|
التعصب بأقذر صوره
|
أحمد الصراف حب "جيليان جيبونز Gillian Gibbons" للأطفال ولمهنة التدريس دفعتها للذهاب ليس إلى واحدة من دول الخليج المتخلفة والمتخمة بالدولارات بل للسودان حيث المرض والقهر والتخلف والجوع. وهناك كانت المفاجأة بانتظارها في صباح ذلك اليوم الأغبر.
بدأت مأساتها عندما طلبت من أطفال فصلها، الذين لا تتجاوز أعمارهم السادسة بكثير، التصويت، ديمقراطيا، على اختيار اسمين لدميتين مصنوعتين من القطن وضعتهما أمامهما، فاختارت الأغلبية إطلاق أسم "محمد" على دمية على شكل "دب"!! وصل الخبر لبعض آباء الأطفال فثارت حميتهم الدينية وأعلموا السلطات بالأمر فقامت هذه من فورها بزج السيدة "غيبونز" في السجن لعدة أيام.
وفي فترة قياسية لم تشهد محاكم السودان المتأخرة والمتخلفة في كل أمر وشيء، نظرت المحكمة في قضية وحكمت عليها بالسجن 15 يوما وبالفصل من العمل والطرد من جنة السودان بتهمة "الإساءة للإسلام والتحريض على الكراهية!!!!!
لا أعرف أين التحريض على الكراهية في إطلاق اسم ما على دمية مصنوعة من القطن ويمثل دبا صغير محببا لكافة أطفال العالم وله مكانه مميزة في قلب كل طفل غربي بالذات، ولكن هذه قصة أخرى.
من الواضح أن المدرسة لم تختر الاسم، بل اختاره الأطفال بطريقة "ديمقراطية طفولية عفوية" لسبب أو لآخر والأرجح لكونه اسما شائعا بينهم. وهو بالتالي ليس حكراً لطرف أو أحد بل هو اسم عام يحمله اللص والمجرم ويطلق على أكثر الناس لؤما وشرا وفسقا وفجورا كما يحمله أكثر الناس طهارة ولطفا، وإطلاقه على دمية تمثل دبا لا يعني أبدا أن في ذلك إساءة لأي رمز أو طرف. ولو أصررنا على تطبيق هذا المبدأ المستحدث لوجب على كافة محاكم الدول الإسلامية مضاعفة أحكام السجن على كل المذنبين من حملة عدد محدد من الأسماء.
ولكن عندما نطلب من الآخر، والآخر هنا ممثل بالسيدة غيبونز التي افترضت المحكمة في السودان أنها أساءت للإسلام، ضرورة احترام ديننا وعاداتنا وتقاليدنا، فهل نتصرف بمثل ذلك مع الآخر؟ وهل نفكر عميقا، إن فكرنا، في معنى وأصل أية تسمية قبل إطلاقنا على الأليف من حيواناتنا مثلا أو مدى ما يحمله الاسم من إساءة لمعتقدات الآخر...أيا كان؟ لا شك أن لا أحد منا يهتم بمثل هذه الأمور، وبالتالي من المهم أن نفترض أن "الآخر" يتصرف مثلنا فكلنا بشر في نهاية الأمر!
إن هذا الحكم المتخلف الذي هلل له الكثيرون يظهر، بشكل واضح، ليس فقط حالة الهلع، أو "الفوبيا"، التي أصابت الكثيرون منا لمجرد الاقتراب من اسم "محمد"، بل وأظهرت كم نحن على استعداد لاستعداء العالم أجمع علينا ودفعه دفعا ليس فقط للخوف من الاقتراب والتعامل معنا، بل ولتسخيف طريقنا في التفكير، والضحك على "المبكي" من تصرفاتنا!!
لا شك أن حالة البيات الشتوي التي ارتضيناها لعقولنا ستمتد لتشمل بقية فصول السنة وإلى ....الأبد.
ويا سيدة "غيبونز" أرجو أن تتقبلي اعتذارنا لما فعله بك السفهاء منا. فهؤلاء الذين لم يترددوا في قتل وتشريد أكثر من مليوني مسلم في دارفور لم يتحملوا إطلاق اسم محمد على دمية مصنوعة من القطن، فأي سخف ورياء وخداع أكثر من هذا.
(عن شفاف الشرق الاوسط)
|
|
|
|
|
|