الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوهاب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 04:04 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-30-2008, 10:43 AM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوهاب

    الدعوة في السودان

    وتأثرها بالدعوة السلفية

    " دراسة تاريخية وثائقية "





    د. عمر سالم عمر بابكور

    الأستاذ المشارك في التاريخ الحديث والمعاصر

    جامعة أم القرى - كلية الشريعة والداسات الإسلامية - قسم التاريخ الإسلامي



    ملخص البحث
    رغم أن إعلان محمد أحمد “ المهدية ” قد يباعد بينه وبين ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، إلا أن المتتبع لسيرته سواء منذ بداية دعوته وبعد إعلان المهدية ومن خلال تراثه الفكري بعد المهدية المتمثل في منشوراته ومجالسه وخطبه بالإضافة إلى حكومته الإسلامية التي أقامها في السودان ، وسياسته الخارجية التي حملت التوجيه الإسلامي الخالص ، يلاحظ مدى عمق العلاقة بين المهدية في السودان ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية .

    فقد تأسى محمد أحمد “ المهدي ” بالشيخ محمد بن عبد الوهاب منذ بداية دعوته فقد ظل فترة من الزمن يدعو سلماً بالمواعظ والكتب والرسائل والوفود ، للعودة إلى منابع الدين الأولى وترك البدع ومظاهر الشرك ، وإحياء سنن الشريعة ، والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة ، ومحاربة الفساد .. وهذا يتفق مع ما جاء في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية منذ بدايتها أيضاً وحملات رسائله بالدعوة إلى بعض بلدان وإمارات نجد .

    ثم نلاحظ أسلوبه الجهادي وعقيدته السلفية ومنهجه السلفي في الإصلاح في معظم مناشيره التي تغطي الفترة منذ إعلانه المهدية في “ أبا ” حتى فتح “ الخرطوم ” ونهاية الحكم القائم وعموم دعوته ، مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتبليغ الدعوة وإزالة مظاهر الشرك والبدع وإقامة مجتمع إسلامي في حكمه ، وظهرت عقيدته السلفية بوضوح في تلك المناشير وأيضاً منهجه السلفي للإصلاح ونلاحظ الاتفاق في المضمون فيما دعا إليه الاثنين من العودة بالإسلام إلى عصوره الزاهرة وترك البدع والمنكرات وإن اختلفا في الأسلوب لأن كل واحد منهما كان يخاطب قومه باللغة التي يفهمونها وكان هم كل منهما منصرفاً إلى المعاني لا إلى العبارات
                  

01-30-2008, 11:17 AM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)

    مقدمة :

    بدأت دعوة محمد أحمد الإصلاحية عندما بني جامعاً للصلاة وخلوة للتدريس والتعبد وبدأ في بث أفكاره ومبادئه بين سكان جزيرة أبا والقبائل المجاورة لها ، سالكاً منهجاً قويماً في العبادة والزهد والغيرة علي الدين وداعياً إلي بناء مجتمع ديني يأخذ مقوماته من المجتمع الذي أقامه الرسول صلي الله عليه وسلم ، وصحابته ، واستطاع أن يكسب لأفكاره ومبادئه الكثير من الاتباع والمريدين ، عاهدوه علي السمع والطاعة ، والتمسك بأوامر الدين ، والانتهاء عن نواهيه ، والاستعداد إلي نصرة الحق ، وإقامة سنن الشريعة الإسلامية .

    ثم انتقلت دعوته الإصلاحية إلي طور جديد عندما أعلن أمام صفوة من العلماء ورجال الدين وبعض رجال الدولة الذين حضروا حفل ختان أولاد شيخه محمد شريف سنة 1878 م أن ما أقدم عليه شيخه من إجازة الرقص والغناء واللهو في الحفل مخالف للشريعة الإسلامية ، ورغم أن ما أعلنه سّبب الخلاف والقطيعة بينه وبين شيخه إلا أنه قد خرج من هذا الخلاف منتصراً عليه ومؤيداً من قطاعات عريضة من السودانيين بسبب قوة تدينه وغيرته علي الشريعة والإسلام ، وصار حديث العلماء ورجال الدين والعامة بعد أن أذاع أنه أنفصل عن شيخه لأنه خالف الشريعة والسنة ، فأصبح شخصية لها محبة خاصة في قلوب السودانيين .

    فاستغل محمد أحمد ( المهدي ) هذا الانتشار وتلك الشهرة التي حققها في بث ونشر أفكاره ومبادئه والتمكين لها في جميع أنحاء السودان فبدأ في تقوية اتصالاته بالعلماء ورجال الدين والإصلاح فكتب إلي بعض العلماء ورجال الدين المرتبطين بالحكم التركي المصري يدعوهم إلي الزهد في الدنيا وشهوتها ، والإقبال إلي الآخرة 00 وكتب أيضاً إلي بعض رجال الدين والعلماء يعلمهم أن الدين قد أصبح غريباً بسبب شيوع البدع ومظاهر الشرك ويدعوهم للوقوف معه لإقامة الدين وأحياء سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم 0

    وأعقب ذلك بالانطلاق بدعوته يجوب ربوع السودان يوثق أواصر التفاهم بينه وبين نظار القبائل والعلماء ورجال الدين وشيوخ الطرق وأصحاب الشأن في البلاد ، يدعوهم إلي العودة إلي تعاليم الدين الصحيح ونبذ البدع ومظاهر الشرك ، ومحاربة الفساد واستطاع بالفعل أن يخرج من تلك السياحات والرحالات بشهرة واسعة ، وبعشرات الألوف من المؤيدين المخلصين لدعوته 0

    وكانت قمـة دعوتـه الإصلاحية عندما وضع رسالته ( أثناء رحلته الأولي إلى غرب السودان سنة 1297هـ 1880م ) التي حض فيها أتباعه علي تطهير الإيمان الذي فسد وأنحط بفساد الحكمة ، وعدم احترام الموظفين أركان الدين ، فكانت دعوة صريحة لتغيير الأوضاع للعودة بالمسلمين وبالبلاد إلي الدين الصحيح ، والرجوع إلي أيام الرسول صلي الله عليه وسلم وصحابته ، وإقامة مجتمع إسلامي مماثل لمجتمعه يلتزم في حكمه بالشريعة الإسلامية الغراء .



    وعندما أيقن محمد أحمد من إمكانية نجاح دعوته فكر في الشكل والأسلوب الذي يناسب ظروف السودان حينذاك ، فأهتدي إلي فكرة إسلامية أخذ بها بعض المصلحون والمجددون في تاريخ الإسلام وحظيت بانتشار واسع في السودان ظهور المهدي عندما يشتد الظلم والجور في المجتمع وتجعله رمزاً للعدل والخير والصلاح التي طالما أنتظرها المسلمون في السودان لتنقذهم من الأوضاع السيئة والتي تمثلت في المظالم والمفاسد الخلقية وشيوع البدع التي عمت المجتمع السواد ني المسلم ، فأعلن ( في سنة 1898 هـ / 1881 م) أنه المهدي ، مؤيداً من الله ورسوله ، ليعود بالمسلمين إلي الدين الصحيح ويقيم الحكم الإسلامي القائم علي الالتزام بالقرآن الكريم والسنة المطهرة .

    ورغم أن إعلان محمد أحمد " المهدية " قد يباعد بينه وبين ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، إلا أن المتتبع لسيرته سواء منذ بداية دعوته وبعد إعلان المهدية ومن خلال تراثه الفكري بعد المهدية المتمثل في منشوراته ومجالسه وخطبه بالإضافة إلي حكومته الإسلامية التي أقامها في السودان ، وسياسته الخارجية التي حملت التوجيه الإسلامي الخالص، يلاحظ مدى عمق العلاقة بين المهدية في السودان ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية.

    فقد تأسي محمد أحمد " المهدي " بالشيخ محمد بن عبد الوهاب منذ بداية دعوته فقد ظل فترة من الزمن يدعو سلماً بالمواعظ والكتب والرسائل والوفود ، للعودة إلي منابع الدين الأولي وترك البدع ومظاهر الشرك ، وأحياء سنن الشريعة ، والزهد في الدنيا والإقبال علي الآخرة ، ومحاربة الفساد 00 وهذا يتفق مع ما جاء في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية منذ بدايتها أيضاً وحملات رسائله بالدعوة إلى بعض بلدان و إمارات نجد.

    ثم نلاحظ أسلوبه الجهادي وعقيدته السلفية ومنهجه السلفي في الإصلاح في معظم مناشيره التي تغطي الفترة منذ إعلانه المهدية في " أبا " حتى فتح " الخرطوم " ونهاية الحكم القائم وعموم دعوته ، مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتبليغ الدعوة وإزالة مظاهر الشرك والبدع وإقامة مجتمع إسلامي في حكمه ، وظهرت عقيدته السلفية بوضوح في تلك المناشير وأيضاً منهجه السلفي للإصلاح ونلاحظ الاتفاق في المضمون فيما دعا إليه الاثنين من العودة بالإسلام إلي عصوره الزاهرة وترك البدع والمنكرات وإن اختلفا في الأسلوب لأن كل واحد مهما كان يخاطب قومه باللغة التي يفهمونها وكان هم كل منهما منصرفاً إلي المعاني لا إلي العبارات .

    وقد ظهرت تأثر محمد أحمد الشديد بالتعاليم والمبادئ السلفية وجاءت دعوته في منشوراته إلي التوحيد الخالص وإفراد العبودية لله ، ومنع الحلف بغير الله ، ومنع الاستغاثة بغير الله لو كان نبياً رسولاً أو ملكاً 00 بالإضافة إلي تحريم التسمية بالعبودية لغير الله ، وهدم القباب ومنع التوسل إلي الأولياء الصالحين 00 تجسيد حي وقوي لأقوال أعلام السلف وعلي رأسهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب .

    وأيضاً كل خطب محمد أحمد المدونة تحث علي الزهد في الدنيا وطلب الآخرة وتتضمن دعوة قوية للجهاد ، وأسلوبه فيها يعتمد علي كثرة الاستشهاد من القرآن الكريم والسنة المطهرة وهو يتأسى بالشيخ محمد بن عبد الوهاب في خطبه .

    ويمكن أن نقول أن التأثر والمحاكاة بل والاقتباس قد ظهر واضحاً في العقيدة " الجانب النظري " القول والاعتقاد في تراث محمد أحمد وسيرته ، وإن لم تظهر نفس الألفاظ والمعاني لأن كل واحد منهما كان يخاطب قومه بلغة يفهمونها ولكن المضمون واحد .

    أما " الشريعة " أو الجانب العملي وموقف محمد أحمد من المذاهب والمدارس الفقهية المختلفة ، ففي تراثه وسيرته ما يؤكد عمق العلاقة بينه وبين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ، وخاصة ما أقدم عليه من ممارسات سلفية ، وظهرت بقوة دعوة الشيخ السلفية واضحة جلية فيما دعا إليه المهدي من فتح باب الاجتهاد ، واتفقت الوجه السلفية في دعوته للاجتهاد مع ما دعا إلي الشيخ محمد عبد الوهاب لنفس الهدف .

    فقد أمر محمد أحمد أنصاره بالرجوع إلي الكتب العلمية رغم حفاوته بالقرآن الكريم الذي أصدر أمراً عاماً بتدريسه إجبارياً متأسياً بالشيخ محمد بن عبد الوهاب .

    وإذا كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد حرم الدخان وشدد تلاميذه في التحريم فإن محمد أحمد في مجالسه قد حرم التنباك تحريماً قاطعاً وأعتبره من جملة الخبائث وشربه حرام وثمنه حرام .

    بالإضافة إلي أن محمد أحمد كان يشجع نوابه وعماله علي الاجتهاد وعدم التعليق بالأئمة متأسياً في ذلك بالشيخ محمد بن عبد الوهاب .

    وظهرت ممارساته السلفية بقوة واضحة جلية في منشوراته والتي حملت اسم "الأحكام والآداب " والتي خالف بها المهدي علماء عصره فيما جرت به العادة من الفتوى تبعاً للمذاهب الفقهية المعروفة . لذلك لم يكن بدعاً أو عجباً أن يعلن محمد أحمد إلغاء المذاهب والطرق الصوفية حتى لا يبقي إلا الدين الخالص ، ويمكن أن نقول أنه كان سلفياً مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهو قد نفذ تعاليم السلفية في القصاص والسرقة والزنا والحدود الشرعية عامة .
                  

01-30-2008, 01:00 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)


    الصلات القديمة بين شبه الجزيرة العربية والسودان :

    مما لاشك فيه أن الصلات بين أفريقية عامة والسودان خاصة وشبه الجزيرة العربية ، عميقة الجذور ، موغلة في القدم ، فقد كانت شبه جزيرة العرب – علي مر العصور – مستودعاً بشرياً عظيماً ، ومنبعاً لموجات بشرية تتدافع في تيارات متتالية علي مدي العصور والأجيال نحو الأقطار المجاورة ، وكانت أهم هذه الموجات وأسبقها في الزمان بحكم الجوار وسهولة الانتقال تلك الموجات المتجهة نحو شرق القارة الأفريقية عن طريق باب المندب ثم عبر طرق البحر الأحمر كلها([1]) .

    ومما يزيد من عمق هذه الصلات أن هناك بعض النظريات التي تتحدث عن غياب البحر الأحمر ( كحاجز مائي ) كله بين آسيا وأفريقيا وتقول بوحدة " أصل البجة "([2]) وقدماء المصريين النابع من الجزيرة العربية([3]) .

    بالإضافة إلي أن البحر الأحمر لم يكن حاجزاً صعباً يمنع الاتصال بين شواطئه الأسيوية العربية ، وشواطئه الأفريقية ، فلم يكن من الصعب اجتيازه بالسفن الصغيرة ، ومن المؤكد أن بلاد البجة في شرق السودان هاجر إليها الحضارمة قبل الإسلام([4]) .

    وكان بفضل هذه الصلات والتي تمثلت في انتقال العرب من شبه الجزيرة العربية إلي مناطق كثيرة في أفريقيا ولعل أهمها منطقة وادي النيل ، أن تزايدت المؤثرات العربية وأصبحت تلك المناطق الأفريقية شبه عربية ، وقطعت في عروبتها شوطاً طويلاً عبر آلاف السنين وذلك عندما ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي([5]) .



    وقد دفعت هذه الصلات والهجرات العربية ببعض الباحثين ([6]) في تاريخ السودان إلي الترجيح بأن سودان وادي النيل قد عرف الثقافة العربية الجاهلية بكل مقوماتها العقائدية والفكرية قبل أن يعرف الثقافة الإسلامية التي صاحبت الدعوة الإسلامية ، وأن تأثيرات الدماء العربية والثقافة أيضاً لم يكن مقصوراً علي الجهات التي تقابل الجزيرة العربية في السودان الشرقي بل تجاوزتها إلي السودان الأوسط ، والسودان الغربي أيضاً .

    ونخلص فيما سبق إلي أن الصلات والعلاقات كانت قائمة بين شبه الجزيرة العربية والسودان ، وأن أجزاء كثيرة من سودان وادي النيل قد تأثرت بما يحدث بشبه جزيرة العرب بفضل الانتقال والاستقرار السلمي للعرب في أرض السودان.

    ومن ثم لم يكن مستغرباً أن تجد الدعوة الإسلامية في شرق أفريقيا " الحبشة " الملاصقة للسودان ملجأها الأول بالإضافة إلي سرعة انتشار الإسلام في أجزاء كثيرة من أفريقيا في سنوات الإسلام الأولي مما يدفعه دليلاً علي عمق وقدم الصلات والوشائج والارتباط بين شبه الجزيرة العربية ومناطق شرق الس
                  

01-30-2008, 03:52 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)


    نفوذ الدعوة الإسلامية إلي السودان :

    بقيام الدعوة الإسلامية وتوطيدها في شبة الجزيرة العربية وبداية انتشارها وسيطرتها علي مصر في شمال وادي النيل بحملة عمرو بن العاص ، لم تنقطع العلاقات والصلات العربية بالسودان بل زادت بفضل قوة الدعوة الإسلامية وأصبح هناك طريقان ([7]) أو مدخلان نفذا منهما العرب والدعوة الإسلامية من شبه الجزيرة العربية إلي السودان وهما :

    الأول : المدخل الشرقي عبر البحر الأحمر مباشرة ، الثاني : المدخل الشمالي عبر مصر ، وأن كان هناك ترابط كبير بين المدخلين ، وسوف نعرض بإيجاز دور كل واحد منهما في تطوير أبعاد تلك العلاقات ، واستمرار هذا الاتصال .

    أولاً : المدخل الشرقي ( عبر البحر الأحمر )

    تكاد المراجع التاريخية تجمع على أن الكثير من قبائل الجزيرة العربية أو على الأدق بعض البطون منها قد قامت بهجرات واسعة مباشرة عبر البحر الأحمر إلي شرق السودان وخاصة بعد قيام الدعوة الإسلامية ، ومن أشهر هذه الانتقالات والهجرات ، انتقال " جهينه" من منطقة " ينبع " من الجزيرة العربية إلي شرق السودان ([8])

    وجهينة اسم لقبيلة عربية مشهورة هي فرع من قضاعة ، وأهم وحدات هذه المجموعة القبائل الآتية :

    1- قبيلة رفاعة وتمتد مواطنها علي جانبي النيل الأزرق في السودان من السفوح الحبشية إلي المقرن ، والشماليين منهم يمارسون الزراعة والتجارة ، أما الجنوبيين فالبداوة سائدة بينهم وهم ينقسمون إلي قسمين :

    رفاعة الشرق ( شرقي النيل الأزرق ) ويطلق عليهم ناس أبو جن ورفاعه الهوى (غربي النيل الأزرق ) ويطلق عليهم ناس أبو روف ، وقد حل بهم اضطهاد شديد في عهد الخليفة عبد الله حين رفض شيخ القبيلة ( يوسف المرضي أبو روف ) القدوم إلي أم درمان . لمبايعة الخليفة ، فقبض عليه وأعدم في أم درمان .

    2- قبيلة الشكرية ، ويعيشون في إقليم البطانة وينتقلون بإبلهم شمالاً حتى شندي وجنوباً إلي النيل الأزرق وأهم مراكزهم بلدة أبو دليق جنوب شرقي شندى ورفاعة علي النيل الأزرق والفاشر علي العطبرة والقضارف .

    وقد كان للشكرية شأن كبير أيام الحكم المصري ، وكان لها أسرة حاكمة يتزعمها الشيخ أحمد أبو سن وكان موضع ثقة الحكومة فعندما قصد مرسي باشا حمدي حكمدار السودان القاهرة لمقابلة الخديوي إسماعيل ، اصطحب معه أحمد بك أبو سن وعدداً من كبار السودانيين ، فأنعم عليهم الخديو بالرتب والهدايا وكان نصيب الشيخ أحمد سيفا مذهباً وخمائل ذات قيمة ([9])

    ويلاحظ أن موطن هذه المجموعة الأولي لقبائل جهينة (رفاعة والشكرية) في أقاليم النيل الأزرق والبطانة أي في النصف الشرقي من السودان .

    أما المجموعة الثانية فيطلق عليها المجموعة الفزارية وتعيش في شرقي كردفان ووسطها ومن أشهر قبائلها دار حامد فى شمالي الأبيض ، ويعملون بالزراعة ورعي الإبل .

    وأهم قبائل المجموعة الثانية هي :

    1- البقارة ويطلق هذا اللفظ علي شعبة جهينة التي تعيش جنوبي كردفان ودارفور ، ويعملون كما يدل اسمهم في رعي البقر .

    ويمتد إقليم البقارة غرباً حق بحيرة تشاد إلي إقليم واداى والبرنو كما أن حدودهم الجنوبية تتاخم أقاليم الزنوج حيث يعيش الدنكا والفرتيت .

    وإقليم البقارة واسع جداً في امتداده من الشرق إلي الغرب ، فيقع بين النيل الأبيض وبحيرة تشاد في حين أنه محدود في امتداده من الشمال إلي الجنوب فيقع بين خطي عرض 11ْ و 13ْ وإن كانت بعض الوحدات تمتد جنوبي هذا الخط كالحمر الرزيقات.

    ويتوزع البقارة علي النحو التالي :

    في كردفان : بنوسليم علي النيل الأبيض بين الجمع في الشمال والشلك في الجنوب ويليهم غرباً أولاد حميد ويعيشون حول تقلي ([10]) ثم الحوازمة وينتشرون بين الأبيض ودلنج وتالودي ثم المسيرية غربي دلنج وأخيراً الحمر في الركن الجنوبي الغربي من كردفان شمالي بحر العرب .

    في دارفور : ويمتدان من الشرق إلي الغرب علي الترتيب التالي :

    الزريقات فالهبائية والتعايشة وبنوهلبه

    2- الكبابيش وتملك أعدادا كبيرة من الإبل بالإضافة إلي الضأن أيضاً ، ومواطنهم محورها وادي المِلك . وقد فتك بهم الخليفة عبد الله فتكا ذريعاً لما خرجوا عليه .

    3- الحمر : Hamar ويعيشون علي الأطراف الغربية لكردفان علي حدود دارفور وتمتد أوطانهم بين خطى عرض 12ْ و 14 ْ ، وقد عملوا على نصرة المهدية بخلاف الكبايش فانتهز الحمر لسلبهم الشطر الأعظم من قطعانهم.

    ولا يتم الحديث عن العناصر العربية في شمالي السودان دون الإشارة إلى مجموعة الكواهلة وهى لا تنتسب إلى الجعليين أو الجهنيين ، رغم أنهم من عرب شبه الجزيرة ، وأوطانهم موزعة في جهات متعددة أخصها النيل الأبيض فيفصلون بين قبيلتين جعليتين هما الجموعية والجمع ([11])

    ومنهم قبيلتنا الحسانية والحسينات وهي تعمل في الزراعة ورعي الإبل .

    وهناك قسم ثان من الكواهلة استوطن شمالي كردفان جنوب ديار الكبابيش ويعملون في رعي الإبل .



    أما الشعبة الثالثة فتعيش علي العطبرة والنيل الأزرق ويشتغل أفرادها بالزراعة ورعي الإبل والغنم والماعز .

    والكواهلة ([12]) يرجعون نسبهم إلي الزبير بين العوام رضي الله عنه كما يرجع الجعليون نسبهم إلي العباس عم النبي صلي الله عليه وسلم .

    وانتقال جماعات من عرب " هوازن " عبر البحر الأحمر واستقرارهم في أرض البجة، وعرفوا باسم " الحلانقة " ([13]) ، وأيضاً عرب " الكواهلة " الذين جاءوا من جزيرة العرب مباشرة عبر البحر الأحمر واستقروا في الإقليم الساحلي بين سواكن وعيذاب ([14]).

    بالإضافة إلي بعض البطون من قبائل أخري لعل أشهرها ربيعه وبلي ورفاعه وغيرها([15]) .
                  

01-30-2008, 07:03 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)

    وبجانب هذا الانتقال والاتصال السلمي للقبائل العربية بمناطق شرق السودان ، فقد امتد النفوذ السياسي والسيطرة الإسلامية في عهد الأمويين إلي مواني البحر الأحمر علي الساحل الأفريقي فقد تم احتلال جزائر " دهلك " ([16]) في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك الأموي (65-86هـ / 685 –705م) ومما يؤكد استمرار سيطرة الدولة الإسلامية في عهد الأمويين علي تلك الجزيرة القاحلة عند مدخل البحر الأحمر في الجنوب الشرقي للسودان أن الخليفة هشام ابن عبد الملك الذي أعقب الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز قد جعلها منفي لأصحاب التيارات الفكرية المخالفة في عهده ([17])

    وزادت سيطرة الدولة الإسلامية في عهد العباسيين علي معظم مناطق شرق السودان الداخلية عندما استطاع الخليفة " المأمون " أبن " هارون الرشيد " بحمله " عبد الله بن الجهم" سنة 831م ، ومن بعدة الخليفة المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بحمله محمد بن عبد الله القمي " سنة 856م بإخضاع البجه في شرق السودان للحكم الإسلامي ، وهي القبائل الحامية التي تعيش بين النيل والبحر الأحمر([18]) .

    ففي الشمال ينتشر بشاريو ( أم علي ) بين البحر الأحمر وأسوان بينما يتركز بشاريو ( أم ناجي ) حول العطبرة .

    ثم هناك بنو عمار ([19]) في المرتفعات الواقعة غربي سواكن والمنحدرات التي تليها غرباً ، وتمتد أوطانهم حتى العطبرة .

    وأكثر هذه القبائل عدداً وأشدها مراسا في الهدندوه ، ويعمل الشماليون منهم في الرعي ، في حين يمارس الجنوبيون الزراعة .

    وأخيراً نجد بني عامر ([20])، وهم أهدأ عيشاً من سائر البجه ، ومواطنهم في طوكر وخور بركه .

    وقد تأثرت قبائل البجة بالدعوة المهدية وأثرت عليها تأثيراً يتفاوت بين كل قبيلة وأخري وأحياناً بين أقسام القبيلة الواحدة .

    وعندما قامت الثورة المهدية كان بشاريو الشمال ( أم علي ) بمنأى عن المهدية ، فلم تستطع أن تخضعهم لها ، ومن جانبها عملت الحكومة المصرية علي استبقاء ولائهم لها بتوزيع الغلال عليهم ([21]) . في حين حارب بشاربو الجنوب
    ( أم ناجي ) في صف عثمان دقنه قائد المهدية في شرقي السودان([22]) .

    أما أبو عمار فقد أثرت فيهم الدعوة المهدية تأثيراً شديداً ، وكان معظمهم يقف من الحكومة المصرية موقفاً ودياً ، علي أن هذا لم يمنع البعض منهم من أن يقاتل إلى جانب عثمان دقنه ، مما أدي إلي انقسام القبيلة علي نفسها انقساما شديداً ، بقيت آثاره حتى وقت قريب.

    أما الهدندوه ، فقد كان لها دور أكبر وأخطر مما كان لسائر البجة . فهي قد أسهمت في الدعوة المهدية إسهاماً جدياً وحاربت تحت قيادة عثمان دقنه ، وبذلك شغلت الحكومة المصرية في السودان الشرقي فترة طويلة وهي التي قامت بقطع طريق بربر – سواكن .

    ولم يبق إلا بنو عامر ، وهؤلاء كانوا في عهد المهدية ينتشرون بين طوكر ومصوع ، وقد اتصلت الأقسام التي تحيط بطوكر بالمهدية اتصالا وثيقاً ، في حين قاوم بعضها المهدية ، والأمر الذي لا شك فيه أن الكثيرين من بني عامر يؤيدوا الدعوة المهدية ([23]) وأصبحت بذلك الأراضي الواقعة شرق النيل من جنوب أسوان إلي جنوب دهلك – مصوع جزءاً من الدولة الإسلامية([24]) .

    وبالفعل صاحب هذا الامتداد والنفوذ الإسلامي هجرات بطون بعض القبائل والجماعات العربية التي استقرت في تلك المناطق ونشرت معها ثقافتها الإسلامية وأصبحت ترتبط ارتباطا وثيقاً بالدولة الإسلامية ، وخاصة موانئ السودان الشرقية والتي ارتبطت بموانئ الحجاز عقب السيطرة العثمانية على الشرق العربي ثم الحرمين في الحجاز ، فأصبحت المواني الشرقية والغربية للبحر الأحمر مثل جده ، وسواكن ومصوع ، وزبيد اليمن ، والحديدة ، وزيلع تحت سلطة " والي " الحجاز التركي ([25]) ، وكان من الطبيعي أن تكون تبعية موانئ السودان الشرقي الإدارية للحجاز – في عهد العثمانيين– واستفادة سكان تلك المناطق من الامتيازات ([26]) التي منحها العثمانيون لسكان الحرمين قد شجع الكثير من القبائل العربية علي الهجرة والاستقرار في مناطق شرق السودان ، ولعل أشهر الهجرات الجماعية الحديثة هجرة قبيلة الرشايدة إلى شرق السودان([27]) .

    وكل هذا بلا شك سواء انتقالات القبائل وبطونها من الجزيرة العربية إلي السودان الشرقي والسيطرة الإسلامية علي تلك المناطق ساهم في نشر العقيدة الإسلامية ([28]) .

    وما صاحبها ونتج عنها من أفكار سلفية وجعلها متأثرة دائماً بما يحدث في شبه جزيرة العرب .
                  

01-31-2008, 08:11 AM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)


    ثانيا : المدخل الشمالي ( عبر مصر )

    عندما فتح المسلمون مصر كان شمال السودان ووسطه يعتنق المسيحية منذ القرن السادس الميلادي ، وقد قامت فيه ممالك مسيحية ([29]) لعل أهمها مملكة المغيرة وعاصمتها "دنقلا" ومملكه علوه وعاصمتها " سوبا " وما أن استتب الأمر لعمرو بن العاص بعد فتح مصر سنة 624 م حتى سير حملة جنوباً لغزو النوبة المسيحية وفتحها باسم الإسلام ، ولتأمين حدود مصر الجنوبية ، ولكن هذه الحملة قوبلت بمقاومة عنيفة ولم تستطع التوغل جنوباً ، كانت فرصة لتسرب بعض العرب إلي داخل السودان .

    ونجد أن " عبد الله بن سعد بن أبي السرح " الذي خلف " عمرو بن العاص " في حكم مصر ، استطاع بعد قتال شديد مع النوبة المسيحية أن يفرض عليهم معاهـدة عرفــت "بالبقط " يفسرها المؤرخون بأنها معاهدة حسن جوار ، أو عدم اعتداء بتعبير حديث تحقق لمصر الإسلامية الاطمئنان علي سلامة أراضيها من ناحية الجنوب ، واشترطت علي النوبة المسيحية حفظ مصالح المسلمين وحريتهم الدينية والتجارية ([30]) .

    وتكاد المراجع التاريخية ([31]) تجمع علي أن الفترة اللاحقة لفتح مصر وسيطرة المسلمين علي شمال أفريقيا قد شهدت هجرات عربية واسعة للاستقرار في السودان .

    وأصبح تدفق العرب إلي السودان مرتبطاً بالأحداث التاريخية والصراعات السياسية في الدولة الإسلامية ، فقد عرف السودان اللاجئين السياسيين من العرب كبني أمية الذين فروا من وجه العباسيين إلي بلاد النوبة([32]) التي تمتد من أسوان ، وقد أطلق العثمانيون عليها أسم "أرض البرابرة " وتضم هذه المنطقة أجزاء في شمال وجنوب الحدود المصرية السودانية الحالية . ويعيش السكان فيها علي ضفتي النيل ويمثلهم حالياً : السكوت ، والمحس ، ويطلق عليهم أسم النوبيين المستعمرين ، وكانوا في بداية الأمر زراعيين ([33]) يعيشون علي الشريط الضيق علي جانبي النيل أو في الجزر النهرية – وبعضها عظيم الاتساع نسبياً – وتروي من فيضان النهر بواسطة السواقي النهرية التي تعتبر من الممتلكات الهامة([34]) .

    وقد سيطرت قبيلتا الجوابرة والغربية علي المنطقة بين أسوان ، ووادي ، ونشروا سلطانهم علي كثير من القبائل الصغيرة ([35]) ، ثم حدث نزاع بينهما فاستنجدت قبيلة الغربية بالسلطان سليم الأول الذي أرسل سرية " من البوشناق ([36]) بقيادة حسن قوصي طردت الجوابرة إلي دنقلة ، وأمتد بهذا النفوذ العثماني ، وأسس البوشناق قلاعاً وأقاموا الحاميات وحملوا لقب " كشاف " وعرفوا بالغز ، ومنحهم السلطان العثماني امتيازات ورثها أبناؤهم وأحفادهم ومنها : إعفائهم من شتي الالتزامات المالية التي فرضها السلطان سليم الأول علي أملاكه كلها ، بل أجري عليهم معاشاً سنوياً . ورغم ذلك كان حسن قوصي يرسل ما يسمي بالميري سنوياً إلي والي مصر وان كان – في الواقع مستقلاً عنه
                  

01-31-2008, 09:17 AM

محمد حسن العمدة

تاريخ التسجيل: 03-31-2004
مجموع المشاركات: 14086

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)

    Quote: " دراسة تاريخية وثائقية "


    في انتظار الوثائق يا كمال

    وجميل جدا ان الا يتم وصف الدراسة بالعلمية
                  

01-31-2008, 09:20 AM

محمد الأمين موسى
<aمحمد الأمين موسى
تاريخ التسجيل: 10-30-2005
مجموع المشاركات: 3470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)

    أخي الفاضل فرانكلي لك التحية والتقدير.. هل أثبت الباحث عمر في دراسته أن المهدي اطلع على أفكار محمد بن عبدالوهاب أو سمع بتجربته أو أشار إليه في كتاباته؟؟ إذا لم يثبت التواصل بينهما يصعب القول بتأثر المهدي بمحمد بن عبدالوهاب.
                  

02-01-2008, 08:53 AM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)


    وفي عهد الخليفة المعتصم العباسي أصبح يحكم مصر ولاه من الترك المنافسين للعرب ، مما أقصي العرب عن مكانتهم المرموقة ، وآثار في نفوسهم الامتعاض والتذمر ، وأخذوا في الهجرة جنوباً إلي السودان ، وزاد هذا التدفق في عهد المماليك في مصر ، الذي شب صراع بينهم وبين العرب ونظروا إليهم كمتمردين وخارجين عن القانون مما دفع الكثير من القبائل العربية للهجرة إلي السودان واختلطوا بالسكان المحليين وانتشر دينهم ولغتهم([37]) .

    وكانت النتيجة الحتمية لكل هذا التدفق العربي الإسلامي إلي السودان والاستقرار فيه ، ليس فقط تغير طبيعة الحياة الاجتماعية هناك ، بل تخطاها إلي تغير الأوضاع السياسية أيضاً ، فأمام تكاثر الهجرات العربية للنوبة " وحالة الفوضى التي أصبحت عليها المنطقة نتيجة غزوات سلاطين المماليك أيضاً ، فقد استطاع هؤلاء العرب المسلمون بمساعدة من أسلم من النوبيين في القضاء سليماً علي الدولة المسيحية في دنقلة في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي وأصبح الحكم في شمال السودان إسلامياً([38]) .

    وبسقوط دولة المغيرة في " دنقلة " وسيطرة القبائل العربية علي شمال السودان ، انفتح الباب علي مصراعيه لتلك القبائل فتدفقت جنوباً ، وأخذوا يكونون بيئاتهم القبلية ومجتمعاتهم ويتجمعون ويتوحدون ، ودولة علوه تنتظر مصيرها المحتوم ، وجاءت الخطوة الأخيرة في مستهل القرن السادس عشر الميلادي حين تحالف العرب المهاجرون من الشرق والشمال مع الفونج ([39]) القادمين من الجنوب أو الغرب وقضوا علي دولة " علوة نهائياً ، انتهت بذلك ممالك السودان المسيحية ، وأعلن رسمياً سيطرة الدين الإسلامي بقيام دولة الفونج الإسلامية والقبائل العربية المتحالفة معها في شمال وشرق ووسط السودان في عام 1504م ([40]) .

    والحقيقة أن رواد الثقافة الإسلامية في السودان قبل قيام دولة الفونج كان معظمهم من التجار والبدو – وهم ممن تنقصهم المعرفة الدقيقة بالفقه الإسلامي ([41])– والذين اهتموا بنشر الدعوة الإسلامية وكسب المسيحيين والوثنيين مركزين علي المبادئ العامة دون التفاصيل . ورغم مشاركة بعض العلماء لهاتين الفئتين إلا أن جهودهم ظلت محدودة ، فيروي أن أول من أشتهر من هؤلاء العلماء هو الشيخ " غلام الدين بن عابد اليمني " ([42]) في دنقلة ، وأيضاً أولاد عون السبعة ([43]) ، الذين ظهروا في نواحي " أبو حليمة " على النيل الأزرق وتولي أحدهم منصب القضاء.

    وقد شهد القرن السادس عشر الميلادي الانتشار الكبير للطــرق الدينية والذي يرجع في الأصل إلي ضعف الحركة العلمية ، وضعف الفقهاء وجمود معاهد العلم والتعليم واقتصارها علي الطريقة التقليدية التي تقوم علي الحفظ والتكرار ، فضلاً عن أن خمول الحكومة الإسلامية في القرون الأربعة الماضية أوجد لدى الناس فراغاً كان لابد من ملئه ، وكان لابد أيضاً للناس أن يجتمعوا حول شئ ما .

    ويرتبطون به ويوثقون هذا الارتباط وإلا ازداد أمرهم سوءاً مما أدى إلي زيادة الإقبال علي هذه الطرق .

    وفي رأي البعض أن السوداني فيما يبدو ميال إلي الاعتزاز بالانتساب إلي مجموعة معينة : إلي قبيلة أو حزب أو جمعية أو طريقة أو نقابة ، أو لعل في نفسه إحساساً داخلياً يدفعه إلي الانتظام في سلك العبادة المنتظمة ، وهو إحساس وليد أجيال أو قرون ([44]) .



    مهما يكن من أمر فان نظام الطريقة كنظام القبيلة أو ككل نظام اجتماعي له تطوراته الخاصة ، فالطريقة قد تتفرغ عنها طريقة أخري والاختلافات بصفة عامة ضئيلة بين الأصل والفرع ومما يستوقف النظر الزيادة الواضحة في عدد شيوخ الطرق الذين هم من أصل مغربي .

    أما عن نشأة هذه الطرق فيرى البعض أن الإسلام في السودان في عهد سلطنة الفونج لم يتأثر بمصر بقدر تأثره بالحجاز وذلك بسبب قرب المسافة بين السودان والأراضي المقدسة . وكان من نتيجة ذلك أن كثيراً من السودانيين درس في مكة والمدينة .

    ومن ناحية أخري قدم كثير من رجال الدين إلي سلطنة الفونج من مكة، وهذا الاتصال أدي إلي ظهور الطرق الدينية في القرن الثاني عشر الهجري ( الثامن عشر الميلادي) ولم تكن هذه الطرق علي درجة من التنظيم كالتي نعرفها اليوم بل بدأت بأفراد من الصالحين قدموا إلي السودان ، وأسسوا لأنفسهم ( زوايا ) أو خلوة ([45]) .

    وقد ازدهرت هذه الطرق في ظل سلطنة الفونج إزهاراً كبيراً ، ودليلنا علي ذلك هذه المجموعة الغنية من السير التي وردت في ( طبقات محمد النور ود . ضيف الله ) ، وهي تدل دلالة واضحة علي مدي قوة الأثر الذي خلفته تعاليمهم في البلاد ([46])، إذ وجدوا تربه خصبة بين السكان ، ولم يلبث خلفاؤهم – وقد أصبحوا سودانيين - أن نالوا مكانة مرموقة لدي سلاطين الفونج في المسائل الدينية والسياسية علي السواء بل وبدأ الناس يلتمسون وساطتهم عن طريق صلتهم بالحكام ، وازداد تعلقهم بهم ([47]) .
                  

01-31-2008, 11:03 AM

محمد الواثق
<aمحمد الواثق
تاريخ التسجيل: 05-27-2003
مجموع المشاركات: 1010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)

    الأخ فرانكلي

    تحية واحتراما

    الدراسة قيمة جداً ، وامتلك منها نسخة تحصلت عليها عند اعداد ورقة حول مكان الثورة المهدية في الحركات الإصلاحية والتجديدية .

    والباحث يذهب الى التدليل على تشابه المنهج والأدوات في الدعوة انطلاقاً من ثبات العقيدة والتوحيد .

    ولكن مع اختلاف الظرف الزماني والمكاني فالأمر مختلف تماماً .

    الحبيب العمدة - سلام اخضر

    الدراسة علمية جداً سوف اقوم بارسال نسخة على بريدك الإلكتروني لأنها فعلاً تحتاج الى وقفة كبيرة وخاصة منا .

    فلنحاول ان نجمع كل الدراسات التي كتبت عن الإمام المهدي باقلام غير سودانية .
                  

01-31-2008, 11:29 AM

محمد الواثق
<aمحمد الواثق
تاريخ التسجيل: 05-27-2003
مجموع المشاركات: 1010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)

    هذه محاولة لقراءة معاصرة للثورة المهدية

    منشورة في موقع زراف للكاتب عماد البليك

    الثورة المهدية في السودان – رؤية جديدة لأسباب قيامها

    عماد البليك



    تمهيد :

    الوعي التاريخي يشكل واحدة من طرق تفكيك قضايانا السياسية والأيدلوجية التي تظل غير محسومة، ويكون تعاملنا معها بنهج غير سليم لا يساعد في فهم مجريات الأحداث ودوافعها الحقيقية، وتمثل قضية الثورة المهدية في السودان إحدى هذه القضايا التي يجب بحث أغوارها، فهي حتى الأن لم تُدرس الدراسة التفكيكية اللازمة لبنيتها وفق العلوم الإنسانية الحديثة، فمعظم الذين درسوا الثورة المهدية تعاملوا معها وفق إطار رؤيوي ضيق، أو تعاملوا معها كمقدس لا يحق بتر مفعلاته، بينما الرؤية الحقيقية توضح لنا أن الثورة في حد ذاتها ليست إنجازاً مطلقاً، هي فعل بشري من الممكن التفكير في زحزحة كثير من مؤطراته ومركباته الأساسية وتفكيك هذه المركبات كي ّما يتسنى لنا دراستها بوعي تاريخي مجرد عن الأسطرة والمخيال الجماعي الذي يتوجه وجهة قداسوية تجاه هذه الثورة.

    المعالجات التي تمت جاء معظمها ظاهرياً مع بنيات الثورة من غير حفر واضح للتكوين السيكولوجي لمفعل الثورة (محمد أحمد المهدي) والذي اكتسب هذه التسمية (المهدي) بعد أن خلعها هو على نفسه. إن البحث العميق في طبيعة النفس البشرية من شأنه أن يزيح كثير من الغبار العالق برؤيا الذات في التاريخ، ومن خلال ذلك يكون من الممكن فهم التاريخ بوعي فعال وإيجابي، والثورة المهدية بوصفها ظاهرة ارتبطت بالدين كمسبب لها، يصبح البحث في بنية انسانها ضرورياً لفهمها كظاهرة موازية للدين والمعتقد، لهذا فإن الدراسات الحديثة في علم النفس تركز على أن " البحث العميق في طبيعة النفس البشرية أصبح ضرورياً لفهم الظواهر الدينية " – إشارة 1 - وهذا ما يمكن أن يبسط المسألة للنظر إليها وإدراكها بوعي تاريخي مجرد عن القداسة والخوف من مواجهة العنف التاريخي المنعكس على الواقع الآني.

    ولكي ندرك أبعاد هذه الدراسة التي تقوم على إعلان الدوافع الأساسية لثورة (الإمام) المهدي في السودان، يجب أن نجرد أنفسنا من كل الظواهر الآنية المترتبة عن ذاك الحدث التاريخي القديم، ونخلع ذواتنا من إطار وعيها التاريخي التراكمي، وهذا لا يحدث ما لم تكن هناك حيدة تجاه الحدث التاريخي ومفعله.

    أولا : البحث عن أسباب ودوافع ذاتية لثورة ( الإمام):

    يذكر نعوم شقير في كتابه (تاريخ السودان) أن أسباب الثورة انحصرت في العنف الذي مارسه النظام التركي ونظام الضرائب ومنع تجارة الرقيق – إشارة 2 – كل هذه الأسباب أدت لزحزحة الوعي الجماعي ليخرج عن طاعة النظام. هذه الأسباب لا يمكن نفيها كمسببات مفعلة لقضية الثورة في خطوطها العريضة، لكن هذه النقاط التي أثارها شقير وغيره من المؤرخين والباحثين، كما يقول الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم " تصف في جملتها الظروف التي تستدعي قيام ثورة أو خلق احتجاج عام ولكنها لا تقف دون إبراز الظروف الذاتية والملابسات التي جعلت محمد أحمد دون غيره من الناس يقوم بالثورة " – إشارة 3 – أي أن أبو سليم يرى أن هذه الأسباب التي أوردها شقير وغيره ليست من شأنها أن تصف لنا لماذا تمت الثورة كنتاج فعلي على يد محمد أحمد دون غيره من السودانيين، وهذا السؤال هو الذي تطمح هذه القراءة في الإجابة عليه من خلال البحث عن دوافع ذاتية لثورة (المهدي) في السودان، ولكي يتسنى لنا التمهيد الحقيقي لفهم الدوافع يجب أن ندرس بعض المركبات الهامة في شأن علاقة الدين بالمجتمع في السودان، ودور الدين في تفعيل الشعوب وتكوين وعيها الجمعي الذي من الممكن أن يتخذ كوسيلة لإدراك مآرب جهة معينة من الجهات.

    الدين والثورة :

    إن أهم ما يلفت النظر إلى الحركة الإصلاحية التي قام بها محمد أحمد، أنها تعمل وفق منظور الديني حسب ما يفهم، فقد كان محمد أحمد " يعمل لبناء مجتمع ديني مقوماته من المجتمع الذي أقامه الرسول (ص) وصحابته" – إشارة 4 – باعتبار أن هذا النموذج هو الذي يمكن أن يمهد للوعي الجماعي في قبول منطلقات الثورة، ويرى الوعي الجماعي في مثل هذه المجتمعات " أن الحقيقة كلها متضمنة في الوحي وتجربة المدينة" – إشارة 5 – كما ذهب محمد أركون في كتابه (الفكر الإسلامي – قراءة علمية). ويشير أركون إلى أن تجربة المدينة تمثل نموذجاً للموقف الإصلاحي في القرن التاسع عشر الميلادي، أو ما سماها بالنزعة الإصلاحية التي بدأت منذ القرن الهجري الأول من قبل السلف – إشارة 6-.

    إن القدسية المسقطة على ذلك الزمان وباعتبار تجربة المدينة في كونها تمثل النموذج الذي يمكن إسقاطه على الحاضر بوصفها التجربة التي " جاءت في زمن مقدس يعلو على كل الأزمان" – إشارة 7 – كل هذا جعل الاستفادة من مضمونها محركاً فعلياً للجماعة، ومن ذلك يمكن بعثها لكي تشكل ثورة ضد نظام يؤمن بالعنف والضرائب الباهظة ويمنع الناس أن يمارسوا حياتهم التجارية في حرية ويحارب الرق.

    ويشير اركون إلى أن " الدين حتى ظهور الأيدلوجيات العلمانية الحديثة هو الذي يحمل وظيفة التبرير هذه والتي لابد منها " – إشارة 8 – أي أن هناك دوافع بحتة تتعلق بشخصية القائد، لكن الدين يأتي مغطياً البنية التحتية أو المركبة الحقيقية للثورة، ولذا فإن انتهاج الإسلام من شأنه "أن يقوم بوظيفة خلع الشرعية على الأنظمة والسلطات السياسية" – إشارة 9 – في مجتمعات ينظمها عرف وقيم تؤمن بها تماماً وتتعامل معها بقداسة لا يمكن تجاوزها أبداً.

    ونشير إلى أن بنية الثورة دائما ما تتعلق بجانب أسطوري يضفي عليها الفوقية ويجعل مسألة قبولها حتمياً مثلما يقبل المسلم أن الله واحد، وأن الدين هو الإسلام، فعليه أن يقبل الثورة لأن إطارها المنطقي الذي جاءت به ينتهج طريقة الوعي السائد في المجتمع. ونجد أن أسطورة الثورة التي تمثل الدين مطية لها هي من نوع الأساطير الحديثة وهي " التي لا تتكلم عن قصة الخلق أو صراع الآلهة، وإنما عن صراعات قائمة وموجودة" – إشارة 10- وهذا ما يفرقها عن الأسطورة القديمة ويجعل تعاملنا معها يجب أن ينتهج طرقاً جديدة باعتبار أن منظمات الوعي قد تغيرت، مما جعل الدوافع الحقيقية تنتهج وسائل جديدة لكي تبسط نفسها.

    كانت تجربة محمد أحمد المهدي مستمدة من تجربة الرسول (ص) وصحابته، وهذه التجربة كما قلنا هي العامل المفعّل لتحريك بنية الوعي الجماعي لأي حركة سياسية تتخذ الدين كوسيلة لتحقيق أهدافها " فحياة الرسول (ص) تمثل مرتكز السلوك الإسلامي" – إشارة 11- الذي لا يمكن لأي مسلم أن يرفضه ما دام منتميا لهذه الجماعة، ولهذا تكون للتجربة فعاليتها وقوتها في التمكين لذاتها. وهذا ما فعله المهدي بوعي تام عبر مراحل من الوعي التراكمي وعبر دراسة مستفيضة لبنية الوعي لإنسان السودان في نهاية القرن التاسع عشر، فمذهب المهدي هو " عبارة عن آراء كونها عن الإسلام والمسلمين أثناء تجواله وإطلاعه ومخالطته للعلماء (الصالحين)" – إشارة 12-.

    ثانيا : البحث عن قاعدة للدوافع الذاتية :

    يذهب نيتشه إلى " أن دعاة الزهد في التاريخ كانوا أبعد الناس عن الزهد وأنهم كانوا يضللون البشر بهذه الدعوة الزائفة" – إشارة 13- ويدعم هذا القول ما يقول به مذهب اللذة السيكولوجي الذي يقف نيتشه ضده وهو " أن الإنسان ينشد دائما ما وراء أفعاله لذته ومنفعته" – إشارة 14 – فهل يوجد في حياة محمد أحمد ما يؤيد هذه النظرية في سبيل البحث عن قاعدة للدوافع الذاتية للثورة المهدية التي قادها.

    يستدعي ذلك إلقاء نظرة على ثقافة محمد أحمد المهدي، وبعضاً من القضايا التي ارتبطت بحياته المبكرة قبل تفجيره الدعوة، وهي تساعد في إدراك ما تهدف إليه هذه القراءة، من البحث عمّا أسميناه بالدوافع الذاتية – كما أشار لها الدكتور أبو سليم- تلك الدوافع التي نحتاج لكي ندركها " إلى مزيد من الحقائق والبيانات عن حياة محمد أحمد الأولى ومدى ارتباطه بالحياة العامة، وإلى إبراز العوامل التي دفعت به من الحياة السلبية التي يمارسها المريد الصوفي إلى الحياة الإيجابية الهادفة إلى بناء مجتمع جديد" – إشارة 15-.

    *************

    1- بدأت الحياة الفاعلة لمحمد أحمد والخطوة الأولى لبسط فكرته التي تجمع بين الدين والسياسة أو تتخذ من الدين وسيلة لتحقيق أهداف سياسية عملية سنة 1871م، وذلك عندما أنشأ خلوته في الجزيرة أبا، وكان إنشاء هذه الخلوة " من أول خطواته وأخطره" – إشارة 16 – إذ أن الخلوة تمثل المرجعية الأولى لتفعيل الحياة في السودان الشمالي والأوسط، وتخرّج الفئات التي من شأنها أن تتحكم في تسيير الحياة في المجتمع.

    2- كانت الخطوة الثانية هي تفجير الخلاف مع شيخه محمد شريف والذي كان محمد أحمد من اتباعه المقربين وأخذ عنه الطريقة السمانية، وقد حدث هذا الخلاف سنة 1878م، ويرى أكثر من كتبوا تاريخ السودان أن هذا الخلاف لم يكن دافعه الأول ديني أو أنه بُني على المرتكزات الإسلامية، يفسرونه بسبب التنافس الذي حدث بين التلميذ (محمد أحمد) ومعلمه ( محمد شريف) لأن التلميذ عندما أسس خلوته المنفصلة سالفة الذكر استطاع أن يجمع من حوله اتباعاً أصبحوا يحملون اعتقادا جازما فيه، تحول إلى اعتقاد شخصي وليس اعتقاد في طريقة صوفية ينتمي لها التلميذ، هذا التصاعد الحادث لشخصية محمد أحمد أدى إلى إحساس من جانب محمد شريف بخطورة منافسه الجديد الذي برز على الساحة، فرأى أن يصعد من حدة الموقف بأن أشاع " أن محمد أحمد أفصح عن مهديته وأنه طرده بعد أن فشلت محاولاته عن إثنائه عنها" – إشارة 17 -.

    3- الخطوة الثالثة هي الحركة الإصلاحية التي بدأها محمد أحمد سنة 1880م، وهي حركة عميقة الجذور والإشارات حولها صعبة، وكذلك محاولات تفسيرها، لأن " محررات المهدي في هذه الفترة لا تعطي إلا إشارات قليلة" – إشارة 18- وفي هذه الفترة بدأ محمد أحمد دعوته السرية عبر حركة دائبة في الأقاليم ودعوة الناس إلى الالتفاف إلى الدين الحق، وحتى ذلك الوقت " يبدو أن حركته كانت ذات أهداف دينية خالصة وإنها كانت تخلو من الغرض السياسي" – إشارة 19- غير أن الغرض السياسي الذي لم يتمظهر في الدعوة وقتها كان يجذر نفسه في ذات محمد أحمد، وكانت القاعدة التي تحمل دوافعه الذاتية قد بدأت في التأسيس لذاتها، فلم تكن المسألة في بساطة القول : " استجابة لمشاعر الآهلين التي انطبعت بما تركه حكم الأوربيين من أثر سيء "- إشارة 20- لكن لا نتغافل أن التكوين الذي دعمه الدين شخصية محمد أحمد كان له آثره في التفاف الناس حلو دعوته، ومن هنا كان المناخ ممهداً لإعلان الثورة من قبل محمد أحمد.

    4- في مارس 1881م كانت الخطوة الرابعة والفعالة واكتساب محمد أحمد لصفة المهدي " وكان الناس على استعداد لتصديق هذا الأمر واتباعه لكثرة ما أصابهم من ظلم ولحقهم من أذى، ولأنهم كانوا قد بلغوا نهاية القرن، وقد شاع أن القرن لا ينتهي قبل أن يأتيهم المنقذ الموعود" – إشارة 21- . ويشار إلى أن هذه الخطوة قد سبقتها الحركة عبر الأقاليم التي قام فيها محمد أحمد بتوثيق علاقات مع رجال الدين سيكون لها آثرها الفاعل فيما بعد، خاصة في أقليم كردفان عندما يهاجر إلى هناك، ونجد أن إعلان محمد أحمد لمهديته كان قد أحاطت به هالة من الأسطرة والدعم المتمثل في استغلال مركبات العقل الجمعي لإنسان السودان في القرن التاسع عشر عبر بيئته التي عاش فيها وألفها.

    البيئة والثورة :

    لم تكتفي دعوة محمد أحمد ببعدها الميتافيزيقي في دعم مسارها (نشير له لاحقا) إذ أنها أول ما قامت كان يدفعها عامل التشكل البيئي في العقل الجمعي، وقد استفاد محمد أحمد من هذا العامل في ثورته، كان الدين في تلك البيئة التي نشأت فيها الثورة " ينهج له كممارسة روحية وعمل لا علم ودرس" – إشارة 22 – وهذا ما استوعبه محمد أحمد وحاول أن يطبق به منهجه الدافع لهمه السياسي الذي شكل ثورته فيما بعد، تلك الثورة التي " كانت ثورة بالمعنى العلمي – والاجتماعي طورت مؤسسات السلطنات، وعلى رأسها الطرق الصوفية في سبيل تحقيق أهداف سياسية وعملية" – إشارة 23-

    كيف نفهم استيعاب محمد أحمد للبيئة وتطويرها لعامل الثورة ؟ يستدعي ذلك فهم مركبات التطور الإنساني في أي بيئة وهي " المركبة الاجتماعية – الاقتصادية (مركبة الإنتاج ) والمركبة الاجتماعية – الثقافية (مركبة العقل) والمركبة الاجتماعية – التاريخية أو العناصر الحضارية" – إشارة 24- فكيف انعكست كل واحدة من هذه المركبات عبر التشكل البيئي مما أتاح استثمارها في تفعيل الثورة؟

    · مركبة الإنتاج :

    أول ما نلاحظه أن الإنتاج الزراعي هو المشكل الأول لهذه المركبة، والزراعة ارتبطت في ذلك المجتمع بالوسائل الطبيعية المباشرة كالمطر، معدل سخونة أو برودة الجو الخ.. وكلها عوامل لا تتعلق بمعرفة الإنسان المباشرة وقتذاك إنما تستند على قوى عليا يعلق الإنسان أمله بها، يؤمن الإنسان بدفعها للنجاح في سبيل تحقيق الإنتاج، أما الفشل فهو من عنده باعتبار أن الإنسان كائن عاجز ومقصر أمام قوى مطلقة لها مقدرة فاعلة على مستويات واسعة في حياته، وارتباط المركبة الإنتاجية بالعامل الفوقي يجعلها من الممكن أن تستجيب لأي قوى من شأنها أن تعمل على تعديل الإنتاج عبر مسار فوقي يستمد قوته من الدين، وهذا ما استفادت منه الثورة المهدية عندما رفضت أساليب النظام التركي الاقتصادية، ووما يدعم أن الغرض الحقيقي لم يكن التعديل للمربكة الاقتصادية هو أن المهدية " أقامت دولة أكثر مركزية وأكثر ضرائب ، واكثر قدرة على قمع المتمردين " - إشارة 25- .

    · مركبة العقل :

    سيطرت على العقل الفعالية الميتافيزيقية الفوقية، حيث أن البنية كانت صوفية خالصة تعمل وفق قانون التعالي الصوفي، وقد وعي محمد أحمد هذه المركبة واستفاد منها أكثر عندما أدخل الوعي الديني المتمثل عبر الصوفية في إطار ثورته، هذا الوعي الذي عندما تمكن من موقعه السلطوي، جرّد الصوفية من أبعادها ليمركز نفسه على منهج يستمد ذاته من المركزية الجديدة، التي اتخذت الصوفية كوسيلة لغاية. ويظهر هذا الدعم الصوفي في استمداد محمد أحمد لبنية الوعي الصوفي واستغلالها، فإعلان مهديته سبقه تصوفه، وإنشاء خلوته، وعندما أعلن المهدية كان أول ما دعمها ما يعرف بكرامات الأولياء – أي البعد الميتافيزيقي / للصوفية عندما تتسامى عن بعدها المادي عند أهلها أو كما يرون – ولم يكن محمد أحمد هو الذي بسط لنفسه الطريق بمفرده حيث ساعدته جهات لتدعيم فكرته عبر مستوياتها الغيبية، وحاجتها إلى التمكين السياسي لنفسها، وهذا ما فضحه المستقبل، حيث أن الخليفة عبد الله عندما قابل محمد أحمد لأول مرة وهو يبني قبة شيخه القرشي ود الزين :" قيل أنه لما رآه وقع مغشياً عليه، ولم يفق من غشيته إلا بعد ساعة أو أكثر وأغمي عليه ثانية لما نظر إلى إليه محمد أحمد، وحكى عبد الله لمحمد أحمد أن له أب صالح من أهل الكشف وقد قال له قبل وفاته إنك ستقابل المهدي وتكون وزيره وقد أخبرني بعلامات المهدي وصفاته فلما وقع نظري علك رأيت فيك العلامات التي أخبرني بها والدي بعينها " – إشارة 26. ويتضح من المشهد ( الدرامي ) أعلاه مجموعة من القضايا الهامة، والتي تعكس لنا كيف كان أول لقاء بين رجلين قادا مسيرة الثورة، ذلك اللقاء الذي بدأ أشبه بحكاية أسطورية، بيد أنه واقعي، واستخدمت فيه كافة أساليب مركبة العقل الجماعي ليفعل منطلقاته الخفية، ويسلط خطابه، لكن الخطاب يفضح نفسه من داخله حيث يتضمن داخل بنيته رائحة البعد السياسي " وتكون وزيره " – وهذا يفسر كل القصة التي لا شك أن الخليفة قام بنسجها متماشيا مع موقع هذا الخطاب الذي ينتهجه المهدي لتأييد نفسه، فكيف لا يرتضيه، عندما يأتي ليدعم حالته من رجل يريد منصبا معينا وقد فاز به. واستغل محمد أحمد كما أشرنا مركبات الوعي الصوفي في العقل الجماعي، ليمهد ليقام حكومته، كأنما بنى أمره على قاعدة علم الاجتماع الديني التي تقول " أن الدين يختلف عن الحكومة التي تهتم بالسلطة والفوقية " – إشارة 27 – فلم يكن باكر الدعوة يدعو لإقامة حكم بديل للحكم التركي ولكنه كان ينادي بالعدل بدلاً عن الظلم، ومفهوم البحث عن العدل المتخذ من الدين لم يكن له موقعه من الجماعة وقتها كوسيلة للوصول إلى الحكم، فلقد استند العقل الجماعي على أن الدين يحمل في محتواه خلاصاً، لكنه لم يكن يفكر في أن هذا الخلاص سيتحول إلى دولة بديلة للدولة القائمة، وربما ظهرت هذه النية عندما بدأت معارك محمد أحمد في أبا ومن ثم هجرته إلى قدير.

    وتتجلى بعض عناصر الاستغلال لطبيعة المركبات التي تحيط بالدين كالرؤى والأحلام والرموز والنبوءات، " وهي ذات الأدوات التي يستعملها الدين لإيقاع الهيبة ولغرس القداسة في النفوس " – إشارة 28- وهي قاعدة قديمة منذ أيام (الجاهلية) فقد استخدمها عبد المطلب جد الرسول (ص) عندما استثمر كل هذه المركبات، ومراجعة سيرته تعكس لنا ذلك مثلما في حادثة زمزم، وحادثة النحر، وقد " كان عبد المطلب يعمل على ضرورة ضرب المثل بالنفس بداية وأهمية القدوة عند دعوة الناس إلى أية عقيدة، وهنا تلازمت أو تزامنت طبيعته المتألهة معه نهجه في مزج الدين بالدولة، وضرورة ذلك حتى تكتسب الدولة القداسة التي انغرست في نفوس المحكومين وأثمرت طاعة كاملة وانقيادا تاما " – إشارة 29 –.

    وقد سار محمد أحمد بنفس الخطوات تقريبا حتى فرض القداسة التي توازي قداسة عبد المطلب وأعلن دولته في مزج حقيقي بين الدين والدولة، مستفيداً من الماورائيات، واعياً لقاعدة أن " كل المجتمعات بحاجة إلى نظام من العقائد والقيم والمعارف من اجل تبرير نظامها وتأمين شرعيته والحفاظ عليه "- إشارة 30- وهذه العقائد والقيم تستمد نفسها من البيئة عبر مركبة عقل المجتمع والعناصر الحضارية لهذا المجتمع، والقيم غالباً ما تأخذ تمحورها الأسطوري بحيث أنه " عندما ننزع التركيبات الأسطورية من إطارها الاجتماعي / المادي والزمني، فقد تتحول إلى هلوسة " – إشارة 31- مما يدل على أن بنيتها تكونت كتراكم دعمته عناصر الإيمان القوي التي تستمد دفعها من مركبات الوعي الجماعي الذي من أهم عناصره الدين.

    ووما يشير إلى استغلال الماورائيات من فجر دعوة محمد أحمد، قصته رؤيا النبي (ص ) يقظة وأنه أجلسه وقلده سيفه وغسل قلبه بيده وملأه إيمانا ومعارف وأخبره بأنه الخليفة الأكبر والمهدي المنتظر وان من شك في مهديته فقد كفر ومن حاربه خذل في الدارين – إشارة 32 – وغيرها من القصص التي تدعم كيفية استثمار محمد أحمد لمركبات الوعي الجماعي والعقل الاجتماعي الكلي.

    · المركبة الحضارية :

    تتداخل هذه المربكة مع عقل المجتمع غير أنه يمكن الإشارة إلى أن المهدية كانت تحوي في وعيها الداخلي ضرورة إقامة نظام سياسي يستمد معارفه وقوته من الإسلام كموازي لنموذج المدينة، وقد طورت المفهوم السلطوي للنظام الصوفي لتقيم نظامها الجديد، مستفيدة من التجربة الصوفية، وكان هذا التطوير قد امتد إلى بعض العناصر ( المقدسة ) والتعدي عليها – بمعنى أنها مقدسة من قبل عقل المجتمع – حيث أن محمد أحمد " قام بأعمال أنكرها عليه العلماء إذ أحرق الكتب إلا أصول منها، كالقران والصحيحين ( البخاري ومسلم ) وأحياء علوم الدين، والكتب التي أحرقها كان يرى أنها حجبت المنبعث من القران والسنة، كما أبطل العمل بالمذاهب الأربعة.

    الإشارات الواردة مستمدة من المراجع التالية :

    1- بروفسيور مالك بدري - مشكل أخصائي النفس المسلمين – ترجمة منى أبو قرجة.

    2- نعوم شقير، تاريخ السودان، حققه د. أبو سليم.

    3- د. أبو سليم، الحركة الفكرية في المهدية.

    4- محمد اركون، الفكر الإسلامي – قراءة علمية، ترجمة هشام صالح.

    5- محمد الجندي، الأسطورة دراسة ( مجلة المعرفة).

    6- مكي شبيكة، السودان عبر القرون.

    7- د. يسري إبراهيم، نيتشه عدو المسيح.

    8- د. قيصر موسى الزين، الدولة والمؤسسات الاجتماعية في السودان، دراسة (مجلة الخرطوم).

    9- خليل إبراهيم، تطور قريش من القبيلة إلى الدولة.

    10- AKBAR AHMAED, TOWARD ISLAMIC ANTHROPOLOGY

    خاص الزراف
                  

01-31-2008, 11:32 AM

محمد الواثق
<aمحمد الواثق
تاريخ التسجيل: 05-27-2003
مجموع المشاركات: 1010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)

    هذه محاولة لقراءة معاصرة للثورة المهدية

    منشورة في موقع زراف للكاتب عماد البليك

    الثورة المهدية في السودان – رؤية جديدة لأسباب قيامها

    عماد البليك



    تمهيد :

    الوعي التاريخي يشكل واحدة من طرق تفكيك قضايانا السياسية والأيدلوجية التي تظل غير محسومة، ويكون تعاملنا معها بنهج غير سليم لا يساعد في فهم مجريات الأحداث ودوافعها الحقيقية، وتمثل قضية الثورة المهدية في السودان إحدى هذه القضايا التي يجب بحث أغوارها، فهي حتى الأن لم تُدرس الدراسة التفكيكية اللازمة لبنيتها وفق العلوم الإنسانية الحديثة، فمعظم الذين درسوا الثورة المهدية تعاملوا معها وفق إطار رؤيوي ضيق، أو تعاملوا معها كمقدس لا يحق بتر مفعلاته، بينما الرؤية الحقيقية توضح لنا أن الثورة في حد ذاتها ليست إنجازاً مطلقاً، هي فعل بشري من الممكن التفكير في زحزحة كثير من مؤطراته ومركباته الأساسية وتفكيك هذه المركبات كي ّما يتسنى لنا دراستها بوعي تاريخي مجرد عن الأسطرة والمخيال الجماعي الذي يتوجه وجهة قداسوية تجاه هذه الثورة.

    المعالجات التي تمت جاء معظمها ظاهرياً مع بنيات الثورة من غير حفر واضح للتكوين السيكولوجي لمفعل الثورة (محمد أحمد المهدي) والذي اكتسب هذه التسمية (المهدي) بعد أن خلعها هو على نفسه. إن البحث العميق في طبيعة النفس البشرية من شأنه أن يزيح كثير من الغبار العالق برؤيا الذات في التاريخ، ومن خلال ذلك يكون من الممكن فهم التاريخ بوعي فعال وإيجابي، والثورة المهدية بوصفها ظاهرة ارتبطت بالدين كمسبب لها، يصبح البحث في بنية انسانها ضرورياً لفهمها كظاهرة موازية للدين والمعتقد، لهذا فإن الدراسات الحديثة في علم النفس تركز على أن " البحث العميق في طبيعة النفس البشرية أصبح ضرورياً لفهم الظواهر الدينية " – إشارة 1 - وهذا ما يمكن أن يبسط المسألة للنظر إليها وإدراكها بوعي تاريخي مجرد عن القداسة والخوف من مواجهة العنف التاريخي المنعكس على الواقع الآني.

    ولكي ندرك أبعاد هذه الدراسة التي تقوم على إعلان الدوافع الأساسية لثورة (الإمام) المهدي في السودان، يجب أن نجرد أنفسنا من كل الظواهر الآنية المترتبة عن ذاك الحدث التاريخي القديم، ونخلع ذواتنا من إطار وعيها التاريخي التراكمي، وهذا لا يحدث ما لم تكن هناك حيدة تجاه الحدث التاريخي ومفعله.

    أولا : البحث عن أسباب ودوافع ذاتية لثورة ( الإمام):

    يذكر نعوم شقير في كتابه (تاريخ السودان) أن أسباب الثورة انحصرت في العنف الذي مارسه النظام التركي ونظام الضرائب ومنع تجارة الرقيق – إشارة 2 – كل هذه الأسباب أدت لزحزحة الوعي الجماعي ليخرج عن طاعة النظام. هذه الأسباب لا يمكن نفيها كمسببات مفعلة لقضية الثورة في خطوطها العريضة، لكن هذه النقاط التي أثارها شقير وغيره من المؤرخين والباحثين، كما يقول الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم " تصف في جملتها الظروف التي تستدعي قيام ثورة أو خلق احتجاج عام ولكنها لا تقف دون إبراز الظروف الذاتية والملابسات التي جعلت محمد أحمد دون غيره من الناس يقوم بالثورة " – إشارة 3 – أي أن أبو سليم يرى أن هذه الأسباب التي أوردها شقير وغيره ليست من شأنها أن تصف لنا لماذا تمت الثورة كنتاج فعلي على يد محمد أحمد دون غيره من السودانيين، وهذا السؤال هو الذي تطمح هذه القراءة في الإجابة عليه من خلال البحث عن دوافع ذاتية لثورة (المهدي) في السودان، ولكي يتسنى لنا التمهيد الحقيقي لفهم الدوافع يجب أن ندرس بعض المركبات الهامة في شأن علاقة الدين بالمجتمع في السودان، ودور الدين في تفعيل الشعوب وتكوين وعيها الجمعي الذي من الممكن أن يتخذ كوسيلة لإدراك مآرب جهة معينة من الجهات.

    الدين والثورة :

    إن أهم ما يلفت النظر إلى الحركة الإصلاحية التي قام بها محمد أحمد، أنها تعمل وفق منظور الديني حسب ما يفهم، فقد كان محمد أحمد " يعمل لبناء مجتمع ديني مقوماته من المجتمع الذي أقامه الرسول (ص) وصحابته" – إشارة 4 – باعتبار أن هذا النموذج هو الذي يمكن أن يمهد للوعي الجماعي في قبول منطلقات الثورة، ويرى الوعي الجماعي في مثل هذه المجتمعات " أن الحقيقة كلها متضمنة في الوحي وتجربة المدينة" – إشارة 5 – كما ذهب محمد أركون في كتابه (الفكر الإسلامي – قراءة علمية). ويشير أركون إلى أن تجربة المدينة تمثل نموذجاً للموقف الإصلاحي في القرن التاسع عشر الميلادي، أو ما سماها بالنزعة الإصلاحية التي بدأت منذ القرن الهجري الأول من قبل السلف – إشارة 6-.

    إن القدسية المسقطة على ذلك الزمان وباعتبار تجربة المدينة في كونها تمثل النموذج الذي يمكن إسقاطه على الحاضر بوصفها التجربة التي " جاءت في زمن مقدس يعلو على كل الأزمان" – إشارة 7 – كل هذا جعل الاستفادة من مضمونها محركاً فعلياً للجماعة، ومن ذلك يمكن بعثها لكي تشكل ثورة ضد نظام يؤمن بالعنف والضرائب الباهظة ويمنع الناس أن يمارسوا حياتهم التجارية في حرية ويحارب الرق.

    ويشير اركون إلى أن " الدين حتى ظهور الأيدلوجيات العلمانية الحديثة هو الذي يحمل وظيفة التبرير هذه والتي لابد منها " – إشارة 8 – أي أن هناك دوافع بحتة تتعلق بشخصية القائد، لكن الدين يأتي مغطياً البنية التحتية أو المركبة الحقيقية للثورة، ولذا فإن انتهاج الإسلام من شأنه "أن يقوم بوظيفة خلع الشرعية على الأنظمة والسلطات السياسية" – إشارة 9 – في مجتمعات ينظمها عرف وقيم تؤمن بها تماماً وتتعامل معها بقداسة لا يمكن تجاوزها أبداً.

    ونشير إلى أن بنية الثورة دائما ما تتعلق بجانب أسطوري يضفي عليها الفوقية ويجعل مسألة قبولها حتمياً مثلما يقبل المسلم أن الله واحد، وأن الدين هو الإسلام، فعليه أن يقبل الثورة لأن إطارها المنطقي الذي جاءت به ينتهج طريقة الوعي السائد في المجتمع. ونجد أن أسطورة الثورة التي تمثل الدين مطية لها هي من نوع الأساطير الحديثة وهي " التي لا تتكلم عن قصة الخلق أو صراع الآلهة، وإنما عن صراعات قائمة وموجودة" – إشارة 10- وهذا ما يفرقها عن الأسطورة القديمة ويجعل تعاملنا معها يجب أن ينتهج طرقاً جديدة باعتبار أن منظمات الوعي قد تغيرت، مما جعل الدوافع الحقيقية تنتهج وسائل جديدة لكي تبسط نفسها.

    كانت تجربة محمد أحمد المهدي مستمدة من تجربة الرسول (ص) وصحابته، وهذه التجربة كما قلنا هي العامل المفعّل لتحريك بنية الوعي الجماعي لأي حركة سياسية تتخذ الدين كوسيلة لتحقيق أهدافها " فحياة الرسول (ص) تمثل مرتكز السلوك الإسلامي" – إشارة 11- الذي لا يمكن لأي مسلم أن يرفضه ما دام منتميا لهذه الجماعة، ولهذا تكون للتجربة فعاليتها وقوتها في التمكين لذاتها. وهذا ما فعله المهدي بوعي تام عبر مراحل من الوعي التراكمي وعبر دراسة مستفيضة لبنية الوعي لإنسان السودان في نهاية القرن التاسع عشر، فمذهب المهدي هو " عبارة عن آراء كونها عن الإسلام والمسلمين أثناء تجواله وإطلاعه ومخالطته للعلماء (الصالحين)" – إشارة 12-.

    ثانيا : البحث عن قاعدة للدوافع الذاتية :

    يذهب نيتشه إلى " أن دعاة الزهد في التاريخ كانوا أبعد الناس عن الزهد وأنهم كانوا يضللون البشر بهذه الدعوة الزائفة" – إشارة 13- ويدعم هذا القول ما يقول به مذهب اللذة السيكولوجي الذي يقف نيتشه ضده وهو " أن الإنسان ينشد دائما ما وراء أفعاله لذته ومنفعته" – إشارة 14 – فهل يوجد في حياة محمد أحمد ما يؤيد هذه النظرية في سبيل البحث عن قاعدة للدوافع الذاتية للثورة المهدية التي قادها.

    يستدعي ذلك إلقاء نظرة على ثقافة محمد أحمد المهدي، وبعضاً من القضايا التي ارتبطت بحياته المبكرة قبل تفجيره الدعوة، وهي تساعد في إدراك ما تهدف إليه هذه القراءة، من البحث عمّا أسميناه بالدوافع الذاتية – كما أشار لها الدكتور أبو سليم- تلك الدوافع التي نحتاج لكي ندركها " إلى مزيد من الحقائق والبيانات عن حياة محمد أحمد الأولى ومدى ارتباطه بالحياة العامة، وإلى إبراز العوامل التي دفعت به من الحياة السلبية التي يمارسها المريد الصوفي إلى الحياة الإيجابية الهادفة إلى بناء مجتمع جديد" – إشارة 15-.

    *************

    1- بدأت الحياة الفاعلة لمحمد أحمد والخطوة الأولى لبسط فكرته التي تجمع بين الدين والسياسة أو تتخذ من الدين وسيلة لتحقيق أهداف سياسية عملية سنة 1871م، وذلك عندما أنشأ خلوته في الجزيرة أبا، وكان إنشاء هذه الخلوة " من أول خطواته وأخطره" – إشارة 16 – إذ أن الخلوة تمثل المرجعية الأولى لتفعيل الحياة في السودان الشمالي والأوسط، وتخرّج الفئات التي من شأنها أن تتحكم في تسيير الحياة في المجتمع.

    2- كانت الخطوة الثانية هي تفجير الخلاف مع شيخه محمد شريف والذي كان محمد أحمد من اتباعه المقربين وأخذ عنه الطريقة السمانية، وقد حدث هذا الخلاف سنة 1878م، ويرى أكثر من كتبوا تاريخ السودان أن هذا الخلاف لم يكن دافعه الأول ديني أو أنه بُني على المرتكزات الإسلامية، يفسرونه بسبب التنافس الذي حدث بين التلميذ (محمد أحمد) ومعلمه ( محمد شريف) لأن التلميذ عندما أسس خلوته المنفصلة سالفة الذكر استطاع أن يجمع من حوله اتباعاً أصبحوا يحملون اعتقادا جازما فيه، تحول إلى اعتقاد شخصي وليس اعتقاد في طريقة صوفية ينتمي لها التلميذ، هذا التصاعد الحادث لشخصية محمد أحمد أدى إلى إحساس من جانب محمد شريف بخطورة منافسه الجديد الذي برز على الساحة، فرأى أن يصعد من حدة الموقف بأن أشاع " أن محمد أحمد أفصح عن مهديته وأنه طرده بعد أن فشلت محاولاته عن إثنائه عنها" – إشارة 17 -.

    3- الخطوة الثالثة هي الحركة الإصلاحية التي بدأها محمد أحمد سنة 1880م، وهي حركة عميقة الجذور والإشارات حولها صعبة، وكذلك محاولات تفسيرها، لأن " محررات المهدي في هذه الفترة لا تعطي إلا إشارات قليلة" – إشارة 18- وفي هذه الفترة بدأ محمد أحمد دعوته السرية عبر حركة دائبة في الأقاليم ودعوة الناس إلى الالتفاف إلى الدين الحق، وحتى ذلك الوقت " يبدو أن حركته كانت ذات أهداف دينية خالصة وإنها كانت تخلو من الغرض السياسي" – إشارة 19- غير أن الغرض السياسي الذي لم يتمظهر في الدعوة وقتها كان يجذر نفسه في ذات محمد أحمد، وكانت القاعدة التي تحمل دوافعه الذاتية قد بدأت في التأسيس لذاتها، فلم تكن المسألة في بساطة القول : " استجابة لمشاعر الآهلين التي انطبعت بما تركه حكم الأوربيين من أثر سيء "- إشارة 20- لكن لا نتغافل أن التكوين الذي دعمه الدين شخصية محمد أحمد كان له آثره في التفاف الناس حلو دعوته، ومن هنا كان المناخ ممهداً لإعلان الثورة من قبل محمد أحمد.

    4- في مارس 1881م كانت الخطوة الرابعة والفعالة واكتساب محمد أحمد لصفة المهدي " وكان الناس على استعداد لتصديق هذا الأمر واتباعه لكثرة ما أصابهم من ظلم ولحقهم من أذى، ولأنهم كانوا قد بلغوا نهاية القرن، وقد شاع أن القرن لا ينتهي قبل أن يأتيهم المنقذ الموعود" – إشارة 21- . ويشار إلى أن هذه الخطوة قد سبقتها الحركة عبر الأقاليم التي قام فيها محمد أحمد بتوثيق علاقات مع رجال الدين سيكون لها آثرها الفاعل فيما بعد، خاصة في أقليم كردفان عندما يهاجر إلى هناك، ونجد أن إعلان محمد أحمد لمهديته كان قد أحاطت به هالة من الأسطرة والدعم المتمثل في استغلال مركبات العقل الجمعي لإنسان السودان في القرن التاسع عشر عبر بيئته التي عاش فيها وألفها.

    البيئة والثورة :

    لم تكتفي دعوة محمد أحمد ببعدها الميتافيزيقي في دعم مسارها (نشير له لاحقا) إذ أنها أول ما قامت كان يدفعها عامل التشكل البيئي في العقل الجمعي، وقد استفاد محمد أحمد من هذا العامل في ثورته، كان الدين في تلك البيئة التي نشأت فيها الثورة " ينهج له كممارسة روحية وعمل لا علم ودرس" – إشارة 22 – وهذا ما استوعبه محمد أحمد وحاول أن يطبق به منهجه الدافع لهمه السياسي الذي شكل ثورته فيما بعد، تلك الثورة التي " كانت ثورة بالمعنى العلمي – والاجتماعي طورت مؤسسات السلطنات، وعلى رأسها الطرق الصوفية في سبيل تحقيق أهداف سياسية وعملية" – إشارة 23-

    كيف نفهم استيعاب محمد أحمد للبيئة وتطويرها لعامل الثورة ؟ يستدعي ذلك فهم مركبات التطور الإنساني في أي بيئة وهي " المركبة الاجتماعية – الاقتصادية (مركبة الإنتاج ) والمركبة الاجتماعية – الثقافية (مركبة العقل) والمركبة الاجتماعية – التاريخية أو العناصر الحضارية" – إشارة 24- فكيف انعكست كل واحدة من هذه المركبات عبر التشكل البيئي مما أتاح استثمارها في تفعيل الثورة؟

    · مركبة الإنتاج :

    أول ما نلاحظه أن الإنتاج الزراعي هو المشكل الأول لهذه المركبة، والزراعة ارتبطت في ذلك المجتمع بالوسائل الطبيعية المباشرة كالمطر، معدل سخونة أو برودة الجو الخ.. وكلها عوامل لا تتعلق بمعرفة الإنسان المباشرة وقتذاك إنما تستند على قوى عليا يعلق الإنسان أمله بها، يؤمن الإنسان بدفعها للنجاح في سبيل تحقيق الإنتاج، أما الفشل فهو من عنده باعتبار أن الإنسان كائن عاجز ومقصر أمام قوى مطلقة لها مقدرة فاعلة على مستويات واسعة في حياته، وارتباط المركبة الإنتاجية بالعامل الفوقي يجعلها من الممكن أن تستجيب لأي قوى من شأنها أن تعمل على تعديل الإنتاج عبر مسار فوقي يستمد قوته من الدين، وهذا ما استفادت منه الثورة المهدية عندما رفضت أساليب النظام التركي الاقتصادية، ووما يدعم أن الغرض الحقيقي لم يكن التعديل للمربكة الاقتصادية هو أن المهدية " أقامت دولة أكثر مركزية وأكثر ضرائب ، واكثر قدرة على قمع المتمردين " - إشارة 25- .

    · مركبة العقل :

    سيطرت على العقل الفعالية الميتافيزيقية الفوقية، حيث أن البنية كانت صوفية خالصة تعمل وفق قانون التعالي الصوفي، وقد وعي محمد أحمد هذه المركبة واستفاد منها أكثر عندما أدخل الوعي الديني المتمثل عبر الصوفية في إطار ثورته، هذا الوعي الذي عندما تمكن من موقعه السلطوي، جرّد الصوفية من أبعادها ليمركز نفسه على منهج يستمد ذاته من المركزية الجديدة، التي اتخذت الصوفية كوسيلة لغاية. ويظهر هذا الدعم الصوفي في استمداد محمد أحمد لبنية الوعي الصوفي واستغلالها، فإعلان مهديته سبقه تصوفه، وإنشاء خلوته، وعندما أعلن المهدية كان أول ما دعمها ما يعرف بكرامات الأولياء – أي البعد الميتافيزيقي / للصوفية عندما تتسامى عن بعدها المادي عند أهلها أو كما يرون – ولم يكن محمد أحمد هو الذي بسط لنفسه الطريق بمفرده حيث ساعدته جهات لتدعيم فكرته عبر مستوياتها الغيبية، وحاجتها إلى التمكين السياسي لنفسها، وهذا ما فضحه المستقبل، حيث أن الخليفة عبد الله عندما قابل محمد أحمد لأول مرة وهو يبني قبة شيخه القرشي ود الزين :" قيل أنه لما رآه وقع مغشياً عليه، ولم يفق من غشيته إلا بعد ساعة أو أكثر وأغمي عليه ثانية لما نظر إلى إليه محمد أحمد، وحكى عبد الله لمحمد أحمد أن له أب صالح من أهل الكشف وقد قال له قبل وفاته إنك ستقابل المهدي وتكون وزيره وقد أخبرني بعلامات المهدي وصفاته فلما وقع نظري علك رأيت فيك العلامات التي أخبرني بها والدي بعينها " – إشارة 26. ويتضح من المشهد ( الدرامي ) أعلاه مجموعة من القضايا الهامة، والتي تعكس لنا كيف كان أول لقاء بين رجلين قادا مسيرة الثورة، ذلك اللقاء الذي بدأ أشبه بحكاية أسطورية، بيد أنه واقعي، واستخدمت فيه كافة أساليب مركبة العقل الجماعي ليفعل منطلقاته الخفية، ويسلط خطابه، لكن الخطاب يفضح نفسه من داخله حيث يتضمن داخل بنيته رائحة البعد السياسي " وتكون وزيره " – وهذا يفسر كل القصة التي لا شك أن الخليفة قام بنسجها متماشيا مع موقع هذا الخطاب الذي ينتهجه المهدي لتأييد نفسه، فكيف لا يرتضيه، عندما يأتي ليدعم حالته من رجل يريد منصبا معينا وقد فاز به. واستغل محمد أحمد كما أشرنا مركبات الوعي الصوفي في العقل الجماعي، ليمهد ليقام حكومته، كأنما بنى أمره على قاعدة علم الاجتماع الديني التي تقول " أن الدين يختلف عن الحكومة التي تهتم بالسلطة والفوقية " – إشارة 27 – فلم يكن باكر الدعوة يدعو لإقامة حكم بديل للحكم التركي ولكنه كان ينادي بالعدل بدلاً عن الظلم، ومفهوم البحث عن العدل المتخذ من الدين لم يكن له موقعه من الجماعة وقتها كوسيلة للوصول إلى الحكم، فلقد استند العقل الجماعي على أن الدين يحمل في محتواه خلاصاً، لكنه لم يكن يفكر في أن هذا الخلاص سيتحول إلى دولة بديلة للدولة القائمة، وربما ظهرت هذه النية عندما بدأت معارك محمد أحمد في أبا ومن ثم هجرته إلى قدير.

    وتتجلى بعض عناصر الاستغلال لطبيعة المركبات التي تحيط بالدين كالرؤى والأحلام والرموز والنبوءات، " وهي ذات الأدوات التي يستعملها الدين لإيقاع الهيبة ولغرس القداسة في النفوس " – إشارة 28- وهي قاعدة قديمة منذ أيام (الجاهلية) فقد استخدمها عبد المطلب جد الرسول (ص) عندما استثمر كل هذه المركبات، ومراجعة سيرته تعكس لنا ذلك مثلما في حادثة زمزم، وحادثة النحر، وقد " كان عبد المطلب يعمل على ضرورة ضرب المثل بالنفس بداية وأهمية القدوة عند دعوة الناس إلى أية عقيدة، وهنا تلازمت أو تزامنت طبيعته المتألهة معه نهجه في مزج الدين بالدولة، وضرورة ذلك حتى تكتسب الدولة القداسة التي انغرست في نفوس المحكومين وأثمرت طاعة كاملة وانقيادا تاما " – إشارة 29 –.

    وقد سار محمد أحمد بنفس الخطوات تقريبا حتى فرض القداسة التي توازي قداسة عبد المطلب وأعلن دولته في مزج حقيقي بين الدين والدولة، مستفيداً من الماورائيات، واعياً لقاعدة أن " كل المجتمعات بحاجة إلى نظام من العقائد والقيم والمعارف من اجل تبرير نظامها وتأمين شرعيته والحفاظ عليه "- إشارة 30- وهذه العقائد والقيم تستمد نفسها من البيئة عبر مركبة عقل المجتمع والعناصر الحضارية لهذا المجتمع، والقيم غالباً ما تأخذ تمحورها الأسطوري بحيث أنه " عندما ننزع التركيبات الأسطورية من إطارها الاجتماعي / المادي والزمني، فقد تتحول إلى هلوسة " – إشارة 31- مما يدل على أن بنيتها تكونت كتراكم دعمته عناصر الإيمان القوي التي تستمد دفعها من مركبات الوعي الجماعي الذي من أهم عناصره الدين.

    ووما يشير إلى استغلال الماورائيات من فجر دعوة محمد أحمد، قصته رؤيا النبي (ص ) يقظة وأنه أجلسه وقلده سيفه وغسل قلبه بيده وملأه إيمانا ومعارف وأخبره بأنه الخليفة الأكبر والمهدي المنتظر وان من شك في مهديته فقد كفر ومن حاربه خذل في الدارين – إشارة 32 – وغيرها من القصص التي تدعم كيفية استثمار محمد أحمد لمركبات الوعي الجماعي والعقل الاجتماعي الكلي.

    · المركبة الحضارية :

    تتداخل هذه المربكة مع عقل المجتمع غير أنه يمكن الإشارة إلى أن المهدية كانت تحوي في وعيها الداخلي ضرورة إقامة نظام سياسي يستمد معارفه وقوته من الإسلام كموازي لنموذج المدينة، وقد طورت المفهوم السلطوي للنظام الصوفي لتقيم نظامها الجديد، مستفيدة من التجربة الصوفية، وكان هذا التطوير قد امتد إلى بعض العناصر ( المقدسة ) والتعدي عليها – بمعنى أنها مقدسة من قبل عقل المجتمع – حيث أن محمد أحمد " قام بأعمال أنكرها عليه العلماء إذ أحرق الكتب إلا أصول منها، كالقران والصحيحين ( البخاري ومسلم ) وأحياء علوم الدين، والكتب التي أحرقها كان يرى أنها حجبت المنبعث من القران والسنة، كما أبطل العمل بالمذاهب الأربعة.

    الإشارات الواردة مستمدة من المراجع التالية :

    1- بروفسيور مالك بدري - مشكل أخصائي النفس المسلمين – ترجمة منى أبو قرجة.

    2- نعوم شقير، تاريخ السودان، حققه د. أبو سليم.

    3- د. أبو سليم، الحركة الفكرية في المهدية.

    4- محمد اركون، الفكر الإسلامي – قراءة علمية، ترجمة هشام صالح.

    5- محمد الجندي، الأسطورة دراسة ( مجلة المعرفة).

    6- مكي شبيكة، السودان عبر القرون.

    7- د. يسري إبراهيم، نيتشه عدو المسيح.

    8- د. قيصر موسى الزين، الدولة والمؤسسات الاجتماعية في السودان، دراسة (مجلة الخرطوم).

    9- خليل إبراهيم، تطور قريش من القبيلة إلى الدولة.

    10- AKBAR AHMAED, TOWARD ISLAMIC ANTHROPOLOGY

    خاص الزراف
                  

01-31-2008, 11:35 AM

محمد الواثق
<aمحمد الواثق
تاريخ التسجيل: 05-27-2003
مجموع المشاركات: 1010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)

    وهذه محاولة متواضعة في محاضرة قدمتها في النادي السوداني بأبوظبي
    في منبر منتدى السودان الفكري

    محاضرة بعنوان:

    القدرات الذاتية للإمام المهدي وأثرها في إنجاح الثورة السودانية1881م - 1885م


    --------------------------------------------------------------------------------

    محمد الواثق عبد الحميد الجريفاوي


    --------------------------------------------------------------------------------

    مقدمة

    المعروف جدلاً أن الثورات العظيمة على مر التاريخ تعتمد في الأساس على شخصية وقدرات قائدها كعامل جوهري ومركزي تدور حوله بقية العوامل الموضوعية المصاحبة للثورة . فالشخصيات التي تلعب دوراً في تحريك التاريخ لا تظهر بصورة عفوية فالقائد العظيم هو الذي يحرك الأحداث التاريخية بواسطة نشاطه الشخصي وقدراته الذاتية .

    ويحالف النجاح الثورات _ دائماً _ إذا كان هناك سخطاً بين الأفراد عامة بحيث لا يقتصر على طبقة معينة أو إقليم محدد وأن يكون ذلك السخط نتيجة أحقاد وضغائن محددة لا مجرد مشاعر مبهمة أو أحاسيس عارضة ، وأن يقترن ويتوافق مع إدراك الجماهير للضعف المادي والمعنوي للحكم القائم مما يؤدي إلى شل قدرتها على قمع الثورة لدى اندلاعها .ويتعين أيضاً لنجاح الثورات توافر جيش ثوري من أفراد مستعدين لاستخدام القوة وقادرين على ذلك لتحقيق أهدافهم ....وفوق هذا وذاك لابد من توافر قيادة ثورية عليا قادرة على القيام بمهام ذات وظيفة مزدوجة تتمثل في نشر الدعاية القادرة على إلهاب مشاعر الجماهير وبلورة سخطها والدعوة لقيام نظام اجتماعي سياسي جديد ، فضلاً عن القدرة على تنظيم الأنشطة الثورية التي تلعبها الدعاية .




    --------------------------------------------------------------------------------

    أسباب البحث في شخصية الإمام المهدي



    أولاً : ذكر الباحث قاسم عثمان نور انه في عام 1981 في فترة الإعداد للاحتفال العالمي بالعيد المئوي للثورة المهدية بحث في مكتبة جامعة الخرطوم وجد أن هناك أربعون كتاباً تتناول سيرة غوردون ولم يجد كتاباً واحداً يتناول سيرة الإمام المهدي .

    ثانياً : كثير من الدراسات التي تناولت الثورة المهدية طرحت أفكارها بمنهج تاريخي توثيقي ، وحتى تلك التي حاولت الولوج تحليلاً في أسباب قيامها ونجاحها حصرت العوامل – مع موضوعيتها – في العنف الذي صاحب الغزو التركي للسودان وبخاصة انتقام الدفتردار لمقتل إسماعيل ابن محمد علي حاكم مصر ، إلى جانب الضرائب الجائرة وطريقة جبايتها القهرية ، وللعديد من الممارسات المرتبطة بالعقلية الاستعمارية التركية . أما من جهة النجاح فقد ذهبت جل تلك الدراسات إلى أن العامل الرئيسي هو ضعف الإدارة التركية وفقدانها السيطرة على الأمور وتقليلها من شأن الثورة والتعامل معها في بداياتها.

    على الرغم من أن تلك الدراسات تناولت المهدي بوصفه قائد الثورة في إطار التوثيق التاريخي للأحداث التي صاحبت الثورة وتلك المرتبطة بشخصه ، إلا أنها لم تفرد فصولاً لتناول مقدراته الذاتية في تحريك وقيادة الثورة واحتوائه لكل العوامل والظروف وإعادة إنتاجها بصورة تبرز قدراته الذاتية والشخصية وتفجيرها بما حقق له النجاحات الكبرى .



    ثالثاً : منهج الدراسات التي تناولت المهدي كان إما منهجاً هجومياً حاول نفي صفة المهدية عنه وبذلك تسقط كل دعواه وما أنبنى عليها. أو منهجاً دفاعياً حاول إثبات صفة المهدية عليه حتى تكون سنداً قوياً لنجاحاته. ولكن المنهجين أضرا بسيرة ذلك الرجل حيث انصرف الباحثون عن دراسة شخصية المهدي وركزوا جل اهتمامهم بالمهدية وأسانيدها وشروطها ومدى انطباقها على الرجل.

    رابعاً : تحول الإمام المهدي من رمز وطني إلى رمز سياسي - في السابق وفي الوقت الحاضر - حيث كان المهدي قائداً لثورة قامت ضد المستعمر ومصالح الجماعات المرتبطة بذلك الاستعمار لهذا كان من الطبيعي قيام دعاية مضادة له جعلت من مركزاً لهجوم العلماء واختلاف الناس عليه . ثم صار المهدي رمزاً لطائفة الأنصار وحزب الأمة . وهذا الأمر صار خصماً على رصيد الرجل من اعتباره رمزاً وطنياً .

    --------------------------------------------------------------------------------



    استصحاب بعض الحقائق في تناول شخصية الإمام المهدي



    أولاً: تحييد فكرة المهدي المنتظر فالعلمية والموضوعية تقتضي تحييد فكرة المهدي المنتظر للعديد من الاعتبارات:المهدية هي من الأفكار الدينية الصوفية التي تعتمد على الغيبيات والإرهاصات والمعجزات.وهي بذلك لا تصلح أن تكون طريقاً للبحث بموضوعية في خصائص ذلك الرجل. وان فكرة المهدي المنتظر ليس عليها إجماع من قبل المسلمين ومختلف عليها دينياً. إلى جانب أن اعتبار المهدية عنصراً من العناصر الأساسية لنجاح الثورة يقلل من الدور الذاتي والحقيقي للإمام المهدي .

    وهنا نؤكد على أن هذا التحييد لا يعني إلغاء الفكرة ولا يقدح من أمر دعوته الدينية بأي صورة كانت .

    ثانياً : عدم إسقاط معايير الواقع على التاريخ : بمعنى أن نقوم بالنظر إلى كل ما هو مرتبط بهذا الموضوع من خلال الحكم عليه بمعايير زمنه وظروفه ومعطياته لأن الحكم على التاريخ بمعايير الواقع فيه إجحاف وظلم ومجافاة للعلمية .



    ثالثاً : أن هذه الدراسة تعنى فقط بدراسة شخصية الإمام المهدي وهذا يعني أن لا يتعدى أمر الدراسة إلى تناول الدولة التي قامت كنتيجة لإنتصار الثورة حيث أنها لا تعتبر محصلة نهائية حقيقية لمبادئ الثورة وقائدها . وتناولها مع كل الخلاف في التحليل والتقدير والنتائج النهائية يغفل دور هذا القائد لأنها عند التحليل تستبعد دوره أو بالأحرى لا يكون هو محلاً للدراسة لغيابه عنها .


    --------------------------------------------------------------------------------

    موقع الحركة المهدية الفكري مقارنة بالحركات الفكرية التي عاصرتها



    يمكن النظر إلى الثورة المهدية من الناحية الفكرية انها تدخل في حركات التجديد الفقهي والديني التي استفتحت بابن عبد الوهاب في نجد في القرن الثامن عشر (1703 ـ 1791) ، وظهر محمد بن نوح الغلاتي في المدينة (752 ـ1803) كما ظهر ولي الدين الدهلوي في الهند (1702 ـ 1762) وفي اليمن ظهر محمد بن علي الشوكاني (1758 ـ 1834) ثم الشهاب الألوسي في العراق (1802 ـ1854 ) وفي المغرب ظهر محمد بن على السنوسي (1878 ـ1859) ثم ظهر في السودان محمد بن أحمد المهدي (1843 ـ1885)0 حيث كانت تقوم على التوحيد المطلق وترفض فكرة الحلول والاتحاد وتؤكد مسؤولية الإنسان وتمنع التوسل بغير الله وتدعو لفتح باب الاجتهاد .

    ونلحظ أن هذه الدعوات التجديدية الإصلاحية كانت ظاهرة عامة من منتصف القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريبا ، وأنه رغم الخلافات التي تبدو بين بعض هذه الدعوات وبعضها ، فهي جميعا تكون حركة تجديدية ، وهي جميعها تتفق اتفاقا عاما ونبذ التقليد وفتح باب الاجتهاد0

    وهذا يعني أن حركة التجديد والإصلاح جرت متكاملة المراحل والحلقات فإن كل مصلح بدأ من حيث انتهى من سبقه وكل مجدد حاول أن يعالج النقطة الحادة التي يواجهها عصره وكانت هذه الزوايا ظلت في مجموعها تتجمع كلها وتصب في تيار واحد متجدد بحيث ظلت في مجموعها حركة واحدة متكاملة مستمرة سارت في طريقها تنمو من الداخل وتتحرك على النحو الذي يعطيها القوة والوسع والتكامل ، ولو أنها تركت ضغط خارجي لحققت الكثير.

    ونحن إذا نظرنا إلى مناطق قيام هذه الحركات وجدناها تظهر في الهند والعراق شرقا وفي نجد واليمن والحجاز والسودان جنوبا وفي المغرب بالجزائر وليبيا غربا فهي حركة عامة ولكنها تتفادى منطقة القلب من الأمة الإسلامية ، بحسبان أن منطقة القلب من هذه الأمة كانت تتمركز في مجال الهيمنة المركزية للدولة العثمانية في ذلك الوقت ، وهي المنطقة الممتدة على المحور من تركيا إلى الشام إلى مصر ، (استانبول ـ دمشق ـ القاهرة) 0

    وقد حدد الكثير من الدارسين الحقائق الفكرية والتاريخية التي تميزت بها تلك الحركات على اختلاف مكانها وزمانها:

    تجديد الدعوة إلى التوحيد وتحير العقيدة

    تجديد الدعوة إلى الحرية والوحدة الإسلامية

    تجديد اللغة العربية أسلوباً ومضموناً

    بعث الفكر الإسلامي الأصيل التماساً لمنابعه الأصيلة

    بناء الثقافة العربية على أساس قيم الفكر الإسلامي

    مقاومة الغزو الثقافي الغربي

    تجديد الأزهر ودفعه إلى الحركة والنهضة

    مقاومة الإقليمية والحيلولة دون انفصال الإسلام عن المجتمع والثقافة

    ترابط العروبة والإسلام وتكاملهما

    وبالنظر إلى التراث السياسي والفقهي للإمام المهدي نرى وبوضوح مكانة الثورة المهدية في خارطة التجديد والإصلاح في تلك الفترة .

    ولعل ما يميز الإمام المهدي عن كل الذين قادوا تلك الثورات انه وبعبقرية تامة نقل كل ذلك الزخم الفكري المرتبط بتجديد الدين إلى دعوة حركية ثورية ايجابية تتفاعل مع هموم وقضايا الجماهير بحيث غرز المهدي في نفوس أتباعه أن هذا الدين دينهم وان العرض عرضهم وان المال مالهم وان الوطن وطنهم وإجمالاً أن الثورة ثورتهم

    --------------------------------------------------------------------------------



    ماهية العوامل التي أثرت في تكوين شخصية الإمام المهدي



    ولهذا نطرح هنا تساؤلاً كبيراً عن ماهية القدرات الذاتية التي توفرت لذلك الشاب المهدوي الذي هز الأرض تحت أقدام جيوش الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وهو مازال في منتصف العقد الثالث من عمره ؟ وفي إشارات سريعة وفقاً لمقتضيات المقام ، فكل مقام مقال ، نحاول الإجابة على هذا التساؤل .

    قطعاً من الخطأ اختزال نجاح الثورة في دور قائدها ، ولكن من الإجحاف والتجني التاريخي تجاهل دوره المركزي في تحريك العوامل ، هذا هو الذي يفرض عند الإجابة على هذا التساؤل ضرورة تناول دور ذلك الشاب في السيطرة على كل العوامل المتاحة وتحريكها لخلق واقع ضمن له نجاح الثورة التي قادها .

    رغم الاختلاف والتباين عموماُ حول الدولة المهدية إلا أن الحقيقة التاريخية الثابتة هي أن الإمام المهدي قاد البلاد للتحرر من وجود المغتصب الأجنبي.

    حيث كان يوجد محتل أجنبي أذل الشعب وأستغل موارد الأمة.

    بالفعل قامت ثورة ضد هذا المستعمر ، انتصرت عليه ودحرته .

    كان الإمام محمد أحمد المهدي هو قائد تلك الثورة وحادي ركبها.

    هناك معطيات موضوعية وظروف مرتبطة بالحكم التركي أدت إلى قيام الثورة ولكن هذه الظروف ما كان لها أن تؤدي وحدها إلى حدوث الانتصار لولا وجود ذلك القائد الفذ ، حيث اندلعت العديد من الثورات المتفرقة ولكنه لم تحقق ما حققته الثورة التي قادها الإمام المهدي.


    --------------------------------------------------------------------------------

    هناك العديد من العوامل التي أسهمت في تكوين شخصية المهدي



    اثر مهنة الأسرة على شخصية المهدي :

    ولد محمد بن أحمد في جزيرة "لبب" بالقرب من مدينة دنقلا عام 1250 هجرية (1844 ميلادية) لأسرة عرفت بالانتماء لآل البيت ( الأشراف ) ، وكان لتلك الأسرة شهرة دينية محلية والتي يبدو أنها نمت حول جدهم حاج شريف ، كانت مهنة والد محمد أحمد المهدي هي صناعة المراكب وقد هاجرت أسرته من أجل تلك المهنة مرة إلى امدرمان وثانية إلى الخرطوم وثالثة إلى الجزية أبا . ولكن ما هو أثر تلك المهنة في تشكيل شخصية المهدي ؟

    العمل الحرفي المتطور يمثل مرحلة متقدمة من النشاط الإنساني . بالإضافة إلى أن الحرفة تساعد على استقلالية الحركة وعلى الترحال ، إلى جانب أن حرفة النجارة من الحرف التي تساعد كثيراً على ترتيب الذهن من ناحية الدقة المطلوبة في التخيل والتنفيذ والقياسات .

    ونشأة المهدي في أسرة لها حرفة جعله أكثر استقلالاً في تفكيره من أولئك الذين شبوا في بيئة تحترف الزراعة أو الرعي، كما أن تلك النشأة جعلته أكثر استعداداً لتقبل الأفكار الجديدة والتفاعل معها والتأثر بها . إلى جانب أن التنقل بين الكثير من المناطق أتاح له الاندماج مع كثير من أنماط البشر بمختلف جنسياتهم وثقافاتهم وبخاصة عندما انتقلت أسرته للخرطوم .


    --------------------------------------------------------------------------------

    الذكاء الفطري

    ( كان محمد أحمد المهدي أكثر إخوته ذكاء )

    هناك الكثير من الشهادات والإفادات التاريخية التي تؤيد هذه المقولة ، ولكنها قد تكون مجروحة لأنها كتبت بعد انتصار الثورة او كتبها بعض المقربين للإمام المهدي أو وضعت حديثاً للدفاع عن الإمام المهدي ولكن نوردها هنا على اعتبار انها شهادة صدرت من ألد أعداء المهدي والثورة ونجت باشا .

    وسيظهر هذه الذكاء بوصفه مقدمة لنتائج باهرة حققها الإمام المهدي


    --------------------------------------------------------------------------------

    قوة العزيمة والجدية في حياته

    هناك بعض الحوادث التي تدلل على أن الإمام المهدي كان جاداً في حياته قوي العزيمة يصر على رأيه ما دام مقتنعاً به نذكر منها على سبيل المثال :

    1. محاولة إخوته منعه من الذهاب للخلوة في الشيخ الطيب وحبسهم له لمنعه فما كان من المهدي إلا أن اضرب عن الطعام ورفض الأكل حتى سمحوا له بالذهاب.

    2. موقفه من الحفل الذي أقامه شيخه بمناسبة ختان أنجاله

    3. موقفه من حادثة زفاف احد الغلمان إلى تاجر رقيق في الأبيض .




    --------------------------------------------------------------------------------

    التعليم والثقافة العالية



    بعد أن أكمل الخلوة في كرري والخرطوم اكتمل وعي الإمام المهدي بضرورة إكمال تعليمه وكذلك شعر أخوته بمكانة العلم والمتعلمين في الخرطوم لذلك لم يمانعوا من إكمال المهدي لتعليمه.

    ذهب المهدي إلى قرية كترانج التي كانت تعد جامعة بمعايير ذلك الوقت حيث كان غالبية المعلمين من خريجي الأزهر الشريف وظل بها سنتان أكمل فيها دراسة العديد من الكتب التي تعتبر دراستها في تلك الفترة الوجيزة ضرباً من ضروب العبقرية .

    بعدها انتقل المهدي إلى بربر وهو في طريقه لإكمال تعليمه في الأزهر الشريف حيث التقى بشيخ اسمه السماني ود فزع استطاع أن يقنعه بأن ما يطلبه في الأزهر موجود بمجلس علم الشيخ محمد الخير ، فبقى المهدي وأكمل دراسة علوم الفقه والتجويد ومختصر الخليل .

    بعدها انتقل المهدي إلى الشيخ محمد شريف نور الدائم في أم مرحي ( شيخ الطريقة السمانية ) وهناك حدثت تحولات كثيرة كان لها عظيم الأثر في تشكيل شخصيته وكما قال عنه شيخه كان يحفظ الفتوحات المكية عن ظهر قلب لا يمر عليه إلا ويجده ممسكاً به .

    ثم انتقل إلى الشيخ القرشي ود الزين في الحلاوين بعد اختلف مع شيخه ود نور الدائم وواصل اجتهاده وتصوفه فصار يعطي الطريقة السمانية نيابة عن شيخه الكبير في سنه فطاف البلاد شرقاً وغرباً لهذا الغرض .

    كل هذه العلوم التي تلقاها المهدي في فترة وجيزة لا تتعدى العشر سنوات جعلته غزير المعرفة منحته القدرة على فهم الأمور ووزنها جيداً وظهرت هذه الثقافة في معركته الفكرية مع العلماء وظهرت جلية في امتلاكه لناصية الكلم.


    --------------------------------------------------------------------------------

    القدوة و تناغم القول مع الفعل



    كان المهدي زاهداً متقشفاً متديناً وهذه هي الأمور التي المطلوبة في الزعيم الصوفي حسب مقتضيات ذلك العصر أن يكون ورعاً زاهداً عن الدنيا ملتزماً من الناحية الدينية ، وكل هذه الصفات كانت من المكونات الثابتة في شخصية الإمام المهدي بشهادة الجميع (من ناصريه أو مخالفيه ).

    وهناك الكثير من الوقائع التي تدلل على ذلك الزهد وذلك التقشف والتدين:

    1. رفضه للطعام الذي تقدمه الحكومة للمشايخ ، لأنها حصلت على تلك الإحسانات من الضرائب التي جمعتها من الأهالي بغير الوجه الشرعي . وظل لا يأكل الطعام حتى احضر له شيخه طعاماً اقسم له انه من سواقيه الخاصة لا علاقة للحكومة به .

    2. صيده للسمك دون أن يكون هناك طعم في السنارة .

    3. تركه لبيع الخشب لمجرد أن إمرأة اشترت منه وقالت انها تستخدمه في صناعة الخمر.

    4. اختلافه مع شريكه في تجارة الذرة حول السفر جنوباً حتى لارتفاع الأسعار كلما اتجهوا جنوباً .وكذلك اختلافه معه حول انتظار قليلاً حتى ترتفع اسعار الذرة ومن ثم يبيعوا مخزونهم فيرتفع بذلك ربحهم .

    --------------------------------------------------------------------------------



    عبقرية القيادة للإمام المهدي



    بعد إعلان الإمام محمد احمد المهدي للمهدية ووقوع معركة الجزيرة أبا وانتصاره فيها أصبح المهدي قائداً ذو مسئولية مزدوجة) مهمة فكرية ) الدفاع عن فكرته ( وعسكرية ) تتمثل في قيادة مقاتلين ضد الحكومة الاستعمارية.

    هنا تجلت عبقرية القيادة وظهرت القدرات الذاتية والشخصية للمهدي في التعامل مع المعطيات الموضوعية المحيطة وذلك بقدرته فائقة على الربط المنطقي بين الحقائق على ساحة معركته الفكرية والعسكرية حوله .

    فقد توفرت للمهدي العديد الصفات القيادية




    --------------------------------------------------------------------------------

    1- صفات القيادة (الكاريزما)

    كان محمد أحمد يتصف بالعناد والتصميم والاندفاع الحماسي نحو الأمور التي يتصدى لها ويمضي في الطريق حتى نهايته. وقد اعترف له أعداؤه بهذه المسألة، يقول القس أهرولد الذي سجن عشر سنوات في زمن الدولة المهدية عن "المهدي": "كان مظهره الخارجي قوي الجاذبية، فقد كان رجلا قوي البنية، سحنته تميل إلى السواد، ويحمل وجهه دوما ابتسامة عذبة، وأسلوبه في الحوار حلو وسلس".

    ويروي ونجت باشا -مدير مخابرات الجيش المصري- عن قدراته الخطابية فيقول: "إن الرجال كانوا يبكون ويضربون صدورهم عند سماع كلماته المؤثرة، وحتى رفاقه من الصوفية لم يخفوا إعجابهم به، وليس في شكله ما يثير إلا عندما يبدأ الوعظ، وعندها يدرك المرء القوة الكامنة فيه التي كانت تدفع الناس لطاعته".

    ويقرر المؤرخ السوداني د. محمد سعيد القدال ذلك بقوله: "لقد توفرت لمحمد أحمد صفات متميزة أهلته للقيادة في مجتمع السودان في القرن التاسع عشر، فهو صوفي زاهد يحظى بتقدير الناس ويهرعون إليه طلبا للغوث والبركة، وهذه هي الصفات الأساسية للقيادة في ذلك المجتمع، ومكنته دراساته المتنوعة من امتلاك قدرات علمية ولغوية واسعة، وله جاذبية (كاريزما) يؤثر بها تأثيرا قويا على من حوله، وتضافرت كلها مع نشاطه العلمي وقدراته الذهنية فرفعت درجات وعيه الاجتماعي مما قاده إلى فكرة المهدي المنتظر التي كانت تضج بها جنبات المجتمع، ورأى نفسه الشخص المؤهل لحمل أمانتها".




    --------------------------------------------------------------------------------

    2- المعرفة التامة بالسودان

    تنقل المهدي قبل الإعلان عن دعوته في كثير من بلاد السودان ، فقد انتقل جنوباً مع أسرته إلى الخرطوم من أجل التجارة وصناعة المراكب ، ثم إلى أبا ثم تنقل في باحثاً عن العلم لدى المشايخ والطرق الصوفية ثم بعد أن أصبح من كبار الشيوخ في السودان عهد إليه شيخه بإعطاء الطريقة السمانية ونشرها في البلاد فجاب البلاد طولها بعرضها لهذا الغرض .

    هذا الأمر جعل المهدي يلم تماماً بطبيعة أرض معركته ويتعاطى مع تلك الطبيعة بقدرة فائقة.




    --------------------------------------------------------------------------------

    3- الفهم العميق لأحوال السودانيين

    نتيجة طبيعية للمعرفة التامة بالسودان كان للمهدي فهم عميق جداً لأحوال السودانيين وهمومهم ونفسياتهم ولعل ذلك وضح في التكتيكات السياسية التي اتخذها المهدي والطريقة التي اتبعها في تعامله مع قواده وجنوده .




    --------------------------------------------------------------------------------

    4- الإستراتيجية في التنظيم العسكري

    اتخذ المهدي استراتيجة عسكرية رائعة وفق مراحل الصراع مع الحكومة مستهدياً في ذلك بالسيرة النبوية في الدعوة الإسلامية فقهاً وحركةً . ويمكن هنا الإشارة بصورة سريعة لتلك التكتيكات الإستراتيجية :

    ‌أ- الدعوة السرية

    ‌ب- الهجرة ( اختيار منطقة جبال النوبة ) العمق الإستراتيجي .

    ‌ج- اختيار مكان المعركة. (أبا، شيكان )

    ‌د- حرب العصابات . ( حملة هكس باشا )

    ‌ه- إدارة المعركة. (استخبارات المؤكدة – سياسة الأرض المحروقة – ردم الآبار – الحرب النفسية )

    ‌و- تكتيك الحصار والاستنزاف ( حصار الأبيض، حصار الخرطوم ).

    وهذه الأمور كانت مقدمات لنتائج واضحة وبينة وثابتة تاريخياً تتمثل في الانتصارات الحربية المتعاقبة للإمام المهدي التي أحرزتها الثورة المهدية.


    --------------------------------------------------------------------------------



    5- التدابير السياسية

    كما ذكر سابقاً كان المهدي يقوم بمهمة مزدوجة فكان يواجه حرباً اعلامية ومعركة فكرية تقودها الحكومة بواسطة العلماء وبعض مشايخ الطرق الصوفية . الى جانب حرب قتالية مع قوات الحكومة .

    وكان كل ذلك في مجتمع يتسم بالفرقة من الناحية الإجتماعية عوامل الربط فيه اقل من عوامل التفرقة ، مجتمع تلعب فيه الطريقة الصوفية دوراً هاماً في الترابط ثم تأتي القبيلة في المرتبة الثانية .

    لذلك والأمر هكذا كان لابد للمهدي من خلق رابط جديد يوحد حوله جنوده وقاتليه يجعله محوراً لهم فاتخذ بعض التدابير التي قد تكون في ظاهرها دينية إلا أنها كنت ضرورية من الناحية السياسية لخلق ذلك الرابط الجديد ، وتتمثل هذه التدابير في التالي :

    ‌أ- استغلال الجو السائد والنفوس المهيأة لقبول القائد المنقذ الذي كون محوراً ومركزاً لدائرة التقائهم والتفاهم حوله .

    ‌ب- ترتيب السودانيين حسب استجابتهم للثورة وبذلك قلل من أسر الطريقة الصوفية أو القبيلة .

    ‌ج- استخدام أسلوب الرسائل المباشرة في الدعوة والتواصل مع الخصوم والأتباع لعرض أفكاره ومنهجه .

    ‌د- اختيار القادة.

    ‌ه- إلغاء الطرق الصوفية.

    ‌و- تعطيل العمل بالمذاهب الأربعة .






    --------------------------------------------------------------------------------

    الخاتمة



    الثابت أن الشخصيات التي تلعب دوراً في تحريك التاريخ لا تظهر عفواً، فالقائد العظيم هو الذي يحرك الأحداث التاريخية بواسطة نشاطه الشخصي وقدراته الذاتية.

    المهدي زعيم شعبي بسيط عاش وهو يلبس المرقع من الثياب ويأكل الخشن من الطعام لذا كان لصيقا بالجماهير ولهذا أحبته ومنحته ولاءها وسارت خلفه في الثورة.



    أبوظبي في يوم الاثنين 29 يناير 2007

                  

02-01-2008, 11:55 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 24977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: محمد الواثق)

    الاخ فرانكلي

    مشكور على هذه الإضاءة المفيدة جدا

    وغير غريب ان يكون هناك تقارب او تلاقي فى فكر الشيخين

    نسأل الله أن يجازيهما بقدر ما عملا وقدما من جهد وإجتهاد لديننا الحنيف
                  

02-01-2008, 02:31 PM

عمار عبدالله عبدالرحمن
<aعمار عبدالله عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 02-26-2005
مجموع المشاركات: 9162

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: حيدر حسن ميرغني)

    الاخ فرانكلي
    الباحث اشار الي المصادر بخصوص علاقة السودان بالعرب واسهب.. اما بخصوص اثر الدعوة الوهابية لفم يشر
    الي اي مصدر (رغم توافر منشورات الامام المهدي ) ,,
    Quote: وقد ظهرت تأثر محمد أحمد الشديد بالتعاليم والمبادئ السلفية وجاءت دعوته في منشوراته إلي التوحيد الخالص وإفراد العبودية لله ، ومنع الحلف بغير الله ، ومنع الاستغاثة بغير الله لو كان نبياً رسولاً أو ملكاً 00 بالإضافة إلي تحريم التسمية بالعبودية لغير الله ، وهدم القباب ومنع التوسل إلي الأولياء الصالحين 00 تجسيد حي وقوي لأقوال أعلام السلف وعلي رأسهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب .

    فمثلا مسالة هدم القباب هذه من انفرادات الوهابية ولم تظهر في الدعوة المهدوية في السودان...
                  

02-03-2008, 05:32 AM

محمد الواثق
<aمحمد الواثق
تاريخ التسجيل: 05-27-2003
مجموع المشاركات: 1010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)

    فوق

    ننتظر المزيد من الدراسات حول الإمام المهدي والثورة المهدية
                  

02-03-2008, 02:28 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: محمد الواثق)

    الشكر موصول لكل الأخوة المتداخلين وسأعود إليكم فرادى بإذن الله وتوفيقه

    تحياتي كمال
                  

02-03-2008, 05:18 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)


    ويتهم البعض أغلب السكان في السودان بالجهل والأمية إذ أن سلاطين الفونج كانوا يؤسسون لدين جديد بعد القضاء علي مملكة علوة المسيحية – رحبوا بكل من يتحدث إليهم باسم الدين ، فأدي ذلك إلي أن السودان لم يجتذب إليه العلماء النابهين فحسب بل جاء معهم أيضاً من يدعون العلم والمعرفة .

    وقد اشتهر في الإسلام عدد من مؤسسي الطرق الدينية مثل عبد القادر الجيلاني (1079 – 1186م ) من العراق وأبو الحسن الشاذلي (1196 – 1258 م) من المغرب وقد توفي في طريق عيذاب بين النيل والبحر الأحمر وهو في طريقه إلي الحجاز .

    وقد وصلت الشاذلية إلي السودان علي يد الشريف أحمد أبو دنانه قبل سقوط مملكة علوة ، واستقر في بربر سنة 849 هـ 1445م وبقيت الخلافة في سلالته .

    أما الطريقة القادرية الجبلانية فقد وصلت بعد ذلك بقرن من الزمان حوالي سنة 1550 وقيل أيضاً أن أول خليفة لها في السودان هو إدريس أبن أرباب (1507 – 1561) وهو من المحس كما نالت الشاذلية أيضاً نفوذاً كبيراً أيام الفونج علي يد خوجلي ابن عبد الرحمن (المتوفى في 1743 ) وهو أيضاً من المحس وكان قادريا ثم أنضم للشاذلية لما زار مكة .

    وبدأت الطريقة المجذوبية ( وقد تفرعت عن الشاذلية ) تنتشر في شمال السودان في بداية القرن الثامن عشر علي يد حمد بن محمد المجذوب الجد الأكبر للمجاذيب (1693-1776) وأصبحت لأسرته مكانة فيه في الدامر ([48]) .



    وقد أورد لنا محمد ضيف الله في طبقاته تراجم وسير لمائتين من شيوخ هذه الطرق وما تردد عن معجزاتهم .

    وفى الحقيقة يمكننا أن نقول أن آفة هذه الطرق هو ارتباطها في بعض الحالات بالخرافات وقد يرجع الكثير منها للأصول الوثنية التي كان عليها الناس قبل وصول الإسلام فبعض هؤلاء كان يدعي القدرة علي الرؤيا ( vision ) وهذه تلعب دوراً كبيراً في الحياة الدينية في السودان إلي الوقت الحاضر . وهي " رؤيا " بالتحليق في السماوات وأحياناً يدعون رؤيا النبي صلي الله عليه وسلم نفسه استناداً إلي الحديث الشريف الوارد في صحيح البخاري عن أنس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " من رآني في المنام ، فقد رآني حقاً لأن الشيطان لا يتمثل بي " ([49]) وعلي ذلك فرؤيا النبي مصدقة لدي العامة من المسلمين . ولهذا الحديث أهميته ، فإن المهدي محمد أحمد والخليفة عبد الله أيضاً من بعده سوف يلجأن للرؤيا لتبرير أعمالهما وقراراتهما .

    بل وبعض هؤلاء كان يزعم بأن الشريعة التي تنطبق أحكامها علي عامة الناس لا تسري عليه ، لأنه يرتبط بالله ارتباطاً وثيقاً ([50]) . ويطلق علي أمثال هؤلاء الملامتيه([51]) .

    وكان الملامتـــية في السودان كنظرائهم من ملاميتة البلاد الإسلامية الأخرى – حسبما جاء في طبقات ود ضيف الله([52]).

    وأدعي لبعض أن لهم القدرة علي تحويل الماء إلي سمن وعسل وإلي اليوم يقولون في السودان عن الفقيه الماهر ( هو فقي يروب ألما ) وأشهر هؤلاء حسن ود حسونه المتوفى سنة 1664 وادعوا أنه كان لديه القدرة على ذلك([53]) ، وإذا تناقل الناس ادعاءات قدرة الشيخ حسن ود حسونه ، فليس من المستغرب بعد ذلك أن يؤمنوا بما كان يدعيه محمد أحمد والخليفة عبد الله من بعده برؤيا النبي صلي الله عليه وسلم . فالخليفة عبد الله أصدر منشور المعروف في بداية حكمة لتأييد حقه في الخلافة ، وجاء فيه أنه ابتلع شعره من شعر المهدي عند مقبرته ، وهي شعره لا تعدلها الدنيا بأكملها ، فانكشف عنه الغطاء ([54]) .

    هذه هي المرحلة الأولي التي مرت بها الطرق في السودان ، أما المرحلة الثانية فقد جاءت نتيجة لحوادث دارت خارج السودان .

    إذ بدأ أن مرحلة الجمود التي كان يمر بها العالم الإسلامي قد قاربت النهاية وظهرت حياة جديدة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ويرجع ذلك أصلاً إلي رد الفعل الذي أحدثه التوسع الاستعماري الأوربي في الدول الإسلامية مما أدي إلي ظهور طرق جديدة تلتزم بالاتجاه الجديد .

    ففي عام 1800 دخلت السودان الطريقة السمانية علي أيدي أحد أفراد قبيلة الجموعية وهو أحد الطيب البشير ولم يلبث أن تبعه خلق كثيرون من بين أفراد الجموعية والكواهلة والحلاويين في الجزيرة([55]) .

    وكان شيخ هذه الطريقة وقت ظهور محمد أحمد هو الشريف محمد نور الدائم الذي كان شيخاً للمهدي ثم أنفصل عنه محمد أحمد واتخذ لنفسه طريقته الخاصة .
                  

02-03-2008, 08:20 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)


    ولعل أحدا لم يحرز نفوذاً في السودان كما أحرزه السيد أحمد بن إدريس الفاسي (1760 – 1837 ) ، وهو أحد كبار المصلحين الذين تأثروا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعمل أتباعه علي نشر طريقته بين المسلمين والوثنيين علي السواء ، ورغم أنه أسس الطريقة الإدريسية التي لا تزال تمارس نشاطها في السودان ومركزها في دنقله ، وهناك فروع لها في عسير تنتمي إلي هذه الطريقة ، إلا أن تأثير أحمد بن إدريس الأكبر جاء عن طريق تلاميذه وهم :

    1- محمد المجذوب الصغير 1796 – 1832 .

    2- محمد عثمان الميرغني 1796 – 1832 ، مؤسس الطريقة الميرغنية أو الختمية في الشمال والشرق ، وهي واسعة الانتشار ، وهي قد سبقت الفتح المصري بقليل ، ومثل هذه الطرق كانت تعطف علي الحكم المصري ، لأنها بحكم تكوينها ووجودها ليست سودانية بالمعني الوطني الحرفي ، بل هي إسلامية لها أتباع وأسانيد وموارد خارج حدود السودان الضيقة ، فالميرغني ولد في الحجاز عام 1793م ، وحين زار السودان لأمور تتعلق بالطريقة في عام 1817 تزوج امرأة من دنقلة ، وكان أبنه الحسن نائبه في السودان وخلفه عام 1853 م عقب وفاته ، وقد ذهب محمد عثمان إلي أن طريقته قد أتت علي كل الطرق الأخرى وأتمتها ولذلك أعلن عليها ( خاتم الطرق ) ومنهما الختمية وهي أكبر منافس للمجذوبية .

    3- محمد بن علي السنوسي المتوفى في عام 1856 م ، ولعله أشهر تلاميذ أحمد ابن إدريس ، وأصله من الجزائر وانتقل إلي الجزيرة العربية واتصل بأحمد بن إدريس ، ثم عاد إلي أفريقيا لينشر طريقته في ليبيا ([56]) .

    وقد كانت هناك طريقة ثانية سودانية صرفة وهي الإسماعيلية التي أسسها إسماعيل بن عبد الله 1793 – 1863 في الأبيض بإذن من الشيخ محمد عثمان الميرغني ، وكان خليفته محمد المكي من أكبر أنصار الخليفة عبد الله وقد انتشرت طريقته في بعض جهات كردفان ([57]) .

    وقد كان للطرق تأثير كبير علي الناس لدرجة لم يكن من السهل عليهم قبول فكرة المهدى والمهدويه ، ولكن ما أن عزز محمد أحمد دعوته بانتصاراته العسكرية المذهلة ، حتى نقل الناس ولاءهم له .

    وكان أول عمل للمهدية هو إلغاء الطرق كلها بعد أن أنكر شيوخها دعوته فضلاً عن أن هذه الطرق كانت تقاسم محمد أحمد الولاء والسلطة ([58]) ومحمد أحمد كان في الأصل تابعاً للطريقة السمانية ، وكان يقول أن أتباع المهدي هم أتباع الني صلي الله عليه وسلم وخلاصة القول ، أن تنظيم الحياة الدينية في السودان ظاهرة واضحة لا تزال تحتفظ بأهميتها حتى الوقت الحاضر ، وكما رأينا فإن كثيراً من الطرق يرجع لأزمنة حديثة نسبياً وبعضها سبق الفتح المصري بقليل إن لم يكن دخل البلاد مع الفتح وعاصر الحكم المصري . ولا ينفرد السودان وحده بهذه الظاهرة التي تميز بها التاريخ الإسلامي في العصور الحديثة ، حيث عمت الطرق الدينية وتعلق بها العامة بل وامتدت إلي بعض الخاصة أيضاً .

    وإلى جانب هذه النزعة ، هناك وجه آخر للحياة الدينية وهي ناحية الفقهاء([59]) .
                  

02-04-2008, 03:57 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)


    القاسم المشترك بين الوهابية والمهدية هو ان كليهما كانتا فتنتان دينيتان مارستا التكفير والعنف ضد من خالفهما الرأي من المسلمين ولم يأت من اي منهما غير الخراب والدمار وإسالة الدماء ..
    لكن ما رأي الوهابية في الاختلاف العقدي بين الدعوتين وفي انكار الوهابية وتضعيفهم لكل الأحاديث التي لم يتمكنوا من فهمها وبين قول محمد أحمد المهدي "حدثني سيد الوجود يقظة بأنني المهدي المنتظر" ولتيسير الأمر نهديهم بعض الصور:






    عمر
                  

02-04-2008, 11:41 AM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)


    الفونج وصلاتهم بالجزيرة العربية :-

    كان طبيعياً أن يصاحب قيام دولة إسلامية فى السودان ([60]) محاولات من القائمين على الحكم فيها لتوثيق علاقاتهم بالدول الإسلامية وخاصة فى النواحي الثقافية والدينية ، لتبدأ حركة علمية تقوم بشرح تفاصيل الدعوة الإسلامية ومبادئها للناس لنهيهم عما يتعارض من عاداتهم ومعتقداتهم مع الإسلام والعقيدة الصحيحة .

    وتتفق المراجع التاريخية ([61]) على أن الحركة العلمية والثقافية التي صاحبت قيام دولة الفونج كان مصدرها مصر والحجاز ، وسوف نقصر حديثنا عن الحجاز فقط كمصدر لهذه الثقافة الدينية وذلك حسب مقتضى البحث .

    فقد كان طبيعياً أن يرنو السلاطين دولة الفونج بأبصارهم إلى الحجاز وتوثيق علاقتهم به فبالإضافة إلى شرف الانتماء إلى آل البيت ، فإن الحج إلى البيت الحرام كان أملاً يراود الملوك والعلماء والتجار والعامة وأيضاً التجارة وسهولة الاتصال مباشرة بالحجاز من سواكن عبر البحر الأحمر ([62]) ، كل هذا بلا شك أسهم في التشجيع على قيام علاقات ثقافية بين السودان والحجاز ، وأثر مباشرة في انتقال الثقافة الحجازية إلى السودان بفضل بعض السودانيين الذين خرجوا من بلادهم إلى الحجاز يطلبون العلم ، وأيضاً بعض المشايخ الذين وفدوا إلى السودان من الحجاز لنشر أفكارهم ومبادئهم .

    ومن العلماء الذين تذكروهم الراويات والذين حضروا من الحجاز إلى السودان السيد " أحمد البيلي " الذي ولد فى مكة ودرس بالحرم المكي ، ثم هاجر للسودان عن طريق جدة ، وعبر البحر الأحمر عن طريق سواكن إلى أن نزل بمدينة " شندي " حوالي 932هـ /1526م ثم سار إلى " مروى " حتى أستقر فى " تنقاس " ([63]) ، وتزوج هناك ويقال أنه نال تكريماً من الملوك([64]) .

    ومن العلماء أيضاً الذين وفدوا إلى السودان من المدينة المنورة الشيخ عيسى بن بشارة الأنصاري ، والذي أسس مدرسة للتعليم بقرية " كترانج " التي تقع على الضفة اليمني للنيل الأزرق على بعد 36 ميلاً جنوب الخرطوم ، وقد أقبل الناس على الشيخ عيسى وأبناءه وأحفاده يتلقون عليهم العلم ، وكان الشيخ عيسى بارعاً فى المذهبين المالكي والشافعي ونابغة فى العلوم المعقولة والمنقولة([65]) .

    ويذخر طبقات " ود ضيف الله " ([66]) بالعديد من العلماء السودانيين الذين ذهبوا إلى الحجاز سواء للحج أو للمجاورة والدراسة والتعليم ، وكذلك من حضر من العلماء والشيوخ إلى السودان لنشر الدعوة الإسلامية والثقافة الدينية .

    ولعل أشهر العلماء الذين قدموا من الحجاز إلى السودان على الإطلاق هو الشيخ " تاج الدين البهاري " ([67]) الذي جاء إلى السودان تلبيةً لدعوة أحد التجار السودانيين المشهورين بتجارة الرقيق والثراء([68]) .

    ويقال أن الشيخ " تاج الدين " أستقر فى أرض الجزيرة بالسودان حوالي سبع سنوات ، تمكن فيها من إدخال الطريقة القادرية الجيلانية وسلك العديد من المريدين ، وقد قام هؤلاء بتسليك غيرهم بعد عودة شيخهم مرة ثانية إلى الحجاز([69]) .

    ومن أشهر من تتلمذ على يده من القائمين على الحكم فى السودان وقتذاك الشيخ عجيب الكبير ([70]) والذي كان له الفضل الكبير فى وضع أسس للحياة الإسلامية الثقافية فى السودان وجعلها تأخذ طابعها العلمي المنظم([71]) .

    ويرى د. حسن إبراهيم حسن أن أثر العلماء والشيوخ الذين حضروا من الحجاز إلى السودان فى عهد الفونج " فى أنهم لم يكتفوا بإنشاء الزوايا فى بلاد الفونج فقط بل عملوا على نشر الإسلام فى مناطق أخرى من السودان حيث مضى بعضهم صوب الغرب حتى بلغوا دار فور .

    ولا شك أنه كان لموقع دار فور الفريد أثر كبير فى تنوع السلالات التي يضمها هذا الإقليم من ناحية ، وتعرضه لمؤثرات ثقافية من ناحية أخرى .

    وقد أمكن تقسيم هذه السلالات إلى خمس مجموعات :

    المجموعة الأولي ـ ومصدرها إقليم تبتي وما يليه من ناحية الغرب إلى أواسط الصحراء الكبرى وهي تضم القرعان والبدايات والزغاوة وهي تمتد بهذا الترتيب من الشمال إلى الجنوب حتى المنحدرات الشمالية لجبال مرة .

    المجموعة الثانية ـ ومصدرها إقليم النوبة وهي الميدوب ومركزهم جبل ميدوب على مسيرة ستة أيام شمال شرقي الفاشر والتنجر وتقع ديارهم إلى الشرق من جبل مرة وقيل أنهم كانوا يحكمون البلاد ثم أغتصبها منهم الغور .

    المجموعة الثالثة ـ وهي التي تأثرت بالهجرات والثقافة النوبية ولكنها لم تتأثر كثيراً بالدماء النوبية وهي تتألف من البرتي Berti ومركزهم جبل (تقابو) على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشمال من الفاشر والداجو ومركزهم جبل داجو 0

    المجموعة الرابعة ـ وهي المجموعة الغربية ومصدرها الأقاليم الجنوبية من ليبيا أو ما كان يعرف باسم السودان الفرنسي الممتد حتى حوض نهر النيجر .

    وتشتمل على عناصر من الفلاتا والميمة والبرتو والتكارنة المراريت وينتشرون بين كبكابية وكلكل .

    المجموعة الخامسة ـ وهي أقدم هذه المجموعات وتضم خمسة قبائل هي القمر ومركزهم يقع على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشمال من كلكل ويليهم تماماً من جهة الغرب والجنوب الغربي الارتجا وهم فى نظر البعض جماعة واحدة ثم المساليط ويقعون بين الغور شرقاً ووادي غرباً ودار تاما شمالاً ودار سولا جنوباً .

    وأخيراً الغور ووطنهم الرئيسي الجبال ومركزهم جبل مرة والأرجح أنهم أقدم هذه العناصر جميعأً ولعل هذا ما يبرر تسمية الإقليم باسمهم([72]) .

    ومن أوائل السودانيين الذين سافروا الحجاز فيما يعرف هو العجمي الذي جاور بمكة ، وسكن فى رباط العباسي ، وانقطع للذكر والعبادة ومات دون أن يتزوج([73]) .



    وأيضاً الشيخ عبد الله دفع الله العركي الذي حج أربعاً وعشرين حجة اثنتي عشرة ذهاباً وإياباً واثنتي عشرة جواراً وأشتهر هناك بالعلم ودرس في مكة وعاد إلى بلاده مرشداً للناس([74]) .

    وهناك فئة كانت تسافر للحجاز طلباً للعلم ([75]) والانتساب لطريق من الطرق الصوفية فالشيخ حمد المجذوب (1693-1776) ذهب إلى هناك ، وأخـذ الطـريقة الشاذلية عن الفقيه " على الداروى " المغربي ، وصار من مريديها في الحجاز ، ثم نشرها بعد عودته بين مريديه من الجعليين وبعض البجة([76]) .

    و" محمد بن عدلان الحوشابي الشايقي " قرأ علم الكلام والمنطق والأصول على الفقيه " عبد الله المغربي " عالم المدينة المنورة ، ثم قدم إلى " تنقاس" من دار الشايقيه ، فقرأ بها القرآن ، وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، وكان عالماً مجدداً([77]) .
                  

02-04-2008, 12:07 PM

صباح حسين طه

تاريخ التسجيل: 08-04-2007
مجموع المشاركات: 1313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)


    في كتاب حوار المشرق والمغرب بين حسن حنفي ومحمد عابد الجابري دعي حنفي للإحتفاء بالثورة الفرنسية لدورها في التنوير في عالمنا العربي
    رد عليه الجابري بمقال عنونه ب(لا ندين إلي الثورة الفرنسية بل الحركة الوهابية)
    جاء فيه أن حركة التنوير عرفتها مصر والشام أما بقية الأقطار العربية الأخري قد عرفت حركات أخري مغايرة تماماًوا، الحركة التي كان لها صدي واسع في جميع أقطار العالم العربي وكان لهاحضور فعلي في كثير منها هي الحركة الوهابية التي قامت قبل الثورة الفرنسية بإثنين وأربعين ستة وأن تأثيرها في العالم العربي كان يضاهي تأثير الثورة الفرنسية في الأقطار الأوروبية وظهرت إمتدادات لها كحركة الإمام الشوكاني في اليمن والحركة الوهابية في المغرب والسنوسية في ليبيا والمهدية في السودان
    .
                  

02-07-2008, 11:51 AM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)


    المنفذ الشرقي " الحجاز وعسير"

    لم يكن المسلمون فى السودان حكام ورعية قد سمعوا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فور إعلانها رسمياً فى نجد ، وأثناء توحيدها فى قلب شبه الجزيرة العربية على يد أنصار الدعوة ودور آل سعود ، فمن الطبيعي أن يكونوا قد سمعوا بها وتساءلوا عن حقيقتها بعد الحرب الدعائية ([84]) الضخمة التي قام بها الأشراف فى الحجاز .

    وترقبوا بين مادح وقادح للدعوة نهاية الصراع الحربي بين الأشراف فى الحجاز وأنصار الدعوة فى نجد والذي أستمر من سنة 1205هـ إلى سنة 1213هـ لمنع سيطرة الدعوة على الحرمين وانتشارها هناك ، وكان طبيعياً أن يزداد التأييد والقبول أو الرفض والمعارضة من بعض السودانيين لأفكار ومبادئ الدعوة بعد سيطرتها نهائياً على الحجاز([85]) .

    وبسيطرة الدعوة نهائياً سياسياً ودينياً على الحجاز والمناطق المواجهة([86]) لشرق السودان على البحر الأحمر منذ أوائل القرن التاسع عشر الميلادي ، كان من السهولة انتقال الأفكار والمبادئ السلفية عبر البحر الأحمر إلى منطقة شرق السودان وخاصة أنه لم يكن هناك شئ يمنع ذلك فى تلك المناطق البعيدة عن الحكومات المركزية .

    كان الحجاز ومنطقة عسير أكثر مناطق شبه الجزيرة العربية اتصالاً بالسودان بحكم سهولة الاتصال وقرب المسافة ، والإقليم الإداري الواحد ([87]) لذلك وجد أنصار الدعوة المتحمسين الفرصة أمامهم بعد سيطرتهم على الحجاز ـالمنفذ الطبيعي لبث ونشر الدعوة إلى أقطار العالم الإسلامي ـ وجدوا الفرصة لنشر مبادئهم ودعوتهم إلى السودان .

    وقد تحولت المهدية من دعوة تدعو إلى تطهير المجتمع من مفاسده وتنادى بإصلاح الملة والعمل بالقرآن الكريم والسنة إلى دولة إسلامية قوية تقوم سلطاتها على أسس ثلاثة :

    أولاً : القيادة العليا ، وكانت تتمركز فى شخص محمد أحمد ذاته والخلفاء الثلاثة عبد الله بن محمد وعلى بن محمد حلو ومحمد شريف ، بالإضافة إلى كبار قواد المهدية أمثال عبد الرحمن النجومي وعثمان دقنة ومحمد الخير
    عبد الله خوجلي وحمدان أبو عنجة وغيرهم هذا فضلاً عن الأشراف أقارب المهدي .

    ثانياً : النظام المالي الذي استحدثته المهدية وأمكنها بواسطته تصريف الشئون المالية والاقتصادية للدولة .

    ثالثاً : النظام القضائي الذي كان مسئولاً عن الفصل فى المنازعات وإصدار الأحكام([88]) .
                  

02-09-2008, 09:54 AM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)


    القيادة العليا :

    كانت أول وظيفة فى المهدية هي وظيفة نائب المهدي ،ولقد ظهرت هذه الوظيفة فى جزيرة (آبا) وكان الذي يتولاها يقوم بالأعمال المدنية والعسكرية معاً ، وقد ظهرت بعد حلول المهدي بقدير وظيفة الخليفة التي حلت محل نائب المهدي([89]) ولو أن البعض يرى أن هذه الوظيفة ظهرت قبل أن يخرج المهدي من جزيرة آبا([90]) .

    وكان لفظ الخليفة يطلق على كل أعوان المهدي الذين يقومون بالإدارة العسكرية والمدنية بصرف النظر عن مكانتهم والأدوار التي يقومون بها ، ثم جاء تحول كبير ، إذ أجرى المهدي أول تعديل فى أنظمة الدولة ، ومقتضى هذا التعديل أقتصر استعمال لفظ الخليفة على قادة الرايات مثل عبد الله وعلى حلو وشريف ، وأبطل استعماله على غيرهم ، واستخدم بعد ذلك لفظ " الأمير " بدل الخليفة للدلالة على باقي القواد ، وكان المقصود من لفظ " الخليفة " فى التنظيمات الجديدة هو قيادة الراية وكان المهدي هو رأس هذا التنظيم والقائد الأعلى للجيش ، ويليه فى المكانة والقوة شقيقه محمد عبد الله الذي تولى القيادة العامة وكان الخلفاء " قادة الرايات " مسئولين أمامه([91]) .

    ومن أشهر هذه الرايات : الراية الزرقاء ([92]) وكان يقودها الخليفة عبد الله والراية الخضراء ويقودها الخليفة على محمد حلو والراية الحمراء ويقودها الخليفة محمد شريف وكانت الراية الزرقاء تتألف من البقارة أهل الغرب ،وقد تزايد عددها باستمرار وخاصة بعد الهجرة من آبا إلى قدير حتى بانت أكثر الرايات عدداً .



    أما الراية الخضراء فكانت تتألف من قبيلتي دغيم وكنانة ، وهم من البقارة النازلين بالجزيرة .

    وأخيراً كانت هناك الراية الحمراء وتتألف من الأشراف والأنصار الذين ينتمون إلى القبائل التي تعيش على النيل أو بالقرب منه .

    وكانت هناك أيضاً راية بيضاء هي راية المهدي نفسه وكان يقودها شقيقه محمد عبد الله وكانت بمثابة راية القيادة ، ورغم أن القوات التي كانت تنضوي تحت لواء هذه الراية قد أدمجت فيما بعد فى قوات الخليفة شريف ، إلا أن الراية ذاتها بقيت إلى أواخر عهد المهدية .

    ويقال أنه كانت هناك راية صفراء كان المنة إسماعيل يرفعها إلى أن سقطت الأبيض ، ثم عرضت على السيد محمد المهدي السنوسى ، ثم طمسها النسيان بعد خلاف المنة مع المهدي ، وبعد ذلك أضيفت قوات هذه الراية إلى الراية الزرقاء والتي يقودها محمد عبد الله .

    وينبغي أن نشير هنا إلى تطور كبير حدث فى التنظيم الحكومي فى عهد المهدي عقب سقوط الأبيض الذي قتل فيه محمد عبد الله شقيق المهدي ، كما قتل أيضاً كبار مستشاريه ، وبذلك خلا الجو لعبد الله ، ولم يعد الناس يذكرونهم إلا قليلاً ، مع أن مركزهم فى الواقع كان أعلى من مركز الخليفة عبد الله وبقية الخلفاء حتى هذه الواقعة([93]) .

    ومما يلفت النظر أن مكانة الخلفاء الثلاثة قد ارتقت من حيث المراتب ، وهذا التطور حدث بعد سقوط الأبيض ، أما قبل ذلك ، فرغم أن المهدي عنى بإيجاد نظام المراتب فى المهدية فإنه لم يخطط لها نظاماً تفصيلياً ، واكتفى بوضع الحد الأدنى لهذه المراتب ، فقال أن أدنى اتباعه له مرتبة .

    وكان يلي الأمراء فى المرتبة العسكرية ضباط يحملون لقب " مقدم "([94]) وقد استبدله المهدي فيما بعد بلقب " نقيب " .

    ويقول (هولت) أنه يبدو أن لفظ " نقيب " لم يلق قبولاً ، وأستدل على ذلك بأن المنشورات كانت ترسل فى عهد الخليفة باسم " العملاء والمقاديم ([95]) هذا بالرغم من أنه توجد منشورات كثيرة صادرة عن الخليفة وموجهة إلى العملاء والنقباء .

    وقد أشار (شقير) إلى أن المهدي أقام مجلساً للشورى يتألف من سبعة أمناء برئاسة أحد الأشراف للفصل فى المسائل الإدارية عقب سقوط الخرطوم ، كانت قراراتهم تحمل ختم المهدي بعد موافقة الخليفة عليها([96]) .

    وليس هناك سوى أربع وثائق تحمل قرارات هذا المجلس فى تظلمات تقدم بها بعض سكان الخرطوم مما نزل بهم ، ويرى (هولت) أن الشهور الستة ما بين سقوط الخرطوم ووفاة المهدي ، كانت بلا شك كافية للبت فى هذه المطالب والتظلمات([97]) .
                  

02-13-2008, 11:53 AM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)




    النظام المالي :

    يعد النظام المالي هو الأساس الثاني الذي قامت عليه الدعوة المهدية ، وقد نشأت الحاجة إلى وضع نظام مالي بسبب الغنائم الوفيرة من أسلحة وذخائر ودواب وأموال وسلع ورقيق التي وقعت فى أيدي المهدية ، وقد حاول المهدي أن يبين حكم الشرع أن الغنيمة هي ملك للجماعة الإسلامية توزع عليها حسب حاجتها وليست ملكاً للأفراد .

    وبعد سقوط الأبيض بدأ من الواضح ضرورة وضع أساس لجهاز يدير الشئون المالية للدولة ، وهو الذي أطلق عليه " بيت المال " وهو نفس الاسم الذي كان يطلق على الإدارة المالية فى العهود الإسلامية ، ويبدو أن أحمد سليمان وهو من قبيلة المحس ومن أقرب المقربين للمهدي كان يتولى شئون بيت المال هذا ، قبل أن يعلن المهدي توليته لهذا المنصب رسمياً فى جمادى الثانية 1300هـ ( إبريل ـ مايو 1883) ([98]) وبعد انتصار شيكان ، وضع المهدي أساساً لتوزيع الغنائم طبقاً للشريعة الإسلامية ، فكان يناله شخصياً بوصفه قائداً للجماعة خمس الغنائم ، ويوزع الباقي على هذه الجماعة أي يذهب إلى بيت المال(98) .

    ويبدو أن المحاربين كان يخفون الغنائم ولا يقدمون عنها بياناً ([99]) ورغم تحذير المهدي من إخفاء الغنيمة ، فقد استمروا يخفونها بعد وفاته وتوليه الخليفة بدليل المنشورات الكثيرة التي أصدرها الخليفة يحذرهم من ذلك .

    ثم فرضت ضريبة العشر وهي الزكاة على الماشية والغلال ، وقد طلب المهدي من الأصحاب والخلفاء بصفة خاصة أن يعاونوا عبد الله فى جمع الغنائم والزكاة من أجل بيت المال ([100]) وقد أطلق على هذه العملية "خدمة حقوق الله " .

                  

03-09-2008, 06:29 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)


    النظام القضائي :

    أخذت المهدية باعتبارها قائمة على دعوة دينية سلفية وعلى اعتبار أيضاً أن المهدي يقتدي أثر رسول الله صلي الله عليه وسلم ببعض النظم والوظائف القضائية التي عرفت في الدولة الإسلامية الأولي ، وكان على رأس تلك الوظائف وظيفة " قاضى الإسلام " فبالرغم من أن المهدي كان القاضي الأعلى في دولته مثلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، إلا أنه أسند منصب " قاضي القضاة " أو قاضى الإسلام إلى الشيخ أحمـد ودجباره([101])، وجعل دونه قضاة ونوابا كثيرين([102]) .

    فانتشرت بذلك المحاكم الشرعية فى أقاليم المهدية المختلفة ، وكان القاضي يأتي بالدرجة الأولي من حيث المرتبة بعد أمير الإقليم مباشرة ويتبعه إداريا ، لأن المهدي كان يرى أنه ليس هناك حداً فاصلاً بين الدين والدولة متأسياً بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى حكومتها الإسلامية ، حيث يقول أحمد جمعة ([103]) ولم يكن حكام الأقاليم يشرفون على كل الأمور بمفردهم بل كان إلى جانبهم بعض الموظفين مثل قضاة الشرع الذين كانوا يقومون بإصدار الفتاوى فى الأحكام الشرعية ، ويفصلون فى الخصومات التي تقع بين الناس ويشرفون على تنفيذ أحكام الدين فى الأقاليم .

    وكان أيضاً قضاة المهدية ([104]) فى الأقاليم مستقلين فى أحكامهم ، ويحكمون فى المسائل الشرعية الأهلية وينظرون أيضاً الدعاوى البسيطة التي لا تستلزم وقتاً طويلاً وكانت الدعاوى الكبيرة أو الشائكة ترفع إلى قاضى الإسلام فى أم درمان .

    ورغم أن فترة حكم الخليفة عبد الله شهدت تداخلاً واضحاً فى شئون القضاء ، إلا أن مصادر أحكام المهدية ([105]) كانت قائمة على الشرع وتستند إلى الكتاب والسنة ، واجتهادات المهدي ، فنفذت الحدود الشرعية ، فرجمت الزاني والزانية ، وجلدت شارب الخمر ، وقطعت يد السارق([106]) .

    وفى النهاية يمكن القول أن أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فى دعوة المهدي الإسلامية والتي لاحظنا أن المهدي التزم فيها تماما بالعودة إلى " مجتمع " السلف ونظمه وتشريعاته ظهر واضحاً ، وظهر المهدي بما أقدم عليه من نظام إسلامي للحكم متأسياً بما نفذته دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى قلب شبه الجزيرة العربية .



                  

03-09-2008, 09:16 PM

محمد حسن العمدة

تاريخ التسجيل: 03-31-2004
مجموع المشاركات: 14086

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثورة المهدية وتأثرها بالدعوة السلفية .. الإمام محمد أحمد وتأثره بالإمام محمد بن عبد الوها (Re: Frankly)

    Quote: أما " الشريعة " أو الجانب العملي وموقف محمد أحمد من المذاهب والمدارس الفقهية المختلفة ، ففي تراثه وسيرته ما يؤكد عمق العلاقة بينه وبين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ، وخاصة ما أقدم عليه من ممارسات سلفية ، وظهرت بقوة دعوة الشيخ السلفية واضحة جلية فيما دعا إليه المهدي من فتح باب الاجتهاد ، واتفقت الوجه السلفية في دعوته للاجتهاد مع ما دعا إلي الشيخ محمد عبد الوهاب لنفس الهدف .

    فقد أمر محمد أحمد أنصاره بالرجوع إلي الكتب العلمية رغم حفاوته بالقرآن الكريم الذي أصدر أمراً عاماً بتدريسه إجبارياً متأسياً بالشيخ محمد بن عبد الوهاب .



    Quote: وفى النهاية يمكن القول أن أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فى دعوة المهدي الإسلامية والتي لاحظنا أن المهدي التزم فيها تماما بالعودة إلى " مجتمع " السلف ونظمه وتشريعاته ظهر واضحاً ، وظهر المهدي بما أقدم عليه من نظام إسلامي للحكم متأسياً بما نفذته دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى قلب شبه الجزيرة العربية .


    !!!!!!!!!!!!!!!!!!!



    قال الإمام المهدي عليه السلام لشيوخ الدكتور جعفر : " لا تدلوا لي بفنونكم وعلومكم على المتقدمين وإنما لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال " .

    و قوله ما جاء من الكتاب على رؤوسنا وما جاء من السنة على اعناقنا وما جاء من الائمة والتابعين فهم رجال ونحن رجال وسنجتهد كما اجتهدوا وصلوا ووصلوا فجزاهم الله عنا كل خير
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de