غادة عبدالعزيز خالد بالفحم : حضرنا و لم نجدكم

Quote: Last Update 04 ديسمبر, 2007 05:48:58 PM بالفحم: حضرنا ولم نجدكم غادة عبد العزيز خالد [email protected] أيام العيد والزيارات (على ودنه)، أناس يأتون وآخرون يذهبون... العمامات البيض تلقي التحية والنساء يرفلن في ثيابهن الملونة... الأطفال بالملابس الجديدة والفتيات شعرهن مهندم أو متخذاً صورة (ضنب حصان) ويجري خلفهن... كعك، عصير، ولربما تقدم المياه الغازية... في خلال الجولة تلك التي لا تنتهي يتزاور المعارف فيجدوا بعض المنازل خالية... ويختار الزائر ما بين وضع طوبة على عتبة المنزل أو تعليق قشة فوق (الحيطة) أو الكتابة على الباب ذي الطلاء الجديد بفحمة "حضرنا ولم نجدكم!" متنازعا في ذلك الوقت ما بين تشويه الباب و(شيل) اللوم... أو يستخرج تلك الورقة الصغيرة والقلم ويكتب ذات العبارة "حضرنا ولم نجدكم". ثم يلصق تلك الورقة بباب المنزل ويعود إلى العربة منطلقاً نحو منازل أهل أو أصدقاء أخر. وتغيرت خارطة السودان وبعض من عاداته في خلال السنوات الماضية. فقد قلت الزيارات الغير معلنة، وصار الشخص قبل أن (يضرب) مشوار على الفاضي، يرفع هاتفه ويتصل بالذي يعزم زيارته ويسأله أن لو كنت موجوداً في منزلكم سآتي، وفي كل الأحوال سلم ورقة أو (نية) حضرنا ولم نجدكم من خلال التكنولوجيا، أو عبر الهاتف. وهنالك أناس تركوا السودان وهاجروا وصارت الزيارات متعذرة إلا لمن رحم ربي وأستقل الطائرة قاطعا البحار والفيافي حتى أتى الإنترنت وذلل كثير من صعوبات. تراسلنا في خلال الأيام الماضية أنا و لأستاذة الفاضلة منى أبو زيد، صاحبة عمود "هنالك فرق" بصحيفة الرأي العام عبر الماسنجر. والماسنجر هو نافذة صغيرة على الإنترنت تتيح لك التواصل الفوري مع الشخص الذي تتحدث معه، يقرأ ما تكتب وترى كلماته في ساعتها. وهو وسيلة فعّالة وغير مكلفة لإقامة علاقات بآخرين والحفاظ عليها في دول العالم المختلفة. وفي مرة كتبت إليّ الأستاذة منى رسالة فورية ولكنني كنت غير متواجدة قرب جهاز الكمبيوتر، وأخبرتني بعد لحظات من انتظار ردي، أنها حضرت لكي تلقي التحية ولكي نتحدث ونتناقش سويا بيد أنني غير موجودة، وأخبرتني في نهاية الرسالة أنها ستحاول معاودة الاتصال والمكاتبة مرة أخرى. ووجدت رسالتها بعد أن عدت إلى جهاز كمبيوتري مرة أخرى. فرددت عليها معتذرة وداعبتها بأن الرسالة الصغيرة التي كتبتها تذكرني بتلك الورقة الصغيرة التي كنا نتركها على أبواب أهالينا الغائبين عن منازلهم. وبدلا من تعليقها على باب المنزل ها أنت تتركينها معلقة على شاشة كمبيوتري. من العادات السودانية التي غيرتها الغربة والتكنولوجيا، أنه حينما نقابل أصدقاء أو أهل في غير منازلهم، نلقي عليهم التحية ثم (نخصصها) بعدما نزورهم في منزلهم تصاحبنا المقولة الشهيرة: -أها، جينا نسلم عليكم في بيتكم في خلال الفترة السابقة قامت والدتي بالاتصال بأختها (شادية) تسأل عنها وأسرتها، وأعلمتها بتخرج (مرتضى) أبن خالتي زينب والتي كانت متواجدة معها... وحادثتها الوالدة من فورها مباركة لها تخرج ابنها من الجامعة. وفي اليوم التالي قامت الوالدة بالاتصال بخالتي زينب على هاتفها النقال وبادرتها قائلة: -أها، مبروك عليك تخريج ولدك في تلفونكم. وبالرغم من البعد والهجرة والغربة واجتياح التكنولوجيا حياتنا، إلا أن الحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا لن ينتهي أبدا وإن بعدت الشقة أو طال الزمن. حضرت، وبحمد الله، اليوم وجدتكم!

Quote: حضرنا و لم نجدكم