|
بحيرة دارفور المائية والجدل البيزنطي حولها
|
بحيرة دارفور والجدل البيزنطي
لا يحتاج الأمر الى تفكير عميق لمعرفة طبيعة المشكلة السودانية. فالسودان واحد من اغنى بلدان العالم زراعيا ومع هذا فيه اناس يموتون من الجوع والعطش. وحتى تكون الامور مخجلة أكثر علينا ان نسمع ما دار من حوار في الخرطوم قبل ايام في ندوة موضوعها كان حول اكتشاف بحيرة مياه جوفية تحت اراضي اقليم دارفور الذي يتقاتل اهله على الماء والكلأ.
فقد جاءت الى السودان بعثة من اجل توعية السودانيين والعالم باستثمار المياه الجوفية، ومن بينهم العالم المعروف فاروق الباز. وما ان انتهى الباز من تقديم ورقته وما اعتبرها انباء سارة حتى هجم عليه بعض الحاضرين ينتقدونه ويتهمونه بالادعاء والمبالغة والتزوير. وانتهى اللقاء بان وجود مياه تحت تربة دارفور قصة قديمة لا تستحق الاهتمام، وان السودانيين يعرفون بها منذ خمسين عاما، وهكذا.
الرجل جاء يريد ان يدلهم على ثروات تحت اقدامهم، وان كانوا يعلمون بها فلا يلغي من اهميتها شيء. جاء بمشروع يريد من دول المنطقة والمنظمات الدولية دعمه وهو حفر الف بئر في الاقليم المنكوب بالجفاف وبالتالي انهاء مأساة الاقتتال التي شردت ملايين الرعاة والقرويين السودانيين في مأساة صارت اشهر من نكبة فلسطين واكبر من احداث العراق.
بسبب اللجاج والتنافس السياسي غير العاقل انتهى السودان كما نراه اليوم ممزقا الى اقاليم متقاتلة. وأفشلت القوى السياسية السودانية بعضها، حتى في وقت التجربة الديموقراطية الوحيدة التي لم تدم طويلا مما سمح للانقلابيين بالاستيلاء على الحكم باسم وقف الفوضى.
ما الذي يجعل شلة من السياسيين السابقين او البيروقراطيين الحاليين يحاربون حملة مياه دارفور طالما ان الهدف هنا انقاذ اقليم مصاب بمرضي الجفاف والقتال؟
موظفو هيئة المياه السودانية، وكذلك وزراء سابقون، هاجموا الباز بدل ان يشكروه بدعوى انها قصة قديمة. الباز زارهم من اجل تشجيع العالم على مساندة مشروع حفر الف بئر في دارفور، وجاء متسلحا برسوم ثلاثية الابعاد وصور اقمار صناعية. وكل ذلك من اجل دفع الجميع الى اقناعهم بتبني الحل المائي وهو الحل الدائم في دارفور لا قوات الامم المتحدة او معونات الخبز الاجنبية.
وبكل اسف هوجم الباز فقط بسبب انتقادات هامشية مثل ان يسمى المجمع المائي بحيرة او حوضا، وان يوصف بالاكتشاف او القصة القديمة. وهكذا تُرك الظمآنون يموتون عطشا بسبب نقاش بيزنطي يعكس طبيعة كثير من السياسيين السودانيين الذين يخطئون الهدف الاساسي في كل قضية كبيرة. ما المهم في ان يتجادل السياسيون حول من اكتشف البحيرة او الحوض؟
السودان للعلم اكبر دولة في القارة الافريقية، يسكنها اربعون مليون نسمة، ومن اكثر المناطق وفرة بالمياه والغابات، وبلد يصدر الكثير من المنتجات الطبيعية من السمسم الى الصمغ والسكر والبترول، لكن سوء الادارة والتشاحن السياسي اصاب هذا البلد الجميل بانتكاسة طويلة حتى صار مشهورا في العالم بنكبات المجاعة واللاجئين والحروب.
بقلم عبد الرحمن الراشد - جريدة الشرق الاوسط اللندنية [email protected]
|
|
|
|
|
|