في رزنـامة الأسبـوع: الاستاذ كـمال الجزولي يسـخـر مـن بـوش، ويلقن وزارة العـدل درسآ في القانون!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 10:32 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-28-2007, 09:42 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
في رزنـامة الأسبـوع: الاستاذ كـمال الجزولي يسـخـر مـن بـوش، ويلقن وزارة العـدل درسآ في القانون!


    [email protected]


    رُزنامة الأسبوع
    -------------
    [email protected]

    كمال الجزولي
    [email protected]


    بُحَيْرَةُ مَنْ؟!



    الثلاثاء:
    ------------------------

    هل يضعضع تزايد نفوذ (العلم التطبيقي) مكانة (الشعر)؟! الاجابة تبدو غير ممكنة ما لم نحدِّد ، أولاً ، ما نعنيه بهذا المصطلح الغامض المعرَّف بالألف واللام: (الشعر)! ولقد شطحنا ، صديقي بشرى الفاضل وشخصي ، ذات عصف ذهني خلال سبعينات القرن المنصرم ، فخلصنا إلى أن كلَّ فنٍّ هو ، في النهاية ، (شعرٌّ)! ثمَّ لعلنا خففنا الوطء شيئاً ، فحصرنا الأمر في فنون (الاعلاء اللغوي)! وربما كان ذلك بتأثير الاستخدامات التاريخيَّة للمصطلح بهذه الدلالة ، حيث وضع أرسطوطاليس سفره (فن الشعر) وهو يشتغل على قوانين المسرح ، وألف بوالو ديبريو كتابه (فن الشعر) ، خلال القرن السابع عشر ، في ذات المنحى أيضاً. وذهبنا إلى أن كلَّ (شعر) هو استجابة ، على نحو ما ، لضرورة اجتماعيَّة موضوعيَّة ، من خلال الوعي أم اللاوعي ، بصورة مباشرة أم غير مباشرة ، ونعني ، بالطبع ، المستوى الاصطلاحي والمفهومي للظاهرة ، لا القيمة الكيفيَّة من زاوية النقد أو التذوُّق. وأعتقد أن الأمر ظلَّ دائماً هكذا ، منذ رسومات الكهوف والاحتفاليات الطقسيَّة الباكرة. فقط مع تعقد أشكال التعبير الفني خصَّ التقسيم المدرسي (القصيدة) وحدها كموصوفة بـ (الشعر).

    وبرغم الاختلاف النوعى بين مداخل (الشعر) و(الفلسفة) و(العلم) ، إلا أن الامساك بقرون الظاهرة (الشعريَّة) لا يكون بغير المقاربة (الفلسفيَّة) لحقيقة الحياة التي لا تتوفر بغير (العلم) ، والوقوف على (فلسفته). ولا أعنى (المقاربة) بدلالة (التفسير) ، بل (التغيير). مع ذلك (فتغيير) الشئ مستحيل دون (معرفته) ، بحيث تبوخ أية محاولة لاصطناع (صِدام) متعمَّل بين (الشعر = الفن) ، ومناطه (الوجدان) ، و(الفلسفة) الكامنة وراء كلِّ (معرفة/علم) ، ومناطها (العقل). وقد نلاحظ ، استطرادا ، احتفاء (الفلاسفة) بـ (الشعر = الفن) ، بل وتجريب بعضهم الاشتغال به!

    الذين يطرحون المقابلة بين (الشعر) و(العلم) و(الفلسفة) ينطلقون ، في الغالب ، من الشك فى قدرة (الشعر) ، بخيالاته وتهويماته وأساطيره ، على الصمود أمام التطورات الجارية فى عصر (العلم) ، ويتساءلون ، من ثمَّ ، عمَّا إذا كانت الحاجة لـ (الشعر) ستظل قائمة فى الحياة المعاصرة! لكن السؤال ، بهذه الطريقة ، مقلوب على رأسه! (فالشعر) ذاته ضرب من الحفر المعرفي الذى يتغيَّا هدم واقع قبيح وبناء آخر جميل. علماً بأن الحديث ، هنا ، يدور حول (الشعر) الحقيقي ، لا الأوهام ، كما فى قول إلسا تريولييه عن لويس أراغون! ولأن هذا الواقع غالباً ما يبدو أكثر (واقعيَّة) من أن يتيسَّر استيعاب بؤسه ، فإن الكثير من (الشعراء) يلوذون (بالأسطورة) هرباً من جنونه ، وتحريضاً على استدباره! ولعلنا نفهم ، من ثمَّ ، قيمة النزوع (الشعري) الحثيث لاستلهام (الأسطورة) ، لا كمنحى يتأسَّس على (أسطرة الواقع) من باب (شهادة الزور) ، وإنما كمحض حيلة فنية تجرِّد هذا (الواقع) من أقنعته ، وتجعله أكثر (افتضاحاً)!

    إعادة إنتاج (الأسطورة) فى الشعر نشاط إبداعي يهدف ، فى حقيقته ، لا لنفي الواقع عدمياً ، بل لتأكيد الاقتدار الانساني على فعل (التغيير = الثورة)! وبالتالي ، فإن كلا (الشعر) و(العلم) يستهدف ، وإن بطرائق مختلفات ، تمكين المستضعف بحفز الوعى لديه بضرورة وإمكانيَّة هذا الفعل ، وهذا أول (التحريض)! لذا (فالأسطرة) تستأهل الذمَّ ، فقط ، حين تستهدف إنتاج وعي (زائف) بالعالم من شأنه التخذيل من هذا الفعل. لكن (الأسطرة) ، بهذا المعنى ، ليست خصيصة ملازمة لكل استلهام (أسطوري) ، فثمة فى (الاسطورة) والخرافة والسِّحر ، أحياناً ، ما من شأنه تعميق الوعي (الحقيقي) بـ (الحقيقة) في مجال الخلق (الشعري = الفني)!

    صحيح أن عصرنا حفيٌّ ، إلى حدِّ الجفاف أحياناً ، بـ (حقائق) الكشوفات (العلميَّة = العقليَّة). والناس فى كل مكان يتحدثون بنبرة التبجيل عن (العلم) ، والتفكير (العلمي) ، والمناهج (العلميَّة) .. الخ. لكن مكابر من لا يرى ، أيضاً ، أنهم لا يستطيعون لجم شغفهم (الوجداني) القديم ، قدم الانسانيَّة ، بالموسيقى والرقص والتشكيل والدراما وغيرها ، وإلى ذلك سائر ضروب الاعلاء اللغوى ، قصيداً كان أم سرداً .. الخ. وإذن ، (فالشعر = الفن) و(العلم) لا يشتغلان بالتبادل. هذا مدخل خاطئ لفهم كلا الظاهرتين!

    وإذا حصرنا كلامنا في (القصيدة) ، فإنها ، من جهة أولى ، من أقدم أشكال التعبير الجمالي ، وأكثرها حميميَّة مع الفطرة. ولذلك فهي ، على العكس من (الرواية) ، مثلاً ، شائعة فى البيئات الحضريَّة كما البدويَّة ، حتف أنف الفارق الخشن بين وصف الممدوح بالكلب فى وفائه ، وبين التغزل الفاره فى عيون المحبوب إذ تجلب الهوى من حيث يدرى المُحبُّ ولا يدرى! مع ذلك ليس نادراً ما يقع التوافق المدهش ، في صياغة الصورة ، بين (شاعرين) ، بدوي وحضري ، كالذي بين قول الحردلو (شاعر) البطانة: "نظرة المِنُّو للقانون بقيت اتحدَّى/ فتحت عندي منطقة الغنا الانسدَّ" ، وقول محجوب شريف (شاعر) المدينة: "وتفتح نظرة من عينيكي لي مجرى الغنا المسدود"! علماً بأن محجوب أنجز قصيدته عام 1976م ، بينما أصدر حريز أوَّل طبعة من (فن المسدار) ، شاملة لقصيدة الحردلو هذه لأوَّل مرَّة ، عام 1977م! فانظر كيف تتجلى (وحدة) التجربة الشعوريَّة ، مهما تباينت مصادرها ، وكيف (تلتقي) طاقات التعبير (الشعري) عن ذات التوق للوجود (المغاير) ، أياً كانت (الأشكال الفنيَّة) التي تتخذها! (فالشاعر) ، فى المقام الأول ، "إنسان يخاطب الناس" ، كما قال وردزورث بحق. ويعظم أثر هذه المخاطبة وخطرها ، كلما عظمت طاقة (الشاعر) ، ليس فقط على تثوير مضمون الفضائل الانسانية التى يبشر بها ، بل وعلى تثوير اللغة ذاتها ، كجزء من (البنية الفنيَّة) التي يتوسَّل بها ، ضمن حمولته (الشعريَّة) ، لخلق اللذة والادهاش والامتاع وخلب الألباب ، قبل جلب المنفعة ، أو الدفع باتجاهها ، على رأي برتولد برشت. وفى هذا شئ من وصف (الشعر) كثورة (باللغة) و .. (فيها) أيضاً ، مِمَّا يتيح مسارب لـ (العلم) و(فلسفته) إلى شرايين (الشعر) و(أوردته) الدقيقة!

    من جهة أخرى ، لا يقوم ثراء (العلم) نفسه إلا على ثراء (الخيال) الذي يعتبر ، أيضاً ، عنصراً رئيساً في العمليَّة (الشعريَّة = الفنيَّة). (فالخيال) ، إذن ، من أبرز القواسم المشتركة بين الظاهرتين. ومشهورة الموافقات بين (الشعر = الفن) وبين (العلم) ، فالكثير من الحقائق (العلميَّة) تجذرت ، ابتداءً ، فى (الشعر = الفن)!

    من جهة ثالثة ، نشير ، على صعيد علاقة (الفلسفة) بـ (الشعر/القصيدة) ، دون إغفال الفروق بينهما ، إلى البنائيَّة الفلسفيَّة المذهلة التى أنجزها المتنبي ، مثلاً ، فى مستوى (جدل اللغة) و(جدل الصورة الشعريَّة) ، قبل أن يصار إلى (إعادة) إنتاج هذه البنائيَّة فى المستوى (الفلسفي) المجرَّد بقرون طوال. واستطراداً ، ننوِّه أيضاً بالتأسيسات الباهرة للامام عبد القاهر الجرجانى ، مثلاً ، فى حقل الأدب وفلسفة اللغة ، بشأن جدل (المضامين والأشكال) ، أو (المعانى والمبانى) ، دَعْ الانفجار المذهل للمنجز (الشعري) والنقدي العربي ، على هذا الصعيد ، فى العصر الحديث.

    الشاهد ، ليس ثمَّة (تطابق) تام ولا (قطيعة) نهائيَّة بين (الشعر = الفن) ، و(الفلسفة) ، و(العلم). وطالما بقى فى الانسانيَّة شغف باللذة المتأتية من التطلع للوجود المغاير ، فسوف تبقى لـ (الشعر = الفن) قيمته المتأتية ، بالأساس ، مِن خاصِّيَّته (التلقائيَّة) ، مع الأخذ في الحسبان بضرورة مواصلة (القصيدة) التغذي على الأجناس الأخرى ، كالدراما والسرد والصورة السينمائيَّة. بعد ذلك ، وليس قبله بأيَّة حال ، (قد) يمنح المخزون (الفلسفي) و(المعرفي) هذه القيمة (قيمة مضافة) ، دون أن يكون هذا المخزون نفسه هو مصدر (القيمة الابداعيَّة) الأصليَّة!



    الأربعاء:
    --------------------

    لا يعرف (السجن) إلا من يكابده! تصحيف طفيف لبيت الشعر الشهير خطر لي وأنا أتابع ، اليوم 18/7/07 ، الاحتفالات في جوهانسبيرج بعيد الميلاد التاسع والثمانين لنلسون روليلالا مانديلا ، فتذكرت كيف تلقينا عام 1990م ، ونحن نقضي فترة اعتقال بسجن بورسودان ، نبأ إطلاق سراحه بعد صموده الأسطوري طوال سبع وعشرين سنة بين جدران الزنزانة رقم (46664) بسجن جزيرة روبن ايلاند بجنوب أفريقيا ، فلكأننا ، بالحق ، تلقينا نبأ إطلاق سراح رفيق لنا في زنزانة مجاورة!

    ولد (ماديبا) ، وهذا إسمه المحبَّب ، بترانسكاي بجنوب أفريقيا. وفي الثانية عشر اختير زعيماً لقبيلته ، خلفاً لوالده الذي توفي. وفي 1930م تلقى دروسه الابتدائيَّة في مدرسة داخليَّة ، ثم بدأ التحضير للبكالوريوس من جامعة (فورت هار) ، غير أنه فصل ، مع رفيقه اوليفر تامبو ، عام 1940م لاشتراكهما في إضراب طلابي ، فاضطر لمتابعة دراسته بالمراسلة ، حتى تأهَّل للالتحاق بكليَّة القانون بجامعة (ويتواتر ساند).

    في الرابعة والعشرين التحق بـ (المؤتمر الوطني الأفريقي) المدافع عن حقوق الأغلبيَّة السوداء المهضومة ضد سياسات الأقليَّة البيضاء العنصريَّة ، خصوصاً بعد العام 1948م عندما صعد الحزب القومي إلى الحكم ، ببرامجه القائمة على (الفصل العنصري) ، حيث لم يكن يحق للسود المشاركة في الحياة السياسيَّة ، أو إدارة شؤون البلاد. وكانت الحكومة تجرِّدهم من ممتلكاتهم ، وتهجِّرهم من مقاطعاتهم ، إنتهاكاً لمقدَّساتهم القبليَّة ، وحرماناً لهم من مواصلة العيش على أرض الاجداد! وسرعان ما اشتهر مانديلا كمناضل جسور ، وقائد لحملات المقاومة وسط جماهير شعبه. وكان المؤتمر يدعو ، في البداية ، للمقاومة السلميَّة ، لكن بعد إطلاق النار على المتظاهرين عام 1960م ، وحظر الجماعات المناهضة للعنصريَّة ، أعلن المقاومة المسلحة ، فأصبح مانديلا ، في 1961م ، رئيسا للجناح العسكري للمؤتمر. وفي أغسطس 1962م اعتقل وحوكم بالسجن خمس سنوات بتهمة السفر غير القانوني والتدبير لإضراب. وفي 1964م حوكم ، مجدَّداً ، بالسجن مدى الحياة بتهمة التخطيط لعمل مسلح!

    قضى مانديلا سبعاً وعشرين سنة في السجن ، دون أن يغيِّر مواقفه أو مبادئه ، مِمَّا شكل مصدر إلهام لرفاقه ، وتقوية لعزائمهم داخل وخارج الأسوار ، فاستحال النداء بإطلاق سراحه أنشودة ضد التمييز العنصري. وفي 10/6/1980م نشرت رسالته التي سرَّبها لزملائه في قيادة المؤتمر ، وفحواها: "إتحدوا! وجهِّزوا! وحاربوا! فما بين سندان التحرُّك الشعبي ومطرقة المقاومة المسلحة سنسحق الفصل العنصري"! وفي عام 1985م عُرض عليه إطلاق سراحه مقابل وقف المقاومة المسلحة ، إلا أنه رفض المساومة ، فبقي في السجن حتى11 /2/1990م ، عندما أثمرت نضالات المؤتمر والتضامن العالمي في إطلاق سراحه بأمر من رئيس الجمهوريَّة ، آنذاك ، فريدريك دكليرك الذي ألغى أيضاً حظر المؤتمر. وفي 1993م حصل مانديلا ، مناصفة مع دكليرك ، على جائزة نوبل للسلام.

    من يونيو 1991م إلى ديسمبر 1997م تولى مانديلا رئاسة المؤتمر. وفي 27/4/1994م فاز في أوَّل انتخابات ديموقراطيَّة بالبلاد ، فأدى اليمين الدستورية في 10/5/1994م كأول رئيس أسود لها. واستطاع ، خلال فترة حكمه ، أن يحقق تحوُّلاً كبيراً من حكم الأقليَّة إلى حكم الأغلبيَّة ، وبالأخص في جبهة (العدالة الانتقاليَّة) التي مكنت ، عن طريق الكشف عن (الحقيقة) ، من تفادي نزعة الانتقام ، وتحقيق (مصالحة) تاريخيَّة مع الذاكرة الوطنيَّة في المقام الأوَّل. غير أنه أعلن ، في يونيو 1999م ، عن رغبته في التقاعد. و .. عقبال الشمعة المئة!

    الخميس:
    ----------------

    مرَّت اليوم الذكرى السادسة والثلاثون لحركة الشهيد هاشم العطا التصحيحيَّة في 19 يوليو 1971م. وكما هي العادة (السنويَّة!) انخرط المتباكون على شهداء (بيت الضيافة) ، يتفجَّعون بدموع التماسيح السياسيَّة ، مع أن أكثرهم ، وبكلِّ المعايير ، لو كان وجد ، قبل ذلك ، أحداً من أولئك الشهداء في النار لزاده حطباً! ومالنا نمضي بعيداً ، وقد اهتبل بعضهم ، بالفعل ، سانحة مشاركتهم في حركة الشهيد محمد نور سعد ، بعد ذلك بأقلِّ من خمس سنوات ، فانطلقوا يفِشُّون غبينتهم النابحة على مايو وسنسفيل جدودها ، تاركين ذلك القائد الباسل يجوس وحده من ركن إلى ركن ، في عرصات الخرطوم ، يحاول أن يلمَّ شعث خطته التي بعثروها له ، يومذاك ، بخراقتهم! ففيهم من ذهب ليقتل رئيس هيئة الأركان في بيته ، ولمَّا لم يجده فتح نيران مدفعه على شقيقه العائد لتوِّه بدرجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة أجنبيَّة ، والمستغرق في نومه ، في ذلك الفجر الباكر ، فعجن لحمه وعظمه ودمه مع المرتبة والأغطية والوسائد! وفيهم من ترك حراسة جسر النيل الأبيض ، فرحاً باقتناصه قائد السلاح الطبي الاعزل ، ينزله أسفل الجسر ، ويمزق جسده برشاشه من على مسافة أقلِّ من متر واحد! وفيهم من أطلق جحيم راجماته ، تحت جنح الظلام ، على حفنة من جنود سلاح المهندسين بأم درمان ، وهم نيام عُزَّل ، لتتشظى أجسادهم مِزقاً على جدران العنابر وبلاطها!

    ولك أن تعجب ، بعد كلِّ ذلك ، من أن أولئك هم أكثر الذين يتحمَّسون ، في مثل هذه الأيام من كلَّ عام ، للتفجُّع على (الاخلاق) السودانيَّة ، وتركة (التسامح) المتوارثة ، ثمَّ ما يلبثون أن يعرجوا ، وهذا بيت قصيدهم ومربط فرسهم ، لإدانة الشيوعيين بتلك الجريمة ، لا يبالون بالتثبت من الحقيقة مقدار قلامة ظفر ، ولا يهمهم أن مَن انقلبوا يتخذونه ، في بعض سنوات حكمه اللاحقة ، (رئيساً قائداً) يزيِّنون له فجوره ، كان ، في خطوة أشبه بالجسِّ بعد الذبح ، قد أعدم قادة الشيوعيين والديموقراطيين ، أوَّلاً ، ثم شكل ، بعد ذلك ، لجنة ، برئاسة القاضي حسن علوب ، للتحقيق في تلك الاحداث! لكنه ما أن تسلم تقريرها النهائي حتى سارع إلى طمره (!) ولو كان وجد فيه ذرَّة مِمَّا يمكن أن يدفع به عن نفسه ، أمام العالم ، تهمة التعجُّل بالجور على أولئك النفر من خيرة أبناء الوطن ، عسكريين ومدنيين ، لما كان أراح أجهزة إعلامه ، ساعة واحدة ، من (النباح) بنتائج تلك التحقيقات ، و .. إن في الناس لفطانة!

    وعلى ذكر تركة (الاخلاق والتسامح) السودانيَّة نقول ما سبق أن قلنا ذات (رزنامة) قديمة: نعم ، لو أن (ثورة أكتوبر) أو (انتفاضة أبريل) قد وقعت في أيِّ بلد عالمثالثيِّ آخر لأبيد نصف سكانه لا محالة (!) ولو ان الجماهير الغاضبة في ذلك البلد كانت قد اقتلعت دكتاتوراً كجعفر نميرى ، عن جدارة واقتدار ، وألقت به فى مزبلة التاريخ من الباب ، لما استطاع العودة من النافذة ، يأكل الطعام ، ويمشى فى الأسواق ، ويغشى المآتم والأفراح ، وينشىء حزبه مع المنشئين ، ويترشح لرئاسة الجمهوريَّة ، بل ويتحالف مع الحزب الحاكم .. كمان (!) لكن ، قبل أن نهتزَّ (طرباً!) لهذا المعنى ، علينا أن نراجع أوراقنا ، فنكمل الجمل الناقصة ، ونصِل بين النقاط المبعثرة ، ونضع خطوطاً خضراء تحت الكلمات الصحيحة ، وحمراء تحت الخاطئة ، ونسجل ، على الهوامش ، ما نلاحظ من ثقوب وتناقضات ، لندرك أن من الغفلةِ الظنَّ بأن "الأشياء هى الأشياء" ، على قول الفيتورى! فبقدر ما يصحُّ (التفاؤل) بأن (العنف) ليس هو (نهاية السياسة) فى بلادنا ، يقع صحيحاً أيضاً (التشاؤم) من كون (التسامح) لم يكن ، يوماً ، السمة الوحيدة المائزة لسلوكنا السياسي.

    في هذا الاطار العام ، فقط ، يمكننا النظر في حادثة (بيت الضيافة) ، وليس تأبيدها كمحض موضوع لـ (يوميَّة تحري) ، على حدِّ تعبير الصديق الحبيب عبد الله علي ابراهيم!



    الجمعة:
    -------------------

    في سياق تصريحاته المتواترة ، طوال الاسابيع الماضية ، حول العثور على آثار بحيرة قديمة ضخمة تحت الأرض ، إلى شمال شرق دارفور وجنوب غرب مصر ، تبلغ مساحتها 30.750 كيلومتراً مربَّعاً ، ما يُعادل مساحة ولاية ماساتشوستس الأمريكيَّة وثلاثة أضعاف مساحة لبنان ، قال فاروق الباز ، الخبير الجيولوجي الأمريكي الجنسيَّة ، المصري الأصل ، ومدير مركز الاستشعار عن بُعد بجامعة بوسطن ، قولاً عسير الهضم بأن "الحرب وعدم الاستقرار في دارفور يرجعان (كليَّا) إلى نقص المياه .. ولذلك إذا وجدت مياهاً للمزارعين بالاضافة إلى مياه للبدو .. فإنك تحلُّ المشكلة (تماماً) .." (الصحافة عن رويترز ، الجمعة 20/7/07). عُسر الهضم مردُّه إلى كلمتي (كليَّاً) و(تماماً) الاطلاقيَّتين ضمن رؤية الباز ، كون أزمنة طويلة قد تصرَّمت منذ بدأت (حرب الموارد) قبل أن تتحوَّل إلى (حرب هويَّات) في هذا الاقليم ، بحيث تشعَّبت وتعقدت عواملها ، فلم يعُد ثمَّة سبب جذري واحد أحد يُشار إليه بالبنان ، فيُعالج ، فتنتهي المشكلة! وكما سبق أن نوَّهنا كثيراً فإن نظريَّة محمد سليمان حول (انقلاب الوعي) تقدِّم مداخل أفضل بما لا يُقاس لهذه المعضلة من مجرَّد التبسيط الذي يتصوره بها العالِم الأمريكي المصري ، وذلك في كتابه (السودان: حرب الموارد والهويَّة ، كيمبردج 2000م) ، فليُرجع إليه.

    مع ذلك فخبر اكتشاف البحيرة ، في حدِّ ذاته ، من الضخامة بما يستحوز على اهتمامنا الاستثنائي ، كونها توفر مصدر مياه محتمل لمنطقة تعاني من الجفاف ، حيث أثبت برنامج الامم المتحدة للتنمية في تقرير الشهر الماضي (يونيو 2007م) أن الصحراء امتدَّت جنوباً بمعدَّل 100 كيلومتراً خلال السنوات الأربعين الماضية! ويتوقع الباز وجود خزَّانات أسفل سطح الأرض يمكن حفرها لاستخراج مياهها ، مؤكداً أن معظم مياه البحيرة تسرَّبت عبر الطبقة الرمليَّة لتتراكم كمياه جوفيَّة.

    للوهلة الأولى ، بدا لي وجيهاً جداً مقترح صديقي شمو ابراهيم شمو ، عاشق دارفور المدله ، ومفتش التنمية الريفيَّة فيها لسنوات طوال ، بإطلاق اسم الباز ، عدالة ، على مشروع البحيرة (الصحافة ، 11/7/07). وازدادت عندي هذه الوجاهة على خلفيَّة الانطباع الذي تكوَّن لديَّ عن فضل هذا العالِم في (اكتشاف) البحيرة ، ومبادرته على هذا الأساس ، والمُسمَّاة (1000 بئر لدارفور) ، خاصة وأن الرجل الذي عمل في (برنامج أبولو) التابع لإدارة الطيران والفضاء الأمريكيَّة (ناسا) ، مشرفاً على التخطيط العلمي لرحلات القمر ، كان أجرى بحثاً مماثلاً قاد لإنشاء 500 بئر في منطقة قاحلة في مصر ، مِمَّا ساعد على استصلاح وري 150 فداناً تزرع الآن قمحاً.

    غير أن عبد الرازق مختار ، استشاري المياه الجوفيَّة وخدمة البيئة والتنمية ، هزَّ مقترح شمُّو هزَّاً ، ورجَّه رجَّاً ، وأشبعه تفنيداً وتخذيلاً وإضعافاً بالمرَّة ، واصفاًً اعتبار خبر البحيرة (اكتشافاً) سيغيِّر وجه الحياة في الاقليم المنكوب بأنه من عمل (العامَّة) ، بينما يراه محض (بوليتيكا)! وأورد الكثير من الشواهد العلميَّة التاريخيَّة التي تثبت أن هذا الخبر متواتر في البحوث والدراسات منذ ما يربو على السبعين عاماً ، ابتداء من دراسة الخبير الانجليزي ساندفورد عن تواجد المياه الجوفيَّة وامتداد خزَّاناتها بشمال غرب السودان ، والمنشورة في (المجلة الجيوفيزيائيَّة) ، العدد 135 ، عام 1935م ، وبالتالي "فالباز لم يكتشف بحيرة ولا يحزنون ، وأن معالم الخريطة الجيولوجيَّة للسودان ، خاصَّة منطقة الكشف ، معروفة للكثيرين من قبل أن يولد الباز" ، مبدياً خشيته من ".. أن يأتينا أحدهم بخبر اكتشاف السودان!" (الصحافة ، 20/7/07).

    بقي أن نقول إنه ، لولا الكم الهائل من المعلومات الموثقة التي احتشدت بها مقالة الاستشاري/ عبد الرازق ، لما أعرناها نظرة ، فأين ، تراها ، الحقيقة؟!



    السبت:
    -------------------

    في ورقته حول د. محمد جلال ، عضو اتحاد الكتاب السودانيين المعتقل ، ومن خلال ندوة الاتحاد ، تضامناً معه ، بقاعة عبد الحي ، نهار الأربعاء 18/7/07 ، ضرب د. الوليد مادبو مثلاً بتصدِّي هذا الباحث لجهات عالميَّة رفضت فكرة تحويل تسمية دراسات علم الآثار في منطقتنا الجغرافيَّة من (علم المصريَّات Egyptomology) إلى (علم السودانيَّات Sudanology) ، وذلك من منطلق رؤيته للحق في (تقرير) ، وليس فقط (إثبات) ، أن منشأ هذه الحضارة هي أرض النوبة. من ثمَّ نبَّه مادبو إلى أن وقفة محمد جلال التي أدت لاعتقاله ينبغي ألا تفهم كمجرَّد وقفة (كجباريَّة) ، بل كوقفة وطنيَّة تدعو لاحترام الخصوصيَّة الثقافيَّة للشعب النوبي وغيره من شعوب بلادنا ، كوسيلة حضاريَّة لتقرير الذات السودانيَّة ديموقراطيَّاً.

    وبالحق ، فإن لمحمد جلال مجاهداته الفكريَّة المرموقة في مبحث (الهويَّة) و(التمايز) كمقولتين فلسفيَّتين وثيقتي الارتباط ، بدلالتي (الوحدة) و(الاختلاف) ، وتعود صياغتهما إلى الفلسفة اليونانيَّة الباكرة ، إلا أنهما فهمتا ، آنذاك ، فهماً أنطولوجياً بحتاً ، تراوح بين تأكيد بارمنيدس على (التطابق) وخلوصه إلى (الثبات) ، وبين تشديد هيراقليطس على (التغيُّر) وخلوصه إلى (النسبويَّة). لكن مع أرسطو بدأ الانتقال من دراستهما في إطار العلاقة الأنطولوجيَّة بين الأشياء الماديَّة ، فحسب ، إلى معالجتهما ، أيضاً ، فى حقل العلاقة المنطقيَّة بين الأحكام المفاهيميَّة. هكذا أضحت (الهويَّة) تدل على (الثابت) المشترك ، سواء بين الأشياء الماديَّة أو الأحكام المفاهيميَّة ، أما (التمايز) فأضحى يدلُّ على (عدم تطابقها). لاحقاً طوَّر ليبنيتز هذا الاتجاه بصياغته (قانون الهويَّة المنطقى). غير أن أسلوب التفكير الميتافيزيقى السائد ، آنذاك ، بالغ فى عزل (الهويَّة) عن (التمايز) ، الأمر الذى انتقدته المثاليَّة الألمانيَّة ، خاصة لدى هيغل ، حتى جاءت الماديَّة الدياليكتيكيَّة لتعين على رؤية المقولتين كوجهين (متحدين ومتضادَّين) لظاهرة واحدة ، و(كمرحلتين) من تطوُّر تناقضاتها الداخليَّة ، وكتعبير عن علاقتى (الثبات والتغيُّر) فيها.

    ومحمد جلال هو سليل البحث الطويل في قضيَّة (الهويَّة) التي شغلت أجيالاً من المبدعين والمفكرين والباحثين السودانيين ، منذ بواكير ثلاثينات القرن الماضى ، حيث بدت كما لو تكرَّست في حقل الآداب والفنون وحدهما. فقد وعدت (مدرسة الفجر) ، مثلاً ، بالتأسيس لما أسمته بـ (الأدب القومى) لاستجلاء (الذاتيَّة السودانيَّة) ، وأطلق حمزة الملك طمبل نداءه الشهير: "يا شعراء السودان أصدقوا وكفى!" وذلك فى كتابه (الشعر السودانى وما ينبغى أن يكون عليه) ، كما نحا محمد احمد محجوب ذات المنحى في معالجته لقضيَّة الأدب واللغة في السودان. ثم بعد سنوات طوال برزت ، في ذات السياق ، أطروحتا (الغابة والصحراء) فى مطالع الستينات ، و(أبادماك) فى خواتيمها ، وإن اتسع مفهوم الأخيرة شيئاً ، ليشمل سائر أشكال الفنون ، كما ظهرت (مدرسة الخرطوم) في التشكيل ، خلال النصف الثاني من الستينات. لكن ، مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات ، بدأت هذه القضيَّة تحظى باهتمام ومشاركة أوسع من مفكرين ومبدعين وباحثين وكتاب وسياسيين من مختلف المدارس والاتجاهات والتخصُّصات ، مِمَّا أكسب الحوار طابعاً سوسيوبوليتيكانيَّاً أعمق. تلك هي الأجواء التي شهدت ولادة مفهوم (السودانويَّة) ، بدلالاته المتعدِّدة ، ولعلَّ أشملها الدعوة لمقاربة سؤال (الهويَّة) من خلال معالجة حراكات وعلاقات التاريخ والاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والفكر فى السودان ، على الصعيدين البحثى والإبداعى ، والاشتباك ، بحساسيَّة خاصة ، مع المحدِّدات الرئيسة لأسئلتها التفصيليَّة على ما هى عليه فى بلادنا ، وليس بالتعميم الرتيب لخصائص هذه الحراكات والعلاقات في أيِّ بلد آخر. وقد سلك مفهوم (السودانويَّة) ، منذ بواكير استخداماته ، لا بالمعنى الذى يزعم اكتمال التأسيس النظري أو المنهجي الشامل ، كما راج خطأ ، وإنما بدلالة التشديد الاشكالي ، فحسب ، على تلك الحساسية ، أو التوجه الذهنى المطلوب عند التعاطى مع سؤال (الحالة السودانيَّة) ، وتجليات الواقع الثقافى ، بحيث يستشرف أفقه الممكن ، ويمتح من حقائقه المجرَّدة ، القائمة على (التنوُّع) بالأساس. (السودانويَّة) ، بهذا الفهم ، أدنى لأن تتمظهر (كنظريَّة) لم تكتمل بعد ، لكنها تعكس التوق لتجاوز المقاربات التى تعمد لإخضاع الواقع الفكري والثقافي فى السودان لنظريات وفرضيات (عامَّة). وهي ، بالأخص ، انتباهة سديدة لثقل (العامل الثقافي) فى منظور التاريخ الاجتماعي لمختلف تكويناتنا القوميَّة. و(السودانوية) ، فى بعض مجازاتها أيضاً ، تقصِّ منتبه لأهمِّ اتجاهات الحوار المطلوب بين المكونات الأمة ، تحقيقاً له ، وضماناً لتواصله ، كغاية ووسيلة في آن. ولأن هذا الحوار لم يستقم ، حتى الآن ، كما ينبغى ، فإن الثقافات السودانية ، بل والشعوب السودانيَّة ، لا تزال جزراً معزولةً ، والتائه الأكبر وسطها هو إنسان السودان الأوسط الذى ينتابه ، على حد تعبير د. نور الدين ساتى الذي يعود إليه الفضل في سك المصطلح نفسه ، ".. الإحساس فى بعض الأحيان بأنه يعيش حياته كجورب مقلوب" (م/الثقافة السودانية ، ع/15 ، أغسطس 1980م ، ص 11).

    إلى تيار (السودانويَّة) هذا نستطيع أن ننسب محمد جلال أيضاً. ففي كتابه الموسوم بـ (منهج التحليل الثقافي: القوميَّة السودانيَّة وظاهرة الثورة والديموقراطيَّة) يقدِّم نموذجاً مرموقاً ، كما نوَّه د. مادبو ، في مناهضة (المركزيَّة الثقافيَّة) ، إعلاءً لشأن (الهويَّة والتمايز) من صميم خبرة الواقع السوداني ، فيرى ، عن حقٍّ ، أن (المركزيَّة) ستؤدي حتماً إلى هَرَميَّة تبرِّر لرجل الدولة شحذ محفزات النزعة القبائليَّة ، دونما أدنى اعتبار لواجبه في تقرير الرابطة المدنيَّة ، ويشدِّد على الديموقراطيَّة المؤهَّلة حقاً لتوظيف جدليَّة الصراع الثقافي إيجابياً ، كبديل يجدر التعويل عليه ، كونها "محور التماسك العاطفي" للشعب.

    مكان محمد جلال شاغر في قاعات الدرس ، وحلقات الحوار العفيِّ في الهواء الطلق ، لا بين جدران السجون الشائهة ، أو في عتمة الزنازين الموحشة!



    الأحد:
    ----------------

    ما زلت عند رأيي بعدم وجود سند قانوني يخوِّل النيابة في إصدار الأمر للصحف بالامتناع عن تناول قضية ما في مرحلة التحري بذريعة "التأثير على العدالة"! (فالعدالة) المقصودة بنصِّ المادة/115 من القانون الجنائي لسنة 1991م هي ، بالأساس ، (عدالة الاجراءات القضائيَّة). وهذه ليست محض صيغة (لغويَّة) يفسِّرها كلٌّ بما شاء ، بل هي (مصطلح) منضبط بنص المادة/3 من ذات القانون ، والتي تعرِّف (الاجراء القضائي) بأنه "أي إجراء يجوز خلاله أخذ البيِّنة وفقاً للقانون". ومعلوم من قانون الاثبات لسنة 1993م وقانون الاجراءات الجنائيَّة لسنة 1991م ، أن (أخذ البيِّنة) يختلف عن (جمع الأدلة). فعلى حين تختصُّ بالأخيرة (النيابة) ، كجزء من (السلطة التنفيذيَّة) ، تختص بالأولى (المحكمة) كجزء من (السلطة القضائيَّة). ومن نافلة القول إنه ليس لـ (السلطة التنفيذيَّة) أن تستلب لنفسها ، لا بشكل مباشر ولا بالالتفاف على النصوص ، أيَّاً من اختصاصات وصلاحيَّات (السلطة القضائيَّة).

    أما عبارة (الأجهزة العدليَّة) التي ما تنفكُّ (الحكومة) تلوكها ، صباح مساء ، فهي محض بدعة ابتدعتها لتغرس في ذهنيَّة العامَّة أن وزارة (عدلها) وديوان (نائبها العام) يندرجان في قوام (السلطة القضائيَّة) ، علماً بأنه لا وجود لأيِّ (أجهزة عدليَّة) خارج (السلطة القضائيَّة)! ولئن كان ذيل المادة/115 يضيف لـ (الاجراءات القضائيَّة) أيَّ (إجراءات قانونيَّة متعلقة بها) ، فإن (الاجراءات القانونيَّة) المقصودة هنا هي من سنخ عمل الموظفين العموميين في تنفيذ الاحكام والأوامر الصادرة ضمن (إجراءات قضائيَّة) ، ما يعني ضرورة وجود (إجراء قضائي) ، ابتداءً ، كي يقال إن ثمَّة (إجراء قانوني) متعلق به ، وليس العكس كما تفترض أوامر النيابة خطأ!

    وحدها (المحكمة) هي التي تملك سلطة أخذ أيِّ متهم بجريمة (التأثير على العدالة) ، بموجب المادة/115 من القانون الجنائي لسنة 1991م ، والذي يُعتبر تطبيقه من اختصاص (القضاء) ، لا غيره ، وذلك (بعد) ارتكاب الفعل ، لا (قبله). وغني عن القول إن من حق المتهم أن يدفع بأن فعله لا (يؤثر على العدالة). أما أقصى ما تستطيع النيابة فعله ، فهو أن تقاضي أمام (المحكمة) من ترى أنه (ارتكب) ، لا (قد) يرتكب ، فعل (التأثير على العدالة) ، ثمَّ عليها ، في هذه الحالة ، أن تثبت ، دون مرحلة الشك ، أن من شأن الفعل المرتكب أن (يؤثر) ، حقاًً ، على (العدالة) ، وأن المتهم قد (قصد) ذلك! ولو وضعت إدارات الصحف (الرحمن) في قلبها ، لاكتشفت أن النيابة لن تستطيع إلى تنفيذ أوامرها سبيلاً ، في ما يتصل بإجراءاتها حول ما تسميه (المؤامرة التخريبيَّة) ، وذلك لسبب في غاية البساطة .. هو أنه ليست ثمَّة (إجراءات قضائيَّة) قد ابتدئ فيها ، بعد ، حتى (تتعلق) بها (الاجراءات القانونيَّة) للنيابة!

    مع أكيد تقديري للصديق صلاح أبو زيد ، المدَّعي العام ، واحترامي الواجب لأمره المذكور ، إلا أنني مضطر لتكرار قولي السابق ، في رزنامة 10/7/07 ، بأن انتقال النيابة من التمترس خلف نصِّ المادة/130 من قانون الاجراءات الجنائيَّة لسنة 1991م ، بعد أن نفض وزير العدل النائب العام نفسه كلتا يديه عنها ، إلى التذرُّع بنصِّ المادة/115 من القانون الجنائي لسنة 1991م ، يشي ، فقط ، بالنيَّة المُبيَّتة ، لدى (الحكومة) ، لإهدار الحريَّات الصحفيَّة ، ولو بالتغوُّل الصارخ على (سلطة القضاء)!



                  

07-29-2007, 12:43 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في رزنـامة الأسبـوع: الاستاذ كـمال الجزولي يسـخـر مـن بـوش، ويلقن وزارة العـدل درسآ في القا (Re: بكري الصايغ)

    مـاأجـمـل قضـاء عـطلة نـهـايـة الأسـبوع مـع رزنـامـة الأسـتاذ الـمـبدع الاديـب الـخـلاق كـمال الجـزولـي.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de