(جاء نميرى بقوانين سبتمبر وكان أهل الجنوب هم أكبر ضحاياها. وبعد سقوطه وإجراء الإنتخابات فى 1986 وصل جنوبى بالطائرة إلى مطار جوبا بعد الإنتخابات مباشرة فسأله الناس عن نتيجة الإنتخابات، فقال لهم :والله أنا ما بيعرف، لكن زول إسمو واطة ده، دق واطة) طبعاً (الزول الإسمو واطة) لا يزال يحاول الصعود وكل مرة (يدق واطة). الأذكياء من أتباع (الزول) ألقوا به بعد أن بلغوا غايتهم (السلطة) ولم يعودوا فى حوجة إليه، بل أصبح عبئاً ثقيلاً عليهم. لكن بعض الذين لم يكن لهم حظ فى السلطة، أو كان نصيبهم منها مناصب هامشية (وزارة الغابات و وزارة الصحارى والفلوات) إستقالوا تضامناً (معه) لا (وفاءاً له) أملاً فى الترقى إلى وزارات (أشمخ) إن نجح فى سعيه. لكنه فشل. فالتوقيت هو أهم عنصر فى الإنقلابات، وكان توقيت الرجل خاطئ.
فقد حاول الرجل أن ينقلب على السلطة بحيل قانونية (لكنها لم تكن قانونية). حاول تعديل الدستور، وهو الذى صاغه ولم يجف حبره يومها بعد. وزعم أن ما يقارب 12 مليون سودانى صوتوا لدستوره. بالرغم من أنه لا يوجد شخص كامل العقل يزعم أن عدد من يحسنون القراءة فى السودان (فوق سن18 ) يبلغ 12 مليون. فكيف صوت الأمى على دستور لم يقرأه!
حتى وإن صدقنا كذبة إستفتاء الدستور، فقد إختلط الأمر على (شيخ واطة) و خانه الذكاء الذى يدعيه عندما حاول تعديل دستوره بأغلبية البرلمان الميكانيكية. فما جدوى إستفتاء 12 مليون مواطن فى دستور يمكن للبرلمان أن يعدله بأغلبيته المكانيكية، بل ماهى قيمة الدستور طالما أن أغلبية البرلمان هى المرجع الأخير.
تلك أحداث خلت وأصبحت تاريخ. لكن الترابى إعتقد أنه يمكنه أن يحشد لنفسه شعبية وجماهيرية جديدة بالعودة للتنظير فى الدين. فكتب كتابين لا نعلم لها من قارئ (مثل كتبه القديمة). فنبذ فكرة الكتب التى لا تُقرأ وإتجه إلى (الميديا) العربية، لكن بضاعته السياسية والفكرية مزجاة و شاهدها الناس (بيان بالعمل) (فهى المآسى والكوارث التى تعصف بالسودان الآن). فلم يجد مادة غير إفراغ ما فى جعبته من أسرار وفضائح لم يكن هو منها بريئاً.
وداخلياً عاد به الحنين إلى الفتاوى (الجكسية) التى صنعت شعبيته فى السبعينات فى أوساط طلاب وطالبات الجامعات. وظل يعتلى المنابر كل شهر محللاً فى المرأة (حتى لإرضائها أنكر وجود الحور العين). فإذا نقل الإعلام فلتاته للعالم الخارجى، سارع سكرتيره الوفى، المحبوب عبدالسلام، لتأويلها وتعتيمها بستار من الألفاظ المبهمة.
الترابى إقر على نفسه بالكذب (وكفى به موبقة). والعقلاء من أتباعه يعلمون أن آراءه لا أصل لها فى الدين. وكل ما جادلهم الناس فى أقواله وأفعاله التى تخالف الكتاب والسنة قالوا إنها (فقه الضرورة). وهو مذهب يعتقد اصحابه أن الله قد أنزل شريعة ليعمل بها الناس فى (غير أوقات الضرورة). الترابى ليس فى أمره جديد، الذى جد هو ثورة الإتصالات والمعلومات. فقد كتب على إسماعيل العتبانى عنه قبل أسبوع بما يوحى أن الرجل منافق (صاحب ثقافة دينية وليس متدين) وهو ما قاله عنه تلميذه العاق الذى تسلق على كتفه وأعتلى سدتة الحكم.
عندما سأل الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالىإتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) قال : (والله ما صاموا لهم ولا صلوا لهم، ولكن أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فاتبعوهم).. قال الإمام على كرم الله وجهه: (الناس فى طلب العلم ثلاث، عالم ربانى، ومتعلم بقصد النجاة، وهمجُ رعاع أتباع كل ناعقٍ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤا إلى ركن وثيق).. الترابى له أتباع فى السودان لو قال لهم ان الله ثالث ثلاثة ما خالفوه، بل إجتهدوا فى تأويل أقواله و تبريرها. فقد أحل لهم الكذب وسفك الدماء وسجن الأبرياء وتعذيب السجناء، وفصل مخالفيهم من وظائفهم وقطع أرزاقهم.
فى كل الديانات الوثنية توجد فئة تنتفع من الشرك والضلال، تسكن المعابد، وتجاور الأصنام، نصبت نفسها وسيط بين العُباد والوثن الذى يعبدون. مثل البراهمة خُدام المعابد فى الهند، وسدنة النار عند المجوس. هم الذين يقنعون الناس أن الصنم يسمع و يرى، وأن النار هى التى تُحيى وتُميت وأن البقرة التى لها خوار هى الخالق البارئ. (والعياذ بالله). ما يقوم به المحبوب عبدالسلام لا يختلف كثيرا عن ذلك، وهو ما يسميه الإعلاميون فى أمريكا (spin) لكن هل يمكن لل (spin) أن تعيد القداسة إلى الوثن الذى هوى هذه المرة! فالمحبوب ليس فقط سكرتيراً للترابى لكنه يتعامل معه أيضاً كإسم تجارى إستثمر كل رصيده فى الحياة فيه، فاصبح مستقبله معلقاً بمستقبله ومصيره بمصيره.
الحبيب عادل إسحق الحقيقة هذا الشيخ بنى شعبيته بفتاوى (جكسية) وطبعاً هذه مرحلة تخطاها كثير من المتمشيخيين حالياً. أعتقد أن الندوة القادمة (لشيخ واطة) ستكون لفتاوى (تحت الحزام).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة