شعرة معاوية . . . بين واشنطن والخرطوم
د.أحمد الأمين البشير
[email protected]
موبايل: 0918090459
جدلية السياسة والأخلاق
زيارة سيلفاكير الأخيرة للولايات المتحدة
زيارة النائب الأول لرئيس الجمهورية سيلفاكير للولايات المتحدة,التي استغرقت الثلث الثاني من نوفمبر الجاري تعيد إلى الأذهان التقرير الهام الذي أصدره مجلس العلاقات الخارجية الامريكيه بعنوان:
More Than Humanitarianism: A Strategic US Approach Toward Africa
والذي ترجم إلى:مقاربه استراتيجيه امريكيه تجاه أفريقيا.
اشترك في إعداد التقرير عدد من الأكاديميين والسياسيين المتعاطفين أو المنتمين إلى الحزب الديمقراطي ولذلك جاء كخارطة طريق لسياسة الحزب الديمقراطي الخارجية في المستقبل تجاه أفريقيا .
ورغم إن عنوان التقرير يتحدث عن أفريقيا إلا إن القراءة المتأنية تكشف إن المقصود هو السودان وخاصة تنفيذ اتفاقيه السلام CPA بحذافيرها وحل ازمه دار فور .و التقرير لايخفى تعاطفه تجاه الحركة ألشعبيه SPLM ولفصائل متمردي دار فور مع عداء سافر لحكومة الرئيس عمر البشير وتوجهها العربي الاسلامى.
. . . . . . .
تجيء الزيارة قبل عام من نهاية الاداره الثانية والأخيرة للرئيس جورج دبليو بوش ، وبعد شهر واحد من تجميد وزراء الحركة الشعبية لتحرير السودان لنشاطهم فى حكومة الوحدة الوطنية احتجاجاً على ما أسمته عدم التزام الشريك الأكبر، حزب المؤتمر الوطني، بتنفيذ أهم بنود اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل (APC) التي وقعت في 9 يناير 2005م برعاية وضمانات وضغوط من حكومة الولايات المتحدة التي تعتبر الاتفاقية أبنة شرعية (ملونة) لها.
لا غرو أذن أن انزعجت حكومة بوش، وحلفاؤها من المحافظين الجدد من تجميد الحركة الذي يواكب ازدياد تورطهم وتفاقم هزائمهم بل وفشلهم في العراق وأفغانستان والآن في باكستان، مع تصاعد الأزمة النووية مع إيران, ويجى هذا في وقت هم في أمّس الحاجة إلى بقعة مضيئة مشرقة يعتبرونها أهم إنجازاتهم, ومما لا شك فيه أنهم يحثوا ... وبحثوا .. و لم يجدوا إلا اتفاقية نيفاشا التي أنهت أطول حرب أهلية في أفريقيا دامت لأكثر من عقدين من الزمان وخلفت ملايين القتلى والنازحين واللاجئين, ويجيء موقف الحركة الشعبية المتشدد إزاء عدم البقاء والاستمرار في حكومة الوحدة الوطنية مهدداً وجود الاتفاقية نفسها ومنذراًً بعواقب وخيمة، فيما يتصل بمعادلات السياسة الداخلية الأمريكية، خاصة وأن الصراع على البيت الأبيض والكونغرس وحكومات الولايات بين الحزب الجمهوري بقيادة بوش والمحافظين الجدد، والحزب الديمقراطي بقيادة آل واعوان الرئيس السابق كلنتون الذين جعلوا اخفاقات سياسة بوش الخارجية ساحة للتقد المتواصل. ولعل مجموعات الضغط الثلاث ( الصهيونية- المسيحية- السوداء) هي الأشد تعاسه وبؤسا لتعثر ألاتفاقيه فى هذا الوقت العصيب وقد ظهر ذلك فى موقف النائب الأسود دونالد بين, رئيس لجنه الشئؤن الافريقيه المتفرعة من لجنه العلاقات الخارجية بمجلس النواب وهو من ألد وأشرس أعداء الشمال العربي المسلم وأقوى أنصار الجنوب واحن بأهله, الذي اظهر تبرما واضحا من تناقض تصريحات سليفاكير وعنفه علنا على ذلك.
ورغم إن الحزب الديمقراطي يؤيد ألاتفاقيه من ناحية المبدأ إلا إن تعثرها فى موسم الانتخابات الرئاسية الامريكيه يحرم الحزب الجمهوري من استغلالها كأحد انتصاراته ويعطى الحزب الديمقراطي بعد انتصاره المتوقع فى الانتخابات فى نوفمبر 2008م فرصه لإحيائها وبالتالي جنى ثمارها حتى وان أدى ذلك إلى معاناة أهل السودان حكومة وشعبًاً, وبغض النظر عن اخلاقيه أو عدم اخلاقيه هذا التطور فتلك طبيعة السياسة الامريكيه خاصة فى موسم الانتخابات الرئاسية.
وما دعوة وزيرة الخارجية كوندا ليزا رايس لنائب الرئيس السوداني الأول سلفاكير على عجل وبلهوجة واضحة ، رغم انه ليس نظيرها, وفشلها في اثنائه، ومن حوله أولاد قرنق المتشددين، الذين يصرون على تشديد النكير على الشريك الأكبر حزب المؤتمر الوطني، وهم يفعلون ذلك نكاية به غير منتبهين أو غير مهتمين بما قد يحدثه ذلك من أضرار لحلفائهم في البيت الأبيض والكونغرس. وهكذا تتناقض مصالح إدارة بوش مع مصالح صقور حكومة الحركة الشعبية، ولعلهم – أعني وفد الحركة إلى واشنطن – قد قرروا بناء رصيد لهم مع الحزب الديمقراطي الذي هو لا محالة سيكسب الانتخابات الرئاسية القادمة, وعلينا أن نذكر في هذا الصدد أن التقرير موضوع هذه الدراسة قد مُول, وخطط له, وكُتب بواسطة أغلبية ديمقراطية من الأكاديميين والسياسيين تعلم أنها ستجد طريقها إلى مفاصل السلطة والنفوذ في الإدارة الديمقراطية القادمة في مطلع عام 2009م، ولعل اتفاقاً مكتوباً أو غير مكتوب، وغير معلن فى الحالتين قد تم بين الوفد الجنوبي الزائر بقيادة سلفاكير وأعوانه من الصقور والنافذين في الإدارة الكلينتونية القادمة ومن ضمنهم انتوني ليك وجون برندرقاست. بمعنى آخر التقت مصالح الصقور الديمقراطيين الأمريكيين والصقور الجنوبيين من أولاد قرن حول سيلفاكير.
ماذا يعني هذا لحكومة الرئيس البشير؟ أنه يعني ببساطة أن الطريق قد أصبح ممهداً وضرورياً لتعاون وتفاهم بين إدارة بوش الثانية وحكومة الرئيس البشير، ولما كان ذلك سيعني الكثير من المرونة والحنكة والبراغماتية وتقدير عامل الزمن من الجانبين خاصة وأن هم صقور الحركة وصقور واشنطن من الديمقراطيين سيكون هو وضع العراقيل والعقبات أمام أي حل جذري وناجز لمشاكل السودان وخاصة استمرار سوء التفاهم بين طرفي نيفاشا، وعدم الوصول إلى اتفاقية سلام مع متمردي دار فور لعام آخر.
ولابد أن نتساءل كذلك ماهو موقف المعارضة الشمالية لحكومة البشير- وهو تسعى للتحالف الاستراتيجي مع صقور الحركة الشعبية- إزاء هذا التطور الخطير الذي يخرج السياسة السودانية من نطاقها المحلى إلى نطاق لا يملك اى من الأطراف السودانية, ولا حتى الامريكيه , فى حقيقة الأمر السيطرة على كل أو حتى بعض متغيراته المتشعبة.