الطيب زين العابدين يكتب حول أزمة المعلمة البريطانية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 08:55 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-08-2007, 02:33 PM

Muhammad Elamin
<aMuhammad Elamin
تاريخ التسجيل: 09-21-2007
مجموع المشاركات: 901

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الطيب زين العابدين يكتب حول أزمة المعلمة البريطانية

    بعد أن هدأت العاصفة

    د الطيب زين العابدين

    يرجى أن يؤدى عفو رئيس الجمهورية عن ما تبقى من سجن معلمة اللغة الانجليزية جليان جيبونز بمدرسة الاتحاد العليا (7 أيام) الى قفل ذلك الملف فى الخرطوم، ولكنه سيظل خارج السودان، خاصة فى بريطانيا وأمريكا، دليلا ضد المسلمين يضرب به المثل فى التطرف والغوغائية لسنوات قادمة. كتبت عشرات المقالات ونشرت وبثت مئات القصص الخبرية فى أنحاء العالم عن الحدث الغريب فى السودان وهو اعتقال معلمة بريطانية ثم الحكم عليها بالسجن لمدة أسبوعين بتهمة اساءة الدين الاسلامى لأنها سمحت لتلاميذها فى الفصل بتسمية لعبة الدب (التيدى بير) المحبوب لدى الأطفال فى الثقافة الغربية باسم "محمد". ووجد المتعصبون والحاقدون على العرب والاسلام فى أوربا وأمريكا فرصة ذهبية لنفث سموم حقدهم على الاسلام والمسلمين، وعجز المسلمون فى تلك البلاد من الدفاع عن "الهيجان السودانى" فانحازوا الى ادانة ذلك السلوك وقالوا انه لا يمت الى الاسلام بصلة. لقد كتب أحد الكتاب المعروفين فى أمريكا، بول مارشال، يقول ينبغى على الحكومة الأمريكية أن تعتبر "الدعوة للتطبيق الصارم للشريعة الاسلامية" فى مجالات الحياة المختلفة بمثابة تهديد لمصالح السياسة الأمريكية الخارجية لأنها تخلق مناخاً مواتياً لتجنيد الارهابيين! وتبنى ذلك القول جوزيف جريبوسكى رئيس معهد الدين والسياسة العامة فى واشنطن وأمين عام المؤتمر البرلمانى لحقوق الانسان والحريات الدينية، وكتب مدافعا عنه. ولا يتوقع أن تأخذ الحكومة الأمريكية بهذا الرأى المتطرف فلديها ما فيه الكفاية من المشكلات مع العالم الاسلامى، ولكن مجرد الجرأة فى الدعوة اليه عبر كتاب وصحف مرموقة يعتبر سابقة خطيرة فالغرب كان يقول دائما انه ليس ضد الاسلام ولكنه ضد الارهاب الذى يمارس باسم الاسلام. ودخلت معظم الدول الاسلامية، بما فيها السودان، فى تحالف مع الغرب تحت مظلة محاربة الارهاب. وهناك بداية حديث فى أمريكا عن مواجهة جماعات الاسلام السياسى فى العالم، ولن يكون الشوط بعيدا لينتقل الحديث بعد ذلك ليصبح صريحا ضد الشريعة ثم ضد الاسلام نفسه. وكلنا نعلم مقدرة حكومات العالم الاسلامى (فاقدة الشرعية) فى الصمود أمام هجوم العالم الغربى عليها، فهى تعتمد عليه فى تأمين أنظمتها المتداعية، وهى أية حال بين معادية أو غير متحمسة لتطبيق أحكام الشريعة الاسلامية. ويكفى دليلا أن حكومة السودان "الأصولية" لم تستطع أن تصبر على تنفيذ حكم قضائى مخفف لا يزيد عن أسبوعين سجناً لمتهمة بإساءة الرسول (ص)، اما خوفا من الضغط الغربى عليها أو عن عدم اقتناع بعدالة الحكم، وكلا الاحتمالين لا يصب فى مصلحة الحكومة ولا مصلحة البلد. لماذا اذن ندخل أنفسنا فى هذه المطبات الضيقة بجهل وغوغائية دون أن ندرك عواقبها وتداعياتها؟ ولماذا تقف الحكومة مكتوفة اليد أمام اجراءات عدلية خاطئة وسلوك جماهيرى جاهل حتى اذا ادلهم الخطب تراجعت عن موقفها وتلفتت تبحث عن مخرج كريم!

    بدأت القصة فى مدرسة الاتحاد العليا فى سبتمبر الماضى حين طلبت المعلمة جيبونز التى وصلت السودان قبل ذلك بشهرين، من الفصل الذى تدرسه اللغة الانجليزية، خلع اسم على الدب الذى تبرعت به احدى التلميذات حتى يكون موضوعا للحوار والكتابة. تبارى التلاميذ فى اقتراح أسمائهم لتسمية تلك الدمية، مما يعنى أنها كانت محببة لهم، وعلقت المعلمة على الأسماء بقولها: لماذا أقترحتم أسماء الأولاد فقط وتجاهلتم أسماء البنات؟ مما يدل على أنها لم تفكر فى اسم بعينه. وعند التصويت على الأسماء المتعددة نال اسم التلميذ (محمد العربى) أعلى الأصوات فقبلت به المعلمة. وهذا يعنى أن المعلمة لم تكن هى التى أطلقت الاسم على الدب، ولم يطلق تيمنا بالرسول أو سخرية منه وانما أطلق على اسم تلميذ محبوب فى الفصل. وكتبت المعلمة فى 15 سبتمبر لآباء التلاميذ تطلب منهم استضافة الدب (محمد) فى بيتهم ليوم أو يومين حتى يكون مادة للحوار بين التلاميذ فى الفصل حول كيف قضى ذلك الوقت بينهم، لم يعترض أحد فى المدرسة أو من الآباء على التسمية بل استجاب بعض الآباء لإستضافة الدب. أنى للمعلمة التى وصلت البلد حديثا أن تدرك أن هناك مشكلة فى تلك التسمية؟

    ثارت المشكلة عندما تقدمت سكرتيرة المدرسة (هى التى طبعت الخطاب فى منتصف سبتمبر)، بعد مشاجرة لها مع مديرة المدرسة الانجليزية، بنقل الموضوع خارج أسوار المدرسة فى الأسبوع الرابع من نوفمبر مهددة المديرة بأنها قادرة على اخراجها من السودان! قامت وزارة التربية والتعليم الولائية فى غيبة وزيرها (يدرس بعض أبنائه بالمدرسة) بشكوى الى البوليس ضد المعلمة. وقد جرت العادة أن تحل الوزارة مشكلات المدارس داخل جدران المدرسة ولا تحملها الى النيابة أو البوليس ولكنها خالفت العادة فى تلك الحالة، رغم مقابلة أحد المسئولين بالمدرسة للادارة المختصة وتعهده لها بأن تقوم المدرسة بتنفيذ أى اجراء تطلبه لمعالجة المشكلة. والسؤال هو: من هى الشخصية (العاتية) المتشددة التى دفعت بالوزارة لتبنى ذلك الموقف الشاذ وغير التربوى؟ ولم تكن الوزارة فى حاجة الى الشكوى أصلا لأنها تملك الصلاحية بمعاقبة المعلمة أو المدرسة!

    لم تستطع الوزارة أن تقدم فرداً واحداً من آباء التلاميذ يشهد ضد المعلمة أو المدرسة وكان شاهدها الرئيسى فى المحكمة هى السكرتيرة التى طبعت الخطاب قبل أكثر من شهرين. ووضعت المعلمة جيبونز تحت الحراسة بمجرد تقديم الشكوى ضدها، ورفضت النيابة اطلاق سراحها بضمان ولم يتمكن محامى المدرسة من مقابلتها لبضع أيام! وفى محكمة الخرطوم شمال أدان القاضى المتهمة تحت المادة (125) من القانون الجنائى لسنة 1990م التى تتحدث عن السب العلنى أو الاهانة للأديان بأى طريقة، وحكم عليها بخمسة عشر يوما سجنا فى حين أن المادة تقول بمدة لا تجاوز ستة أشهر أو الغرامة أو الجلد بما لا يجاوز أربعين جلدة. وهى مادة مأخوذة من نصٍ قديم فى القانون الانجليزى لعام 1925، ولكن ذلك النص يربط الإساءة أو الاحتقار للأديان بإحتمال راجح للإخلال بالنظام العام. ليتهم أبقوها دون تعديل! ولا أجد فى سلوك المعلمة أدنى اساءة للرسول (ص) أو للدين الاسلامى أو قصدا سيئا منها، وفى الدين الاسلامى (انما الأعمال بالنيات) فى كسب الحسنات أو السيئات. فمن أين للقاضى الدليل على الاساءة أو سوء القصد فى سلوك المعلمة؟ ويشير حكمه المخفف على ضعف الادانة، وكأنه تسوية (متوازنة) بين دليل ضعيف وفئة (دينية) هائجة!

    ان المسلمين يتعرضون فى هذا الزمن السيئ (ذو القطبية الواحدة والعولمة الشائهة) الى هجوم غربى كاسح ضد معتقداتهم وسيادة أوطانهم وثرواتهم وثقافتهم بحجة أعمال ارهابية من بعض الفئات المتطرفة التى أغضبها احتلال الأرض المسلمة وتخاذل حكومات المسلمين. ولا ينبغى السماح لبعض العناصر المتشددة أو الجاهلة بإثارة الفتنة الطائفية داخل المجتمع أو جر البلد الى مواجهة لا قبل له بها من أجل استعراض النفوذ أو المزايدة على من ينافسونها فى كسب الأتباع. وأعجب لماذا لا يستفز هؤلاء (المتدينين) غياب العدل الذى هو أساس رسالات السماء، أو انتشار الفقر الذى وصفه المصطفى (ص) بأنه كاد يكون كفرا، أو نهب المال العام، أو فساد الأخلاق، أو انتهاك حقوق الانسان، أو اقتتال المسلمين ضد بعضهم البعض. ليتهم مرة واحدة يقومون فى قضية عامة لها أساس فى الدين وتخدم فى ذات الوقت مصلحة المجتمع بكل طوائفه! وليت الحكومة التى تخلت عن (مشروعها الحضارى) شكلا ومضمونا ألا تحاول تعويضه بالتقرب الى المجموعات المتشددة الجاهلة لأن الثمن باهظ عليها وعلى الوطن.

    الصحافة السبت 8 ديسمبر 2007
                  

12-08-2007, 04:40 PM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب زين العابدين يكتب حول أزمة المعلمة البريطانية (Re: Muhammad Elamin)

    من المعروف أن الموروث الديني المتداول في العقل الجمعي وفي البيئة الاجتماعية والثقافية للعالم الإسلامي بصورة عامة لم يزل يملك سلطة التوجيه والوصاية، وسلطة الأمر والنهي، ويكتسب مشروعيته في الوصاية والهيمنة والتوجيه والحاكمية من كونه لم يزل في الصورة الذهنية الشعورية والعقلية الثقافية الإسلامية يتميز بالطابع اللازمني الأبدي واليقيني والغيبي والمطلق، وعليهِ فهو الموروث ذاته الذي لم يزل يحدد للفرد المسلم ماهية وجوده الكياني والاعتباري، ويتدخل في تشكيل ثقافته وقناعاته وسلوكه وأخلاقه وشعوره وحتى هيئته الخارجية، ويحدد له طبيعة علاقته مع الآخر ومع عالم الأشياء من حوله، وكما هو معلوم أيضاً فأن الموروث الديني في أبجدية الفكر الديني الإسلامي هو موروث تراكمي ثقافي وعقائدي وعرفي يتراسل تاريخياً ويتناسل وراثياً، ولذلك فأن التراكمات المعرفية الدينية التي تستجد على الموروث ذاته أو تتداخل معه أو تتقاطع معه في مفصليات مرحلية أو تتماهى معه ثقافياً ونصياً وعرفياً وحتى شكلياً، تعتبر أيضاً في العرف الديني موروثاً دينياً يتخذ بالتالي صفة القداسة والحاكمية والوصاية، لأنه يتأسس على الموروث الديني السابق ويتشكل منه وينطلق من أصولياته اليقينية والغيبية والمطلقة، وفي هذه الحالة يصبح الموروث الديني التراكمي معنياً دائماً بالبحث عن شرعيته ومشروعيته في الحاكمية المعاصرة من خلال علاقته الترابطية النصية الكاملة بالمدلولات التاريخية والمقدسة للموروث الديني الذي تتشكل منه النصوص الدينية التاريخية والتراثية، وعليهِ فقد تجذرت في الذهنية والعقلية الإسلامية ثمة قناعة تامة لا تقبل الشك أو النقد أو التغيير، وهي أن النص الديني، أياً كان النص الديني ليس وليد لحظته الظرفية الزمنية والمكانية والتاريخية ويتأثر بالتالي بمجموعة من العوامل التاريخية المولدة له، ولذلك دائماً ما يعتقد المسلم أن النص الديني والذي هو في النهاية يعكس موروثه الديني يجب أن يبقى خارج سياق التاريخ، وليس له علاقة بتبدلات الظروف وتغيرات الأزمنة ومناخات التطور الاجتماعي والعلمي، وانطلاقاً من ذلك فأن تراكمات المعرفيات والأعراف الدينية المتعاقبة والتي هي كما ذكرت تأخذ صفة ومفهوم وقدسية الموروث الديني ذاته، يجب أن تبقى مرتبطة بنيوياً وعضوياً ومفهومياً وتاريخياً بموروثاتها النصية والنقلية السابقة وتكون امتداداً لها، ويجب بالتالي أن تأخذ صفة اليقينية واللازمنية والحاكمية المطلقة..

    وبسبب ذلك الاعتقاد الكامل والجازم والمطلق بحاكمية ويقينية ولا زمنية الموروث الديني في العقلية والذهنية الإسلامية بشكل عام، فإنه من الطبيعي أن يتحول الموروث الديني القديم والحالي المتراكم إلى جهاز عقائدي ضخم يملك سلطات مطلقة في الوصاية والتوجيه والهيمنة والحاكمية، بينما في الأساس واقعياً ومنطقياً وعقلياً من المفترض جداً أن يتناول المسلمون الموروث الديني على أنه مجرد نظريات بشرية اجتهادية قابلة للخطأ أو الصواب، وقابلة للتغيير أو التبدل، وقابلة للنقد والتحليل، وخاضعة للفلترة والتقليم، والأهم أن تخضع للدراسة المعرفية كمادة معرفية دينية فقط، من دون أن تتحول إلى وسيلة لأي نوع من الثقافات المعرفية المشبعة بعقلية التوجيه والأمر، وفي هذه الحالة لن يتحول الموروث الديني إلى جهاز عقائدي يحمل صفة القداسة واليقينية واللازمنية، ولكن كل الدلائل والوقائع والأحداث الحالية والسابقة تؤكد أن الموروث الديني بكل منقولاته النصية وحمولاته التراثية وأدبياته التاريخية وتفسيراته الاستنباطية ومفاهيمه العقائدية المقصدية ومعارفه الشرعية وبكل تراكماته المعرفية المتعاقبة الحالية واللاحقة، أصبح جهازاً ثقافياً عقائدياً ضخماً مسيطراً ومهيمناً، مسكوناً بهواجس النرجسية والأفضلية، ومشبعاً بيقينية التنزيه والتعالي والتقديس، ومتخماً بالتخيلات الأسطورية والفنتازية، وحاكماً بالأدلجات الدوغمائية والضيقة والاستحواذية والاحتكارية، ولذلك كانت الخطورة دائماً في أن يتحول الموروث الديني إلى جهاز عقائدي شديد التأثير ومتمتعاً بمطلق الصلاحيات ومتصفاً بالحاكمية والوصاية والتوجيه، لأنه في هذه الحالة يسعى بكل امكانياته اللغوية ومخزوناته الفقهية وأحكامه الشرعية ونصوصه الموروثية إلى الانشغال كلياً بخلق مساحات شعبوية معبأة تماماً بفكر التطرف والتشدد والكراهية ليصبح هدفه الأساسي تعبئة النفوس والضمائر والعقول ضد الآخر المختلف، أياً كان الآخر المختلف، ومنهج التعبئة الدينية الشعبوية المستند على فكر التطرف والتشدد والذي تنتهجه وتعمل عليه المجاميع الدينية عبر أجهزتها المنبرية والدعوية والإعلامية والكتابية والشعاراتية المختلفة، يتمثل في هوية دينية تتأسس على الخطاب الديني الوراثي والتوارثي، ولذلك فأن الهوية الدينية هي هوية توارثية وترابطية وغير مهتمة تحديداً بعوامل التغيرات والتطورات الاجتماعية والثقافية والبيئية، وبالتالي فهي ليست منفصلة عن موروثاتها الدينية الأصلية، وتتحدد مباشرةً في منهجيات مسلكية وفي خطابات ماضوية وفي قوالب ثقافية نابذة للآخر ولاغية للمختلف ورافضة وقامعة للمغاير..

    وهناك عامل شديد الصلة بالموروث الديني، داعمٌ له ومستنداً عليه، ومنطلق منه ومستمر به، وهو أن الموروث الديني في الذهنية والعقلية الاعتقادية للمسلمين بشكل عام يتميز بالصفاء المطلق، لا تشوبه أية شائبة ويخلو من الهنات والمثالب والثغرات، ومنزه عن خلل المقصد ومعصوم من عثرات الخطأ، وقد استفحل هذا الاعتقاد مع تعاقب الأزمنة وتراكمات الموروث الديني، مندفعاً بهوس الاستعراض الديني المسرحي، حتى أصبح الموروث الديني وتفسيراته المختلفة وتأويلاته الكثيرة وتطبيقاته المتعددة يتغذى على وهم الصفاء كما يقول المفكر علي حرب، ونتجت عن ذلك بشكل مطرد ومتناغم مع هذا الاعتقاد، مفاهيم الأفضلية على باقي الموروثات الدينية الأخرى، وبرزت معها نزعة التقديس المطلق للذات المسلمة والتقليل من شأن الآخرين، بل واحتقار معتقدات الآخرين وانجازاتهم الثقافية، والاعتقاد بصفاء الموروث الديني وخلوه من القصور المعرفي أفرز التعصب الشديد للهوية الدينية الإسلامية، ولم يكن مستغرباً والحالة هذه أن يبقى يدافع ( المثقف ) الديني عن هويته الدينية بطريقة تنمُّ عن نشأة تربوية دينية تلقينية وشفهية ومعلبة، مردداً بكثيرٍ من السطحية والبلاهة مقولات وتوجيهات وعاظه الدينيين وخطبائه المنبريين، ومكرراً أدبيات موروثه الديني على إنها يقينيات مطلقة، ومتمسكاً في الوقت ذاته بآرائه حولها من حيث إنها الحلول النهائية والأكيدة لمشكلات البشر، ويظهر نوع آخر من المثقف الديني ذلك الذي لا ينفك يستعين بأقوال وآراء الفلاسفة والمفكرين والمخترعين الغربيين ويحاول بقدر ما يستطيع أن يُسقط أفكارهم على موروثه الديني أو يجعلها بطريقة وبأخرى تتماهي ثقافياً مع موروثه الديني أو محاولة تجييرها قسراً لتتلائم وتوجهاته الدينية لكي يثبت بطريقة هزيلة وساذجة أن موروثه الديني قد سبق آراء هؤلاء الفلاسفة والمفكرين والمكتشفين حول الطبيعة والحياة والإنسان بمئات السنين، وهناك أيضاً نوع ثالث من المثقف الديني، ذلك الذي يصف الحضارة الغربية بمناسبة ومن غير مناسبة بالفساد والانحلال والتفسخ الأخلاقي وفوق ذلك يتنبأ بانهيارها واندثارها، بل ويتمنى ذلك، ولا نعرف كيف يتمنى أن تهلك هذه الحضارة وتنتهي، وهي التي توفر له كل سبل الراحة والاتصال والعلاج والتعليم الراقي..

    وانطلاقاً من كل ما سبق يصبح التساؤل منطقياً: ما الذي يجبر الفرد المسلم عموماً على التسليم مطلقاً من دون تفكير أو بحث أو تحليل أو نقد أو تفكيك، للموروث الديني، سواء ما اعتاد على تلقيه شفهياً، أو ما توارثه ثقافياً وتقليدياً من أسلافه، أو ما تعلمه تلقينياً في المناهج التعليمية والمؤسسات الدينية، أو ما يتأثر به مجتمعياً وبيئياً، أو ما يُؤتمر به من مشايخه ومرجعياته، أو حتى ما يترسخ منه كثيراً في عقله الباطن..

    أعتقد أن الإجابة تتلخص في نقطة رئيسية تتركز بكثافة في ثقافة الخوف التي تجذرت عميقاً وزمناً طويلاً في البنية الذهنية للشخصية الإسلامية، خوف الذات المسلمة من الانعتاق من هيمنة ووصاية موروثها الديني، وأستطيع أن أحدد ثلاثة مخاوف شكلت ولم تزل تشكل عائقاً كبيراً أمام الأغلبية من المسلمين لتخطي هيمنة السلطة التوجيهية والاستحواذية للموروث الديني والانعتاق من مسلماته ويقينياته المطلقة، فالنوع الأول من الخوف أجده يتمثل في خوف الفرد الدائم من النبذ، نبذ البيئة العقائدية المجتمعية المسلمة وثقافتها الجماعية الدينية له، ويتخذ النبذ الديني للفرد الذي يرفض التسليم والخضوع لأدبيات الموروث الديني طرقاً عدة ووسائل مختلفة، من التجريح الشخصي له، إلى الطعن في أخلاقه وشرفه، وإلى عزله اجتماعياً، علاوةً على حفلات التشنيع الإعلامية عليه تلك التي يتفنن في افتعالها والترويج لها التيار الديني بحق كل مَن لا يجد شيئاً يجبره على الرضوخ لسلطة موروثهم الديني، ويصل النبذ الديني في بعض الأحيان إلى مستوى التصفية الجسدية والتهديد بحياته، ولذلك يتردد الكثيرون من الدخول في غمرة الصراع مع الموروث الديني خوفاً على أنفسهم وشخصهم ومكانتهم الاجتماعية من النبذ الاجتماعي الديني المتوحش لهم، ويحصل والحالة هذه أن يتخلى البعض عن ممارسة حقه الإنساني في النقد وحقه أيضاً في تجاوز ما لا يراه مناسباً له، في مقابل القبول بثقافة الموروث السائدة ومسايرتها مسلكياً وثقافياً وشكلياً وشعورياً وعرفياً، لأنه يجد سلامته الشخصية في كل ذلك وحفاظاً بالتالي على مكانته الاجتماعية بينهم، فالإنسان بصورة عامة يخشى النبذ الاجتماعي له ويتخوف من مخالفة السائد والمسلّم به حتى لا يجد نفسه يوماً خارج دائرة الاعتراف به مجتمعياً ودينياً، وأما ثاني تلك المخاوف، فهو خوف الفرد المسلم على هويته الدينية من الضياع والطمس إذا ما فكر في الخروج من هيمنة موروثه الديني، لأنه يعتقد مؤمناً بأن موروثه الديني يعكس كينونته الذاتية والوجودية وهويته الشخصية، ومن غير هذه الهوية يشعر بالفقد والضياع، لأنه لا يملك سوى إرث واحد يدافع عنه ويتمترس خلفه ويتخندق فيه وهو يمثل كل رصيده في ماضيه وحاضره ومستقبله، فهويته الدينية هي خط الدفاع الأول والأخير في تراسل تاريخه المديد، وإذا ما تم التعرض لهذه الهوية بالنقد والتحليل والتفكيك فمن الطبيعي أنه يشعر بالخطر عليها، فبماذا يفتخر ويتفاخر ويُفاخر المسلم سوى بهويته الدينية التي يراها الأقدس والأفضل والأنقى على كل ما سواها من هويات دينية أخرى وهي في النهاية مرجعيته في كل مناحي حياته وهي الإطار الذي يحدد من خلاله علاقته بالآخرين وبالعالم، وبذلك فأن الفرد الذي لا يملكُ سوى موروثه الديني هويةً كاملة له، وراهناً في الوقت نفسه كل حاضره ومستقبله لهذا الموروث فمن الطبيعي ألا يقبل أي مساس به، متخوفاً بالتالي من فقدان هويته الدينية وضياعها، لأن ذلك يعني تلقائياً ضياعه وتشتته وتلاشيه، وثالث تلك المخاوف، خوف الفرد المسلم من عقاب الآخرة إذا ما حاول تجاوز موروثه الديني، فثمة اعتقاد ديني جازم لديه لا يتسرب الشك إليه في أن معارضته ونقده لموروثه الديني تعني مخالفته لأوامر خالقه وسيعرضه ذلك للعقاب والعذاب الأخروي، في حين أن خالقه يحضه على استخدام العقل في التفكير والتفكر والتبصر والتأمل..

    ختاماً، ربما طريق الانعتاق من استبداد ووصاية الموروث الديني، قدرة الفرد المسلم على تبديد تلك المخاوف والتحرر منها وتجاوزها، وإلا فإن نتيجة تقديسه وتبعيته الكاملة وخضوعه المطلق لموروثه الديني وخيمة عليه، لأنه سيمنح كامل الصلاحية والهيمنة لموروثاته الدينية في أن تستبد بعقله وبتفكيره وبقراره وباختياره وبحياته
                  

12-08-2007, 05:19 PM

أحمد أمين
<aأحمد أمين
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 3370

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب زين العابدين يكتب حول أزمة المعلمة البريطانية (Re: زهير عثمان حمد)

    Too late Ya Doctor

    لقد صرحت لجريدة السودانى بتاريخ 26/11/2007

    بأن المعلمة اتت "لتخريب عقول اطقالنا"

    طبعا هنا تستخدم تكنيك ان هذا الشعب ليس له ذاكرة


    والان بعد مرور 12 يوم على تصريحك الذى لايشبه تصريح شخص يقود منظمة تدعى انها من اجل التسامح بين الاديان

    لقد انكشف امرك فى لحظات حرجة وبرز شخصك الحقيقى من وراء قناع (الاسلامى الليبرالى)

    بالله خلى الضحك على هذا الشعب فقد سئمنا منكم
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de