في حضرة القاص والأديب السوداني/ عثمان الحوري

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 06:38 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-04-2008, 03:44 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في حضرة القاص والأديب السوداني/ عثمان الحوري

    ولد عثمان في قرية (جاد الله) غرب بربرعام 1945م وتلقى تعليمة الأولي ببربر ثم انتقل إلى بورتسودان ليدرس في المرحلة الثانوية، وفي تلك الفترة ظهرت موهبته الادبية، ويقول عنه أستاذه التجاني مصطفي المكي، أنه كان ألمع تلاميذة، و أجاد عثمان اللغة الانجليزية إجادة تامة، تحدثا و فهما، قراءة وكتابة (يستطيع ان يحلم بها !!) ....

    نشر أول قصة قصيرة له عام 1960م في مجلة الاذاعة و التلفزيون، إلا أنه ذكر لي بأن أول قصة قصيرة كتبها كانت بعنوان: (السلطان كوكو) وهو لا يتذكر إذا كانت نشرت أم لا!!

    التحق أديبنا بجامعة الخرطوم لدراسة القانون إلا أنه لم يكمل المشوار - على حد تعبيره - ثم عاد إلى بربر للعمل في المدارس المتوسطة ثم انتقل الي بورتسودان... التي عاش فيها أجمل أيام حياته كما يبدو فقد كتب هناك أروع قصصه، ثم عاد عثمان إلى بربر في نهاية السبعينات.

    عبر السنوات، كان أديبنا يراسل الصحف من مقره في بربر، وبخاصة صحيفة الأيام، وبلغت قصصه المنشورة حوالي المائة قصة باللغتين العربية والانجليزية إلى أن توقف عن النشر عام 1987م تقريباً...

    وحياة عثمان الحوري نفسها قصة، كما قال جمال عبدالملك (ابن خلدون)، فحياته هي مزيج من حياة تولوز لوتريك وفان خوخ و كافكا، أما سلوكه الشخصي، فلا يختلف كثيراً عن شخصياته القصصية، فهو (عبدالرازق سكر) نفسه في قصة (مطر القنب) و هو (صالح جبران) أيضاً في قصة (صالح جبران). إن عثماناً هو إدريس جماع القصة القصيرة في السودان، و ما لا يعرفه أحد، أن عثمان قضى فترة ما من حياته في (ضيافة) أحد الشيوخ الدينيين المشهورين بمدينة بربر!

    أما أبطال قصصه، فهم شخصيات من لحم و دم وأنا أعرف بعضهم معرفة شخصية، وعثمان نفسه، كان يذكر بعضهم أحياناً في قصصه بأسمائهم الحقيقية!!

    قرأ عثمان الأدب الإنجليزي في لغته الأصلية وأتاحت له معرفته العميقة باللغة الانجليزية التعرف على كل الآداب المترجمة إلى تلك اللغة، فقرأ بيكيت ومارسيل بروست وتشيكوف و كامو وسارتر وغيرهم، إضافة إلى جورج أوريل ولورنس ديوريل وجراهام جرين وسومرست موم وإدجار ألن بو...
    عادل بدوي السنوسي
    نقلا من منتديات شبكة بربر
                  

01-04-2008, 03:46 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في حضرة القاص والأديب السوداني/ عثمان الحوري (Re: khalid kamtoor)

    خواطر حول : قصة الذاكرة
    طارق محي الدين*


    2005-01-26

    (عثمان الحوري) أحد رواد القصة القصيرة في السودان، يتميَّز ببراعة الأسلوب الذي يعتمد علي الغوص في أعماق الحدث .. هو أحد أعضاء" رابطة أدباء جامعة الخرطوم" . بدأ الكتابة إبَّان العهد العسكري الأول ـ انقلاب 17نوفمبر ـ .. ينتهج الواقعية في الأسلوب القصصي، ويميل إلى عكس تفاصيل حياة المجتمع السوداني، كما أنه لم يتأثر بلوثة المذاهب المضطربة التي انجذب إليها كثير من الأدباء السودانيين في بواكير القصة القصيرة في السودان، مثل الوجودية .. وله آراء نقدية حادة حول أصول بعض هذه المدارس مثل " مدرسة الغابة والصحراء". من انتاجه :

    - قصة " المخزن" 4/10/1963م .

    - قصة " الثلج" 12/6/2001م .

    - قصة" الليل في أم عشر" 9/7/ 2002م .

    وفي القصة التي نتناولها بالتأمل "الذاكرة "، بدأ الأستاذ الحوري بعرض زماني مجرد : " لقد كان الوقت في شهر يناير، شهر الطقس الجميل، وينام الناس داخل الغرف" وكذلك عرض للمكان :"المستشفى يقع في الصحراء شرق السكة حديد و محطة الكهرباء .. " .. وتخلو توصيفات الزمان والمكان في هذه القصة من الشاعرية و الرومانسية الحالمة، ولعلها فيما أرى صفة يمتاز بها القاص الحوري في كثير من قصصه، ولعلها سرُّ جاذبيتها .. و في هذا الاتجاه الواقعي الذي يعتبر الحوري من رواده تكون القصة، " منتزعة من الواقع مباشرة، وقد لا يلعب الخيال فيها دوراً رئيساً .. فلا تخضع للترتيب والاختيار و التقديم و التأخير و الحذف .. وهي تهتم بوصف الجو، ويكوِّن القاص خبراته من خلال احتكاكه بالبيئة التي يصورها، وتظهر براعة القاص في المقدرة على التصوير، ونقل الصورة نقلاً فوتغرافياً تختفي فيه الحركة ويسير الإيقاع على وتيرة واحدة من بداية القصة إلى نهايتها" (1) وهذا بالضبط ما حدث في قصتنا .

    أخفى الكاتب زمان الأحداث ومكانها واكتفى بالرمز إلى القرية التي ينتمي إليها المرحوم محمد بشير حامد ـ البطل الحقيقي ـ بالحرف (م)، بالرغم من ذكره اسم البطل بالكامل، وقد يكون مستعاراً .. " في وقت الأصيل جلس يقرأ بضعة أسطر من كتاب (هنري بيرجون- ميكانيزم التذكر) . وطبيعة عمل الذاكرة في الدماغ البشري، هل يستطيع الدماغ البشري تخزين المعلومات كما تسجل على أشرطة التسجيل البلاستيكية وكما تسجل الحقائق و الأرقام على شرائح السليكون ؟ بالإضافة إلى أن الدماغ مع ذلك يسجل العواطف الملتهبة، ويفرق بين المفرح والمحزن منها، كما يحتفظ ويفرز بين الألوان والطعوم وذلك ما لا تستطيعه الشرائح و الأشرطة ".

    أخذ القاص هذه الحقيقة و أسقطها على الحدث الذي مر به في المستشفى وهو دخول الصبي "محمد بشير" مريضاً، ومعه أسرته، فقدم وصفاً متناهي البراعة للحدث وما اعتلج فيه من مشاعر: " قبل غروب الشمس جاء التمرجية – الممرضون- يقودون صبياً مريضاً وتتبعهم عائلة الصبي ؛ الأب والأم والأقارب، وضعوا المريض على سرير والتفوا حوله وهو يتقيَّأ في إناء أعدَّه التمرجية .."وكذلك وصفه للأم :"تصورت أنها من شدة انكبابها على صبيها المريض؛تودُّ أن تبتلعه وتعيده إلى رحمها كما كان قبل ميلاده " .. ولابد أن يكون المتلقي قد مرَّ به هذا الموقف في حياته فيحمله القاص على التفاعل مع الحدث و تداعياته فيعيش القصة بكيانه، وهذا من مظاهر العبقرية .

    توفي الصبي، و الراوي نائم، بعد أن شعر أن شعر بتحسن في أوصاله، ولعله من ثقل المرض البارحة، ولعل هذا التحسن جرَّاء الكي بالنار، الذي أثار الطبيب و أحدث ضجة، وحاول الكاتب أن يؤكد إيمان الطبيب بالدواء البلدي، مبرراً ثورته بأن ممارسة الطب البلدي ممنوعة في المستشفى، و لكن كل منهما: الطبيب والمعالج البلدي ينظر للآخر بعين الريبة، و إذا ترك كل منهما ساحة القوقعة التي هو فيها سيلتقون في منتصف الطريق، و سيكون ذلك مفيداً .. حينما صحا الكاتب من نومه لم يجد الصبي الذي لم يره جيداً ليلة البارحة و حينما عرف الحقيقة :" أصابني وجوم دخيل وغامض " .. و حين حاول استرداد صورته ولم يستطع . وهنا عقدة القصة .. وكان ذلك قمة الإحباط :" ولكن كيف يكون حالنا عندما ندخل معرضاً للصور الزيتية ونجد مكاناً شاغراً على حائط المعرض مكتوباً عليه؛ هذا مكان لوحة الموناليزا التي سرقها اللصوص ليلة أمس !!" وسر تألم الكاتب أن الصبي مات ولم يترك حتي صورة في ذهنه :" مات الصبي محمد بشير وترك لنا جوَّاً من الحزن ولكنه لم يترك لنا صورة مع بطاقته ". ويظهر جليِّاً الألم الذي عصف بالكاتب ولم يتمكن معه من رسم صورة للصبي- الذي ظن أنه سيجده معافىً في صباح الغد- فودَّ لو أن أهل الصبي أيقظوه ليرى صورته؛ " لكي أنظر في وجه الصبي المتوفى أو أحفظ صورته " .. تلك الصورة التي أصبحت بؤرة قاتمة في ذهن الكاتب :" عبثاً بحثت في تلافيف دماغي، عن صورةٍ للصبي المتوفى، وفي صميم العقل توجد بؤرة مظلمة هي صورة الصبي المتوفى الضائعة ".

    لعل هناك شعوراً خفياً بالذنب أو الندم لكونه نام دون معرفة أو مشاهدة الوفاة، وتبدى ذلك في سعيه للوصول لأسرة الصبي للعزاء .

    وتصل القصة إلى ذروتها حينما وصل إلى قرية الصبي المتوفى، حيث بدأت تجيش في نفسه كل تلك العواطف المترسبة في أعماقه، و تجول ذكريات شجية دفينة، وتتراءى أمامه صورة هلامية للصبي و أمه، وكل ذلك ليعرف محمد بشير ويرسم له صورة ولو تقريبية، و يزيل تلك البقع المظلمة في دماغه، وفتح له الباب صبي هو أخو المرحوم .. عندها بدأ في تجميع الصورة، ثم كان دخول الأم لتقبل العزاء .. فاكتملت الصورة التي فجرت في أعماقه كل تلك الأحزان الدفينة :" في تلك اللحظات أضاءت البؤرة المظلمة التي كانت تهيمن على دماغي، أضاءت بملامح مأخوذة من الأخ الأصغر، أحمد، و الوالد، و الوالدة، استطعت بمجهود عقلاني تجميع صورة الصبي الراحل محمد بشير، وهاهي ماثلة أمام بصيرتي الداخلية و ذاكرتي" .. وهذا مالا تستطيعه الأشرطة البلاستيكية وشرائح السليكون .. هكذا – وبسرد قصصي منتزع من الواقع، و ربما التجربة الشحصية الحقيقية – استطاع الحوري أن يترجم الفكرة العلمية التي وردت في كتاب هنري بيرجون حول كيفية التذكر، و في الوقت ذاته يصور الفرق الواضح و التمييز البيِّن بين صنع الله " الدماغ البشري"، وصنع الإنسان – مهما تقدمت التكنولوجيا –.. فسبحان من خلق فأبدع !!.

    شكراً للأستاذ الحوري لاحتباس أنفاسي و تغييبي عن من حولي و أنا ألتهم الكلمات و السطور مخافة أن يفلت مني حرف، إلى أن أعلن محصل الحافلة (الكمساري) عن وصولي لمحطتي .

    ----------

    (1) ـ انظر (القصة القصيرة في السودان) لمختار عجوبة.

    نقلاً عن (المشكاة) http://meshkat.net/new/contents.php?catid=6&artid=6666[/B]
                  

01-04-2008, 03:48 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في حضرة القاص والأديب السوداني/ عثمان الحوري (Re: khalid kamtoor)

    المرحلة الثانية... مرحلة النضج في القصة القصيرة:

    هي مرحلة تمتد من منتصف الأربعينات وحتى نهاية الستينات- وهي مرحلة شهدت تحولات كبيرة في السودان، أهمها تكوين الأحزاب السياسية والاستقلال، ثم دخول تيارات فكرية حديثة مثل الواقعية الاشتراكية والوجودية وارتفاع حركة الوعي الفكري والثقافي والأدبي. ثم ارتفاع مد حركة التحرر الوطني – عربياً وافريقياً- وهذه المرحلة شهدت أيضاً سقوط الحكم العسكري الاول- ثم هزيمة أهداف ثورة 21 اكتوبر 1964م – ونكسة يونيو 1967م وهزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل.

    كل هذا كانت له تجليات في حياتنا الثقافية حيث ظهرت مدرسة "الغابة والصحراء" ومدرسة الخرطوم في التشكيل. ولابد هنا من الإشارة إلى صدور مجلة القصة التي كان يرأس تحريرها الراحل القاص "عثمان علي نور" وما أحدثته هذه المجلة من اثر في التعريف بالقصة السودانية، وهذه المرحلة بامتدادها الطويل هذا (15سنة) لها رموز كثيرة في كتابة القصة منهم (الزبير علي، خوجلي شكر الله، عثمان علي نور، صلاح احمد إبراهيم، علي المك، الطيب زروق، بشير الطيب، ابو بكر خالد، الطيب صالح، ملكة الدار محمد، عبد الله حامد الأمين، محمد سعيد معروف، عثمان أحمدون، خليل عبد الله، عثمان الحوري، مختار عجوبة، احمد محمد الأمين، عثمان الحوري، محمود محمد مدني، كمال شانتير، مصطفى مبارك، حسن الطاهر زروق، سيد احمد الحاردلو وعبد الله علي ابراهيم وغيرهم) وعن أهم "الثيمات" الكتابية لهذه المرحلة يقول الناقد، "مصطفى محمد احمد الصاوي" (وتحولت الثيمات، والأماكن، وهموم القصة، فكان السرد التسجيلي، والشخصيات الهامشية في الحواري والأزقة، والساقطات، هذه الفترة مهدت أدبياً للفترة التي تليها وأسهمت بإنجازات شكلت علامة بارزة وفارقة في تاريخ القصة السودانية القصيرة) (6) .. وظهور كتّاب تأثروا بالواقعية الاشتراكية والاهتمام بقيم مثل العدالة والحرية والكتابة عن المستضعفين. (صلاح احمد إبراهيم، علي المك، عبد الله علي ابراهيم). ومع ظهور الفلسفة الوجودية، انعكس ذلك في بعض كتابات هذه المرحلة كما أشار لذلك الأستاذ الروائي والقاص "ابراهيم اسحق" (في الستينات ظهرت مدرسة جديدة هي المدرسة الوجودية، وكان أبطالها عثمان الحوري ومصطفى مبارك وعيسى الحلو، وعبد المنعم أرباب- هؤلاء بذلوا جهداً لتثبيت أقدامهم إلى جانب الرعيل الأول من كتاب الواقعية مثل أبي بكر خالد، الزبير علي، خوجلي شكر الله، الطيب زروق، ملكة الدار محمد، الطيب صالح، وجمال عبد الملك ابن خلدون) (7).. وظهرت كذلك في أواخر هذه المرحلة (نهاية الستينات) ما اسماه الأستاذ "ابراهيم اسحق" "تيار اللاقصة" حيث يتم تجاوز الهيكل التقليدي لدراما القصة والاعتماد على (الإغراق في وصف لحظة أو لحظات معينة في وعي الشخصية، وعرضها كمشكلة أساسية أو كمنظور رئيسي للإنسان، من ناحيته الاجتماعية والإنسانية.. من الذين تناولوا هذا الفن محمود محمد مدني ومحجوب الشعراني ولحد ما عيسى الحلو .. كانت القصة ترتكز على هذا التبحر في اللحظة ومحاولة استقصاء كل الاحتمالات التي يمكن ان تظهر في هذا الوقت والمكان المحدودين، هذه المدرسة استطاعت ان تجذب عدداً من المجربين، فظهر إلى جانب محمو الشعراني ومحمود محمد مدني وعيسى الحلو ظهر احمد المصطفى وسامي سالم والفقيد سامي يوسف ويوسف ادم أبكر) (8).. ورغم النجاحات التي تحقت لهم، لكنننا نوافق الاستاذ "ابراهيم اسحق"، بان هؤلاء الكتّاب اخذوا شكل "اللاقصة" مأخذاً حماسياً، أكثر مما يجب"..

    مرحلة السبعينات:
    من أهم الكتاب للجيل السبعيني او لهذه الفترة (نبيل غالي، أحمد الفضل احمد، مبارك الصادق، محمد الفكي عبد الرحمن، محمد المهدي بشرى، ابراهيم اسحق، حسن ابو كدوك، عبد السلام حسن عبد السلام، حسن الجزولي، يوسف العطا، سعد الدين إبرهيم، محمد عثمان عبد النبي، بشار الكتبي، الفاتح ميكا، عبد العظيم عبد القادر، بشرى الفاضل، عبد القادر محمد إبراهيم، محمد محي الدين، وغيرهم).. بعض كتاب هذه المرحلة صدرت لهم مجموعات قصصية، محمد محي الدين صدرت لها مجموعة (حكاية البنت التي طارت عصافيرها)، ويوسف العطا صدرت له مجموعة قصصية، واحمد الفضل احمد، صدرت له مجموعة (رجل شفاف) ومجموعة (محطة الأبواب)..
    ما الذي ميز هذا الجيل القصصي السبعيني؟؟ من الإجابات المهمة لهذا السؤال إجابة الناقد "مصطفى محمد احمد الصاوي" (ما يميز هذا الجيل السبعيني النزوع إلى التمرد، فهذا الجيل كانت له طموحات فنية جديدة، وحتى روح التواصل بي الأجيال انتفت عندهم عندما صرح احد رموزهم "نحن جيل بلا أساتذة" وحاولوا تجاوز الإبداع الستيني بعد ان وصفوه بالعجز والتآكل) (9).. ونرى ان هذا الجيل له بعض الحق في هذا التمرد بعد ان انهارت أحلامه محلياً بممارسات النظام المايوي من قمع وسيادة الفكر الواحد والرأي الواحد، وقومياً مع إحساس الخيبة والهزيمة بعد نكسة يونيو 1967م وانهيار المشروع القومي العربي وافرازات معاهدة (كامب ديفيد) نشير إلى ان هذا الجيل استفاد من فرص النشر في الملاحق الثقافية الصحفية (الأيام والصحافة) وكذلك مجلة الثقافة السودانية والخرطوم . وقد حاول كل واحد من رموز هذا الجيل الاتجاه نحو نمط إبداعي جديد.

    أحمد الفضل مثلاً اهتم بالحفر والتنقيب في التراث وفي كتب التاريخ (نعوم شقير، مكي شبيكة) واهتم كذلك بالأسطورة السودانية في طبقات ود ضيف الله، وحتى في الشكل حاول الخروج على الإشكال التقليدية فمازج بين الواقع والخيال، وابتكر لغة يمكن ان نسيمها (هجين) بين العامية والعربية فظهرت له اعمال كثيرة لافتة مثل "رجل شفاف" و"حالة انعدام وزن" و"الركف" و"مسافات الحلم والمنفى".

    و"بشرى الفاضل" اهتم بجاذبية اللغة وسحر "الفنتازيا" و"مبارك الصادق" ظهرت في معظم اعماله الاولى الاهتمام بالمكان ومظاهر الطبيعة، ومحمد المهدي بشرى اهتم بالكتابة الواقعية، وفضح الظواهر السالبة في المجتمع ومحمد الفكي عبد الرحيم اهتم برصد ومتابعة التحولات التي تحدث في القرية وركز كذلك على اختيار العناوين التي تلفت نظر القارئ مثل (حواء شبنقو- وحمد ابزيط).

    هناك ملاحظة مهمة اشار اليها ايضاً الأستاذ (مصطفى الصاوي) وهي ان هذا الجيل لم تجمعه مدرسة فكرية واحدة مثل مدرسة (الغابة والصحراء في الشعر مثلاً. او مدرسة الخرطوم في التشكيل، وإنما كانت هناك روابط ثقافية مثل "رابطة الجزيرة للآداب والفنون" و"رابطة سنار الأدبية" و"رابطة نهر عطبرة" إضافة لبعض المنتديات الأدبية في الجامعات والأحياء، وكانت هذه الروابط والمنتديات تنظم عملها، وفي داخلها تحمل الاتجاهات والتجارب الإبداعية المختلفة.

    ملاحظة أخيرة حول جيل السبعينات وهي اتجاهه نحو استلهام التراث الشعبي، والنزعة الإنسانية في اغلب النصوص. وهناك خاصية اسلوبية تمثلت في الاهتمام باللغة الشعرية والاهتمام بالكتابة الرمزية لحد ما مثل ما هي عند بشرى الفاضل وحسن الجزولي وعبد السلام حسن عبد السلام.
    نقلاً عن صحيفة (الأيام) بدون تاريخ
    http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147506670[/B]
                  

01-04-2008, 03:51 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالة للأستاذ/ عثمان الحوري (Re: khalid kamtoor)

    علم السودان يرفرف على كنتين الفور
    عثمان الحوري

    في كل مدن السودان النيلي الاوسط يرفرف علم كنتين الفور أو دكان الفور،صار دكان الفور ظاهرة صحية من علامات الأحياء الشعبية في مدن السودان الوسطى وفي بورتسودان وكسلا والقضارف.
    لقد احتل أبناء دارفور مكانة مرموقة في التجارة العليا والوسطى والصغيرة. وهذه المكانة لا تثير تساؤلاً أو استنكاراً.. بل هى مدعاة للإعجاب والإكبار ، ودكاكين الفور المشار اليها في أحياء المدن النيلية الوسطى لا يملكها دائماً أبناء قبيلة الفور ، ولكن لأن اسم الفور اسم تاريخي ظاهر وبارز، فلقد صار الأسم يشمل دكاكين وكناتين اخرى يملكها أبناء قبيلة الزغاوة والتُنجُر والمساليت.. وغيرهم من أبناء قبائل اقليم دارفور.

    وكناتين الفور المشار اليها في اعلى هذه الرسالة احتلت تماماً ذات المكانة الاقتصادية التي كان يحتلها أبناء اليمن في التجارة الوسطى والصغيرة ، وكنتين الفور يبيع كل شئ ـ معلبات واردة من أعالي البحار والمحيطات.. الى افخم أنواع المشروبات المبردة.. الى الفول بالزيت.. والحرجل والمحريب.. الى أفخم أنواع الشوكلاتة المستوردة أو المصنوعة داخل السودان.

    بالاضافة الى الدكاكين المنتشرة في مدن السودان النيلي الاوسط فإن أبناء دارفور يحتلون تجارة (ود عماري) انتاجاً وتوزيعاً. ومن ود عماري يصنعون السعوط الذي يسفه ملايين البشر من سكان السودان.

    إن تجارة ود عماري يمكن تقدير حجمها بمليارات الجنيهات. وهو يُزرع أساساً في إقليم دارفور.. في منطقة شنقلي طوباي، وغيرها من المناطق في اقليم دارفور ، والسعوط المصنوع من ود عماري ليس صحيا وليس سياحياً كما تقول النكتة. اي انه ـ في هذا المقام ـ لا يجذب السُياح الأجانب كما قد يفعل الكركدي والعرديب . ولكن في نفس الوقت من الصعب مد القوانين المحُرمة والمانعة للمخدرات عليه. فتكوين ود عماري البايولوجي كنبات لا يختلف عن التبغ الذي تصنع منه السجاير ، وخلاصة هذا الكلام أن أبناء اقليم دارفور يحتلون مكانة مرموقة في شأن التجارة في مدن وسط السودان، بما في ذلك العاصمة المثلثة .

    ومن خلال هذه المكانة المحترمة والعزيزة التي يحتلها أبناء اقليم دارفور دعونانحاول النفاذ الى الدوافع الخفية للتمرد المسلح الذي اجتاح ويجتاح هذا الاقليم منذ عامين. واغلب الظن أن هذه الظاهرة التمردية المسلحة تجد بداياتها في ظاهرة النهب المسلح الذي اجتاح الاقليم بعد سقوط النظام المايوي في ابريل عام 1986. فمثلما إنضم منصور خالد وياسر سعيد عرمان الى حركة جون قرنق بعد سقوط النظام المايوي، خرج بعض أبناء دارفور الى العراء يحملون السلاح، ويعترضون طريق عربات المسافرين. الضغط يولّد الإنفجار والخوف يولّد الانحراف.

    د. منصور خالد في انضمامه الى حركة جون قرنق كان يعبّر عن خوف شبه هستيري من لهجة انتفاضة ابريل 1986 التي اسقطت النظام المايوي.. والمعروف ان د. منصور خالد كان من الذين تولوا المناصب الوزارية والقيادية في النظام المايوي.

    أما ياسر سعيد عرمان فهو ثوري. بارانوير ، ولقد وجد في حركة جون قرنق ما لبى إحتياجاته الثورية السايكولوجية. ولم يكن أحد من الناس ينوي شراً بدكتور منصور خالد بعد سقوط النظام المايوي عام 1986، ولكن فوبيا الغضب الجماهيري اثّر على تفكيره.

    ونعود الى اقليم دارفور..

    هنالك شعور مرير يملأ بعض النفوس في دارفور.. شعور بأن الحكومة المركزية في الخرطوم تهمل شأن اقليمهم ولا توليهم العناية التي يستحقونها في نواحي الخدمات العامة ومشاريع التنمية. وأبناء دارفور ينسون تماماً أن الشكوى من القصور في دور الحكومة المركزية هى شكوى عامة نسمع بها في دنقلا وكسلا والقضارف والدامر مثلما نسمع بها في الفاشر. وإن الولاية الشمالية لا تجد من الحكومة المركزية في الخرطوم اكثر مما تجده دارفور على سبيل المثال.



    إن رفع السلاح ضد الحكومة المركزية من اقليم كدارفور هو أمر ملئ بالجهل بطبيعة قوانين التنمية وازدهار العمران. وكثيرون من حاملي السلاح من أبناء دارفور يظنون أن السودان هو ولاية الخرطوم التي يسمعون عن شاهق عماراتها وتدفق التجارة اليها. وهم يطلبون المساواة بولاية الخرطوم في كثافة الخدمات والمواصلات.

    إن 75% من سكان ولاية الخرطوم نصيبهم من عمران الخرطوم فقط الضوضاء وضنك العيش ، وإن قطية من القش وأغنام وشياه ومرعى في اصقاع دارفور لهى اجلب للسعادة من بيت خانق من الطوب الاحمر في أحياء الخرطوم أو ام درمان.

    ويجب ان يعلم أبناء دارفور أن اقاليم السودان الاخرى البعيدة عن المركز الخرطومي لا تجد من العناية والاهتمام اكثر مما يجده اقليمهم دارفور. ويجب على أبناء دارفور المتعلمين أن يدرسوا القوانين العلمية والعملية للتنمية قبل أن يشهروا السلاح في وجه حكومة المركز ـ وهى صمام الأمام لجميع بلاد السودان. إن تنمية اقليم دارفور يجب ان يقوم بها أبناء دارفور. والحكومة المركزية دورها دور سيادي فهى تحفظ الأمن.. وقد تفتح الباب أمام رأس المال الأجنبي لتطوير دارفور، وهى القائمة على شأن التعليم والصحة.

    إن تنمية الاقاليم لها قوانين علمية نابعة من طبيعة الارض والموارد وجو الاقليم وعقلية ابنائه. ونحن هنا في السودان النيلي لا ننال من حكومة الخرطوم اكثر مما يناله أبناء دارفور ونحن احدب على دارفور من كل الذين يرسلون السلاح الى دارفور مشحوناً من موانئ انتويرب وشيربورج.

    إن افراداً من أبناء دارفورالذين يعيشون في دول اوروبا والعالم العربي هم المسؤولون عن جلب السلاح الى دارفور. وهؤلاء الافراد لهم تدريب سياسي بعضه مأخوذ من المؤسسات السياسية في السودان، وبعضه مأخوذ من اساليب المافيا. وهؤلاء القادة بتسلحيهم للعشرات من شباب دارفور ودفعهم للقتال ضد الحكومة المركزية فإن هدفهم هو إبتزاز السلطة المركزية بحيث تخضع لمطالبهم وتبوئهم المناصب الوزارية في الحكومة المركزية، وتجعل شؤون الاقليم في قبضتهم ، إن كل مايدور في دارفور لا يخرج عن المعادلة الحسابية المذكورة اعلاه.


    أما تنمية اقليم دارفور فهى تتلخص في ربط الاقليم بوادي النيل بطرق برية مرصوفة وآمنة. وتجب معالجة شُح المياه في فصل الجفاف. واقليم دارفور يستطيع ان يتطور ذاتياً لأن موارده متجددة وقابلة للنمو. واذا كان الاقليم يمد كل مدن السودات (بود عماري) فهو يستطيع ان يمد نفس هذه المدن بالموالح والاغنام والابقار المذبوحة او الحية. ولقد كان اقليم دارفور اول اقاليم السودان دخولاً الى عالم صناعة النفط.. وتستطيع الصناعة النفطية أن تصعد باقليم دارفور الى آفاق ارحب من الرفاه، وذلك بعد ان تزول الفتنة من صدور الحاملين للسلاح.
                  

01-04-2008, 03:58 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالة للأستاذ/ عثمان الحوري (Re: khalid kamtoor)

    كتب الأستاذ القاص والأديب السوداني عثمان الحوري مقالة حادة بصحيفة (الصحافة 2 سبتمبر 2003م) تحت عنوان (امرأة من حليب البلابل.. يا للفظاعة!!) رداً على صدور رواية (امرأة من حليب البلابل للقاص والروائي مبارك الصادق، وقد أحدثت تلك المقالة – أي مقالة الأستاذ الحوري – ردوداً واسعة وصلت لدرجة الغضب من البعض. ووصفت في مقالتي الحالة المزاجية التي دعت الأستاذ الكبير عثمان الحوري للكتابة حول (تلميذه النجيب) الدكتور بشرى الفاضل. ومقالتي جاءت تحت عنوان (مزاجية عثمان الحوري النقدية.. يا للفظاعة !!) تمشياً بما قاله في عنوانه (امرأة من حليب البلابل.. يا للفظاعة)!! فقلت:

    القاص الكبير و ( كهل القصة ) في السودان الأستاذ عثمان الحوري صاحب إنتاج وافر وحضور كثيف يغنيه عن التعريف بين أقرانه من كتاب القصة والرواية . بدا لي هذه الأيام قلقاً ومضطرباً في تحليلاته النقدية التي يغلب عليها المزاج المتقلب وذاتية الطرح، ينأى تماماً عن استعمال أدوات النقد التي تقوم علي تناول النص وتفكيكه دون إعمال لمزاج الناقد ورؤيته المتحيزة لجيله . وما ساقه مؤخراً عن القاص بشري الفاضل يؤكد علي صحة ما ذهبتُ إليه، وما اعترى ( كهل القصة ) من مجانبة للنقد الحصيف المؤسس والقائم علي تناول العمل الأدبي وليس صاحبه . كما أن تشبيهه لبشري الفاضل بمن يمارسون الفكاهة أو ( النكتة ) فيه مجافاة للواقع .. لأن إنتاج بشري الفاضل ليس كله علي نمط ما زعمه، وفيه ظلم لتاريخ بشري الفاضل وإنتاجه الأدبي . وهنا تكمن المشكلة الحقيقية وتتبدى ( مزاجية ) الأستاذ الحوري المفرطة في نقده للأعمال . وهذه برأي أزمة حقيقية يعاني منها الكثيرون باستخدام لغة الخطاب الضد وخالف تُذكر . لماذا لا يتناول الأستاذ أعمالاً مثل : ( أزرق اليمامة ) و ( البنت التي طارت عصافيرها ) بصدق وموضوعية دون التعرض بالتحليل المزاجي لبعض الأعمال الأخرى .

    الأمر الآخر الذي يعاني منه هو ما يسمي ( النوستالجيا ) أو ( داء الحنين إلي الماضي ). فهو يشن حملة شرسة علي الأعمال الروائية التي ظهرت حديثاً .. أي أنه يتبنى نظرية ( صراع الأجيال ) من حيث تحيزه المتطرف لأبناء جيله ودحضه للأعمال التي ظهرت حديثاً في مجال الرواية .

    كتب الأستاذ عثمان الحوري في جريدة ( الصحافة ) الغراء تحت عنوان : ( امرأة من حليب البلابل ... يا للفظاعة !!) قبل وقت مضي متهكماً وناغماً علي بعض الأعمال القديمة القيّمة مثل : ( البرجوازية الصغيرة ) لعلي المك وصلاح أحمد إبراهيم، و ( النازحان والشتاء ) التي أسماها : بالتيار المتساهل المتثائب من الخواطر والأفكار والأسلوب الشعري في كتابات الشباب القصصية .

    لم أقرأ أو أسمع بأن ناقداً من النقاد قد دمغ هذه الأعمال أو سماها متساهلة !! إلا ما جاء علي لسان عثمان الحوري . ولماذا هذه ( المزاجية ) الظالمة؟ هل هذا أسلوب نقدي مؤسس أم مجرد خواطر وأفكار لحظية تخطر علي البال فتسمي جزافاً بالنقد؟ ولماذا لا يتم التعامل مع الرواية كوحدة موضوعية تحمل شخوصاً وفضاءاً .... ؟

    هذا الأسلوب النقدي البائس وغير العلمي ينطوي علي روح متزمتة للماضي وكارهة لكل ما هو جديد، وأحادية تحاول أن تسيّر الإنتاج الأدبي وفق رؤيتها الخاصة والضيقة . يلجأ عثمان الحوري في تناوله للأعمال الأدبية الحديثة إلي هذا الأسلوب الإقصائي مع إضفاء شي من التمويه والتهكم اللاذع بإبراز بعض المصطلحات المبتذلة مثل ( شبح رواية ) و ( الرواية الشبح ) علي غرار ( السيارة الشبح ) و ( الطائرة الشبح ). وهذا ( المصطلح الشبح ) في حد ذاته جعل يطلقه علي رواية ( نار الزغاريد ) لأمير تاج السر .. وزعم بأنه قرأ الرواية ولم يجد فيها سوي ( شبح رواية ).

    ليس هناك ما يمنع الأستاذ الحوري من إبداء رأيه، ولكن ينبغي أن يكون رأياً مؤسساً قائماً علي نحو من الموضوعية النقدية بأدواتها وأسلوبها العلمي المعروف، وليس ( هرطقات ) يمليها المزاج المتقلب والنظرة الإقصائية لأنها لم توافق ما ذهب إليه من رؤى وأفكار . إن رواية ( نار الزغاريد ) كتب عنها كثيرون ولكن بمنهجية نقدية وعلمية . ونحن نحترم الرأي المغاير إن اختلف معنا وكان يقوم علي براهين وحجج دامغة .. فالوصف الذي أطلقه علي هذه الرواية في نظري ليس موفقاً، فهو يقول عنها : ( هي الشخص الذي حجز مقعداً في بص مسافر، ولكنه تخلف عن رحلة البص .. وظل المقعد شاغراً حتى النهاية ). هل هذا يسمي نقداً علمياً؟ خبروني يرحمكم الله .

    لقد بلغ الحيف والظلم وضحالة الطرح ـ لدي عثمان الحوري ـ مبلغاً جعله يقول : ( إن نظرية الرواية الشبح تنطبق علي كل الإنتاج الروائي بعد عام 1990 م ( امرأة من حليب البلابل ) لمبارك الصادق ... يا لفظاعة هذا العنوان ... علي سبيل المثال لا الحصر ...) (1).

    إن عثمان الحوري يبني نقده المتواضع علي التمويه واستيلاد اللغة الساخرة التي يوظفها لخدمة إيهام القارئ .. فهو يورد عنوان الرواية فحسب، دون أن يتعرض لها بالنقد والتحليل .. يضعه كما هو العنوان ويسخر منه ... يا للفظاعة !! ماذا في داخل هذا العنوان ( امرأة من حليب البلابل ) ؟ .. فهو ما لم يجب عليه أصلا ! لقد اكتفي من هذه الرواية بالعنوان ليبرهن للقارئ علي أنها لا تساوي شيئا . كان أولي له أن يطرح وجهة نظره النقدية، وليس إعمال المزاج في تأفف وتضجر من الإنتاج الروائي الحديث .

    إن مصطلح ( الرواية الشبح ) يعرّفه صاحبه علي أنه ( نية الكاتب الطيبة في أن يكتب رواية ولكن عوامل ذاتية تهرب منه وتضلله عن ديلكتيك وقوانين العمل الروائي ويصير المؤلف الروائي كطاحونة يصبون في جوفها التبن والقشور، فهي تجعجع ولكنها لا تعطي دقيقاً، إن جعجعة الطاحونة التي لا تنتج دقيقاً هي : شبح الرواية ).

    هذه المصطلحات التي يطلقها علي كل الإنتاج الأدبي بعد عام 1990 م، لا تخلو من ( كلفتة ) و ( مزاجية ) مزرية للغاية يعاني منها القاص عثمان الحوري ويسميها نقداً، مع أنها لا تلتقي مع النقد لا من قريب ولا من بعيد .. ولا تعدو كونها مجرد تلاعب بالألفاظ يخالطه بعض التهكم والتحيز المخل .

    كنت أربأ بقاص مثل الأستاذ عثمان الحوري ـ خاصة وهو صاحب تاريخ زاخر في مجال القصة في السودان ـ أن يكون علي قدر عالٍ من الحصافة والحكمة والموضوعية في تناوله للأعمال الأدبية الحديثة وتشجيع الكتاب الشباب، لا أن يكون أسيراً لمحبسه ومعبده العتيق، و ( رهيناً للمزاج الشخصي ) ، وعدائياً للجيل الجديد من الروائيين علي وجه الخصوص .


    وأعتذر لأني لم أجد مقالة الأستاذ الحوري ضمن أوراقي، ويبدو أنها ضاعت
                  

01-04-2008, 04:04 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالة للأستاذ/ عثمان الحوري (Re: khalid kamtoor)

    وبعد عدة سنوات تناول الأستاذ الحوري في صحيفة (الصحافة) كتابات القاص الأديب السوداني المعروف بشرى الفاضل بصورة أثارت تذمر كثير من المهتمين. وقد رد على الأستاذ الحوري نفر كبير. وأقول أن بشرى الفاضل بأريحيته السودانية وخلقه الجميل الفارع قال للأستاذ عيسى الحلو الذي كان يشرف على ملف الثقافة بالصحيفة - أن ينشر كل ما يكتبه أستاذه الحوري حوله. وهي شهادة الروائي الكبير عيسى الحلو.


    بشرى الفاضل كاتب نكتة وليس كاتب قصة
    عثمان الحوري

    تخلَّى الكاتب المصري اللامع محمود السعدني عن الشكل الادبي التقليدي ، بل تخلى عن اللغة العربية الفصحى وحتى العامية المصرية الوقورة ، وصنع لنفسه شلالا لغويا هادرا من مؤلفاته من نوع ـ الافريكي ، والموكوس في بلاد الفلوس ـ ومذكرات الولد الشقي وكتابه ـ الافريكي ـ فيه زيارة الى السودان ـ الخرطوم وام درمان وفيه حكى ان بعض اخواننا اهل السودان يشربون (مية النار ..) ... وماء النار حامض الكبريتيك ، الذي يُستعمل في بطاريات العربات .. ومحمود السعدني يقصد (العرقي) .. او عرقي التمر .

    وعندما تم انتاج فيلم سينمائى مشترك بين مصر واليابان ، وشاهده محمود السعدني ، كتب مقاله الشهير في مجلة صباح الخير بعنوان .. (واذا بُليتمُ فاشتركوا ..) .

    والأديب القاص بشرى الفاضل في مجموعته القصصية (حكاية البنت .. الخ ..) يتشبث بالشكل الادبي التقليدي للقصة القصيرة ، ويحافظ على اللغة العربية الفصحى ، ولكن في اعماقه يجلجل بركن خفي من السخرية ، وهذه ازمة حقيقية يعيشها بشرى الفاضل . وقد تكون الحياة في السعودية والاقتران بلود ميلا قد اعطياه حقنة مورفين قوية ، هدأت اعصابه وبردت غليان دماغه ، واراحته من متاعب العيش في السودان .. والحمد لله ..!

    وفي المقدمة التي كتبها الراحل علي المك لمجموعة (حكاية البنت ...) نحس بأن علي المك نفسه كان يعاني من الملل من كل اشكال القصة التي تقابله في الصحف والمجلات والمجموعات العربية . وعلي المك يجد تفريجا في قصة ـ الغازات ـ . وهي مضمنة في مجموعة الاديب القاص بشرى الفاضل .. (حكاية البنت ..) .

    وقصة ـ الغازات ـ هي اصدق دليل على ان بشرى الفاضل يريد ان يتحرر من كل اشكال التعبير الادبية ليطلق من ذاته شلال السخرية المرير ، النابع من زحام الحياة في الشارع السوداني ، وعلى مستوى العاصمة المثلثة .

    وهذه القصة على سذاجة فكرتها تملأ الراحل علي المك بالتفاؤل إن بشرى الفاضل يشق في الصخر طريقا ، ويرجع تاريخ هذه القصة الى ايام ازمة المواصلات في العاصمة المثلثة في السبعينات من القرن الماضي ، كان بعض سكان العاصمة يغادرون اماكن عملهم عند الثانية بعد الظهر .. ولكنهم يصلون الى بيوتهم واماكن سكنهم مع غروب الشمس

    والفكرة التي اراد بشرى الفاضل ان يصورها باسلوبه الساخر ان الركاب في احد البصات المزدحمة يتحولون بفعل الحر والزحام الى غازات ودخان يتطاير في سماء العاصمة المثلثة ، انها نكتة .. وكان يمكن ان تكون قصة باسلوب ادجار ألن بو او كافكا .. ولكنها لم تتخط طور النكتة .. ولكنها توحي بأن بشرى الفاضل له قدرة على الرسم الكاريكاتيري للمواطن السوداني .. ساكن العاصمة وبما أن الوف الناس في السودان قد استمعوا الى المونولوجست محمد موسى على اشرطة مسجلة فلابد انهم فكروا : هذا ما كان يبحث عنه بشرى الفاضل معه الراحل علي المك ، ولقد وجده المونولوجست محمد موسى .

    محمد موسى غير مقيد بالكتابة على الورقة او تقاليد الصناعات الادبية انه يجلس امام جهاز التسجيل ويطلق العنان لطاقته المممتازة في رسم عشرات الكاريكاتيرات الصوتية للحياة في السودان ، محمد موسى مسرح متحرك بالصوت وحتى باللون والرائحة . انه ممثل قدير ، وهو قد كسب اعجاب الفيلسوف الذي يدرس منطق ارسطو في الجامعة ، وحبوبة بت نايل التي تعيش في (كاب الجداد) ..

    ان الكاتب القصصي بشرى الفاضل يملك قبسا من الطاقة التي تهرج وتهرج في عقل المونولوجست محمد موسى . ولكن بشرى الفاضل يقيد نفسه بالشكل الادبي للقصة القصيرة .

    وفضيلي جماع يطلق العنان لاهوائه واحكامه النقدية ويقول في مقدمة اخرى لمجموعة بشرى الفاضل ان المؤلف تأثر بقدرات شيكوف على السخرية من جنس البشر ، ويضيف فضيلي جماع ان سخرية بشرى الفاضل قد تصل الى حد الاسفاف ، ولكن بشرى الفاضل يجد القبول بالذات عندما يكون ساخرا ، والسخرية فن ذو حدين ، فهي للبناء وهي للهدم ، ونحن لا نجد في قصص بشرى الفاضل اي ملامح من قصص د . شيكوف الروسي ، الا اذا كان فضيلي جماع يقصد ان لشيكوف الروسي قصة بطلتها الكلبه (كاشكا) .. ولبشرى الفاضل قصة اخرى بطلتها الكلبة السودانية (هاهينا) .. تشيكوف يروي قصة حقيقية بطلتها كلبة ، وهو يتبع بالكاميرا الادبية قصة الكلبة كاشكا في مواقف ساخرة، والبشر عندما يراهم القارئ بعيني كلبه فهم مخلوقات جديرة بالرثاء ، خصوصا تحت حكم قياصرة آل رومانوف في ربع قرنهم الاخير ، ولشيكوف قصة اخرى عن قطة ومشكلة هذه القطة انها ليست من نسل القطط صائدة الفئران ولهذا السبب فصاحبها ناقم عليها ..ويود الخلاص منها ، ونحن نشاهد المنزل والشارع الروسي بعيني القطة فنجد وصفا لصحاري بلاد العرب ، وان القارئ ليحس بالأسى والالم عندما يعلم ان كلبة شيكوف ـ كاشكا ـ هربت من سيدها النجار الفقير لانها سئمت رائحة الغراء ونشارة الخشب التي تملأ خياشيمها طول اليوم ، شيكوف استفاد من ملاحظته لسلوك الكلاب والقطط ، وقد يكون قرأ ما كتبه علماء الحيوان عن هذه المخلوقات المسالمة والاليفة .

    اما بشرى الفاضل فقصته (هاهينا) هي عبارة عن سلسلة من النكات والقفشات الجميلة عن الكلاب في مدينة الخرطوم ، فالعمارات لها صنف خاص من الكلاب وكلاب العمارات وحي المطار تستمد صفاتها ونوعية سلوكها من الوضع الطبقي للبشر القاطنين في العمارات .

    ويبدو ان الكاتبة البريطانية فرجينيا وولف لها رأي تقول فيه ان الدراسات الاجتماعية عن البشر ليس مصدرها الوحيد التاريخ والاحصاءات المالية والسكنية.

    فلكي نفهم الانسان الاوروبي فلابد من فهم الحيوانات الاليفة التي تعايشه في المنزل مثل الكلاب والقطط ولفرجينيا وولف رواية قصيرة عبقرية بعنوان (FLUSH) .. وبطل الرواية كلب بهذا الاسم .. فلش .. ونحن نفهم عن المجتمع البريطاني من خلال قصة الكلب ـ فلش ـ اكثر مما نفهمه من دراسات جمعية (Fabian) الاشتراكية ويستطيع بيرنارد شو ان يتبجح ان مسز فرجينيا وولف ما كانت لتفهم المجتمع البريطاني بين الحربين لولا زمجرات شو على المسرح واحاديثه وخطبه في ندوات (Fabian society) ... الاشتراكية .

    اما الكاتب الامريكي جاك لندن فله رواية بعنوان (White fang) ... اى الناب الابيض ، وهي تدور حول مخلوق مخلط .. فأُمه ذئبة وابوه كلب .. ونشاهد هذا المخلوق في مغارة مظلمة تحت الارض .. جرو ذكر ومعه اخوته ـ جراء ، ولكن الاخوة يموتون جميعا ويبقى (white fang) وحده .. محتكرا البان امه فيشب قويا ويخرج من المغارة قبل الاوان ويتخبط وسط الغابة الصنوبرية .. فيغرق في مجرى مائى فتنقذه امه ، رحلة طويلة من الطفولة والصبا والشباب .. في غابات السواحل الغربية لامريكا الشمالية . لا يقدم جاك لندن دراسة علمية وافية عن التهجين بين الذئاب والكلاب فهي كلها من اسرة حيوانية واحدة تحمل الاسم اللاتيني (canine) ويصطاد قبيل من الهنود الحمر الكنديين الذئبة وابنها ـ الناب الابيض . وفي الاسر تكون الأُم مربوطة وابنها الصغير طليق ، ولقد تعلم ـ الناب الابيض ـ ان يقود اعداءه من الكلاب الكبار الى مربط امه فتنتقم من الواحد منهم انتقام الجبابرة لانهم يعاكسون ابنها الصغير ويقسون عليه ، ويحين الفراق المؤلم بين الام وصغيرها الفتى . فلقد باعه الهنود الحمر المترحلون الى صياد في ألاسكا في الشمال بلد الثلوج الدائمة والمناجم والاضواء الشمالية العجيبة والتي لا تنبعث من شمس ولا قمر ولا نجم ، ويخوض ـ الذئب الصغير ـ معاركاً ضارية تحت اشراف سيده ضد كلاب الصيد . وينتصر في معظمها . ولكنه يوشك على الموت بين فكي كلب قوي لولا تدخل الصياد لانقاذه . ويتدخل القدر لصالح . الناب الابيض ـ فيبيعه مالكه الى رجل ثري من كاليفورنيا جاء الي آلاسكا سائحا . ويهاجر ـ الناب الابيض ـ الى الجنوب الى كليفورنيا ـ بلد بساتين البرتقال والعنب .. حيث الشمس الساطعة دوما .. وحيث لا يرى ـ الناب الابيض ـ الثلوج الا على القمم البعيدة .. قمم جبال سيرا نيفادا .. وهو مسترخ في فيللا في ضواحي لوس انجلوس ان ـ الناب الابيض ـ يقضي شيخوخة هنيئة في فيللا في كليفورنيا بعد الترحال والتجوال والمعارك الدامية في بلاد الثلوج ، في كندا والاسكا ... فيا لتصاريف الاقدار

    ونعود الى قصص بشرى الفاضل في مجموعته ـ حكاية البنت التي طارت عصافيرها .. والحديث عن بشرى الفاضل جر وراءه استطرادات وذكريات من الادب العالمي والعربي : السعدني ، شيكوف ، فيرجينيا وولف ، جاك لندن .. وهلم جرا .



    وحملة عبد القيوم الانتقامية ـ هي على ما اظن ما ارادها الكاتب المؤلف ان تكون درة العقد . وهي تتلخص في ان عبد القيوم جاء من القرية في الشمال الى العاصمة بحاحثاً عن ـ الشغل ـ ... و .. التراب ملينا عيشتو ... كما يقول المرحوم اسماعين حسن .. ويصير عبد القيوم من جمهور الخرطوم الغبش . والى هنا ونحن نعيش مع الكاتب رسوبه في عصر عثمان علي نور والزبير على وخوجلي شكرا الله . والقلم ما بيزيل بلم . ولكن عبد القيوم دهسته عربة في احد شوارع خرطوم منصور . مات وفي ذلك الزمان القانون ما كان فيهو ديه .. ولا شريعة .. ولا يحزنون والمرحوم غلطان .

    وجاء سائق بلدوزر مارا بالمقابر فدهس بمركبته الثقيلة قبر عبد القيوم فنهض الهيكل العظمي لعبد القيوم وامتطى البولدوزر وقاده في الشوارع وراح يدهس الناس يمينا وشمالا . وينتهي الامر بالبولدوزر في سائقه الهيكل العظمي الى اعماق النيل المبارك وكفى الله المؤمنين القتال وهي كما ترون نكتة ، نكتة ظريفة . والنكتة تروى على انها نكتة.. والقصة تكتب على انها قصة وفي مقال قادم سنحاول التفريق بين النكتة والقصة.
                  

01-04-2008, 04:10 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالة للأستاذ/ عثمان الحوري (Re: khalid kamtoor)

    وكتب الأديب الأريب الدكتور بشرى الفاضل في بوست بسودانيزأونلاين يقول:

    لعناية دكتور بلة والأخ أم هل اقول الإبن تراجي أيضاً
    أحب ان اوضح أن النقد الذي كتبه أستاذي عثمان الحوري واظهره الأخ أسامة الخواض هنا في المنبر لم يضايقني أبداً .لا أدري إن كان هناك من يصدقني أم لا لكنني أرحب بكل نقدسلبي مهما كان مفارقاً يكتب عن أعمالي المنشورة وأسعد به تماماً كما أسعد بالنقد الإيجابي .حدثت لي مفارقات كثيرة تجاه ما أكتب فثمة شخص عزيز أرسل لي رسالة في موسكو عبر فيها عن ضيقه الشديد بأول ثلاث قصص نشرتها في حياتي وهي حملة عبدالقيوم الإنتقالية وحكاية البنت التي طارت عصافيرها وذيل هاهينا مخزن أحزان. كنت نشرتها في نوفمبر 78وفبراير 79 ونوفمبر 79وعاد نفس هذا الكاتب الصديق في عام 2002 وفي ندوة أقيمت عن كتاباتي يقول أن قصص بشرى الفاضل الاولى هي الأجود وأن الكتابات اللاحقة ليست في المستوى اي انه استند على مانسفه سابقاً لنسف الجديد. وحتى إن صدق أستاذي عثمان الحوري في انني كاتب نكتة لا قصة فإن ذلك لا يضايقني ومالو لوكنت أكتب نكتة بإبداعية.
                  

01-04-2008, 04:16 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالة للأستاذ/ عثمان الحوري (Re: khalid kamtoor)

    ليس دفاعاً عن بشرى الفاضل ولكن.. ما هكذا يورد النقد
    الناقد الأدبي لا يؤذن في مالطا النص والحوري ظاهرة نقدية آن لها أن تترجل

    حسب الباري سليمان


    * من الطبيعي إتساع البعد والعمق الدلالي للقصة في تطورها المواكب لمستجدات الوجود الانساني باعتبارها جزءاً من مكملات وعيه ونموه الحضاري كي تؤدي دورها المنوط بها في تألق فكرى ونفاذ بصيرة وشفافية إحساس، وجلال هدف- حيث تتوفر لها القدرة على التعبير عبر فضاء متسع متجانس العناصر برصانة في الوصف وبراعة في الصنعة وجمال في الأسلوب وطاقة من الايحاء بالجو الاجتماعي المحيط وعكسه بالصورة التي تستعصي على الرؤية الفوتغرافية الناظرة للواقع بمنظور مباشر بحت. فالواقع الانساني دائم الحركة في تفاعل شامل لابعاده الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، والأدب يتشبع من عصارة هذه المحصلة عبر العصور المتتابعة قديمها وحديثها في تلاقح حضاري مستمر، وتثاقف لم يغض فيه الحديث الطرف عن القديم.. وهكذا مساجلات النقاد حول الأدب (شعره وقصصه) جعلته دائماً بين فكي الرُحى من المناصرين والمعارضين دون أن يفقد طريقه المسترشد بمعطيات عصره وتطورها فتتملكه خاصية المواكبة لتحقيق النقلة التي تبلغه الهدف المرجو منه، فكان من الطبيعي ان يكتشف الكاتب ادواته وأسلوبه وأشكاله الفنية ولفتة لتجسيد جوهر تلك المعطيات وجعلها في متناول المتلقي- وهذا مجهود يجب أن يقوم به الناقد قبل القارئ باستزادته بحصيلة معرفية تمكنه من فتح مغاليق النص الأدبي دون الدوران من حوله (والاذان في مالطا) - فالناقد لابد له أولاً من استكمال دائرة معارفه للولوج الى عالم النص أو فضائه، والوقوف في تأنٍ وروّية على جوانب الضعف والقوة فيه للخروج برؤية نقدية تأخذ بين القارى عبر فضاء النص ومواصفاته وابعاده الدلالية لخلق شعور بالتآلف معه والشروع في فهمه- فكما يقول (إيزر) في كتابه فعل القراءة (فكي نقرأ.. نحن بحاجة للتآلف مع التقنيات والأعراف الأدبية التي ينشرها أدب محدد، وينبغي ان نمتلك بعض الإحاطة بسننه، أى بتلك القواعد تحكم بصورة نظامية الطرائق التي ينتج بها معانيه- فمتى ما كان القارئ متمكناً من السياق الأدبي لجنس النص، ومتى ما كان فاهماً لحركة الاشارات ونحوية بنائها، فإن تفسيره لها كله مقبول. ومادام انه لا وجود للمعنى الثابت أو الجرهوي فإنه لن يكون هناك مجال للحكم ولحاكم على الصحة من عدمها). واعتقد ان سياسات الأدب السوداني الحديث تؤهل لفهمه دون أن تخرجه من مدارات القديم والمعاصر وملاحقتها باعتباره الامتداد الطبيعي الذي له أثره الواضح على خارطة الآداب الانسانية. وبالتالي فالنصوص القصصية السودانية (روائية كانت أم قصصاً قصيرة) ليس فيها من العشوائية، والاعتساف، والتأويل الفوضوى والغموض بما يطيح بها من إطار مسماه، ويسلخها من أجناس الأدب ومواصفاته، أو يبعدها من النظام الأدبي الملائم المتعارف عليه، وقمين بالناقد أن يلاحقها في حراكها هذا ويمارسها فكرياً ويستشف استلهامها للواقع، ويخضعها مثل أى أدب كوني للتحليل النقدي بمدارسه المختلفة، فتجربتنا الحداثية في مجال القصة واضحة المعالم والسمات التي تبين مكوناتها الجمالية والانسانية المستمدة من طبيعة مجتمعنا والخاضعة لمفهومنا وادراكنا المعرفي لكيف تكون بنية النص وشروطها والعناصر المكونة لها، وتوظيف علاقاتها، وضبط خواصها وتنوعها دون الخروج عن فن القص الذي يميزه دون الآداب والفنون الاخرى، دون أن تنغلق في وجهه رياح التطور.

    والناقد الممتد عبر تطور الأدب بما فيه من أعراف وقواعد، وسُنن وإشارات، هو الذي لا يتوقف في مرحلة زمنية معينة، ويلتزم حرفياً بمعطياتها الأدبية ويخضع المراحل الأخرى لنفس القياس النقدي، الشئ الذي يجعل الناقد في مثل هذه الحالة قاصر النظرة، عاجزاً عن ملاحقه التغيير الذي يحدث في عالم النص، حيث يظل مثل هذا الناقد محاصراً في مرحلته ومستسلماً لها ومنغلقاً عليها، فتحجبه رؤيته الضبابية عن المراحل اللاحقة فلا تحرك فيه ساكناً.

    فمثل هذا الناقد لايتمتع ببصيرة مرنة يقابل بها تلك النصوص التي بالطبع في تطورها الشامل لم تعد بنفس الأنماط التي رسخت في ذهنه وجعلت أفقه النقدي مغلولاً الى عنق المرحلة التي تجمد نموه وتطوره المعرفي عندها.. ولايعني هذا أن الساحة الأدبية الآن كما هى في الماضي خالية الوفاض من النقاد ذوي النظرة النافذة التي تستبطن خبايا النص وتضئ فضاءه وتقدمه باقة للقارئ يحتفي بها وعلى سبيل المثال لا الحصر (معاوية نور -محمد محمد علي- عبدالقدوس الخاتم- عبدالهادي الصديق -مجذوب عيدروس- د. محمد المهدي بشرى- د. هاشم ميرغني ..الخ) وعلى نسقهم مجهودات كتاب القصة والشعر، امثال: خوجلي شكر الله- مصطفى سند- نبيل غالي- وعيسى الحلو. في محاولة لملء الفراغ النقدي الذي حاق بالساحة الأدبية في السودان.

    ومن بين هؤلاء انفرد بالحديث عن الاستاذ القاص عثمان الحوري الذي لا شك يعتبر من القامات السامقة التي لاتخطئها العين وسط جيله من كتّاب القصة- كما ان مساهماته النقدية لا يمكن تجاوزها باعتبارها (ظاهرة) تاهت في صحراء (الأجيلة) من كونها (لا تصل الأرحام) فأصبحت (مقطوعة الطارق) لا أرضاً قطعت ولا ظهراً ابقت فهى كالقشة التي قصمت ظهر النقد- وحولته الى ساحة للمعارك بغير معترك- وقسم جازم برفض الآخر جملة وتفصيلا.. فكل الدلائل تشير الى أن الاستاذ القاص عثمان الحوري خلال مقالاته النقدية التي حفل بها هذا الملف الثقافي، قد شهر سيفاً بتاراً للنقد من الصعب اعادته الى غمده لاعتبار ان مقال الإبداع القصصي الحداثي لا يرقى لمقام الابداع القصصي الأصيل الموروث سوداناوياً كان أو اوربياً.

    وكان يمكن لرأيه هذا أن يكون معقولاً لو أنه في مقارنته بين القديم والجديد استخدم نفس المعيار النقدي بمنطق يقبله العقل مدعوم بالأدلة والبراهين، والمدارس النقدية التي توضح ذلك بالتفصيل (على قفا من يشيل) ولكنه جنح الى اشياء ان تبدو لكم تسوءكم، فمن حقه ان يطرح رأيه في (الآخر) دون الاصرار على عدم الاعتراف به ونفيه بعيداً عن عائلة الإبداع، بيقين لا يتزحزح بمبدأ (لكم جيلكم وليّ جيل) ما دفعه الى الغاء فن القص الحداثي بجرة قلم.. مع التناول الساخر المستفذ لبعض نتاج كتاب لهم بصماتهم المتميزة والراسخة على خارطة الأدب القصصي باتساعها الذي تجاوز المحلية الى العالمية.

    فهو لم يعجبه العجب بقصص الروائي السوداني العالمي الطيب صالح ولا الصيام عنها وهو أضعف الإيمان، بل أوسعها تشكيكاً في قيمتها الأدبية لدرجة وضع فيها الطيب صالح في قفص اتهامه بالاقتباس وسرقة أفكار كتاب الغرب الذين جعلهم الحوري مثله الأعلى قولاً وفعلاً حتى الذين كانوا مبشرين ومنذرين بالغزو الأوربي للسودان وشوهوا بأقلامهم صفحات تاريخنا الوطني فقيمة أعمالهم الأدبية في نظر الحوري «كالدولار- واليورو» هى الرائجة، والمسيطرة على أسواق الأدب.. والاديب الطيب صالح لا يحتاج الى تزكية أكثر من تلك التي جاءته مبرأة من الأغراض الذاتية ووضعته مع صفوة شوامخ العالم إنقشع بنور وعيهم وفكرهم وابداعهم ظلام الانسانية، ووضعوا شمس الحضارة في مدارها الصحيح.. وعندما وجد الحوري نفسه وحيداً يصارع طواحين الهواء ويؤذن في مالطا، فتح نيرانه على الذين يراقبونه في صمت (الكاظمين الغيظ، العافين عن الناس) وآلوا الحاضر والمستقبل ( مبارك الصادق، عيسى الحلو، بشرى الفاضل). فقد قلب لهم الحوري ظهر المجن، ولكل ماهو مطروح في الساحة الأدبية من نتاج قصصي باعتباره نباتاً طفيلياً لا يمكن ان ينبت في نفس الأرض التي أنبتت قصص عثمان الحوري فهو في نظره ابداع منبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى- حتى لم يعف الراحل المقيم على المك من سرقة قلمه الذي خط به مقدمة قصة (حكاية البنت التي طارت عصافيرها) للقاص بشرى الفاضل.. حيث حوّر رأى علي المك حسب فهمه على حد قوله (ان علي المك نفسه كان يعاني من الملل من كل أشكال القصة التي تقابله في الصحف والمجلات، والمجموعات العربية- وعلى المك يجد تفريجاً في قصة «الغازات») - إذن المسألة عند الحوري هى مجرد تفريج هم ليس إلا، ويمكن ان تحدثه أية نكتة حتى لو كانت سخيفة «كأهل العوض مثلاً» وهى كما تعلمون على السجية كرماً وفضيلة لا تشوبهما شائبة.

    وأسأل أديبنا عثمان الحوري- هل كان الأديب الايرلندي (بيرنارد شو) نكتياً، أم ساخراً من مفارقات الحياة، حتى ميزه أسلوبه الساخر هذا على كتّاب العالم قاطبة، وإلا ظلت مؤلفات تقرأ حتى اليوم وغداً. دون ان نسمع له «كاسيت» أو «سي دي» أو حتى شريط فيديو، يجعلك لا تخلط بين النكتة والسخرية- ولكان بشرى الفاضل إغتنى من الكاسيت وبقى بين ذراعي وطنه في عمارة شاهقة بأحد احياء الخرطوم الراقية، (وعاش في ثبات ونبات) وما كان أجبر على الهجرة، والاقتران كما تدعي (بلود ميلا) فأعطياه حقنة مورفين قوية هدأت اعصابه وبرّدت غليان دمائه، وأراحته على حسب مزاجك من متاعب العيش في السودان.. ويا عزيزي الحوري يقول المثل (كل إناء بما فيه ينضح).

    ويواصل الحوري نقداته الجارحة (وفضيلي جماع يطلق العنان لأهوائه - تعليق مني- لا أدرى تحت أى تأثير هو كذلك؟ واحكامه النقدية، ويقول في مقدمة أخرى لمجموعة بشرى الفاضل: ان المؤلف تأثر بقدرات «شيكوف» على السخرية من جنس البشر، ويضيف فضيلي جماع: إن سخرية بشرى الفاضل قد تصل الى حد الإسفاف، ولكن بشرى الفاضل يجد القبول بالذات عندما يكون ساخراً). ويعّقب الحوري حاسماً الموقف كعادته بجزم لا رجعة فيه ولا نكوص (ونحن لا نجد في قصص بشرى الفاضل أى ملامح من قصص د. شيكوف الروسي) -وبس- كيف؟- ولماذا؟ -غير مهم- المهم عودته الى عادته التي تزيد سعادته وهى إطلاق التهم بالسرقة والاقتباس والتي طالت بعد الطيب صالح، بشرى الفاضل، والبقية تأتي -ولعلكم استشفيتم عبر السطور ذلك الاتهام حين أورد الحوري وجه المقارنة بين شيكوف وبشرى الفاضل، وجعلها تتمثل في «كلبة شيكوف» التي وردت في إحدى قصصة باسم »كاشكا» و(كلبة بشرى الفاضل- وهى باسم «هاهينا» جعلها الحوري مستنسخة من تلك الكلبة الروسية، أو ربما سرقها بشرى الفاضل واعطاها الجنسية السودانية حتى يكون لها الحق في أن تكون عنواناً لاحدى قصصه -والمفارقة تأتي في تعليق الحوري على الكاتبين، والكلبتين - (فشيكوف يروي قصة حقيقية بطلتها كلبة.. وهو يتبع بالكاميرا الأدبية قصة الكلبة «كاشكا» في مواقف ساخرة). إذن فمواقف الكلبة هنا ساخرة بمعنى لا تعرف «التنكيت»- أما كلبة بشرى الفاضل فيقول عنها (اما بشرى الفاضل فقصته «هاهينا» أى «كلبته» فهي عبارة عن سلسلة من النكات والقفشات الجميلة عن الكلام في مدينة الخرطوم)، فعقدة الأجنبي عند الحوري جعلت الكلبة الروسية بسخر، وتنكت السودانية، ليضحك هو وحده لا غيره و«شر البلية ما يضحك» مع أن الكلاب على أشكالها تقع حتى كلب المدام «فرجينا وولف» الذي أشار اليه الحورى في احدى قصصها.

    فيا عزيزي الحوري: اذا كنت تفهم المجتمعات الأوربية من خلال كلابها فالأحرى أن تأخذك سنة من التواضع لتفهم مجتمعنا مع خلال كتابنا.. وما أدهشني كيف فات على اديبنا الناقد عثمان الحوري ان يعلق على عنوان المجموعة القصصية لبشرى الفاضل (حكاية البنت التي طارت عصافيرها) فيبدو أنه قد سقط عنه سهواً اقتراح عنوان (حكاية البنت التي أطارت عقولنا).

    وفي الختام أقول لك (أما آن لمثل هذا النقد أن يترّجل؟) ولك العتبى حتى ترضى.
                  

01-04-2008, 04:23 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالة للأستاذ/ عثمان الحوري (Re: khalid kamtoor)

    في الرد على عثمان الحوري
    بين النكتة والقصة القصيرة

    عبد المنعم عجب الفيا

    النكتة فن قصصي شفاهي يعتمد السخرية التي تنتزع الضحك كشرط لنجاحها . والسخرية تقوم على المفارقة الشفاهية وانتزاع الضحك الآني المتزامن مع لحظة القول او الحكي هما الدعامتان اللتان تنهض عليهما النكتة كقصة قصيرة جدا . صحيح ان النكتة يمكن ان تدون وتقرأ ، لكن الاصل فيها الاداء الشفاهي . من هنا يمكن القول ان عنوان مقال عثمان الحوري الموسوم " بشرى الفاضل كاتب نكتة وليس كاتب قصة " المنشور بالصحافة في 6/4/2004 - العدد رقم 3898 ، يفتقد اى دلالة منطقية وفنية محددة . أولا ليس للنكتة كاتب ، فالكتابة ليست من لوازم النكتة بل الاصل في النكتة الحكي والاداء الشفاهي. ثانيا ان النكتة هي اصلا قصة قصيرة جدا ، لذلك لا معنى للتفريق بينها وبين القصة بقصد نفي صفة القص عن النكتة .

    لذلك ان قول عثمان الحوري : " ان قصة ذيل (هاهينا) لبشرى الفاضل ، عبارة عن سلسلة من النكات والقفشات الجميلة عن الكلاب في مدينة الخرطوم ، فالعمارات لها صنف خاص من الكلاب وكلاب العمارات وحي المطار تستمد صفاتها ونوعية سلوكها من الوضع الطبقي للبشر القاطنين في العمارات . "

    هو تأكيد للموهبة القصصية الفذة لبشرى وليس نفي لها . فهذا الوصف يمكن ان ينطبق علي اي قصة لجابرئيل قارسيا ماركيز اشهر حائز على جائزة نوبل . فمثلا روايته (مائة عام من العزلة ) عبارة عن سلسلة لا تنتهي من النكات والقفشات . كما يمكن ان ينطبق هذا الوصف على اي كاتب آخر يتمتع بقدر من روح السخرية .

    ولكن دعونا نفترض مع عثمان الحوري ان هنالك فرقا بين النكتة والقصة ، فلماذا يرى في بشرى الفاضل كاتب نكتة وليس كاتب قصة . ما الذي يمنع بشرى من ان يصبح كاتب قصة في نظر كاتب المقال ؟ السبب في نظره ان بشرى الفاضل كاتب ساخر! يقول :" والأديب القاص بشرى الفاضل في مجموعته القصصية (حكاية البنت .. الخ ..) يتشبث بالشكل الادبي التقليدي للقصة القصيرة ، ويحافظ على اللغة العربية الفصحى ، ولكن في أعماقه يجلجل بركن خفي من السخرية ، وهذه ازمة حقيقية يعيشها بشرى الفاضل . "

    لاحظ التناقض المنطقي في هذا الاقتباس. يبدأ التناقض من تثبيت صفة ، الاديب القاص ، التي هي اصلا مدار الجدل وقد تم نفيها منذ صياغة العنوان . والخلل المنطقي الثاني قوله : ويحافظ على اللغة العربية الفصحى . فالكتابة باللغة الفصحي ليست شرطا من شروط كتابة القصة . اما الطامة الكبرى فهو جعله السخرية سببا لنفي صفة كاتب القصة عن بشرى الفاضل .

    ان السخرية ليست مقصورة على النكتة والكوميديا كما ظن عثمان الحوري ، بل ان السخرية بالمعنى الاصطلاحي هي روح الادب والفن . أعظم الكتاب عبر العصور هم الكتاب الساخرون لا يمكن لاي كاتب أدبي ان يحقق قدرا من النجاح اذا لم يحظى بمقدار من السخرية بشكل او آخر. لذلك ان السخرية التي تجلجل في اعماق بشرى الفاضل علي حد وصف الحوري ، هي الكنز الذي جعل بشرى يحتل هذه المكانة كقاص .

    ولكن كيف منعت السخرية بشرى الفاضل من ان يصبح كاتب قصة في نظر عثمان الحوري ؟!
    يقول : " وقصة ـ الغازات ـ هي اصدق دليل على ان بشرى الفاضل يريد ان يتحرر من كل اشكال التعبير الادبية ليطلق من ذاته شلال السخرية المرير ، النابع من زحام الحياة في الشارع السوداني ، وعلى مستوى العاصمة المثلثة . وهذه القصة على سذاجة فكرتها تملأ الراحل علي المك بالتفاؤل إن بشرى الفاضل يشق في الصخر طريقا ، ويرجع تاريخ هذه القصة الى ايام ازمة المواصلات في العاصمة المثلثة في السبعينات من القرن الماضي ، كان بعض سكان العاصمة يغادرون اماكن عملهم عند الثانية بعد الظهر .. ولكنهم يصلون الى بيوتهم واماكن سكنهم مع غروب الشمس. والفكرة التي أراد بشرى الفاضل ان يصورها باسلوبه الساخر ان الركاب في احد البصات المزدحمة يتحولون بفعل الحر والزحام الى غازات ودخان يتطاير في سماء العاصمة المثلثة ، انها نكتة .. وكان يمكن ان تكون قصة باسلوب ادجار ألن بو او كافكا .. ولكنها لم تتخط طور النكتة .."
    كالعادة لم يذكر عثمان الحوري لماذا قصة الغازات نكتة وليست قصة و كيف كان يمكن ان تتحول الى قصة كما لم يذكر ما هو اسلوب كافكا الذي لو اتبعه بشرى الفاضل لجعل من الغازات قصة . الا ان اشارة الحوري هنا الى اسم كافكا تحديدا من غرائب الصدف السعيدة جدا . فالاستدلال بفرانز كافكا في هذا السياق يقلب كل المقدمات والنتائج التي انتهى اليها الحوري راسا على عقب . فلا اعرف كاتبا سودانيا ينطبق عليه أسلوب كافكا في القص ، مثلما ينطبق على ،بشرى الفاضل في كتابة القصة . لكافكا قصة مشهورة تسمى (المسخ ) تحكي القصة عن حياة شاب تحول الى حشرة . ويحدث ذلك كله منذ السطر الاول في القصة . " فقد استيقظ جريجوري سامبا من نومه ذات صباح فوجد نفسه وقد تحول الى خنفساء كبيرة ". وتدور القصة كلها حول تداعيات ذلك المسخ . انها نكتة سخيفة بمعايير عثمان الحوري أليس كذلك ؟! ولكنها بمعايير النقد الادبي تعد معلما بارزا في تاريخ القص العالمي وساهمت مع حفنة من القصص الاخرى في ان يحتل كافكا هذه المكانة كقاص .

    على أن كافكا نفسه قد استعار فكرة هذه القصة من رائد من رواد القصة الروس الا وهو نيكولاي قوقول ( 1809 ? 1852 ) في قصة (الأنف)لقوقول ، يستيقظ كوفاليوف من نومه ، فينظر في المرآة ليجد نفسه مجدوع الأنف . فيجن جنونه ولا يستوعب كيف يمكن ان يقابل الناس بلا انف ثم يخيل اليه ان الانف يتجسد له في شخص انسان يظهر له في اماكن الازدحام والتجمعات فيظل يطارده لاقناعه بانه انفه وان عليه ان يعود الى موضعه ولكن ذلك الشخص لا يدري ولا يفهم ما يتحدث عنه كوفاليوف .

    لقد ألهمت هذه القصة كافكا وكثير من كتاب ما عرف بادب العبث واللامعقول . مسرحية الخرتيت /وحيد القرن لابي مسرح العبث واللامعقول ، يوجين يونسكو ، تحكي عن خرتيت بدأ يطارد الناس في الشوارع وأماكن العمل ثم يكتشف الناس أن كل إنسان قد تحول إلى خرتيت . فالزوجة التي جاءت إلى مكتب زوجها تشكو إلى زملائه أن خرتيت كان يطاردها في الطريق ، تكتشف أن الذي كان يطاردها هو زوجها. وهي كما تري فكرة ساذجة حسب معايير عثمان الحوري . ولكنها تعد من اعمق ما ابدع من ادب في القرن العشرين.

    ومثلما تأثر كل من كافاكا ويوجين يونسكو بقصة( الانف) لنيكولاي قوقول ، تاثر بها ايضا بشرى الفاضل ، وقد تجلى ذلك في قصتيه : الغازات، والطفابيع . وكان بشرى الفاضل قد دبج قصة (الطفابيع) البديعة ، بأبيات من قصيدة ، صلاح عبد الصبور " أقول لكم " وهي قوله:
    هذا زمان الحق الضائع
    لا يعرف فيه مقتول من قاتله
    ومتى قتله
    ورؤوس الناس على جثث الحيوانات ورؤوس الحيوانات على جثث الناس
    فتحسس رأسك
    فتحسس رأسك

    ويرى بعض النقاد أن هذه الأبيات مستوحاة من مسرحية " الخرتيت " أو وحيد القرن ، ليوجين يونسكو . اما المقطع الشعري الذي لم يرد في ديباجة قصة بشرى الفاضل ، فيشير اشارة واضحة الى قصة (الأنف) لنيكولاي قوقول . يقول عبد الصبور :
    قلتم لى لا تدسس انفك
    فيما يعني جارك
    أعطوني أنفي
    وجهي في مرآتي مجدوع الانف

    اذن الحكم على قصة (الغازات) او الطفابيع ، لبشرى الفاضل بانها نكتة سخيفة ، هو في الحقيقة حكم على قوقول وكافكا ويوجين يونسكو وصلاح عبد الصبور وعلى كل الادب العالمي الذي يعتمد السخرية والمفارقة الصارخة ، بانه سخف وعبط . ان تحويل الماساة ال كوميديا اسلوب معروف في الاداب الحديثة . وقد افاد بشرى الفاضل من كل هؤلاء . فتحويل الماساة الى كوميديا أسلوب معروف في الآداب الحديثة . ففي قصة الغازات ، يتحول الركاب الى غازات تتبخر عبر الشبابيك ثم ما تلبث ان تبرد وتتجمد وتستحيل الى مسوخ مشوهة . الكمساري حاول ان ينزل فوجد نفسه قد تحول الى سحابة ثم مرت عليه نسمة باردة فاستحال الى سلحفاة ، رجلاه كرجلي ضفدعة . الراوي استحال الى دخان أسود ما لبث الدخان ان برد وجمد واستحال الى قرد او خنزير لا يدري بيد انه تحسس جسمه فلم يجد ذيلا الخ..

    اما قصة (حملة عبد القيوم الانتقامية )، يقول عنها عثمان الحوري " .. هي على ما اظن ما اراد الكاتب المؤلف ان تكون درة العقد . وهي تتلخص في ان عبد القيوم جاء من القرية في الشمال الى العاصمة باحثاً عن الشغل. ولكن عبد القيوم دهسته عربة في احد شوارع خرطوم . وجاء سائق بلدوزر مارا بالمقابر فدهس بمركبته الثقيلة قبر عبد القيوم فنهض الهيكل العظمي لعبد القيوم وامتطى البولدوزر وقاده في الشوارع وراح يدهس الناس يمينا وشمالا . وينتهي الامر بالبولدوزر في سائقه الهيكل العظمي الى اعماق النيل المبارك وكفى الله المؤمنين القتال وهي كما ترون نكتة ، نكتة ظريفة . والنكتة تروى على انها نكتة .. والقصة تكتب على انها قصة وفي مقال قادم سنحاول التفريق بين النكتة والقصة. "

    ولا يدري عثمان الحوري هنا انه لا يسخر من بشرى الفاضل وحده ، وانما يسخر من واحد من اعظم الأباء الروحيين للادب الروسي والعالمي وهو نيكولاي قوقول . قفي قصته ( العباءة ) يقرر الموظف البسيط المسالم ، أكاكي أكاكيفتش ، ان يشتري عباءة أو معطف ليقيه شر البرد ، فيظل لعدة شهور يستقطع من راتبه المتواضع على حساب طعامه وشرابه حتى يتمكن أخيرا من توفير المبلغ المطلوب لشراء العباءة . وفي اليوم الذي يرتدي فيه العباءة للمرة الأولى ينقض عليه لص ويسرقها ويهرب ، فيحزن حزنا شديدا ويمرض بسبب البرد فيموت ، ولكن شبحه يعود ليطارد الناس في الشوارع ويختطف منهم عباءتهم .

    انها فكرة ساذجة ونكتة سخيفة في نظر الحوري !! ولكن علي الحوري ان يتذكر ان كاتب هذه القصة هو مؤسس الواقعية النقدية في الادب الروسي . ويكفي دلالة علي مكانة قوقول في الادب الروسي والعالمي ما قاله عنه دستوفسكي : " كلنا خرجنا من عباءة قوقول " . وهو لا يقصد بالعباءة هنا القصة ، وحسب ، وانما يقصد المعنى المجازي للعباءة ايضا . اي يريد ان يقول انهم تعلموا كتابة القصة والرواية من نيكولاي قوقول !!!

    * *
    ولكن اذا كان عثمان الحوري قد لخص نقده لتجربة بشرى الفاضل في كتابة القصة في عنوان الحلقة الاولي من المقال بقوله " بشري الفاضل كاتب نكتة وليس كاتب قصة" ،ووصف قصصه بانها مجموعة من النكات والقفشات وان بشرى لا علاقة له بفن القصة وانما يتشبث فقط بشكل كتابة القصة، فان عثمان الحوري يعود في الحلقة الثانية من المقال لينقض كل ما غزله في الحلقة الاولى رادا الاعتبار لبشرى الفاضل كقاص ، بل وقاص من الطراز الاول ، واضعا اياه جنبا الى جنب الطيب صالح وألمع كتاب القصة في العالم العربي .

    يقول : " تجد القصة القصيرة جدا أو الأقصوصة نموذجها الأفضل عند يوسف الشاروني ، ومحمد المخزنجي، والطيب صالح ، وبشرى الفاضل ، حيث تشحن الكلمات بالدلالة ، ففي كلمات قلائل لا تتجاوز الخمسمائة كلمة في الغالب يحاول القاص أن يمسك بتلابيب العالم بكل اتساعه وغناه ،" !!

    نعم ، وبشري الفاضل ! ولكن كيف حدث ذلك ؟!! كيف تحولت النكتة الي قصة قصيرة جدا وكيف تحول بشري الفاضل في رمشة عين من كاتب نكتة الى احد افضل كتاب القصة ؟!!!

    في ختام الحلقة الاولى التي جاءت بعنوان " بشري الفاضل كاتب نكتة وليس كاتب قصة " انتبه عثمان الحوري انه لم يضع تعريفا جامعا مانعا يفرق بين النكتة والقصة ، واحس انه من غير هذا التعريف المانع لا معني لاحكامه القاطعة والحاسمة حول موهبة بشري في كتابة القصة فوعد القراء في السطر الاخير من الحلقة الاولي ان يضع تعريفا يفرق بين النكتة والقصة قائلا :" والنكتة تروى على انها نكتة .. والقصة تكتب على انها قصة وفي مقال قادم سنحاول التفريق بين النكتة والقصة" .

    ولكن في المقال القادم يتحول التفريق الى مفارقة ، ويتحول عنوان الحلقة الثانية من التفريق بين النكتة والقصة الي : " ما القصة القصيرة جدا " لياتي الحديث حصريا عن القصة وانواعها والفرق بين القصة والقصة القصيرة جدا . ويكتشف القاريء لأول مرة انه لا فرق بين النكتة والقصة في مفهوم عثمان الحوري وان ما يصفه الحوري بالنكتة هو بالنسبة له ، قصة قصيرة جدا . وانه لا يوجد لديه اي تعريف للقصة يميزها عن سائر انواع السرد الاخري من نكات واحجية الي اخره . فلم يجد الحوري امامه الا ان يسقط فكرة التفريق بين النكتة والقصة لتنهار كل احكامه المسبقة السائبة التي اصدرها في حق موهبة بشري الفاضل القصصية . فيسقط النكتة من حساباته تماما ويحصر حديثه حول التفريق بين انواع القصة المختلفة .

    يقول : " كيف نستطيع أن نضبط المصطلح ، قصة ، في الخطاب النقدي ؟ وكيف نستطيع أن نفض هذا الاشتباك بين المصطلحات القصصية العديدة : القصة، الأقصوصة القصة القصيرة ، القصة القصيرة جدا، الصورة القصصية.
    وهكذا حينما يضع عثمان الحوري نفسه في المحك العملي ويواجه معايير النقد الحقيقية ، لا يجد مفر من تتويج بشري الفاضل كواحد من افضل كتاب القصة القصيرة . وهو كذلك بلا منازع .

    المراجع :
    1- حكاية البنت التي طارت عصافيرها - بشرى الفاضل - الطبعة الاولى 1990
    2- حكاية البنت بين الافادة والامتاع- عبد المنعم عجب الفيا - مجلة الرافد - ابريل 2002
    3- نيقولاي غوغول- قصص - دار رادوغا ، موسكو -1987
    4- Rhinoceros&other
    Plays,Eugene Ionesco,Grove press,New York.
                  

01-04-2008, 06:24 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالة للأستاذ/ عثمان الحوري (Re: khalid kamtoor)
                  

01-04-2008, 07:24 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار مع الحوري/أجراه الشاعر حسب الباري سليمان (Re: khalid kamtoor)

    حوار مع الأديب القاص عثمان الحوري
    عقل القاريء السوداني حُكم عليه بالمؤبد في سجن الوهم
    * القصة السودانية تظل مخلوقاً فكرياً يفتقد التقييم الصحيح


    حاوره: حسب الباري سليمان

    هو قامة أدبية نمت وترعرعت شجرتها بقرية جاد الله في الشمال.. جذورها ضاربة في أرض التاريخ.. إرثها روحي متشرِّب بمداد الالواح القرآنية.. ممتدة الخضرة على ضفة النيل الغربية في منظومة للأخذ والعطاء تنفرط بالخير للجميع.. وهو حبة من ذلك العقد النضير انتقلت على جيد الابداع السوداني منذ العام 1963م واضاءته وعياً وإبتكاراً.. اخذ نجمه يتألق في فضاء القصة مع نجوم أُخر: الزبير علي - خوجلي شكر الله - جمال عبد الملك (ابن خلدون) - محمود محمد مدني - وظل نجم عثمان الحوري يضئ أفق الاجيال حتى الآن برصيده القصصي والنقدي، ويسير في مداره المتميز الى المستقبل.. نلتقيه في محاور نأمل ان تضع النقاط على حروف بعض القضايا الادبية التي تثار ولا تستقر على خارطة الإبداع السوداني كي تأخذ مكانها الطبيعي بين الرأي والرأي الآخر.

    * الكتابة الإبداعية هي نشاط نصف واعٍ ونصف نائم
    * أستاذ الحوري.. في الفترة الاخيرة قلَّ انتاجكم القصصي واتجهتم لكتابة المقالات النقدية واحياناً السياسية.. هل هي مؤازرة لأقرانك في الصمت: الزبير علي - محمود محمد مدني:


    الإتجاه نحو كتابة المقالة والدراسات معناه أنني كنت في حالة طوارئ.. والطوارئ قد تكون ناتجة عن صدمات قد يتلقاها الإنسان في الحياة اليومية، أو الحياة الفكرية لجموع القطر.. وأنا كتبت عدداً من القصص القصيرة نُشرت كلها وأنت تعلم أننا ننتظر صدورها في كتاب.. وانا الآن اقوم بتنقيح رواية (الغابة والبندر) ولقد تفضل ملف «الصحافة» الثقافي القيام بنشرها في حلقات - وكتابة رواية، هو عمل عضلي وذهني لا يترك للانسان فراغاً - وكتابة المقالات هي عمل اساسي في الحياة الادبية.. أما الاخوان الذين ذكرتهم فلا أعلم ظروفهم - الأخ خوجلي نقرأ له من حين لآخر مقالاً، وأحياناً له قصصاً متناثرة وأنا اقول له برافو - أما محمود محمد مدني هذا الشهاب الذي لا نريد له ان ينطفئ فقد عجزت الخرطوم عن تقديم تشخيص لاوضاعه الاجتماعية والصحية.

    * رأيكم في المشهد الثقافي الأدبي الآن؟
    - المشهد الادبي والثقافي في القطر ككل يتجه نحو انتعاش موسمي - الشعر العربي في السودان دخل إلى شارع مقفول هو (السيريالزم) وفي مجال القصة والرواية هنالك تقدم ملحوظ، ولكن العقل السوداني حكم عليه بالسجن المؤبد، اقصد العقل الناقد القارئ للنتاج القصصي، وهو سجن الوهم.

    * يرى البعض في النقد قيوداً معوِّقة لحرية الاديب، وتقدم الادب، بإعتبار ان ذاتية الناقد هي التي تطفى على رؤيته النقدية.. ما رأيكم؟

    - أفهم أن البعض منا يرى أن الكاتب المبدع لا يستطيع، ويجب أن لا يكون ناقداً دارساً -هذا الرأي طبعاً ليس مرسوماً جمهورياً- في ظروف الطوارئ التي يمرُّ بها السودان مطلوب من ما يسمى بالاديب المبدع أن يقول رأيه في كل شيء.. والنقد ينطلق أساساً من الرؤية الذاتية للكاتب الناقد، ولكن الناقد المطلوب هو الذي تتسامى ذاتيته الى مستوى عالٍ من الموضوعية، وذلك يتم بالفهم الصحيح لكل الفنون، والاطلاع العميق على نتاج العقل الانساني -لا يوجد ناقد دارس بدون ذاتية-، الذات المتفردة هي أساس كل عمل انساني، ولكن الذات المتفردة يتم صقلها وتربيتها من خلال معايشتها للفكر العالمي والتاريخ الانساني، فتصير مرآة صادقة.

    * قلت إنك غير متفائل.. ومتشكك في كل الآراء الجاهزة المليئة بالتفاؤل الوطني حول القصة والرواية في السودان.. ما هو تقييمكم لذلك؟

    - التشكك في هوية النتاج الادبي ليس عيباً خطيراً، ومعناه أن المتشكك يبحث عن الحقيقة - في الجلسات الخاصة النادرة مع عيسى وعيدروس أنا اشعر بأن الافكار متشابهة في تقييم النتاج الادبي الروائي والقصصي، وبالذات الاخ عيسى الحلو له مفاهيم صادقة ثاقبة ومريرة عن النتاج الروائي، ولكنه يطل من شاشة التلفاز ليقدم لنا بعض كتاب القصة كأنهم نجوم هوليوود -ومجذوب العيدروس يتولى أمر تقسيم الكعكة على أطفال كثيري الضوضاء، ويتدافرون للوصول الى الكعكة- عيدروس يطبطب على اكتاف كتاب الرواية والقصة مشجعاً، لا بأس من هذا النوع من المعاملات الانسانية، ولكن الرواية والقصة السودانية تظل مخلوقاً فكرياً يفتقد التقييم الصحيح.

    * هل تعتقد ان كاتب القصة في شكلها واسلوبها التقليديين لحقبة ماضية - من الممكن ان يتحول الى ناقد لما استجد من انتاج قصصي في شكله واسلوبه الحديثين في مرحلة متقدمة مثل الآن؟

    - هذا سؤال غريب نوعاً ما.. ومعناه كيف يكون موقف كاتب قصصي (تقليدي) من القصة والرواية الحديثة - والحقيقة التي لا شك فيها أن الكاتب القصصي الذي تمرَّس بالقصة في هياكلها التقليدية يستطيع ان يسمع دبيب النمل في مجال التجديد السردي، ويستطيع ان يكتشف الزيف وان يشير إلى كل صوت أتٍ بنغمة جديدة حقيقية.

    * ماذا يعني لك الإنفتاح على آفاق الحداثة في القصة وتطورهما الذي تجاوز الاستقرار الشكلاني والأسلوبي مواكبة لتجدد الواقع المضطرد؟

    - ألا ليت شعري أين توجد الحداثة في عالم الرواية والقصة؟.. أين؟ الرواية الاوربية وصلت الى أفق الحوادث في مسألة التجديد منذ العام 1920 - ليس في السودان من قرأ (البحث عن الزمان الضائع)- .اوربا اعطت كل امكانات الحداثة قبل ان نولد نحن - نجيب محفوظ بدأ من الشكل الكلاسيكي التقليدي للرواية، ولكنه وصل بالرواية العربية الى أفق الحوادث.. كل مرحلة من تاريخ البشر لها افق تنتهي عنده الحوادث في تلك المرحلة - أنا وضعت امام القارئ النموذج الفرنسي، والنموذج المصري، ولكن افق الحوادث في المانيا شأن آخر، ونحن نجهل اللغة الالمانية - والكتاب الاميركيون الجنوبيون اعطوا نماذج في القصة القصيرة اذهلت اوربا، والكاتب الصيني (لو شان) وهو من دفعة ماو تسي تونج، كتب قصة قصيرة مفجعة ومذهلة بعنوان (مذكرات مجنون) - النور عثمان ابكر في السودان وقف نداً مساوياً للعقل الاوربي في قصته (خيوط العنكبوت الذهبية) - أما جمال بن خلدون فإن مجموعتيه (العطر والبارود - والرحيق والدم) تدلان على عقل ابداعي عبقري تخطى أو تساوى مع كل ما انتجه العالم في مجال السرد والتحليل الروائي، إن التجربة الروائية والقصصية في السودان لا تنفتح او تتفتح على... وانما هي تنطلق من ظروفها الخاصة وهي ظروف في النهاية عامة وتشمل كل العالم.

    * هل للإبداع نظرية يرتكز عليها وتتمحور على ضوئها رؤية الأديب والناقد؟

    - الابداع في المجال الادبي الروائي يقوم على مرتكزين هما:

    (1) الواقع التاريخي والاجتماعي الذي يعيشه الكاتب الروائي.. (2) عقلية الكاتب وثقافته ونوعها وتوجهه الفكري - والإبداع ينهزم ويتسطح إذا كان الكاتب مسلحاً بما حققه أدباء آخرين من نجاحات معنوية ومادية - إن الهدف من الابداع الادبي ليس تحقيق مكاسب مادية ومعنوية، إن الاديب المبدع يلجأ الى الخلق والابداع الادبيين تلبيةً لمطلب سايكولوجي ناتج عن الاشتباك الحاد بين الواقع المعاش وعقلية الاديب المبدع. إن الواقع المعاش يخلق في نفسية الكاتب المبدع مركبات، وعقداً، وافكاراً مريرة او متفائلة، والكاتب المبدع يلجأ الى الأشكال الادبية المتاحة ليس لتحقيق عائد مادي او معنوي مباشر، وانما هو يخفف بالكتابة الابداعية عن غلواء نفسه - الكتابة الابداعية هي نشاط نصف واعٍ ونصف نائم. وفي حالة اللاصحو واللانوم هذه تتسرب الى سطح الورق افكار قدرية عن مصائر الناس والمجتمع والحضارة - إن الفطريات تصنع البنسلين لحماية نفسها من البكتريا.. ويجئ الإنسان ليستفيد من نشاط هذه الكائنات الضعيفة، النشاط الابداعي هو نشاط عفوي طبيعي كنشاط الزهور أو النحل صانع العسل، ولكنه قد يتسطح ويتفه إذا كان الكاتب المبدع منشغلاً بالمكاسب المادية والمعنوية المباشرة. نعم كان ابو الطيب المتنبي يقف في ساحات الامراء وحكام الامصار الاسلامية مادحاً ومتسولاً العطاء من الأمراء، ولكن في أعماق قصائده كان يجلجل صوت شبه جهير بمصائب العصر وسقوط الناس والامراء وتفاهة البشر إذا ما قورنوا بالمبادئ والاهداف التي خصَّ الله بها الإنسان وجعله خليفة في الارض.

    * الأجيال الأدبية في السودان لماذا تعيش صراعاً وتنافراً يكاد يقطع حبل التواصل بينها بعيداً عن التجانس والاستئناس؟.. ألا يعد هذا رفضاً غير واعٍ لديمقراطية الحوار الثقافي بينها؟

    - الثقافة السودانية والفكر ليسا من الكثافة والسماكة والعمق بحيث يصبح الصراع والتنافر بين الاجيال محسوساً واضحاً. أنا لا أرى إلا تدرجاً في الأعمار بين عدد من الناس يعملون في الحقل الثقافي.. على سبيل المثال هنالك عدد من الشعراء وكتَّاب القصة والنقاد ظهروا في الستينات من القرن الماضي ولظروف لا يسع المجال لذكرها نبغ أولئك الكتَّاب وحققوا مستوى راقياً من الشعر والقصة والدراسات الادبية، وهؤلاء الستينيون لايزال بعضهم يعمل في الحقل الثقافي حتى يومنا هذا.. وبإطلال السبعينات والثمانينات والتسعينات ظهر أفراد من الكتَّاب والشعراء سماتهم التقاط آخر ما وصل إليه العالم من موضات أدبية، وبعضهم يصرحون أنهم دخلوا المجال الأدبي تحسباً لنيل فوائد مادية.. فإذا انتفت هذه الفوائد فالواحد منهم ينصرف الى نشاط عملي أكثر مجلبة للنفع، في الستينات من القرن الماضي وضع لنا جمال بن خلدون شعاراً ما زلنا نتمسك به وهو (الأدب لا يوكل عيش). ولكننا نستمر والثواب عند الله -رحم الله جمال بن خلدون-.

    * اختفت من الساحة الثقافية الادبية مدارس، أو فلنقل ظواهر مثل (مدرسة الغابة والصحراء) - من أين استمدت وجودها، ولماذا لم تستمر، ما موقفك منها في الماضي والحاضر؟

    باختصار شديد مدرسة (الغابة والصحراء) الادبية هي مثل (قوة دفاع السودان).. انشأها الانجليز، وبعد خروجهم صارت جيش السودان.. مدرسة (الغابة والصحراء) كسبت اسمها هذا في العام 1963 من خلال الجدل الادبي والسياسي الذي ثار حول قصيدة الراحل د. محمد عبد الحي.. ولكن قبل جيل عبد الحي كانت هذه المدرسة بأفرادها متمركزين في كلية غردون التذكارية - كانوا كتيبة ثقافية اعدها الانجليز لمكافحة النفوذ المصري والعروبي في السودان.. كان ابطالها هم جمال محمد احمد - ومحمد احمد محجوب، وكان الشعار الادبي لهؤلاء الرجال يوازي الشعار الذي طرحه السيد عبد الرحمن المهدي - السودان للسودانيين.

    ولكن بعد الاستقلال وفي عصر د. محمد عبد الحي، والنور عثمان ابكر، ومحمد المكي ابراهيم فإن هذه الحركة الادبية اكتسبت نقاءً وبعداً عن السياسة المباشرة، وكسبت إسمها من قصيدة د. عبد الحي. أنا والصديق محمود محمد مدني وآخرون في العام 1963 كنا في حالة صدام يومي مع كتيبة (الغابة والصحراء) المعادية للعروبة ووحدة وادي النيل - وكتيبة الغابة والصحراء كانت تلتف حول راية عبد الحي ومن حوله اصدقاؤه يوسف عايدابي - وعمر عبد الماجد - وعبد القدوس الخاتم. وآخرون. كان ذلك في جامعة الخرطوم ولقد سيطر هؤلاء الغابويون الصحراويون على ملحق (الرأي العام) الادبي بواسطة صديقهم الراحل: احمد علي بقادي - واصدر بقادي اعلاناً في الصفحة الادربية لـ (الرأي العام) يعلن عداءه لشخصي.. وعدَّد في اعلانه المعادين لصفحات (الرأي العام) الادبية ومن بينهم المرحوم: حسن الطاهر زروق.


    * آراؤك النقدية جلبت عليك الكثير من النقد المعاكس.. هل هي سباحة منك عكس تيار تطور الرواية والقصة في مجرى الحداثة والمدارس النقدية التي اندفعت في نفس الاتجاه؟

    - في المقام الأول أنا قارئ للقصة أو الرواية الجيدة من السودان والوطن العربي والعالم اجمع، وتجربتي في كتابة القصة القصيرة والرواية تشوي اصابعي.. أنا حريص على ان يصل الابداع القصصي في السودان الى مستوى رفيع، وفي قلبي كل الإجلال والحب والإحترام لكتَّاب القصة المبدعين في السودان، وحديث الأصالة والحداثة حديث صار يجلب الكآبة، وأنت يا أخ حسب الباري تتحدث طويلاً عن الحداثة.. أين الحداثة؟.. وما مقاييسها؟.. اعترف بتواضع انني أعتبر نفسي في صميم معركة فن الرواية والقصة وفي ذهني يختلط القديم الأصيل مع كل صور التعبير الجديدة والحديثة.. أنا لا أعاني من أي شعور بموت العوالم القديمة، وليس في فكري أي تلهف على جديد قد يكون زائفاً.. الزمن الماضي والحاضر والمستقبل كلها زمن واحد.. والحداثة الرائجة في عالم الثقافة السودانية هي لعبة تجارية الغرض منها الترويج لبضاعة معينة أو الإعتذار عن نماذج قصصية فقدت صلتها بالواقع السوداني.
                  

01-04-2008, 07:39 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار مع الحوري/أجراه الشاعر حسب الباري سليمان (Re: khalid kamtoor)

    هل هناك تأثيرات للفلسفة الوجودية علي الكتابات السودانية الستينية؟

    بقلم: عيسى الحلو


    مقدمة:
    الكتابة الإبداعية السودانية الحديثة – ما قبل الاستقلال وما بعده بقليل.. انفتحت علي الأدب الاشتراكي العالمي ، لاسيما والأدب نقداً وإبداعاً كان وقتذاك شديد الارتباط بالفكر السياسي حينما كان السودانيون ينافحون المستعمر البريطاني لينالوا الحرية ، ولينفكوا من قيود الاستعمار . فكان هذا الاتجاه الفكري هو المنهج المسيطر علي الرؤية الأدبية والاجتماعية والاقتصادية.

    وفيما بعد .. بعد استقلال السودان .. ظهرت الفلسفة الوجودية في مبحثها ومنهجها الجديد عند سارتر في فرنسا إبان احتلال النازية لباريس . وفي ذلك الوقت كان سارتر معلماً للفلسفة في اليزيه فرانسيه ، فكانت بدايات بحثه الفلسفي الوجودي أن أكتشف عند هوسرل وعند هوغر الظاهراتي الذي يوحد ما بين الذات والموضوع وعلي ضوء هذا قدم سارتر أهم مؤلفاته الأخلاقية ذات السمة الجمالية .. فكتب (المتخيل) ونظرية (الانفعال) مما ساعد رفيقته في البحث الفلسفي (سيمون دي بوفوار) في وضع كتابيها المؤثرين (نحو اخلاق وجودية) و (مغامرة الإنسان).


    وهنا بالضبط أخذت وجودية سارتر تنزل من أفقها الأكاديمي إلى الشارع العام ، بعد أن كتب سارتر عدداً من الروايات الأدبية (ثلاثية دروب الحرية) و (الغيثان) ومجموعة قصص قصيرة بعنوان (الجدار) كما عرضت له مسارح باريس مسرحياته (سخباء التونا) و (الذباب) و (الجحيم هو الآخرون) و (موتى بلا قبور) . وبذلك أنزل سارتر أفكاره الفلسفية الكبرى التي زخرت بها كتبه الفلسفية المحضة مثل (الوجود والعدم) و (نقد الفعل الجدلي) . وعبر هذه الجهود وصلت الوجودية إلى العامة عبر الأدب الذي كان وسيلة شديدة التبسيط . وعبر هذا التبسيط وجد الأدب الروائي الفرنسي الجديد في الوجودية ضالته لتجديد موضوعاته وأفكاره وأساليبه الإبداعية فظهر كتاب الرواية الجدد مثل ناتالي ساروت ومرجريت دوراس وآلن روب جرييه والمسرحي جان جينيه . وعندما اكتست الفلسفة الوجودية هنا بهذا المظهر الشعبي أصدر الحزب الشيوعي الفرنسي كراسه صغيرة تحت عنوان (الوجودية فلسفة لا إنسانية) ورد سارتر في كراسة مماثلة (الوجودية فلسفة إنسانية).

    الملامح العامة لهذه الوجودية:
    أهم الأفكار الوجودية هنا هي أنها جاءت لتدحض القعلانية الأوربية الممثلة في الكوجيتو الديكارتي المشهور (أنا أفكر إذاً أنا موجود) فجعلها سارتر (أنا موجود إذاً أنا أفكر).

    وهذا يعني أن الوجود يسبق الماهيه .. فالإنسان موجود أولاً كمشروع وهذا المشروع هو خيارات مفتوحة علي المستقبل .. فالإنسان هنا يختار فكرة وأخلاقه وأعماله ويتحمل مسئولية هذا الاختيار .. وفي كتاب سارتر الوجود والعدم يقول سارتر (الإنسان محكوم عليه بالحرية .. فالإنسان يحمل العالم بين كتفيه) .. والإنسان حر ولكن هذه الحرية مشروطة بالشروط الإنسانية (التاريخ – الجنس - الموت) .. فالاختيار لا يتم في الفراغ.


    الأسباب التي أدت لرواج الوجودية في شرقنا العربي:
    في منتصف الخمسينات من هذا القرن بدأت الكتابات العربية الفكرية تتدفق بكثرة حول الفكر الوجودي في مرجعياته الفلسفية والأدبية ومن الكتب الأكاديمية العالية التخصص ما ترجمه الدكتور عبد الرحمن بدوي إلى جانب كتابه الموسوعي (الزمان الوجودي) وما كتبه الدكتور عبد الغفار مكاوي وكلها جاءت تعبيراً عن فطان أكاديمية . أما ما كتب في تبسيط صحفي هو ل كتابات افيس منصور (الوجودية) الذي صدر عن سلسلة كتب للجميع ، وكذلك كتابات عبد المنعم الحفني . أما الدور الكبير في نشر هذه الفلسفة في شكلا المبسط فقد قامت به دار الآداب البيروتية حيث نشرت ما يعرف بسلسلة كتب سارتر (المواقف) إلى جانب المقالات المترجمة التي نشرتها مجلة "الآداب" البيروتية التي يرأس تحريرها اللبناني سهيل إدريس .

    كان هذا سبباً من الأسباب المساعدة في انتشار هذا الفكر الوجودي ، ولكن السبب الذي يمثل الدافع الفكري والوجداني بقبول الأفكار الوجودية هو ذات السبب الذي أدى لنشرها بين العامة في موطنها الأوربي.

    لقد وجد إنسان العصر في كل مكان حلاً مريحاً لما يعانيه من نقصان في حريته الفريدة ، فالفرد في كل الفلسفات العقلانية والمثالية والعلمانية وسيادة العلوم في مطلع العصر، كلها كانت عوامل تجرده من فردانيته وتجعله ترساً في عجلة كبيرة هي المجتمع ، وحتى الأحزاب القعائدية الكبرى ذات النزوع الشمولي في أوربا حولت الفرد إلى لا شيء والرأسمالية الغربية بكشوفاتها العلمية تفعل ذات الشيء ولا تترك كل هذه الدوائر القوية السيطرة علي الفرد طريقاً للخلاص . ففي أوربا كانت النهضة الصناعية تجرد الفرد من حريته الفردية وكذلك فعلت النازية . وفي شرقنا العربي كانت قيود المجتمع المتخلف حضارياً تنزع فردانية الفرد وتجعله ذرة صغيرة وسط المحيط الاجتماعي الكبير هذا إلى جانب حرمانه من حقوقه السياسية ، مما جعل الفرد بالنهاية يفقد حقوقه الإنسانية في التعبير وفي الإبداع وفي التحقق الإنساني.

    لهذين السببين الجوهريين وجدت الوجودية رواجاً وسط العامة حينما تحولت إلى حقول الأدب . وفي باريس غنت الوجودية (كوليت جريكو) بكل هذا فوصل غناؤها حتى الصحاري والغابات في كل العالم.


    الكتابات الوجودية في السودان:
    الكتاب في السودان في القصة والرواية والشعر ، قليلون هم الذين اعتمدوا علي المراجع الأكاديمية مثل الشاعر النور عثمان أبكر الذي قرأها في مراجعها الألمانية تماماً كما فعل الشاعر محمد المكي إبراهيم . أما الآخرون فهم استندوا علي مرجعيتها الأدبية التي كانت تأتي عن طريق ترجمات "الآداب" البيروتية. ومن هؤلاء كتاب القصة بشير الطيب الذي يعتبر الرائد الحقيق لهذا التيار وعثمان الحوري وكما شنتير المحامي وعبدالعزيز صفوت ومحمود محمد مدني والحسن محمد سعيد والشاعر مصطفى سند في بواكير تجربته الشعرية . وهم كلهم تقريباً اعتمدوا علي (الثيمات) التي يتعرض لها هذا الأدب والتي تجسدها المقولات الوجودية الشهيرة (القلق- الغيثان- الاغتراب- الضياع- ووحدة الإنسان وعزلته- الحرية- الاختيار- المسؤولية).

    لقد اندفعت الرواية والقصة السودانية والشعر إلى هذه (الثيمات) وذلك بسبب تحولها من ومنعها الإبداعي التقليدي (الواقعية- الواقعية الاشتراكية) إلى بحثها من الحداثة خاصة وأن السودان جميعه كان يسعى إلى تحديث الحياة علي المستويين التجريبي والعملي بعد الاستقلال وهو تحديث ينطلق في كل الاتجاهات وفي كل الأطر ، وذلك بغرض بناء دولة الاستقلال الحديثة التي تقوم دعائمها علي الحوار الديمقراطي بين كل الأفكار قديمها وحديثها.. وأن هذه الدولة بدورها تنتقل من طور البداوة إلى طور الصناعات الآلية بدلاً عن الصناعات اليدوية . وهذا ما جعل الكتابة الشعرية والروائية والقصصية تتخذ من إنسان المدينة بطلاً لها. وهو بطل جديد ذهبت عنه براءة ولوثته التجربة الحضارية الجديدة .. فأصبح ضائعاً ووحيداً أمام خيارات عديدة يتحمل مسئوليته في إبداع أخلاق جديدة تتلاءم مع هذه الخيارات.


    إنجازات الكتابة الوجودية السودانية:
    ما أخذته الكتابة الإبداعية السودانية من الفكر الوجودي في مطلع الستينات علي قلته وعلي رسوخه الضئيل وبعده بمقدار كبير عن المرجعية الفلسفية الوجودية إلا أنه فتح للكتابة الإبداعية آفاقاً واسعة في التخلص من ترهل النص القصصي الخماسيني ومن عدم قدرته علي كشف العالم واكتشافه .. فالعالم في الأربعينات والخمسينات وفي مطلع الستينات عالم ثابت ومستقر وغير قابل للحركة فالأشياء هي ذات الشياء لا ينالها التغيير مطلقاً والثيمات القصصية والشعرية هي ذات الثيمات .. ما لم تم صنعه إلى الأبد وليس هنا رجاء في تفكيكه وإعادة النظر في القوانين التي تصنعه.

    هذه الكتابات الجديدة المستندة علي الرومانسية الوجودية ، حتى وإن لم تكن تعتمد علي مرجعية فلسفية أكاديمية إلا أنها أضافت للقصة وللقصيدة في السودان لغة جديدة وتقنيات جمالية جديدة ، وبذلك دفعت بهذه الكتابة السودانية المحدثة إلى سقف الكتابة في العالم المعاصر من حيث إدخالها كل هذه الآليات المتطورة فدخل (تيار الشعور) و (المونتاج) وتحديد الموقف الإنساني والحضاري للبطل في القصة والقصيدة . فلم يعد البطل هو ذاك الكائن البريء .. بل أصبح هو ذاك الإنسان الذي يعاني من ثقل حريته ككائن أخلاقي واجتماعي فأتسع أمامه فضاء حريته حتى حدودها المتيافيويقية.

    ولم يتم هذا الإنجاز كله دفعه واحدة .. فكانت الكتابات تؤسس فضاءاتها عبر التناص تارة وعبر الاقتباسات غير المباشرة أحياناً أخرى . وذلك لأن سارتر استطاع أن يضفي طابعة علي الفكر العالمي بكل تياراته السابقة فكان هناك علي ضفاف الأطلنطي المسرحي الأمريكي تنسى وليامز يلون مسرحه بألوان العصر السارتري فهناك مسرحيه (ليلة الأقوانا) التي تلقفها القاص عبد العزيز صفوت وكتب تحت أصداء تأثيرها قصته الرائعة (البرص) وقصته الأخرى (كلما حدث لعلي أبو زيد) وكتب بشير الطيب تحت تأثيرات وجودية الإيطالي (البرتومورافيا) (جرس التلفون الخامس والعشرون) التي جاءت في مجموعته القصصية (الفلاحين والأفيون) التي صور القلق والانتظار ؟؟ وجوديتين . وكتب عثمان الحوري قصته (رجل زائد عن اللزوم) وذلك حينما يكون وجود الإنسان معتمداً علي قيمة خارج قيمته الإنسانية وفق ما يحدده المصطلح الوجودي كمقولة فلسفية أساسية يسميها الوجوديون السارتريون بـ(الوجود من أجل).


    المعيار النقدي للقصة الوجودية:
    هناك صعوبة نقدية في تحديد المعيار الذي يحدد وجودية القصة! .. أهو معيار شكرني أم هو معيار مضموني؟ .. إذ أن إسناد عمل قصصي لهذا الاتجاه أو لذاك غالباً ما يتم وفق الشكل التعبيري الجمالي الذي ينتهجه العمل القصصي . والمعروف أن ما يمكن أن نطلق عليه قصة كذا أو كذا .. وجودية أو واقعية أو سريالية هو الشكل الذي تكتب به هذه القصة . فداخل ما يسمى بالقصة أو الرواية الأوربية الكلاسيكية نجد سيادة تيارات فكرية محددة كالطبيعية عند اميل زولا والواقعية التاريخية عند استاندل والاجتماعية عند بلزاك وديكنز والسيكولوجية عند جيمس جويس وفرجينيا وولف واميلي برونتي ودوستوفسكي ولكنها كلها تنضوي تحت لواء القصة والرواية الكلاسيكية .. شكلاً.
    إن سارتر حينما كتب ثلاثيته دروب الحرية استعار شكل الرواية الأمريكية التحليلية عند دوس باسوس في ثلاثيته الولايات المتحدة كما أستعار تقنية الزنجي الأمريكي جيمس بولدوين ، وملأ هذا الشكل بمقولاته الوجودية في الحرية والمسئولية والاختيار.

    وكافكا الذي أتى قبل سارتر هو و (بلوخ) و (جروموفتش) و (موزيل) كلهم كانوا يعبرون عن مقولات وجودية مأخوذة من هوسرل وهيدجر وكير كاجادر . فالاختلاف هنا بين القصة الوجودية .. القصة الحديثة علي إطلاقها هو اختلاف في وضع طرفي المعادلة .. الأنا والموضوع .. القصة الحديثة تعطي الأولوية (للأنا) والكلاسيكية تعطي الأولوية (للموضوع) وأن حاول الناقد التشيكي (جورج لوكاتشي) إعطاء الأمر نوعاً من التداخل والتوازن بين هذه الطرفين المتنازعين في كتابة (عصر الرواية).


    نخلص إلى أن القصة الوجودية هي فرع من فروع الحداثة الإبداعية التي تجعل للأنا الأسبقية علي الموضوع وأن كل الاتجاهات الكلاسيكية هي التي تعطي الأولوية للموضوع.

    ولهذا كان الدكتور الناقد مختار عجوبه محقاً في كتابه (تاريخ القصة السودانية الحديثة في السودان) أن يصنف قصص الستينات وما قبلها في اتجاهين .. الاتجاه الواقعي والاتجاه الوجودي.


    هل أندثر الاتجاه الوجودي الآن:
    في أواخر الستينات من هذا القرن بدأ وهج الفكر الوجودي ينطفئ ، وذلك تحديداً منذ أن اتجه سارتر لليسار الفكري حينما عقد مصاهرة مع الحزب الشيوعي الفرنسي والذي يعتبر أقوى الأحزاب الشيوعية في أوربا . وكان التقاء سارتر بالماركسية قد وقف علي أرض مبدئية صلبة هي اشتراك الماركسية والوجودية حول المعرفة ، فإذا كانت الماركسية في فلسفة المعرفة ، ترى أن المعرفة هي انعكاس الواقع المادي علي الوعي ، كذلك ترى الوجودية أن الوجود المادي للإنسان يسبق الماهية .. وبعبارة أخرى (الوجود يسبق الماهية) وفي هذا كان اختلاف سارتر مع رفيق عمره البيركامو إذ نشب بين الفيلسوفين صراع حاد علي صحيفة (الأزمنة الحديثة) وهي مجموعة مقالات كتبها سارتر وقتذاك ونشرها في سلسلة من الكتب تحت عنوان مواقف . وهكذا خفت صوت الوجودية حينما أخذت تيارات جديدة في الظهور كالبنائية والشكلانية الروسي عند ميخائيل (باختين) الذي نقل في شكلانيته كل أفكار سارتر الأدبية عن كتاب سارتر المعنون بـ(الأدب الملتزم).

    لقد استفادت الحركات الفكرية الأوربية من سارتر وأخذ النقد الأدبي علي الخصوص يتجه إلى الفلسفة ساعياً لتكوين ما يسمى بعلم الأدب . وهكذا أصبح النقد في عالم اليومي حيث انقسم إلى قسمين متعارضين هما (النقد الثقافي) والنقد (الجمالي الشكلاني) والنقد العالمي يعود بهذا إلى نقطة انطلاق الفلسفة في بحثها عن ثنائية (الذات /الموضوع).
    وهكذا اكتست الوجودية بثوب جديد نتعرف عليه في جماليات الأدب وليس في لزومية الأدب.إذاً يمكن أن نقول أن سارتر مازال موجوداً بقوة داخل تيارات الفكر الفلسفي والأدبي المعاصر . وحتى ما يسمى بالرواية والقصة الأدبية الحديثة هما تجليات للمبادئ الأساسية للفكر الوجودي . وهي تجليات ظهرت أيضاً في الأدب العربي المعاصر وكذلك الأدب السوداني.


    نماذج من تجليات الوجودية عربياً:
    في الشعر عربياً وسودانياً نجد اعتماد بعض القصائد علي أسطورة سيزيف كما جاءت في كتابات البيركامو عند محمد عفيفي مطر في مصر وعند النور عثمان في السودان . أما عبد الصبور فقد أخذ فكرة كاملة من كاب (الوجود والعدم) لسارتر تلك التي تقول (Man is Condemned to be Free, carring the whole world on his shoulders) إذ يقول عبد الصبور في أحدى قصائده (الحر من يسمي علي ظهر الأرض وهو ثقيل) . وهو ذات المعني الذي ذهب إليه سارتر.

    ولك أن تلاحظ موقف البطل في القصة والرواية السودانية .. فمصطفى سعيد يجاهد ليكسب هويته القومية والهوية الكونية (تعدد الهويات) . وهذا بالضبط ما حاولته القصة العربية حينما نقلت البطل من محيطه الضيق في الريف وأنت به إلي المدينة فوجد نفسه مقذوفاً به في عالم شديد الغرابة وغير مألوف ، وعليه لهذا أن يبحث عن ذاته وسط هذه الفوضى.

    وهذا ما يمثل تأثيراً إيجابياً علي الكتابة في عالمنا العربي والسوداني مما دفع الكتابة إلى البحث عن أجمل الأشكال الجمالية التي تتلائم مع المضامين الفكرية والحياتية التي تحيط بنا في حركتها الدائمة ما بين عالم ينهض وعالم ينهار.

    المراجع:
    1- الوجود والعدم .. ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي.
    2- مقالات حول سارتر .. الدار القومية لكتاب المصرية.
    3- وجودية ووجوديون .. الدكتور عبد المنع الحفني.
    4- النقد الأدبي والنقد الثقافي – الدكتور محمد القذامي – الدكتور عبد النبي اصطيف.
    5- ديوان أقول لكم: صلاح عبد الصبور – الآداب البيروتية.
    6- الأفيون والفلاين: مجموعة قصص بشير الطيب.
    7- الوجود والعدم : ترجم إلى الإنجليزية تحت عنوان: (Being and Nothingness).

    مجلة كتابات سودانية التي يصدرها (مركز الدراسات السودانية)
    http://www.ssc-[B]sudan.org/Ar/DesktopDefault.aspx?tabid=12&ArticleID=22[/B]
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de