيفات فى غرفنا هنالك ، وكذلك فإن الكوسين أوكى يلعب دوراَ رئيسياَ فى عدم نزول الطين الذى يستعمل فى لياسة السقف بين فتحات الجريد حيث يشوه منظر السقف بالداخل ، وبما أن وزنه خفيف كالريشة فإنه يربط على شكل بقج كبيرة وترفع بحبال إلى الدامبى ( السقف ) ويفرش فوق الجريد بحجم معقول حتى يكفى فى تغطية كافة سقف الغرف التى قلنا أنها أكبر من حجم ميدان كورة .
أها ، أتزكروا تلك الحفرة التى جهزناها خارج المنزل عندما كنا فى بداية بناء المنزل لعمل خلطة العجين التى كنا نبنى بها البيت والذى سميناه فى حينه بـ ( أركين كول ) ؟؟ فإننا سنستعمل نفس الحفرة فى خلط العجين المكون من الطين والسييتى ( التبن ) والذى سيفرش فوق الكوسين أووكى هنالك فى السقف ، وقد يقول قائل هنا : فما هى فائدة السييتى ؟؟ فائدة السيتى عندما يخلط مع الطين فإنه يعطيه الصلابة اللازمة حتى تستحمل ضربات الرياح الشديدة التى تغشانا هناك من وقت لآخر والذى يتسبب فى قلع العروش وكذلك حتى لا تذوب الطين إن كان وحده هناك جراء الأمطار ، لذا فيمكنك إعتباره إسمنت بلدنا الذى يتحدى إسمنت عطبرة ، يخلط ذلك العجين هنالك وتؤخد بجرادل ذات يد إلى الدامبى عن طريق الحبال وتفرش هنالك بعناية فائقة ومن ثم تسويته بالمسطرينه حتى لا يكون عالى واطى ويخرب المنظر للذى يطالعه من سقف نخلة أو من سقف الجار ، بعضهم كان يعمل حاجة إسمها بربخ وهو معمول من الصفيح ويركب فى أعلى الدامبى حتى يساعد فى تصريف مياه الأمطار من السقف إلى الآرض بعيداَ عن الحيطان ( وهذا البربخ أيضاَ له إستعمال آخر سنتحدث عنه عندما نأتى إلى يوميات مزارع فى البلد حيث يستعمل هنالك فى غرض آخر أيضاَ ) .
أعزائى الآن فإن سقفنا أصبح جاهزاَ وليس هنالك أى شىء يدعونا أن ننط فى الدامبى مرة أخرى ويمكنك الآن إن كنت مستعجلاَ أن تستعمل غرف منزلك متى ما شئت ليلاَ أو فى القيلولة .
وإلى الحلقة القادمة إنشاء الله
ماهر محمد صالح
| |
|
|
|
|
|
|
| |
ابو جهينة
فيصل محمد خليل
خضر حسين خليل
mohmed khalail
GamarBoBa
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست