غازى صلاح الدين يكتب عن مساوىء اختلاط الدين بالسياسة ...1!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 10:10 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-24-2006, 00:21 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
غازى صلاح الدين يكتب عن مساوىء اختلاط الدين بالسياسة ...1!!

    مساوئ اختلاط الدين بالسياسة في التجربة الامريكية: المحافظون الجدد سيكونون كارثة علي امريكا والعالم
    غازي صلاح الدين العتباني
    أصبح النيوكونز مصطلحاً شائعاً في السياسة الأمريكية ولذلك نورده كما هو. وهو اختصار للكلمة الإنكليزية نيوكنسيرفتفز أي المحافظون الجدد ، ذلك التيار السياسي الذي جاء بالرئيس ريغان عقب الإهانة التي لحقت بالأمة الأمريكية في عهد الرئيس كارتر في قضية الرهائن. ثم جاء النيوكونز بعد ذلك بالرئيس بوش الأب، ثم بالرئيس بوش الابن.
    هم زمرة متشددة تقبس من عقائد الصهيونية المسيحية التي ترقب النزلة الثانية للمسيح، فهم لذلك في حلف مع الصهيونية الصريحة التي تقبس بدورها من عقائد اليهود الذين ما زالوا بانتظار النزلة الأولي للمسيح. كل واحد يعرف ما يدور في ذهن الآخر، ويعلم أن المنتظر في العقيدة الأولي ليس هو المنتظر في العقيدة الثانية، ولكن تتدخل حسابات الربح المؤقت لتبيح زواج المتعة بين الطرفين المتغابيين لغاية مرقوبة يختصمان بعدها. وإلي ذلك الحين، أي حين يختصمان، ينبغي أن يجري نهر التاريخ ويكتب النصر علي جبابرة الأرض المقدسة من العرب ومن لف لفهم.
    من أعلام النيوكونز رامسفيلد، وزير الدفاع، معروف؛ ومنهم وولفويتز نائبه السابق، معروف أيضاً؛ ومنهم كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية. هؤلاء هم بعض مهندسي السياسة في البيت الأبيض ومتعهدي غزو العراق ومن حذا حذو العراق.
    قبل فترة قريبة زارت السيدة رايس بريطانيا وطافت مع حليفها وزير الخارجية البريطاني دائرته وقالت كلاماً وكلاماً. ومن ضمن ما قالته ان الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبت في العراق آلاف الأخطاء...... التكتيكية . بحكم تجربتي ومعرفتي بتحريفات الإعلام راجعت نصوص كلامها حرفياً ووجدت الكلام كما نقل فعلاً: أن الولايات المتحدة ارتكبت آلاف الأخطاء التكتيكية في العراق. ومصدر دهشتي هو أن السياسي نادراً ما يتواضع ليعترف بأخطائه. أما أن يعترف بها بهذا الحجم فلا بد أن يكون الأمر جللاً. وإذا بلغت التعاسة بالسياسي أن يعترف طائعاً بارتكاب آلاف الأخطاء التكتيكية في حالة واحدة هي العراق فمن الحكمة وحسن الحيطة أن نفترض أنه في الحقيقة قد ارتكب مئات الآلاف من الأخطاء في غيرها. وإذا كان قد ارتكب هذا الكم الهائل من الأخطاء التكتيكية فلا بد أنه ـ وإن لم يعترف ـ قد ارتكب مئات الأخطاء الاستراتيجية أيضاً.
    القدس العربي
    سيظل ذلك الاعتراف المعزول من وزيرة خارجية النيوكونز ذا دلالة هامة، برغم أنه لا رئيسها ولا أقرانها في البيت الأبيض ووزارة الدفاع يتبنون اعترافها. أو قل بسبب ذلك الاختلاف بينهم في الأحكام نفسه، إذ ما زال الرئيس بوش يصر علي أن قراره بغزو العراق قد جلب لذلك البلد الحرية والرفاهية وأنهما، أي الحرية والرفاهية علي ذات الشاكلة، هما وعده الميمون لبلاد الشرق الأوسط الكبير ـ أي العالم الإسلامي بتعريف آخر.
    لكن الدارس لحالة النيوكونز يلمح في تصريح وزيرة الخارجية مغزي أعمق مما يتبادر إلي الذهن من تفسيرات تفترض حالة من الفيضان الداخلي العارم لفضيلتي الصدق والمكاشفة لدي وزيرة الخارجية دفعتها إلي ذلك الاعتراف. إنها تكشف في الحقيقة عن حالة هزيمة داخلية وتراجع نوعي في ظاهرة النيوكونز. تصريح وزيرة الخارجية مهم للاستدلال علي شروخ خطيرة في حركة النيوكونز، وتراجع شعبية بوش إلي أدني من 40% لدي الشعب الأمريكي معيار آخر مهم علي تلك الشروخ، ودبيب الفساد في البيت الأبيض وإقالة بعض موظفيه لتلك الأسباب مؤخراً مؤشر ثالث. لكن أهم المؤشرات هو الانسحاب المنظم للعرابين الفكريين للنيوكونز وتصاعد ظاهرة التبرؤ من سياساتهم ومرجعياتهم الفكرية.
    هناك مفارقات تاريخية ظلت ملازمة للتطور الأمريكي منذ أن حل في أرض أمريكا الحجاج الأوائل من إنكلترا علي ظهر السفينة ماي فلور عام 1620، وما تلاها من هجرات أخري شبيهة أكسبت المجتمع الأمريكي خصائصه الراهنة. جاء أولئك المهاجرون يحملون عقيدة بروتسنتية متشددة صبغت أفكارهم وأفعالهم وأكسبتها الغطاء الأخلاقي والشرعي. ولما كانت العقيدة البروتسنتية أشد ارتباطاً فكرياً وعاطفياً بالعهد القديم من الإنجيل وما فيه من قصص اليهود، أكثر من ارتباطها بالعهد الجديد، فقد تسللت إلي تابعيها مفاهيم كثيرة وروابط وجدانية يهودية. وعلي ذلك قيست مبررات الحملة من أجل مهمة إبادة سكان أمريكا الأصليين (الهنود الحمر) علي الأمر الرباني، بحسب العهد القديم، لملوك بني إسرائيل بإبادة الكنعانيين واليبوسيين ومن جري مجراهم من ساكنة الأرض المقدسة الأوائل. شكلت تلك المهمة لدي الكثيرين من أولئك واجباً دينياً أكثر من كونها مصلحة دنيوية عرضية. منذ ذلك الحين اختلط الدين والسياسة في التجربة الأمريكية كما لم يختلطا في تجربة أخري. وبخلاف ما يظن الكثيرون فإن مفهوم العلمانية في السياسة الأمريكية لم يوظف في وقت من الأوقات لحماية الدولة من الكنيسة؛ بالعكس من ذلك تماماً، وظف لحماية الكنيسة من الدولة، أما الدولة فقد ظلت مكشوفة الظهر أمام الكنيسة كلما اعتلت السلطة جماعة منظمة ذات إيديولوجية دينية مثل النيوكونز.
    وجه المفارقة المشار إليه آنفاً هو أن التجربة الأمريكية كانت وما تزال علي مستوي مجتمعها ومؤسساتها تقود، من موقع متقدم للغاية، مهمة التحديث وتوفر الطفرات العلمية الكبري في مجال العلوم والتقانة، وبصفة خاصة علوم استكشاف الفضاء والبحار وطبقات الأرض، وتقفز بالإنسانية قفزات بعيدة في علوم الحاسوب واستخداماته المتطورة للغاية. وبرغم تلك الصبغة العلمية المستكنة في المجتمع ومؤسساته وجامعاته ومراكزه البحثية إلا أن الدولة الأمريكية بالمقابل ظلت دائما معرضة لأن يتحكم فيها ساسة مهووسون تسيرهم الأساطير التوراتية. المفارقة ناشئة إذن من حقيقة أن السياسة الأمريكية ـ الخارجية بالذات ـ تتحدد، لا بحسابات علمية توازي الجهد التحديثي العظيم الذي يضطلع به المجتمع ومراكز البحث والعلم، ولكن ببعض أساطير مثل قصة الهرمجدون (جبل مجيدو بالعبرية) حيث تكون الموقعة النهائية بين الشر والباطل بحسب النبوءات الكارثية لسفر الرؤيا أو ما يسمي الأبوكاليبس . وقد يجد بعض الناس ذلك مستغرباً وبعيدا عن التصديق، لكن واحداً من أهم دوافع غزو العراق لدي بعض صناع القرار في إدارة بوش وأنصاره كان هو استدعاء الهرمجدون التي ستكون علماً لآخر الزمان بعد أن يجتمع اليهود في أرض فلسطين (أرض إسرائيل بحسب زعمهم). وليس مهما في هذه الأثناء الاتفاق أو الاختلاف علي أن اجتماع اليهود في أرض فلسطين هو من أجل استقبال المسيح في مقدمه الأول الذي يقول به اليهود أم في مقدمه الثاني الذي يقول به المسيحيون الصهاينة. ما يهم هو أن ينزل علي أية حال أو يستنزل باصطناع الشروط لنزلته. هذه الأفكار تقود اليوم السياسة الأمريكية، لا علي مستوي البيت الأبيض فحسب، حيث ثلة محدودة من الساسة، ولكن علي مستوي الكونغرس أيضاً حيث المئات من المشرعين.
    الناتج النهائي لهذه الأخاليط هو عقيدة عسكرية عدوانية تتدثر بالمسيحية، وإن كانت في حقيقتها تخالف الطبيعة المسالمة للمسيحية الحقيقية مخالفة أساسية. هي في الحقيقة حالة هتلرية جديدة تتصل جذورها، لا بالعقيدة المسيحية الحقة، ولكن بلوثة الغزو والاستعمار المركوزة في الحضارتين الهيلينية والرومانية، وبعقيدة الاستهلاك النهم في الحضارة المادية المعاصرة التي تستبيح سرقة ثروات الشعوب، لكنها، لضعفها الأخلاقي، تسعي لاكتساب المشروعية بادعاء الانتساب للمسيحية.
    أشرنا إلي أن الشروخ الحقيقية في جدار حركة النيوكونز لا تتمثل فقط في الاعتراف المدهش لأحد رموزها بارتكاب آلاف الأخطاء في بلد واحد وفي فترة لا تتجاوز الثلاث سنوات. الشروخ الحقيقة هي في تراجع قناعات الموجهين الفكريين لتلك الحركة. وأحد أهم هؤلاء هو المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما صاحب الكتاب المشهور الصادر في بداية التسعينات باسم نهاية التاريخ والرجل الأخير . فرانسيس فوكوياما له كتب عديدة ومقالات مهمة في صياغة الفكر السائد الآن بين النيوكونز، لكن كتابه المذكور نال من الصيت ومن الخلاف ما لم ينله غيره. ومن الأفكار المستغربة حقاً في ذلك الكتاب هي الزعم بحتمية انتصار الرأسمالية الليبرالية حتي وإن كان انتصاراً بآليات ماركسية. هناك تشابه واضح بين الحتميات التاريخية في الفلسفتين النقيضين: حتمية انتصار البروليتاريا في النظرية الشيوعية وحتمية انتصار الرأسمالية الليبرالية في نظرية نهاية التاريخ لدي فوكوياما، كلاهما نهاية للتاريخ وإن اختلف الناتج. لقد رأيت في ذلك تناقضاً جذرياً مع فكرة الليبرالية وآمنت بأن الزمان سرعان ما سيكذب فوكوياما. لكنني لم أتصور أن يكذب هو نفسه بنفسه بهذه السرعة قبل أن تكذبها أحداث الزمان. إذ يبادر فوكوياما الآن إلي نفي هذه التهمة بزعمه أنه لم يقل بالحتمية التاريخية لليبرالية الرأسمالية، ولكنه قال بحتمية التطلع إلي الحداثة والتمدين لدي الإنسان وهو الدافع الذي يقود بصورة طبيعية إلي خيار الليبرالية الرأسمالية حتماً، وفي الحقيقة لا أستطيع تبين الفارق.
    فوكوياما أصدر مؤخراً كتابه أمريكا في مفترق الطرق وأعلن فيه الاعترافات التالية: بما أنني ظللت أعد نفسي من المحافظين الجدد، فقد ظننت أنني شاركتهم آراءهم في السياسة العالمية، بمن في هؤلاء أصدقاء ومعارف خدموا في إدارة الرئيس بوش ، ثم يمضي ليعلن: إن مذهب المحافظين الجدد، كرمز سياسي وفكر سياسي، قد تحول إلي شيء لا يمكنني تأييده ، وان اللحظة التاريخية للنيوكونز تبدو وقد فاتت .
    لقد قامت الفلسفة السياسية لليمين الديني كما يتبناها النيوكونز، وكما عبرت عنها أفضل تعبير إدارة الرئيس ريغان، علي تخفيض الدولة المركزية. والسبب في ذلك راجع إلي نفور مذهبي لدي اليمين الأمريكي عموماً تجاه منهج الهندسة الاجتماعية، وهو المنهج الذي تتبناه في العادة الحكومات الشيوعية والاشتراكية والحكومات ذات الصبغة الأيديولوجية مثل الفاشية والنازية. ويستند مبدأ الهندسة الاجتماعية إلي أن عملية التحول التاريخي في المجتمعات يمكن الإسراع بها من خلال قوة السلطان، وهو ما يمكن تسميته المقدرة التحويلية لقوة السلطان أو إعادة صناعة العالم.
    إن اعتراض المعترضين علي منهج الهندسة الاجتماعية ونظرية المقدرة التحويلية لقوة السلطان يستند إلي ما أثبتته التجربة التطبيقية في الاتحاد السوفييتي السابق والمنظومة الاشتراكية، وفي التجربتين النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، أن الهندسة الاجتماعية تؤدي في المحصلة النهائية إلي نتائج معاكسة للأهداف المثالية التي اتجهت النظرية في البداية لتحقيقها، الشيء الذي يزيد من معاناة الشعوب ويقصّر بالجماعة المتبعة لذلك المنهج عن بلوغ غاياتها المنصوبة.
    هذا الاعتراض لم يصدر ممن يتبنون الفلسفة الليبرالية وحدهم وإنما سبق إلي تبنيه بعض من نشأوا في حاضنة الماركسية أيضاً. هؤلاء يمثلهم خير تمثيل تروتسكي الذي عبر عن رفضه وضيقه الشديدين بالنتائج العملية للينينية الستالينية وما أحدثته من مآس اجتماعية عندما استخدمت قوة الدولة السوفييتية من أجل إجراء هندسة اجتماعية، فعادت في النهاية بالوبال لا علي الدولة وحدها ولكن علي الشيوعية كفكرة مثالية.
    اللينينية الستالينية تقول بأنه يمكن دفع عملية التحول التاريخي من خلال استخدام قوة السلطان للإسراع بالشروط التاريخية اللازمة لتحقق الخواتيم الحتمية للشيوعية. يمكن هنا ملاحظة الشبه بين مفاهيم اليمين الديني الذي يعبر عنه النيوكونز وبين اللينينية الستالينية في تبنيها لمبدأ الدفع الخارجي لحركة التاريخ. وهذا هو الأساس الفكري لعملية غزو العراق ومحاولة فرض ديمقراطية ما عليه، وهو الأساس الفكري أيضاً لمشروع الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط الكبير من خلال وسائل قوة وعسف قد تعني أحيانا الاحتلال العسكري لفرض الإصلاح. يقول فوكوياما لقد اعتبرت تلك الرؤية أن الديمقراطية الأمريكية هي الوضع الطبيعي والمريح للشعوب، وأنه لا يحول بينهم وبينها إلا قمع الحكومات التي تسوسهم، وأنه ما أن تزال تلك الحكومات حتي تثوب الشعوب إلي الوضع الطبيعي والمريح وهو خيار الديمقراطية ذات الماركة الأمريكية.
    يري فوكوياما انه من المفارقة أن أتباع اليمين الديني كما يمثله النيوكونز وقعوا في ذات الخطأ الذي حذروا من الوقوع فيه تاريخياً وذلك بتبنيهم لفكرة الاستخدام الأخلاقي للقوة الأمريكية كما يمثلها العراق كحالة نموذجية. وبتبنيهم لفلسفة الهندسة الاجتماعية خارج الولايات المتحدة الأمريكية من خلال دعوتهم لإصلاح الشرق الأوسط الكبير بالقوة إذا لزم الأمر.
    لقد أساء النيوكونز التقدير مرة بتبنيهم لفكرة المقدرة التحويلية لقوة السلطان بهذا الوصف، ومرة ثانية بافتراض أن الولايات المتحدة هي وحدها المالك الأخلاقي لحق تغيير العالم، وأخطأوا مرة ثالثة في تقدير ردة فعل العالم عامةً، والعالم الإسلامي خاصةً، لسياساتهم ومشاريعهم التي تبنوها. لقد كانت نتيجة تلك السياسات انتشار العداء لأمريكا في العالم كله كما عبرت عنها الأزمة مع فرنسا وألمانيا حول غزو العراق، وكما أثبتتها نتائج انتخابات دول أمريكا اللاتينية التي تتداعي الآن إلي معسكر معاداة أمريكا بقيادة فنزويلا وبوليفيا والآن بيرو، وكما أثبتها تقدم القوي الإسلامية في الانتخابات المصرية والباكستانية والانتصار الذي حققته حماس في الانتخابات الفلسطينية، وأخيرا هناك المواجهة الراهنة مع إيران في المسألة النووية التي تبدو خاسرة ومحرجة في آن. لقد أساء النيوكونز فهم التاريخ وكيفية عمل سننه وأخطأوا التقدير بنحو لم يسبقهم إليه أحد.
    هذه هي الملاحظات المهمة التي ينبغي لدارس التاريخ أن يتوقف عندها. أي هذه الموافقات غير المتوقعة بين المفاهيم الشيوعية التي نمت في ظل التجربة السوفييتية وبين الفكر السياسي للنيوكونز. يتمثل ذلك في الطابع الإيديولوجي الجامد الذي ينطلق من بواعث دينية كما يعبر عنها عتاة الإيفانجيليين أمثال بات روبرتسون وجيري فالويل (فلنتذكر الطابع الديني للماركسية في تبشيرها بجنة دنيوية)؛ ويتمثل في التحول الجذري من مبدأ تخفيض الدولة إلي تضخيم الدولة من خلال منهج الهندسة الاجتماعية واستخدام القوة التحويلية لقوة السلطان (فلنتذكر أن الشيوعية أيضاً بشرت بزوال الدولة تماما في الصيرورة النهائية للتاريخ). ويتمثل حتي في المشابهة بين الشخصيات والأحداث، حيث لن يكون بعيداً عن الواقع إجراء المقارنات بين منظري اليمين الديني عامة وبين إنجلز وماركس، كما لن يكون مستغربا المقارنة بين بوش وتشيني ورامسفيلد من ناحية وبين لينين وستالين ودريزنسكي من ناحية أخري.
    إذا أخذنا بتلك المقارنات كأرضية افتراضية فليس هناك ما يقف دون التفكير المقارن في مآلات الوضع الأمريكي الراهن قياساً إلي التجربة السوفييتية. هنالك الافتراض الذي أراه صحيحاً وهو أن الاتحاد السوفييتي قد انهار لأسباب إيديولوجية واقتصادية. أما الأسباب الإيديولوجية فقد تمثلت في المفارقة المضطردة بين الشيوعية المثالية وبين التطبيق العملي لها، وهو الشيء الذي أدي إلي التآكل التدريجي لمشروعيتها في النفوس؛ لتلك الأسباب كانت الجماهير التي خرجت للإجهاز علي الدولة السوفييتية هي من ذات الأجيال التي تربت في حاضنة الشيوعية علي مدي سبعين عاما. وأما الأسباب الاقتصادية فقد تمثلت في الإنفاق المتضخم للدولة في مشروعات الهندسة الاجتماعية وفي المشروعات العسكرية التي وظفت للمحافظة علي النفوذ السياسي للاتحاد السوفييتي، وقد كان التدخل في أفغانستان هو الحالة النموذجية لتلك السياسة وإن لم تكن الحالة الوحيدة.
    من السذاجة أن نخلص من هذا إلي أن أمريكا تنحدر بسرعة نحو ذات المصير الذي انتهي إليه الاتحاد السوفييتي فالتاريخ لا يعيد نفسه بطريقة واحدة، وأوجه المخالفة بين الحالة الأمريكية والحالة السوفييتية كثيرة أيضاً، والمجتمع الأمريكي ما يزال يمتلك قدرة كبيرة علي الإبداع وعلي تجديد نفسه. لكننا يمكن أن نستنتج بيسر أن النيوكونز كظاهرة انحطاط استثنائي في السياسة الأمريكية ستفسح الطريق سريعاً أمام تيار جديد ينشأ من المعطيات الحيوية التي تشكل اللحظة التاريخية في أمريكا اليوم. هذه المعطيات تتبلور من حقائق عدة بعضها لا نملك التأثير عليه وبعضها يمكننا التأثير عليه وتوظيفه. أما المعطيات التي تجري أمامنا ولا نملك تغييرها أو إيقافها فهي تحول العالم بسرعة من القطب السياسي الأوحد إلي الأقطاب المتعددة، وهي نمو قوي جديدة اقتصادية غالباً كما في حالة جنوب شرق آسيا، أو اقتصادية وعسكرية كما في حالة الصين والهند، أو عسكرية غالباً كما في حالة إيران. ومن تلك المعطيات أيضاً بروز تعددية ثقافية وسياسية داخل المجتمع الأمريكي تبشر بتغيير موازنات القوي القديمة خلال العقود القادمة وبكسر احتكارية الثقافة الأنجلوبروتسنتية التي حكمت أمريكا لأكثر من قرنين. وأما الذي نملك التحكم فيه فهو قراءة المجتمع الأمريكي قراءة صحيحة واكتشاف فرص التحالفات القابلة للبناء داخله لأن المعركة كما يقول فوكوياما نفسه هي معركة طويلة بلا بدايات ونهايات واضحة وبلا خطوط قتال معلومة. إنها في الأساس معركة رؤي وأفكار.
    ما يهمنا نحن في الدول النامية عموماً يذكرنا به عنوان هذه المقالة الذي يأخذ من المثل القائل يتعلمون الزيانة في رؤوس اليتامي . إن الوقائع العملية تثبت كل يوم أن النيوكونز كانوا وبالا علي أمريكا قبل أن يكونوا وبالاً علي غيرها، وأنهم لم يكونوا جديرين بأن تسند إليهم مهمة إدارة شركة، دعك من إدارة دولة بحجم الولايات المتحدة وإمكاناتها، ودعك من إدارة العالم. هذه الحقيقة تفرض نفسها بإلحاح وتضطرد علي مدار اليوم، وهي حقيقة يصدقها التراجع المحرج لشعبية الرئيس بوش، والمحاصرة المستمرة لوزير دفاعه، بل والتصريحات المدهشة حقاً لوزيرة خارجيته. وإذا كان هذا حال أبناء البلد من الأمريكان الذين أسلموا رؤوسهم لتجاريب النيوكونز فإنهم قد فعلوا ذلك علي مسئوليتهم وليس هنالك ما يدعونا نحن، في سعينا لتحقيق الإصلاح السياسي، لتسليم رؤوسنا لزيّان أخرق.
    ہ مستشار رئيس الجمهورية ورئيس كتلة الأغلبية بالبرلمان السوداني
    8
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de