هذه ليست رواية صحفية لتاريخ رجل ـ هو الراحل محمد طه محمد أحمد ـ ولكنها رواية لتاريخ علاقتي ـ المهنية به.. ففي الحديث عن سيرته.. وطريقه وأسلوبه في الحياة والعمل والبيت يمكن أن تصدر مؤلفات .. وأن تؤلف وتقول أقلام هي أعرف مني بالراحل العزيز. ولكنني هنا ألخص حكايتي معه منذ أن تعارفنا نحو العام 1981م فنحن قطعاً لسنا أبناء جيل أو زملاء دراسة كما أننا وإن كُنا أبناء منطقة أو قبيلة.. لم نكن آنذاك أبناء مهنة، وأعني حين تعارفنا على يدي الراحل العزيز صديقي وأخي وحبيبي الدكتور عمر نور الدائم.. ولكن ما الذي جمع بيننا آنذاك وأنا الذي اعيش خارج الوطن وأعمل بصحيفة المدينة السعودية بينما كان الراحل محمد طه محمد قد تخرج في جامعة الخرطوم ـ كُلية القانون ـ والتحق بديوان النائب العام كمستشار في زمن تولي الدكتور حسن التُرابي لمنصب وزير العدل والنائب العام عقب المصالحة الوطنية مع نميري عام 1977م؛ وهي المصالحة التي فتحت طريق التُرابي والجبهة الإسلامية للسلطة عبر إنقلاب الإنقاذ عام 1989م حيث إنشغل النميري بالهوس الديني، وأنشغل قادة الجبهة الإسلامية بعدة أمور مختلفة في مقدمها توطيد أركان ـ التمكين ـ والإمساك بعصب المال والإقتصاد وبناء حزب سياسي قاعدي ورأسي خرج من مايو ومآخذ الناس على مايو كما تخرج الشعرة من العجين. كان قضاة ولاية دارفور قد إصطدموا بالناس ومن صدامهم ذاك انطلقت شرارة الصراع بين كل من الجهاز القضائي والمحامين السودانيين ـ إلا أعضاء الجبهة الإسلامية في القطاعين القضائي والمحامي ـ فقد وقف هؤلاء مع النظام وساعدوه في الخروج من مأزق الإنهيار القانوني بأن أنشأوا معه ما سُمي بمحاكم ـ العدالة الناجزة ـ التي كانت تحكم أخطر وأكبر وأهم القضايا خلال ساعات لإضعاف دور القضاء، وجعل إضرابه غير مؤثر في سير العدالة!. في تلك الأيام والقطاع القانوني كله يقاتل ويناضل مع الشعب السوداني ضد البطش والإرهاب والقضاء العشوائي ـ المسمى ـ ناجز ـ بدأ تحركه فوق واحدة من القلاع القضائية العاتية ونعني ديوان النائب العام حيث كان يتمترس الدكتور التُرابي ومعظم قادة حزبه من القانونيين، كان المستشارون قد إجتمعوا بإحدى قاعات وزارة العدل ذات صباح لتحديد موقف تضامني مع القضاة والمحامين، وكان التوجيه من الوزير ـ الشيخ التُرابي ـ هو عدم الدخول في أي عمل تضامني ضد النظام لأن الإسلاميين جزء من مايو! ولكن وحين إضطربت الأمور داخل القاعة وساد شىء من التردد إن لم نقُل ـ الخوف ـ وقف شاب أشعث أغبر وحديث الإلتحاق بالديوان إسمه محمد طه محمد أحمد ليدعو المستشارين إلى الإضراب والتضامن مع القضاة والمحامين ومع كل الشعب السوداني !. بعدها هاجت القاعة وماجت وخلال بضع ساعات من ذلك الإجتماع العاصف جرى اعتقال الأُستاذ محمد طه محمد أحمد، وأرسل ليمضي عُدة أيام بكوبر، وليطرد بعد ذلك من ديوان النائب العام، وليصبح أحد نجوم الأركان والندوات والليالي السياسية والتعبئة الشعبية التي أسقطت النظام بعد ذلك في أبريل 1985م.. ولكن وقبل ذلك الحدث العظيم ـ ونعني الإنتفاضة الموءودة أين وكيف ومتى تعرفت على الراحل العزيز والقلم المعبر الشهيد محمد طه محمد أحمد؟. كان ذلك عقب ندوة سياسية أُقيمت ضد مايو في أحدى الساحات أو الأندية الطُلابية وربما بدار نقابة المحامين حيث جلست أنا على يمين الراحل الدكتور عمر نور الدائم أحد أبطال ومهندسي إنتفاضة أبريل وكان على اليسار يجلس شاب ملتحي يهمس من حين لآخر في أُذن الدكتور عُمر أو يهمس الدكتور عُمر في أُذنه. أذكر أن أبرز المتحدثين في تلك الندوة المفصلية في تاريخ علاقتي بالشهيد محمد طه محمد أحمد هو الأُستاذ مصطفى عبد القادر، أحد قادة نقابة المحامين وأحد نجوم الإنتفاضة وقائدها القانوني مع آخرين مع زملائه الكرام! كانت الندوة تلك قد إنتهت بعد منتصف الليل وقد إختفى ذلك الشاب الملتحي قبل نهايتها بقليل وبصورة مدهشة لم أحس بها أنا ولم يحس بها أحد!. وقد سألت الدكتور عمر نور الدائم يرحمه الله ونحن في الطريق إلى بيوتنا بسيارته هو إذ كُنا في مثل هذه اللقاءات وغيرها نتحرك بسيارة واحدة.. إما سيارته.. أو سيارتي .. قلت للدكتور عمر أين الشاب الذي كان يجلس إلى جوارك ويبادلك الحديث.. بل من هو؟! قال لي الدكتور عمر ـ رحمه الله ـ هذا محمد طه محمد أحمد ـ وهو مستشار بديوان النائب العام مفصول ـ ومُختفي من ملاحقات الأمن وأيضاً من ملاحقات ـ جبهة الميثاق الإسلامي ـ وهو عضو نشط فيها حيث أمضى كل سنين جامعة الخرطوم وهو نشط في خدمة الإتجاه الإسلامي، بل كانت أكبر وأشهر وأقوى صحيفة جامعية حائطية يحررها في الغالب بنفسه وبقدرة غريبة على الكتابة والإبداع وشد القارىء! طبعاً هذا النهج الصحفي إتبعه الراحل العزيز محمد طه محمد أحمد في صحيفته ـ الوفاق ـ حيث ظل ومنذ صدورها قبل أكثر من عشر سنوات يحرر كل أو جُل موادها السياسية بنفسه.! كنا قد وصلنا أمام منزلي بالسجانة عندما أبلغني الراحل الدكتور عُمر نور الدائم بأن محمد طه محمد أحمد سيأتيني غداً بمكتب جريدة المدينة المنورة بشرق سينما كلزيوم الطابق الثاني ـ ويكون متخفياً وحليق اللحية ومرتدياً لزي لا يشبه الإسلاميين، ولا يشبه محمد طه محمد أحمد نفسه، والذي عُرف بالتقشف والتواضع في لبسه إلى أن رحل. قلت للدكتور الراحل عُمر- إن شاء الله خير- وقد كُنت مسؤولاً عن مكتب المدينة بالخرطوم بإعتباره المركز الإفريقي لصحيفة المدينة ومنه نغطي أحداث إريتريا.. وإثيوبيا .. والصومال .. وكينيا.. ويوغندا..؟! قال نريد أن يختفي محمد طه محمد أحمد عندك في مكتب صحيفة المدينة بضعة أيام لأنه مكتب صحيفة سعودية مشمولة بحماية ورعاية السفارة السعودية، سيكون مكاناً آمناً للرجل الذي نحتاجه نحن ـ كمعارضة ـ في العمل الطُلابي داخل الجامعات. في اليوم التالي وفي الوقت المحدد دخل ذلك الشاب الذي رأيته الليلة الماضية في ندوة المعارضة والمحامين.. ولكنني للأمانة لم أعرفه إلا بعد أن قدّم لي نفسه مع كارت شخصي من الدكتور عمر. قال لي.. أنا محمد طه محمد أحمد ـ عاوز ـ أندس عندك ـ من ملاحقات الأمن وغضب الشيخ، وعندها رحبت وأبلغته بأن الدكتور عُمر قد أبلغني ـ وقد سلمته بعد ذلك لسكرتيرة ـ المدينة ـ السيّدة العزيزة زينب مهدي التي أدخلته إلى الغُرفة المعدة له داخل شقة مكتب صحيفة المدينة؛ حيث تواصلت إقامته لأسبوع أو أكثر كان يخرج خلاله ـ يتفسح ويمارس بعض النشاط السياسي بالجامعات وسط القطاع الطُلابي المعارض، ثم يعود ليلاً عبر طُرق متعرجة ليدخل مكتب المدينة ولينام في الغُرفة التي أُعدت له. هذا هو المشهد الأول، أو الفصل الأول في فصول معرفتي بالفقيد الشهيد محمد طه محمد أحمد والذي إستردته الجبهة الإسلامية بعد إنتفاضة أبريل 1985م كإعلامي بارز في صحيفة ـ الراية ـ الناطقة بإسم الجبهة الإسلامية التي تغيّر اسمها من جبهة الميثاق الإسلامي إلى الجبهة الإسلامية القومية عقب مؤتمرها العام بحديقة نادي الأُسرة! كان الصراع على أشده بين حزبي الأُمة والجبهة الإسلامية، وقد إنعكس ذلك الصراع والخلاف السياسي الذي بلغ حد العُنف ثم الإئتلاف في آخر حكومة وحدة وطنية سبقت إنقلاب الإنقاذ! وقد كانت صحيفة الأُمة حيث أترأس تحريرها وصحيفة الراية حيث كان محمد طه أبرز كتابها بل وقادتها هما المسرح الإعلامي البارز لتلك الخلافات والصراعات والنزاعات بين الحزبين! ولكن ومع ذلك أرجوكم رددوا معي ـ مع ذلك هذه ـ فقد حفظ لي محمد طه محمد أحمد وداً عميقاً، ولم ينقطع عن زيارتي في مكتب صحيفة الأُمة أو في مكتبي بصحيفة الوطن بعد ذلك. إن في علاقاتي بالراحل محمد طه محمد أحمد فيما بعد ومنذ صدور ـ الراية ـ والوطن ـ ثم صدور الوفاق والوطن في زمن الإنقاذ تطورات كبيرة ومهمة. فقد أضحى الرجل صديق أُسرة من خلال خلفية علاقتي المذكورة معه.. ثم من خلال علاقات ودودة وحميمة ونظيفة جداً بينه وبين إبني ـ عادل ـ الذي شيّد مع الراحل العزيز وعبر صحيفة أخبار اليوم ـ وصاحبها الأُستاذ الأخ أحمد البلال الطيب أولى لبنات ـ الوفاق الوطني ـ حيث كتبوا.. ونشروا.. وجمعوا الفرقاء في مستويات مختلفة؛ بل أكاد أجزم أن الطريق إلى الحديث بين الإنقاذ والقوى السياسية المعارضة فتح طريقه الإعلامي ـ على الأقل ـ هذا الثالوث الصحفي المبدع، وأعني الشهيد محمد طه محمد أحمد، والأُستاذ أحمد البلال الطيب والأُستاذ عادل سيد أحمد؛ فقد كان للثلاثة تواصل.. وود.. واحترام لدى أطراف العملية السياسية والحزبية في بلادنا؛ حيث تطور أمر الوفاق الوطني إلى أن صدرت باسمه صحيفة الوفاق.. لسان حال الوفاقيين في ذلك الزمن الصعب والعصيب من عُمر الصراع السياسي بين الإنقاذ وخصومها. رحم الله الشهيد محمد طه محمد أحمد فقد كان أقوى وأشجع من كل خصومه بما في ذلك الذين عجزوا عن إمساك القلم للرد عليه.. فلجأوا إلى السكين.. ليخسروا القضية ـ إن كانت لهم قضية ـ ومعها خسروا الدنيا والآخرة. لك الرحمة.. ولنا.. ولأهلك.. ولقرائك.. بل ولوطنك حسن العزاء.
09-14-2006, 05:30 AM
ملكة سبأ
ملكة سبأ
تاريخ التسجيل: 06-18-2003
مجموع المشاركات: 3855
كنت اسمع عن «الملاماتي» مسمى يطلق على بعض أهل التصوف.. ولم أكن اعرف معنى للمصطلح ولا اعرف الى الآن كيف ارده الى اصوله اللغوية فصحى كانت أو عامية. وشرح لي احدهم ان الملاماتي هو الصوفي الذي يتعمد اظهار سلوكيات لا تشى بالصلاح ويكرر ذلك حتى لا يظن الناس به خيراً فيضمن بذلك خلوص عمله لرب الناس.
تذكرت محمد طه فهو الاقرب الى الملاماتية من بين من اعرف. لم يكن حريصاً على ان ينفي عن نفسه البخل واللؤم لانه كان احرص على الا يخالط سخاؤه دخن الرياء.
قد يكون ذلك مدخلاً لشخصية محمد طه.. لم يكن شخصية وسطية.. يبسط يده كثيراً ويتحسس كثيراً من شبهة الرياء.. عالى الحساسية تجاه تهمة الخوف.. و«يخاف» لدرجة الفوبيا من احتمال الانكسار.. هذه اشارات إلى شخصية عنيدة، وقد كان كذلك.. يفاجئ خصومه وقراءه بتصعيد صاعق لمعركة بدأت بسيطة فتعددت معاركه وخصوماته. ومع ذلك كان يترك - بعناده - ظهره مكشوفاً في الجريدة بل ويصر في عناد غريب على ابقائه مكشوفاً كلما نُبه إلى هذه الثغرة الخطيرة.. وهذا ما اشار إليه بوضوح الاستاذان ضياء الدين بلال وبكري المدني في المقال الجرئ «من هذه المنافذ قتل محمد طه جنقال».
ادرك محمد طه بذكائه الحاد عدم شمول عقلية القارئ السوداني وانه «يشتغل بالقطعة» الوصف المحسن لضعف ذاكرة القارئ. فكان محمد طه يلعب بمهارة بالبيضة والحجر ويستهدف في كل مرة على حدة خصوماً جدداً. هاجم خصومه ضحايا مذكرة العشرة وهاجم خصومه بين العشرة بعد سقوط اركانهم في المؤتمر العام، وهاجم خصومه لما استرد العشرة مواقعهم بعد الرابع من رمضان.. ولكن الصراع لم ينته فلما آزر صاحب «الوفاق» وزير الداخلية السابق في موضوع عمارة جامعة الرباط رأى آخرون ضرورة تأديب صاحب «الوفاق» فافسحوا المجال للحملة التي اعقبت مقال المقريزي الذي تسلل من الظهر المكشوف.. كانت حملة على خلفية خصومة سابقة فاختلط الغضب الشخصي بدرجة اعلى مع الغضب للدين.. وانكشفت الغمة بعد ان هزت صاحب «الوفاق» هزاً وتحقق لـ «الآخرين» غرضهم.. ولكن متى خضعت الفتنة للسيطرة؟ فقد ابقت خطة التأديب وحملة التكفير على وجه صاحب «الوفاق» المظلوم شبهات وشكوكاً..
كان محمد طه متمرداً وذا استقلالية عالية.. ولما كان طالباً في جامعة الخرطوم لم يرشحه الاتجاه الاسلامي للاتحاد قط رغم قدراته السياسية ونشاطه الجم في اركان النقاش.. ورغم مواهبه الصحفية البارزة في صحيفته الحائطية «اشواك» لم يعهد إليه بأية مهمة تحريرية في مجلة «الجامعة» فقد تحسب الاسلاميون للانفلاتات التنظيمية في شخصية عضوهم المتمرد. ولذا استغربت الصعود النسبي لنجم محمد طه السياسي في الجبهة الاسلامية خلال الديمقراطية الثالثة. ولكن يبدو انها كانت فترة اختبار لم يجتزها السياسي الجانح للحرية والاستقلال ولذلك لم يكن محمد طه من نجوم شباب الاسلاميين بعد وقوع انقلاب الانقاذ، ويبدو ان ذلك ترك موجدة في نفسه فبدأت له معارك باكرة قبل الانقسامات الكبيرة بكثير. ولما اسس صحيفة «الوفاق» بيده لا بيد الاسلاميين.. خالصة له.. وضح تماماً انه قد قنع بالخط الاعلامي الصرف.. وظننت ان محمد طه قد وصل الى محطة الاستقرار ولكن صاحب «الوفاق» والمفاجآت بدد اوهامي.
كان محمد طه أبياً عزيز النفس وذا كبرياء زائد.. لا يقبل انصاف الحلول.. ويحب بشدة. احب قادة «حماس» فاسمى ابنه «عبد العزيز الرنتيسي» وتحمس للثوارة الايرانية حتى اسمى ابنه «الخميني» كان معجباً بالثورة الايرانية السياسية ولم يكن شيعياً.. لا ادفع اتهاماً بل أوضح حقيقة وأزيل لبساً. كان منفتحاً على كل الافكار ويعجبه العدل الاجتماعي عند الشيعة لكنه لم يكن شيعياً بل سمعت منه كيف انه اقام الحجة على شيعة ناقشهم حين استدل بالمصالحة بين سيدنا الحسن بن علي وسيدنا معاوية بن ابي سفيان دليلاً على امكانية تصالح «الامام» مع النظام السياسي القائم.. ويشير كثيراً الى حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) عن سيدنا الحسن علّ الله ان يصلح به بين فرقتين من «المسلمين».
كان محمد طه صادقاً يقرن القول بالفعل.. ويفعل ما يقنعه ويريحه لا ما يعجب الناس ولذا عاش غريبا - انشأ صحيفة لا تشبه الصحف ليس فيها مدير تحرير ولا سكرتير تحرير ولا رئيس قسم.. جريدة الصحفي الواحد.. ليس فيها خبر في الصحفة الاولى ولا منوعات في الاخيرة بل مقال في الأولى والاخيرة.. كان غريباً لا يشبه الصحفيين لا يتهندم ولا يتأنق لا يلبس ربطة العنق لانها تخنقه ويلبس قميصاً واسعاً لان الجميل «المحذق» يضايقه ويلبس حذاء كبيراً يريح قدمه.
وكان غريباً وسط الاسلاميين. لا يرشحه الاسلاميون في الجامعة ولا يرضى عنه جناح الترابي ولا يطمئن إليه كثيراً خصوم الترابي.. وكان غريباً وسط الناس يخفي حنوه ورقته خلف قسمات صارمة ويسعى على قدميه في النهار القائظ يقضي حوائج الناس. مرة لإسكان صحفي وتارة لإعانة معسر ومرة لجمع تبرعات وأخرى لتوظيف خريج وما خفى اعظم.. اعظم بكثير.. فاذا شكره احدهم قابل ذلك بـ «مساخة» خوفاً من ان يجره الاطراء إلى مزالق الزهو والعجب وخشية ان يخرجه الاطراء من دائرة معزولة حصنها واختارها لنفسه يحبها ويعرفها وحده.
كان صادقاً ومؤمناً حقاً - قابلني في صباح باكر عند موقع غير بعيد عن مكاتب «الوفاق» فاستغرب وجودي في وسط المدينة في ذلك الوقت المبكر فقلت له انني «امرض» ابنتي الصغيرة في المستشفى. وفي اليوم التالي اعطاني مبلغاً كبيراً من المال وكيساً من «الكمون» ووجهني بأن اسحن الكمون واضيف مسحوقه إلى الزبادي لان الصغيرة قد لا تستسيغ طعمه. كان محمد طه مؤمناً حقاً ولما كان يرى صحة حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الحبة السوداء لاذ بـ «الكمون» لا غيره يتداوى به ويصفه لأصدقائه ومعارفه. يبلعه حبوباً ويسفه مسحوقاً ويتمسح بزيته ويقطر الزيت في انفه وفي عيونه ويقول «لا شئ ينظف عيوني مثل زيت الكمون» ولم يخذله بالقطع صدق ايمانه بل يمكن القول كان الكمون اختباراً لصدق ايمانه فلم يقعد المرض محمد طه قط.. كان يصرعه من اعراضه الاولى بالحبة السوداء بسنده يقينه وايمانه الصادق ومحبته للرسول (صلى الله عليه وسلم) وآل بيته.. كان محباً للرسول (صلى الله عليه وسلم) وآل بيته وهو بإذن الله مع من احب كما بشر المصطفى عليه افضل الصلاة واتم التسليم.
رحم الله محمد طه وارجو ان يكون قد فتح عليه مع أول دفقة من دمه.
09-14-2006, 05:44 AM
ملكة سبأ
ملكة سبأ
تاريخ التسجيل: 06-18-2003
مجموع المشاركات: 3855
أجري هذا الحوار مع الراحل العام الماضي، ونشر حينها، وكان القصد منه تسليط الضوء على بعض الجوانب الخاصة في شخصية الراحل، وكان حواراً سمته الرئيسة أنه استفزازي، لكن الراحل أجاب على الأسئلة كلها بلا تردد، كأنه لا يخشى شيئاً، عند رحيله عدت للحوار فوجدت بعض القضايا التي اثيرت فيه مازالت حية، فآثرنا نشره لأن الراحل كأنه كان يتنبأ بمقتله.
منذ كان طالباً في جامعة الخرطوم اثار جدلاً كثيراً، وهو يعمل بهمة ونشاط مدافعاً عن الفكرة التي يؤمن بها ما جر إليه الكثير من الخصومات والألقاب، أطلق عليه أعداؤه الألداء الأخوان الجمهوريون وقتها اسم ''مهرج النشاط''، وأطلق عليه الأخوان المسلمون ''أصلب العناصر''، وحين تخرج أثار جدلاً أكثر، شق عصا الطاعة على شيخه الترابي، وشن عليه حملات عنيفة، وتقول بعض الروايات التي لم ينفها أو يثبتها أنه ترك فكر''السنة'' وتبني الفكر الشيعي، أنشأ صحيفة «الوفاق» ذات الطابع الخاص بين الصحف ووظفها في معاركه ضد خصومه جميعاً بمن فيهم أهل تنظيمه القدماء، وبلغ الجدل ذروته بالمحاكمة الشهيرة التي اتهم فيها بسب الرسول الكريم حين نقلت صحيفته مقالاً للكاتب المقريزي.
تحيط بحياته الشخصية الكثير من الأقاويل وتثير الكثيرمن الجدل، دخلت عليه صباح الجمعة في مكتبه الذي تتوسطه عين سحرية ينظر من خلالها لزواره يفتح الباب لمن يريد منهم ولا يرد على من لايريد، هو بلا سكرتيرة، قال لي إن الله لم يخلقه بحيث يستمتع ويتذوق الطعام لأن معدته معلولة، وأن التكييف يسبب له الكثير من الأمراض..!
* صحيفتك الوفاق وأنت من أكثر الناس الذين لا يوافقون غيرهم؟
ـ رسالة صحيفة الوفاق هي التقريب بين السودانيين وخلق وفاق بينهم، بل بين المسلمين من كافة المذاهب، وهي الوحيدة بين صحف العالم تحتفي بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) ''إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية''.
* لكنك تثير خصومات عديدة أينما ذهبت؟
ـ لا أريد الخصومات لكن إذا فرضت علىّ أدافع عن نفسي لأن حق الدفاع عن النفس مشروع.
* يصفونك بأنك ملياردير؟
- أدعو الله صباحاً ومساءً أن أكون غنياً وثرياً لأن الثراء قوة، والمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف كما جاء في الحديث، لي ممتلكات ومزارع في الشمالية لكني لا أتمتع شخصياً بهذه الإستثمارات ولا تتمتع بها أسرتي، وحياتي عادية مثل سائر السودانيين، أسكن في بيت معروش بالحصير، وأذكر دائماً وأذكّر أسرتي بقول الخليفة الثاني ''إخشوشنوا فإن النعم لا تدوم''، كل إستثماراتي لصالح الوفاق ''الصحيفة التي أعدها مشروعاً للتوعية والتثقيف في البلاد، ولولاها لأغلقت الصحيفة ابوابها منذ وقت باكر.
* أليست هي أموال الوفاق أصلاً؟
ـ ليست أموالها، ومع إنها تدر أموالاً فهي قابلة ''للكيد والإغلاق''، وقد أغلقت أكثر من مرة بسبب هذا الكيد، وقد أغلقها رئيس لجنة الشكاوى في المجلس القومي للصحافة محمد بشير عبد الهادي لمدة أسبوعين لأنها كتبت تقول إنه يعشق الفن الشعبي المعروف بـ ''الدوبيت''، وأبطلت المحكمة حكم ''عاشق الدوبيت''، ثم أغلقت في الفتنة الأخيرة ـ يقصد محكمته التي اتهم فيها بسب الرسول الكريم ـ رغماً عن القانون الذي يقول بوضوح لا يجوز إغلاق صحيفة إلا بحكم قضائي أو قرار من مجلس الصحافة.
* من اغلقها إذاً؟
ـ أغلقت بقرار سياسي لإرضاء المهووسين وعشاق الفتنة الدينية.
* لكنهم يتهمونك بالثراء العريض الذي لن يؤثر عليه إيقاف الصحيفة؟
ـ الثراء ليس تهمة .. أنت تتحدث عن حسد.!
* ثراء وبخل معاً؟
ـ لست بخيلاً، وأسأل أنا بخيل في شنو؟!
إستثماراتي يعمل فيها الكثيرون وهم لو لم يجدوا فيها العدل لما استمروا بالعمل فيها، وبمناسبة بخلي فالوفاق هي الصحيفة الوحيدة في العالم التي تقدم وجبات ''شعبية'' مفتوحة ''للغاشي والماشي'' إفطاراً وغداءً، وأقول هنالك فرق كبير بين الزهد والتقشف والبخل.
* ثراؤك لا يبين عليك؟
ـ أنا لا أحب الظهور الزائد عن حده، مثلي مثل بقية السودانيين ألبس القميص والبنطلون، ولا أحتاج لبدلة وكرافتة في هذا الصيف الحار، ولا أحتاجهما في الشتاء.
* ليست لديك عربة تركبها؟
ـ لدى عربة تخص الجريدة لا أفضل ركوبها وحين أحتاجها أركبها، مثلي مثل الـ''95%'' من أبناء الشعب الذين بلا عربات، السيارات في الخرطوم صارت تعطل الحركة بدل تسهيلها، لذلك أفضل التجوال راجلاً.
كما إنني ارفض بذخ السيارات الذي أعده جزءاً من أزمة البلد، فوقود سيارة واحدة وثمنها يمكن أن يعمر مزرعة في دارفور أو الجزيرة أو الشمالية مساحتها ''''25 فداناً.
* حتى الموبايل أنت لا تملك واحداً؟
ـ لدى ابني رماح موبايل، ولدى كل العاملين في الوفاق موبايلات، أما أنا فاستخدم الهاتف الأرضي في منزلي أو في المكتب، لأنني لا أريد الكلام باستمرار، ولا أريد أن يتكلم معي الناس على ''طول الخط'' عبر الجوال، أحتاج لحظات هادئة أكتب فيها لا يتيحها الموبايل، معظم مقالاتي استفيد فيها من الوقت الذي أخلو فيه بنفسي ولا أضيع لحظة منه، حتى وأنا في الحمام والماء يسيل على رأسي قد تأتيني فكرة لأن طبيعة الصحيفة التحليلية والمعلوماتية تلزمني بتكريس كل وقتي لها بعيداً عن الثرثرة وإضاعة الزمن.
* لكن الموبايل يمكن إغلاقه؟
ـ أهداني رجل الأعمال محمد عبد الله جار النبي أحدث جهاز موبايل يدخل السودان في ذلك الوقت فوهبته للصحفي ضياء الدين بلال الذي ما زال يستخدمه، وأهداني رجل الأعمال صلاح إدريس موبايل آخر في الشهر الأول الذي دخل فيه الموبايل السودان فاعتذرت عن قبوله.
* يقال إن كل حملاتك الصحفية ذات جذور شخصية، وصحيفتك لا تتبنى حملة صحفية ضد أحد لا يهدد مصالحك؟
ـ كل الحملات التي قادتها الوفاق كانت في قضايا عامة، فقضية مثل قضية تحويل البعض لأموال صندوق دعم الطلاب لمصلحته الخاصة ورفض السداد ويقوم ببناء عمارة بثمنها يمكن بيعها من أجل السداد هل هذه قضية شخصية؟ وإذا كان البعض يجرد وزارة الري من مسؤولياتها، ويجرد حكومة ولاية كاملة من مسؤولياتها وإستثماراتها في الأرض هل هذه قضية شخصية؟!. أحياناً أحتاج لذكر الأسماء والقول إن ''فلاناً'' باسمه فعل كذا وكذا لأن هذا هو منهج النبوة في الصدح بالحق وفي الحديث الشريف ''أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة'' وأحاديث كثيرة غيره.
* لكن كل هؤلاء الذين أشرت إليهم يمكن إيجاد شئ ما شخصي بينك وبينهم؟
ـ لو كانت لي معهم خلافات فليست شخصية لأنني لم أتقدم لخطوبة بنت فلان أو علان، الحق العام دائماً يرتبط بشخص ما، ومن هنا يمكن إيجاد جذر حديث الثراء الحرام حديث ''ابن اللتبية'' (هلا جلست في بيت أبيك ... إلخ)، لأن الأفراد يتعدون على حقوق الجماعات، ليس بيني وأسامة عبدالله أي شئ هو تلميذي، لكنه حين يخطئ يجب أن يصحح.
* سميت أبناءك الخميني ورمّاح مع إختلاف المحتوي الفكري الذي يجسده فكر الإمام الخميني، والفكر الذي يجسده بطل مسلسل ''غضب الصحراء'' أليس هذا تناقضاً؟
ـ أنا أحب الأدب ولي مساهمات في كتابة القصة والرواية والنقد الأدبي والفني، وقد ولد طفلي الأول رمّاح وكنت أشاهد مسلسل ''غضب الصحراء''، فسميته على اسم البطل ''رماح'' دليل الفروسية، أما إعجابي بالإمام الخميني فمعروف ومنشور، وهو طفلي الثاني، أما الثالث فقد إخترت له اسم عبد العزيز الرنتيسي المجاهد والشهيد الفلسطيني المعروف.
* غضب الصحراء ذو محمول عروبي، بينما فكر الخميني فكر مناوئ للعروبة؟
- العروبة لا تناقض الإسلام وفي الحديث الصحيح ''العرب مادة الإسلام، وإذا ذل العرب ذل الإسلام''.
* إذن هل أنت عروبي التفكير؟
ـ نعم هذا تفكير عروبي ''نحن لا نكون بدون العرب''.
* يقولون إنك لا تحب النساء، بل عدو المرأة؟
ـ كيف ومن يقول هذا؟
* الوفاق ليست بها صحفيات أسوة بغيرها من الصحف؟
ـ صحيفتي ليست مليئة بالنساء ولا بالمحررين، هي صحيفة محدودة، لكن هنالك كثيرات عملن معنا ''صباح أحمد وبتول عبد الرحيم، وغيرهن'' كيف أعادي المرأة وهي سبب وجودي، أنا معجب بصحفيات كثيرات وأشهد لهن بالبراعة مثل ''زينب أزرق وبخيتة أمين وآمال عباس وسمية سيد ونادية عثمان..''
* هل تركت السنة وصرت شيعياً كما يقال همساً بصوت جهير؟
ـ الإجابة في أسماء أبنائي، فإذا كان الإمام الخميني من علماء الشيعة وابني الأوسط، فعبد العزيز الرنتيسي أحد مجاهدي السنة هو ابني الأصغر، أنا معجب بحزب الله، الذي يقوده من أبطال الشيعة حسن نصر الله في جنوب لبنان، وفي ذات الوقت أقدس جهاد حركة حماس السنية.. أنا أرى أن الخلاف بين السنة والشيعة خلاف تاريخي قد إنتهي عهده، كل أئمة السنة درسوا على عالم الشيعة الكبير الإمام جعفر الصادق حفيد رسول الله، أنا أرفض هذا التقسيم الذي يحول كل مسلم لماعزة قاصية يمكن أن يفترسها الذئب.
* هل أنت ''فاجر'' في خصومتك كما يقولون؟
ـ مثل ماذا؟
* مع الشيخ حسن الترابي وحزبه المؤتمر الشعبي؟
ـ لحسن الحظ نحن الصحيفة الوحيدة التي غطت مؤتمر حزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده الشيخ تغطية موضوعية، كانت قيادات الشعبي تصر وتلح على مشاركتي، وقد بعث المؤتمر أنشط المحامين في صفوفه للدفاع عنّي الأستاذ بارود صندل المحامي، لو كنت فاجراً في الخصومة لما حدث هذا.
* لكنك هاجمته هجوماً قاسياً ..!
ـ صحيح حدثت بعض المشاكل بيني وبين الدكتور الترابي أول أيام الإنشقاق بسبب ملابسات كثيرة، لكني لم أنتزع السلطة من الترابي، وهو لا ينازعني السلطة.
* كيف هذا ؟
ـ أنا صحفي وهو زعيم سياسي ..
* هل كان خلافك مع عصام الترابي ابن الدكتور بسبب الخصومة؟
ـ خلافي مع عصام الترابي كان بسبب معلومات خاطئة نقلت له قيل فيها إنني كتبت عنه باسمه الشخصي، لكن كل هذه الخلافات انتهت الآن، أنا لا أستطيع النوم وقلبي يمتلئ خصومة لهذا الشخص أو ذاك..
* بنهاية الحوار أصر الأستاذ محمد طه أن أتناول معه طعام الإفطار في الصحيفة الذي قال إنه طعام متاح للجميع، وحين إعتذرت لإرتباط آخر بقولي ممازحاً ''أنا لا أحب أكل الجرايد'' قال لي يبدو إنك من ''المفلهمين والحناكيش'' فضحـــــكت وخرجت من عنده وودعني لباب مكتبه.
09-14-2006, 05:48 AM
ملكة سبأ
ملكة سبأ
تاريخ التسجيل: 06-18-2003
مجموع المشاركات: 3855
بدأ حياته السياسية وهو طالب ينتمي الى الحركة الاسلامية.. وانتهت حياته دون أن يتخلى عن عقيدته.. وهي التي تشكل رؤيته في السياسة، والاقتصاد، والثقافة.. ثم جاء زمن تكاثرت فيه الحركات الإسلامية على نطاق العالم، وتعددت مذاهبها، من أقصى يمينها الى أقصى يسارها، ولكنها تلتقي حول مبدأ أساسي: الاسلام دين ودولة.
وكان حبه شديداً للرسول، أو الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) - تعبيره المفضل - ولآل البيت النبوي، وفي مقدمتهم إمام المتقين علي بن أبي طالب، وابنه سيد الشهداء الحسين.
وتشاء المقادير، مثلما ذهب الحسين شهيداً على أيدي العصبة الباغية التي فصلت رأسه عن جسده بعد أن قتلته.. فقد استشهد محمد طه محمد أحمد على أيدي عصبة متوحشة فصلت رأسه عن جسده.. فيا لمصادفات المقادير.
وطوال سنوات عمره القصير ولكنه الحافل بمواقفه الجريئة، اختلفت أو اتفقت معه، إلا أنه ظل يتصدى لقضايا السياسة والاقتصاد والمجتمع والفنون، من منطلق رؤيته الدينية، لا يجامل في ذلك ولا يداهن.
كان مثل شمعة تحترق ولكنه لم يكن يبالى بما يبذله من جهد يومي خارق كفيل بأن يذيب شمعة حياته الى حد التلاشي.
كان هو المتحدث في الندوات، والحوارات، والكاتب والصحفي الوحيد الذي يفيض قلمه على صفحات صحيفته «الوفاق» من الصفحة الأولى الى الصفحة الأخيرة.. ولكن شمعة حياته لم تكن تحترق وإنما تزيدها التجربة اشتعالاً.
نموذج بشري فريد دون أدنى شك.. واتصور أن محمد طه وسيكن البغاة توشك على فصل رأسه عن جسده، يطل أمام ناظريه فجأة مشهد الحسين بن علي والعصبة الباغية تفصل رأسه عن جسده.. وعنقه ينزف دماً.. وعلى هذا المشهد الخاطف تغمر محمد طه نعمة الشهادة.. وتضيء وجهه ابتسامة النفس المطمئنة راضية مرضية.. فقد جاءت شهادته كشهادة حفيد الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم).
رحم الله محمد طه محمد أحمد رحمة واسعة
09-14-2006, 05:53 AM
ملكة سبأ
ملكة سبأ
تاريخ التسجيل: 06-18-2003
مجموع المشاركات: 3855
كان نجم العشاء.. ويبدو عليه «القلق الشديد» تجاه السودان الخرطوم -«الوطن»:
شارك الفقيد محمد طه محمد أحمد-قبيل رحيله- في دعوة عشاء مائدتها الرئيسية «كوارع» أقامها الصحفي بصحيفة الوطن الاستاذ مكي المغربي بمنزله بالطائف على شرف عودة الأستاذ عادل سيد أحمد من استراليا. حيث ضمت الجلسة لفيفاً من الصحفيين البارزين، وقد كان الاستاذ محمد طه محمد أحمد «مشوقاً في حديثه ، يجذب الجميع كعادته».. حيث تركزت تحليلاته المثيرة في «القوات الأممية» مذكراً أن الظروف الحالية تتطلب تقديم التنازلات الوطنية من كافة القوى السياسية من أجل بقاء السودان». وفي نهاية الدعوة طلب الراحل من الحاضرين استمرار مثل هذه اللقاءات بشـــكل دوري حـــــيث تواعــد الجمـيع على لقاء أخر سيتم ولكن بدونه.
09-14-2006, 05:57 AM
ملكة سبأ
ملكة سبأ
تاريخ التسجيل: 06-18-2003
مجموع المشاركات: 3855
الموت البطولي في الادب القديم.. ينعقد لواؤه لنوع فريد من الرجال.. رجال يمتلئون بالحماسة لتحويل الأفكار الى إرادات متحققة من خلال الأفعال..وقتذاك فهم يموتون على الساحات العامة.. لا على فراش المرض.. فالاشجار (حسب الشاعر) تموت واقفة.
والصحفي الشهيد.. محمد طه محمد احمد هو نوع من هؤلاء الناس هو بطل روائي تراجيدي. وذلك بالضبط هو الايحاء القوي الذي اعطاني إياه الحوار الذي أجراه معه ضياء الدين بلال والطاهر حسن التوم وجمال حسن علي والذي يحمل عنوان (محمد طه محمد احمد مابين الجبل والنهر.) وهو حوار اعادت نشره «الرأي العام» نقلاً عن مجلة الخرطوم الجديدة بتاريخ الخميس 7 سبتمبر الجاري.
* وتراجيدية الموقف هنا تأتي بسبب التركيب البطولي للشخصية التي وضعت أمام المصير منذ البداية.. وهذا ما تؤكده الاقوال التي جاءت في الحوار في بداياتها ونهاياتها.
* كلنا.. نحن البشر.. نعرف ان المسألة تبدأ بيوم مولدنا..وينطلق المركب فوق موج الحياة .. ولا يبقى أمامنا.. سوى القبر.. طال الامر ام قصر !!..
* ولكن محمد طه ..كان منذ البدايات يعرف هذا الوضع الوجودي .. فالطفولة بين الجبل والنهر.. القسوة والانبساط. ويقول محمد طه مخاطباً الطاهر حسن التوم «في الحوار»: (الحدة في أي انسان.. الحياة ليست جلسة صفاء طويلة.. بلغت 45 عاماً.. أي ان العمر سرقني)..
.. اذا قرأنا هذه العبارة نجد ان بطلنا وهب حياته منذ البداية للأفكار.. الانتماء السياسي والعقائدي .. ولكن تراجيدية المصير كانت تضعه في موقف يبدو في ظاهره معاكساً لموقفه المصيري الأصلي. فهو لا يضع نفسه في موضع التابع.. بل هو المبدع لهذا الموقف.. لذا هو الذي يحدد المسار للحزب.. فهو عضو في الحزب.. ولكنه ليس محرراً في صحيفته.. بل هو رئيس تحرير صحيفة خاصة به.. عبر كل هذه المواقف الابداعية هو الذي يقود ولا ينقاد.
* ولكن التناقض التراجيدي الحاد والصارخ هناك.. هو ان بطلنا بهذه الطريقة كان قد وضع نفسه أمام مصير محدد.. مصير اكبر من ان يملك هو تحديد مساره. وهنا بالضبط تراجيدية موقف محمد طه.. وهذا ما يتأكد بإجابة محمد طه سؤال ضياء الدين بلال.. (من الذي استقطبك) للحركة الاسلامية؟..ليس هناك شخص محدد.. في هذا المناخ وبحكم ثقافتي وقراءاتي وجدت نفسي أقرب للإسلاميين.
* وكما لو كان ضياء الدين قد استشف مسار المصير.. سأل مباشرة عن فردانية محمد طه (صاحب البطولة التراجيدية)، ثم أخذ ضياء يشرح مرتكزات هذه الفردانية فأضاف ضياء: (البعض أطلق عليك صفة أباذر الغفاري.. طوال سردك لم ينضح أثر الاصدقاء والأقران عليك .. كنت عضواً بالاتجاه الاسلامي في الثانويات والجامعة بصلاحيات وسلطات مستقلة تماماً.. صحيفتك في الجامعة التي تنطق باسمك فقط.. وكذلك الوفاق الآن؟).
* هذه الفقرة لاتحتاج لاضاءة ما. وهي توضح ان ضياءً كان قد امسك بالخيط التراجيدي الاساسي الذي تتحرك عبره الشخصية التراجيدية في حركتها الوجودية المصيرية الكبرى كما أوضحنا في العبارة السابقة أعلاه- ولهذا أيضاً كان محمد طه في تعلقه بالأدب بحب من أخباسه الرواية والقصة والسبب الواضح هنا ان هذا لما في هذا الضرب الادبي من حركة درامية ومن تفاعل قوي وحي بين الشخوص والحياة حولهم.
* وبسبب كل هذا الذي تم سرده عبر هذا الحوارالوثيقة.. فإن الاختيارالحقيقي لمحمد طه في الدراسة الجامعية كان دراسة الادب، الا أن الاب كان قد اختار بالإنابة عنه القانون وهذه لعلها المرة الوحيدة التي يترك فيها محمد طه لأحد أن يختار بدلاً عنه.
ولكنه فيما بعد عدل هذا المسار، إذ إختار الادب الصحفي وأختار لصحيفته (الوفاق) تحريراً صحفياً ادبياً يخلط ما بين المعلومة والعبارة الادبية والموضوع الأدبي.
* لقد وضع بطلنا حياته كلها أمام انفعال اساسي هو الزهد.. والبعد عن الملذات ..وعن الوجاهة الاجتماعية .. انه انفعال المتصوف حينما يلتقي أعلى ألم بأعلى سرور.. أنه الانفعال الذي يختاره الشهيد دائماً.
* واليك هذا المقطع الذي يمثل الاجابة على سؤال ضياء: (اذا قلنا ان محمد طه يعيش في الخرطوم على معكوس مصطفى سعيد في ود حامد .. مصطفى سعيد بعد عودته من بريطانيا وفي منزله بود حامد كانت له غرفة على النمط الانجليزي يقضي فيها أغلب وقته.. فالبطل هنا استدعى الحياة الاوروبية الى قريته ..أنت في الخرطوم تستدعي الحياة الريفية.. ابراج الحمام وسعاية الأغنام لمجتمعك الحضري الجديد؟)
* ويقول طه: «لم أشعر انني انتقلت لمجتمع حضري عندما جئت الى الخرطوم لم أفكر بها هل كانت مدينة ام قرية فقد دخلنا في معمعة السياسة.. مصطفى سعيد لم يربط نفسه بقضية فكرية او سياسية ولكن كان يربط حياته بالمتعه واللذة.. الرسالة ربطتنا باللذة السياسية).
* الاختلاف النوعي بين البطلين هنا.. هو ان محمد طه أختار الزهد ليخدم رسالة سياسية وفكرية اختارها منذ البدء. فالأدب عند محمد طه ليس غاية في ذاته ولكنه وسيلة لتقديم مواقف سياسية في الاساس. ولكن الادب عند مصطفى سعيد يخدم التأمل الحسي.. يخدم التصور والانفعال والامتاع..اذاً فان الاختلاف الجوهري بين الاثنين محمد طه ومصطفى سعيد.. بوصفهما بطلان تراجيدان .. هو ان محمد طه بطل صوفي زاهد وان مصطفى سعيد هو بطل تراجيدي حسي مشاريعه آنية.
* وهذا ما جعل البطل الصوفي يدفع ثمناً غالياً للحياة التي لم يذق ملذاتها.
09-14-2006, 06:02 AM
ملكة سبأ
ملكة سبأ
تاريخ التسجيل: 06-18-2003
مجموع المشاركات: 3855
كانت الأستاذة فاطمة أحمد ابراهيم في زيارة للوطن لنشر رسالة لرئيس الجمهورية حول إحدى قضايا العمل العام عندما وصل للصحيفة خبر اختطاف الشهيد محمد طه محمد أحمد ..! الأستاذ مكي المغربي الذي كان يحاورها أبلغها بما حدث من اختطاف فدخلت في حالة حزن ثم هياج .. ثم انهمر الدمع السخين رغم المسافة الايديولوجية أو الحزبية بين الشهيد والاستاذة فاطمة التي قالت:« محمد طه الله يستر عليهو.. محمد طه يمرق من بيت العدو» .. وواصلت النحيب لمجرد سماعها خبر الاختطاف قبل الذبح البشع ..!وهذه هي فاطمة أم السودانيين والسودانيات .. وهذا هو السودان ودٌ .. وتراحمٌ بين أهله ..!
09-14-2006, 06:13 AM
ملكة سبأ
ملكة سبأ
تاريخ التسجيل: 06-18-2003
مجموع المشاركات: 3855
ذرف الشعب كل الدموع من مآقيه ومن قلبه، ولكن هذا البلاء غير المسبوق الابد من التفكير فيما قبله وخصوصا فيما بعده.
ان البلاء يحل بنا جميعا، وان مسؤوليته لست مسؤولية سياسية فحسب تنفرد بها السلطة، ولا تقاسمها المعارضة ولكنها مسؤولية بناء شعب اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وليس هذا هو اليوم الذي نتحدث فيه عن حكومة وطنية او تجمع معارض، او معارضة بلا تجمع.. نحن لا نريد ان نهدد النسيج الاجتماعي من جديد، فليقذفني بحجر من لم يخطئ كما يقول الاثر.
« المحاربة » قامت بيننا جماعيا، والسلام تحملناه جماعيا.. فليس من المنطق ان نجتمع عند الحرب ولا نجتمع عند السلام ان «الغزو» الخارجي الذي يتحدث عنه البعض، سيكون حقيقيا اذا رادفه غزو داخلي لا يبقى ولا يذر!
ولكن الحديث عن الوحدة ، هو مقاومة وهو حكم ولكل شروطه العملية ففاقد الشئ لا يعطيه.
ان الحديث الذي ادلى به الوزير برنابا امام اللقاء الثقافي السوداني الامريكاني نهاية الاسبوع، وقال نحن نعم حكومة وطنية وبيننا اتفاق، ولكن هذا لا يمنع من ميثاق اكبر بيننا وبين الوطن ، لكل فيه حرية ورأي، ومن رأي الحركة الشعبية انها وقد مارست التمرد ان تتقن ثقافته وتعرف كيف تتعامل مع المتمردين فلماذا لا يؤخذ رأيها في مشكلة دارفور ولماذا لا يستثمر الوطن هذه الميزة؟
ان من حق الحكومة بل من واجبها ان تضطلع بشؤون الامن الخارجي والداخلي، ولكن هل اشركت الحكومة جانب الوطني المثقف والمتخصص عله يقوم بواجبه ويساهم في تأييد ما هي بصدده؟
يوم ان شنق « طه» الاخر ولو بحكم كان هذا يوم قتل الثور « الازرق» ويوم اغتيل الحزب الشيوعي كان هذا يوم قتل الثور الاحمر ولم يبق امامنا غير « الثور الابيض» لاغتياله والمتمثل في اتفاقيتي «نافاشا» و«ابوجا» فهل نريد ان نغتاله؟ والامن والاستخبارات ، يجب ان تعمل على أمن الدولة والمجتمع ، ولكن هذا لا يعفيها من العمل الجاد لأمن الفرد.
وهكذا يمكن ان نبدأ الحوار، وليس بالضرورة ان تكون له خاتمة فهو كالتنمية يجب ان تكون مستدامة.
ان الدماء الطاهرة التي اعطاها « طه» وان الدموع الغزيرة التي ذرفها الشعب، هي التي يجب ان تفتح الحوار، وهي التي اذا عرف « القاتل» ستأخذ بالثأر، ولكن المهم ان نتدارس لماذا حدث الاغتيال ليس فقط من ارتكبه، والمهم ان نعرف كيف نمنع تكراره ونعرف من اين جاء من الداخل او الخارج، حينذاك يكون بلاء طه اتجه الى وحدة وطنه
09-14-2006, 06:21 AM
ملكة سبأ
ملكة سبأ
تاريخ التسجيل: 06-18-2003
مجموع المشاركات: 3855
لم يعد الوقت مبكراً في تلك الأمسية الخريفية الحزينة الموغلة في الحزن.. وكان الهدوء الساجي الحزين يلف حي كوبر الفقير وقد خلد الناس جميعهم للراحة والنوم.. وكان محمد طه المهموم بأفكاره وعبقريته يتصيد النوم بين أحضان أسرته الصغيرة الوادعة المسالمة.. لم ترعد السماء.. إلا من تجمعات للسحب الرمادية الداكنة التي تكاد أن تمطر مطراً حمضياً. وكانت دقات الموت الرهيبة الغادرة تطرق على بابك المفتوح للجميع وقلبك المفتوح للجميع.. فخرجت كعادتك لتستقبل ضيفاً عزيزاً عليك أو من زمرة ذويك وعشيرتك الكثر.. وما أشد دهشتك في تلك اللحظات الرهيبة.. والوحش الكاسر يتلصص في ظلمة تلك الليلة الحالكة السواد.. يشهر أنيابه في وجهك ولا أحد يستطيع ولو بالخيال أن يتصور على الأقل ما كان يحدث أو ما كان يدور من حديث بينك وبين تيم الإعدام المأجورين من القتلة في تلك اللحظات المتواضعة. إنه الوقت الملائم لبداية النهاية وإكمال مسلسل الجريمة.. والله وحده يعلم.. بداية الرحلة المشؤومة.. والمدينة لم تفق من هجعتها.. في إنتظار الفجر الرمادي الرصاصي مما تخبئه الأقدار.. لقد كان مصيرك يا محمد في غاية البشاعة.. ذبحوك كما تذبح الخراف الوادعة وألقوا بجسدك الطاهر في عراء فلوات الكلاكلات.. للكلاب الضالة السائبة.. وأسدل الستار البائس المأساوي على أكثر الحقائق مرارة في عالمنا المليء بالأحقاد والظنون السيئة.. وتوقفت دقات القلب القوي الكبير إلى الأبد.. ترى ما الذي حرّك أيادي قاتليك.. لقد كانوا غرباء عن ديارنا إنهم ينشدون الحظوة لإرضاء غرائزهم وأهوائهم الفائرة الطائشة وعشق منظر الدماء والأشلاء.. لقد سلبوا الوطن أعظم كُتّابه ومفكريه وترمّل الشعب وأصبح فقيراً.. لقد عاش محمد طه بسيطاً متواضعاً.. متقشفاً كراهب.. ولم يفقد قوانين المهارة طوال رحلته الطويلة مع القلم وسكب المداد على الورق. اليوم فقط نستطيع ونحن نذيب أرواحنا في النحيب والبكاء أن نسترجع كلماته القوية الجريئة المدهشة.. وفي تلك الشوكة التي انغرست في نفوسنا التي أضناها الألم.. لأن الصدمة العاتية المربكة المرّة قد استحالت إلى عذاب مرير.. موجع. لقد ذهب محمد طه شهيداً بعد أن خدعه صعلوك مأفون.. مأجور وما درى الفعلة أن محمد طه.. ليس بالإنسان العادي الذي يندر أن يتكرر مرّة أخرى على أرض الواقع.. وهذا دائماً هو مصير الأفذاذ المتفردين الذين قد لا يجود الزمان بمثلهم في كل مرّة.. من أجل مَنْ كل هذا العذاب أستاذي محمد طه أمن أجل الوطن الذي تكالبت عليه الأهوال والمحن أو من أجل الفقراء والمستضعفين والمتعبين والترابلة وصغار الصناع والمهمشين.. أو من أجل الأيادي الآثمة المأجورة التي تسعى لتمزيق الوطن.. وجرّه إلى ظلمات المستعمر البغيض.. أمن أجل كل هؤلاء قدمت رأسك إلى مقصلة المأجورين الخونة.. دون مساومة في الثمن.. يا فارس القلم. نعاهدك أيها الشهيد بأننا جمهور الصحفيين.. سنواصل الإبحار.. برغم سفائننا مازالت فوق الأرض.. وقبل أن تتم اجتياز دروبها ومسالكها.. تتشابك عند احد المنعطفات.. بأشياء هدبية تعرقل مسارها.. ولكن في نهاية المطاف عندما تتجاوز العاصفة السفائن.. وتقترب أكثر.. وأكثر من الشمس.. وتجيء إلى المرفأ وتستريح السفائن إلى الشاطيء قبالة المدن الفاضلة المبهورة سوف يقشر أبناؤنا ثمار البرتقال والمانجو والأنناس الممزوج بزبد قناديل البحر.. إلى جنات الخلد والفردوس الأعلى بين الحور العين في جمالهن الأخاذ الذي يسلب الألباب.
09-14-2006, 06:49 AM
فتحي البحيري
فتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109
الغالية بلقيس تحياتي ومودتي ربما لا تصدقينني ولكنها الحقيقة ربما فاجأتني الحياة مفاجآت كثيرة مفجعة أتت لي من (خارجي) ولكنها لم تكن في عمق وفداحة المفاجآت القليلة التي باغتتني وخرجت لي من (داخلي) والتي كانت أخيرتها وليس آخرتها حزني على اغتيال محمد
لا اكتمك حديثا أنني شعرت بالخصومة تتسرب من مسامي إلى العدم في اللحظة التي بلغني فيها نبأ وفاة المرحوم الزبير محمد صالح والمرحوم ابراهيم شمس الدين انتهت الخصومة الشخصية بمجرد انسحاب هذه الذوات عن عالم الفانية ولكن لم يكن الأمر أكثر من (ذلك) ولا أقل
ولم أتخيل أنني سوف أحزن على واحد من الذين كان لهم إسهام بالغ ونافذ وعميق في قيام ودعم واستمرار هذا النظام الفاسد (الذي يتصرف الآن في إنسان هذه البلاد وكافة مقدراتها وتاريخهاومستقبلها بسفه وفسالة لم يسبق لهما مثيل ) مثلما باغتني حزني على محمد طه محمد أحمد له ولنا جميعا رحمة الله ومغفرته
الفاجعة أن محمد طه محمد أحمد مات يا عزيزتي (مهما اختلفنا حول ذلك واتفقنا ، ومهما كانت اليد التي نفذت الجريمة البشعة) بيد نفس النظام الذي أقامه ودافع عنه وظن أن الخير فيه ومنه وبه وليس في سواه ولا منه ولا به . قتلوه وهم فيما هم فيه الآن من عسل السلطة وما تدره عليهم بكده وفكره واجتهاده وحتى آخر أيامه (والعهدة على الرواة القريبون) كان يصر على أن (جبال الفساد) الجاثمة على صدر المشروع الحضاري (الذي كان يتوهمه رحمه الله ) قابلة للجرف والإزالة وأنه من الخير الإبقاء على النظام وإصلاحه وترقيعه من الداخل ويلنا- ويلهم : بموت محمد طه محمد أحمد انسدت (طاقة النور) التي كان يمكن أن تصل النظام الهالك المتهالك بكثيرين من أبناء هذا الشعب الغاضب وكان رحمه الله يرفض أن تتعامل السلطات مع غضب الشعب بمثل ما تعاملت به ويلنا - ويلهم : في اللحظة التي كانوا يدججون فيها آلاف الأفراد من الشرطة لمنعنا من التعبير بأصواتنا ولا فتتنا فقط عما نحس به من ظلم وضيق كان هو في أمس الحاجة لشرطي واحد يدرأ عنه الموت - يدرأ عن النظام (انقطاع) آخر أمل للتواصل والتحاور معه .
شفتي كيف يا إخيتي !! عن حزني ، كيف استطاعوا أن يعزلوني عن محمد طه محمد أحمد كل هذا العمر بحجة أنه جبهجي وإنقاذي وأنا ضد ذلك
واعبرتاه
تسلمي
09-16-2006, 01:33 AM
ملكة سبأ
ملكة سبأ
تاريخ التسجيل: 06-18-2003
مجموع المشاركات: 3855
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة