Quote: الخرطوم - طرابلس ..والاتجاه المعاكس بمبدأ (الصفعة بالصفعة) تعاملت الحكومة السودانية تجاه طرد أحد موظفيها سابقاً في السفارة السودانية بطرابلس يشتبه في أنه اخترق الأمن الليبي؛ فعمدت في الأيام الفائتة الى إبعاد القنصل بالسفارة الليبية بالخرطوم رداً لاعتبارها وجزاءً لما اقترفته دولته لا لذنب ارتكبه، تجسيداً للعرف الدبلوماسي الذي يسن نهج (العين بالعين).
فقبيل نصف العام تقريباً رشحت معلومات تداولتها الصحف آنذاك عن طرد عدد من الموظفين من السفارة السودانية بالجماهيرية الليبية لأسباب مجهولة، ولاقى الخبر في اليوم الثاني رد فعل من الخارجية السودانية ينفي مزاعم ما نسب للمصادر ورفضت الخوض في مضامينه جملة وتفصيلاً، وأكدت أن جميع الطاقم موجود حالياً ويمارس مهامه بصورة طبيعية. غضت الصحف الطرف عن الحدث، لا إيماناً منها بما ساقته الحكومة في ظل التوتر الملموس في العلاقات بين الخرطوم وطرابلس، بيد أنها استوقفتها مهابة الطرْق على الملفات الأمنية الحساسة مع دولة أكدت الحكومة همساً بأنها لا تتعامل معها لكسب الود الذي لن يصل لأعلى درجاته المبتغاة، ولكن اتقاء شرها.
ورشحت بعد يومين فقط معلومات عن أن ليبيا سجلت موقفاً عدائياً من السودان بسحب أموال كانت صدقت بها لتمويل الاتحاد الأفريقي وعجزت الحكومة أثناءها عن إثبات صحة الخبر بعد جولة تقصٍّ أجراها سفير البلاد لدى طرابلس لم تنجُ منها المجلة المصرية التي نقلت الخبر. حقيقة الأمر برمته، حسب مصادر فضلت حجب اسمها، وإزالة الغموض الذي اكتنف سياسة الطرد المتبادل مع تأكيدات أن العلاقة لم تتزحزح عن الوضع الطبيعي للبلدين، أخطرت ليبيا السفارة السودانية بأنها لا ترغب في استمرار أحد الموظفين لأنها تعتقد أنه اخترق الملفات السرية في ليبيا. ولم تعر السفارة حينها الأمر أدنى اهتمام بحسبان أن الأخيرة ستنسى الأمر – مما يشير إلى أنه كانت هناك غمامة وانقشعت – وبعد فترة قاربت الشهرين أرسلت ذات الجهات إخطاراً آخر للسفارة بإبعاد الشخص المعني ومنحتها أسبوعاً لإيقاف عمل الموظف تفادياً للحرج، ولم تذعن السفارة السودانية للأمر فقامت الأخيرة بطرده عن أراضيها.
قابلت جهات الاختصاص السودانية الخطوة بإرسال خطاب إلى ليبيا وأبلغتهم بأنها ستعمل أيضاً على إبعاد أحد موظفيها. وكررت الحكومة الخطوات ذاتها، ونقلت السيناريو نفسه الذي اتبعته الأولى وعلى مراحل شابهت السابقة؛ من إخطار ولفت نظر ومهلة زمنية، وأخيراً أسدلت الستار وطردت القنصل. بما يعني أنها فعلت بند (السن بالسن)، وهو عرف دبلوماسي، لكن قراءة تؤكد أن العلاقات لا تسير على ما يرام.
وفي سياق ذي صلة تزامن إبعاد القنصل مع انهماك الحكومة في التحضير لزيادة الرئيس التشادي إدريس ديبي التي أصبحت هباء منثوراً ونثرت معها حزمة من التساؤلات والتناقضات في مسار العلاقات السودانية التشادية التي لفت بيقين ليبي بعدم جدواها. ودفع هذا التزامن باعتقاد مثير أن لطرد الرجل علاقة بملف تشاد، وأن إرجاء الزيارة بتدبير ليبي وضغوط مورست عليه، خاصة أنها في الفترة الأخيرة متهمة بأنها عقب اتفاق الرياض مكة تسعى بأية وسيلة لإفشاله حتى لا يحسب الاستقرار بين البلدين للمملكة العربية السعودية ويطاح بجهودها التي ظلت تنزلها لأكثر من العام والنصف لرتق الشقة بين الخرطوم وإنجمينا وآخرها احتضان المفاوضات بين الحكومة التشادية والحركات المعارضة لها.
لم تلاقِ تلك الاجتهادات هوى في نفس التيارات التشادية، ودحض مسؤول الإعلام العربي في القصر الرئاسي بإنجمينا جبريل محمد آدم وجود ضغوط ليبية على بلاده، وأبرز أن طرابلس لا تستطيع أن تملي على تشاد إقامة علاقات مع أية جهة، وأكد أنه لا علاقة البتة بين إبعاد القنصل الليبي وتأجيل الزيارة. وقال "نحن لا نتدخل في شؤون البلدين سوى أننا يمكن أن نتوسط بينهما إذا شابها نوع من التوتر".
ويصر سفير السودان بليبيا على عدم مغادرة محطة التستر على طرد أحد الموظفين، برغم تأكيدات عدد من الجهات بأن الخطوة لامست أرض والواقع، وأردف نفيه السابق بنفي جديد وقال ان ليبيا لم تقم بطرد أحد، لكنه لم يشأ الخوض في تفاصيل طرد القنصل الليبي، وقال إن علاقة البلدين على حد عبارته "سمن على عسل"، وهي في أفضل درجاتها، واعتبر الأمر برمته مجرد تخمينات لا أساس لها من الصحة وليس هنالك ما يؤثر عليها.
ونفت الخارجية السودانية أيضاً حسب الناطق الرسمي باسمها السفير علي الصادق ما يثار عن ضغوط ليبية وأنها لا اساس لها من الصحة، وأنها تتنافى مع الدور الذي تلعبه ليبيا على صعيد حل أزمة دارفور وعلى صعيد تجسير الهوة بين انجمينا والخرطوم.
وبالعودة إلى إبعاد موظفين من السفارة السودانية بليبيا أكدت المصادر أن تكتم الطرفين على الخطوة يرجع إلى أن كليهما تجاوز اتفاق (فيينا للعلاقات القنصلية)، الذي يتم بموجبه الإعلان عن الشخص غير المرغوب في مهلة لا تتجاوز اليوم كحالة - يان برونك مبعوث الأمم المتحدة السابق – إذا خالف الشخص طبيعة عمله الدبلوماسية بالتدخل في شؤون الدولة أو كانت مساعي تخريب. ويجوِّز القانون أيضاً أن يتم التفاهم بين الجهتين بإخطار الجهة الثانية بسحب أحد موظفيها، وهذا ما تم في حالة السودان وليبيا عبر التفاهمات. ونفت المصادر أن يكون لهذا الأمر علاقة بتوتر العلاقات، وسعت لإثبات أن العلاقات تسير بوتيرة أفضل مستشهدة بوجود وفد رفيع من السودان بقيادة مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش للمشاركة في المفاوضات بين الحكومة التشادية والحركات المعارضة لها.
تحسن الأوضاع بين الجانبين أو رغبة الطرفين في الوصول لهذه النقطة يثير التعجب إزاء معدلاتها القابلة للصعود بسرعة صاروخية وللتدهور بسرعة أكثر من الصاروخية وللمزاجية الدبلوماسية. ففي الشهر المنصرم أو قبله بقليل كان الملف يشهد توترات حقيقية تجلت في عدة مشاهد صدرت عن ليبيا نفسها بعد توقيع اتفاق بين البشير وديبي في الجنادرية بالمملكة السعودية أربكت الحكومة السودانية، فأرجأت زيارة مبعوث القذافي عبد السلام التريكي على ذات النحو المفاجئ الذي تأجلت به زيارة ديبي، وطلبت عبور الأجواء السودانية إلى أديس أبابا لتكتمل الصورة. وإرجاء ديبي زيارته للمشاركة في أكرا أيضا عبور إلى محطة تجاوزت أهمية العلاقات بين السودان وإنجمينا... فأديس أبابا وغانا كلتاهما محطات احتضنت وفد مجلس الأمن قبل أن يزور الخرطوم، فإن كان القذافي سئم أو مل المصالحة بين تشاد والخرطوم لتكرارها دون جدوى وجاهر برأيه، فلماذا لا تسأم الخرطوم بدورها من اتخاذ أزماتها للعبور إلى أجندة تخص مصالح الدول من حولنا، وتحديد موقف قاطع من العلاقات الدولية المتأرجحة بين الحين والآخر؟.
وتشير (السوداني) إلى أن رئيس الجمهورية المشير عمر احمد البشير قاطع من قبل قمة سرت، وقاطع القذافي بدوره القمة العربية التي انعقدت بالسعودية. وكان خبير إستراتيجي في الشؤون العربية والأفريقية ابلغ (السوداني) أن العلاقات بين البلدين بدأت منذ رعاية القذافي للمحادثات بين الحكومة التشادية والمعارضة فيها دون التنسيق مع السودان – الدولة – التي منحت المعارضين اللجوء السياسي. وزادت التوترات في أعقاب الخطوة وبعد أن حوى اتفاق الرياض بندا لمعالجة أوضاع المعارضة التشادية والسودانية بطردها من البلدين احتضنت ليبيا اجتماعا ثانيا للتفاوض بينهما، لكنها في هذه المرة أشركت (السودان)!.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Faisal Al Zubeir
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست