مقتطفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 04:19 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-28-2007, 11:13 AM

هلال زاهر الساداتي
<aهلال زاهر الساداتي
تاريخ التسجيل: 04-08-2007
مجموع المشاركات: 225

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
مقتطفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس

    في الجنينة :
    ذهبت بالطائرة من الخرطوم وحطت الطائرة في مطار الفاشر حاضرة مديرية دارفور لمدة نصف ساعة تزودت فيها الطائرة بالوقود واستأنفت رحلتها من هناك إلى الجنينة , وحطت الطائرة في مطار البلدة وهو مطار صغير ولكنه جيد وبه استراحة وبوفيه لتناول الوجبات والمرطبات والمشروبات الساخنة , ووجدنا في استقبالنا كل موظفي البلدة تقريباً وعلى رأسهم ضابط المجلس الريفي وناظر المدرسة الصناعية المتوسطة , وتجيء الطائرة ثلاث مرات في الأسبوع حاملة الوافدين الجدد والجرائد والخطابات والطرود , ويوم وصول الطائرة يوم يحتفى به ويخرج رؤساء المصالح الحكومية لاستقبال القادمين من الخرطوم ..
    كانت المدرسة ذات بناء فخم وتحتل مساحة واسعة داخل أسوارها العالية وبها داخلية كبيرة وحجرة واسعة للتدبير المنزلي ومعمل للعلوم وثلاث مخازن للغذاءات والكتب وأدوات الخياطة من قماش وصوف وأبر خياطة وأبر التريكو , وهناك جناح المطبخ وحجرة السفرة الواسعة , وهناك أيضاً مستوصف صغير مزود بالأدوية الضرورية والقطن والشاش ويحضر إليه في كل يوم مساعد طبيب يعالج الحالات البسيطة ويحول الحالات الكبيرة إلى المستشفي وهناك أيضاً مكتب الناظر ومكتبين للمعلمين . وكانت المدرسة هي الوحيدة في مديرية دارفور والتي تبلغ مساحتها مثل مساحة فرنسا .. وكانت السلطات تود أن تكون في الفاشر عاصمة المديرية ولكن سلطان دار المساليت أصر أن تكون المدرسة في عاصمته , ولهذا فأن خلاصة بنات دارفور إذا صح التعبير يقبلن بهذه المدرسة ويأتين من جميع أنحاء المديرية .. وكان بالمدرسة خمس معلمات وثلاثة معلمين منهم نائب الناظر , وكان الناظر الذي سبقني هو صديقي القديم بابكر الشيخ ( العمدة ) والذي كنا معه سوياً في أبقيق بالسعودية قبل ثمانية أعوام , ولم يقدر لنا أن نتقابل لإتمام عملية التسليم والتسلم للمدرسة لأنه غادر عند انتهاء العام الدراسي .. وكانت تلك أول مرة أدير فيها مدرسة للبنات , وكنت قد اعتدت على تدريس البنات خلال الأشهر التي قضيتها بكلية المعلمات بمدني , وجعلت لكل فصل أم من المدرسات كما في مدارس البنين أب لتلاميذ الفصل تباشر شئون البنات ولا يرجعن إلي إلا في الأمور التي تستدعي ذلك , ويطلبن المتطلبات اليومية للتدبير المنزلي من الكاتب والذي يرفقها مع الراجعة ثم تعرض على لاعتمادها ومن ثم يبعث بها إلى المتعهد ليوردها , وكانت هناك مدرسة تطلب في كل مرة رؤوس خراف ( ريسين نيفة ) , ولعلها كانت تحب لحم الرأس أو أنها لا تتقن في الطهو غير رأس الخروف ! واستدعيتها وسألتها إن كانت دروسها في الطهي تقتصر على رؤوس الخراف فقط , وكانت الغذاءات في مدارس البنات الداخلية متميزة عن مدارس البنين ومنها الكبدة التي تورد أسبوعياً مرة من كبدة الضأن ومرة من كبدة البقر والأولى سعرها أغلى من الثانية , وحدث أن حضرت استلام الغذاءات الطازجة لأتأكد من مطابقتها وأوزانها حسب الراجعة ( قائمة الغذاءات ) , ووجدت أن بالراجعة كبدة ضاني بينما المورد كبدة بقري واستفهمت من الطباخ أن كان هذا الأمر عارضاً اليوم أم أن المتعهد دأب على توريد الكبدة البقري بدلاً من الضأني , واخبرني أن المتعهد ظل يورد كبدة بقر فقط , وحصرت المرات التي كان من المفروض أن يورد المتعهد فيها كبدة ضأن وضربتها في السعر وكذلك سعر نفس الكمية من كبدة البقر وأخرجت الفرق وكان الحاصل ستين جنيهاً , وكتبت خطاباً للمتعهد اخبره فيه بتوريد المبلغ إلى خزينة الحكومة وأن يأتيني بإيصال التوريد , وأرسلت صورة من الخطاب إلى مفتش تعليم المديرية , وأتصل بي المتعهد تلفونياً وقال لي أنه كان يود تسوية الأمر بيننا ولا داعي لإدخال مكتب التعليم , وأخبرته بأن الأمر ليس شخصياً بيني وبينه وأنه أخل بشروط العقد وأستحوذ على نقود بغير وجه حق ورضخ للأمر وورد المبلغ للخزينة وأبرز لي الوصل , وهنا تذكرت محمد مصطفى متعهد الغذاءات في المناقل والذي كان حريصاً على توريد أجود الأصناف وبالكميات المطلوبة طبقاً للراجعة ..
    وتعلمت أشياء جديدة في معاملة الإناث , منها أنه إذا قيل لي أن احدي المدرسات مريضة وغائبة عن العمل اليوم إلا أسأل عن مرضها فقد فعلتها مرة عندما أخبرتني مدرسة صباحاً أن زميلتها مريضة ولا تستطيع العمل اليوم , وباهتمام جدّي رحت أستفهم عن مرضها والمدرسة تتهرب وترد على في كل مرة بأنها عيانة , وخمنت أن في الأمر شيئاً ما وسكت , وبعد ذلك سألت مدرس قديم عن الأمر فضحك وقال لي أنها تقصد أن لديها العادة الشهرية ..
    ومن الأشياء البغيضة التي كان على أن أفعلها هي فتح الخطابات التي ترسل إلى البنات أي ( سنسرة ) الخطابات فقد كان هناك بعض الشبان الذين يبعثون بخطابات غرامية ملتهبة وفيها عبارات مثل أحبك عدد أوراق الشجر أو أحبك عدد قطرات المطر وأشياء من هذا القبيل , وكنت أصادر مثل هذه الخطابات ولا أخبر البنت المعنية عنها أو أسألها عن الشخص الذي يرسل إليها الخطابات , وكان ( روميو ) أو الشخص المتيم عندما يرسل أكثر من خطاب ولا يلتقي رداً ييأس ويمتنع عن الكتابة ويكون أخر رسالة له فيها من العتاب والملام الكثير .. وكنت أشعر أحياناً بالذنب عندما أحس بأنني أسهمت في تحطيم القلوب , ولكن من جانب آخر أن هذا التصرف فيه وقاية للبنات من بعض السفهاء الذين يتلاعبون بمشاعر الفتيات وجميعهن من المراهقات , وأنا واجبي كناظر مسئول عنهن أن أوفر لهن الحماية والصيانة وأن أكون والداً لهن جميعاً فهن أمانة في أعناقنا أمام الله وأمام أهلهن والمجتمع . ومن الضوابط الصارمة في مدارس البنات الداخلية أنه إذا كان للبنت أقارب في البلدة فأننا نطلب خطاب من والد أو ولى أمر البنت لنأذن لها لزيارتهن والمبيت خارج الداخلية يوم الخميس وأن ترجع إلى الداخلية بعد المغرب يم الجمعة وأن يصحبها في الذهاب والإياب من وإلى المدرسة شخص معروف لإدارة المدرسة .
    كان على الموظف الجديد الوافد على المدينة أن يبادر بزيارة السلطان والسلام عليه وتعريفه بنفسه , وأخبرني مدرس قديم بالمدرسة أن هذا تقليد وأن على أن أذهب للسلطان لأسلم عليه , وقلت له أن ما تعودت عليه و هو التقليد المتبع ان يزور المقيمون الوافد الجديد للسلام عليه و لم اذهب للمقابلة , و زارني في المكتب بعد أيام وكيل البريد و نائب ضابط المجلس الريفي للتعريف و التحية و أقنعاني بان اذهب معهم لمقابلة السلطان حيث ان هذا التقليد المتبع و ان هذا أمر شبه رسمي لان السلطان هو السلطة العليا ولو عرفيا في البلد .. و لاعطاء نبذة تاريخية عن الجنينة حاضرة دار المساليت فإنها سلطنة داخل سلطنة دارفور الكبيرة التي انضمت الي السودان في عام 1916 و كلاهما كانا مستقلتان تماما , ومدينة الجنينة تنقسم الي قسمين هما الجنينة بلد واردمتا , و يوجد في الجنينة بلد دار السلطان و مكتبه و محكمته و سجن السلطان . و للسلطان منزل فخم مطلي بالجير الأبيض علي ربوة عالية يشرف علي البلدة وهذا يخصصه للاستقبالات و المناسبات الرسمية و للولائم التي يقيمها لكبار الزائرين من حكام الخرطوم و يدعو لها رؤساء المصالح الحكومية و الأعيان في البلد .. أما القسم الثاني من المدينة وهو اردمتا فتوجد فيه حامية الجيش و المطار و المصالح الحكومية و منازل الموظفين الحكومية و كذلك المستشفي , و توجد المدارس في الجنينة بلد عند طرف البلدة و يقسم المدينتين وادي عريض يدعي وادي كجا .. و ذهبت مع الجمع الي السلطان في مكتبه و قدمت إليه بصفتي الناظر الجديد لمدرسة البنات المتوسطة و نظر الي و قال ((سمعنا بيه)) أي سمعنا به , و فهمت من جملته القصيرة تلك ان المفترض ان أزوره قبل ذلك لا سلم عليه و اقدم نفسي , وهاته الكلمتان تحملان عتابا مغلفا , أكرمنا الرجل , وقلت له أنني كنت مشغولا بترتيب المدرسة و لم تسنح لي الفرصة لزيارته و بعد ذلك صرنا أصدقاء حميمين و طلب مني ان اخبره بالتلفون إذا أردت عربته في أي مشوار ليرسلها الي مع السائق ..
    و السلطان عبد الرحمن بحر الدين سلطان دار المساليت رجل يتميز بالذكاء و الدهاء وقوة الشخصية مع الكرم و يتميز أيضا بثقافة ممتازة , وهو قارئ و يطلع علي جميع الصحف اليومية حتي صحيفة الميدان الشيوعية و صحيفة الميثاق الاخوانية و اذكر انه كان هناك أربعة نواب يمثلون دار المساليت في البرلمان وهم من أحزاب مختلفة و كلهم يدينون بالولاء للسلطان .. و يجلس السلطان لتلقي زواره من الرعية المساليت في الصباح و يستقبلهم في داره بالبلد و يجلس علي كرسي ويجد عدة كراسي علي يمينه و يساره في مسطبة عالية تمتد من مدخل الدار الي حائط يحجب وراءه المنزل , وحضرت معه أحد المجالس و أجلسني علي يمينه , و كان الرجل من المساليت يدخل من باب الدار و يعتلي المسطبة ثم يبرك علي الأرض و يحبو و نظره الي الأرض حتي يتوقف عن الحبو علي مسافة تبلغ الأربع أمتار من مجلس السلطان وهو في حبوه يردد باستمرار و مصفقا بيديه (سلتان – آفيه تيبين) أي (سلطان-عافية طيبين) وهي كلمات التحية هناك , و يرد عليه السلطان بقوله (أهلا) و يستمر في حديثه معي .. و بعد فترة قصيرة يصفق الزائر بيديه و يحبو بظهره مرددا (آفيه تيبين) الي ان يصل الي نهاية المصطبة.. و يغادر .
    و كان السلطان يدعوني من وقت لآخر في داره ليلا , و لديه حوش صغير يفصله باب عن بقية المنزل و الحوش مبلط بالأسمنت و موضوع في وسطه مائدة منخفضة تحف بها الكراسي و غالبا ما يكون معي الدكتور طبيب المستشفي , وتكون المائدة عامرة بما لذ و طاب من الطعام و الشراب .. و نسمر الي هزيع ليس باليسير من الليل و عند انصرافنا يوصلنا سائقه بعربته الي منزلينا .
    و كانت العلاقة بين السودان و الجارة تشاد في حكم رئيسها تمبلباي في اشد التوتر ووصل التوتر أقصاه عندما اعتدت قوة تشادية علي قرية سودانية و قتلت عددا من المواطنين , وهاج و ماج الناس في الجنينة و حدثت ثورة عارمة ضد نظام تمبلباي في تشاد , وحضر وزير الداخلية من الخرطوم و أرسلت الحكومة تعزيزات من القوات المسلحة الي حامية الجنينة , وخرجت الجنينة عن بكرة أبيها في مظاهرة هائلة , و لأول مرة أرى عيانا ترجمة هذا التعبير (عن بكرة أبيها) , فلم يتبق فرد في الجنينة لم يخرج في المظاهرة رجالا و نساء و أطفالا شيبا و شبابا و كل واحد يحمل في يده سلاحا من أي نوع , حربة –سيف-سكين-عكاز-بندقية خرطوش , ويتقدم هؤلاء جميعا جيش من رجال المساليت الأشداء حاملين الحراب و السيوف و لابسين الاحجبة حول اذرعتهم و حول أجسامهم و هو يدقون الأرض في قوة بأقدامهم وهم يجأرون بغضب صائحين (تير بياكلنا – التير بياكلنا) يعني (طير بياكلنا – الطير بياكلنا) كناية عن انهم ينتصرون أو يستشهدون و تأكل جثثهم الطير , و يتجاوب معها زغاريد النساء تشق الفضاء و انتظم في المظاهرة تلاميذ و طلبة و تلميذات المدارس و كانت طالبات مدرستنا مصطفين صفوفا في المظاهرة و نحن المدرسين و الناظر سائرين بمحازاتهم , وكان جيش المساليت عازما علي غزو تشاد , ولم أشاهد مثل هذا البحر الهادر من البشر سوي في ثورة أكتوبر المجيدة في العاصمة في 1964 , و صرف وزير الداخلية و السلطان و معتمد الجنينة جهدا خارقا ليثنوا جيش المساليت للعودة أدراجهم و ليتركوا مهمة الدفاع عن الأرض للجيش .
    و كان المساليت يقولون (انينا زمان كتلنا الفرنجة بيد في الجبل) يعني ( نحن زمان قتلنا الفرنجة البيض في الجبل ) , وهذه حقيقة تاريخية فقد أباد جيش المساليت جيشا فرنسيا في القرن التاسع عشر أراد غزو دار المساليت و تناثرت جثثهم علي الجبل ..
    في نفس 1965 الذي انتقلت فيه الي مدرسة الجنينة المتوسطة للبنات فتحت مدرسة الجنينة الثانوية للبنات بمباني المدرسة المتوسطة و لقد اقتسمنا مباني المدرسة و الداخلية و المكاتب و اقتسمت مكتبي مع ناظر الثانوية و كان ناظر الثانوية و مدرس معه ينتميان الي حزب الميثاق الإسلامي (جماعة الإخوان المسلمين) و اخبرني نائب الناظر ان الأستاذ الأخ المسلم يوزع علي البنات كتيبات الإخوان المسلمين و انه يعمل لتجنيد الطالبات في الحركة و لما كان هذا النشاط السياسي محظورا رسميا , ولا احبذه شخصيا من ناحية تربوية فنحن المعلمين كل واحد منا له اعتقاده السياسي و الفكري و ينبغي ان لا نستغل عملنا للتأثير علي طلبتنا أو الطالبات في هذه السن التي لم يتشكل فيها وعيهم أو وعيهن , ومن ناحية أخرى ينبغي ان لا نجعل المدرسة ساحة للصراع بين الأحزاب السياسية , و تكلمت مع ناظر الثانوية و طلبت منه ان يوقف هذا النشاط , و لكن لم يعر الأمر اهتماما مما دعاني لأن اكتب خطابا لوكيل وزارة التربية و التعليم معنونا (سري و هام) شرحت فيه الموضوع للوكيل و طلبت منه التدخل لإيقاف هذا النشاط , و أرسلت صورة من الخطاب لناظر الثانوية (بالسركي) أي دفتر تسليم الخطابات باليد , و لكنه رفض استلام الخطاب , فأرسلته له بالبريد المسجل , و لكنه رفض أيضا استلامه .. وبعد أسبوع وصلني صورة من خطاب معنون الي ناظر الثانوية بصورة الي ناظر المدرسة المتوسطة , و كان فحوي الخطاب توبيخ للناظر و إنذار له لوقف ذلك النشاط فورا , و امتثل الناظر للأمر , و أما المدرس فقد نقل من المدرسة .
    أمر آخر لا تفلته الذاكرة و هو تكويننا لجنة تمهيدية لفرع نقابة معلمي المدارس المتوسطة بالجنينة و انتخبت نائبا للرئيس , و انتدبت و زميلي عمر محمد بابكر نائب ناظر مدرسة البنات الوسطي لحضور المؤتمر التأسيسي للنقابة و الذي سيعقد بالخرطوم في الإجازة الصيفية للمدارس , وقد حضرنا المؤتمر الذي أجيز فيه دستور النقابة و انتخاب اللجنة التنفيذية . و كان من انجازات النقابة بعدئذ السفر بالطائرة للمدرسين في الجنينة و الفاشر , وكانوا قبل ذلك يسافرون بالقطار من الخرطوم الي نيالا و منها باللواري الي الجنينة و كانت الرحلة تستغرق الأسبوع تقريبا , و مكسب آخر حققته النقاية وهو ان يسافر كل المعلمين بالدرجة الثانية بالقطار مهما كانت درجاتهم الوظيفية , فقد كان المدرسون المبتدئون يسافرون بالدرجة الثالثة مع المسجونين المرحلين و خدم الموظفين في الدرجة دي اس و ما فوقها ! و قضيت سنتين في الجنينة كانتا من اجمل السنوات في عملي و في عشرة الناس الطيبين , و كانت الجنينة رخية سخية و كانت الأشياء رخيصة الثمن و علي سبيل المثال كان الخروف بمائة و خمسين قرشا و الدجاجة بأربعة قروش و جوز الحمام بستة قروش , و كانت المنقة التي تزرع في مزارع وادي كجا متوفرة و كذلك البطيخ , كما ان مياه الآبار عذبة و نقية ..
    أمر آخر بالغ الأهمية في حياتي وحلق بي في سماوات من السعادة وهو أن الله رزقني وأنا في الجنينة بكبرى بناتي وهي أميرة بعد خمس سنوات من زواجي ولا يفوتني أن أذكر شيئين حزنت وأسفت لهما فقد أجرينا تصحيح امتحان دخول للمدارس المتوسطة واستخراج النتيجة وقبول التلميذات الجدد , وكانت ابنة زميلي ناظر المدرسة الصناعية المتوسطة وابنة ابن عم السلطان من الممتحنات , وكان ابنة زميلي يعوزها نصف درجة للنجاح وراجعنا أوراقها عدة مرات ولم نقدر أن نمنحها نصف درجة _ اقر بأنه تعسف _ ولكن ميزان العدل والمساواة يبرر ذلك , ولكن تدبرت الأمر مع المفتش الذي تولي قبول التلميذات وأعطيناها نصف الدرجة , ووجدت مستقبلاً بالسعودية أنه يجوز التجوز في درجتين أو ثلاث , وأما ابنة ابن عم السلطان فلم نقدر أن نفعل لها شيئاً لأنه يعوزها درجات كثيرة للنجاح ..
    وأنقضي العام الدراسي وصدر كشف التنقلات وكان أسمى به مترقياً إلى الدرجة B ومنقولاً ناظراً لمدرسة العيلفون المتوسطة في مديرية الخرطوم وكانت تلك الدرجة تعادل درجة مدير مصلحة حكومية أو مفتش مركز بالحكومة المحلية و تعادل هنا درجة ناظر مدرسة ذات نهرين بداخلية أو مدرسة نهارية بثلاثة انهر ( النهر يسوي مدرسة ذات أربعة فصول ) , و حدثني صديقي ضابط الجمارك بان أبيع عفشي في الدلالة بالمزاد العلني و انه هناك تقليد بان يشتري التجار أو المقتدرين عفش الموظفين المنقولين من الجنينة بأثمان عالية تكريما للموظف المنقول , وبيع متاعي و كان قليلا و ندعوه عفش سفري يحتوي علي طقم كراسي منسوجة بخيوط البلاستيك وعدة أسرة و مراتب , و حقق ثمنا طيبا .. و افلت شمس أيامي بالجنينة لتشرق من جديد علي بقعة أخرى من وطننا الحبيب ..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de