. . ومنصور خالد (14) ياشيخنا العجلة تطير ..د.عبد الله علي ابراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 02:35 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-04-2007, 10:27 AM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
. . ومنصور خالد (14) ياشيخنا العجلة تطير ..د.عبد الله علي ابراهيم

    . . ومنصور خالد (14)

    يا شيخنا العجلة تطير



    د. عبد الله علي إبراهيم
    [email protected]

    كنت من بين جماعة رأت أن منصور خالد قد "بالغ" بانتقاله إلى الحركة الشعبية. وقد رأينا فيما تقدم من فصول هذه الأحاديث أن هجرته كانت أقرب للجوء السياسي منها إلى أي شيء آخر. فقد زار الخرطوم بعد الانتفاضة في أبريل 1985 ولم تهش له أنديتها السياسية الثائرة على نظام مايو البائد. بل كان سيطاله الاعتقال جزاء وفاقاً على همته الطويلة بدولة ذلك العهد ولكنه اختلس نفسه خارجاً عن السودان ليلتحق بجيش تحرير قرنق. واستعرضت في ما مضى رأى قرامام توماس (في كتاب له صدر عام 1990)، الذي عَرِفه حدثاً يغشى بيته مع من يكبرونه سناً من الخريجين على أخريات عهد الإنجليز بالسودان، الذي قال فيه إن منصور استعجل بالانضمام إلى حركة قرنق. كما قال الطيب صالح عن نقلة منصور إنها مما قد لا يرضاها له استاذه المرحوم جمال محمد أحمد.

    وظل منصور ينعي على أمثالي الذين ارتابوا (على خلاف في النظر بينهم) في رحلة هذا الشيخ إلى "غابات الإيماتونغ والملايو". وقدم مرافعة غراء في اقتدائه ب "فضة الكابلي" التي اختارت جيش التحرير. فالنقلة عند منصور سياسية لا جغرافية. فقد كان خاض قبلها في تجارب عالمية من خلال مراكزه في الأمم المتحدة اطلع فيها على سياسات العرق وبغضائها. وأبرز دوره في المفاوضات التي انتهت بالحل السلمي لمشكلة الجنوب في اتفاقية إديس أبابا في 1972 . وعليه فالسؤال عن لحاقة بالحركة الشعبية في 1985 فضول سخيف. ويرى أن منشأه كان بين أناس أرقهم بروز قرنق كقائد نهضوي في مقام الفكر والسلاح ف "قلب جميع المناضد". ونسب استنكار أمثالي إلى رغبة الصفوة الشمالية في الإستئثار بالقرار فيما يكون عليه السودان. وقال إن السؤال عما يريده منصور أو غيره من الانضمام إلى الحركة الشعبية فكرة "كبلنغية" (منسوبة إلى الإنجليزي رايدر كبلنغ من أشهر كتاب آخر القرن التاسع عشر والشاكر الحامد بأفضال الاستعمار الأوربي لأفريقيا وغيرها وصاحب "قصيدة عبء الرجل الأبيض") فحواها أن الشمال شمال والجنوب حنوب ولن يجتمعا. وقال إن من ذهبوا للحركة الشعبية ليسوا وسطاء للشمال في الجنوب أو محامين عنه أو لاجئين من عزلة سياسية بل دفعتهم إلى ذلك "رؤية سياسية ملكت وجدانهم، وقادهم حلم كبير ملأ آفاق حياتهم لتحقيق هذا الحلم وتلك الرؤية." وقد لعب بحرفنته المعروفة بشعر صفيه المتنبيء. فقد كان الدكتور خالد المبارك وصف رحلة منصور إلى الحركة الشعبية بأنها "حردة" رجل عزيز مضطغن على قومه ناظراً إلى بيت المتنبيء:

    إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا أن لا تفارقهم فالراحلون همو

    ولكن كان منصور قد عرف من المتنبيء نفسه أن رحلته بغير ما وصفها به خالد. فاستشهد من شعر صفيه ب:

    التاركين من الأشياء أهونها والراكبين من الأشياء ما صعبا

    ولكني لا أعرف حجة أبلغ من منصور ولا أذكي حملت أمثالي للريبة في أسفار المثقف وارتحالاته من شيعة سياسية إلى أخرى. فقد تعلمنا من منصور نفسه علماً هدانا إلى أن نعترض على تلك الأسفار. وما أن سافر منصور سفرته إلى الحركة الشعبية حتى سَفَّه قولنا إنه ربما كان "في عجلة من أمره" في هجرته إلى الحركة الشعبية. ونسي أنه ربما كان أفضلنا في صياغة نظرية استهجان تلك الرحلات عابرة الأحزاب. فقد اشتكى هو نفسه من قلة صبر المثقف على رياضة التفكير واصطناع البدائل ووعثاء الدعوة لسودان جديد. فجيله، في رأي منصور، كان "في عجلة من أمره" لم يتفق له الصبر للتدرج بحلمه بسودان جديد عبر "خلق قاعدة إجتماعية تتبنى التغيير وترتضي طواعية أجندته. هذا الدور لا يسطيعه إلا من يملك الحس التاريخي كما يملك الصبر لاستشراف أفق زمني بعيد. أغلب الناشطين في هذه القوى لا يبتغي دوراً سياسياً تحفيزياً (stimulating) وإنما ينشد اقتحام مراكز اتخاذ القرار، وعلى التو". وضرب منصور لذلك مثلاً بالإخوان المسلمين الذين استبدت بهم تلك العجلة فركبوا عفريت الانقلاب ليقتلوا الديمقراطية التي مكنت لهم ليكونوا الحزب الثالث انتخابياً في البلاد جزاء على مصابرتهم وحسن تأليبهم وتحشيدهم (جنوب السودان في المخيلة العربية صفحة217).

    وضرب منصور مثلاً بالحركة الإسلامية ونسي نفسه. فلم يتخلف منصور، في المعلوم بالضرورة من سيرته، قيد أنملة عن دعوة الداعي من أهل الشوكة من كل شاكلة مذ كان حدثاً. فظل يقتحم مراكز القرار غلابا وعلى التو متى دعاه الداعي أو حتى لو لم يدعه. وقد جاء الأستاذ عبد الرحمن مختار بعبارة لطيفة مناسبة في وصف طاقة منصور في التقحم "على التو". فقال إنه خرج منه ذات يوم بعد استبعاده من مجلس الوزراء في 1970 "كأنما يريد ان يلحق الريح" فترك السودان لتبتلعه عواصم العالم ليعود بعد 22 يوليو 1971 ليثأر من تسببوا في زحزحته عن موقع لاتخاذ القرار. فقد وقف شامتاً على مشهد الإزراء بأستاذنا عبد الخالق محجوب في محاكمات الشجرة بواسطة اللواء النميري والرائد ابو القاسم محمد إبراهيم. وشهد عن كثب، وبلا نأمة، كيف رشقاه بالماء حين طلب السقيا وأطفآ مناً منهم وأذى السيجارة التي طلبها خرماً. وجاء يوم الرائد أبو القاسم فأخرجوه من منصب نائب رئيس الجمهورية.

    نفرق كمسلمين بين من تكون هجرته لله وبين من هجرته لمأرب في الدنيا الفانية. ومأخذنا على هجرة منصور للحركة الشعبية في 1985 أنها لم تكن لقضية السودان الجديد من بوابة الجنوب وإنما للعقيد جون قرنق. فعبارته صريحة في وصف هجرته للرجل بقوله إنه من الذين نهضوا للالتفاف حول قائد الحركة الشعبية. فقرنق في قوله دفع بقضايا الدين والسياسة والهوية ونظام الحكم بما أوغر عليه صدور شرائح الصفوة الشمالية أصحاب "النظرة الأحادية للشخصية السودانية." (المخيلة 198-199). فالملتفون مثل منصور حول قرنق لم يفعلوا ذلك اختباطاً بل بعد امتحان رؤاه "وتابعوا مسيرته واستقدحوا فكره فخلصوا إلى أنه رجل لا يستبدل به سواه لحمل الجنوب والشمال على رؤية موحدة جديدة لبلادهم."

    واختبرت منعطفات الحركة الشعبية وخصوماتها هجرة منصور إلى قضية السودان الجديد فإذا بها تسفر أنها لقرنق لا غيره. فقد وقف معه خلال صراعه مع الدكتورين ريك مشار ولام اكول حين خرجا عليه في 1991. وهو خلاف لم تخل من مثله حركة سياسية ناهيك عن حركة عسكرية سياسية.

    ولا تثريب في خيار منصور لقرنق لولا أنه نظر للصراع في الحركة وكأنه بين قوى الخير ممن انحازوا لقرنق وقوى الشر الأخرى، لا صراعاً بين مناضلين اختلفت تقديراتهما الإسترايتجية. وكتب منصور في تزكية قرنق وأبلسة مشار ولام كتاباً عنوانه "جون قرنق يتحدث" (1987) نقحه ونشره بعنوان آخر هو "نداء من أجل الديمقراطية" في السودان (1992). وهو كتاب خال من المروءة لكاتب ما أنفك يسألنا إعمال الفكر والمنهجية في نظر قضايانا السياسية. فانحدر بكتابه إلى درك معلوم في تنزيه الزعيم ، العقيد قرنق ، عن المماثلة والتحدي من مثل ما كان ينشر عن الزعيم كيم ايل سونغ في إعلانات شغلت الصحف العربية والأجنبية دهراً طويلا . فقول منصور إنّ انقسام لام ومشار لم يهز جنان قرنق الذي ظل "ثابتاً على دفة المركب" هو من دارج أدبيات كيم إيل سونغ. واستنكر منصور على لام ومشار الحديث عن الديمقراطية بينما يعرف القاصي والداني فخرهما بيساريتهما وأن من عصبتهم من كان يفخر بماركسيته الفاقعة على الملأ .وهكذا أوقع منصور طلاقا بائنا بين اليسار والديمقراطية علي انه غير مأذون في هذا الفقه. وأعتذر منصور عن تجاوزات الحركة بقول رديد عن حرج الظرف ومقتضيات الكفاح . وقال عن تجاوزاتها لحقوق الإنسان فيها بأنها من المقدور أن تقع في حركة هي حزب وجيش ولا يجوز عقلاً أن تٌمتحن بمعايير عالمية إنسانية لحقوق الإنسان . وجاء منصور بحكاية "دموع التماسيح" التي لا يصح تبخيس إنسان بدونها . فقد استغرب لاحتجاج لام ومشار على خروق الحركة للحقوق الإنسانية ووصف تباكيهم عليها بأنها دموع تماسيح . وقال إنه حتى الحكومة السودانية ذات السجل المعروف في تجاوز حقوق الإنسان قد سبقتهم الى هذا التباكي . وكأن بكاء أناس مما يلغي مشروعية بكاء أناس آخرين . وجاء منصور بحكاية "الأجندة الخفية" التي لا يصح تجريد إنسان من حق النقد بدونها . فقد انتهى إلى القول بأن لام ومشار من ذوي الأجندة الخفية الخائنة التي انطوت على هجر الكفاح والاستسلام للعدو يدفعهم إلى ذلك مزيج مرتجل من اليأس والطموح الفطير .وهكذا لم يبق منصور مفردة من مفردات أدب التخوين اليساري إلا واستدعاها ليستأصل شأفة الدوائر التي تحركت في بئر الحركة المعطلة بفضل ذاكرة وشجاعة لام ومشار .

    أكثر ما يفجع المرء في كتاب منصور ما يراه من تكذيبه للام ومشار تكذيباً جامعاً مانعاً. فقد جعل من ثقته في الزعيم قرنق وبيعته للحركة الشعبية سداً دون أن يسترق السمع إلى شكاة الرجلين عن ظلم الزعيم والحركة لهما. فقد عطل منصور بهذا آلة المثقف فيه ، وهي استصحاب الذاكرة على علاتها بشجاعة، ليدين الخارجين بنص وحرف مقررات مؤتمر مدينة توريت لعام 1991 الذي عقدته القيادة العسكرية العليا برئاسة قرنق خصيصاً لمحاصرة الانقسام والسيطرة على آثاره. وهذا تأليف تعودنا عليه في الكتاب المعروف عن تاريخ الحزب الشيوعي السوفيتي الذي ما كانت تصدر منه طبعة جديدة إلا في مناسبة فراغ الزعيم من نصر مؤزر على أهل الزيغ والضلالة والنفاق في حزبه .

    كثيراً ما قال منصور إن التحاقه بالحركة الشعبية زكاة يؤديها لينقذ معشر الشماليين من أنفسهم من فرط سوءاتهم المعلومة بحق الجنوبيين وغيرهم. وبدا لي بهذا أنه يصور خروجه للحركة كصدوع بحق لمغلوبين تواطأ الشماليون على حجبه. ومما يعيب حجة منصور هذه أن قولة الحق ليست مجرد قبس أو إملاء اخلاقي. إنها كدح شديد تتناصر فيه المعرفة الدقيقة بالواقع وإطراد الأخلاق. قال س بوك في كتابه "الكذب" إن قول الحقيقة ليس مجرد فضيلة خلقية ولكنه أيضاً سبر دقيق لمطاو الواقع والتفكر الجدي فيها. وعليه فقول الحقيقة ليس اعتباطاً يقع متى ما هجس لنا هاجس الأخلاق وإنما هو شيء يستوجب علينا أن نسعى لأن نتعلمه بما يشبه فك الخط أو "تاتي يا تاتي" المشي عند الأطفال: خطوة بعد خطوة بعد خطوة. وهذا نظر مبتكر قد يصدم من يظن أن الذي يقف بين المرء وقول الحقيقة هو مجرد حاجز أخلاقي يتخطاه من سَمَت نفسه وصَفَت أخلاقه فيدنو له قطاف قول الحقيقة ويصبح الجهر بها سهلاً ميسوراً. ولكن من المعلوم بالضرورة أن الأخلاقيات غير منبتة عن الحقيقة وعليه فلن يصدع المرء بقول الحقيقة بمحض إطراد خلقه وسمو نفسه. فتمتع المرء منا بخلق عال ليس مستحقاً يعول عليه في قول الحقيقة. فعلو الأخلاق نفسه مشروط بمعرفة الواقع على بينة وبنباهة. فالجهر بالحق يستوجب من المرء أن يتعلم أولاً كيف يتعرف على الحق ثم كيف يبلغه الناس بأقل قدر من التشويه ما استطاع.

    وقد رأينا في حلقات مضت من هذه الأحاديث نقص منصور في العلم بأوجاع الآخر غير "ود العرب" الذي أبت عليه أخلاقه العالية إلا نصرته. فوجدناه، متى استفزه أمر ما، تكور في صدفة مصطلحه العربي يسلق من شاء بألسنة مستعلية حداد فصيحة مبينة. وهذا سقوط شنيع في من زعم تزكيتنا وتطهرينا من رجسنا. ومرد هذا الفشل إلى أن منصور ربما رأى في قولة الحق لصالح المغلوبين فضيلة اخلاقية أو زعماً بها ولم ينفذ إلى بنية الاضطهاد القارة في نظامه اللغوي العربي المبين فيزلزله وينزع عنه فتيلة الخيلاء العرقي فيتسع للآخر أهلاً نزلت وسهلا. ولا يفشل منصور في اختبار الزكاة مرة بل هو يدمن الفشل. فهو في غي الإستعلاء يعيد إلحاده ضد الآخر المغلوب لا يكل ولا يمل من غير أن يفطن إلى أنه أساء من حيث أراد الإحسان.

    فقد نفث يوماً غيظه من رجال في الإنقاذ فاخروا بعروبتهم مع أن أصولهم في غرب أفريقيا معروفة للقاصي والداني في قول منصور. ولم يراجع نفسه عن هذا الإفتراء (ولم يجد من يراجعه) فعاد إلى تأنيب هؤلاء المدعين في مناسبة أخرى. فذكَّرهم بأن السودان مضياف قبل بوافدين من أفريقيا منذ عهد سبق المهدية وصار أحفادهم جزءاً من النسيج السوداني. ثم زاد ممتناً: "وبلغ التعالي ببعض منهم، لكيما يلقوا القبول في السودان الوسيط، حداً جعلهم يخايلون "بعروبة" مصطنعة في ظل النظام الحالي (دولة الإنقاذ) مما دفعنا لتذكيرهم—والذكرى تنفع المؤمنين—بكيف ومن أين جاءوا إلى السودان محمولين على ظهور أمهاتهم" (المخيلة صفحة 437):



    ولنقص مران منصور في قول الحقيقة وجوه عديدة. فهو يكتم الحق متى جانب الحق مصلحة أكيدة لشيعته. فلمنصور رأي حسن مفاده أن الأخاء السوداني لا يتهدده الاستعلاء الشمالي فحسب بل عقدة التدن والنقص الجنوبية (المخيلة صفحة 362). وهي عقدة قال إنها لم تأخخذ بالجدية مخاطر تمزق السودان في فكرها وممارستها. وهي عقدة مو######## من عهود الاسترقاق ومضاعفاته. ووصفها بأنها دمل خبيث آن له أن يٌستأصل من تاريخنا. وسنحت لمنصور فرصة أن يشتبك مع هذه العقدة ويؤسس لمنهج يستأصل شأفتها من موقعه المبتكر بين المصابين بها من صفوة الجنوبيين. ولكن لم يفتح الله على منصور بكلمة يرد زعيم الحركة الشعبية عن استثمار مسألة الرق المستجد أو المتجدد (والمختلف في بواعثه وحجمه وطرق تداركه) في ملابسات الحرب الأهلية الأخيرة. وكانت الحركة الشعبية قررت أن تجعل من تجدد الرق السوداني واسطة عقدها الإعلامي تأقلماً مع المنابر الأمريكية التي هشت لها في آخر الثمانينات. وهي منابر مترعة بالرق إتراعاً يريد كل صاحب قضية أن يشتكي او يتشكى منه طلباً للنصرة. فلم يقل منصور للحركة "على رسلك" لا تستعجلي الأحكام بعرقية هذا الرق المتجدد وترويجه كأمتداد لعار عربي إسلامي شمالي من القرن التاسع عشر بغير درس. وكانت هذه تبعته حيث هو: مستشاراً للحركة الشعبية وزعيمها طالما علم أن خبر الرق مما سيعصف بالسودان ويفرقه أيدي سبأ. وقد حاولت أنا هذا الدرس في كتابي "أنثربولجيا الخبر: الرق في السودان" (القاهرة: 2002) و "أصيل الماركسية" (القاهرة: 2006). ووجدت في هذه الدراسة ما أقنعني بالتبعة الأخلاقية والمهنية لمثل منصور أن يصدع بالحق عن ذلك الرق يرد الصفوة الجنوبية السياسية عن الغلواء بقول ثقيل.

    وصمت منصور عن استفحال مسألة الرق أبلغ دليل أن الصدوع بالحق ليس زكاة من فضل خلق بل علماً محيطاً بالواقع. وهذا العلم هو شرط مقدم لفضل الأخلاق. لقد خانت منصور شجاعته في أن يحدث شيعته في الحركة الجنوبية بغير ما يرضون. والشجاعة هي رباطة الجأش حين تكتنف المرء الحادثات. وبالمقارنة تمتع برباطة الجأش هذه الدكتور الضليع ألكس دي وال، الذي لا ترقى الشكوك إلى تضامنه مع الحركة الشعبية، وقالها للحركة "زي ماهي" كما يقول الأمريكان. و"ركب من الأهوال ما صعبا". فلقد محض الحركة نصحاً خالصاً لوجه الزمالة في مجلة اليسار الجديد الأمريكية ( 1988) يحثها أن لا تسرف في "ترويع" الغرب بمسألة الرق حين ارتضى منصور من الأشياء ما هانا: الصمت. فقد التمس دي وال من العقيد جون قرنق أن يتحفظ في ترويج ذائعة الرق المعروفة لأنها مما لا ينسجم ومنشأ حركته وظلاماتها. ويأتي دي وال إلى هذه المسألة من خلفيته كناشط في مجال حقوق الإنسان. وهو مجال تصطرع فيه نزعتا العلمانية والكنسية. ودي وال العلماني يشتبه في أن المنظمات الإنسانية الكنسية تخلط بين التبشير لعقائدها الخاصة وحزازاتها وبين الاحتجاج المشروع لمن أضيرت حقوقهم. وترتيباً على ذلك قال دي وال إن اتهام السودان بممارسة مستجدة للرق هو بالأحرى جدال حول أجندة المنظمات الإنسانية السياسية والدينية حيال الحكم في السودان أكثر من أنه شغف مجيد بمصائر المسترقين أنفسهم. وأخذ على قرنق قوله على منبر أمريكي إن نظام الإسلاميين في السودان قد عاد بالرق للجنوب. وأضاف أن قرنق يعلم عن هذا الرق علماً أفضل من قوله ذلك. ولكنه لم يتورع من حلب هذا الشطر الأمريكي الجاهز لنصرة المشتكي من داء الرق وما به داء. ووصف خطة قرنق هذه بأنها جزء من إدارة السياسة بواسطة الدعاية واستسلمت بها الحركة لأجندة منظمات أخرى. واضاف أن تحدي الحركة الشعبية الحق هو أن لا تتبع أحداً وأن ترسم أجندتها لنفسها بإبداعية.

    بل استبق دي وال الزمن ليقول إن استنامة الحركة لأجندة الآخرين سيفسد عليها قضيتها العادلة متى تكشفت مبالغة المبالغين في أمر رق السودان (أنظر الصندوق في آخر المقال) .وقد حدث هذا بعد فضح شبكة السي بي إس ومحررها النابه دان رازر حملات عتق الرقيق بشرائهم من أسيادهم التي اشتغلت بها منظمة التضامن المسيحي بقيادة البارونة كوكس عضو مجلس اللوردات. وقال عضو متنفذ سابق بالجمعية لرازر إن المسألة كلها لعب على الذقون فلا عتق ولا حاجة وكل ما رآه الناس من معاملات مصورة للعتق مسرحية كبيرة. وقال رازر غير مصدق: "يعني إتلعب علينا ملعوب يا ناس الله" (برنامج 60 دقيقة يوم 15 مايو 2002). ونأت الحركة الشعبية عن مسالة الرق بعد افتضاحها وانسحبت منها كما تنسحب العجينة من الشعر ولا حد سمع ولا حد قال.

    كنا نريد لمنصور الأناة حتى لا يركبه عفريت اللهوجة فيبدل حزباً بحزب وعقيدة بعقيدة على التو. واللهوجة أكثر ما يستبشعه منصور في حركة الفكر والأفكار. كان منصور لدى انضمامه للحركة قد خرج منذ حين من التنظيم الفرد الاتحاد الاشتراكي ونظام مايو وبدأ يكتب في العربية والانجليزية كتباً يسترجع مسيرته بين تلك الشعاب لعقد من الزمن. ويستدرك فيها عثراته بآخرة بعناوين من مثل "لا خير فينا إن لم نقلها" تنعى على صاحبها كتمان الشهادة في آوانها. وهي جس بعد ذبح أو هي عذر أقبح من الذنب. ومع ذلك لم يصبر صاحبها عليها حتى تتسرب إلى الأفئدة فتتغذى منها "مدرسة علم" تكون بمثابة نواة لقاعدة اجتماعية تستلهم حكمة هذه الكتب الآجلة لتستكشف وجود التجاني يوسف بشير المغاير أو السودان الجديد.

    ومنصور أعرف الناس قاطبة بمستحق الفكر كما رأينا. فقد سألني سائل عن دور المثقف فاسعفتني عبارة قرأتها عند منصور للسهرودي عن وجوب الخلوة للمثقف حتى يشع في جلوته علماً مباركاً. ولكن منصور عجول إلى الجلى لا يحتمل البعد عن مرتكز اتخاذ القرار . . . وعلى التو. وهذا نقص معيب في حرفة المثقف. وكان للهوجة منصور ضريبتها الفادحة. فقد رأينا في فصول تقدمت أنه لم يبرح إمتياز "ود العرب" العرقي قيد أنملة لأن هجرته ل "عناق الآخر" لم تكن لله والحق والجمال وإنما لنفسه. ولذا لم تمس منه الشغاف فتزلزل دفين محفوظاته العرقية الأولية وتنقيه منها ليخلص للإلفة العرقية في الوطن وغيره. ولما لم تكن هجرته للحق كانت مضمضة سياسية.

    شقيت بلادنا من مثل لهوجة منصور في الصميم من فرط الفتن والترويع بالتاريخ. ووقعت من لهوجة منصور عابر العقائد ما خشاه الدكتور عبدالله الطيب على جريزلدا زوجته في موضع أميز. فقد كانت تركت المسيحية بعد عشرة طويلة للرجل واعتنقت الإسلام وشهدت أن لا إله إلا الله بجامع ما في نيجريا. وما أن خرجا من الجامع حتى طلبت جريزلدا (وهي "جوهرة" بعد إسلامها) مفتاح السيارة من الدكتور لتقودها في رحلة العودة للبيت. فقال لها الدكتور بحس فكاهي معروف عنه: "يا حاجة أنت خارجة لتوك من دين إلى دين ألا تخشي أن ينبهم عليك الشارع فيصيبنا مكروه من قيادتك وأنت بهذا الحال".



    صندوق

    كولا بوف: ردوم رق السودان زادته كوماً فقالت الحركة الشعبية: "لكين ما بالغت يا كولا!"



    زعمت كولا بوف، الموصوفة بأنها شاعرة ومقاتلة من اجل الحرية وممثلة، بأنها مولودة بالسودان من أم من سود السودان وأب مصري عمل بالآثار. وقد كانت في سن العاشرة أو الحادية عشر حين أٌعدم والديها لجرأة أبيها في معارضة الرق في السودان. وكان والدها مؤيداً قوياً للعقيد جون قرنق وحركته لتحـــرير السودان. وأصبحت كولا داعية رسمية لقرنق وحركته منذ مارس 2002. وارتدت عن الإسلام وتحولت إلى ديانة نيلية أفريقية . وأملت عليها هذه الديانة أن تظهر بغير شيء يستر نهديها في الصور التي زينت أغلفة كتبها. وكانت زعمت صدور فتوى من حكومة السودان بقتلها لنقدها لممارسة تلك الدولة للرق ورجم النساء وأشياء أخرى مهينة للمرأة. وقالت إنه لوقتها في 2005 كانت تحت حماية مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي بعد محاول فاشلة لقتلها بإطلاق الرصاص عليها في لوس انجلس. وقد نفى مكتب التحقيقات أنها محمية بواسطته. وعندما سئلت قالت إن إنكارهم هي طريقتهم لحمايتها. وسألها السائل إن كانت الفتوى حقاً أم أنها مما عممته عن نفسها لترويج مباع كتبها بعرض نفسها كشخص مثير للخلاف والاستفزاز. وكان عدد من الناشطين الأمريكان الأفارقة قد جعلوا من مسألتها قضية تبنوها وخرجوا للدفاع عنها. وتظاهر نفر من معجبيها أمام الأمم المتحدة وسفارة السودان احتجاجاً على إضطهادها. ومن بينهم كاريا سيلوا شقيقة كيرتس سيلوا التي جذبت الاهتمام إليها قبل عشرين عاماً حين أسست الجماعة المتطوعة "الملائكة الحارسة" لتحمي ركاب مترو الأنفاق في مدينة نيويورك. وقد سافرت ماريا، طالبة علم الصحافة، إلى السودان واشتغلت بكشف النقاب عن ضروب مخالفات حقوق الإنسان بالسودان. ولكنها سرعان ما بدأت تتنصل عن كولا وقالت إن الغموض الذي يحف بها قد يؤذي قضية معارضة حكومة الخرطوم. ولكن الإذاعي جو ماديسون في واشنطون قال إن كولا رزق ساقه الله لتحريك مسألة الرق في السودان التي فشل هو في التنبيه لها خلال ست سنوات في الإذاعة. وكانت الحركة الشعبية لتحرير السودان قد هشت لكولا واحتضنت مسألتها باديء الأمر. ولكنها تنصلت عنها لما رأتها تهرف بأشياء غير قابلة للتصديق عن حياتها الخاصة مثل قولها إنها كانت خليلة لأسامة بن لادن لوقت قصير في آخر التسعينات. ولم يصمد هذا الزعم لشك الشاكين. وقال السيد دينق آجاك مدير مكتب الحركة لشعبية لتحرير السودان لزملائه: "لنرمي طوبة هذه المرأة. قد تكون كولا صادقة أوقد تكون نسجت حولها واحدة من أروع قصص الخيال استحكاماً مما لم يخطر على عقل بشر. و "قد يكون قد يكون" هذه من الاستحالة بحيث أن أهدى السبل لنا في الحركة أن نجر البَلَق منها."
    سودانايل
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de