دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد
|
ونحن في عهد الطلب وحمية البحث عن المعرفة كان يهومّ بنا أستاذي ومن رسم لنا خارطة طريق المعرفة وكيف تؤتي من رقابها.. دكتور حسن عباس صبحي :رحمه الله واحسن اليه كان يشحذ الهمم للبحث والمعرفة ... يفتح بصائرنا ... يقوي ذائقتنا للأدب الراقي ويوفز ويحفزّ عقولنا لدرر كوامن في عمق واقع أدبنا الشعبي ... ويا مرحى به وهو ينفعل ويترنم بروائع الشعر السوداني وعيونه: أم بادر والناصر قريب الله ... ومسدار الصيد ( كان يعد الحاردلو من أبكار حماة البيئة قبل تنطع الفرنجة ) يسمق ويسمو وهو يشدو ب : الشمّ خوخّت بردن ليالي الحرة والبرّاق برق من منة جاب القرة
كنا نفغر فاه الدهشة في كيف يربط لنا بين الثقافة والمجتمع بمثل هذا النوع من الأدب
وأخيرا يقول لنا : أنظروا للطيب صالح من اي المناحي التفت له الغربيون ؟؟ فنرد : من خلال موسم الهجرة وصويحباتها فيرد بصبر الأب : إذن المفتاح للعالمية يبدأ من المحلية وكان وقد كان ولا زالت المحلية هي الطريق المعبد للعالمية وولي شوينكا ... ليوبولد سينغور ( رغم كتابته بلغة القوم) وصاحب الأشياء تتداعي (Things Fall Apart) وغيرهم .... وغيرهم وليس أدلّ علي ذلك من نجيب محفوظ ونوبله وليس ببعيد : ماركيز ... وجورج أمادو ...
القائمة تطول ... ما دعاني لهذه المقدمة هو : خبر أفرحني وهزني من أعماقي خبر اختيارقصة ( حمار الواعظ)من قبل بروفسور وأستاذ جامعي فرنسي (خافيير لوفين) هذا البروف سبق ان ترجم للدكتوراة نوال السعداوي هذه القصة نشرت في مجموعة ( آلام ظهر حادة) معها 12 قصة اخري ولكنها تمتاز بسودانوية بطلها ( الحمار) هذه القصة على لسان حمار يحكي عن حكاوي وملابسات وفتاوي الشيخ جادالله من نواحي النيل الأزرق يعري الحمار سيرة سريرة الواعظ في اهماله وضربه له وفعائله التي يقوم بها بعيدا عن الأعين وقد كتب عنها الأستاذ صديق محيسي كتابة نقدية عن كامل المجموعة وبتركيز على حمار الواعظ في موقع :sudanforall.org
هذا الكرم الله المولع بريفنا وبأشيائنا الحميمة الصميمة هو ليس مجنون يا خالد عويس نحن المجانين إن لم نلتفت اليه ونوفيه حقه من التبجيل والتقريظ وإنحناءات التقدير
هذا الخبر يؤكد ما قاله أستاذي من قبل فايا أخوتي فلنحتفي به ولنفرد له حيزا من الإبداع من خلال تناول ما كتب وما سيكتب بعيدا عن الأكليشيهات المعلبة ( واصل فقد حجزت مقعدي و... فقط على سبيل الاعجاب ... لي عودة ....الخ) هذه لا تخلق كاتب ولا تبرئه من عيوب قد لا ينتبه لها وهذا بدوره يقودني إلي تسآول ممض فحواه : حتام اكتشاف مبدعينا قمين بدهشة الأجنبي ؟؟ إلى متي ننتظر (الخواجة ) ليتفضل ويشير بسبباته إلى أديب مبدع فننتبه له ونقيم الدنيا ولا نقعدها .؟؟؟ رغم أن عيون الأجنبي لا تخطيء ما هو ابداع أين حركة النقد لتناول مثل هذه النصوص المبدعة بالبحث وإعمال أدوات المعرفة النقدية فيها لنجلوها للعالمين ؟؟ بقدر فرحي وغبطتي لصديقي كرم الله بقدر لومي لنقادنا في مثل هذا التقصير غير المقصود
عليه هذه احتفائية علها تواسي ما فرطنا فيه
ويا خالد عويس ...محسن خالد... كمال على الزين ... وكثر لم أتعمقهم يعج بهم هذا الفضاء أبدعوا فحتما الانصاف قادم نحوكم
ويا صديقي تمسك بقريتك وبزير الموية (ونقاطه) وبكل ما هو حميمي ومن صميم عشقك الذي أعرف لهذه المنحنيات والدروب ومعرفتي به أنه لا يخون مكوناته القروية وتمسكه بها لخلق عوالمه الابداعية من خلال ذاكرة مترعة بهذه النواحي التي تملأ اقطاب الروح وتمسك بتلابيب الروح ورائحة الطمي وكلبة فاطمة وحمار الواعظ كباية شاي وحتى العاب الاطفال من خلال سرد وقائع لمته واخوته حول الشاي وانعكاس الظلال وما تخلقه في نفس الصبي المبدع فتأتي ( البراد فوق الكعبة)
رسالة جانبية: الأستاذة : سلمى صبحي انفضي الغبار عن طائر الليل وأخواتها ولي عودات
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: فضيلي جماع)
|
أستاذي وتاج رأسي الأستاذ : فضيلي جماع
هذا شرف كبير أن تشرف هذا البوست فقد كانت أشعارك ولا زالت هي مزاميرنا التي نتغنى بها ونحن يفع وها قاربنا الاكتهال ولا زلنا نجدها طازجة بأفانين الابداع ولا زالت هي ما يلطف هجير غربتنا وسموم ما يدث في الداخل
ونحن نحتفي بمبدع آخر من مبدعي بلادي
هؤلاء الشباب هم من يمهد الطريق لجيل جديد من الابداع ورسم خارطة لمعالم طريق رغم آلام الحاصل والذي يحدث في بلادنا
لك تقديري وشكري خارج النص: تشرفت في زمن ما بتدريس ابنكم النابه المسؤول نمر علي جماع ولازلنا في تواصل مستمر وهو في ماليزيا وقد زرتهم هناك العام قبل الماضي وتمتعت ( بتقلية الحاجة وكسرتها الما خمج) لك ولهم ودي العاطر وأهلا بك مرة أخرى وكن بعافية الروح بهاء/طوكيو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: Baha Elhadi)
|
اخوي بهاء شكرن جميلا لهذه الأضاءة نحن لا نلمع ولا نهتم بفنانيينا الا اذا !!! نالوا صفقة من بلاط الأدباء في بلاد برة هذا حقيقي وعلينا تغيره هذا مهم ومهم جدا كنا طلبه في المعهد ودار سؤال لماذا نمثل كل المشاهد من المسرح الأجنبي وكانت الأجابة ان وضعت في المنهج مشاهد سودانية بل وصلنا الى ان الدبلوم الصغيرة والكبيرة تكون بها اعمال سودانية لحما ودم كلية الفنون الجميلة لهم رحلات في ربوع السودان يتناولوا فيها بالرسم الموتيفات المحلية وهي التي اوصلتهم الى العالمية القضية فينا.. المسرحيون يعتقدون ان هناك مسرح لم يرتادوه في الوقت ان المسرح السوداني متميز وله تجارب غير مسبوقة شكرن بهاء وانت تفتح ملف الأحتفائية بنصر ادبائنا وفنانينا وعبد الغني احد هولاء الكتاب الذين سوف يبهروا العالم بالجديد عبد الغني الشاب البسيط الهادي ـ خارجيا ـ ولكنه من الداخل يتفجر ابداعا له في الغناء والمديح سلطنة ويهوش هوشة المجذوب امام الجمال وتستحوز الفكرة عليه تماما اقول ليك سر يابهاء هذه الأيام نضع لمخطط لكتابة مسرحية مستقاة من كتاب (( الطبقات )) تأليف عبد الغني كرم الله ومحمد السني كتابة دراماتورجية على نصوص القصص المدونة في الكتاب والتي يقول عنها د. مصطفى المبارك انها من اولى القصص المكتوب في العالم اها ارحع ليك لي زولي جاني عبد الغني وهومندهش ومتحمس ومذهول طفل اكتشف لعبة جديدة (( يازول والله ده شئ عجيب وين ناس الواقعية السحرية وين ناس الفن المتجاوز وووو عارف عبد الغني يجمع ما بين تواضع الصوفية وزهد الصالحين .. لهذا الكتابه عنه فرض ... شكرن بهاء محبة وسلام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: Baha Elhadi)
|
أخوي بهاء
وأنت، هناك، في البلاد التي ترسم كتابتها، وتصنع لنا البكاسي، التي نملح على ظهورها وهي في طريقها لسوق الشيخ، أو تمبول، وعلى ظهرها معاز، وبشر وجداد...
والله أطربني صوتك، وأنت سعيد بحروفي المتواضعة، وشن فايدة الكتابة إن لم تواسي زول في غربتو، لقمة في بطن جائع، خير من بناء ألف جامع، فرح الحقيقي، أفرحني، لأني مشغول بذوات منسية، أبطالي اللذين احبهم، فيهم من لم يرى (البقعة/الخرطوم)، ليوم الناس هذا، وفيهم من ططمم بطنه قزازة الكولا، وفيهم من يضبح غنمايته لأي ضيف طاري نص الليل، وفيهم أحجار، ابطالي احجار وازيار، وكلاب، وخيران، ودروايش، وسواق بكس لسوق الشيخ، وأكياس نايلو، وخوار ذل لبقرة ذبحت، ورائحة طمي تتسلل بهدوء من ضفة النيل عند المغربية، (ياخي شوف ليك موضوع كارب وكبير اكتب عنو، هكذا وبخني بعض الاخوة..
يقول شيخنا العظيم ماركيز، عليك أن تكتب عن (الاشياء التي تحبها،والاشياء التي تعرفها)، وأخوك مهجس بهذه الاشياء، لأني حين اكتب عنها كمن يرسم في كف يده، يرى الخطوط، ويعرف كفه، وسيرتها وسيريرتها، هل سرقت، لامست صدر حبيب، توضأت، داعبت زهرة، أو صفعت خد، أو عزفت على وتر، فهي كفك، معك قبيل الميلاد، ومعك بعد الدفن، أللهم إلا اذا سلط عليها قانون سبتمر83، واجتثها من الكتف.. لسرقة القوت، والكفاف وليس الكماليات المشتهاة..
عميق شكري لعناء اتصالك بالامس، وفي المرات السوابق، وحديثنا الذي لا يجري سوى في المحبة والابداع في بلادي، وتفقد رعية الابداع، وسؤالك اليومي الجميل عن خالد عويس وتلفونه (والله ما معاي تصدق)، وعن كمال الزين السمح،...
لا شك استاذي الجميل الفاضل والمتفرد الشاعر والكاتب الكبير فضيلي جماع، شجعني بصورة تخرج عن التصور، وسوف انزل مقاله، ورسائله لي، فقدكانت جذوة تشتعل فيني، ونقده الاصيل الصادق..
وطبعا بروفيسور لوفين اختار قصة (حمار الواعظ)، مع الاخوة (ساكن، احمد المك، استيلا، رانية، هشام)، وقبل ذلك المخضرم شوقي بدري، والغريبة كل هؤلاء لي معرفة بهم لصيقة، ماعداء المخضرم شوقي بدري، سوى كتاباته، وكتابه المميز’ بتقديم احمدعبدالمكرم (حكاوي ام درمان)...
ولأن القصص كالابناء، فأسعود لم اختار (حمار الواعظ)، من مجموعةتضم 12 قصة...وهي تكاد تصور حياة واعظ في قرية على ضفاف النيل الازرق....
عميق محبتي، اخوي بهاء، على كتاباتك المتفردة، والعميقة، والشاعرية معا، وزي ما قلت في بوست خالد عويس، والله الواحد تأكد له بأننا شعب كتااااااااااااااب، عشان كدة احسن الواحد يقرأ بس، ويقف وراء الضلفة، من سطوة هذه الكتابات الذكية المروحنة..
المحبة الزايدة...
مساء الجمعة/الدوحة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
تجليات الوجود في: "آلام ظهر حادّة"، للقاص :عبدالغني كرم الله "أنسنة" الحيوانات والأشياء ، في الحدث اليومي! بقلم : فضيلي جماع
في السودان اليوم أكثر من تيار في القصة القصيرة والرواية ، يغلب عليها جميعها إنزواء صوت الآيديولوجيا الذي كان السمة الأساسية للتيارات الإبداعية في الفترة بين منتصف الستينات وبداية ثمانينات القرن الماضي. من حيث الشكل واللغة يلاحظ القارئ أن هناك تطوراً نوعياً يأتي كإضافة لما كان في الساحة حتى الثمانينات . وبما أن تجليات الواقع بكل تقلباته السياسية والإقتصادية تمثل أحد أهم شروط إنتاج العمل الإبداعي فإنّ قراءة سريعة لبعض نماذج القصة القصيرة في السودان في العقدين الأخيرين تفصح عن منتج جديد يحمل تفرداً - ليس في الشكل والمضمون فحسب - بل في الصيغ الجمالية للقصة. ونعني بجماليات القصة بعض الصنعة التي تمنح الوسيط اللغوي المحدود حيوية حين تنقله من مجرد كونه ماعوناً للحكاية إلى رؤية جمالية متفردة في عصب البناء القصصي. يصف الكاتب المغربي مصطفى جباري هذه المعادلة بقوله: "إنّ الحكاية وحدها لا تنتج قصة، واللغة وحدها لا تنتج قصة ، لأنهما لا ينتجان رؤية بالمدلول الجمالي للكلمة بمعزل عن الصيغ الفنية والجمالية ، وهذه تأخذ شكل صنعات تنمذج اللغة من خلال بعض الوسائط ، فتنطبع في القصة بناء ومعماراً وإيقاعاً وصورة وتشكيلاً( أصوات وأصداء ندوة في القصة المغربية) ، ص17. ولعل جيلاً جديداً في السودان أتيح له - رغم الإحباط القائم- فرصة التلقي المعرفي بغزارة ، عبر انتشار المطبوعة ووسائط النقل المختلفة من راديو وتلفاز وصحيفة وشبكة الإنترنت وغيرها مما جعل تجربته بنت عصرها ، وجعل إبداعه للقصة القصيرة متفرداً. أكتب اليوم عن صوت جديد في القصة القصيرة السودانية في نسختها العربية..(وأقول نسختها العربية لأن هناك قاصين سودانيين يكتبون بالإنجليزية، مثل: آلفريد تابان ، جمال محجوب و ليلى أبوالعلا وغيرهم). ما زالت القصة السودانية - منذ خليل عبدالله الحاج وملكة الدار محمد والطيب زروق مروراً بالطيب صالح وجيل أبوبكر خالد وعلي المك وعيسى الحلو ، وانتهاء بكتابات بشرى الفاضل واحمد الفضل احمد - ما زالت تعيش مرحلة التجريب بحثا عن شكلها وسمتها الخاص. بين يدي مجموعة قصصية توسمت في كاتبها الموهبة والقدرة على معالجة هذا الجنس الأدبي معالجة لها مذاق مختلف. تحمل المجموعة القصصية عنوان "آلام ظهر حادة" للقاص السوداني الشاب عبدالغني كرم الله. تتوزع المجموعة من حيث الشكل بين القصة القصيرة وبين الأقصوصة بحجمها المتعارف عليه كجنس سردي يتوسط القصة القصيرة والرواية..إضافة إلى ما درج النقدة وبعض الكاتبين على تسميته بالنص، وهي تسمية أقرب للتعريف المبهم لجنس أدبي ليس سرداً قصصيا ً كاملاً. ولعل الكاتب نفسه وجد المتعة في لعبة التجريب ، فلم تتقيد مجموعته بأي من الأنماط الثلاثة المذكورة ضربة لازب. حول إشكالية التجريب يقول نور الدين صدوق: (كل كتابة إبداعية - مهما كان الجنس الذي تنضوي تحته- إن هي في الجوهر سوى تجريب من بين أهدافه الأساسية التميز عن السابق.) "أصوات وأصداء" ، ص83. وبهذا المفهوم فإن من الجائز إدراج العمل الإبداعي عموماً في دائرة المغامرة ؛ فالتجريب هنا محاولة استكشاف للذات وللوجود من حولها. .إذ أنّ الغاية من الكتابة في الغالب هي طرح أسئلة ، ليس بالضرورة أن تتوفر الإجابة لها في الآن والمكان. يقول محمد امنصور من المغرب في هذا المعنى: (إننا نكتب لنطرح سؤآلاَ على الكتابة والوجود. نكتب القصة لنكشف شيئاَ جديدا، تقنية جديدة، علاقة جديدة باللغة ?وذلك متى امتلكنا القدرة على صياغة أسئلة جديدة تسبر عمق وجودنا الإنساني.)- "أصوات وأصداء" - ص78. يصدق هذا الكلام على مشروع النثر (القصة والمسرح والمقالة) ؛ فالكاتب ناثرا مطلوب منه أن يقف على دلالة الكلمة وما تفصح عنه من فكرة. عليه أن يفصح من خلال الكلمات ماذا يريد أن يقول ؟ على عكس الشاعر الذي تبدو الكلمات في عالمه غاية لا أداة وأنها حمالة أوجه. ولعلّ جان بول سارتر أوجز ذلك حين قال: (واللغة للشاعر مخلوق له كيانه المستقل. ولكنها للمتكلم مجال نشاطه حين يستعين بالكلمات التي تمثل وحدة اللغات. .......فهو محوط بمادة اللغة التي لا يكاد يعي سلطانها عليه - وهي بعد ذلك ذات أثر بالغ في عالمه. والشاعر خارج عن نطاق اللغة - يرى الكلمات من جانبها المعكوس - كأنه من غير عالم الناس.) "جان بول سارتر - ما الأدب؟ ترجمة د. محمد غنيمي هلال" ص34- وانطلاقاَ من هذا الفهم لمدلول الكلمة عند القاص تتوقف درجة النجاح أوالفشل في قيمة السرد القصصي. من حيث مواعين الكلام واستخدام المفردة ودلالتها أستطيع أن أقول إن لغة السرد عند عبدالغني كرم الله ثرة وحية . تطفر منها هنا وهناك إشارات ثقافة قرآنية وحكمة للمتصوفة دون تكلف أو حذلقة. ولعل أول ما يلفت نظر القارئ لهذه المجموعة غرابة أبطال قصصها - إذ أنّ معظم "الشخصيات" الرئيسية في هذا العمل ليسوا أشخاصا بشراً!! فالأقصوصة التي حملت المجموعة عنوانها يروي أحداثها نعال..أي نعم "جوز حذاء"..(أنا زوج حذاء رجالي مقاس 42). وهنالك قصة بطلتها أنثى كلب - وأخرى تحكي فيها نسمة لرائحة الطمي تجربتهاكنت على يقين - أنا رائحة الطمي -أنّ السفينة ستتأخر.) ص81 يستعير الوجود في قصص عبدالغني كرم الله النبض الحي للإنسان - أروع مخلوقات هذا الكوكب وأكثرها إبداعاَ. يستنطق كاتبنا الشاب الأشياء العادية في قارعة الطريق ؛ ينفخ فيها روحا وحيوية. الحذاء المدلل داخل "البترينة" يخشى على نفسه أن يرميه حظه العاثر في أصحاب الأرجل الخشنة ؛ يلبسونه ويعبرون به أقذر الأزقة ...هذا - ناهيك عن الرطوبة التي ستتغلغل في عظامي بفضل عرق أرجلهم المشققة - والتي تحشر بداخلي بلا رحمة أو جوارب !) ص8. هذا الحذاء -الذي حملته إحداهن هدية لخطيبها -عاش أسعد اللحظات؛ فكان العين التي ترقب حركات وسكنات المحبوب وهو يسعى خفيفا كالريشة إذ يضرب موعداً مع المحبوبة: ( ولقد لاحظت خفة وزن بني آدم حين يسير مع المحبوب ؛ إنه يكاد يكون بلا وزن? وكأنّ روحه الثملة قد أفنت ثقل جسده ، فيغدو واهناً وكأنه يسير على القمر مثل رواد الفضاء.) ص 13 لكن أيام الدعة والسكون لا تدوم طويلاً للحذاء المسكين..فقد تسلّل إلى الدار سارق (ودخل الغرفة للسطو على شيء ثمين.) فكان الحذاء الموضوع في صندوق ملفوف بورق السولوفان - لكونه هدية الحبيبة - أول ما وقعت عليه يد اللص. ومن ذاك اليوم لم يكن بالمدينة زقاق مترب أو كثير الطين إلا وديس بالحذاء على تربته الرطبة القذرة. وإذ يبلى الحذاء فإن مكانه القمامة أو ركن قصي بالمنزل في أفضل الأحوال..ويصبح مرتعاً للحشرات والآفات: (في ركن قصيّ تمّ إلقائي ? وكأنّي لم استبسل وأدافع بشجاعة عن سعادة وسلامة وجمال الأرجل البشرية، ليس فيّ سنتمتر مربع واحد إلا فيه طعنة شوكة أو ضربة حصى أو شرخ علبة صلصة .) ص34 يتميز قلم عبدالغني كرم الله بالسخرية المريرة من سلبيات ابن آدم التي تصاحبه في قيامه وقعوده فيعتادها الآدمي ويجد لها العذر والتبرير. بل إن بعض تلك العادات البشرية الذميمة تصبح سجناً لبعض الناس حتى تدخلهم تجارب الحياة مآزق ومطبات كانوا في غنى عنها، وسعيد الحظ منهم من أخرجته التجربة من سجنه ، وعتقته من عبودية إدمانه السلبيات ، فيخرج إلى الحياة الرحبة من جديد كما الطفل . يحكي قصة "كلبة فاطمة" طالب فاشل ، لا يجد فرصة للتسلل خلسة من الفصل ومغادرة اليوم الدراسي إلا فعل. لكن الطالب - وهو يتسلل من الحصة الخامسة ذات يوم ليمارس هوايته في تسلق شجرة النيم الضخمة قبالة السوق- يفاجأ بأن ناظر مدرسته المهيب يهرع إلى ذات الشجرة ، ويتسلقها، جالساً على أحد فروعها إلى جواره طالباً النجاة من كلبة فاطمة ! يكثف عبدالغني كرم الله الحدث في هذه القصة - ويشحن التفاصيل الدقيقة بدراما تجعل التوتر عالياً من أول سطر في القصة حتى نهايتها ، فكأنما أريد للسرد أن يجئ ساخناً وسريعاً وغارقاً في الكوميديا كما الأحداث نفسها. فالقصة تبدأ بالذروة - حيث ساق الحظ العاثر ناظر المدرسة المتجهم ، والصارم ليكون طريدة كلبة فاطمة..فيخلع بنهاية القصة خيلاءه الكاذبة ويعود إلى صورة الإنسان فيه ؛ وقد كان قبل ذلك التاريخ شخصاً من طين آخر طين لا يعرف النكتة والحنان ومسح رؤوس الأيتام ، طين لا يعرف الخوف. كانت حياته محسوبة ، عبارة عن معادلة رياضية ، أي تغير في طرف يخل بالطرف الآخر، خطواته ونظراته ، صورة صارمة وبغيضة يقشعر لها جلد وعيون وشنط وخطوات وكراسات الطلاب.) ص51 يعطي الإيقاع السريع هذه القصة نفثاً درامياً عالياً ،فالمسرح (ساحة السوق) وهو يكتظ بالجمهور متعدد السحنات والمهن والأغراض ، يجذبه العرض الفجائي الذي جاء على غير موعد أو إعلان. تطلق الكلبة نباحاً داوياً وسط السوق وقد اختارت فريستها على مرأى من هذا الحشد. ثم تبدأ الكوميديا، ينسى الناظر صرامته ووقاره المصطنع ويعطي قدميه للريح. (وكلما اقتربت الكلبة من رجليه نسي جزءاً من الوجود المحيط ، من الباعة والنساء والشماسة وأهل الحي) ص53. تزداد وتيرة الوصف وروعة السرد صعوداً مع الحدث ، حتى لنشعر في حالات أنّ تكثيف السرد والعناية بالتفاصيل المتتابعة إنما هو جزء من معركة الجري والملاحقة بين كلبة فاطمة وطريدتها ناظر المدرسة الذي يبحث عن طوق نجاة: (أما أهل السوق- فالجائع نسي جوعه ، والحرامي أجّل شغله ، والصعلوك همدت رغبته، فقد تأجل البيع والشراء حتى يتفرجوا عليه ، حتى ينسوا همومهم وغمومهم للحظة صغيرة .) ص53 حررت كلبة فاطمة الناظر من فظاظته وكبريائه الزائف ، وأعادت لساحة المدرسة ضحكات الأطفال ولعبهم دون حذر أو خوف: (لقد خرج من سجنه بسبب الكلبة العجفاء، جنود الله التي لا نراها . لقد غسلته من كل فهم أو عرف قديم صبغ به ، إنه ينظر للحياة نظرة طفل حديث في السبعين من عمره . أما أنا فقد صرت بطل الحكي بالمدرسة . أدركت بأن الناظر مجرد إنسان، يخاف ويحب وينام ، مثلي إن لم يكن أقل مني.) ص61 لعبة التجريب في العمل الإبداعي فضاء مفتوح ، يصعب السيطرة على مجاذيفه. وفي هذه المجموعة جنس إبداعي يستعير شيئاً من طبيعة السرد القصصي وبعض تداعيات الخاطرة. وهو ما اصطلح بعض النقدة على تسميته أحياناً بالنص ، وهي تسمية كما نرى لا تفصح عن دلالة وطبيعة هذا اللون من الكتابة. وعلى سبيل المثال فإن المقطوعات التي حملت عناوين : "الدجاجة أقوى من الأسد" و"أجمل سباق" و"رقص على طبول النسيم" هي أقرب إلى الخواطر وتداعيات الكتابة في لحظة تحرر من قيود الشكل والنمط . إنها محاولات لسبر غور ما في النفس من أمور قد تكون الكتابة الحرة من كل شكل أحياناً أقرب إلى استيعابها، الشيء الذي يجعلها تتأرجح بين السرد القصصى والخاطرة الشخصية. ألفت نظر الكاتب - في ختام هذه القراءة العابرة- إلى بعض المآخذ التي أحدثت بعض الدمل والخدش الطفيف في جسد هذا العمل الجيد بكل المقاييس. وظني أنّ هذه الكراسة لم تجد حظها من المراجعة الدقيقة قبل ابتعاثها إلى الناشر .أقول هذا دون قصد للحط من لغة أديبنا الشاب ، فالقصص في مجملها كتبت بلغة أنيقة ، وغاية في الفصاحة ..لكن ما أعنيه يقع تحت دائرة الإهمال أو الاستعجال ، ولم أر في تجربتي المتواضعة شيئا أكبّ المبدعين على وجوههم مثل الاستعجال والإهمال. وأحسب أنّ جانب القصور في هذا العمل الإبداعي - على قلته - جاء نتيجة التسرع والإهمال. وردت بعض العبارات الفطير -على ندرتها - من حيث الصياغة اللغوية . ترد في الصفحة 37 عبارة تقول : ( أي قسوة هذه تلك التي تواجه بها الحياة النفوس!) يمكن للقارئ العادي أن يلحظ ببساطة تكرار أسم الإشارة مما يخلق ركاكة في التعبير إذ يقول: (...هذه تلك التي تواجه..الخ....). أو أن يقول في ص52فاقشعر نظر الناظر..) ، والقشعريرة مقرونة في الغالب الأعم بالبدن. أو أن يقول في موضع آخر: (في ترديد أغانٍ سمجة ظل يحرمها عن فتيات الحي) ص73 ..والصواب "يحرمها على" وليس عن. أو أن يهمل الصفة تماماً بدل أن يتبعها الموصوف كما ينبغي ، كأن يقول: (يجر عبئاً ثقيل...) إذ ليس من عذر يحذف بمقتضاه تنوين الفتح عن كلمة ثقيل..فالصحيح إيرادها : عبئاً ثقيلاً كما تقضي بذلك ضرورة اللغة ؛ إذ أنها صفة وهي تتبع الموصوف. أتسقط كل هذه الهفوات لحرصي على موهبة كاتب أتوسم أن يردّ - هو وآخرون خرجوا من صلب زمن الخيبة والإحباط الماثل - أن يردوا إلى دفتر الإبداع السوداني بعض العافية.
http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147505279[/B]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: Baha Elhadi)
|
بهاء يا بهاء..يا ايها الهادي سلامات و عوافي و علك بخير.. عبد الغني كرم الكاتب...شئ معروف و بشهاده رواياته..و قصصه و ايضا كتابات الاستاذة الاجلاء عنه...و علي راسهم الاستاذ الاديب\فضيلي جماع..و بقية العقد الفريد ما اود قوله بهاء....علي غير عادة(اهل السودان) كرم الله يمتاز بموهبة اخري.. أي و الله فقد شاهدته علي قناة الجزيرة قبل فترة..في برنامج حديث الصباح.... و تحدث عن الروائح و البخور و العطور... فحلق بنا في سموات علياء...وجعل مقدمة البرنامج تبدي اعحابها بمفرداته الانيقة و الجميلة وصوره البيانية البليغة.... سرح كرم الله و اطلق عنان الكلمة...فادهشنا و ابدع.... كاتب قصة ورواية و ايضا (زول كلالالالالالالالام) شكرا يا بهاء علي هذا البهاء... دوما ::: يلا اعصر مخك و اعرفني...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: Baha Elhadi)
|
أخوي محمد السني..
المخضرم، ياخي كتاب الطبقات ده جنني، تحت المخدة، أو في ضوء غروب شاحب في قهوة كوستا كوفي، أو خواطري واخوك يتسكع، استرق السمع لسلميان الزغراد، أو أتفرج على الركاوي (جمع ركوة، ابريق)، وهي تسعى بنفسها، بيدها، كي تملأ بطنها من موية البحر، ثم تسعى كسرب من أرانب، نحو المسيد، وتصطف امام ارجل وايدي متسخة بالخطيئة، كي تتوضأ، وتسيل الذنوب مع موية الوضوء، مالحة، كحالة، كالنهر عن الفيضان.. ألم يقل العقاد،.(.لا تسحدن غني في تنمعه، قد يكثر المال مصحوبا به الكدر)..(فما النيل صاف........وفي الفيضان يعتكر)....
فعكرة الروح دي، قعدت تلك الدويلة الفونجية، العبدلابية، في كنس شوائب الكدر، في الفلوات والخلوات، وحديث الخواطر المسموع كالرعد، والمطرة التي أمرت قطراتها أن لاتبل ود شيخ المسانية، حين ارسله والده للقبر، عشان يرجع الضايعة، والقطرات اطاعت الامر، كما يطيع براد الشاي حرارة الجمر، ويسخن، ويبغبغ، بل يفتح غطائه، ويتقيأ ماء حار، ويغلي، ومع هذا يشربه اليسع، ويطرش السمك الحي، الذي غلى في القلاية... هذه العوالم، والتي سجلت بلغة دارجة بسيطة، ومن مناخات جعلت (الله)، فكرة ومبتغى، وأصل، بحيث اغرق الولي والمريد حياته في هذا البهاء، وجعلت النوبة بذبذبتها القوية، ويدها اللامرئية، تحرك خبايا الجسد والعقل، وتهزه كالسعن للبن، كي تولد الزبدة والسمن في النفوس....
هذا الكتاب هزني بقوة، وياريت ترتفع النفس، والروح لذبذبته، وتاريخته، لبناء درامي عظيم يليق به، وبالنفس السودانية، البسيطة، الساذجة، كالذات المطلقة.. في تفرجها وبحياد لذيذ، على البسر، والبضر، زي الكمبو للشيخ عبدالباقي المكاشف، (مالمن، عندهم مريسة وعندنا مريسة)... ولذة المريسة (منه، لا شريك له، لبيك)..
كتاب يفتح الطاقة عن الكامن في النفوس عن الباراسيكولوجي.. عن خرق العادة العادي...
عن شلالات التربية، والصراعات حول مقام بعيد.. عن واقعية سحرية، ورباب يذهل الاغنام والايتام والسكارى...
عن معدة لا تأكل...
عزيزي السني، فلنمرق لي بره، عسى ان نصطاد منه كنز سمين، وكبش فداء.. المحبة لود ضيفه الله، وتدوينه الصابر العجيب..
ولكل مريد أو ولي أو شاعر، فجر الكامن من الحياة، وجعل لبوس الشاعرية حق وواجب..
الفرح الكبير، لطبقات الناس، ودرج الفهم..
المحبة الزايدة..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
عبدالغني كرم الله: قراءة لنصوص تبحث في عبث الوجود
بقلم: صديق محيسي
مثلما استطاع الطيب صالح أحداث ثورة في الرواية العربية عندما كتب موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين، ومريود والرجل القبرصي* في ستينات القرن الماضي، يطل علينا في هذه الألفية وجه لم يسمع به حتى الآن إلا قلة قليلة من المهتمين بقضية الإبداع الفني في العالم العربي، هذا الوجه هو عبد الغني كرم الله الذي فاجأ الساحة العربية بمجموعته الأولى "الأم ظهر حادة"، آلام ظهر حادة التي جاءت أقرب إلى الرواية لطولها كان يوماً طويلاً عليّ قبل أن اغرق ثم افرغ من وضع الكتاب جانبا والآذان يعلن صلاة الفجر.
قبل الحديث عن الثورة التي ستحدثها مجموعة آلام ظهر حادة عربياً وإفريقياً وربما عالمياً، الآن أولا حقاً، يتعين علينا التركيز أولا على ما يمكن وصفه بنقطة تحول في السرديات السودانية التي أحدثها عبد الغني. فمنذ المرحلة الأميبية للسرديات السودانية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، موت دنيا لمحمد أحمد محجوب ومحمد عبد الحليم، والفراغ العريض لملكة الدار، وأبراج الحمام لفؤاد أحمد عبد العظيم، ذلك الأفق الرومانسي الذي أطلت منه وبه الرواية والقصة القصيرة السودانية، فإن التحولات العميقة في مفاهيم الإبداع بدأت دائما بعمل فني فيه روح المغامرة لاكتشاف المناطق المجهولة في آفاق الأفكار والتخيل والتناول. فعلي صعيد الشعر مثلاً، كان جيلي عبد الرحمن وتاج السر الحسن ومحمد مفتاح الفيتوري ومحي الدين فارس وعبد الله شابو مكتشفون أوائل لمجاهل شعرية لم يكن في قدرة أحد ارتيادها في ذلك الزمان، فهؤلاء الذين تأثروا بثقافة الثورة علي المستعمر ونمت في وجدانهم روح اليسار الجديد، والرغبة في تخليص الكلمة من خمولها اللغوي وتوظيفها في خدمة قضية التحرر الوطني، كانوا بمنطق تاريخ الحركة الثقافية ذاك واضعي أولى المداميك لمشروع حداثة ظل يتواصل تفاعلا ويتجدد قيمةً حتى نهوض الواقعية الاشتراكية التي حملت خصائصها كتابات الأخوين إبراهيم وأحمد عبد الحليم: أيام الطفولة(رواية)، وإصرار (شعر)؛ وكذا عبد الرحمن الشرقاوي في "الأرض"، وفتحي خليل في "الجبل"، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، ومحمد مندور، ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس في النقد. كان السودان يواجه رياح تغيير شديدة التأثير في نسيجه السياسي والاجتماعي. ومن بين ما مسته تلك التحولات الثورية، جيل جديد من المبدعين في الرواية والقصة القصيرة والشعر، فكان صلاح أحمد إبراهيم في "البرجوازية الصغيرة"، والزبير علي وخوجلي شكر الله في "النازحان والشتاء" (مجموعة قصص قصيرة)، وحسن الطاهر زروق، "حسن وبهية" (قصص قصيرة)، أبو بكر خالد، بداية الربيع 1958، والنبع المر 1960، والطيب زروق في قصص سودانية، 1975، والأرض الصفراء (قصص قصيرة)،1970. ثم خرج من ذلك المعطف عيسي الحلو، مصطفي مبارك، محمود محمد مدني، عثمان الحوري، عثمان حامد سليمان، حسن محمد سعيد، يوسف خليل، وغيرهم من الأسماء. على أن هذا التحول تجاه الواقعية الاشتراكية رافقته محاولات تجديدية أخرى تمثلت في كتابات بشير الطيب وكمال شانتير معتمدين التيار الوجودي كخطاب إبداعي جديد، تأثراً بزحف هذه الموجة التي اجتاحت أوروبا في حقبتي الستينيات والسبعينيات: البير كامي، جان بول سارتر، فرانسواز ساجان وسيمون ديبوفوار في فرنسا، والبريطانيان جون اوزبرن وجاك كرواك، اللذان أعلنا الحرب علي نتائج الحضارة الغربية.
تثير قضية الحداثة دائما أسئلة صعبة لا تجد إلا إجابات متصادمة متزاحمة لا تفضي في النهاية إلى حقيقة واحدة. وليس أعسر علي القول من أن التجربة الإبداعية يمكن استنساخها بمعني أن تحل روح روائي في روائي آخر، ولكن يسر علي القول أن يتأثر روائي تأثراً كاملاً ومعيباً بروائي آخر حتى يصل ذلك التأثر إلى درجة وقع الحافر علي الحافر.
ثمة ما يمكن الاتفاق عليه، وهو أن الطيب صالح أخرج الرواية السودانية من حدودها الإقليمية إلى أفقها العالمي. لكن موسم الهجرة إلى الشمال، وعرس الزين، ومريود مع اعتبارها علامات حدودية تفصل بين زمنين في روزنامة الحركة الروائية، إلا أن إيقاع التطور يجعل منها تراثاً أثرياً يفتح الطريق أمام مكتشفين جدد بأدوات جديدة، مثلما نحن اليوم أمام مكتشف جديد هو عبد الغني كرم الله، فكرم الله يقع علينا جمعياً عبء الكتابة عنه حتى نقنع العالم علي سماع صوته، ولن أبالغ إذا قلت مرة أخرى أنه يُعد ثورة في عالم الرواية السودانية والعربية والإفريقية أيضا، وهذه وجهة نظري التي من المحتم ألا يتفق معي فيها آخرون.
تعد رؤية عبد الغني تحولاً هاماً في عالم الرواية السودانية والعربية والإفريقية أيضا. كما ليس من باب الشطح في القول إذا أشرنا إلى أن رؤية كرم الله للأشياء (الكائنات) هي رؤية جديدة تماماً لا نجد لها شبيهاً في السرديات السودانية عدا ما ذهب إليه بشرى الفاضل عندما خلق شخوصا موازية للبشر وهو ما أشرت إليه سابقاً، فطوال مسيرة هذه السرديات كانت مادة الرواية، أو القصة القصيرة، دائماً هي الإنسان، باعتباره العنصر المكون للحياة والمحرك لأحداثها، ولم يرد كائن غير الإنسان في معظم الروايات العربية، ثم العالمية، إلا في حكايات كليلة ود منة التي اختارت نماذجها من الحيوانات، وهي أحاجٍ تبحث في مفاهيم الشر والخير في أسلوب فلسفي رومانسي.
ما يميز كرم الله، أنه اختار عالماً شمولياً عندما قرر صنع مادته القصصية، وشمولية هذا العالم اقتضت منه كما ذكرنا ممارسة التوحد مع كائناته (مخلوقاته) الحية والجامدة معاً، فهو عبر رؤية فلسفية تقترب من البوذية وتتفوق عليها أحيانا، نفخ في جوزي الحذاء روحاً، كما فعل ذلك مع الطمي الريح، والشجر، والحصى، (ثم جاءت رائحة النورس والسمك وبتلات البصل، ورائحة نعال ملقاة في الخلاء، ورائحة عرق مالح من صدور عشرات المزارعين والعمال، ورائحة الأسمنت من حائط شاهق، وتجيء بعد ذلك روائح الروث، والسندس، ومصنع النسيج لتركب في سفينة الريح، هذه الصور التي وردت في قصة (رائحة الطمي)، أكسبها القاص سمة كونها تحس وتفكر وتحلم كجزء من كون زاخر بقيم علوية تأخذ من الطبيعة ذلك المجال الواسع الشاسع صيرورتها كمظهر من مظاهر الحياة، وهي في مسيرتها الموغلة في القدم، يما هي كرم الله بين السكون والحركة، وبين الصمت والكلام، وبين النور والظلام في نسيج شخوصه، ويعطي هذه الشخوص بعداً روحياً بصبغة ربانية باعتبار أن كل مخلوق هو صناعة علوية له وظيفة في الحياة، كما أن السيرورة التي يسبغها الكاتب علي الأشياء تستمد مادتها من أثر فلسفي يقترب ويبتعد عن الفكر الجمهوري الذي لا يزال يتخلل خطابه العلوي. يقترب من هذا الفكر حين يبحث في كنه الإنسان، ذلك الكائن المركب من الخير والشر، والمتروك لأفعاله يطابق بها أقواله، ويبتعد عنه حين يتعامل معه كحامل معرفي لحقيقة الأشياء في حركتها الأرضية يتفاعل داخلها الخطأ والصواب، والسالب والموجب، ولا تقود الرؤية البرانية للشيء في ثباته إلا إلى خديعة معرفية لا تشرح إلا مظهرها إذا حاولت نفي الجدل المادي الكامن في جوهر الظواهر الكونية.
"لماذا لا يقلد بنو آدم إخوانهم الموتى في قبورهم، بل في قصورهم، أليس هم أحياء، بل في حياة أخصب وأمتع، اكتفوا بوطن صغير، حفرة صغيرة مظلمة كما يتراءى للعميان، عرضها السموات والأرض، استغنوا عن الماء والهواء والعطور، والأهم الأحذية، (ما أكثر الأشياء التي لا يحتاجها الإنسان)، آثروا باطنها الآمن، عن ظاهرها الحزين، المليء بالحروب والعواصف والشوك، عرجوا إلى دنيا الدواخل، فالروح الإلهي منفوخ في الجسد، فالنائم في غرفة مظلمة وحارة، يحلم بالشمس، وبسهول خضراء، وربيع دائم، كذا القبر، بل أنضر وأجمل، إنها عوالم كثيرة، فلا تجعل من فانوس عقلك الواهن عصاه سير، راقدين كالجذور في خلوة القبر، في جنة القبر،(كفوا عن الرحيل.. كأنهم يغمزون لبني آدم بذلك)، أنهم أعظم قدوة ومثال لبني آدم لو كانوا يعلمون، "فما ليس فيك، فلا تبحث عنه في أي مكان آخر"، أعن هذا يسار إلى الطعان ".
يسيطر خيال الطفل علي رؤية عبد للأشياء، فالطفولة وحدها هي القادرة علي خلق عالم بعيد عن الواقع الأرضي، والطفل حين يحدق في السماء يتحول عنده السحاب إلى أشكال من الحيوانات، والرؤوس المقطوعة لمخلوقات خرافية. إن محاولة الإمساك بظل شجرة كما في قصة "الدجاجة أقوى من الأسد"، هو جنوح فائق لخيال طري يريد تحويل المستحيل إلى ممكن.
في "حمار الواعظ"، يظهر كرم الله كم هو مدهش أن يتحول الدين إلى عادة يمارسها هذا الرجل كأنما هو مكلف بإعطاء رسالة ناقصة إلى الناس البسطاء، فهو يتحدث في خطب الجمعة حاساً الآخرين علي الخوف من الله العزيز الجبار الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، بينما هو لا يفعل ذلك في العلاقة مع حماره الذي يعذبه ليل نهار. يستنطق كرم الله في هذه القصة الحمار عبر منولوج داخلي يكشف به قدرة الحمير علي التفكير في أحوالها وظلم البشر لها ويطابق هذا الحكايات الشعبية التي تقول أن الحمير تكون ساهمة دائما إلى السماء في انتظار أن يعود أحد أبناء جنسها الذي حمل رسالة إلى هناك، وقد عبر الفنان إبراهيم الصلحي عن ذلك في لوحاته الشهيرة تحت تأملات.
"أنا حمار الواعظ، وللحق لولا صبري الوراثي والحبل الذي يشدني إلى جذع الشجرة في ظهيرة تلك الجمعة، لدخلت ذلك المكان الكبير الضخم والذي تعلوه مئذنة عالية وشققت الصفوف إلى المنبر، ثم أدير ظهري له، وبكل قواي أرفس الواعظ الذي يتكلم عن الرفق بالحيوان، ثم أنهق نهيقاً تسمعه عبر مكبر الصوت الإنس والجنس تعبيراً عن ثأري، فاثأر الصوت وكدمات العصي علي ظهري التعيس". يمثل الواعظ الصراع بين القول والعمل، أو أن كرم الله تعمد إسقاط البعد السياسي في حالة الواعظ وحماره.
يقدم كرم الله نفسه في حوار مع جريدة الصحافة فيقول "في البداية كتبت الشعر. وأنا اعتبر الشعر ذروة التعبير، ولا يأتي إلا لماما أو انعطاف وجدي. لاحقاً، جاء التعبير بالسرد؛ والسرد إناء أكبر لكلام أكثر من الشعر. ففي السرد تجد نفسك أمام كاهن تود أن تعترف له، أو وطن بديل تلوذ به، أو تخصيب للحياة بواسطة الأدب. "آلام ظهر حادة"، من اسمها، كانت معضلة بالنسبة لي ومن أكثر القصص التي استمتعت بكتابتها في هذه المجموعة قصة "آلام ظهر حادة"، لأن فيها إسقاط لفكرة التسيير وهي فكرة قديمة أعيت المفكرين والفلاسفة. وهي هل الإنسان مسير أم مخير؟ والإجابة علي هذا السؤال تتناسل منها أسئلة أخرى، وبطل القصة حذاء لا حول له ولا قوة تنتعله أرجل بشرية تسير به.
لدي عبد الغني اعتقاد قوي بأن الأشياء تتحدث دائماً. حينما تقوم في الثلث الأخير من الليل، تجد أن الكون فيه سر ما، تجد أن الأشياء ممتلئة حيوية وتشعر بهذه الحيوية عندما ترى الأطفال وهم يحاولون أن يتحدثوا مع الحيوان والجماد وهم مستمتعون. الآية القرآنية «أنطقنا الله الذي انطق كل شيء»، الحديث النبوي عن جبل أحد (جبل يحبنا ونحبه) وأيضاً السيد المسيح عندما لقي تلاميذه على قارب وأحيط بهم فتكلم مع البحر فهدأ كما يهدأ الطفل، فالحياة حمالة أوجه أينما تولي فثم وجه الله.
تمثل قصة "كلبة فاطمة" انهيار السلطة أمام الخوف، وسقوط الكبرياء في لحظة الضعف الإنساني. هذه اللوحة الساخرة والتي تدفع القارئ إلى الضحك تبدو كفيلم سينمائي تجري مشاهده في سوق القرية: "في هذا الحشر جرى الناظر بصورة تحافظ علي وقاره وعلي قدسية الرأي العام، وكلما اقتربت الكلبة من رجليه نسي جزءاً من الوجود المحيط من الباعة والنساء والشماسة. كانت الضحكات الساخرة تصل إلى إذنيه وتجرحه، ولكن كشرت الكلبة عن عداوة قديمة، فأوصله الخوف حد الصفر بين أن يضع للرأي العام بالاً، وبين إنقاذ نفسه وبأي طريق، وبأي أسلوب خاطئ أم صواب، رديء أم جيد، مضحك أم مثالي. أما أهل السوق، فالجائع نسي جوعه، والحرامي أجل شغله، والصعلوك همدت رغبته، فقد تأجل البيع والشراء حتى يتفرجوا عليه، حتى ينسوا همومهم وغمومهم للحظة صغيرة."
هذا المشهد الذي يصعد فيه الخط الدرامي إلى أعلى درجاته يربط ربطاً محكماً بين داخل الشيء وخارجه، شكله ومضمونه، صوته وصداه، فالناظر الذي كان يذرع الرعب في قلوب تلاميذه يفشل في المحافظة علي جبروته، كم هي الفضيحة مدمرة للذات، وكم هي طاردة للوقار الذي لا يجدي نفعاً اليوم. إن قصة كلبة فاطمة نستجلي فيها انهيار سلطة الناظر الغاشمة أمام عبثية الكلبة التي اختارت أن تكون وسيلة تعلن بها موت إنسان سلم نفسه إلى المجهول. ثم يأتي كرم الله في الجزار ملك الغابة لتعيش معزة سعاد مأساتها وحدها عندما تكتشف الخلل الكوني في علاقتها مع الجزار، فالجزار لا ينظر إليها إلا بوصفها طعاماً للبني أدم. لكنها تري أنها واهبة الحياة للأطفال، وإن من حقها أن تعيش وتحلم بالربوع الخضراء وتغازل تيس القرية، وأن حليبها هو الذي يمنع سعاد وأسرتها من العوز الذي يؤدي إلى الموت. في هذه القصة، يغوص عبد الغني في مشاعر بدائية مبهمة ينفي فيها الغريزة التي تواطأ الآدميون علي أن يصفوا بها الحيوان؛ فهو يحدد سمو هذه الغريزة بالرغبة في الحياة بل ويلغي المساحة بين إرادة العقل المفكر، والنزوع الطبيعي الذي يمكن أن يكون تفكيراً، ومن ذا الذي يستطيع أن يجزم أن الشاه حين تواجه الجزار لا تشعر بدنو الموت منها، فترتعد وتتغوط علي نفسها؟ إن نظرات الخروف الزائغة حين تقترب السكين من عنقه هي أشبه بمشاعر السجين حين يساق في اللحظات الأخيرة إلى المقصلة، وإذا كان السجين يتحول كله إلي حلم بالأمل في الإنقاذ في آخر لحظة، فإن الشاة تحلم بالروابي الخضراء "وسوف أذهب إلى العالم الآخر الذي لا أعرف عنه شيئاً سوي أنه نهاية الأرض، ثم اسقط في هاوية سوداء مالها من قرار".
أن أذني عبد الغني تصغيان إلى أصوات كونية لا يسمعها إلا هو، وتلك شطحة صوفية تمسك بتلابيب الروح التي تعذبها الأسئلة المتوالدة بلا نهاية، فالكائنات والظواهر عنده هي إشارات تجريدية إلى معانٍ لا يتركها الزمن أن تكتمل، وهكذا يستمر عذاب الأسئلة يسيطر عليه فيصبح الوجود كله أمامه حركةً لا تستقر علي حالة، وإلا تبدلت إلى نقيضها.
ليس الذي قمت به تجاه هذا الروائي الواعد هو دراسة نقدية. إن الدراسة النقدية تتطلب أدوات أكثر دقة في التعامل مع النصوص، طبيعتها، وأصولها، ومحتواها، وإلى أي نتيجة ستنتهي. ولكن ما سجلته يعتبر بالنسبة لي تجربة شخصية خالصة، تجربة قارئ يبحث في الخيال ويري فيه مخلصاً للبشر من ورطة الوجود بقوانينه الصارمة التي لا يقدر أحد علي تغييرها .
http://www.akhbarelyom.org.eg/adab/issues/753/0800.html
(جريدة أخبار الأدب المصرية)!..
..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
العزيز بهاء، لك أجمل المودّات والتحايا لم أقدم لشكرك على احتفائك السمح والمُحبّ بالقاص الفنّان عبد الغني، فأنت رجل من حارة الفنون، ولها عليك التزامات وديون واجبة، أنت هنا وفّيتها وأكثر. وللرجل الفنّان عبد الغني التحيّات كذلك على إبداعه وعلى جهوداته المقدّرة في حقل القصّة، وأتمنى له دائماً التوفيق، وربّنا يكفيه شر العراقيل. كونا أبداً بخير، أنت وهو
-------هامش-------- أها يا بهاء الاحتفاء بعبد الغني انتهى فوق، من هنا وجاي عندي كلام حق ثقافة سودانية خارج الونسة السودانية والمطايبة وهذا الفرح الخفيف بالترجمات والعالميّة. وقد أجّلته منذ البوست الذي افترعه الحسن بكري لموقع الأخ والصديق لحدٍّ ما "لوفين" على الانترنت، وقد شاركه فيه الدكتور حسن موسى أيضاً بخفّة لا يُحسد عليها، متضامنة مع خفّة البكري بالوصفة "محاحاة"، واستغربتُها في الدكتور بالذات لأنّه ليس بالرجل الخفيف "عادةً"، ولكن ربما سوّغ لذلك نفسيات تلك الفترة ذاتها التي كان ينوب فيها عن اشتباك نجاة معي، لأنني بالأصل لم أشتبك معه. بأي حال أنا جاييكم لمساخة حضارات بقدر ما صمتُّ عنها نبشها نابشٌ. أبقوا طيبين لامن أجيكم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: محسن خالد)
|
الصديقان بهاء –صاحب البوست- وعبد الغني المُحتفى به، لكما التحيّات من جديد. يُحكى من الزمن السابق أنّ عمر الفاروق اللذيذ قال لي: إنت ياخي كتّاااب، لكن لو بتكتب بسيييطة بسييطة بنقدر نقراك. أهو تسويق أسافير والعُهدة على ود الفاروق الإسفيري. لقد وجدتُ الموضوعَ طويلاً ومشربكاً، ولا مانع لديّ أبداً من كتابته هنا، إن كان لا يزعجكما، ولكن لطوله وشربكته سيفتل لكم البوست. فقد رغبتُ لزمن طويل في الحديث عن (التقاليد؟) وما أدراك ما التقاليد!؟ تقاليد برااها ما حقت العموم دي. المهم أخوكم زول تفاكيره بتسلسل والتحكّم فيها يقع على عاتق جوّانيتها وطبيعتها ذاتها، وليس على رغبةٍ منه بإيقافها. لذلك، وعليه، رأيتُ أن أستأذنكما معاً، كي لا أفسد البوست، وسأنتظر ردكما معاً، إن وافقتما على جوبكة موضوعكم فحقكم في رقبتكم، وإن (لا) فسأفتتح بوستاً منفصلاً للموضوع نضع لنك هذا البوست فيه، وحقّي علي رقبتي! فما رأيكما؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: Baha Elhadi)
|
Quote: خارج النص: تشرفت في زمن ما بتدريس ابنكم النابه المسؤول نمر علي جماع ولازلنا في تواصل مستمر وهو في ماليزيا وقد زرتهم هناك العام قبل الماضي وتمتعت ( بتقلية الحاجة وكسرتها الما خمج) لك ولهم ودي العاطر وأهلا بك مرة أخرى وكن بعافية الروح |
الأخ الأستاذ/ بهاء الهادي شكرا على تعقيبك الظريف وشكرا على احتفائك بتلميذك ، إبننا نمر علي جماع. نعم..نمر شخص خلوق ، ونكاد هو وأنا أن نكون أصدقاء.. أحاول تأسيس نفس العلاقة مع أبناء إخواني وأختي وتلك كما ترى محاولة في التربية تكسر بعض الحواجز التقليدية وغير الضرورية في العلاقة بين أجيال. ولك أن تقول بأنها من زاوية أخرى محاولة من رجل عجوز مثلي ليقنع نفسه بأنه ما زال شابا ويتحدث مع الشباب!! جميل منك أن زرتهم في الدار فالبيت بيتك. و"التقلية" بكل أسف رحلت مع الحاجة إلى حيث التحقت مع الأسرة برب الأسرة في موقعه الجديد كخبير أمم متحدة ..اليوم هنا وباكر هناك. لكن نمر لا يزال يواصل دراسته بفرع جامعة بريطانية في كوالا لامبور. لك الشكر والتقدير مرة أخرى.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: فضيلي جماع)
|
أستاذي فضيلي :
ونكاد هو وأنا أن نكون أصدقاء.. أحاول تأسيس نفس العلاقة مع أبناء إخواني وأختي وتلك كما ترى محاولة في التربية تكسر بعض الحواجز التقليدية وغير الضرورية في العلاقة بين أجيال. ولك أن تقول بأنها من زاوية أخرى محاولة من رجل عجوز مثلي ليقنع نفسه بأنه ما زال شابا ويتحدث مع الشباب!!
لا تقل هذا القول صديقي فلا زلت في عنفوان الروح والقلب ، ولازلنا لنا فيك آمال
وقول لم يحن أوانه بعد
لونّ لنا دنيانا فقد عتم علينا الطريق وكثر السخام والبغام والبغاث
نمر صديقي جدا وبالتالي على المقولة الفرنسية : صديق صديقي صديقي
دم بعافية الروح وودي العاطر يغشاك غيمة ( ضحوية ) هتون
بهاء /طوكيو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: Alsa7afa_30)
|
أوَّلاً دعونا نعود لبذرة هذه الحكاية، فقد قلتُ بأنّ هذا الموضوع ظَلَّ مؤجّلاً ولا علاقة له بهذا البوست إلا لكونه تكرار التكرارات، ففي هذا الموقع لمحتُ حكاية الترجمة بصحبة لوفين في أكثر من ثلاثة بوستات بالتمام والكمال وربما أكثر، لستُ متأكداً. وكذلك بوست في سودان فور أوول. أمَّا منطلقه الذي لاحظتُه من عنده لأوَّل مرة فهو بوست يتحدّث فيه الصديق الحسن بكري عن موقع لوفين للأدب السوداني، ومن هنا بدأت فجيعتي (الخاصّة؟) ربما، فكل من اتصل به لوفين حملته رياح هباباي ليقول الترجمات الترجمات، والعالميّة العالميّة، حتى الحسن ود آمنة الراجل الشديد والنجيض لم يكلّف نفسه عناء معاينة الموقع، ليرى بأم عينيه ما ينوي ترويجه لوفين عن الأدب السوداني والثقافة السودانية. سأزودكم بالرابط لكي تقفوا بأنفسكم -إن كان ممكناً- على ما وقفت عليه "حينها" في سالف العصر والآوان فعليكم قراءة الموقع بتاريخ "عام ونصف" إلى الوراء تقريباً، وهيهات طبعاً، فالزمن قد مضى والكثير من التحرير لحق بالموقع، وإن ما تزال الكوارث قابعة فيه، والمكاضبني يمشي يشوفه، وهنا رابط بوست الحسن بكري الجنيني بالنسبة لتعرّفي على الموضوع: http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=1595&high...9ad8f5ad21f30a6bba56 يا تُرى ما السبب الذي جعل الحسن بكري يفرح ذلك الفرح كلّه، ثم يتبعه فرحانون وفرحانات بلا عدد هناك وهنا!؟ الأمر في تقديري يعود لكوننا ينقصنا ما أُسمّيه (تقاليد المجال)، ولماذا تنقصنا تقاليد المجال هذه؟ لأنّنا في طبعتنا المُعاصرة جديدون في كل شيء، ويلزمنا الكثير من الاجتهاد الفوري والعَرَق الكاش داون مع الفرح المؤجّل، وسنعود لنفصّل في هذا الأمر. حالياً يهمني الوقوف على هذه الهرولة نحو الخواجة التي لا تقول له (فَشَر يا خواجة علي موقعك دا، عشان ساط لينا أدبنا سواطة). أبداً، هذا لم يحدث، بل كل من اتصل به هذا الخواجة جاءنا مهرولاً إلى هنا لكي يحتفل بينما الأمور ما تزال في مرحلة أخذ (إيميل عبد الغني) وأعنيك يا بهاء عديييل، أقول لك ذلك لأنني أحترمك ولم أحترم فيك هذه الخفّة كلّها، ولا في الحسن بكري ولا دكتور حسن ولا باقي الشباب والشابات الذين بسرعات الصواريخ انطلقوا يتحدّثون عن العالميّة ولم يلاحظوا ما هو موجود على هذا الموقع من معلومات مربوبة ومربوكة عن ساحتنا الثقافية، ولم يكاتبوا فيه الأخ لوفين مصحّحين له أخطاءه. لو كنتُ شاعراً مثلاً، وبلغني لوفين متصلاً بي ليطلعني على موقعه كما يطلب منّي نصوصاً للترجمة، ودخلتُ موقعه ووجدتُ أسماء ما أنزل اللهُ بها من موهبة ولا علاقة لها بالمجال، بينما غابت أسماء بحجم محي الدين فارس ومحمّد المكي إبراهيم، ومحمّد سعيد العبّاسي، والنور عثمان أبّكر، وتاج السر، وإدريس جمّاع، عالم عبّاس، فضيلي جمّاع ومصطفى سند ووو...إلخ إلى أن لا تجد سالم حميد، محجوب شريف، القدّال، أزهري، عاطف خيري، نجلاء التوم ولا ولا... إلخ من المؤسّسين والكهول والشباب. بينما لوفين يكتب بالخط العريض ((overview و(المُعاصر)، من هنا سيكون الخيار الذي يُواجه هذا الفنّان الذي اتصل به لوفين، هل هو فنّان له "تقاليد مجال"؟ أم هو فنّان خفيف ويُريد أن يفرح بهذه العالميّة التي يظنّها تأتي عبر الترجمات؟ فأية ترجمات هذه التي تجلب للإنسان العالميّة؟ العالميّة هذه إن كانت تعجب الناس فهي ابنة "التجويد" ولا غيره. لنأخذ جولة ببوست الصديق الحسن بكري، ومن يهمني من البوست كلّه هو ثلاثة أشخاص، الحسن ذاته الكاتب الذي اتصل به لوفين، والدكتور حسن الذي تَغْلُب عليه في لحظتها روح المكايدة لمحسن خالد فيلوح كفنّان من دون أي "تقاليد مجال" تحتّم عليه رؤية العوج في ذلك الموقع قبل المشاركة مع الحسن، "فقط" من أجل مكاواة محسن خالد كما لاحت ذات الخفّة في بوست أميرة. أي لو أنّني كنتُ خصمه فهو "صديق منتقدي" مهما كان متواضع الإمكانيّات، حتّى وإن كان لا علاقة له أصلاً وأبداً بما نحن فيه. حَقَّاً لقد لاح في ذلك البوست كشخص خامل عن أية "تقاليد" وعن أي تقدير للأمور. بأي حال هذا ليس بموضوعي حالياً، وموضوعي هو (تقاليد المجال) وأحتاج لسلوكه هذا وسلوكيّات غيره لأدلّل على وجهة نظري وعلى أنّنا مهما ارتقينا بفنّنا، ومهما درسنا في جامعات الغرب، ومهما بلغنا من الأعمار، فما نزال شخصيين لدرجة محزنة، بل وأحياناً "تافهين" عديل عندما نقوم بإحالة أي سجال ثقافي إلى (خصومة ملجة) تُستخدم فيها الأحذية وكاركاتيرات الطماطم المتعفّنة برائحة البيرة وكل شيء بوسعه هدم "تقاليد المجال" واستقصاد الآخر –المُجَالي لنا، من مجال- في وجوده ذاته وإلحاق الأذى به على نحو شخصي. لذلك فإنّي هنا –سأقاوم نفسي الأمّارة بالسداد- كاحترام لهذه التقاليد التي أنادي بها، ولن أتجاهل نجاة كما تعوَّدتُ دائماً على تجاهلها حينما تحشر نفسها في مواضيع لا علاقة لها بها، فهي ليست فنّانة ولكنها مترجمة. فأين هي "تقاليد مجالها- الترجمة" من فحص موقع لوفين بعين متخصّصة في ذات بوست الحسن بدلاً عن دخولها مع الدكتور موسى لذات البوست وكلّه من باب أنّنا ننصر الروائي الحسن بكري الذي هو صاحبنا وتحت جناحنا ونقف ضد الروائي محسن خالد لأنّه خصمنا "الخارجي"؟ دون أن تلاحظ المترجمة نجاة ما فعله لوفين في موقعه! ودون أن تطالب برؤية هذه الترجمات ذاتها وتنوّرنا في خصوصها بحكم أنّها المختصّة الأشهر في ذلك الموقع لننصت لها كلّنا كتلاميذ لأجل معرفة حكاية "لوفين" من "لوبين" تلك، فكل ما نسمعه وحتّى هذه اللحظة، ومع كل دعوة جديدة للوفين، هو أسماء دون ترجمات، وما تزال في مرحلة التشاور، بل ومرحلة السؤال عن الإيميل كما جاء بالبوست المفتتح لعبد الغني بسودان فور أوول، ليأتينا الأخ بهاء على عجل ويفتتح هذا البوست المحتفل والرابّي قبل الحفلة ذاتو. فهل نحن بهذه الخفّة والافتقار لتقاليد المجال في حياتنا؟ هل نحن بهذه الحاجة للترجمات والخواجات!؟ وهل قامت المترجمة نجاة بما تمليه عليها "تقاليد مجالها"، كما فعلت مشكورة في بوست الأخ البطل، وجعلتنا جميعاً نتأكّد وبالوثائق القاطعة أنّ الدكتور حسن الترابي يحمل شهادة الدكتوارة من السوربون "لا فيها طق لا فيها شق"!؟ وإن سألنا عن أصل تلك الفرية ما هو وما مردّه؟ فأصلها أيضاً يعود إلى انعدام "تقاليد المجال". فهي ليست فرية عوام، وإنّما هي فرية الأساتذة الذين تنافسوا مع الترابي، ونظراً لكونهم يفتقرون لـ"تقاليد المجال" هذه، وبناءً على خصومتهم مع الترابي، سيُرَوِّجون لكونه لم يحصل على الدكتوارة! فتأمّل كيف هي خصومة المجال هنا! وحينما يأتي دكتور عبد الله علي إبراهيم بحديث خفيف عن اتهام الدكتور منصور خالد بالجاسوسية فهذا أيضاً افتقارٌ لتقاليد المجال. ونحن السودانيين المُعاصرين لأنّ تاريخنا وحضارتنا البائدة انقطعت عن تاريخنا وحضارتنا الوسيطة فيا لنا من مفتقرين لتقاليد المجال هذه في كل مجال، ويا لنا من جديدين على الحياة في كل شيء. أو كما قلتُ سابقاً، إن رأى جارك النجّار أنك تنجر أحسن منه، فهو سيبيع ما نجره من دواليب وأبواب بائرة عبر جذب الزبائن من خلال قصص مُشوِّقة ومختلقة تقول بأنّ بنتك أو أختك شـرمـوطة مثلاً، ليردّد بعدها أمام الزُّبُن: العياذ بالله.. العياذ بالله.. أهو بنأكل بضراعنا والحمد لسيدنا؛ مع بوسة تشكّرات لذات اليد التي هزمها جاره النجّار حين كان الموضوع النجارة. وهذا أيضاً من صميم انعدام "تقاليد المجال". ما أنتقده في الأصدقاء البكري وموسى ونجاة أنَّهم لم يراجعوا الموقع مثار الدعوة ليروا فيه كيف ينظر لوفين لثقافتنا، أو بعبارة أكثر مباشرة، ليروا ما الذي يعرفه لوفين the happiness Raiser خالق البهجة ذلك عن ثقافتنا في هذه الناحية؟ ودعنا نقم بجولة في بوست الحسن بكري لنرى لأي مدى تحوّل الموضوع ليكون محسن خالد على نحو فاجع، كأنَّ الخواجة لوفين قد بنى ذلك الموقع من أجلي أنا، خادماً به خصومة نجاة والدكتور معي حينها، دون مراعاة للثقافة السودانية بتاتاً، ودون مراجعة لما ارتكبه صديقنا لوفين من أخطاء فادحة بحقّها، فتأمَّل بنفسك، وكفى بكتابهم عليهم حسيباً. يتداخل الدكتور حسن موسى قائلاً:
Quote: " بس أوع الجماعة يقوموا علينا" الحسن شايفك تشرِّك و تحاحي و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه مودتي Quand même! |
(الحسن.. شايفك تشرِّك وتحاحي) يا النبي نوح، الحمد لله الشرك ما قبضني زي ما قبضك يا دكتور وقبض نجاة والحسن في تُولاه. (بس أوع الجماعة يقوموا علينا) الجماعة هؤلاء هم أنا المفرد طبعاً، وكأنّ هذا الخواجة رجل مطرطش ساكت بنى هذا الموقع لأجلي وليس لأجل الثقافة السودانية، انظر بنفسك حين الافتقار لتقاليد المجال كيف تنطمس أشياء ضخمة إلى مجرّد صغائر شخصيّة، وشنو؟ و(الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه)، ونِعَم بالله يا الحسنان ونجاة، فلا أحسنتم مراجعة الموقع ولا نجوتم من الشرك. فالمهم أنّه جاء من الخواجة، والخواجة لا يأتي منه النَّيْ كما هو راسخ في عقليّة ووجدان كاتب الفنأفريقانية هيمسليف بعدم توخيه الحذر تجاه مثل هذه المشاريع بالذات، كما كنتُ أقدّر أنّ أوربا ذاتها قد علمّت الدكتور ضرباً من هذه الحيطة قبل تفاكيره الخاصّة في الفنأفريقانية في مداها العملي والأيديولوجي. ثم يتداخل الحسن بكري قائلاً:Quote: يا حسن موسى، هل من عودة إلى "جيوبوليتك الجسد" من جديد؟ أنا الذي يبقيني هنا هو خيوط من أمثال هذا الخيط. أيضا انتظر بصبر بالغ عودتنا الى حوارات أكثر وأعم فائدة - دون أن يقلل هذا، بالطبع، من القيمة الفنية للكريكتيرات خاصتك! وأظن أن قليل من مزاح، حتى وان وجدته "شريك ومحاحة"، لا يضر. ومودتي (عديل كدة)!! |
يطالب الحسن بالعودة إلى "جيوبوليتيك الجسد" كأنَّهم هنا قد أوفوا أمر ذلك الموقع المخصَّص للأدب السوداني حقّه! وكأنّهم نظروا في تصانيف لوفين ورؤيته لواقعنا الثقافي وكأنّهم تأملوا في تلك الربكة والسواطة الفادحة التي كانت تنتظم الموقع حينها، فتأمَّل! كما لا ينسى الحسن بكري "تحريش" حسن موسى على مواصلة رسوماته ضدي، التي كانت تسعى بكل جد إلى تكريس كاتب سكّير –هذه شهادة سيف الدين- في ذهنيّة قرائه. كاتب سكِّير عمره 34 سنة فحسب حينها وقد أنجز من الكتب ما لم تنجزه أجيال الدكتور والحسن كلّها، فدا بيلقى وكت وين للسكر يا ربي!؟ انعدام "تقاليد المجال" لدى الدكتور هنا يجعله لا يتورّع عن هدم هذا الفنّان بآلة لا علاقة لها ولو بنظرية "الهدم النقّاد" التي يتبناها الدكتور في "جهنم". والدكتور في هذه الناحية عائب جداً، فقد استخدم مثل هذه الآلات التي لا تحترم "تقاليد المجال" مع كثيرين غيري لا أودُّ ذكر أسمائهم كي أفقد أنا أيضاً "تقاليد مجالي" مثله، تكفيني روحي للاستشهاد فهي ملكي وأنا مخيّر فيها، كما هي منذورة أيضاً للاستشهاد الآخر على أبواب جمهوريّة الفن. وانعدام "تقاليد المجال" لا يمنع البكري أيضاً من هذا التحريش الموقّع بـ"ومودتي.. عديل كدة". لا أعوِّل على انتقاد الحسن كثيراً فأنا أقبله كرفيق مجال إذا تعلّق الأمر بإعداد (ببلوغرافيا) للأدباء السودانيين، كما عددتُ اسمه بنفسي ضمن قائمة الكتاب المعروفين للأخ لوفين وسيأتي ذلك لاحقاً في هذا البوست. عدا ذلك فأنا لا أعتبر تكاليف "تقاليد المجال" تقع عليه، إذ لا أعتبره "مُبدعاً" يقع عليه التكليف الفنّي، قد يكون كاتباً ولكنني لا أعتبره مُبدعاً، وهذا رأي من حقّي قوله بالطبع ما دام الأمر لا يتعلَّق بإعداد ببلوغرافيا ما. وهذا الكلام سأظلُّ أكتبه ما لم تتطوّر كتابة الحسن عن موائع الرغي والإنشاء إلى جامد الكتابة، حتّى وإن لعنني الحسن على الملأ كما لعن الصديق عصام أبو القاسم. وتغافلتْ نجاة عن هذا اللعن الذي جاء ببطن البوست كلوثة غريبة بدون أي أسباب أو دواعي. كما تغافلت نجاة من قبل عن اتهامه لي بالانتحال الذي رماه "جزافاً" وذهب، فأين نجاة زاعمة الحقّانية هذه من العدالة؟ المهم، أنَّ الدكتور موسى يتداخل مرّة ثانية قائلاً:Quote: يا الحسن يا خوي القصة ونسة ،" ونسة جد" ، ما " ونسة ساكت" ، لكن الونسة " الجد" ما بتبقى بلا زرزرة ، و هذه من أبجديات " علم الونسة " الذي طوّر أهلنا فيه تصانيف أكاديمية موغلة في الغماسة. شغلتني عن المتابعة في خيط "جيوبوليتيك الجسد.." أمور الدنيا بين الجري وراء المعايش الجرجارة و معرض رسم و ندوات في " الفنأفريقانية" هذه الأيام في مدينة " مونبليية" القريبة ،و بعدين ياخي أنحنا ناس رسم أولوية الكتابة عندنا تجي بعد الرسم و الحمد لله على كل شيئ.و لكني عائد لذلك كله ( بالله شوف جيوبوليتيك الجسد وصل بناس الأزهر وين). |
يقول الدكتور للحسن القصّة "ونسة" وكمان ونسة جد! وربما يتساءل القارئ عن أي ونسة يتحدّث الدكتور، هل هو يتحدّث عن الحوار الذي نشرتُه بمجلّة المشاهد السياسي مع إيمان شَقّاق وقمتُ بنشره في الموقع!؟ الله أعلم، ولكن أنا قلتُ في مطلع نشري له ما معناه أهديكم هذه الونسة وألا شنو ما متذكّر! ولم يقم الدكتور بترقية هذه الإلماحات إلى رتبة الزرزرة لنعرف كوعنا من بوعنا والله غالب. أسميتُها هنا "الإلماحات" لأنَّ الحديث ليس في وجوههم، ولكن عندما كان الحديث في وجوههم وبوسعهم الرد، فقد تسوّرتُ عليهم بوست الونسة ذلك وأسميتها "المطاعنات" كما هي في الحقيقة مطاعانات رسمية وواضحة. والحوارات بهذه الطريقة تجعلنا جميعاً نفقد "تقاليد المجال" هذه ونتحوَّل لكائنات تقتفي أثر المؤامرة، لأنّ المثل غير السري بقول "الواضح ما فاضح"، كما أنَّ الواضح يحترم المُنتقَد -بفتح القاف- ويقدّره فيحترم هو أيضاً نفسه، بعيداً عن ابتذالها وابتذال الآخرين بتحويل الحوار والسجال الثقافي إلى شخصنة وسوء تقديرات. وتاني المهم يا زول، الدكتور يتحدّث عن الفنأفريقانية ست الاسم، ويقول بأنّه ذهب ليحاضر فيها في مونبلييه القريبة، وما أدراك ما الفنأفريقانية هذه التنظيرات التي أعجبتني من مشاريع الدكتور! فيا تُرى كيف يُنَفِّذ الخواجات عموماً (ما يتشكّى منه الدكتور في الفنأفريقانية)! هل صَلَب الدكتور تفاكيره تلك ولو قليلاً من إسكتش السيوري على حامل الواقع؟ لماذا لم يتأمَّل الدكتور في كيفيّة تنفيذ هذه الفن أفريقانية التي يُنظّر لها، وهل هي بخصوص التشكيل وحده أم أنّها كارثة باتجاه فنوننا في إجمالها؟ فما هي الوسائل الأساسية لإنفاذها بخصوص الآداب؟ أليست هي الروح المنتخبة لهذه الترجمات ذاتها! بل الولولة هنا مستحقة لأهل الآداب أكثر من التشكيل، فالآداب بينها وبين الآخر الغربي تقف الترجمات –لا بتنبلع ولا بتنفات- بينما التشكيل لا يحول بينه وبين الآخر الغربي إلا العمى، إن لم يكن هذا الغربي أعمى فهو لن يحتاج لنُقّاد يرونه ما يفهمه ويحسه عن ما هو أمامه من لوحات وأعمال. والصراع الأساسي كما قلتُ دائماً يقع بين الفاعل المُبْدِع والمُبْدِع المتلقّي، وكل ما عداه هو رتوش وإن كان النقد إتسيليف. فأين صاحب الفنأفريقانية بقلب هذا البوست من لوفين وخطّته الموضوعة على موقعه مادّة البوست؟ حتّى مداخلة العبد لله -محسن خالد- أنا لا أعفيها من تهمة الانجرار وراء الشخصنة التي طُرحت في البوست، والإلغاز، ولا أعفيها من الوقوع أيضاً في الذي هو دفاع عن النفس بعيداً عن احترام "تقاليد المجال" فكلّنا أذنبنا في ذلك البوست والعاقل النزيه من له القدرة على مراجعة نفسه ومحاسبتها وتصويبها مستقبلاً. فبعد اتهامي أنا للدكتور بالمطاعنة يجيبني هو:Quote: مطاعنة شنو يا الغمام؟ ياخي أنا جيتك بخشم البيت و طعنتك عديل عشان توعى و تنتبه للحاصل في العالم شنو ، بدون فايدة..شايل بيرتك و خاوتنا أنا و أنا و أنا. |
ولماذا طعنني الدكتور بخشم الباب؟ الإجابة لكي أوعى من السكر وأنتبه للعالم، والمقصود بالعالم هنا عالم الفنّ وترجمة الأدب والعالمية وما أدراك ما لوفين الذي كان بداخل هذا البوست كقميص عثمان بيد الثوّار –اللهُ أعلم، كقميص عثمان بيد طُلاّب المُلْك –العَرْشُ أعلم! وحقيقة حرب الدكتور معي كما شاهدتموها بأنفسكم كانت في الدفاع عن خلط الأستاذة نجاة محمّد علي بين عِلْمانيّة الدولة والعلمانية ست الاسم، كما قرأتم بأنفسكم. بذريعة استخدامي في ردّي على نجاة لتعبيري "نشبّعك أمثلة" لأنّها طالبتني بأمثلة، ومقالتي "علمانية الدولة الفلقتينا بيها دي" ما يدلّ على التكرار، فانظر وتأمَّل بنفسك لأسباب طعن الدكتور لي وحملات التشويه بالسكر ووو إلخ كيف استحالت هنا كلّها وبقدرة قادر إلى تنبيه لي وتوعية بما يدور في عالم لوفين وما أدراك ما ترجمة الأدب السوداني!؟ فهل نحن كسودانيين نمتلك "تقاليد مجال" في الحقيقة؟ هل نحن مثقفون فعلاً ونعمل ضمن أُطر وتقاليد الثقافة؟ أم نحن عصابات وشُلليات تعمل بتقاليد "الوكر" وتناصر المافيا؟ مثقفون نحن أم مافيا ليصبح التناصر بالباطل واجب الجميع، والقصاص من أي فرد يجوز لكونه يؤلم الجميع؟ مثقفون نحن أم ماذا؟ وإن كنّا مثقفين فهل نحن مثقفون بدون "تقاليد مجال"؟ بدون تربية مجال؟ بدون شخصنة لسجالاتنا؟ بدون اندهاش ذليل ومتمرّغ بالأجنبي؟ --------- وسأعود لتتمة حديثي ولنشر مراسلاتي مع لوفين حول موقعه الأدبي بعد اتصاله بي منذ أكثر من عام، عسى أن تُساهم هذه المشاركة في تأسيس "تقاليد مجال" راسخة لنا كمثقفين سودانيين.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: Baha Elhadi)
|
Quote: فأية ترجمات هذه التي تجلب للإنسان العالميّة؟ العالميّة هذه إن كانت تعجب الناس فهي ابنة "التجويد" ولا غيره. |
السي محسن ، ريحتني الله يريح بالك! ________
تداخلتُ سابقا مدفوعةً (بحنق) على الاحتفاء بكتُابنا في الغرب في وقت تُمنع فيه رواياتهم و آخرين في الداخل وتُهرب رواياتهم سراً وتُقرأ في الخفاء، في حين من ظلوا هناك -- خلف خط الغربة يجهَلون ما كُتب عن تفاصيل يومياتهم و حياتهم... وقالوا اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع، و(البيت) محتاج يقرأ ما كَتب أبنائه وأن يُثرى الحراك الثقافي (هناك) حيث ننتمي، و بالتجويد كما قال خالد سنصل لحدود الشمس...
لو قُدر لي تحقيق الأماني، لوددتُ لو عاد كل المبدعين للسودان ليكتبوا عنه شبرا شبرا و يرسموا شخوصه بدقة ليوثقوا بسردهم ما يتسرب من بين اناملنا فيما نحن مشدوهون باحتفاء جامعة هنا و منبر هناك دون الوقوف على جودة ما تُرجم ولا الغاية من ترجمته وأحتمال كونها قد لا تعدو محاولات طلاب ترجمة لتجويد لغة جديدة لا يفقهون الكثير عن خلفيتها الثقافية، والحري بنا قبل الاحتفاء أن نتسائل عن مدى اهليتهم ليستئمنوا على سردنا ونتاجنا....
لا أقصد التقليل من شأن من خاطبوهم، وفسرت رأي بشكل مسهب للأخ عبدالغني كرم الله في مقام آخر وقطعا لا اعني التشكيك في حسن نية أخي بهاء ، ولكنه ردٌ جامع لكل الجذل السابق ...
هل مات ما كتب إدوارد سعيد؟
شخصيا لا أرى خيرا في الاستشراق ولا مداخله ...
كل الود،
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: حيدر حسن ميرغني)
|
شكرا صديقي بهاء على الإحتفاء بالاديب عبد الغني قرأت له مجموعة من الخواطر من بينها"ألف مبروك للفاشلين في امتحانات بلادي السادية!! وعلبة برنجي
وقد لفت نظري في كتاباته بساطة اللغة وحلاوة السرد التي تجعلك تغوص معه في محيطه الإبداعي، وكما يقول اهل الادب أن لكل أديب محيطين : البيئة التي حوله وهي ثابتة نسبيا ومحيط السرد الإبداعي الخاص به وهو غير محدود، وأن الكاتب إن نجح في التوليف بين الإثنين قدم لنا نصا روائيا قريبا من الكمال، والقاسم المشترك هنا هو اللغة، فاللغة على حد تعبير شيخ لروائيين غ. غارسييا ماركيز تسمو بمستوي السحر الروائي وتخلق الجو الذي يتعرف فيه البشر إلي أنفسهم وأهواءهم وتأسر القارئ وتنقله إلي عوالم مختلفة"
التحية لك ولصديقك عبدالغني
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: حيدر حسن ميرغني)
|
الشكر ليك أخوي، عزيزي الفاتح مرغني..
والله ذكرتني موضوع قديمة، ويطرح اليوم، بعد ظهور نتائج المدراس السودانية (الدينية)،.. والمقال كما هو، فلا جديد، فلا تزال المناهج تكبل الطاقات الاستثنائية للإنسان الكامن في الإنسان.. ..
ألف مبروك للفاشلين في امتحانات بلادي السادية!! كتب بتاريخ 22/6/2006م
لكل الايفاع والذين رماهم قدرهم في مناهج مفلسة، مضرة، سادية، وعلى مدارس سقفها الشمش الحارة، وبلاطها اديم الارض، وعلى سبورة لا تدركها عين زرقاء اليمامة، ومعلمين مليئة بطونهم بالجوع وقلوبهم بالحزن، والديون، وعلى اسرة هاجر الاب، داخل وخارج الوطن، خرج بهم الهم والسرحان عن جو الاسرة القديم، الوفي الرطب...
للفاشلين، طوبى لكم، عقولكم اكبر من المناهج، صدوركم تحلم بإنسان كامل فيكم، (خرجتم من الرحم، صفحة بيضاء، كي ترسم عليها الأيدي الحكيمة أجمل ا يكون) بمنهاج يستشف تطلعاتكم، ويجري بكم لأفاق غير محدودة، ولا في خلد الملائكة، مناهج تحس بكم، وتشخص هموكم واحلامكم، وتثري وجدانكم وحواسكم الكبرى..
رمى بكم القدر، في وزارة باهتة، لجان باهتة، تصيغ المناهج الباهتة، المذلة، حشو عقولكم بسخف وخرافات، قتلوا روح الابداع والتجاوز، صبوا عقولكم العطشى للأفاق البعيدة في قوالب تليدة، رجعية، مضرة، تقوم على الحفظ والترديد، والببغاءوية، وأنتم مشروع إنسان كامل، لا أفق لتطلعاته... حتى الرأي العام، قتل فطرتكم الأولى، بمسيات (دكتور ضابط)، وكأن الحياة، لا تقوم إلى في العيادات المليئة بالسعال والأنين، والعسكر، وما أدراك ما العسكر، (لنا تجربة تفي كل سوداني، عن التعريف)..
ادخلوا صراخ الثكالى في عقولكم، صبغوا بسواد جهلهم صفحات في خيالكم البديع، وحفروا في حقول الذاكرة حفر وثغوب، ..فهربت عقولكم من الفصول، كي تسرح في ملكوتها الخاص....
نفروكم من سماحة العلم، والفكر، والهندسة، والدين، وألقه، ودوره في اكتشاف الذات والعباد، صبوا الاسمنت في آلية التفكير، كي تفكر كالأمس، وتحكم كالأمس، وتكتب الشعر كالموتى،...
لا عليكم، ورب الكعبة لا عليكم، انتم اذكى منهم ومن المناهج ومن وضع الامتحانات، فعمكم العقبري انشاتين كان يكره المناهج، وتشرد، في عقله الخاص، ومخترع الهندسة الوراثية كان متشردا بارعا، ملء جيف ا لفصول الميتة، وجرى للجامعات الكبرى بداخله، عقل خلاق، وقلب محب، ووجدان محلق بالخيال...
انتم حفدة رجال عظام، في تاريخ البشر، عمكم هوميروس، والفارابي ولويس باستور وابن عربي وداورن، لم يلتفتوا لشئ، سوى هاجس داخلي، سوى نور يسعى بين ضلوعهم، فاكتشفوا ذواتهم، اكتشفوا العبقرية داخل نفوسهم، لا يأس مع العبقرية المدخرة والمخبأة بداخلكم.. فالحياة لم تصيغ في صبرها الطويل عقولكم وعيونكم عبثاً....
على يقين بانكم اعظم، وليس هذا محك، بل هذه الامتحانات وصمة عار، بل فشلكم يدل على عقمها وفشلها، اشبه من يحاول صب ماء البحر في حفرة صغيرة.... أو إدخال قبة السماء...في علبة صلصلة، تفاوت في المدارس، مدارس كأنها الشتاء من برد المكيفات، ومدارس، بلا سقف، ومعليمن، يردسهم هواء السماء،
وللكل الناجين، انتم أكبر، بل هذه الامتحانات شلت عبقريتكم الكبرى...
للفاشلين، يقول برنادشو، هناك (ظروف ذكية، وهناك ظروف بليدة)، لقد وقعت في ظروف ومناهج وطرق تدريس ومدارس وأزياء وامتحانات... بليدة ... بليدة ... بليدة...
فلنراجع الذات والعباد والبلاد والمنهاج والافكار والمثل العليا... كي نجلو صدأ قديم، ربط على حواسنا جميعا.. وعلى رأسها حاستي (العقل والقلب)...
متى نصحو، نمنا اكثر من ألف عام، ومع هذا يقولون بأن (أهل الكهف)، اصحاب الرقم القياسي في النوم...
هؤلاء فلذات الأكباد، أمل الشعب، انهم الغد، إنها الشمس، فلم نطفئ عقولهم بالإهمال...
للحق الأمر أكبر وأعصى من الوصف والفهم والحكم، متى يأتي المنهاج السوي، الكلف بالتعليم المستمر، المنهاج الذكي الخلاق، المتفرد، كي تعرج بسلمه النفوس لشمسها البعيدة البعيدة.. المنهاج الذيي يحرر العقول والقلوب من السخف والخرافات، منهاج علمي، تجريبي، سوي... يطلق لعصافير اجنحتها كي تغرد بنفسها، منهاج يعرف مقدار الفرد، والمجتمع، يعرف قدره ودوره، منهاج يحرر الإنسان من براثن الجهل.. متى؟!!!
يا لبئوس المناهج..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
23/4/2007م
عزيزي واخي استاذ المصطفى مدثر....
سلام سلام، ومحبة... لم الكتابة!!..؟ سؤال أوجه لنفسي، كل يوم، بل لم يفارقني، لم؟ إهي ضرورة، أم (كمالية)، أم (غريزة)، كالجوع، والجنس، وخطف التجلي!!..
(تكنيك التعبير عن الذات، والقدرة على التعبير عنها)، اخوك حين يحكي (حتى على المستوى الشفهي)، لاصحابه يستعمل كل جوارحه (أختي علوية يعجبها هذا التعبير الجسدي، وصديقي حميد يعتبره (نقص في التعبير وتسخير الوجه والايدي لإكمال الصورة)، ود. عبدالله عابدين، يأتي برأي ثالث، بأن الجسد يعبر أكثر من اللغة، وبصدق، (زي الرقيص، والخوف والابتسام، تكتفي النفس بتعبيرات الجسد)، ويظل اللسان عاجزا (لوحده)، عن التعبير عن انفعالات الجسد كله (حتى الاصابع والرجل تفرح، والقلب والظهر والمخ، كلها تفرح، وتريد من اللسان "وحده"، أن يعبر عنها)، ولأنني (خجول نسيبا)، أقول خجول لأن سربي المقرب/المحبب، يقولون ذلك، ولكن خواطري (الشاطحة، تقول عكس ذلك تماما، حين قرأت الغريب، أحسست بأنني لست بعيد منه، ليس البير كامو، إنما ميرسو، بطله، أو قل سريرته، وسيرته الذاتية)..، كما يرتسم على البصر، رهاب خوف من القطيع/المجتمع/، طاقية الاختباء كانت حلمي.. كي أرى الوجود، ولا يراني..(هل الموت اختباء غريزي)... (لقد فرت الغزالة، حين جرى خاطر وحشي بذهن الشيخ السماني خاطر: لو بآكل اللحم الغزالة دي ما قربت مني كده)، مجرد خاطر حيواني منه، فرت الغزالة، (يطلق الجسم الإنساني رائحة التوجس، التوحش، هالة تحيط به كالجلد)، فتفر منه الأشياء (حتى الشعر يفر)، وألا لما ركت (حططت) العصافير على (كتف الحلاج)، ولم ترك على كتف موسوليني، أو حتى جابر ين حيان، أو حتى التجاني يوسف بشير (السؤال يوجه للعصافير:.لم جعلت من كتف الحلاج عرشا لها)، إنه الحدس.. (ذاك السراج الدفين بجمجمتها الصغيرة)، والذي جعل من البذرة الحقيرة شجرة وارفة، تعرف كيف تشق طريقها للفروع، ثم الساق، ثم الاوراق، ثم الثمرة، وتكورها، وطمعها اللذيذ.... لقد ابتعدت البذرة تماما عن هويتها الأولى... لشئ أخر... بسراج الحدس، خريطة الطريق للكمال، والجمال، للثمرة، بدلا عن بذرة واحدة، وبداخل كل ثمرة (عشرات البذور)، العصافير تعرف زولها (يتغني بها الشعراء)، وتحط على كتوف المسالمين الحقيقين....
جاء التعبير عن النفس (عن الحياة وغموضها وتهتكها، ولذتها)، عبر آليات الكتابة، عزلة الكتابة، ما من كتابة وإلا هي عزلة حسية، ومعنوية، و(احيانا بالشعر)، وغالب الاحيان (بالسرد)، السرد حوافه واطره مديدة، وواسعة، والشعر (اوسع في التعبير عن الذات، وحقيقتها)، ولكنه مركز، ومكثف، كنواه الذرة الصغيرة (والقادرة على الفتك حين تمل، وتنفجر، أي توزع طاقتها المكبوتة في الأفاق)... كما فعلت بهيروشيما، وكما يفعل (مكبوت الشعر)، مع القلوب، (حين يفجر ومضه وخطفه القوي)، ويهدم كل تصور عادي، أو مبتذل للحياة، بيت شعر صغير يفعل ذلك، بل أكثر، ولكن هنا كتجلي (جمالي)، وهناك، كتجلي (جلالي، ذرة المادة، اقصد، وذرة الشعر، في الثانية)، والمادة طاقة، والطاقة، شئ واحد، محير ومربك...كأحداث الماضي (أين هي الآن)، وكأحداث المستقبل (أين تختبئ الآن)، حتى على الإله، أم (الكون ألغاز، بالنسبة للعقول البشرية فقط)، ولكنه ماثل كله، لبعض الذوات... التي تتشبه بالإله، بحقيقتها..
وكتابة الشعر صعبة، لأنها حال إلهام، وخطف ذاتي/سماوي، لا تجارى، ولا تتكلف، ولا تتصنع، والسرد قد يكون غير ذلك، وقد يكون ذلك...
هل تصدق أخي واستاذي مصطفى، بأني بكيت (على دون كيشوت)، أكثر من رحيل خالي دفع الله، (رغم حبي المفرط له)، أحسست بهوان دون كيشوت، وظللت ابكي، والكتاب على ظهري يهدهدني، ويعزيني رجل رفع سيف في وجه الطاغوت، في وجه العادة، في وجه الابتذال، ياله من فارس فاشل كبير، لقد سخر من كل شئ في الذوات البشرية، (حين نعجز على تغير الواقع فلنتهكم منه)، كيف استطاع ان يصور (الهوان البشري)، وبلادة الحياة، والبون الشاسع بين (الكائن)، وما ينبغي أن (يكون)... مجرد حروف سوداء، أظهرت لي الفارس العجوز، وسيفه الصدئ المكسور، وروحه المتوثبة، وتتداخل الهذيان والواقع والحلم في نسيج عبقري، ناضج، ومتفرد... سالت الدموع بعد أكثر من 4 قرون من سواح الفارس في ربوع اسبانيا، كمسيح ادبي، يعيد الارض للجنة، للحلم، للهذيان المبارك...
أين دفن دون كيشوت، أين قبره، كي نحج له، كما نحج للجيلاني، وللوثر، ولموزرات، (للشخوص الرؤاية أجساد حقيقية)، ألم يبكي (ماركيز ومرسدسدس)، على موت احد الشخوص (القاتل ماركيز، والخالق ماركيز، والباكي ماركيز)، فكرة الخلق والموت، ومن يد واحدة، وإرادة واحدة تربك العقول، وتجعل الوعي محدود، وقاصر..(إذن خيال الكاتب يجري بدفع ذاتي، وعلى العقل تسجيله، ورصده)، وحينها يكون (المبدع والمتلقي)، هما ذات و احدة، والقارئ الأول للنص، هو المبدع ذاته، فقد تتدفق الخيال، من ذاته، كما يتدفق (الجوع، والخوف، واللذة الجنسية)، بلا حول أو قوة...
فالكتابة شأن ذاتي، كم أحسست بمعاناة ابوزيد البساطمي، (ضال كبير)، كان يبحث عن شي نفيس (ذاته)، فأرهق جسده (كالمتنبي)، وإذا كانت النفوس كبارا، تعبت بمرادها الاجسام، النفوس الكبيرة ترفض الظلم، ترفض العادة، والتسلط، بل ترفض الإجابة المبتذلة ل (لم نعيش)، كي نقرأ، ونبني، ونتزوج، ونموت، (وترك السؤال القديم معلق على مشجب النسيان)، (من أنا)، وهل يترك هذا السؤال نفسا دوان يروادها في اليوم، بل في كل لحظة، ولكننا نزوغ منه، من ضجيجه، من قوته، من قهره، من تضحياته بل كنت اتمنى التعبير عن الذات (بالرسم)، بل بالأدق بالنحت .... (توحيد بنية الجسم في النحت)، العضلات، والفكر والإرادة، وتجسيد الخيال، (وحين لن نعبد التمثال)، عبادة الوعي الذاتي، حين يتجسد، كم مغرور هذا الإنسان، له الحق (وغير ذلك أيضا)، حمال اوجه، كان ويكون، وكائن..
نصحني صديق بالنحت (رأي توتري الداخلي عميق، ومتواصل، ويومي)، قال لي حاول أن تنحت.... كي تخرج تناقضك/أو اتساقك الداخلي، كي ترى ذاتك، في مرآة (الإنجاز)، كم متعبة حقيقة الإنسان....
والله اخي مصطفى اكتب لأني متعب، واحيانا كثيرة اود تمزيق كل ما اكتب، بل احب وتراودني نفسي للهجرة بعيدا، لخلوة بعيدة عن أي ضجيج مادي، بل احيانا ارغب في العيش في بقعة لم تتدخل فيها يد إنسان، على الإطلاق، عذراء، رسمتها الطبيعة ببطئها المعروف، وحذاقتها الاكيدة (كما رسمت القلب، ومشاعره، وتدفقه)، بدون تتدخل حتى (آدم الأول)، فهو معطى، من معطيات (الطبيعة العذراء والمتواضعة)، والتي تخفي عبقريتها، إلا لمن حدق جيدا (كما حدق مندل،)، الراهب الملول، والذي جعل من بذرة البازلاء، رسولا للجنيات، والخريطة الوراثية، وتواصل الاجيال، داخل الجينات، (يمكننا ان نقول بأننا خالدون، وبأن آدم الأول، هو نحن: ودهشته من الوجود لا تزال ماثلة)، فالوجود لا يزال يستفز العقل (بغموضه، وسحره)، ولذا نظل (نفكر، ونكتب، ونعزف، وننتحر، ونشطح)، مدى الدهر......
لم أكتب؟، والله عجبتني كلمة (اورهان باموق)، أمام نوبل، ياريت ننزلها، هذا الطفل الشقي، اجاب عن 80% من إغراء الكتابة، بصدق وعفوية يحسد عليها (كما نحسد ميرسو، بطل كامو في الغريب)، على وضوحه الشديييييييييييييد، سيرة وسريرة واحدة، كالاطفال، بل ارق....لم احس بتضامني مع كاتب، وإحساسي بهوانه، على نفسه، وعلى بيئته، كما احسست (البير كامي، وأحيانا محمد شكري، وفدوى طوقان نسبيا، وبرضو طه حسين، ومعاوية نور)، كان الله في عونه، أهكذا عاش، (نافرا)، من بيئة باهتة تحيط به...(بشر الحافي، وضع نعله تحت إبطه، وجري من وحش بغداد، ضجيج بغداد، سخط الخرطوم، جنون شيكاغو)، وعلى نفسها، جنت المدن...(أي خيال!!! سوف يعترض ويمتعض من شكل المدن، وروح المدن، وجوهر المدن، غرور المدن)، ومجتمع جديد، أو (الكارثة)...(أو)، الكتابة... الكتابة بديل، وانتحار مبارك وحلال (انتحار بمعنى الخروج من العالم الماثل)، والقفز داخل العالم (المتخيل، المتصور)، المنشود.. فالخيال هو الغد، وقد تراءى للعقول، كي يحفزها للسير، نحوه، كواقع متوقع!
كلامك عن نص (النيل الازرق)، كله تمام، وصاح، وحقيقي، (الكتابة الآلية)، أحيانا تكون ساطعة، ثم تنحرف، ثم ترسو في القاع، وكثير من الاحيان لا اراجع ما اكتب بإحساس (إنو العاطفة حين كتب النص كانت في ذبذبة عالية)، وحين تراجع، قد تهمد العاطفة، ويجري التعديل (ببرود العقل)، وحينها يكون النص بعيدا، حتى عن كاتبه (السعيد، والمشرف على الموت: لا يتفاهمان)، النص بعيد، بعيييييييييييييييد، عن كاتبه، يقرأه وكأنه من شخص أخر، وللحق (أخر)، كما يقول علم النفس،و التصوف (النفوس سبع)، بل أكثر... والنص كتب (بنفس)، ويراجع (بنفس أخرى)، اكثر تبلدا، وتذوق...
نعود، الكتابة شأن ذاتي، بحث عن الروح، محاولة لاكتشاف الذات، وليس متعة، أو تسلية، (وقد تكون كذلك)، كوظائف ثانوية، ولكن (كي اعثر على ذاتي)، روحي الغائبة، عني... ليتنا نعثر عليها، عبر جسر الحروف.. ليتنا...القدرة على التعبير، عن مكنونات النفس، عن خلجاتها، عن نبضها الدفين، وطموحها، فالقدرة تنمو، وتمد يديها حتى للاستحالة، وتصير الاستحالة واقع (كما رقص ناس على الحبل، وتكلم أخرين مع الموتى، وتحسس آخرين الخيال بأيديهم، كما نتحسس رأس الحبيب)،
قد اترك الكتابة، إذ أحسست بأنها لم تقربني من نفسي، من ذاتي... إذ أحسست بأنها طريق مسدود، أو ضال، وبأن هناك طريق آخر للوصول للذات حتى ولو كان (شحده الناس في الطرقات والمساجد)، كما فعل بشر الحافي... (باب الذل أقرب الطرق)، ... أو أي باب أخر، تخترعه النفس (بخيالها)، بعكازها الجميل (الخيال).... وقد أركع، كما ركع، (بطل الأبلة)، للعاهرات حين أحس (أنا أركع من أجل الخطيئة البشرية، من أجل كل الخطيئة البشرية)، من أجلكن... أيتها القريبات من حقيقتكن، هوانكم.... كما باع (هيسه)، شواهد القبور، أو كما ضرب الخضر في الاصقاع بحثا عن نفسه، وكيانه... وجنته، أو جحيمه، .... وتظل الكتابة شأن ذاتي بحت...كمعراج للذات، ببراق الحبر، والصور، والشكول..والخواطر، حبل يتداعى بك، لقعر الذات، حيث لا حيث، وعند لاعند، أتصور بأن هذا (تصوري) للكتابة... عميق محبتي!!...
اخوك عبدالغني كرم الله الدوحة 23/4/2007
ملحوظة: أخي واستاذي مصطفى مدثر الكاتب القاص المعروف..
.....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: حيدر حسن ميرغني)
|
عندما بلغتني أولى رسائل لوفين، أوَّل ما استوقفني فيها هو مخاطبته لي باللغة الإنجليزية. لماذا؟ "ولماذا" هذه تتضخّم وتتضخّم مثل بالون منطاد، حتى ترتفع بمنطادها لدرجة أن يفرقع من حرارة العلو. "لماذا" خاصَّة بهذا الرجل بالذات وعلى وجه التحديد، المتخصِّص في اللغة العربية، ومسؤول قسم اللغة العربية بجامعة غربية. والذي جاءني إلى مكاني طالباً أن يترجم لي، من العربية إلى الفرنسية، ولم أذهب إليه أنا، فلماذا رغم كلّ ذلك يتعامل معي كمستعمرة إنجليزية؟ من افترض له على بياض أنَّني ككاتب أكتب باللغة العربية أعرفُ اللغة الإنجليزية أيضاً!؟ أين تكريمه لقصتي في مخاطبتي باللغة التي كُتبت بها، قبل تكريمه لها بترجمتها!؟ عفواً يا لوفين، فإن كنتَ تجيد الإنجليزية أكثر من العربية فمن المستحسن أن تقوم بالترجمة عن الإنجليزية بدلاً عن العربية. وإن قَبِلَ كلُّ من كاتبتهم الرد عليك باللغة الإنجليزية فأنا لن أفعل ذلك. إن كنتَ قد تعاملتَ مع كُتّاب حصلت على بعضهم من الانترنت وملأت بهم موقعك كـ(أعلام للأدب السوداني)، فأنت الآن قد بلغت وكر كاتب محترف. بل دعني أعرف مستواك في العربية ذاتها ما دُمتَ تُريد أن تُترجم (الوجود والوجود الآخر) التي أعجبتك. وإن كان مجرّد قراءة رسالة لي يستنزف من وقتك ما يكفي لترجمة قصّة، فاكسب وقتك يا صديقي. فبالنسبة لي أنا لو قامت نجاة محمّد علي الما خواجية بترجمة إحدى قصصي إلى الفرنسية فسأكون محتفلاً بها، ومطمئناً عليها، أكثر من أن يقوم بترجمتها خواجة. لأنّ المشاكل المُحتمل أن تعترض هذه القصة في حال أن تترجمها نجاة ستكون متعلّقة بالتعبيرية فقط. وهذه يمكن لأي محرر غربي أن يقبض لقاءها خمسين يورو ويستعدلها في ظرف ساعات. أمَّا المشاكل المُحتمل أن تعترض القصّة في حال أن يقوم بنقلها شخصٌ ليس ناطقاً بلغة القصّة ذاتها، فهذه مشاكل ستقوم على مستوى فهم النص ذاته ومحتواه، وعلى مستوى النهج والأسلوبيّة التي اتّبعها الكاتب، وتقنياته، وكلّ اجتهاداته في ابتداع التفاكير والتعابير بداخل العمل. فأيُّ الضررين أخف؟ وهل لو قامت غداً الأستاذة نجاة محمّد علي بمقترح مشروع مثل لوفين هذا كنّا سنسمع هذا التهليل كلّه، والتدافع على أبواب نجاة، وهذه الاعتبارية التي لم نقبض منها شيئاً حتّى الآن كثقافة سودانية؟ أنا أنتظر رؤية عمل أحمد الملك، فملاحظتي الثانية أنّ هذا المترجم يُعَرِّف نفسه من خلال ترجمة عمل يتيم لنوال السعداوي، بالإضافة للعمل الآخر واليتيم أيضاً للصديق أحمد الملك، "عملان فقط" لرئيس قسم اللغة العربية بجامعة غربية! عفواً يا لوفين، لو أنَّك بلغتَ من هذه الثقافة المسكينة وذات الكُتّاب المساكين.. نصف كوبها الذي بلا "تقاليد مجال"؟ فمعي قُم بتجاوزه إلى نصف كوب آخر خاص بي. فقد تأملتُ في ساحة ثقافتنا السودانية هذه التي لم تورّثني "تقاليد مجال" قبلك. ولم يكن أمامي من طريق سوى اختراع هذه التقاليد بنفسي وعيشها منفرداً ومسلولاً من قِرابي كخارجي يؤمِّل في رحمة العزلة والعمل وحيداً، أكثر مما يُؤمِّلُ في تخالطٍ يفقر بصيرته ولا يعطيه أكثر من بطاقة عضويّة في عصابة. وحتَّى أموت ليس بيني وبين هذه الساحة الثقافية إلا تأسيسها بالنقد الصارم على نحوٍ ينشد مستقبلها ويحترم تاريخها. والموت بالنسبة لي كفنّان خارج قِرابي هذا باطل، والحياة أيضاً خارجه باطل. وملاحظتي الثالثة هي أنَّ لوفين كان يقدِّم نفسه دائماً مع "إشارة ما" لأنَّ هنالك ناشر ينتظر ترجمته، ما أزعجني فعلاً ككاتب تجاوز هذه المرحلة من عشرينيات عمره. فيا أخي لوفين -عن نفسي- أتهرّب شهرياً من ناشر ما، سواءً من السودان، مصر، الشام، المغرب العربي، الخليج.. إلخ. فما هي دلالة هذا التلويح بالناشر في دنيا كتّاب ومترجمين يزعمون الاحتراف!؟ ولنشرح للأشخاص الذين لا علاقة لهم بهذا العالم وبهذا المجال دلالات ذلك. الناشر شيءٌ مستعصٍ حدّ المستحيل في عالم الكتابة والنشر، ولذلك من يلوِّح به يصبح رهين أحد تأويلين، إمَّا الفرح بذلك لعدم الرسوخ في المجال وعدم السمعة الكبيرة أيضاً، وإمَّا عدم التأكُّد من وجود ناشر في أساسه. لقد أزعجتني هذه الإشارة في رسالة لوفين لي، كما رأيتُها في مجمل الرسائل التي بلغت غيري ونُشرت هاهنا. وكذلك في سودان فور أوول وآخرها ما نُشر عن عبد الغني. وفي مَرَّة عبد الغني حوت الرسالة اعتذاراً عن النشر في هذا العام مع وعد بالعام المُقبل ومن خلال طريقة اذهب بنفسك واقرأها تحت إضاءتي هذه. ما اضطرني لأقوم بوضع اسم لوفين في قوقل لأرى سيرة له تحوي العملين اليتيمين ذاتيهما، اللذين لم أرهما شخصياً حتى الآن، ولأعثر على كتاب واحد فقط للوفين خلال بحثي. فسبحان الله.. قوقل اتفاسل، سأعيد البحث. ----------------------- الحد أعلاه، هو ما قطعتُ لديه تسلسل أفكاري حالياً، ليس خشية أن لا يفهم بعض الناس في أي جهة يتحدَّث محسن خالد، ولكن لكي أكسب وقتي ذاته فيما أودُّ قوله. أمَّا ما أُريده من ذلك كلّه فلا تعوزني إلا نفسي لإنفاذه وتحقيقه. إذ لا أؤمن بجماعات الكُتّاب ولا غيرهم، وإن استطعتُ تربية نفسي وحدها فما قصّرت. والعافية درجات، والفضل اجتهاد، والفَهَم قِسَم. سأنشر الرسائل في تتابعها وسأعود لاحقاً لاستكمال حديثي عن "تقاليد المجال" حولها، ومنها بقدر ما أحتاج إلى ذلك. (الرسالة الأولى1 ):
Quote: -----Original Message----- From: Xavier Luffin [mailto:[email protected]] Sent: 24/Aug/2007 12:00 AM To: [email protected] Subject: about your short stories Dear Muhsin Khalid I had your email address through Iman Shaggag, I am Xavier Luffin, the head of the dpt of Arabic at the Free University of Brussels (Belgium). I am also a translator from Arabic into French (I've translated a novel by Ahmad al-Malik and "isis" by Nawal Al Saadawi). I also created the website "Regards sur la litterature suoudanise", which includes some other of my translations: http://stic.ulb.ac.be/rls I want to offer to te french readers a collection of Sudanese short stories, and i would like to include your work "al wujud wa l wujud al akhar". Would you accept? It is still nothing but a project, but a French editor is interested best regards xavier luffin |
ردي عليها:
Quote: -----Original Message----- From: Muhsin Khalid [mailto:[email protected]] Sent: 24/Aug/2007 12:00 AM To: 'Xavier Luffin' Subject: تحايا وشكر الأستاذ العزيز لوفين، لك التحايا وأجمل الأمنيات بالتوفيق أولاً نشكر لك محاولتك التعريف بالأدب السوداني ونقله للغات ثانية. ونرجو لك التوفيق والسداد في ذلك. ولكن بكل صراحة يا أخي بعد أن قمتُ باتباع رابط الموقع وتصفحت ما أعددتموه من مختصر لأعلام الأدب السوداني وجدتُ أشياء جِدّ محيّرة وقطعاً تسيء إلى كل مجهوداتكم لكونها تقسّم الكتّاب على نحوٍ مخل غاية الخلل. وتحشر أسماء لا يعرفها أحد بالأصل ضمن قوائم الكتاب السودانيين المعروفين لدى الجمهور والمؤسسات الأكاديمية والإعلامية ولدى دور النشر العربية المهمة. ما أربكني حقيقة وجعلني في حَيْرَةٍ من أمري. أرجو منك إعادة النظر في هذه المسألة لأنّ أي مثقف سوداني سيمر على هذا الموقع ويجد هذه الأسماء فلن ينظر إليه بجدية مطلقاً. وهذه النقطة تحديداً أي كونك قمت بوضع أسماء ما سمع بها أحدٌ قط في قائمة إنجازات ومنجزين كبار، كما قمت بإسقاط أهم أسماء في عالم الأدب السوداني اليوم، أو أسأت تقدير مكانها في ترتيباتك للأسماء. عموماً لا مانع لديّ أبداً في إضافة أعمالي لجهدك، ولكن ((بشرط)) وهو أن أعرف أسماء الكُتّاب الذين ستشركهم في هذه المجموعة. لأنك إن كنت ستضع ((بعض)) هذه الأسماء التي رأيتُها في الموقع، فقطعاً سأرفض أن يُوضع اسمي من بينها. مبدئياً هذه هي القائمة التي لا اعتراض لي عليها: الطيب صالح بشرى الفاضل أبَّكر آدم إسماعيل عبد العزيز بركة ساكن عادل القصّاص أحمد الملك أمير تاج السر عيسى الحلو إستيلا قاتيانو فرانسيس دينق عبد الغني كرم الله الحسن بكري كلثوم فضل الله إبراهيم إسحق طارق الطيب جمال محجوب ليلى أبو العلا
على هذه الروابط ستجد (بعض) أعمالي التي صدرت في بيروت عن واحدة من أهم دور النشر العربية: هنا روايتان: http://www.airpbooks.com/Ar/Publications.php?CatId=53&page=25 هنا مجموعة قصصية: http://www.airpbooks.com/Ar/Book_Details.php?BookId=139...cations.php?CatId=56 === http://www.airpbooks.com/Ar/Book_Details.php?BookId=140...cations.php?CatId=53 ... http://www.airpbooks.com/Ar/Book_Details.php?BookId=136...cations.php?CatId=53 .. ولك أجمل الأمنيات بالتوفيق |
--هامش— الكُتّاب الذين ذكرتهم، بناءً على ما جمعه هو في موقعه، وإلا لكنتُ جمعتُ له ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. باستثناء كلثوم فضل الله –إن لم تخني الذاكرة- أعتقد أنّني من اقترحها، طبعاً لانحيازي للكتابة الأنثوية المسكييينة والمحاااصرة عندنا. وأقواس التشديد على كلمتي "بعض" و"شرط" كما في الرسالة الأصلية.
(الرسالة الثانية 2):
Quote: يا عزيزي محسن خالد بعد التحية, اولا اشكرك لرد فعلك السريع والصريح! لقد فاجئتني ملاحظتك عن قائمة الكتاب الموجودة في موقعنا. اعترف بأن القائمة لا تحتوي على جميع المؤلفين السودانيين ولكن اقبل مساعدة زائري الموقع لتكميلها. اما بالنسبة للكتاب المذكورين في القائمة، من الصعب ان يقول الواحد (بطريقة موضوعية على الاقل) ان فلان كاتب متميز والثاني اسلوبه سيء. اعطي اسماء المؤلفين وعلى القاريء ان يقرأ اعمالهم وان يقرر من هو كاتب جيد اوغير جيد, في رأيه (لكن كلهم كتبوا نصوصا). بما يخص المجموعة القصصية, افهم خوفك ولكن باعتباري كمترجم وقاريء, سأختار طبعا قصصا لها جودة ادبية معترفة بها, وشكرا مع كل تقديري زافيا لوفين |
--------هامش--- هذه الرسالة للأسف لم أجدها كاملة بمدخلها.
وهذا ردي عليها:
Quote: -----Original Message----- From: Muhsin Khalid [mailto:[email protected]] Sent: 25/Aug/2007 12:00 AM To: 'Xavier Luffin' Subject: لك الحب
عزيزي زافيا، دام بهاؤك دعني أبتدر مكتوبي هذا بمزحة أنني لم أستطع نطق اسمك الأول بشكله الصحيح من خلال الحرف اللاتيني في رسالتك الأولى، وربما لو تركتني لمدة قرن كامل لما كان بوسعي تخمين أنّه "زافيا". بأحسن الفروض كنتُ سأنطقه "إكسافير". لوول والآن أستأذنك في توضيح ما عنيتُه في رسالتي الأولى لك. أولاً يا صديقي دعني أحدّثك عن مستوى التصنيف بالنسبة للكُتّاب المعروفين أنفسهم والذين لا اختلاف عليهم، ثم نأتي بعد ذلك لنقاشك حول من هم الكُتّاب؟ ومن هم غير الكُتّاب؟ فلا أنا ولا غيري يمانع في أن تكتشف كتابات جديدة وكُتّاب مغمورين سودانيين، بل ذلك يسعدنا. ولكن حينما تُعَنْون هذه الأسماء التي اكتشفتها أنت بكونها قوائم الأدباء السودانيين –معرّفة بالألف واللام- فهنا سنسألك عنهم، من هم؟ وما آدابهم التي كتبوها؟ ومتى ومن أين نشروها؟ أقول هذا وفي بالي أنّ السودان ليس بالبلد الذي فيه الصناعة الأدبية متطورة لدرجة أن تكون هنالك مئات الأسماء الغائبة عن الساحة الثقافية وغير المعروفة، أبداً يا صديقي لوفين.. النشر عندنا يتم في ظروف عسيرة وهذا صحيح، والشعراء عندنا نعرفهم من المنتديات والصحف وليس من كتبهم وهذا أيضاً صحيح، ولكن هذه الساحة الثقافية في جميع جوانبها مكشوفة لأي سوداني. وأيضاً مكشوفة لإخوتنا من العرب باعتبارهم جزءاً من بيئة اللغة التي ننمو فيها وجزءاً من السوق التي نروِّج فيها أعمالنا. أي يا صديقي لوفين الحياة الثقافية عندنا مكشوفة للغاية، وكُلُّ مجوِّدٍ في مجاله أو مبرِّزٍ حين يظهر اليوم يُعرف اليوم ولو اسماً فحسب من دون قراءة. فليس هنالك ما هو سري أو مختفٍ وعلينا أن ننتظر به الترجمات الأجنبية كي تكتشفه لنا. هذه المسألة أنا لا أعنيك بها أنت على وجه التحديد، ولكن مستشرقي الغرب في العموم ومترجميه، نجدهم يعانون من حكاية الاكتشافات هذه. ربما دخلتهم هذه الخصلة من الكشوف الجغرافية، وأنا أراها سالبة لكونها لا تقدِّر هذه البيئات حق قدرها ولا تعتبرها كفيلة باكتشاف نفسها ومقدراتها. فيا صديقي لوفين أنت متخصّص في اللغة العربية ورئيس لقسم كامل بأكاديمية ولكن دعني مع ذلك أقول لك بأنّ بيئتنا الثقافية واضحة جداً، وأعلامها مرتبون على نحوٍ "تاريخي" ومعروفون، ويمكنك العودة لجهات ثقافية كثيرة سواءً كانت عربية أو سودانية وستدلّك بكل سهولة. سأضرب لك مثلاً كي تفهمني جيداً، ربما يذهب أحدهم غداً إلى روسيا ويجري بعض البحوث في كُتّاب القرن التاسع عشر من الروس، فهل نتوقّع له أن يكتشف بوشكين، دستوفسكي، تولستوي، أو شيخوف جديد؟ قطعاً لا، فالروس أعرفُ بكتّابهم من غيرهم. والمجلات التي قدّمت الكُتّاب مثل "بوديلنك" و"ستريكوزا" و"سيفيرني فيستنيك" و"أوتيتشستفيني زابيسكي" وغيرها، أيضاً الروس هم من كان يتابعها ويقرأها فبذلك هم يعرفونها أفضل من غيرهم، وهم أيضاً من تابع حركة النقد في وجه هذه الأعمال ويعرفون هزيلها من ناجزها. تخيّل يا صديقي زافيا –مثالٌ ثانٍ- أن أحدهم قرّر أيضاً إنجاز دراسة عن "مُطلق أعلام الموسيقى" في المانيا القديمة والشاسعة بما فيها النمسا، ثم قام هذا الشخص بعد وصوله لألمانيا بالدخول إلى أقرب Bar ودوَّن اسم قائد فرقة الـentertainer على أنّه الموسيقار الذي لا يشق له غبار، ثم تجول الليل بطوله يسجل أسماء هؤلاء الـentertainers!! هل يستطيع أحدٌ أن يقول إنّ هؤلاء الناس ليسوا موسيقيين؟ لا أحد يقول ذلك بالطبع. ولكن هل هم أعلام الموسيقى الألمانية؟ هل يمثلون بتهوفن ويوهانس سبستيان باخ وفاغنر وموزار وشوبرت؟؟ هذا هو السؤال المحكّ والذي يوضّح لك وجهة نظري. (بكل صراحة) أنا أرى أنّك قد دخلت إلى مواقع الانترنت التي هي بالفعل مثل الـ Barوجئت بأشخاص لن يعرفهم إلا صاحب الحانة ولليلة واحدة فقط. يا صديقي زافيا أرجو أن تفهمني جيداً فأنا أريدك أن تساعد هذا الأدب السوداني فعلاً، وأيضاً لا أُريدك أن تضيّع زمنك في ما لا طائل منه. سَبَقَ للمستشرق والمترجم "دينيس الإنجليزي" وهذا هو الرجل الذي نقل إلى الإنجليزية الكثير من الآداب العربية الجيدة والمعروفة قيمتها للجميع، منها مثلاً رواية الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال"، سَبَقَ له وأن استشارني وكنّا في مدينة أبو ظبي عن كونه يُريدُ إعداد أنطولجيا سودانية ويُريدني أن أساعده في ذلك –كتبتُ هذا الكلام قديماً ونشرتُه- فقلتُ له أنا سأساعدك في إعداد ببلوغرافيا للكُتّاب السودانيين أنفسهم، لأنّ هذه هي الخطوة الأساسية، عليك في البداية حصر الكُتّاب المعروفين والذين يتوفرون على مستويات كثيرة منها: 1- مستوى الجمهور (القراءة). 2- مستوى النشر (إنتاج الكتب). 3- مستوى الأكاديميا (النقد والدراسات). 4- مستوى الإعلام (أن يكون الكاتب متعيناً للجهات الثلاث المذكورة أعلاه، وإلا أصبح شبحاً بطبيعة الحال وليس كاتباً). 5- مستوى الملتقيات والسمنارات المختصة والمشاركات الدولية في مجاله. يا صديقي زافيا أرجو أن تفهمني على نحوٍ صحيح فيما أود قوله، إذ إنني لم أحجر عليك رأيك في اختيار ما تودّه من "نصوص". ولكن حين ترغب في تقديم "الكتاب السودانيين" فهم معروفون وليسوا مجهولين، هذا ما قصدتُه. يعني أنا لم أُبدِ رأياً حتى الآن في كتاباتهم، لأنني متهم بالتطرف ربما، وإنّني أدافع عن نفسي بأنني لستُ كذلك، بل أنا صعبُ المعايير. ومع ذلك فأنا أعطيتك قائمة بالأسماء المعروفة ككتاب وموجودة في الساحة الثقافية فعلاً ومنتجة، بغض النظر عن رأيي فيما يكتبونه. هذه هي النقطة التي أعنيها بالضبط، نحن نتحدث عن الكُتّاب أنفسهم المعروفين بذلك، بعيداً عن نقد نصوصهم وتقييمها، ولكن أنت أتيت بأسماء ليست لكتّاب في "أصلها". وأيضاً قصدتُ تصحيحك في التصنيف، فأنت مثلاً تضع اسماً لشاعر من نوع خاص مثل "الحاردلو" وسط شعراء من تصنيفات فنيّة أخرى، لا أعني المقامات ولكن نوعية الضرب الفني الذي عُرف به هذا الشاعر. فهو يعمل على نوع خاص لا يمكنك أن تصنفه به في خانة شعراء مثل محمّد عبد الحي مثلاً، فهذه لونية ثانية أما شاعر مثل خليل فرح فهذا كاتب ليركس lyrics أي صاحب لونية ثالثة لا يمكنك خلطها مع لونية التيجاني يوسف بشير الرابعة. هل تعرف أنّ أهم وأشهر مدرسة شعرية سودانية اسمها "الغابة والصحراء" وأنت أغفلت أهم علمين من هذه المدرسة ومن الأدب السوداني كلّه. ببساطة هناك أكثر من باحث سوداني متخصّص في هذه المدرسة كان يمكنك مكاتبته وهو سيزودك بكل أعلامها وكُتّابها وتصنيفاتهم المعروفة كي تضعها في مكانها الصحيح وبشكلٍ معرفي دقيق. وأيضاً لم تذكروا في قائمتكم مؤسس روح حركة الشعر السودانية الحديثة ولم تتطرّق إلا لواحدٍ من أعلامها، وصنّفته على نحو "غريب تمام الغرابة" بينما هو يقع ضمن أهم شعراء سودانيين أحياء. أما الذي أدهشني أكثر ما أسميته بالنيو وييف new wave في الكتابة القصصية السودانية. ماذا تعرف عن النيو وييف؟ وماذا تعني بها؟ وأيضاً هناك شح شديد في معلوماتكم عن كتابات المرأة، هذا مجال أنا منحاز له لأنه يواجه صعوبات جمّة. وسبق أن أعددتُ فيه ببلوغرافيا مع الأمثلة لمجلة الكاتبة، عن الأدب القصصي النسائي من جميع البلدان العربية. أما في موقعكم فقد أتيتم باسمين فقط من الأسماء المؤسِّسة في الكتابة النسائية السودانية واسم واحد لكاتبة مؤثّرة. ثم بأسماء لم يسمع بها أحد مطلقاً، بينما لم تُذكر أهم الكاتبات السودانيات العبقريات والمؤثرات بالفعل. هناك خلل كبير في تقديم الكتابات النسائية على وجه التحديد، فهناك مفكّرات سودانيات على مستوى العالم لم يُذكرن.
--------------------------------- أتوقف هنا مؤقتاً، حديثي لم ينتهِ بعد، سآتي لإكماله، بعد أن أقضي بعد المشاغيل الطارئة. كن بخير يا صديقي زافيا الجميل
|
(الرسالة الثالثة 3): ------هامش-------- الألف واللام في كل (الـ)ـكتاب (الـ)سودانيين مظللة بالأحمر في نص الرسالة الأصلية.
Quote: -----Original Message----- From: Xavier Luffin [mailto:[email protected]] Sent: 30/Aug/2007 12:00 AM To: Muhsin Khalid Subject: re:ÊÍíÇÊ يا عزيزي محسن خالد اعتذر لسكوتي الطويل, لكن كنت مشغولا جدا بسبب الامتحانات, وسأسافرغدا لعدة ايام اريد فعلا ان نواصل مناقشتنا وهي مفيدة جدا بالنسبة اليّ (وإن ارائنا تختلف), سأردّ عليك بعد عودتي مع كل تقديري زافيا |
ردي عليها:
Quote: ولا يهمك يا زافيا الجميل. لما تسافر وترجع بالسلامة نواصل. عندما تعود أرجو تنبيهي لأنني أرغب في إرشادك إلى بعض المصادر التي ستفيدك في عملك. |
----هامش---- وللأسف فقدتُ خارطة هذه الرسالة الزمانية أيضاً. كنتُ أنوي أن أقترح عليه متخصصين في النقد وأكادميين ليعينوه في ضبط اجتهاداته. ولكن كانت هذه آخر رسالة له معي، فلم يرد عليّ بعد سفره ذلك كما طلبتُ منه، ولم أُكاتبه بعدها.
--------------
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
العزيزة سارة حسبو..
كيفنكم، السلام والتقدير،،،
ماذا نريد من الكتابة؟ !! وأي رغبة تشبعها فينا؟ ... حتى ما سوف اسطره لك الآن، لم؟ وهل سأعرف نهاية هذا الخطاب، أم (خليها على الله)، كما يقول شخينا يحي حقي، الذي اشعل قنديل ام هاشم في الجميع، ببساطة عبقرية، زي قدرة الموية في الاغراق والسقي والري والسباحة في السماء كسحب تطير بلا اجنحة، يقال بأن للأفكار أجنحة، هل تصدقي هذه المقولة..
كل الاشياء لا تقر عيني، في حين، وفي حين آخر أكون مخمورا بكل شي، أتعلق في خيط بخور، وأجلس على ظهر كلمة تسبح من فم لأذن.. أو موسيقى تتدفق من راديو قديم وهي تركض فرحة في الاثير، كي تنصب الذوات المنسية ببطولتها للمسرح، وهي تخاطب فتاة قبيحة، تقشر في البصل التكل، وتقول لها في اضانها (كيف لا أعشق جمالك، وما رأت عيني مثالك، كيف لا أعشق جمالك)، فتدمع الفتاة خجلا، من البصر، ومن عثمان حسين، معا، وللحياة بطولات مثل هذه، لا نحسها، كبطولة (الأبن)، في عين الأم، قردا كان، أم غزال،.... ويعود يطاردني السؤال لم أكتب، ابحث عن شئ بداخلي، عن ثروة أم قاتل، عن بصيص نور، أو مخبأ، كلاهما تصلح، حسب حالات الكتابة، أناملي تتحرك بقوى داخليه، بيدها لا بيد عمرو، غريزة خفية، كلذة القبلة، كلذة سماع صوت امي في الصبح وهي تدعو لنا في صلاة الفجر، والسحب تتهيئ لنفش قطنها الابيض والرمادي، النبع الداخلي يفيض بذكرى أو خيال، فترتعش اليد، كجسد فتاة غض في حضن فتى محبوب، ويظل حدسي هو الميزان، أحس به ينير لي طريقي في الكتابة، في علاقة الصداقات، في معرفة الآخرين، الحدس كائن عجيب، فطري، موروث، زي الجوع، وزي البصر، انه العكاز الذي اتحسس به نصوصي، وهمي، وتطلعات، بل اكتشف به البيئة المحيطة بي، واتحسس به أكثر لطريقي (من أين ياترى انا قادم، وإلى أين ياترى ذاهب)، ذات الشكوى التي خطرت لسقراط، ولإيليا ابوماضي، ولعوض الكريم موسى (حسبي بأنك حيرتي)،
ها انا وحدي الآن، سعيدا بوحدتي، في (مقهى الكوستا كوفي)، مقهى ايطالي، هادئ، هناك فتيات هناك، فلبينات ولبنانيات، وهنود، الضوء غروبي هادي، وملائكي، وأغنية غربية تبرز فيها اصوات اوتار الجيتار، أكثر من بقية الآلات، تلف الجو هالة من وضاءة، الاغنية تبدو كملاك خفي، أكثر منها اغنية، وأنا اتفرج على الأغنية..
نعم، أتفرج على الأغنية، أنه أفيون الكتابة ياسارة، اتفرج على الاصوات، أشاهدها كسحب تخرج من الأفواة، أو الأوتار، فهناك لحظات تستمع للاغاني، ولحظات تتفرج عليها، تراقبها، كأطفال افترشوا لحصى تحتك، ثم شرعوا في اللعب، وبعد حين لا تستطيع التفريق بين اصواتهم واصوات الحصى، والعلب التي يلعبون بها، أنا أتفرج الآني، أحس بمتعة التفرج، حتى على نفسي، ورعواناتها، وأحلامها المريضة، والنبيلة، اتفرج على نفس في مرآه الخيال والتذكر، كأني خارج نفسي، كل الموازين القديمة تلاشت، وتبدو امامي شاعرية الحياة، وتهيمن العاطفة على قلبي الآن، (الآن، ولا أدري بعد شوية ما يحدث)، أحس بأن الأرض مجرد قلب ينبض، قلب أم وحبيبة معا، قلب إله أنثى، وتعود انماط الحياة وانماط العيش القديمة مجرد هفوة، عثرة، عار، مثل هؤلاء الأطفال غارق أنا، غارق في ثرى الكتابة كقبر عاشق، أو سمكة في ماء، لاتحس بثقل الجاذبية، للطافة الماء، لا أمس من عمر الزمان ولا غد، واضعا رأسي علي يدي، أراقب اعظم لوحه، هي الحياة مرتسمة على عيون واسارير البنات حولي والرجال حولي والموسيقى حولي والاضواء حولي، أأنا ملك، متوج بخمر الطرب،
اضع رأسي على يدي اليسرى، وهو مثقل بمسئولية تجاه الجميع، (وأحلم بالأكاذيب البيضاء)، بل هي حقيقة، (بطل المسرح هو الفرد، أي كان، ولهذا خلق، يقول استاذ محمود: رسالة الفرد تحقيق ربوبيته)،
الآن أنا مسئول عن الجميع، عن الكون، الحس الكوني هو الأصل، سوف تغرق السفينة لو ثقبها أحد، الكون فوق راحة يدي، يشكو ويئن ويتلوى، ويحدق في عيني مستجديا، "انقذني، أعطني، غني لي)، يطرق بابي أنا، مؤمنا بمعجزتي في حل مشاكله، ياله من مكر للحياة ذات الابواب والافاق المغلقة، لم تعد الاشياء متنافرة، للاقتصاد علاقة بالادب، والفيزياء تتأثر بالشعر، الحياة حلم، وعي عقل محدود، من الصعب فهمها، سقوط غرناطة عام 1495 وسقوط علوة عام 1504، ماذا يعني لي؟ كنيسة تفرح، وأخرى تهدم، القشتالين قالوا بأن (الجامع مأوى الشيطأن)، ومملكة الفونج تسب (ألعن صليبك)، ..أضواء الحلم تكشف لي ثراء وجداني الآن، أنا مخمور بنفسي، لا أريد شي، بل أن أكون لوحدي، غارق في مخيلتي، وذاكرتي..
حاليا، أكتب في قصة، أسمها (دولاب أمي)، ...هل تعرفي لم كتبتها، إنها احداث بلدي الحزينة الأخيرة، وموت الأطفال، وبرضو رحيل أخي، وأقرباء آخرين،، كلهم، خلقوا بداخلي حزن، كي أكتب قصة لا علاقة لها بهم، (في الظاهر)، ولكن اذا اهتزت فراشة في الصين، خلقت اعصار في اليابان، كما يقال... لا يوجد شئ، لا علاقه له بالآخرين، كلهم، أجمعين..
القصة هي بيع (دولاب قديم)، لأسرة جارت عليها الأيام، والطفل يحب الدولاب، رسم علاى ضلافته، وتسلقها حيث تدس امه كيك العيد، والحلوى، ويعلب مع اخته في الدولاب، وهكذا..
هل نحاول النسيان بالكتابة، أم التذكر، أم الابتعاد بالاشياء عن ارنبة الانف، كي نراها كما هي، كما نكتب. و الله الكتابة لذيذة، حين تكون هاجس ذاتي، خاص، لا يطلع عليها ملك فيكتبها، أو أنسان فيصغي لها، وتتخذ حينها، الثنائية، وهي التي تعنى بالبكر، والوتر، والواحدية، أي الذاتية البحتة...
اختي سارة.. السلام والاحترام.. أخوك أبدا عبدالغني كرم الله الدوحة. مقهي كوستا كوفي.
...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
الكاتب عبدالغني كرم الله والكتابة.. بين الوجود والماهيةالكاتب والكتابة.. بين الوجود والماهية
بقلم عيسى الحلو
الكاتب يكتب تحت ضغط دوافع كثيرة.. إذ تمثل هذه الدوافع الحوافز القوية لفعل الكتابة. فهو قد يكتب لأنه يريد ان يكتشف ذاته. ومن خلال استخدامه للغة يكتشف أنه لا يمكن ان يتعرف على هذه الذات إلا اذا تعرف على هذه اللغة التي هي أدات الكتابة. وهذا يقوده لان يتعرف على الآخر والذى هو «اللغة» في نفس الوقت. * فالكتابة إذاً تقود لأن يكتشف الكاتب نفسه عن طريق الكتابة. ومعرفته لنفسه هذه تمثل في النهاية تعريفه لهويته وتحديده لهذه الهوية بين الهويات الأخرى. * ولهذا يمكن القول ان الكتابة هي هذه العلاقة الجدلية ما بين الوجود والماهية. حيث يتبلور السؤال.. أيهما يسبق الآخر في الترتيب.. كاتب النص أم النص المكتوب؟ وبعبارة ثانية.. هل النصوص تسبق كتابة الكاتب؟.. بمعنى ان هناك نصوصاً قديمة ناجزة موضوعة في «الوجود» أولاً وما على الكاتب إلا تقليدها.. بوصفها الأنموذج للكتابة!! * إذا قلنا بهذا.. فان هذا يعني ان الكتابة هي اصلاً استنساخ للأصل.. هي نص واحد يتناسل فيما لا نهاية.. أو.. أن الكتابة هي تناص لا يتوقف. وعليه فليس هناك نص جديد «مطلقاً».. وان البشرية تكتب نصاً واحداً مكرراً.. وان لا جديد تحت الشمس أبداً. فلشاعر يذهب الى هناك ويحضر القصيدة المكتوبة فى الابدية. * ولكننا ان وافقنا على هذا.. نجد أننا قد قمنا بوضع الكاتب في موضع الناقل الذى لا يضيف شيئاً.. ومن ثم فهو لا يكتشف ذاته ولا يكتشف العالم حوله. ومن ثم يتوقف الحوار ما بين النص وكاتبه من جهة.. كما يتوقف الحوار بين النص واللغة التى كتب بها. * بعد هذا كله.. نصل إلى هذه النتيجة المنطقية.. وهي ان الكتابة هي هذا الديالكتيك الحي الذى يتفاعل بين الكاتب والنص.. والذى هو في البدء تفاعل الوجود والماهية.إذ ان الوجود يسبق الماهية.. فالكاتب يبدأ الكتابة دونما ان يمتلك تجربة سابقة في كتابة النصوص.. إذ ان النصوص هنا هي تلك التي سيشيدها في المستقبل.. وبذا هي هذا الفضاء الأبيض الذي يمتد عبر فراغ الورق.. فالكتابة «الجديدة» تبدأ من هنا.. من اللا مكان واللا زمان.. وتأسس نفسها في المحاولات المتكررة تلك المساعي التي تسعى لتشيد الكمال والذى هو «الكمال» ذاك الجدل ما بين النسبى والمطلق.. بين الممكن والمستحيل. وذلك عندما تشيد الكتابة نفسها وسط فضاءات التجديد. وفي الاتجاه المعاكس، فهناك كتابة تكتب نفسها في الزمن الماضي شكلاً ومضموناً وتتجاهل زمانها الراهن.. فهي الكتابة الصدى وليست الكتابة الصوت. * وعلى هذا.. فإننا نجد نوعين من الكتابة.. كتابة مستنسخة.. وكتابة مبدعة. * ومن الكتاب الجدد الذين يمثلون حالة الحداثة الابداعية، ويبتعدون من الكتابة التى تكرر نفسها، الكاتب الشاب عبد الغني كرم الله، فهو في كتابته للقصة القصيرة يسعى لإبداع نص جديد. لذا يمكن ان تنطبق على نص الكاتب عبد الغني كرم كل صفات النص الذى يوجد نفسه اولاً عبر الاسئلة العديدة التى يطرحها داخل هذا الوجود بغرض تأسيس هويته ككاتب من جهة وتأسيس أدواته الإبداعية بحيث تصبح اللغة وسيلة لرواية العالم الذي يصير في نهاية هذا الجهد وسيلة من وسائل سعي الذات الكاتبة للكشف عن نفسها وعن الآخرين ليتم في النهاية تأسيس هذا الفضاء الذى ينمو داخله الكاتب والنص من خلال الحوار الذى يدور بين الطرفين. وهذا ذات الحوار الذى يتم في الجانب الآخر.. ما بين الوجود والماهية. * إن عبد الغني كرم الله كاتب لا يبدأ من «ماهية» مسبقة ومفترضة.. بل هو كاتب يؤسس نوعاً من الكتابة الجديدة التى تصبح بدورها سؤالاً كبيراً لتأسيس إجابات غير مستنسخة لرؤى قديمة ناتجة عن أسئلة قديمة. بل ان نص هذا الكاتب كما تمثله قصته القصيرة الموسومة بـ «علبة البرنجي» هو عبارة عن نسيج سردي ينبني على ديالكتيك من الهدم والبناء في وقت واحد.. حيث ينهدم ويسقط عالم قديم ويشيد فوقه عالم جديد.. عالم طازج ومدهش. هو عالم يصنع فيه كل شئ للمرة الأولى.. عالم يشبه عالم الشاعر الأمريكي والت ويتمان.. عالم تتوهج فيه خضرة العشب للمرة الأولى والنهائية.. فالاشياء تولد هنا لمرة واحدة وتموت وتتلاشى دونما ان تعود مرة أخرى. وهذا هو جمال نصوص عبد الغني كرم الله الطفولية التى ترى العالم كما لو كان يصنع في بداياته. * إنها.. اذاً الكتابة في فضاء البراءة الانسانية التى لم تلوثها التجربة.. ولم تجرح عذريتها إعادة فعل الفعل الثانية -إنها الدهشة ذاتها امام ذاتها.. إنها الفعل الذى يدوي في الصمت للمرة الأولى وفقط..! * هي الكتابة إذاً بلا تناص.. الكتابة الأولى التى لا تعتمد على مرجعية ما. تماماً كما كان يفعل الخيال العفوي الخلاق عند الشاعر آرثر رامبو.. تماماً مثل خواطر وأخيلة الشاعر السوداني الرائع عبد الرحيم ابو ذكرى. * هي إذاً الكتابة التى بدايتها الوجود ثم تأسيس الماهية «الهوية»!!
جريدة الرأي العام
.....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
جريدة السوداني (18/9/2006م)
دعوة هادئة في نصوص متأملة: قراءة في (آلام ظهر حادة) لعبد الغني كرم الله
بقلم: أماني أبوسليم
هناك دواعي متعددة للكتابة لدى الكتاب ربما منها قول رأي او محاولات اصلاح او عرض حالة وفي كل الاحوال تبقى المتعة، اي متعة الكاتب في الكتابة كهاو ومحب لها بجانب امتاع القارئ نفسه بفن القراءة، تبقى هذه المتعة جزئاً يتغلل في كل تلك الاسباب ولكن عند عبدالغني كرم الله تجد متعة الكتابة وفن عرض الفكرة هي الاساس المحرك لقلم الكاتب. فتجده يكتب بهدوء يحسد عليه. ولكاتب تكون المتعة كفن دافعه فمن الطبيعي ان يكون مدخل عرض الفكرة هو التأمل.
وفي تأمله العميق والهادئ ذاك هو لا يقلب اوجاعك ولا يتهمك بالقصور ولا يطلب منك التبدل ولا يحاول اقناعك بغير ايمانك، فقط هي دعوة منه للنظر للاشياء ليس من وجهة مختلفة ولكن من طاقة صغيرة تبعث النور والامل وتحملك على تقدير محاولك في الحياة مهما صغر حجمه او دوره.
والتأمل من تلك الطاقة في مجموعة (آلام ظهر حادة) التي تتكون من اثنتي عشرة قصة قصيرة، يبدأ من الاختيار الفريد للكاتب لرواته، فالراوي يمكن ان يكون زوج حذاء او ماعز او رائحة الطمي. لتجد هذا الراوي الفريد والناعم يبعث نفسك على الابتسام وانت تنظر للاشياء من وجهته هو فاتحا قلبك للتسامح والرضا مع كل ما حولك من هواء وروائح وبشر وكائنات، نابذا الانانية وباعثا الحياة حتى في الجماد، لتقلب الغلاف الاخير وقد تم تصالحك مع كل الكون بشرا وطبيعة.
رواته كانوا، زوج حذاء رجالي، حمار، رائحة الطمي، ماعز، قصة (كتاب) حجر، طفل، وراو يتأمل عود بخور وهو يحترق، راو يحكي عن طفل صغير في رحلته مع امه وراو يحكي عن امرأة ضعيفة.
هؤلاء الرواة كانوا اداة عبدالغني الاولى للدعوة للتأمل فكلهم يمثلون تلك الفتحة الصغيرة التي تتيح للضوء ان يدخل ليتغلل في كل الاشياء ناشرا الرؤيا والتسامح مع كل التفاصيل التي تسعد بأن تضئ من تلقاء نفسها لتعرف نفسها بنفسها.
في(آلام ظهر حادة) بعث عبدالغني في حذائه الراوي الحياة، فجعل له طولا وعرضا وظهرا، وآمالا واحلاما يسعي لان تتحقق، يحس الوحشة والرفقة ويتألم من القسوة. وكان الحذاء اداة للتجول على عدد من الحالات الاجتماعية وهنا الاداة ليست للاصلاح الاجتماعي ولا دعوة لان نرى الفوارق الاجتماعية بين البشر ولكنها دعوة ان نرى الاشياء ونحسها ونفكر في كل ما حولنا حتى لو ان الحذاء ندوس به على الارض.
وفي (رائحة الطمي) و(توبيخ حبيب) في الاولى الراوي الرائحة نفسها وفي الثانية الراوي قصة تحادث من سيقرؤها. وعندهما تحس انهما كائنان حيان، يمكنهما ان يحدثا مجموعة من الاحاسيس والانفعالات الباغثة على الحياة وقد استخدمها الكاتب انها بطبيعتها تستطيع التغلغل في النفوس داعية بنعومة ولطف من تداخله للاعتراف بالضعف والجمال والحيرة دون تصنيف او مواجهة.
اما الحمار والماعز في (حمار الواعظ) و(الحذاء ملك الغابة)، فهما دعوة ناطقة من غير ناطقين للرفق بما حولك في البيئة ويمكن لقصة (الجزار ملك الغابة) ان تكون دستورا للنباتيين.
وعندما اختار عبدالغني ان يكون الراوي من (البني آدميين) كان الراوي طفلا لانه يظل يمثل فتحة الضوء الصغيرة التي تتيح التأمل في عالم الكبار (البني آدميين) ورغم ان رواته بهذا التعدد الخارج عن كونهم بشرا الا انه اضاف لهم نكهة ملحت القصص فعندما يكون الراوي مذكرا كالحذاء الرجالي مثلا فانه يتلبس شخصية رجل وتهفو نفسه للاحذية النسائية وينتظر لقياها لما تفعله فيه من افاعيل ولكنه عندما يكون الراوي بصفة المؤنث كالماعز مثلا فانه يستعيض عن وصف مشاعرها كانثى، وهي الراوي، بوصف مشاعر التيس نحوها، ولكن تبقى كنكهة مليحة تدعو للابتسام وتلبيس الروح والاحساس لكل ما حولنا.
وكل القصص تنأى عن حكي الحكاية او الحدوتة وتسوق لك متعة الكاتب في التأمل. وحتي قصة (استدراج الفرشة لعرشها المجيد) التي يرويها راو عن امرأة تأخذ شكليا قالب القصة الحدوته، ولكنها كانت دعوة للتأمل ان الامنيات المادية تكبل اكثر مما تحقق امنا او سعادة وحين يظن المرء ان امانيه المادية قد تحققت تكون للكون تصاريف اخرى للتحرر والتحليق في فضاء الروح.
وفي كل قصة يضعك عبدالغني امام الراوي الذي يمكن ان يكون شيئا صغيرا في حياتك ولكن ذو رؤيا كبيرة وتكاد تكون شاملة.
وفي كل قصة تنتبه مع الكاتب انك مراقب من كل ما حولك وكل الاشياء التي لا تعيرها انتباها في العادة وهي مرشحة ان تعرف اسرار حياتك ودقائقها وتسأل نفسك ماذا لو باحت بما تعرف ولا تجد غير الابتسام والرضا عنها لانك في الواقع مطمئن انها لن تبوح ولكن يكفي ان اثارة مثل هذه الفكرة سيدعوك بكل لطف ان تفكر، كما تفكر في نفسك، في كل الآخرين من بشر واحجار واحذية وهواء وروائح وحيوان وحتى كتاب ترفعه من على الرف لتقرأه.
ورغم انها مجموعة قصص الا ان الوحدة بينها واضحة والخط فيها عموما واحد فكأنها لحن واحد لا نشاز فيه.
واختيار ترتيب القصص في المجموعة كان اختيارا ممهدا للافكار والتأمل، ليس فيه استدراج. فالمجموعة تبدأ بملحة الحذاء الرجالي الذي يتحدث عن مشاعره وحاله يتقلب لتبدو وكأنها مزحة ولكنها بعدها الغوص مع عبدالغني رويدا رويدا ونزحف نحو القصص الاخرى في عوالم تأمله في الدنيا والكون حتى يوصلنا لعمق بعيد في التأمل والايمان في القصة الاخيرة (رقص على طبول النسيم) لنتأمل معاني مثل الغناء والخلود والروح والبدن والماضي والمستقبل.
(... الي اي موسيقى يرخي هذا الدخان اذنه...، صوت دافئ لا تحس به سوى اذن القلب، صوت نفخ الحياة في الطفل والزهرة والذهن).
(...وترى الجبال، تحسبها جامدة، وهي تمر مر السحاب... مر الدخان... مر الزمان... مر المكان.... مر الانسان).
ويظل عبدالغني كرم الله في كل قصة متوحدا مع لغته المتواءمة مع كل فكرة وتأمل مع اختلاف الرواة. متوحدا مع هذه اللغة الخاصة بوعي ولكن ليس فصاحة وبلاغة ولكن روحا واحساسا فاللغة عنده كأنها اصلا لم تكن موجودة ولكنها ولدت ونبعت من الفكرة، مما يجعل اللغة عنده هي الروح التي تطوف بك في عوالم التأمل والتسامح والرضا والترفع عن صغائر الكبر واسباب الظلم عند البشر.
اماني ابوسليم 18/9/2006
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
الأشياء تستعيد سلطتها التي سرقتها الثنائيات المتعارضة
بقلم: محمد الربيع
السرد قصا كان أو رواية‚ يعيد الاعتبار للتفاصيل والأشياء‚ ويخرجها من عزلتها في الكون‚ ويدخلها إلى موسيقى الوجود الكلية‚ التي يأخذ فيها أي عنصر موقعه الحقيقي‚ ويوحي ويدل ويشع على السياق بأكمله‚ والأشياء لا تعيش في عزلة إلا في ذهننا السائد‚ لأنها في الحقيقة مرتبطة حيويا بالإنسان وبوجوده منذ بدء الخليقة‚‚‚ إلا ان خطاب الثنائيات المتعارضة‚ القائم على النظر إلى العالم وإلى الحياة بوصفة حصيلة لصراع أو حوار قطبين بين كوكب الفعل والمفعول به‚ مسخ الاتساق النغمي لحركة الاشياء في سمفونية الوجود الكلي‚ ووحدتها الجمالية‚ والقاص والكاتب السوداني عبدالغني كرم الله‚ في كتابه «آلام ظهر حادّة» الصادر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر يعيد الاعتبار إلى جذوة الاشياء‚ التي سرقها خطاب الثنائيات المتعارضة‚ ويكشف عن الجمال المخبوء وراء مصداته السميكة التي تمنع تبخر روائحها‚ واصواتها وملامحها‚ بالسرد‚
فابطال كرم الله في «آلام ظهر حادّة» ليسوا شخوصا من لحم ودم‚ يديرون حركة الحياة والعالم من موقع الفاعل‚ وتكتفي الاشياء بالاستجابة والتلقي السالبة لأوامر الفاعل‚ بل هي اشياء تكشف عن سطوتها وسلطتها في المشاركة في إدارة مصير الإنسان‚ لذلك هي أحذية‚ وطمي‚ واحجار‚ ونهيق حمار وحنين كلبة‚ حررها الكاتب بواسطة السرد من غيابها‚ وجعلها تضج بالروح والأشجان والهواجس‚ في مملكة تتبادل فيها الكائنات الفعل والتأثير والشعور‚ في خطاب جمالي محض‚ متحرر من اكراهات الايديولوجيا وسطوة الثنائيات المتعارضة لذلك يصرخ «الحذاء» بطل النص الافتتاحي للمجموعة الذي يحمل عنوان: هدية عنصرية:
ولا يحق لنا المطالبة أو حتى مجرد الحلم بأن نكون على الرأس مثل الكاب‚ أو حول خصور النساء كالأحزمة‚ أو في الأيدي مثل كتاين الساعات والأسورة‚ وبأننا لم نخلق إلا للوطء والدوس‚ وحقا لماذا لا يولد بني آدم واحذيتهم بأطراف أرجلهم مثل حوافر الحمير‚ وأظلاف الماعز‚ ونُكفى شرهم‚ وكأنهم طردوا من جنة الرحم قبل نضوج حوافرهم‚ فأخفوا عاهتهم بانتعال الحذاء‚ طوبى للأحذية في بطون الحوامل‚ فهي عذراء وملساء من أرجل الأجنة وبطش المسامير‚ فلم اسمع كشكشة صندوق الإسكافي تتسلل من بطن الحامل‚ فالطبيب يذهب حيث يكون المرضى‚ وكفى الله أرجل الجنين شر الترحال في سبيل القوت‚ أم ضرب على بني آدم السعي في فجاج الأرض لجهلهم بمواقع خزائن الله وأسراره‚ فالموتى ينعمون بحياة رغيدة في جوف القبر‚ بلا حذاء أو ماء أو نور أو سلطان‚ ما أشد فقر بني آدم‚ فذاته لا تكفيه‚ وكأنه ولد ناقصا‚ لم لا يكون مثل شجرة النيم‚ في قوتها وصبرها وموتها‚ فهي لم تخط في حياتها خطوة واحدة من مسقط رأسها وحتى حتفها‚ ولم تجر بدمها الأخضر غريزة الترحال‚ ومع هذا‚ عاشت طويلا‚ فنبتت برعما طريا‚ ثم أورقت وأزهرت وأثمرت‚ وتمتعت جذورها بمص طين الأرض الطيب‚ وحين تموت‚ تموت واقفة‚ وكأنها تسخر من الفناء‚ «انتصب حتى تسقط بصورة أفضل»‚ أما بني آدم فيحتاج للسكين والحذاء والبطانية والكتب والنبوءات والنور حتى يقضي وطره السرمدي‚ ولا يتردد الحذاء في الرثاء لمرتديه الذي لا يستطيع الاصغاء لانكاراته الخفية وهو يصدح بمونولوج طويل: لا أخفي عليكم سرا‚ كم من المرات كنت أرثي لهذا الكائن ذي الرجلين‚ الذي يبدو كتلة من هم‚ بلا هدف‚ حيران‚ يتسكع كقارب بلا حبل‚ في بحر حياه متلاطم‚ الأرزاق‚‚ المجهول‚‚ الخوف‚‚ كينونة الوجود‚‚ الجوع والبرد‚ تركبه مثلي ملايين الأرجل‚ يتصبب عرقه في جسمي‚ فأشعر بملوحة وحموضة أحشائه‚ محروق بسجن الغرائز‚ سجن لا فكاك منه سوى الدخول بباب الموت إلى عالم آخر‚ لا يهمني ذلك العالم‚ لا شكله‚ ولا ماهيته‚ ولكن هل يا ترى فيه شوك‚ وحصى‚ وهل ما زال بنو آدم يمتطون الأحذية‚ أم تظل الأرجل عذراء ولدنة‚ كأرجل الأجنة في الأرحام‚ ولم يخرج من ذلك الباب أحد‚ حتى أرى هل برجليه حذاء معفر؟!
في الصبح‚ وقبل أن تهجر الطيور أعشاشها‚ وتمضي بلا أحذية في طلب قوتها المقدور‚ حشرتُ بداخلي الرجل‚ قدر لا فكاك منه‚ أما «رائحة الطمي» فتنثر كنانتها من الشعور والمشاعر‚ وتكشف عن قراءتها لخرائط الإنسان‚ عبر مونولوج‚ استعار له الكاتب قاموس الحواس‚ ليعبر بها حدود الخطاب وسجونه‚ ويجعلها تقدم في سردية محكمة مشهدها الكامل المتكامل: ومع هذا فهي الرائحة الوحيدة التي تثير غيرتي‚ كما أني احتل موقعا أثيرا في أنف فضل الله‚ فهو حين يستنشقني‚ يسرح بعيدا‚ في حديقة أعماقه‚ كما لو أن بداخله حياة حقيقية‚ أرق وأنضر وأعمق مما هي عليه بالخارج‚
وأما الرجل الوحيد‚ والذي اعترفت كل الروائح‚ حقيرها وجليلها‚ بأنها لا تحرك فيه ساكنا‚ «ولا شم لمن تنادي» فهو رجل قوي البنية‚ عميق التفكير‚ يجلس في أحد الميادين الرئيسية بالمدينة‚ وقد ظل يجلس مدة تفوق الخمسين عاما بلا حراك‚ فهو يجلس على حجر ويحدق في الأرض‚ حتى الطيور‚ والتي جعلت من صلعته عشا لها‚ لم تكن لديه الرغبة في طردها من وطنها الصغير‚ ولا يرفع رأسه البتة‚ وكأنه مل ما يجري حوله‚ أو يؤثر عليه اجترار الذكرى‚ فسيماء وجه تنم وكأنه يراقب حربا بداخله‚ بين نفس بهيمية هيمنت على ما سلف من أيامه‚ وعقل منزو‚ وان كان متوقدا‚ فقد اقتصر دوره على الندب وشق الجيوب ولطم الخدود‚
وكنت أقف عند أنفه ساعات طويلة‚ ولا أرى في شعيرات مناخيره الدموية أي أثر لزيارتي‚ وحقا «أكرم محدثك بالإنصات إليه» وأقرع يفتح لك‚ أما بطل «جزيرة النمل» فهو حجر‚ يؤرخ لتاريخ الاختلال في خريطة الوجود‚ من خلال تراث الاقصاء والالغاء والنفي‚ وتحويله إلى مجرد مفعول به في مجرة الثنائيات المتعارضة‚‚ فيصرخ في مسرح الوحشة‚
أنا حجر‚ مجرد حصى أملس‚ وحجمي كما قلت‚ يمكن أن تحتويه يد طفل لا يزال يتعفر بالتراب حردا ان قضمت شقيقته جزءا ضئيلا من بسكويته المتآكل الأطراف بلعابه‚ بالرغم من أني عمري مقارنة بهذا الطفل الباكي‚ مثل عمر حصة التسميع لطيش الفصل‚ وعمر البرق‚ كنت قبل هذا‚ حجرا ضخما وذا نتوءات حادة‚ لا يقوى على حملي كل من هب ودب‚ ولكني استسلمت لصروف الدهر‚ فجعلني أملس الوجه وحقير الوزن‚ والآن أنا ملقى في قارعة الطريق‚ لا يكترث بي سوى بعض الصبية وإطارات السيارات‚ وأيادي الأطفال الأشقياء‚ والتي تقذفني بشدة بعضها نحو بعض‚ أو نحو كلب نائمة فتنته تحت سيارة معطوبة‚ وقبل أن ألقى في قارعة الطريق‚ كنت أسكن على ضفاف النهر‚ تغسل جسمي الاملس أمواج النهر‚ إلى أن قرر أحد أثرياء المدينة بناء دار مخيم‚ فحملنا على ظهر اللوري حتى نصب في أعمدة الدار الاسمنتية‚ ولقد كنت سعيدا لأنني سأكون جزءا من بناء شاهق‚ انظر إلى العالم من عل.
وهكذا يستمر عبدالغني كرم الله في إعادة بناء سردية الكون والحياة في ضوء تقاطع الأشياء والتفاصيل والشخوص في وحدة وجود عرفانية وجمالية‚ يستعيد فيها الكل شخصيته ورائحته وصوته.....
جريدة الوطن القطرية 2006
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
(آلام ظهر حادة) طاقة دلالية عميقة وكتابة عصية على التأطير
بقلم د. لمياء شمت *
حظيت المجموعة القصصية "الآم ظهر حادة" للقاص السوداني عبد الغني كرم الله،والصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت، حظيت باهتمام نقدي واضح علي المستوى المحلي والعربي.
ورغم أن "الآم ظهر حادة" قد تبدو في ظاهرها كمجموعة نصوص أو أرخبيلات منفصلة، إلا أن القارئ لا يلبث أن يتبين أنها منظومة متكاملة يتحد فيها المضمون، ويشد بينها خيط المغزى والفكرة المركزية الواحدة، التي تتوسل بلغة مشعة بالإلماح والومضات الدلالية بدرجة تتمثل وهج الشعر وكثافته وانخطافه. فلكل مفردة وزنها المحدد في النص السردي الذي لا يحتمل بطبيعته الزوائد أو التراخي والاستطراد.
ومن نافلة القول، أن لغة السرد تقليدياً لم تكد تزد عن كونها حامل ووسيلة مباشرة لتحقيق زوايا المثلث الأرسطي، حيث يتنامى الحدث باطراد تجاه ذروته، وينتهي بلحظة الكشف أو التنوير التي يكتمل بها المضمون ويتحقق بها انطباع مفرد وآسر واحد. وبالتالي، وكما أسلفنا، فان اللغة تستخدم بالأساس كخام تشكل منه الشخصيات وتصاغ منه المواقف والأحداث.
أما حديثاً، وبعد أن تحررت النصوص السردية من الفروض الشكلية والعوائق التقليدية، وأوغلت في التجريب، فقد أصبح كل نص تجربة جديدة وبصمة خاصة في تقنيات السرد والاجتراحات الفنية والجمالية، بل والمحمولات النفسية والوجدانية. وليصبح بالتالي للغة حساسية فائقة في سرد المادة القصصية، بل أنها تصبح أحيانا كثيرة أبرز عناصر المتن السردي. ولعل الكثير من القراءات النقدية قد توقفت ملياً عند خاصية الاشتغال الجمالي المركز على النصوص، مما جعل اللغة تقارب أن تصبح مادة القص وغايته معا. ويبدو ذلك صحيحاً إلى حد كبير إذا ما تأملنا لغة مجموعة "الآم ظهر حادة"، التي تبرز فيها سمات عدة، نذكر منها:
* كثافة الإحالات وانفتاحها على احتمالات تأويلية متعددة. ويظهر ذلك في مقدرة الكاتب على استخدام التناص التحتي العميق لأقصى طاقاته الدلالية.
* حضور الرمزية كاستجابة إبداعية وتوظيف سعة الرمز ومقدرته على حمل عبء الدلالات المكتنزة بالأفكار والأسئلة. ويتم ذلك بتركيبة رمزية متوازنة تلوح بالمعنى الموارب ولا تجنح به للإغماض.
* الهجانة اللغوية الطريفة الناتجة عن استلهام المنبع الصوفي والمثلوجي والفلكلوري الشعبي. حيث يفلح القاص كثيرا في نسج أمشاج الخيالي والصوفي والفلسفي بأبعادها الرؤيوية لخلق حكايا غرائبية الأجواء، لكنها تبدو في ذات الوقت مألوفة وحميمة، إذ يقودنا فيها القاص بتأمل متمهل إلى طبقة من الرؤية أكثر عمقا، دون أن يوهن ذلك تلقائية السرد، وانسكاب اللغة.
* تخفف اللغة من لزوجة الطلاء الزخرفي والإطناب البلاغي والدثارات المجازية المتكلفة. وهنا أيضا يبدع القاص في طرح أفكار ورؤى مختلفة ذات أبعاد تأملية وفلسفية تتفرس في التجربة الإنسانية وترصدها بدقة، بلغة هادئة أليفة وشديدة العفوية.
* الانفتاح على اليومي والعادي، ببساطة محببة تراهن على الاحتفاظ بالتفاصيل الصغيرة طرية وطازجة وحارة بروح الحياة اليومية التي تبث دفئها في مفاصل الكتابة.
*إعلاء البعد التأملي والفلسفي في بعض النصوص، حيث تستسلم اللغة لغواية الخيال المجنح الممتلئ بطاقة الحلم والجنوح، الذي يصعد الواقعي إلى مرتبة الغرائبي والفنتازي، بسلم متداني الدرج يصعد بنا بترفق وتؤدة إلى معارج الخيال.
وفي منحىً آخر، نحتاج أولا أن نعود لنؤكد على أن القصة القصيرة فن صعب رغم مظهره الودود، فهو يواجه تحدي اختزال عالم بآسره ليتضام في بضع صفحات معدودة. ولعل ذلك ما جعل هذا الجنس السردي إنجاز تكنيكي بارع، يحتاج إلى معمار فني محكم ومتساوق.
وعلى الرغم من أن الآم ظهر يصعب جداً تصنيفها أدبياً وفق المواضعات السردية المعروفة، كونها عصية على التأطير الشكلي، وغير خاضعة لقوالبه الجاهزة وشروطه المسبقة. فالأحداث مثلا في غالبية نصوص المجموعة تتخلق من فكرة فلسفية أو وجودية ينطلق منها النص ليؤسس نوعاً من إعادة النظر في الإنسان وحقيقته. ومن هذه النقطة يراكم القاص الدوائر والخطوط، لينفذ من ثقب صغير إلى نصه الواسع حيث يتنامى السرد دافقاً، مزدحماً بالأفكار والأسئلة التي يجهد القاص في أن لا يربك بها مجرى السرد، الذي يتخذ في معظم النصوص مساراً سردياً دائرياً، يبدأ من نقطة، ثم يستدير مستعيداً بدايات الأحداث وتحولاتها. وكذلك، من الشائع في مجمل النصوص، أننا نتعرف على الشخصية المحورية من الجملة الأولى، حيث تحضر تلك الشخصية بضمير المتكلم كحيلة فنية يحتفظ بها القاص لنفسه بزمام السرد. ورغم التحفظ على منح صوت السارد سلطة الانفراد بالمساحة الأكبر في مجمل النصوص، إلا أن القاص قد اجتهد في استخدام هذه الذريعة الفنية للانسياب تحت جلد شخصياته وسبر أعماقها وكشف دواخلها ومكنوناتها. ومن الملاحظ أن التركيز قد وقع جله على المونولوج الداخلي أو المناجاة، بينما اقتصر الحوار الخارجي على موضعين تقاسما العامية والفصحى. وقد بدا واضحاً أن استخدام الفصحى في الحوار قد قلل من قدرته على التأثير، وبالتالي أفقد الحوار قدراً من مصداقيته. على عكس حضور العامية العبقة برائحة بيئتها والنابضة بروح الحياة اليومية. إضافةً إلى دور العامية المقدر في إحكام النسيج القصصي وتماسك بنائه الداخلي، وإسباغ المصداقية على الشخوص والأحداث.
ويقودنا ذلك تلقائيا إلى بعدي الزمان والمكان، لنلاحظ أن عنصر الزمن يخضع بشكل كبير لمنطق الأقصوصة، تهندسه التقنيات السينمائية مثل الفلاش باك، والقطع والمونتاج لتثبيت اللحظة المعينة لابراز البؤر النصية الحساسة. أما المكان، ورغم أنه قد يبدو كحيز جغرافي محدود، إلا انه يتسع معنوياً ليصبح فلكاً شاملاً نحس فيه بحضور المكان الريفي القروي أكثر منه مكان مديني حضري. ورغم تبرم الأدب عموما بصلف المدينة وضجرها وقيمها الزائفة ومبادئها المعطلة، إلا أن كرم الله يفلح كثيراً في تجنب الوقوع في فخ الثنائيات الضدية، والصورة الرومانسية الساذجة للتقابل المنمط بين صورة المدينة والقرية.
وعلى مستوى الشخوص، لا يسعنا إلا أن نقف عند انتباهة الأستاذ صديق محيسي الواعية في رزنامة أستاذ كمال الجزولي، صحيفة الرأي العام، بتاريخ 10/4/2007، حيث يقول: "رؤية كرم الله السردية للأشياء والكائنات تعد تحولا مهما، إذ أننا لا نجد لها شبيهاً عدا ما ذهب إليه بشرى الفاضل من خلق شخوص موازية للبشر". وكنت قد أشرت في دراسة نقدية سابقة إلى أن سرديات بشرى الفاضل هي بالأساس قصص استبطان وتفلسف أكثر منها قصص أحداث وشخوص. وكرم الله في محاولته الإبحار إلى أفق مغاير يقترب كثيراً من تلك التخوم، ويشاكل العوالم البشروية بفلسفتها الطوباوية التي تحتفي بكل المخلوقات. حيث، وبكلمات الأستاذ محمد الربيع في الوطن القطرية يعيد السرد الاعتبار إلى جذوة الأشياء وللتفاصيل ويخرجها من عزلتها في الكون.
فمثلا يذكرنا "حمار الواعظ" بحمار آخر في مجموعة بشرى الفاضل "أزرق اليمامة"، يقاسمه التظلم من جحود الإنسان وقسوته، فيكون انتحاره غرقاً بمثابة احتجاج جهير ضد رهق العالم.
وكل هذا لا يتقاطع مع حقيقة أن كرم الله قد تمكن باقتدار، ومن تجربته الأولى، أن يرسخ فرادته كقاص استطاع ابتداع أسلوبه وحكائيته الخاصة الشغوفة باكتناه السؤال الكوني الأبدي. وقبل الانتقال إلى محور آخر، لابد لي أن أقف ملياً عند الدمج الخلاق بين الواقعي والخيالي والفلسفي في نص "رائحة الطمي"، حيث الجدة في أن الأحداث والمواقف ترسمها الرائحة. حيث تحلق بنا تلك الحاسة في فضاء تخيلي واسع. ما يستدعي للذهن رواية "العطر"، للألماني باتريك زوسكند والتي تحلل الطبيعة البشرية عبر بصمات الروائح.
ولنجمع خيوط ما ذهبنا إليه، يمكننا القول بان الحبكة رغم كونها قد تبدو رخوة، حسب المواضعات السردية، وأن الشخوص وفق ملاحظة حامد بخيت الشريف في السوداني "غالبا ما تتوقف عن التطور لمصلحة السرد"، إلا أن القاص قد عمل على تعويض عن ذلك بعنايته الجمة بالتفاصيل، ودقة وبراعة الوصف، والخيال الطفولي المدهش الذي لا يرضى بأقل من أن يتلمس الأشياء ويتذوقها ويتشممها، بل ويفككها ويعيد تركيبها كما يشاء، ليمنح كائناته وجوداً مبتكراً وحضوراً أليفاً، تبدو معه منخرطة في واقعها،مستوية في مصائرها بأدق تفاصيل الوصف والتصوير. ولابد لنا أن نقف هنا على رأي بشرى الفاضل في عموده تضاريس بتاريخ13/1/07: "ميزة كرم الله الأساسية تكمن في هذه العدسة المكبرة في مخيلته، التي تقترب من الكائنات والأشياء راصدة لها بدقة متناهية".
ونعود مرة أخرى إلى إشكالية تصنيف الآم ظهر يعيننا رأي أستاذنا فضيلي جماع في الصحافة بتاريخ 1/8 عن لعبة التجريب السردية حيث تبدو نصوص كرم الله "أقرب إلى الخواطر وتداعيات الكتابة في لحظة تحرر من قيود الشكل والنمط".
وبحثاً عن تفسير لاختلاط الكتابة بتداعي الأفكار والاعتمالات الداخلية والخواطر، فإن الملاحظة والتفرس يؤشران إلى أن تلك الظاهرة ترتبط بقوة باليفاعة الأدبية، وهي بلا شك مرحلة طبيعية يمر بها الكاتب، حيث يمتلئ تماماً بهاجس الكتابة، لتأتي المحاولات الأولى مكتنزة بالتأملات والأفكار والخواطر. ولعل ذلك يفسر لنا أيضاً اقتراب النص أحيانا من فخ الخطابية، لنرصد تسلل بعض العبارات المثقلة بعبء الخطاب التقريري المباشر. ويأتي ذلك غالباً على شكل جمل زائدة، كان الإلماح كافياً لتمريرها إلى القارئ، الذي تزعم أسلوبية كرم الله على انه يراهن مسبقاً على شفافيته في التلقي والتعاطي مع النص. ولكن، وكما أسلفنا، فان ذلك ما يلبث أن يتطور بشكل طبيعي بتراكم الخبرة التي تشحذ أدوات المبدع لسبك عمل سردي مكتمل الأركان والحضور والتأثير، ليضع به بصمته الفارقة.
ويستدرجنا ذلك لإلقاء الضوء على بعض المحمولات الفكرية والفلسفية التي تشع وتتلامح بين ثنايا النصوص. ولعل أبرزها النفس الصوفي الذي يفعم أجواء النصوص بعبقه الخاص. والفلسفة المتعالية (الترانسيندتالية) بثقلها الفكري كرؤية رومانسية طوباوية للعالم تمجد كرامة وحرمة الكائنات وحقها في الحياة. وتشمئز من السجن المادي والمعنوي الذي يرزح فيه الإنسان. فنحس ونحن نطالع النصوص بروح امرسون بميوله الروحية العميقة. وبمعاناة ثورو الذي اعتزل عالم اللهاث المادي، ليعيش مع المخلوقات الصديقة في كنف الطبيعة، في قلب الغابة في خلوة تأملية دامت لسنوات. وبحس والت وايتمان الذي أجمع نقاده على أنه يتحد مع كل شيء، ولا يكف عن معانقة الأحياء والموجودات من حوله. وبحضور استيفانز بإبداعه الرؤيوي ومقولته الرصينة: "عليك أن تتمتع بطاقات غير عادية لتتمكن من رؤية العادي". ولا يسعني أن اختتم دون المرور بموباسان ورسالته الخطيرة لصديقه موريس فوكير بتاريخ 17 يوليو1885، حيث يقول "إن الكاتب الذي يبهرني حقاُ هو من يحدثني عن حصاة أوجذع أوفأر أومقعد قديم ).
وختاما فان الآم ظهر حادة قد قالت كلمتها، وأسلفت لنا يدها إبداعها، في محاولة للقبض على جوهر الرؤية الكلية النافذة، وطرح الرؤى والأفكار، والتحليل والتفلسف، بمخيلة حكائية خصبة، وبأسلوبية مطمئنة،على صهوة لغة استطاعت أن تحافظ، عبر النصوص، على طاقة انسها وجماليتها وعفويتها وانسيابية دفقها.
* د. لمياء شمت، باحثة وناقدة سودانية، لها مشاركات منشورة في الصحف السودانية.
....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
الأربعاء 31 يناير 2007م
عبدالغني كرم الله يكتب في اللحظة الحاضرة
بشرى الفاضل
الكاتب عبدالغني كرم الله صاحب مجموعة ''آلام ظهر حادة'' التي ظهرت في طبعتها الأولى عام 2005م عن المؤسسة العربية للدراسات والذي يعمل حالياً بقطر يكتب القصة وهو يطارد عبارات النص كأنه عالم فيزيائي يطارد الجسيمات وضدياتها في سعي محموم وراء الجسيم الذي ابتدأ منه خلق كل هذا البناء المهول.
تقوم مخيلة عبدالغني في كل مرة بفتح عدستها المكبرة (بكسر الباء) فترصد ما يدور في المكان الزمان في تلك اللحظة الحاضرة من التأمل التي لا تتراجع للخلف للذاكرة ولا تندفع للأمام .المثاقفة هنا تكون مرجأة حتى يتم اسر اللحظة ولا بأس من أن يأتي الحقن بالتأملات حتى في ثنايا العيش في اللحظة الحاضرة بجمل أو وحدات قصصية من نوع (الدخان والنسيم يتنافسان بروح حميمة وكأنهما تعارفا قبل ميلاد الزمان) لكن ميزة عبدالغني كرم الله الأساسية هي هذه العدسة المكبرة في مخيلته التي تقترب من الكائنات والأشياء راصدة لها بدقة متناهية قل إن نجد نظيراً لها في الحكي السوداني .ولولا أن المسائل في الكتابة الإبداعية لا تتصل بالجينات وحدها لقلنا أن عبدالغني كرم الله كاتب ياباني!
انظر إليه في (رقص على طبول النسيم) من المجموعة التي نحن بصددها يكشف عن هذه الخاصية بجلاء في العلاقة بين الدخان والهواء النسيم '' كالضوء، له ملكة خارقة بالرقص مع طبول النسيم وكأنه خلق لأداء رقصة واحدة طويلة ، تنخرط فيها كل خلايا جسده الرخو المهذب ، لم يعص للنسيم أمراً حتى الإشارات والإيماءات المستحيلة كان يترجمها فوراً''.
حسبنا أن نمسك من جانبنا وهيهات هذه اللحظة من كتابة عبدالغني، يقرأ الكاتب ما يدور في خلد دخان البخور في علاقته بالنسيم فيشبه البخور بالكاهن الذي يتنبأ بما يدور في خلد نظيره (النسيم ) من تقلب للمزاج والنرجسية... و '' .. بسرعة البرق يوزن حركات جسده الأهيف مع إيقاع النسيم المتقلب الفوضوي الحر ثم يموت بل يذوب في الخفاء، في الأعالي، ساخراً من سلطان الجاذبية الأرضية''.
خاصية التصوير من قريب بعدسة مكبرة لا يمتلكها عبدالغني كرم الله وحده في الكتابة الإبداعية قاطبة . لكن اعتقد أن من يمتلكونها في الكتابة السودانية نادرون.''انا زوج حذاء ....ممتلئ الوجنات، لين البطن والظهر، وتمشط شعري سيور جميلة واقطن فترينة هادئة في شارع الجمهورية'' (المجموعة).'' تتموج الظلال على صفحة كتاب الجغرافيا .. أمواج من ضوء تتموج على صفحة الكتاب وبين السطور .نار ونور.... الظلال التي تختبئ من لهب الفانوس ، تتراقص الظلال في لعبة الاختباء بسرعة وذكاء كي لا يراها اللهب ''.
قبل وبعد مثل هذا التصوير الدقيق تجيء التأملات.كأن عبدالغني حين تظهر عدسته اللاقطة المكبرة يصلي ومن قبل وبعد التشريح الدقيق يبسمل ويحوقل.
فطن الكاتب (حقاً) حسن البكري في لقاء جمعنا بعبد الغني وكتاب سودانيين مهمين آخرين بالدوحة قطر وكنا قد استمعنا لعبدالغني وهو يرصد بالوصف المتناهي الدقة (الياباني، وصف فيزياء الكم ) لحظة سقوط احد المتدافعين للنجاة من شاهق برج التجارة الدولية إبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن مثل هذا التصوير الدقيق لا يشكل عملاً قصصياً في حد ذاته . واعتقد أنه حسن أن يصل الذروة القصصية بهذا الشكل الدقيق الممتع عن نواة تلك الذرة ففيها يكمن سر فن الحكي الآسر.
عبد الغني كرم الله كاتب سيكبر (كوم) قرائه كل يوم ونتمنى أن يصل إلى نقطة الختام الإبداعية (دوت كوم) وهيهات كما يقول هو عن أستاذه..
الراي العام 31/1/2007
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
آلام ظهر حادة الواقع داخل فخ الاستيعاب – التجاوز
بقلم: حامد بخيت الشريف
( بين النطق والصمت برزخ ، فيه قبر العقل وقبور الأشياء) النفري!!
لا يمكنك قراءة آلام ظهر حادة إلا وتجد نفسك منفتح على عوالم ربما تتجلى فيها قدرة الكاتب على تحريك كل أدواته السردية مقابل الوصول إلي مقولات اقرب ما تنتمي إلى الكونية حيث تنفتح معظم نصوص هذه المجموعة على استكناه سر الأشياء والذي تبدأ من خلاله في الانطلاق إلى عالم الإنسانية وربما نجد هذا بوضوح إذا أدركنا قدرة كرم الله على تحريك المتخيل والتسامي به إلى ما يقارب الواقع مما يعني أن النص لا يتورط في الواقعية بفجاجة وانما ينفتح عليها من نافذة التخييل ، بذا فالحذاء في بداية المجموعة يجد نفسه متورطاً في كونه الراو والبطل في آن واحد وهذه لابد لها من أن تترك الفضاء متسعاً أمام المسرود له لتلقي كل أسرار البطل بما أتاحته له إمكانية أن يكون هو نفسه الراو وليس مروياً عنه الأمر الذي يمكن أن يحد من قدرة الراوي على إدراك كوامن بطله ، كما أن ثمة ما يمكن الانتباه له في هذا النص بالتحديد وهو أن آلام ظهر حادة قد احتوى على مجموعة من العناوين الداخلية مما اظهر قدرة النص على أن يكون مشروعاً لرواية وليس مجرد قصة قصيرة ، إلا أن اللافت للنظر تماماً هو انه وبالرغم من توفر النص على قدر كبير من التفاصيل الداخلية والتي غالباً ما تتوقف عن التطور لمصلحة السرد عند معظم الكتاب خصوصاً في القصة القصيرة إلا أن كرم الله استطاع أن ينتج من خلالها بنية سردية في أعلى درجات التماسك والتشويق . وبالرجوع إلى ما أشرنا إليه سابقاً من ثنائية خيال – واقع فانه يمكننا القول بان كرم الله قد نصب فخاً متميزاً للواقع بحيث اوقعة ضمن معادلة استيعاب – تجاوز ، بحيث انه يمكنك قراءة الواقع على اعتبار انه قد تم استيعابه ضمن منظومة ما هو متخيل ، وبذات القدر يمكن القول بان التخييل قد أفضى إلي حالة تجاوز كاملة للواقع ويمكن قراءة ذلك بوضوح إذا رجعنا إلي تقنية السرد المستخدمة في معظم النصوص بحيث يكون البطل (الشيء) –( الحذاء –الحمار .. الخ ) هو نفس الراوي والذي يستخدم علامات لا تنتمي إلى الشيئية بمقدار ما تقربه من الخصائص الإنسانية .
أما من زاوية محمولات النص فانه لا يمكننا بأية حال العبور على المقولات التي تتبناها قصص كرم بعفوية ، فهي بالضرورة ذات محمولات أيدلوجية ومعرفية عالية – لاحظ ، سعر الحذاء ، عدم قدرة الفقراء على امتلاكه ، إهداءه إلي عشيق ومعاملته برقة في أيامه الأولي ، إلي أن يأتي كرم الله ويجترنا إلي ما يود الإشارة إليه من أسئلة الطبقة والتمايز ليجعل الحذاء لحظتها يقع فريسة للص الذي يقوم ببيع الحذاء( للميكانيكي) وهنا حيث تبدأ محنة الحذاء والتي هي بالضرورة إشارة ذكية إلي الفارق الطبقي بحيث يتحول الحذاء مباشرة من المشهد الأول ليسرد لنا معاناته من خلال وصف المكان وطريقة حياة الكائنات فيه .
كما لا نغفل كذلك عن البعد الروحي (الصوفي) وفلسفته المنتجة داخل سياقات النصوص المختلفة – لاحظ (كلبة فاطمة-حمار الواعظ ) بحيث تجد أن التصديرات السابقة للنصوص (epigraphs) تفضي إلى إشارات عميقة تقود بدورها إلى كشف فلسفة النص ، فأنت تقراء على صدر كلبة فاطمة (كن رؤوفاً ، فكل من تلقاه يقود حرباً ضروساً ) وهو بالضرورة – أي التصدير – يعد ذو دلالة واضحة إذا ما استلفناه لحظة قراءة النص ولعل ما فعلته الكلبة بناظر المدرسة القاسي المتجهم خير دليل على ما تود هذه القصة قوله ، ويتكرر نفس المشهد في حمار الواعظ ، حيث نجد على صفحته الخارجية هذه الجملة (إذا أذنبت فتطهر بالعمل) ولعل هذه الجملة أيضا قادرة على كشف الصدوعات والتهتكات داخل نفس الواعظ (فهو مثلا يتحدث عن الرفق بالحيوان ويعامل حماره بقسوة تناقض ما يقوله ) وهو أيضا ينكر الأفعال التي يراها مسيئة عند الآخرين ولكنه يمارسها في خلواته .
هكذا يمكننا القول بان التيمات على الرغم من اختلافها في معظم النصوص إلا أنها تكاد تكون في مجملها إجابة على سؤال واحد (أنا من أنا؟) بمعني انه يطرح سؤال البحث عن الذات بكل تعقيداته ويبدو لي أن كرم الله قد انتهج في ذلك منهجاً يتشابه إلى حد كبير من حيث تقنيته مع ما طرحه فرانز فانون في كتابه (معذبو الأرض) بحيث يرى سارتر انه –أي فانون – ينزع إلى تعرية الغاصب (المستعمِر) أمام نفسه واطلاعه على كل فظائعه بعكس السائد الذي ينبني في الأصل على تعريف المغتصب (المستعمَر) على فظائع الآخر (المستعمِر) وهذا عند كرم الله يتحقق على مستوى كشف الإنسان وتعريته أمام نفسه وليس كشفه أمام الآخر (الأشياء) مجمل القول هو أن كرم الله قد أنجز أعمالا قصصيه لها ما يميزها عن كثير مما هو منجز في السرد السوداني خصوصاً إذا ما قرأنا هذه الأعمال داخل إطار تقنية كتابتها بحيث يمكن القول بأنها قد استطاعت والى حد ما استيعاب مجموعة من أسئلة الكتابة السردية (أشخاص –حدث- تقنية كتابه – مكان- زمن ) وقد استطاع كرم على حسب رؤيتنا إبراز معظم هذه العلامات في هذه المجموعة القصصية.
لذلك فان خلاصة قولنا هو أن هنالك إرهاصا بمشروع جديد في مجال الكتابة القصصية قدمه لنا عبد الغني كرم الله ليقول من خلاله أن فعل الإبداع ليس تهويماً وتحليقاً حول أطر لا تنتمي إلى الواقع ولا تقدم له ما يفيده ولكنه فعل يتوفر على العديد من الإشارات والدلائل المعرفية والتي يمكنها أن تقدم مجمل قراءات يمكن أن تتكشف من خلالها كل التصدعات والشروخات الموجودة في واقع الإنسانية وبالتالي محاولة تشكيل الواقع بوعي مختلف.
جريدة السوداني 2006
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالغني كرم الله .... من عمق الريف السوداني إلى مراقى الأدب في باريس ... إحتفالية نصر جديد (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
آلام ظهر حادة: قناع يشف عن كل شئ!
بقلم: أحمد يونس
استعار القاص عبد الغني كرم الله حذاءً غالي الثمن كقناع يقول من خلاله ما لا يقال، لكن قناع عبد الغني كان شفافاً فقال كل شئ! ويبدو أن الضجيج داخل نفس القاص حولت الرمز إلى أصل شف عن المرموز.. قصة آلام ظهر حادة تأريخ لسيرة حذاء وأوجاع منتعليه، وبلغة أخري هي تأريخ لصراع خفي يدور بين التقسيمات الإجتماعية أو الطبقات، كيف تكون العلاقة مع الحذاء داخل السلم الإجتماعي هي الفكرة التي نسج عليها القاص تحليله الإجتماعي والنفسي لمجتمع العقد الأخير من القرن العشرين في مدينة الخرطوم، وهو إن لم يسم المدينة لكن رمز إليها ببعض لوازمها ''السوق الأفرنجي''. وآلام ظهر حادة هي قصة قصيرة (طويلة) تتكون من ثماني قصص قصيرة هي (هدية عنصرية، الأحد الحزين، مشوار دام، استرقاق هدية، قمر من جلد بني وبطن أسود، من هو الحذاء الأكبر، أرجل الألم، لنرم غريزة الترحال البغيضة)، كل قصة منها يمكن قراءتها علي حدة، لكن يظل هناك رابطاً خفياً يجعل الواحدة تحتاج الأخرى بشدة ليكتمل الشكل والمعني! استخدم القاص تقنية الرمز للوصول للمعني، فالحذاء المصاب بآلام الظهر الحادة يمكن أن يكون أي واحد منا، بل يمكن أن يكون حذاءً يلبي حاجة أقدام بمشارب إجتماعية عديدة، ولهذا اختاره حذاء غالي الثمن (210) آلاف جنيه وهو مبلغ لا يستطيعه إلا القلة في ذلك التاريخ أبريل من العام 1997م، وليسجل الحذاء تجربة مجتمع بكامله جعله القاص يمر على أرجل من تكوينات إجتماعية تمثل الطيف الإجتماعي الذي أفرزه الواقع السياسي والإقتصادي ببلوغ الأزمة السياسية ذروتها، فهل يا ترى كان إختيار التاريخ إعتباطياً أم قصدياً، فذاك العام والشهر لهما أكثر من مدلول في التاريخ الإجتماعي للبلاد، أم أن قدرية الأشياء وحسن حظ الكاتب هي التي جعلته يختار ذلك التاريخ؟! ليس مهما فتلك مرحلة لا يمكن التأريخ لها إلا عبر قناع، وقد وفق الكاتب في إختيار قناعه (الحذاء) أيما توفيق، فهل كان يقصد القول بأحذية آدمية فعل فيها السياسي فعله، أم أنه كان يقصد حذاءً فعلياً، ومن عجب أن أي الإجابتين تفي بالغرض تماماً! (فقد كنت قبل هذا التاريخ، ممتلئ الوجنات، ولين البطن والظهر، وتمشط شعري سيور جميلة، وأقطن فترينة هادئة، في شارع الجمهورية لا يعكر صفوي سوى ضوء كاشف قوي مسلط نحو وجهي)، أنها (هدية عنصرية) أول قصص آلام ظهر حادة، في هذه القصة يتداخل الواقع بالخيال ويتحول المتحدث (الحذاء) إلى شخص مترف وضعته الأقدار في مكان مناسب ليؤدي مهمة قصدية، لكنه في ذات الوقت يخشى أن تنحرف مهمته و(تنقلب عليه الدنيا) فيصير فقيراً يعاني كل ما يعانيه الفقراء، وكان أن بدأت حياة تبشر بالسعادة لكن قدرية الأشياء والرؤية الفلسفية المشوبة بكثير من الرؤى التصوفية قلبت الأدوار رأس بطلنا (الحذاء)، فبعد أن اشترته حبيبة هدية لحبيبها المترف ليعيش أياماً سعيدة فيها الرفاه والغزل والعيش السعيد، ويمكن لهذه القصة أن تكون قصة لوحدها، لكن الكاتب في (الأحد الحزين) عرض بطله لحادث سرقة حول حياته لجحيم، فبعد أن كان حذاءً مدللاً تحول إلى حذاء (عجلاتي) شقي ذاق ما ذاق من ويلات الإمتطاء المتواصل الذي حول رائحة جلدة الأصلي إلى رائحة منتنة، وجعله يلبس سنين عدداً دون راحة، ولأنه حذاء أصيل فقد ظل يعمل طوال تلك السنين إلى أن تشققت أرضيته وأصابته آلام الظهر الحادة، وتحول من حذاء لـ (القشرة) لحذاء لكل شئ، للحمام، ولضرب الإبنة العاقة والكلب الذي يحاول لعق المواعين، وبعد أن كان جزءاً من طقم أحذية تحول لحذاء وحيد وحزين يدوس صاحبه به كل شئ وتمتلئ أرضيته بالأشواك والمسامير جراء السير الطويل المرتبك. أدخل عبد الغني حذاءه في تجربة جديدة في الجزء الذي سماه (مشوار دام)، تحول الحذاء فيها من متذمر يرفض حاله إلى شخص يرثى لحال صاحبه من المشاوير الطويلة التي يقطعها كل يوم، بل حوله لمتأمل يرثى لحياة الإنسان الشقية من خلال رصد لحال صاحبه، وجعله يعيش تجاربه كأنه صنو وليس حذاء، تعرض لكل التجارب الممكنة التي يتعرض لها من يلبسه تجربة العشق والسكر والعربدة، والإسترخاء، وعلى لسان الحذاء جاءت التجارب ناصعة، لعله حذاء هو أشد فصاحة وجرأة من صاحبة! وبتقنية (الفلاش باك) السينمائية أعادنا الكاتب مرة أخرى لكيف طرأت فكرة أهداء الحذاء للحبيب، في (استرقاق هدية)، ومزج بين حمام الحبيبة المغناج ونعومة جسدها الطري وانبثاق الفكرة، واستطاع الإيحاء بمكان الفكرة، (سوف اشتري حذاء جميلاً وقوياً لحبيبي)، ودون أن ينفصم عرى القص، تنقل القاص بين مشاعر الحبيبة ومشاعر الحذاء والحوار المتخيل الذي دار بين كلا الطرفين. دخل الحذاء في قصة (قمر من جلد بني وبطن أسود) تجربة السكر حين تعثر ببقايا خمر فسكر وتخيل نفسه يمضي مع القمر في رحلته المسائية بعيداً عن الشمس ورائحة الجوارب، فقلب الآية وتخيل نفسه يمتطي الأرجل وهو ينظر إليها من علٍ! (هاهو نائم بالسرير، إنه مريض بحمى، تعجبت من حياته، من هو الحذاء، والذي تمتطيه عشرات الأرجل، هو أم أنا)؟! هذا هو حذاء عبد الغني يتحدث في (من هو الحذاء الأكبر) محدثاً إرباكاً وتداخلاً في التفاصيل بينه وبينه صاحبه المحموم، لكن القصة هنا تقود للأخرى (أرجل الألم) ليحكي تعاسة الكائن البشري حين يصاب بالمرض فيجعله يجر جسده عبئاً ثقيلاً، وفي (لنرم غريزة الترحال البغيضة) تكتمل المجموعة القصة بدعوة لتقليد الموتي والإكتفاء بوطن صغير القبر، برؤى تصوفيه تمزج بين حياة الإنسان وموته ليختم مجموعته بقوله (رغم مرور ثلاثة أعوام من مأساتي، وبلوغ الإنزلاق القضروفي مداه، لا تزال آلام الظهر الحادة المزمنة تكدر صفوي مع كل دوسة على البدال). وهكذا اكتملت الثيمة الرئيسة للقصة التي سارت عليها جل قصص المجموعة (آلام ظهر حادة) الممثلة في التفسير الفلسفي بلسان الأشياء لحياة الإنسان، وعلى الرغم من الفكرة ليست جديدة فقد جاءت من قبل في كليلة ودمنة، ولدى كافكا، لكن عبد الغني استطاع عنصرتها وجعلها قصة بكل ما يعني القص في العصر الحالي من معنى، فهل استطاع قناع عبد الغني أن يشف عن كل شئ، بلى قد فعلها واستطاع تقديم دراسة تحليلية لواقع السوداني المعاصر تقول كل شئئ.
2006
| |
|
|
|
|
|
|
|