|
|
 المهندس محمد فائق أمين المهنيين بالإتحادي الديمقراطي يكتب عن المغفور لها هيئة جمع الصف الوطني
|
بعد حوالي العام منذ خروجها الى العلن اول مرة اعلنت هيئة جمع الصف الوطني ان مساعيها قد كللت بالنجاح وانها استطاعت التوصل الى مقترحات مجمع عليها من كافة القوى التي استطلعتها الى درجة انها اشترطت عدم ادخال أية تعديلات على تلك المقترحات الا بموافقة الجميع.
ولمصلحة القارئ فاننا سوف نحاول تلخيص ما خلصت اليه الهيئة ودفعت به الى القوى السياسية لإبداء الرأي النهائي حوله.
قسمت الهيئة ما توصلت اليه إلى ثلاثة محاور، استهلال ثم الاجندة المقترحة ثم مقترحات حول ازمة دارفور.
* جاء الاستهلال تحليلاً تقليدياً لمشاكل السودان منذ الاستقلال من شاكلة الصراع المتطاول على السلطة وضعف البنيات الأساسية والغبن التنموي والتهميش.
ثم تقول انها وبعد التمحيص الدقيق لآراء القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والحركات المسلحة بدارفور وآراء الشخصيات الوطنية المستقلة وقراءة الكثير مما كتبه الدارسون فقد توصلت الى:
- ان فترة الحكم الوطني بعد الاستقلال قد تميزت بعدم الاستقرار السياسي وبتطاول الحرب في جنوب السودان واستيلاء القوات المسلحة على الحكم ثلاث مرات.
- ان ظاهرة تشظي الاحزاب وانعدام الحريات ادت الى انحسار الجماهير عن المشاركة السياسية وافرزت ظاهرة حمل السلاح كوسيلة للحصول على المطالب.
- ان الصراعات المسلحة والاخفاق في الخروج من الازمات ادت الى حالة من الاستقطاب خرجت بالازمة من السيطرة الوطنية وكادت تصل بها الى حالة من التدويل الشامل.
- تؤمن على العهود والمواثيق التي وقعتها الدولة مع الفرقاء ولكنها تقر بالحاجة الى وقفة صادقة مع النفس للنقد الذاتي والمصالحة والتوافق على عقد اجتماعي.
- تدعو الهيئة الى تعزيز قاعدة التفاهم الوطني وتقترح ثلاثة بدائل هي بالترتيب:
1/ منبر يتم التوافق عليه من قبل الاحزاب السياسية وقوى المجتمع الحية.
2/ مائدة مستديرة.
3/ مجموعة حكماء لمناقشة الاجندة المقترحة.
* وفي المحور الثاني جاءت الاجندة المقترحة في بابين ففي الباب الاول تحت عنوان الثوابت الوطنية ذكرت البنود التالية:
1/ ان السودان جمهورية ديمقراطية مستقلة لا مركزية السيادة فيها للشعب والتعدد فيها مصدر للقوة والمواطنة اساس الحقوق والواجبات.
2/ نظام الحكم يقوم على الشورى والديمقراطية والقضاء فيه مستقل والخدمة المدنية متحررة ومؤهلة.
3/ الحريات العامة متاحة طبقاً لدستور 2005م.
4/ نبذ العنف وتحريم حمل السلاح الا للقوات النظامية.
5/ التعبير عن التعددية الثقافية والدينية لا يعلو فوق الدستور وليست شرطاً في تولي الوظائف العامة.
وتحت عنوان موضوعات للتداول جاء التالي:
1- التأمين على الدستور الانتقالي وعلى اتفاقيات نيفاشا وابوجا والشرق واتفاقية القاهرة ومنحها السند القومي والعمل على تطبيقها.
2- العمل على تبني مبدأ اقتسام الثروة والسلطة لاقاليم السودان المختلفة على غرار ما جاء باتفاقية نيفاشا.
3- العمل على تأمين التحول الديمقراطي وفصل السلطات.
4- اصلاح القوانين المتعلقة منها بالتحول الديمقراطي.
5- ضمان قيام الانتخابات في موعدها.
6- تمكين كل القوى السياسية من استخدام اجهزة الاعلام القومية خلال فترة الانتخابات.
7- اعادة الاعتبار للمفصولين سياسياً او في اطار الصالح العام وجبر الضرر الذي اصيبوا به.
8- اقامة هيئة وطنية للمصارحة والمصالحة الوطنية والاعتراف باخطاء الماضي منذ فجر الاستقلال والاعتذار للشعب عما ارتكب في حقه من تجاوزات.
9- الاتفاق على الابقاء على النظام الانتقالي الحالي بكل مستوياته حتى اعلان نتيجة الانتخابات.
10- عدم ادراج اي اجندة اخرى عدا ما هو مطروح الا بموافقة جميع الاطراف.
* وفي المحور الثالث وتحت عنوان مقترحات حول ازمة دارفور جاء التالي:
1/ ان الموقف في دارفور يزداد بسبب التشدد في المواقف والحلول الجزئية والتدخلات الاقليمية والاجنبية.
2/ اتفاقية سلام دارفور لم تحقق نجاحاً على الارض لعدم استيعابها لكل الفصائل المسلحة.
3/ تقترح الهيئة آلية مجمع عليها للتفاوض مع الفصائل غير الموقعة.
4/ تقترح الهيئة لجنة قومية لمعالجة الموقف الانساني في دارفور.
الآن عزيزي القارئ، وبعد ان اطلعت على ملخص ما جاء في وثيقة الهيئة، سوف نسير معك من خلالها لنرى ما اذا كانت الهيئة قد نجحت في ان تقدم مبادرة يجتمع حولها الصف الوطني ام لا.
فالوثيقة تستهل بتحليل تقليدي يغرق في الماضي ولا يتعرض للحاضر الماثل بالتحليل ولا يؤشر لحلول مستقبلية ويغفل تماماً الوضع الذي استجد خلال الثمانية عشر عاماً الماضية اي منذ ان جاءت الانقاذ الى السلطة وهي السنوات التي حدثت فيها كل التعقيدات التي تتحدث عنها الوثيقة، بل وتتجاهل الوضع الحالي الذي نشأ من بعد التوقيع على اتفاقية نيفاشا ووضعها موضع التطبيق فما سبق نيفاشا اصبح جزءاً من الماضي ولكن نيفاشا هي التي تمثل الحاضر وتحدد شكل المستقبل فلا اقل من الاشارة الى القصور الذي لازمها في طور التفاوض من اقصاء لجميع القوى الوطنية شمالية كانت ام جنوبية ما عدا الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والنسبة غير العادلة لاقتسام السلطة بينها (52 الى 28) مما جعل القوى السياسية المشاركة في ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية مجرد ديكور لا يشارك في اتخاذ القرار ولا يخلق توازناً بين الشريكين. وكان الاحرى ان تطالب الوثيقة الشريكين بالتنازل عن جزء من حصتيهما للقوى الاخرى حتى يكون هناك توازن. ناهيك عن الاشارة الى السلبيات التي صاحبت التطبيق والمشاكسة والمكايدة التي طبعت العلاقة بين الشريكين وتمسك الحكومة بالقوانين التي تتعارض مع الدستور الذي صاغته هي بارادتها.
ولأن الوثيقة اغفلت كل ما ذكرناه فقد عجزت عن الاتيان بالآليات المناسبة لتنفيذ ما اقترحته. فبدلاً من خيار المؤتمر الجامع الذي تجمع عليه القوى السياسية الوطنية ما عدا المؤتمر الوطني جاءت بتسمية هجين (منبر يتم التوافق عليه من القوى السياسية وقوى المجتمع الحية) وفي هذا مجاملة واضحة للمؤتمر الوطني. فالمؤتمر الجامع ليس هو المنبر فالاول ذو صفة مؤقتة اذ ينتهي اجله بانتهاء اعماله وتبقى توصياته وقراراته للالتزام والعمل بها وتنفيذها من قبل الجميع اما المنبر فله صفة الديمومة والفرق كبير بين الاثنين. اما خيار المائدة المستديرة فلا توضح لنا الوثيقة من هم المشاركون فيها واما مجموعة الحكماء فلم تقل لنا الوثيقة من اين يأتون وما هي الجهات التي ترشحهم وما هي مواصفاتهم.
على ان ما يحير فعلا ليس هو غموض الخيارات بل ان الهيئة قد قررت بالفعل ان خيار مجموعة الحكماء هو الخيار الامثل بالرغم من كونه الخيار الثالث ولكنها امعانا في التضليل غيرت الاسم قليلاً فأسمته منبر الحكماء اي انها تبدو وكانما دمجت الخيارين الاول والثالث فاخذت كلمة المنبر من ذلك واخذت كلمة الحكماء من هذا ثم مضت الى آخر الشوط فاختارت رئيسه وسمت اعضاءه وهي بذلك تكون قد نصبت نفسها بديلاً لكل القوى السياسية التي طلبت اليها ابداء الرأي في الوثيقة. واذا كان الامر كذلك فلماذا لا تصبح الهيئة نفسها هي مجموعة الحكماء خاصة وان القائمة التي نشرت تحتوي على عدد من اعضاء الهيئة انفسهم. واذا كانت الاجندة التي سوف تناقشها في النهاية لجنة من عدة اشخاص مهما وصفوا بانهم حكماء فما الذي يلزم الآخرين بنتائجها؟
وعندما نصل الى الاجندة المقترحة نجدها قد اغفلت اهم بند في الثوابت الوطنية وهو بند وحدة الوطن شعباًَ وتراباً فاذا لم تكن الوحدة من الثوابت فما الذي يكون؟ الم تجد الهيئة بعد كل هذا التمحيص ان هناك ما يهدد الوحدة الوطنية؟ ام ان الهيئة قد اقرت ان الانفصال قد اصبح واقعاً؟
واما في باب موضوعات للتداول فسوف نرى العجب، فكل المطلوب من القوى التي استطلعتها الهيئة هو التأمين على الدستور الانتقالي واتفاقية السلام ومنحها السند والمساعدة في تطبيقها في اطار مبادئ الاحترام والزامية العهود. وهل التزمت الاطراف الموقعة اصلا على تلك الاتفاقيات بعهودها خاصة الطرف الرئيسي في كل الاتفاقيات، المؤتمر الوطني، ناهيك عن الاطراف التي لم تشارك فيها أصلا ولها عليها من التحفظات ما لها.
ولماذا تريد الهيئة من كل الاطراف الموافقة على الابقاء على النظام الانتقالي الحالي بكل مستوياته حتى قيام الانتخابات؟ وما هو الثمن الذي سوف تقبضه تلك الاطراف؟ الم يكن مناسباً ان تطلب الوثيقة الى الشريكين في الحكم التنازل عن بعض حصتيهما للاطراف الاخرى حتى يعود التوازن الى السلطة؟ وحتى تجد الاطراف الاخرى ما يغريها بالمحافظة على النظام.
واغرب ما في الوثيقة هو البند (10) الذي يشترط موافقة الجهات التي سوف تدرس الوثيقة وتدلي برأيها فيها ألا تدخل اي اجندة اخرى على ما هو مطروح بهذه الورقة الا بموافقة جميع الاطراف مما يعني ان هناك فيتو على الوثيقة يمنع ادخال اية تعديلات عليها فما فائدة دراستها اذاً؟
على ان هناك من بين كل هذا نقطة مشرقة وهي الاقتراح بقيام هيئة للمصارحة والمصالحة الوطنية وحتى هذا الاقتراح تناولته الوثيقة في خجل ومجاملة كبيرين لحكومة الانقاذ وذلك بالحديث عن الانتهاكات التي وقعت منذ فجر الاستقلال والهيئة تعرف وكل عاقل يعرف ان ما وقع في الثمانية عشر عاماً الماضية هو مئات اضعاف ما وقع في العهود السابقة فالانقاذ هي التي اججت نار الحرب في الجنوب وفصلت مئات الآلاف من العاملين وزجت بمثلهم في بيوت الاشباح وهي التي ادخلت العنف الى العمل السياسي ثم فتحت جبهات للحرب جديدة في دارفور وشرق السودان وقتلت الابرياء في بورتسودان وامرى وكجبار وافسدت الخدمة المدنية واجترأت على المال بما لم يسبقها عليه احد.
اما ما جاء في شأن دارفور فلا خلاف عليه من حيث التحليل ولكن من يسأل عن تعقيد الموقف هناك ومن الذي دوَّل القضية ومن الذي رفض التفاوض مع بقية الفصائل ثم بدأ ثم عاد فاستجاب للضغوط الدولية ومن الذي رفض مشاركة الآخرين معه في حل مشكلة دارفور أصلاً؟
عزيزي القارئ ترى هل نجحت الهيئة في تقديم مقترحات حقيقية لجمع الصف الوطني؟
*** نقلا عن السوداني - الخميس 9/8/2007م
|
|
 
|
|
|
|
Abulbasha
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست