معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 09:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-18-2007, 04:35 PM

د.معاويه عمر

تاريخ التسجيل: 08-09-2016
مجموع المشاركات: 11

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !!

    إدوارد عطية يكتب : تلميذي معاوية محمد نور


    تلميذي معاوية محمد نور
    بقلم : إدوارد عطية
    ترجمة وتقديم : محمد وقيع الله
    دار " كلى " للنشر

    إهداء
    إلى علم الثقافة العربية الوطنية الكبير
    أستاذ التاريخ الافريقى و الفولكلور السودانى
    العلامة الدكتور عبد الله على إبراهيم ..

    بسم الله الرحمن الرحيم

    بين يدي هذا الكتيب

    مقدمة :
    وجّهني الأستاذ محمود الفضلي - رحمه الله - لقراءة كتاب : An Arab Tells His Story (1) لمؤلفه الأستاذ إدوارد عطية . كنت قد سألت الأستاذ الكبير الفضلي عن بعض ظروف و خفايا إنشاء الأحزاب السودانية في أربعينيات القرن الماضي ، وهو بذلك الأمر جد عليم ، و لكنه ما زوّدني إلا بإجابة موجزة ، لم يشأ أن يستطرد فيها - ربما خشية أن أتهمه بالتحيز ضد طرف سياسي ما - ثم طلب أن أستوفي بقية الأسرار في إهاب ذلك الكتاب.
    نسخ كتاب عطية نادرة وعزيزة الوجود إذ أنه طُبع في عام 1946، (2) و لكنى طفقت أبحث عنه حتى عثرت بنسخة منه ظفرت بطيها ما هو أهم بكثير من بُغيتي الأولى . وجدت بالكتاب فصلين نفيسين عقدهما المؤلف للحديث عن الأديب السوداني المتفوق معاوية محمد نور . و كان المؤلف قد خبره عن قرب ، إذ كان عطية أستاذاً بكلية غوردون التذكارية يتعاطى فيها تدريس الأدب الإنجليزي . وقد تناقش وتحاور مع تلميذه معاوية ملياً وخبر نزعاته الفكرية و الأدبية خبرة وافية ، وأفضى إليه هذا بكثير من آماله ومواجده و شجونه ، إذ وجد فيه خير من يصبح شريكاً عقلياً له في بيئة السودان الثقافية المجدبة في ذلك الحين . وبأسلوبه الأدبي العميق الشديد التركيز تولى الأستاذ عطية إيجاز قصة معاوية محمد نور في كتابه ، ولكنها - مع ذلك الإيجاز - استغرقت فصلين من فصول الكتاب الذي كرسه أساساً للحديث عن نفسه.
    لم يجد عطية بُدَّاً من أن يسوق تجربته في سياق مقارن مع تجربة تلميذه النابغة معاوية ، الذي أطنب كثيراً في الثناء عليه ، والاعتراف بتفوقه حتى على الأوساط الثقافية والأدبية بمصر في ذلك الأوان ، ومن غريب الصدف أن تلك الملاحظة نفسها قد أفضى بها في وقت لاحق إمام الفكر العظيم الأستاذ عباس محمود العقاد حينما قال:

    " لو عاش معاوية لكان نجماً مفرداً في عالم الفكر العربي " !

    بين التبعية والأصالة:
    و بجانب الحديث عن النبوغ الفكري والنقدي العجيب لمعاوية ، فقد استفاض الأستاذ عطية في الإبانة عن الآراء السياسية الوطنية لمعاوية . وربما كان هذا هو الجديد في كتابة الأستاذ عن تلميذه ، لأن الاهتمام العام بشخص معاوية ظل منصباً على جوانب تبريزه الأدبى وحدها مع إهمال ذلك الجانب المهم من جوانب حياته العامة . وقد ذكر الأستاذ عطية أن معاوية كان يضع قضية استقلال السودان في إطار أكبر حيث كان يتخذ من قضايا " الإمبريالية" و " التنمية الاقتصادية " و " الإصلاح الاجتماعي " و " التطور الثقافي " أسساً مفهومية للتحليل ، ولم يكن يتناول قضية الاستقلال إلا على ذلك النحو ، نائياً بنفسه عن استهلاك الشعارات العاطفية ، و إدمان التلويح بالمطالب السياسية الحماسية ، التي درج على رفعها المثقفون والسياسيون في زمانه ، وزماناً قبله ، بل ما فتئوا يرفعونها حتى الآن .



    وتلك إشارة واضحة شديدة الأهمية تؤكد أن رأى معاوية القائل بأن الاستقلال السياسي السوداني سيأتي فارغ المضمون كان ثاقباً و مصيباً حقاً . وقد كوَّن معاوية ذلك الرأي - بلا ريب - من خلال استقرائه الطويل و تأمله المستبطن في أحوال واهتمامات النخبة الثقافية حديثة التكوين في السودان ، وكذا من استقرائه و تأمله في أحوال النخبة الثقافية والسياسية الأفضل تكويناً في مصر ، وقد احتك بها احتكاكاً مباشراً و كثيفاً فلم يجدها في عاقبة أمرها أفضل من حال الطائفة المثقفة في السودان بكثير !



    ولعل ذلك هو سر إحجام معاوية عن دخول ساحة العمل السياسي الوطني العقيم الجدوى . إذ ظن أن تلك الطائفة المرشحة لإصلاح الوطن هي في نفسها في أشد الحاجة إلى الإصلاح و التقويم ! ولعل في إدراك معاوية العميق للقضايا السياسية لوطن محتل ، ذلك الإدراك الذي يذكر بنفاذ تحليلات آراء المفكر الجزائري العظيم " مالك بن نبى " ، شأن في تلك النهاية البئيسة المحزنة التي انحدر إليها على الصعيد الشخصي .



    لقد تم تصنيف معاوية من قبل دهاقنة الاستعمار على أنه شخص ذكي ذكاءً مفرطاً يتفوق به على كافة أنداده من أفراد النخبة السودانية لجيله ، و رفضت إدارة المعارف لذلك السبب تعيينه أستاذاً بكلية غوردون التذكارية ، إذ من شأن تعيين أستاذ نابه مثله أن يسهم في تنبيه الآخرين ، و يهدد بتكوين جيل متعلم جديد يدرك خفايا و خبايا الصراع الفكري في البلاد المستعمرة. و قد انطوت التوصية السرية لمدير المعارف بشأنه على كلمة دقيقة تقول عنه إنه : "Not the type, too clever" ، (4) أي أنه أذكى كثيراً من المعهود في أفراد النخبة السودانية ، و أنبه من النوع الذي يمكن أن يخدم مصالحنا في تلك البلاد !



    لم يكن الاستعمار البريطاني في السودان يأمن خطر الفكر التقدمي التحرري الذي انفرد به معاوية محمد نور ، حيث تهدد عاقبته بانفلات البلاد عن الدوران في فلك المنظومة الاستعمارية الغربية ، وانفكاكه عن أحابيلها ، وتوجهه نحو إنشاء وطن حر مستقل بمعنى الكلمة ، بعيد عن التبعية بكل معنى من معانيها الوبيلة ، بل ربما أصبح السودان بذلك قدوة تحتذى في بقية الأوطان المستعمرة !



    إن الناظر في مقالات معاوية النقدية التي نشرها في صحف و مجلات " الجهاد " و " السياسة " و " الأسبوع " و " البلاغ " و " مصر " و "الرسالة " و " المقتطف " _ وهى ارقى صحف و مجلات مصر في النصف الأول من القرن العشرين - يلاحظ بجلاء تام تفوق معاوية في شؤون الفكر والأدب حتى على عمالقة عصر النهضة الأدبية بمصر في ذلك الحين ، فقد طفق يتعامل بأستاذية مقتدرة لا تكلف فيها ولا ادعاء ، حتى مع أئمة الشعر والقصة والرواية بمصر ، فلم يوفر أحمد شوقي من النقد والتوجيه بشأن رواياته المسرحية الشعرية ، ولم يتردد في تقويم شعراء كبار من أمثال علي محمود طه المهندس و الدكتور إبراهيم ناجي و الدكتور أحمد زكي أبي شادي و غيرهم وتبصيرهم أن طريقهم خاطئ من أوله ، وأنه لا يؤدي أبداً إلى إنتاج شعر مجيد .



    ولم يحذر معاوية من مقارعة ناقد فحل مثل إبراهيم عبد القادر المازني قائلاً إن أسلوبه في النقد لا يرضيه ولا يعجبه و لا يقنعه لأنه لا يكلف نفسه الإحاطة التامة بما ينتقد . ولم يأبه معاوية بكشف سرقات المازني العديدة من روائع الأدب الأوربي والأمريكي متعجباً من استساغته لإتيان ذلك الصنيع المنكر وهو يعرف أن في البلاد من يقرأ مثله في غرر الآداب الغربية !



    إن من يطالع تلك المقالات النقدية لمعاوية يدرك حتماً صدق مقولة إدوارد عطية في وصفه بالتفوق على الأوساط الثقافية المصرية التي حل بها ، و يدرك أيضاً أن سر تفوق معاوية يكمن في تملكه التام لناصية اللغة الإنجليزية : " وصفه مدير المعارف إياه بأنه يعرف الإنجليزية بشكل أفضل منه ! " (5) وإطلاعه الوافر على آدابها وآداب اللغات الأوربية والروسية التي ترجمت إليها ، وبصيرته النقدية الوقادة ، وحالة الجذب الصوفي التي قيدته بأعالي الأدب العالمي . ومن هذه الناحية يمكن أن يوصف معاوية بتعلقه غير المحدود بمثالية الآداب الغربية " الروسية" ، وازدرائه لقيم وأصول الأدب العربي ، ودعوة شعراء العالم العربي وقصاصه وروائييه ونقاده لاحتواء وتمثل قيم الأدب الغربي والنسج على هواها .



    وهكذا فبينما كان معاوية داعية من دعاة رفض التبعية للغرب على المستوى السياسي ، ظل على مستوى الأدب والنقد أحد دعاة التبعية والتغريب ، وتجاهل خصائص البيئة النفسية و " الدينية " للأدب العربي ، بل للإنسان العربي نفسه ، وهي خصائص تعصم الإنسان العربي المسلم من التهويم في عوالم المجهول " المطلق " التي يتيه فيها إنسان الغرب الحساس ، فلا معنى عند الإنسان المسلم اللائذ بعقائد التوحيد ، والمتعلق بتراثها وآثارها في المجتمعات المسلمة عبر التاريخ ، لا معنى عنده لقضايا الشك الفلسفي الذي ينضج القصص الروائية الغربية ويسم الشعر الغربي بالغموض . إن ارتكاز معاوية على الرؤية الكونية الغربية وتشبثه بالنزعة " الإنسانوية Humanism " (6) كانت بلا شك أحد أسباب نكبته الأليمة . فلما تدهورت أوضاعه الاقتصادية والصحية والاجتماعية بشكل مريع في القاهرة لم يجد عاصماً من روح دينية قوية تحول بينه وبين الاضطراب الذهني والوقوع فريسة للبلابل والهواجس ، وما وجد ملاذاً أو سلواناً إلا في قيم الأدب الغربي ومثله ، وطفق يعزي نفسه بالروائي الفرنسي إميل زولا الذي ما كان يبالي بعضة الجوع وهو يبدع فرائد الأدب.



    لقد آب معاوية في آخر عهده بالدنيا إلى إيمان ديني حدث به أستاذه إدوارد عطية ، وهو الإيمان الذي استخرجه بنفسه من مطالعاته و تأملاته في القرآن الكريم ، و قد ذكر لأستاذه أنه وجد في ثنايا القرآن الكريم معاني لم يكن يفطن لها من قبل . ولا شك أن قدرات معاوية الأدبية التحليلية الراقية كانت خير معين له لاستبطان نصوص القرآن الكريم ، غير أن ذلك كله ما جاء إلا في لحظات الغسق والاختلاط الذي أطبق علي حياته في نهايتها ، حيث عصف به الردى واهتصر عوده وهو بعد في الميعة والريعان.



    عن شهادة إدوارد عطية :



    إن شهادة إدوارد عطية (1902 - 1964) في معاوية محمد نور (1909 - 1941) هي بلا ريب أعمق الشهادات بشأنه و أكثرها تفصيلاً واتزاناً ، إذ أنها صيغت في نهج علمي نقدي خالص ، ولم يجنح صاحبها إلى محض الثناء والاحتفال . ولا شك أن الأستاذ أي أستاذ هو خير من يخبر عن تلميذه ، لا سيما التلميذ البار كمعاوية الذي حافظ على علاقته بأستاذه إلى خواتيم العمر . و لشهادة إدوارد عطية جانب مهم آخر ، وهو أن عطية كان يعمل بالإضافة إلى أستاذيته بكلية غوردون في بعض أعمال الاستخبارات للحكومة الإنجليزية في السودان ، ثم خلف عمه صمويل عطية في رئاسة قلم الاستخبارات ، واستمر في ذلك المنصب إلى أن خرج من السودان في أعقاب الحرب العالمية الثانية . وقد أكسبته مهنته " الاستخباراتية " بعداً أوسع في تحليل شخصية معاوية كأديب ومفكر وطني في آن واحد ، وإذن فمستوى التناول والتحليل عند إدوارد عطية كان أرفع وأرحب بكثير مما لدى من كتبوا عن معاوية بعده حيث جاءت كتاباتهم اجتزائية إلى حد كبير.



    وثمة مصدر آخر للكتابة عن معاوية وتقدير مكانته الإبداعية والنقدية ، حيث كتب عنه ابن أخته الأستاذ رشيد عثمان خالد في عام 1964 مقدمة ضافية صدر بها المجموعة القيمة التي جمعها من آثار معاوية من بطون الصحف والمجلات المصرية . وقد كان رشيد مرجواً لأن يكون أصيلاً في كتابته عن معاوية بحكم قرابته به أولاً ، ثم بحكم إقامته بمصر حيث كان بمكنته أن يستنطق معاصري معاوية ويستقي أخباره ومآثره من أفواههم ، وأخيراً بحكم اقتداره الأدبي الذي تبين جلياً من ديباجته النثرية الناصعة في تلك المقدمة . ولكنه عوضاً عن ذلك فقد اتجه اتجاهاً مشيناً حيث عمد إلى انتهاب ملاحظات وآراء إدوارد عطية ودسها في ثنايا مقدمته لتبدو وكأنها من إنشائه الخاص ، ولعله ظن - مخطئاً - أن كتاب إدوارد عطية لن يقع في يد أحد من المعجبين بشخص معاوية والمتتبعين لآثاره الفكرية والأدبية فيفضح صنيعه الشنيع هذا !



    وحيث لا يتسع المجال لتتبع تلك الاختلاسات جميعاً فبحسبنا أن نشير إلى بعضها ، تاركين بقيتها لمن شاء أن يقوم بنفسه بمقارنة هذا النص الذي ترجمناه بنص الأستاذ رشيد عثمان خالد - رحمه الله - فلقد درج رشيد على إدماج كلام إدوارد عطية في كلامه بدون أن يشير أدنى إشارة إلى المصدر الذي أخذ عنه ، وكانت تلك هي خطته العامة في النقل ، كما قام في بعض الأحيان باجتزاء عبارات إدوارد عطية ثم بنى عليها تفصيلات أكثر ، وفي أحيان أخر أخذ كلام عطية كما هو من دون تبديل قليل و لا كثير ثم نسبه إلى نفسه وكأنه قائله الأصيل !



    مثال الخطة الأولى - وهي الخطة العامة للنقل عند الأستاذ رشيد - هو ما فى شاكلة هذا الفقرة التي يقول فيها : " ولنتصور هذا الفتى الذي يفيض تطلعاً وطموحاً يعيش في أم درمان وحوله أمه وعماته وخالاته وكلهن محجبات ، عقولهن لا تعي من الحياة إلا مفاهيمها الأولية والتي كانت لا تخرج عن نطاق العائلة وتقاليدها ونواميسها مثل الزواج والطلاق والحمل والموت والحزن والتزين ... ويقضين بقية ساعاتهن في اجترار الأساطير والخرافات ... لنتصوره وسط بيئة كهذه وقد علقت بروحه واستبدت بوجدانه أفكار (جين أوستن) و (توماس هيكسلي) وغيرهما من مفكرى القرن الثامن عشر ... في ذات الوقت الذي تهب فيه عليه رياح القرن العشرين من إنجلترا تحمل آداب وأفكار كتابها ... أي تباين ... وأي بون شاسع ! ! "(7) . فهي مجرد ترجمة رشيقة ورائعة لكلام إدوارد عطية الذي يجده القارئ كاملاً ملحقاً بنهاية ترجمتنا له .



    وتتمثل خطة الأستاذ رشيد في اجتزاء أقوال إدوارد عطية والبناء عليها بإضافات جديدة في شاكلة قوله : " وكان الشاب الأسمر بابتسامته المرحة وعينية الوهاجتين ومثاليته القويمة وحبه العنيف للأدب ، وثقافته ، وسعة اطلاعه ، وغزارة أنتاجه ... كان هذا الشاب شيئاً جديداً على الأوساط الأدبية في القاهرة ، وظاهرة جعلت أدباء القاهرة ومفكريها يناقشون كنهها في صالوناتهم وندواتهم ، ولقد لفت نظر فقيد الفكر العربي الأستاذ عباس محمود العقاد ، فأدناه منه وقربه إليه ، وكان يجد إمتاعاً لا يعادله إمتاع في مناظرته ومناقشته في شتى الموضوعات الأدبية . وإنني لأكاد أرى عبر الأيام تلك الحسرة التي علت محيا أستاذنا العملاق العقاد حين عرج بنا الحديث إلى ذكرى معاوية (وكنت قصدته في داره بمصر الجديدة ابتغاء رجائه كي يقدم لهذا الكتاب بقلمه) ... أقول أكاد أتمثل الحسرة والنغمة الآسية الحزينة التي تحدث بها أستاذنا العقاد عن الخسارة التي حاقت بأدبنا المعاصر بفقدان معاوية " ( .



    وقد أخذ الأستاذ رشيد رضا هنا عدة أسطر من حديث عطية عن تفوق معاوية بالقاهرة ثم أضاف إليها حديث العقاد إليه بشأن معاوية بمناسبة إصداره لمجموعة مقالاته النقدية .



    وأما مثال اقتطاع كلام عطية بنصه وفصه ومن ثم انتحاله فقد ورد في هذه العبارة التي تحدث فيها الأستاذ رشيد بضمير القائل : " ولعلنا لا نركن إلى المغالاة إذا ذهبنا إلى القول بأن معاوية كان أول سوداني يتصل اتصالاً حقيقياً بروح الغرب وأدب الغرب " (9) وهي ترجمة واضحة لعبارة إدوارد عطية التي أصلها : "Moawiya was the first Sudanese to make real contact with the spirit of the West . " (10) فهذه تصرفات غير كريمة وغير لائقة بمناهج تاريخ وتوثيق الأدب ، وما كان أغنى الأستاذ رشيد بأن ينأى عنها ، وما كان بضائره شيئاً أن يشير إلى المصدر الذي استل منه تلك الأقوال ، فهو مصدر عال يشرف كل باحث بأن يأخذ عنه . ولو امتثل الأستاذ رشيد لدواعي الأمانة العلمية ، وذكر المصدر الذي أخذ عنه في مقدمته ، لكان قد أفاد الباحثين عن تاريخ معاوية وتحليل شخصيته الأدبية بفائدة جلى ، وَ َوقَفهم على مصدر يعدُّ بلغة مناهج البحث مصدراً أساسياً أصيلاً في الموضوع ، وإذن لما تأخرت ترجمة هذا المصدر إلى لغة الضاد لهذا الحين ....
                  

05-18-2007, 04:57 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: د.معاويه عمر)

    Quote: و بجانب الحديث عن النبوغ الفكري والنقدي العجيب لمعاوية ، فقد استفاض الأستاذ عطية في الإبانة عن الآراء السياسية الوطنية لمعاوية . وربما كان هذا هو الجديد في كتابة الأستاذ عن تلميذه ، لأن الاهتمام العام بشخص معاوية ظل منصباً على جوانب تبريزه الأدبى وحدها مع إهمال ذلك الجانب المهم من جوانب حياته العامة . وقد ذكر الأستاذ عطية أن معاوية كان يضع قضية استقلال السودان في إطار أكبر حيث كان يتخذ من قضايا " الإمبريالية" و " التنمية الاقتصادية " و " الإصلاح الاجتماعي " و " التطور الثقافي " أسساً مفهومية للتحليل ، ولم يكن يتناول قضية الاستقلال إلا على ذلك النحو ، نائياً بنفسه عن استهلاك الشعارات العاطفية ، و إدمان التلويح بالمطالب السياسية الحماسية ، التي درج على رفعها المثقفون والسياسيون في زمانه ، وزماناً قبله ، بل ما فتئوا يرفعونها حتى الآن .



    وتلك إشارة واضحة شديدة الأهمية تؤكد أن رأى معاوية القائل بأن الاستقلال السياسي السوداني سيأتي فارغ المضمون كان ثاقباً و مصيباً حقاً . وقد كوَّن معاوية ذلك الرأي - بلا ريب - من خلال استقرائه الطويل و تأمله المستبطن في أحوال واهتمامات النخبة الثقافية حديثة التكوين في السودان ، وكذا من استقرائه و تأمله في أحوال النخبة الثقافية والسياسية الأفضل تكويناً في مصر ، وقد احتك بها احتكاكاً مباشراً و كثيفاً فلم يجدها في عاقبة أمرها أفضل من حال الطائفة المثقفة في السودان بكثير !
                  

05-18-2007, 05:08 PM

د.معاويه عمر

تاريخ التسجيل: 08-09-2016
مجموع المشاركات: 11

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: عبد الحميد البرنس)

    رساله لأى معاويه ان يأتى الى هنا
    شكرا برنس
    وانت تقتطع من معاوية حتة (وطنيه) نشوف رأى الساسه البورداب فيها شنو ؟؟
                  

05-18-2007, 08:14 PM

KOSTA
<aKOSTA
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 3138

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: د.معاويه عمر)

    Quote: لقد تم تصنيف معاوية من قبل دهاقنة الاستعمار على أنه شخص ذكي ذكاءً مفرطاً يتفوق به على كافة أنداده من أفراد النخبة السودانية لجيله ، و رفضت إدارة المعارف لذلك السبب تعيينه أستاذاً بكلية غوردون التذكارية ، إذ من شأن تعيين أستاذ نابه مثله أن يسهم في تنبيه الآخرين ، و يهدد بتكوين جيل متعلم جديد يدرك خفايا و خبايا الصراع الفكري في البلاد المستعمرة. و قد انطوت التوصية السرية لمدير المعارف بشأنه على كلمة دقيقة تقول عنه إنه : "Not the type, too clever" ، (4) أي أنه أذكى كثيراً من المعهود في أفراد النخبة السودانية ، و أنبه من النوع الذي يمكن أن يخدم مصالحنا في تلك البلاد !


    الاخ د. معاوية عمر

    هكذا دومآ هم دهاقنة الاستعمار و فى كل الازمان : [B]"Not the type, too clever[/B] "

    ترى كم هى حجم الخسارة للسودان و ابنائه المترتبة على عدم تعيين النابغة معاوية محمد نور فى التدريس بكلية غردون التذكارية فى ذلك الوقت؟؟؟
    فاذا اخذنا الناحية العلمية فقط فلك ان تتخيل مدى الأثر الضخم الذى كان سيتركه رجل مثل معاوية له هذا النبوغ الفذ وتلك المعرفة الادبية النقدية الثاقبةعلى تلاميذه ؟؟ ترى كم مثل معاوية محمد نور كان يمكن ان يتم استنساخه ؟؟؟
    اما اذا اخذنا كذلك الناحية السياسية و الوطنية فلك ان تتخيل تأثيره ايضآ على تلاميذه بتبصيرهم بهشاشة الاستقلال الذى كانت ترنو اليه طبقات المثقفين " التابعين " للغرب الاستعمارى و الدائرين فى فلكه حتى اللحظة ؟؟
    ترى كم كان ذلك سيجنب بلادنا العزيزة كل هذا التخبط و التبعية منذ الاستعمار القديم و حتى الاستعمار الحديث ؟؟


    Quote: إن الناظر في مقالات معاوية النقدية التي نشرها في صحف و مجلات " الجهاد " و " السياسة " و " الأسبوع " و " البلاغ " و " مصر " و "الرسالة " و " المقتطف " _ وهى ارقى صحف و مجلات مصر في النصف الأول من القرن العشرين - يلاحظ بجلاء تام تفوق معاوية في شؤون الفكر والأدب حتى على عمالقة عصر النهضة الأدبية بمصر في ذلك الحين ، فقد طفق يتعامل بأستاذية مقتدرة لا تكلف فيها ولا ادعاء ، حتى مع أئمة الشعر والقصة والرواية بمصر ، فلم يوفر أحمد شوقي من النقد والتوجيه بشأن رواياته المسرحية الشعرية ، ولم يتردد في تقويم شعراء كبار من أمثال علي محمود طه المهندس و الدكتور إبراهيم ناجي و الدكتور أحمد زكي أبي شادي و غيرهم وتبصيرهم أن طريقهم خاطئ من أوله ، وأنه لا يؤدي أبداً إلى إنتاج شعر مجيد .


    وددت و منذ ان قرات عن نبوغ معاوية محمد نور ان ارى له اى مقال - وللاسف عدا قطعة نثرية عن الخرطوم كتبها معاوية محمد نور درسناها فى المدارس الثانوية - لم اقرأ له اى مقالات او تحليلات ادبية.
    هل اطمع اخى د. معاوية عمر فى تزويدنا و عبر هذا البوست ببعض منها لو امكن ذلك ؟؟؟

    لك الشكر على فتح هذه " الكوة " من مغارة النابغة معاوية محمد نور و التى لم تجد الكثير من التمحيص و الدراسة .
                  

05-19-2007, 01:47 AM

wesamm
<awesamm
تاريخ التسجيل: 05-02-2006
مجموع المشاركات: 5128

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: KOSTA)


    الأخ د. معاوية بعد التحية والاحترام
    احييك واحي فيك رح البحث والاستقصاء في كشف الحقيقة وفي تسليط الضوء علي عبقري سوداني لم يجد مايستحقه من تقدير يكفي فمثل معاوية محمد نور في بلاد تحترم الادب والعلم تنحت له التماثيل ويحتفي بذكري ميلاده كل عام ولكن انه سودان الضياع تضيع فيه ذكري عباقرة امثال معاوية محمد نور والتيجاني يوسف بشير وادريس جماع وغيرهم!!!! لوسألت اي شاب او شابة من جيل هذه الايام عن معاويه نور فستكون الاجابة محبطة شباب عمرو دياب وعمرو خالد ونوال زغبي وندي القلعة وفرفور!!!!
    اردت ان اساهم بعض الشي فمن خلال بحثي علي النت عن مواضيع معاوية نور وجدت المقال ادناه يدافع ويعقب عن التهمه الموجهه للمرحوم الدكتور الرشيد عثمان خالد بقلم ابن اخته الاستاذ حسن صلاح الدين هدفي من ذلك ان تعم الفائدة ويسمع رأي الطرف الاخر في هذا السجال الهام
    ويشرفني ان تكون لي صلة نسب مع هذه الاسرة الكريمة غير الصلات الامدرمانية العميقة مع اكارم امدرمان فلهم مني كل التقدير والاعزاز.
    وارجو من الزميل في هذا البورد الدكتور متوكل محمود وهو ابن اخت د. الرشيد و حفيد العبقري معاوبة محمد نور ان يدلو بدله ففي جعبته الكثير عن معاوية محمد نور.
    مع كامل تقديري


    Quote:





    تعقيب حول مقال حول تلميذي معاوية محمد نور ..الرشيد عثمان خالد لم يسرق اقوال ادوار عطية



    الرشيد عثمان خالد لم يسرق اقوال ادوار عطية
    بقلم : حسن صلاح الدين حسن*
    كتب الاستاذ محمد وقيع الله مقالا عن كتاب الاستاذ ادوارد عطية «An Arab tells his story»، موضحا اهمية هذا الكتاب في عكس صورة واضحة عن الحياة السياسية والاجتماعية في السودان في فترة الاربعينيات من القرن الماضي ، وكان اهم ما استوقفه في ذلك الكتاب الفصول التي افردها ادوارد عطية للحديث عن تلميذه معاوية محمد نور، ولما لاحظ الاستاذ محمد وقيع الله التشابه بين حديث ادوارد عطية والمقدمة التي كتبها الاستاذ الرشيد عثمان خالد «رحمه الله» ابن اخت الاديب السوداني معاوية محمد نور في افتتاحية الكتاب الذي صدر عن دار جامعة الخرطوم للنشر عام 1970 والذي حوى مجموعة من مقالات معاوية محمد نور جمعها الاستاذ الرشيد من شتات الصحف المصرية، اطلق حكما قاطعا على الاستاذ الرشيد عثمان خالد «رحمه الله» بتعمده انتحال عبارات ادوارد عطية واجتزائها وترجمتها ترجمة ادبية رشيقة ونسبتها الى نفسه واصفا ذلك بالفعل المشين والصنيع الشنيع وبأنه تعمد اخفاء كتاب ادوارد عطية ظنا منه بأن هذا الكتاب لن يقع في يد احد من المعجبين بشخص معاوية ، ثم ختم مقاله محملا الاستاذ الرشيد عثمان خالد «رحمه الله» مسؤولية تأخير ترجمة الكتاب الى العربية واخفائه عن الباحثين والمهتمين بشأن الاديب السوداني معاوية محمد نور. وللرد على هذا الحكم المتسرع والتجريح الواضح لامانة وشخص الاستاذ الرشيد عثمان خالد «رحمه الله» نوضح الامور الآتية:



    اولا:
    نشأ الرشيد في حي الموردة بأم درمان تحت رعاية والده عثمان خالد وجده خالد محمد عثمان اخ السيدة الطاهرة محمد عثمان والدة الاديب معاوية محمد نور الذي توفى ابوه وهو صغير فقام خاله خالد محمد عثمان برعايته هو واخوانه وزوج ابنه عثمان والد الرشيد لاخت الاديب معاوية محمد نور السيدة عاتكة محمد نور والدة الرشيد.. وعندما بدأ الرشيد يتعرف الى الحياة ويكتشفها في طفولته كانت صورة خاله معاوية ذلك الشخص المعزول في غرفة بعيدة والذي يعاني من الاضطرابات النفسية حتى وافته المنية لا تفارق خياله ولطالما تذكر مشهده وهو يقدم له الوجبات في تلك الغرفة المعزولة، وكبر الرشيد وكبر في نفسه الاحساس بضياع ذلك الاديب فخاف ان يكون مصير ادبه مثل مصيره وعندما سنحت له الفرصة للذهاب الى مصر منتدبا من هيئة الامم المتحدة في مجال عمله الاقتصادي لم يتردد في بذل كل جهده في جمع كل ما امكن جمعه من ادب معاوية المتناثر بين صفحات الصحف المصرية ولما لم يكن الرشيد اديبا ولا ناقدا فقد رأى ان يكتفي بجمع هذه المقالات في كتاب واحد حفظا لها من الضياع، تاركا المجال لمن هم اطول منه باعا ليتناولوه بالدراسة والتحليل، وقد اشار الى ذلك في التوطئة التي مهد بها الكتاب، ولما كان الناس لا يعرفون الشيء الكثير عن معاوية كان حتما على الرشيد ان يقدم للكتاب بنبذة صغيرة عن حياة هذا الاديب السوداني.



    ثانيا:
    لما كان خالد محمد عثمان جد الرشيد وخال الاديب معاوية محمد نور والذي ظل على قيد الحياة حتى لحظة كتابة تلك المقدمة اقرب الناس صلة بمعاوية محمد نور كما بينا من قبل، كان لا بد للرشيد ان يرجع اليه باعتباره المصدر الرئيسي للحديث عن حياة معاوية محمد نور، وخالد هذا بلا شك من المصادر الرئيسية التي اعتمد عليها ادوارد عطية ايضا في معرفة بعض اخبار معاوية، ويكشف لنا ادوارد عطية نفسه عن صداقته وصلته بخالد ويوضح مدى احترامه وتقديره لشخصية هذا الرجل، ونلاحظ استخدام ادوارد عطية في بعض حديثه عن معاوية لكلمة «I heard» «سمعت» ثم يذكر اخبارا عن معاوية مما يوحي بأن هذه الاخبار تلقاها عن صديقه خالد، فليس هناك غرابة اذن في ان تتشابه عبارات الرشيد وادوارد عطية في كثير من المواضع اذ كان المصدر واحدا. وفي هذه الحالة تقدم الحقائق التاريخية التي اوردها الاستاذ الرشيد عثمان خالد من حيث قيمتها التوثيقية على تلك التي اوردها ادوارد عطية بحكم صلة القرابة بين الرشيد وخالد ومعاوية محمد نور.



    ثالثا:
    اننا لا ننكر ان يكون الرشيد عثمان خالد قد اطلع علي كتاب ادوارد عطية واعجب بالاسلوب الادبي الرائع والعبارات الجميلة التي صاغها ادوارد عطية في حديثه عن تلميذه فاقتبس منها بعض التعبيرات التي تعطي الموضوع جمالا وحيوية، ولكن الذي ننكره، ولا نقبله على اية حال انه قد تعمد سرقة اقوال ادوارد عطية ونسبها الى نفسها بسوء النية ظنا منه بأن هذا العمل لن يكتشف كما زعم الاستاذ محمد وقيع الله لان الاستاذ الرشيد رحمة الله عليه عندما قام بهذا العمل المقدر في جمع تلك المقالات ووضعها بين دفتي كتاب حفظا لها من الزوال، وعندما قدم لها بمقدمة من حياة كاتبها معاوية محمد نور لم يكن يهدف من وراء هذا العمل الى نيل شهرة ادبية او منافسة علي نيل درجة علمية ولا الى كسب مادي فقد اهدى الطبعة الى دار جامعة الخرطوم للنشر زاهدا في كل شيء الا رغبته الحقة في ان يبقى معاوية اسما لامعا في عالم الادب ، ولو لم يكن معاوية محمد نور خاله لما تجشم هذه الصعاب وهو يعمل في مجال الاقتصاد متنقلا بين هيئة الامم المتحدة وصندوق النقد الدولي مترقيا في درجات النجاح الوظيفي بعيدا عن عالم الادب والادباء ولعل هذا هو ما يكشف لنا عدم اهتمامه بالدقة المنهجية التي تستلزم الاشارة ا لى المصادر وما شابه ذلك ، فهو ليس باحثا منهجيا وهو انما كان يكتب مقدمة وليس بحثا علميا منهجيا وهو كما نعلم ليس من السذاجة بحيث يتصور بأن كتابا مهماً مثل كتاب ادوارد عطية لا يقع في ايدي الناس بل ولعله وهو يكتب في مقدمته عام 1964 اي بعد ثمانية عشر عاما على صدور كتاب ادوارد عطية كان لا يشك في ان الكتاب قد وصل الى ايدى الناس وقراؤه خاصة وان الكتاب ليس بالنادر ولا العزيز كما يزعم الاستاذ محمد وقيع الله بل هو معروف في اوساط المثقفين ولعله من المناسب ان اذكر هنا حديث موظف في مكتبة السودان بجامعة الخرطوم عندما طلبت منه نسخ الجزئية الخاصة بمعاوية محمد نور حديث قال لي بالحرف: «الكتاب دا سمح جدا، وفيه كلام مفيد عن السودان، لكن ادوارد عطية ما اتكلم كثير من معاوية!» فما بالك بالباحثين المتعطشين لمعرفة كل ما يتعلق بمعاوية؟؟ ومتابعة كل خيط الى نهايته خاصة وان الاستاذ الرشيد «رحمه الله» اظهر حسن نواياه عندما كشف بوضوح وجلاء عن العلاقة الحميمة التي تربط بين ادوارد عطية وتلميذه معاوية وكيف ان التلميذ طالما استشار استاذه في امور تتعلق بالدراسة بالخارج ،واشار مرة اخرى الى الدور الكبير الذي لعبه ادوارد عطية في اقناع خاله خالد محمد عثمان بالسماح له بالسفر الى بيروت.



    يبدو ان الاستاذ محمد وقيع الله، لا، الرشيد عثمان خالد هو الذي اساء الظن في فطنة الباحث السوداني وظن نفسه اول من اماط اللثام عن الحديث الذي كتبه ادوارد عطية عن معاوية محمد نور فقد جانبه الصواب في ذلك فقد امتلأت المكتبات بعشرات الدراسات عن معاوية محمد نور والتي اوردت في بعض فصولها مبحثا كاملا عن كتاب ادوارد عطية وعن حديث الاستاذ عن تلميذه ولك ان تراجع على سبيل المثال لا ا لحصر رسالة ماجستير بعنوان «معاوية محمد نور وآثاره النقدية» للدكتور مجاهد علي ، فهي موجودة بمكتبة السودان بجامعة الخرطوم ، والذي قال لي مندهشا عندما سألته اذا ما كان الرشيد عثمان خالد قد انتحل حديث ادوارد ونسبه الى نفسه: «هذا كلام غريب فالرشيد عثمان خالد لم يكن يكتب بحثا علميا ومن الطبيعي ان يكون قد مر على جميع الذين كتبوا عن معاوية سواء كان ادوارد عطية او غيره فهو انما يكتب مقدمة لمقالات جمعها وليس من مسؤوليته ان يرشد الباحثين الى المصادر التي تحدثت عن معاوية محمد نور» ، ولو ان الاستاذ محمد وقيع الله راجع كتاب تاريخ الحركة الوطنية في السودان للبروفسير محمد عمر بشير 1969م واطلع على الفصل السابع بعنوان الوطنية الجديدة، لعلم ان الباحثين السودانيين لم يهملوا الجانب السياسي في حياة معاوية محمد نور على حد زعمه.



    ومهما يكن من شيء ومهما لاحظ الاستاذ محمد وقيع الله من ملاحظات سبقه اليها العديد من الباحثين كما اتضح ما كان عليه ان يحكم حكما متسرعا متعسفا قاسيا على رجل غاب عن الدنيا قبل اربعة اشهر وهو يعلم ذلك ويترحم عليه فليت الاستاذ وقيع الله ناقش الرشيد عثمان خالد في هذا الامر ايام حياته ، خاصة وانه يعيش معه في واشنطن، اذ ان ذلك أليق بمكانة الباحث العلمي الذي يبحث عن الحق ويتقصاه ولكن الاستاذ محمد وقيع الله ابى الا ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه، فكتب مقاله الذي يسيء فيه الى الاستاذ الرشيد ويتهمه بالشناعة والظن السييء بعد اربعة اشهر من وفاته وما زالت اسرته تعالج حزنها عليه وتجتر ذكرياته ومآثره الحميدة.



    اما اذا اعتذر الاستاذ محمد وقيع الله بأنه لم يطلع على كتاب ادوارد عطية الا بعد وفاة الرشيد اي قبل اربعة اشهر فقط وهو المهتم بأمور تاريخ السودان السياسي فذلك وربي هو التقصير بعينه وكان الاحرى به ان يلتزم الصمت وان لا يتشامخ على رجل التهم هذا المصدر المهم قبل نيف وثلاثين عاما او يزيد.
    ولكن يبدو ان السمة المميزة للاستاذ وقيع الله هي عدم الدقة والتسرع كما ظهر ذلك في الجزء اليسير من ترجمته التي نشرتها جريدة الصحافة في عدد الثلاثاء 22/6/2004 بالملف الثقافي حيث ترجم حديث ادوارد عطية عن معاوية محمد نور والنص يقول «وعمل احد اعمامه قاضيا في العهد الانجليزي» فإن الاستاذ عندما وجد كلمة «uncle» الانجليزية والتي تحتمل وجهين في الترجمة هما الخال او العم لم يكلف نفسه توخي الدقة والتثبت من الحقائق التاريخية بمراجعة ما كتبه الرشيد عثمان خالد عن خاله معاوية ليكتشف ان الذي عمل قاضيا هو خاله الدرديري محمد عثمان وليس عمه ولكن الاستاذ آثر الراحة وقرر ان يلعب لعبة الحظ واختار العم فوقع في الخطأ.
    لقد كان الرشيد عثمان خالد «رحمه الله» اصيلا في كتاباته عن معاوية محمد نور وقد استنطق الادباء المصريين وحاور العقاد عن خاله وكشف عن نشاط معاوية مع هيكل وغيره من ادباء مصر وحفظ ادب معاوية الرفيع من الضياع، ووضع بين ايدي الباحثين سفرا قيما لا يجور عليه الزمان ، جعل الله ذلك في ميزان حسناته وغفر له وادخله فسيح جناته، آمين. قال تعالى «فاما الزبد فيذهب جفاء، واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال».



    *م. تدريس بكلية الآداب ـ جامعة الخرطوم
    ابن اخت الرشيد عثمان خالد

    http://www.alsudanonline.com/viewtopic.php?t=2399
                  

05-19-2007, 02:52 AM

wesamm
<awesamm
تاريخ التسجيل: 05-02-2006
مجموع المشاركات: 5128

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: wesamm)

    Quote: معاوية محمد نور .. تجربته في ضوء تجربة إدوارد عطية



    أحمد محمد البدوي
    حين عمل إدوارد عطية مدرسا بكلية غردون, كانت صورة معاوية محمد نور في مرآة أستاذه: أنه فتى " أنيق المظهر وامض العيون," في الثامنة عشر من عمره, استرعى انتباهه من أول يوم , حين سمع معاوية يستدل بنصوص من برنارد شو وأناتول فرانس حفظها عن ظهر قلب, فظنه يافعا مدعيا يتباهى باستعراض معلومات قليلة استعراض الغر السطحي, ولكن ما أثار دهشة إدوارد أنه حين عجم عود معاوية, وجد معرفة عميقة, يكمن وراءها عقل ناقد ومتين, ولهذا عده من بين كل طلابه الواعدين أكثرهم تالقا.
    ويتحدث عن أثر ذلك على نفسه في كتابه: عربي يروي قصته:
    "... شعرت نحوه بتعاطف عميق...هو وأنا التقينا في ذلك الموطن العظيم: الأدب الإنجليزي.. آتيين من مكانين مختلفين من الدنيا, أنا أقمت هناك منذ أمد, وهووافد جديد."
    والحديث عن الفروق مستمد من أن عائلة إدوارد انتقلت من المذهب الأرثوذكسي العريق, إلى الالتزام بالمذهب البروتستانتي, فصارت تدين بالمسيحية على النهج الذي تسير عليه إنجلترا.ووالد إدوارد هو سليم عطية: طبيب يعمل في السودان منذ أيام كتشنر, مما يؤكد أنه ذو صلة وثيقة بالإنجليزية لغة وأدبا وحضارة, بحكم الإرث العائلي والتربية, والجو والصلات والعمل, ومنحى الحياة, في حين أن معاوية ينتمي إلى ظروف عربية إسلامية سودانية مباينة ومتميزة.
    سوداني آخر لا يقل نبوغا عن معاوية, هو عبد الله عشري الصديق, زميل معاوية في السكن بحي الموردة, وفي الدراسة بكلية غردون, والجامعة الأمريكية ببيروت, كتب ذات مرة في مجلة الإذاعة السودانية عن معاوية, فقال:
    " كنا نتعشق القراءة إلى درجة الجنون, فما كان مجلسنا ليخلو من الكلام في الأدب, بل الكلام في كل ما هو جديد في عالم الفكر, وكثيرا ما يحتدم الجدل فيصل إلى درجة الغليان وربما المقاطعة لبضعة أيام, تعود بعدها المياه إلى مجاريها.. وفي الكلية ربط بيني وبينه إعجاب المستر إدوارد عطية.. وهو أستاذ التاريخ يومذاك, حتى أنه كان يتمنى لو كنا نتلقى العلم في بلاد الإنجليز, وأعتقد أن إعجابه بمعاوية كان يعود إلى تفوق معاوية في كتابة الإنشاء الإنجليزي, وبعض المقالات التي كان يطلعه عليها"
    ولكن معاوية دخل كلية الطب( مدرسة كتشنر) استجابة وإذعانا لموقف العائلة والأساتذة, وقضى فيها عاما كاملا, وفي السنة الثانية تمرد بل بلغ تمرده مرحلة الغليان, برفض مواصلة الدراسة, مما يعزوه عبدالله عشري إلى اشمئزاز معاوية من منظر الجثث الآدمية التي أخضعت للتشريح.
    ولكن السبب الحقيقي يبدو أشد تعقيدا, وبلغ التمرد مداه بهروب معاوية إلى مصر, وتلك كبيرة مزعجة للسلطة الإنجليزية في السودان. بين أيدينا رواية إدوارد عطية:
    "بلغني أن معاوية ترك مدرسة كتشنر الطبية وفر إلى مصر, مما صدم عائلته وأقلقها للغاية,.. ومصر يومئذ تصنف سياسيا من قبل الحكومة على أساس أنها تابو محرم. الطالب الهارب بحثا عن فرص التعليم العالي, يمكن أن يوصم, عن طريق الخطأ, بأنه غير موال للحكومة, علاوة على أن تخلي معاوية عن الدراسة في مدرسة كتشنر الطبية, وبحثه عن فرص دراسة في الخارج, يترتب عليه فقدانه فرصته في مطالبة حكومة السودان بضمان وظيفة له.
    ولهذا ذهب خاله إلى مقابلة مدير التعليم مستنكرا حماقة ابن أخته وجحوده, وملتزما بالذهاب إلى القاهرة, وإعادة الأحمق الصغير. ..في القاهرة التمس خاله من وزارة الداخلية أن تساعده. ..فظفر بمساندة الحكومة المصرية, وجرى اعتقال معاوية: الآبق القاصر, وقضى ليلة في حراسة الشرطة, وفي اليوم التالي سلم لخاله في القطار العائد إلى السودان".
    هذه الرواية تستحق أن ننظر إليها في ضوء رواية عبد الله عشري, لأن رواية إدوارد لا تخلو من توخي التعبير عن الموقف الرسمي للحكومة السودانية (الإنجليزية)(عام 1945) وملابسات ذلك الموقف, في حين تبدو رواية عبد الله عشري (1965) متحركة في مدى من الحرية, معبرة عن صديق ملازم, وصنو روح ومعاصر قوي الأواصر, مدرك للواقعة,وذي دراية, وهو بمنجاة من أسر الجانب الرسمي ومقتضياته. يقول عبد الله عشري الصديق:
    " لم يجد أمامه إلا سبيلا واحدا هو الهروب إلى مصر,.. وماكاد يستقر في مصر, حتى عملت الحكومة على إرجاعه, وكانت تخاف من أولئك الشبان الطموحين,..وطالما لم تشأ الحكومة الظهور أمام الملأ, بأنها تتدخل في شؤون الناس, وتحارب التعليم, فقد عمدت إلى بعض وسائلها, وهي إلقاء المسؤولية على عاتق ولي أمر الشاب الهارب, فأرسلت المرحوم الحاج خالد محمد عثمان خال معاوية, إلى مصر ليعيده إلى السودان, وهكذا سافر الرجل واستعان بالبوليس على إرجاع معاوية للسودان, وقد ذكر معاوية كيف أنه قضى ليلة كاملة في سجن الأجانب في مصر, قبل أن يركب القطار من محطة القاهرة, كما ذكر أن تلك الليلة كانت أسوأ ليلة في حياته, وقال إنه قضاها واقفا على قدميه وسط المجرمين العتاة, وبالقرب من جردل الأوساخ".
    الفرق بين الروايتين يبدو في أن خال معاوية لم يذهب من تلقاء نفسه إلى القاهرة, وإنما أملت الحكومة عليه السفر وإعادة معاوية. وأن الاستعانة بالشرطة في القاهرة كانت استجابة لطلب من حكومة السودان.
    إثر عودته إلى أمدرمان, ارتطمت كل الجهود على مستوى العائلة والمقربين بصخرة الرفض, فامتنع عن مواصلة الدراسة في كلية الطب, وإن لم يكن من المتاح التحاقه بجامعة القاهرة, فله متسع في الجامعة الأمريكية ببيروت.
    نعرف من وثائق المخابرات في السودان: مكتب الاتصال العام, عام 1932, على أيام المستر بني والمستر إدوارد عطية, حال الطلاب السودانيين في الجامعة الأمريكية ببيروت ( وكانت تصنفهم حسب قبائلهم. ومن بينهم أول رئيس وزراء, وأول مدير للجامعة, وأول رئيس لمجلس رأس الدولة في السودان المستقل):
    1:من تخرجوا ويعملون الآن بالتدريس في كلية غردون:
    محجوب الراوي,سوداني متوطن:جده مصري,(1924-1928) عبيد عبد النور , حربيابي من رفاعة (1924-1928) عبد الفتاح المغربي, سوداني جده مصري (1924-1928) محمد عثمان مرغني, رباطابي من الدويم (1927-1930) إسماعيل الأزهري, بديري من كردفان(1927- 1930) نصري حمزة, ركابي من الكوة (1929- 1930) عوض ساتي, دنقلاوي من الدويم (1929- 1932)
    2: من لا يزالون في الجامعة وسيتخرجون بعد أربعة أعوام من التحاقهم بالدراسة, وهؤلاء لا تكتنف مستقبلهم أي صعوبة. حسب تعبير المخابرات, لأنهم موفدون من قبل الحكومة مثل إخوانهم الذين أكملوا دراستهم وعادوا:
    مكي الطيب شبيكة, رباطابي(من الكاملين)(1931) نصر الحاج علي, جعفري( من أمروابة) (1931) عبد الحليم علي طاهر, جعلي (1932) أحمد المرضي, جعلي (1932)
    3: من رفضوا التوظف في حكومة السودان, ورغبوا في إكمال دراستهم الجامعية:
    معاوية محمد نور , جعلي من أم درمان ( 1928-1931) وعبد الله عشري الصديق, شلكاوي,وابن ضابط قديم , يقطن أم درمان, (1929-1832)
    وهذا يدل على أن معاوية هو أول سوداني يلتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت على حسابه الخاص, فقد كان كل من التحقوا بالجامعة قبله أو في عام التحاقه بها, جميعهم موفدين من حكومة السودان.
    عاصر إسماعيل الأزهري وهو في عامه الأخير, ومن جيله في العام التالي له:1929 : عبد الله عشري الصديق الذي كان مثل معاوية يدرس على حسابه الخاص. وعوض ساتي والنصري حمزة. في حين التحق مكي شبيكة ونصر الحاج علي بالجامعة في العام الذي تخرج فيه معاوية.
    ومعاوية هو أول من نال درجة جامعية : بكالوريوس في اللغة الإنجليزية.
    تجمع المصادر السودانية كلها على أن معاوية تعلم على نفقة السيدة والدته, يقول عبد الله عشري:
    " تصدت المرحومة والدته لتحمل نفقات تعليم ابنها في بيروت, والسير معه إلى نهاية الشوط, فكان أن عمدت إلى ما عندها من مال ومصاغ, وأخذت ترسل إليه ما يكفيه حتى أكمل دراسته".
    ويضيف عبد اللطيف الخليفة معلومات مهمة في مذكراته:
    والدة معاوية ورثت عن والدها: محمد عثمان الحاج خالد,عامل المهدية وسفير حكومة المهدية لدى إمبراطور إثيوبيا, حيث عاد بكنوز من الذهب والنفائس الأخرى, وكان نصيب والدة معاوية كبيرا".
    وكل ذلك كفل لمعاوية الالتحاق بالجامعة والعيش في بيروت ثلاث سنوات, قضاها مقبلا في نهم على القراءة والبحث, لا يشبع ولا يفتر,ونعرف منه أنه اهتدى إلى قراءة البحث, وذلك باستقصاء كل الكتب التي تناولت موضوعا محددا, ويروي عن تجربته أن فهمه استثنائي لما يطلع عليه, يفهم بأكثر مما يتوقع هو أن يفهم.

    http://www.alsudanonline.com/viewtopic.php?t=2397
                  

05-19-2007, 02:54 AM

wesamm
<awesamm
تاريخ التسجيل: 05-02-2006
مجموع المشاركات: 5128

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: wesamm)

    Quote: مدرمان .. مدينة السراب والحنين
    بقلم : معاوية محمد نور

    يدخلها الإنسان عن طريق القنطرة الجديدة المقامة على النيل الأبيض بعد أن ينهب الترام سهول الخرطوم الخضراء الواسعة ، فيلقي نظرة على ملتقى النيلين في شبه حلم ، ويعجب لهذا الإلتقاء الهاديء الطبيعي ، وذلك التصافح العجيب من غير إثارة ضجة ولا صوت ، فكأنما النيلان إفترقا في البدء على علم منهما وهنا يتلاقيان كما يتلاقى الحبيبان ويندمجان نيلا واحدا ، فما ندري أنهما كانا نيلين من قبل ولا ترى في موضع الإلتقاء ما يشير إلى شيء من المزاحمة أو عدم الإستقرار مما يلاحظ عادة في إلتقاء ما بين جهتين مختلفتين ، وإنما هناك عناق هادئ لين ، وإنبساط ساكن حزين . فإذا فرغ المشاهد من هذا المنظر الذي لا بد أنه آخذ بنظره مرغمة على التأمل ، إنتقل إلى الضفة الأخرى من النيل الأبيض فرأى البيوت الصغيرة مثبتة في الصحراء ، ورأى السراب يلمع ويتماوج بعيدا ورأى بعض العربان وراء جمالهم المحملة حطبا تمشي في إتئاد وفتور ، ومن ورائها سراب ومن أمامها سراب ، فكأنما هي تخوض في ماء شفاف . ورأى إلى شماله بعض ثكنات الجنود السودانيين منبثة هي الأخرى في أماكن متقاربة ، ثم سمع صوت البوري يرن حزينا شجيا وسط ذلك السكون الصامت وفي أجواز ذلك الفضاء اللامع وتلك الشمس المحرقة فيحس بشيئ من الحنين البعيد والحزن الفاتر المنبسط ويعجب لذلك المكان ما شأنه وشأن الترام الكهربائي والقنطرة والأتومبيل الذي يخطف كالبرق بين كل آونة وأخرى في ذلك الفضاء السحيق . وإذا سار به الترام قليلا في إتجاه الليل رأى أول المدينة المعروف بالموردة ورأى السفن البخارية الآتية من أعالي النيل واقفة على الشاطئ محملة ببضائع تلك الأماكن الجنوبية كما رأى بائعي الذرة أمام حبوبهم المرصوصة في شكل أهرامات صغيرة وهم يبيعون للمشترين وينطقون العدد في نغمة إيقاعية موسيقية فيها شيء من الملال والترديد الحزين ، وفي مثل ذلك المكان كانت تباع الجواري ويباع العبيد في أسواق علنية مفتوحة في عهود مضت ، وكان البائعون يتفننون في عرض تلك الجواري بما يلبسوهن من الحلى والزينات . فإذا سار الترام قليلا وجد المشاهد نفسه أمام قبة المهدي ذلك الرجل الذي كان له الشأن الكبير في تاريخ تلك البلاد وراى تلك القبة مهدمة مهدودة كما رأى الجامع الواسع الكبير الذي بناه الخليفة عبد الله لكي يصلي فيه المصلون أيام الجمع والأعياد فوقف هنيهة يذكر عهدا مضى بخيره وشره وخالجه شيء من إحساس الزمان الذي لا يبقي على شيء إلا مسخه وتركه باهتا شائخا بعد أن كان كله رونق وشباب !.

    وهنا يذكر الإنسان قصة ويذكر تاريخا ويذكر حروبا أقامت عهد المهدية وتخللته وقضت عليه أخيرا .

    وربما يرى في الشارع القائم بين ذلك الجامع وبين طريق الترام صبيا واضعا رجلا على رجل في حماره القصير وهو يمشي في طريق معاكس للترام ساهم النظر مفتوح الفم ، ينظر إلى بعيد من الآفاق ويغمغم بنغمة حزينة ملؤها الشجو والفتور ناسيا نفسه ناظرا فيما حوله نظرة الحالم الناسي .

    ذلك مشهد لن تخطئه قط في شوارع أمدرمان . حركة خفيفة ساهية وغناء كئيب حزين كأنما يستعيد قصة مضت ، ويحكي رواية مجد وبطولة عفى عليها الزمان ودالت عليها الحوادث كما تدول على كل عزيز على النفس حبيب إلى الفؤاد ، ولم تبق على شيء سوى الغناء والسهوم الكئيب .

    وفي ذلك المنظر يتجسم تاريخ أمة ونفسية شعب رمت به الطبيعة وسط ذلك الجو المحرق ، وتركت له صفات الصدق والبساطة في عالم لا بساطة فيه ولا صدق ! هو شعب من بقية أمم مجيدة طيبة الأرومة ، إضطره الكسب والمعاش أن يهاجر إلى تلك البلاد ذات السهول الواسعة والصحراء المحرقة ، فكان تاريخه مأساة تتبع مأساة ، وماضيه كله الجرم والإثم ، وهؤلاء المهاجرون من أذاقوا السكان الأصليين الألم وساموهم الخسف والعذاب ، كرت عليهم النوبة من أمم أخرى فكان نصيبهم الألم والتعب والخوف . وإذا كل السكان سواسية أمام عوامل الجو ودواعي الملال والسأم ، ومغريات الشعر والذكر وويلات الفقر ، وإذا بكل تلك العوامل المختلفة تترك طابعا خاصا على نفوسهم وسمات خلقهم وسحنات وجوههم لا يخطئها الناظر العارف ، ولا تقل في الدلالة والشاعرية والحزن الكظيم عن تلك الخصائص التي يراها الإنسان على وجه الرجل الروسي الحزين ! .

    وأبلغ ما يدل على تلك النفسية وذلك الخلق الأغاني الشعبية التي يرددها الكل ، من أكبر كبير إلى الأطفال في الطرقات والشوارع ، بل إنني لا أعرف شعبا فتن بأغانيه وأعجب بها فتنة السوداني وإعجابه بها . فأنت تجد الموظف في مكتبه والتاجر في حانوته ، والطالب في مدرسته ، والشحاذ والحمّار والعامل والمزارع والطفل الذي لم يتجاوز الثالثة ومن إليهم كلهم يغنونها ويرددونها في كل ساعة وكل مكان ، ويأخذون من نغمها وإيقاعها معينا لهم يعينهم على العمل ويلهب إحساسهم بدواعي النشاط والتيقظ الشاعر . بل بلغ إفتتانهم بها أن الرجل الذي يشتري (الأسطوانة) الغنائية بعشرين قرشا وهو لا يملك قوت يومه ، وقل أن يمر الإنسان بأي شارع من شوارع أم درمان إلا ويعثر على إنسان أو جماعة تدمدم بتلك الأغاني في شبه غيبوبة حالمة وصوت باك حزين !

    والأغاني لا يمكن أن تذيع في أمة مثل هذا الذيوع وتحظى بمثل هذا الإنتشار إذا هي لم تعبر عن نفسية تلك الأمة أتم تعبير .

    وأغرب من ذلك وأدعى إلى الدهشة أنهم يرقصون على تلك الأغاني الحزينة الكئيبة ولا يرون فيها حزنا ولا كآبة لإعتيادهم سماعها وارتباطها الوثيق بحياتهم . فإذا غنى المغني قائلا (( يا حبيبي خائف تجفاني )) وكان هذا المقطع الأخير الذي يرددونه مثل الكورس المسرحي وغناها المغني بصوت عال وترديد شجي ناعم طرب الكل واشتد الرقص وأشتعل النظارة حماسا ، ونسي كل نفسه في موجة طرب راقص ، فيعرف المشاهد أن هذا الشعب قد وطد نفسه على قبول الحياة كما هي في غير ما ثورة وكان له في آلامه الدفينة البعيدة القرار نعم السلوى عن الحاضر ، ونعم العزاء عن الآلام والمتاعب . وتلك هي نعمة الإستسلام والحنين ومظهر الإستهتار بألم طال وتأصل فأنقلب فرحا ونعيماً .

    ونفوس السودانيين واضحة واسعة وضوح الصحراء وسعتها ، وخلقهم لين صاف لين ماء النيل وصفائه ، وفيهم رجولة تكاد تقرب من درجة الوحشية ، وهم في ساعات الذكرى والعاطفة يجيش الشعور على نبرات كلماتهم وسيماء وجوههم حتى تحسبهم النساء والأطفال ، وتلك ميزات لا مكان لها في حساب العصر الحاضر ، وإن كان لها أكبر الحساب في نفوس الأفراد الشاعرين وفي تقدير الفن والشعر والحضارة .

    المصدر : جريدة مصر - العدد 10303 - 17 أكتوبر سنة 1931 م

    http://www.alsudanonline.com/viewtopic.php?t=1236
                  

05-19-2007, 03:02 AM

wesamm
<awesamm
تاريخ التسجيل: 05-02-2006
مجموع المشاركات: 5128

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: wesamm)

    Quote: ونفوس السودانيين واضحة واسعة وضوح الصحراء وسعتها ، وخلقهم لين صاف لين ماء النيل وصفائه ، وفيهم رجولة تكاد تقرب من درجة الوحشية ، وهم في ساعات الذكرى والعاطفة يجيش الشعور على نبرات كلماتهم وسيماء وجوههم حتى تحسبهم النساء والأطفال ، وتلك ميزات لا مكان لها في حساب العصر الحاضر ، وإن كان لها أكبر الحساب في نفوس الأفراد الشاعرين وفي تقدير الفن والشعر والحضارة .
                  

05-21-2007, 02:46 PM

د.معاويه عمر

تاريخ التسجيل: 08-09-2016
مجموع المشاركات: 11

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: KOSTA)

    Quote: لك الشكر على فتح هذه " الكوة " من مغارة النابغة معاوية محمد نور و التى لم تجد الكثير من التمحيص و الدراسة .


    وهأنحن مع الكوه نفتح الباب للجميع للمشاركه فى تكريم هذا النابغه
    والدعوه عامه
                  

05-19-2007, 03:03 AM

Ahmed Alrayah

تاريخ التسجيل: 07-21-2002
مجموع المشاركات: 6684

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: د.معاويه عمر)

    Quote: بقلم : حسن صلاح الدين حسن



    أيام يا حسن!
                  

05-19-2007, 03:31 AM

سلمى الشيخ سلامة
<aسلمى الشيخ سلامة
تاريخ التسجيل: 12-14-2003
مجموع المشاركات: 10754

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: د.معاويه عمر)

    لم يذكر احد حتى الان السنوات التى عاشها معاوية نور فى القاهرة رفقة العقاد ،محمد مندور الناقد الوهاج فى تاريخ مصر الحديث والناقد انور المعداوى وما كان يكتبه معوية نور فى مجلة الرسالة فى الثلاثينات ، بل ورافق العقاد ردحا من الزمن ( ماتزال اسرة العقاد تقيم ندوة معاوية نور وفاءا وعرفانا )على الاقل فى التسعينات حيث كنت احد المدعوين لها لفترات طويلة فى مصر
    لكن ، تمت ( سرقة اعمال معاوية نور الادبية وترجماته ) ونسبت لغيره فى مواضع كثيرة ، وكنت تحت اشراف استاذى دكتور عز الدين هلالى قد بدات بحثا بهذا الخصوص لكن كل ابواب المراجع تم اغلاقها دونى
    وحين اعيتنى الحيلة فارقت ذلك التوثيق حيث من العسير ان توثق دون مراحع
    لكننى ماخوذة الان اخى دكتور معاوية عمر بما احطتنا به علما فلك الشكر اجزله لان معاوية نور احد القامات المعرفية التى لم تجد حظها من النقد
    اضف الى ذلك لدى سؤال هل ادوارد عطية هو نفسه (صاحب قلم المخابرات الشامى الذى ذكرت بعض المصادر انه كان قد حظر اغنيات خليل فرح وعدد من ( منلوجات خالد ابو الروس ؟)ودمت
                  

05-19-2007, 04:29 AM

wesamm
<awesamm
تاريخ التسجيل: 05-02-2006
مجموع المشاركات: 5128

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: سلمى الشيخ سلامة)

    Quote: في الخرطوم .. خواطر وذكريات محزونة



    في الخرطوم .. خواطر وذكريات محزونة
    بقلم : معاوية محمد نور

    الوقت ليل . والكون ساج نائم . فما تسمع نأمة ولا ترى حركة ، ولا تحس سوى الركود والإغفاء ، والسكون الشامل ، والظلام الصافي ، والهدأة الناعسة . ولقد تحس الحين بعد الحين حركة ضئيلة أو تسمع صوتا خافتا فيزداد إحساسك بذلك الصمت ويشتد تقديرك لذلك السكون ، ويأخذك ذلك السحر ، وتستولي على نفسك تلك الهدأة ويغمرك ذلك الصفاء . فتروح في عالم الأحلام والذكريات وتدلف إلى عوالم الفكر والعواطف المشجيات . وقد خيل إلي أن الحياة قد وقفت فجأة ، وأن الوجود قد أخلد إلى نومة هادئة ، ويعديني ذلك الشجو والسهوم فلا أستطيع أنا الآخر حركة أو قياما ، أظل أتبع حركة الماء الدافق أمامي حينا ، وحركة ما يجري في خواطري وأحاسيسي حينا آخر ، وأنا جالس على أحد المقاعد على ضفاف النيل الأزرق في مدينة الخرطوم . والنيل ينساب في مشيته هادئا كأنه صفحة المرآة المجلوة وعلى يميني في النهر بضع سفن بخارية وأمامي الخرطوم بحري وجزيرة توتي وعلى شمالي مدينة أمدرمان ، يخيم عليها الصمت ويكسوها ثوبا رقيقا ، ويخيل إلي أن ذلك الشجر الحاني بعضه على بعض والذي يظلل شارع الشاطئ ، وذلك النهر الهادئ بما فيه من قنطرة وأمامه من مدينة وجزيرة وما فوقه من سماء تحسبها لشدة زرقتها وانكفائها على حدود النيل أن السماء نيل وأن النيل سماء ، وأن الكل صورة يمكن أخذها ووضعها في إطار للتأمل فيها واستلهام الوحي منها ! .. وخطرت سفينة من تلك السفن المرصوصة ، فحسبت لأول وهلة أنها لاشك طامسة أثر ذلك الجمال ، عابثة بذلك الهدوء الصامت متلفة لتلك الصورة الرائعة ، ولكنها لم تصنع شيئا من ذلك بل أعطت الصورة لونا ، وزادتها حياة وبشرا ، وما يخيل للرائي أنها سفينة تعبر نهرا ، وإنما كأنها قلم يرسم خطا على صفحة أو كأنها شهاب يشق عنان السماء في إتئاد وسرعة ! عجبا لمنظر النيل ليلا ! .. ليس بعده جمالا ولا جلال ، وما يفوقه منظر مما رأيت سحرا وروعة ، وما تستجيش الخواطر ولا يصفو الذهن ولا يتألف الفكر ولا تكثر الذكريات وتغمر النفس فيضا وحنينا مثلما تفيض النفس في حضرة النيل ، ويحن القلب ، ويحلو في كل ذلك الشجو والحنين .

    ظللت الساعات وأنا مأخوذ بسحر ذلك المنظر ، في شبه صلاة روحية ، وخشوع فكري ، وجلالة تغمر النفس ، وتخلع على الحياة شعرا ، وتحيطها بالأطياف والأرواح ، وتملأها بأسرار النفوس وخفاياها ! وبالقدرة منظر كمنظر النيل على ابتعاث روافدها وزخر جميع تياراتها من حنين إلى المجهول ، وشجو إلى الماضي ، وتطلع إلى المستقبل المنظور !

    لم يظهر لي النيل في تلك الليلة كالشيئ السائل المائي ، وإنما هو بالتماسك أشبه وإلى مادة كالزئبق أقرب فما تشهد شيئا من العنف أو من الإندفاق الظاهر ، وإنما تشاهد العمق البعيد متشحا بثوب الهدوء والسطحية البارزة وتشاهد العدو السريع ولا تلمح شيئا من آثاره ومظاهره ، ولقد تسمع الوسوسة من حين لآخر بين نباتات المياه كأنما أشتدت بها الوحشة ، وكثر عليها الصمت والسكون ! ولكن العالم غاف ، وللعالم حرمة عندها ، فتنطلق في صوت خافت ، وتهمس بدلا من أن تفصح ويعود الماء إلى سكونه ووحشته الجميلة والعين لا تفتأ تنظر إليه ولا تتعب من ذلك ولا تحس إعياءً ولا فتورا . ولقد يقع حجر في النهر وسط ذلك السكون فيكون للصوت الذي يحدثه موسيقية لا تعثر عليها عند أعاظم أرباب الموسيقى والفنون ! وأسأل أحيانا ، من أين يا ترى تأتي هذه المياه وإلى أين هي ذاهبة ؟ أهي لا تفتر من هذه الحركة الدائمة والدائرة التي تنتهي لتبتديء وتبتديء لتنتهي . إلى أين أيتها المياه ومن أين ؟ ألا تفترين ؟ ألا تسخطين ؟ ألا تنتابك عوامل الضجر والسأم ؟ فألمحها تسخر بي وتشفق علي ، وعلى شفتيها إبتسام ، وفي نفسها مرارة وهي تهمس خوفا من أن تسمع (( هكذا ، هكذا ، لقد نفذ القضاء ، أليس من الحماقة والضيق التأفف مما لابد منه ولا محيد عنه ، ونحن أبناء الحياة ولا شيء هنالك غيرها ، أليس من الخير أن نتحملها ونكون عند ظنها ولا نفتر عنها ؟ بل نحياها في أناة ورضاء وابتسام وادع مرير ، ذلك أحجى وأحكم لو كنتم تعلمون )) . وكذلك تذهب المياه معززة حديثها بالإبتئاس والإصطخاب ، ونسيانها للشعور بالنفس ، وهزئها بشعور الملال والإعياء ! .. والماء في جريه ووسوسته الدائمة يتخطى المدن والبلدان راكضا وادعا ، يمثل فلسفة الحياة وكيف يجب أن يكون إحتمالها والتغلب على شعور الملال ودواعي الإعياء والسخط .

    ويأتي النيل الأبيض من الناحية الأخرى وهو أكثر زبدا وصخبا من النيل الأزرق ، قد ترى موجه المزبد وآذيه المصطفق يتكسر في عنف وشدة على الشاطئ حتى إذا ألتقى بالنيل الأزرق عند الخرطوم شد من أزره وأخذ يساعده وتكاتف الإثنان معا في مرحلة الحياة التي ليس لها أول ولا آخر ، وهكذا يسيران وقد صارا نيلا واحدا وقلت وحشتهما وزاد أنسهما ، فتلمح نجواهما وشعورهما بالرضاء الوادع ، والحكمة الهادئة ، وهما يندلفان في سير سريع ما سار الزمن وبقيت الحياة .. !

    وهذا الجمال ما شأنه ؟ هذا الجمال الساهي الوادع الذي تستمرئه النفس لأول نظرة ويفرح له اللب ، وتجزل الروح ، ماله يميل بذهني إلى خواطر محزونة ، وصور مشجية ؟

    هذه السفن التي تنبسط أمامي أجلها في خوف ولعل السبب موت خال لي غريقا في سفينة بخارية في النيل الأزرق . و (( توتي)) منبسطة هي الأخرى أمامي ، مالها تثير في نفسي شجوا حزينا ، وما لشجوها الكئيب الذي لم يبق له إلا أن يدمع ، وما هذه الوحشية المخيفة ، وما لرمالها الناصعة تبعث في نفسي شعور الأسى والذكريات الأليمة ؟ وإنني لأذكر توتي وأذكر أياما لي بها ، وأذكر زرعها وأذكر مجدها ، و أذكر تلك الخضرة ملء العين والبصر نهارا ، وهي الجلال والأطياف والخوف ليلا . وأذكر - ويا لشدة ما أذكر - أذكر أبي وأذكر بيت أبي ، أذكر ذلك البيت القائم وسط الزرع وحيدا لا أخ له ، كالشارة الموسومة وسط ذلك الزرع الحافل ! . أين كل ذلك اليوم ؟ لقد مات أبي واضمحل الزرع وتهدم البيت وما بقي منه سوى الجدران والتراب ، وصار مأوى حيوانات ضارية ، تسكنه الهوام ويعمره الخراب الماثل للعيان .

    وهذا الشارع الجميل المنسق على ضفاف النيل الأزرق ماذا يترك في نفسي من إحساس ؟ لا تزال صورته التي رأيتها وأنا طفل بأمدرمان مرسومة أمام ناظري وهي صورة فيها من الحنين والشوق والقدم ما لا سبيل إلى وصفه . على أن ما يعني العالم بخواطر حالم مثلي ؟ وهؤلاء بعض الناس يتحدثون في شغب وقد خرجوا من دور السينما ، وربما كانت هنالك حفلة راقصة ! وفي البحر حيتان ، وفي الشجر أطيار نائمة ، وغير هؤلاء وأولئك من أعمال متباينة ، وحالات مختلفة . ماذا يعني كل هذا التناقض سوى طريق الحياة وشمولها وعدم معرفتها للسهولة ، بل هي الشدة وهي القوة الغازية ! تلك هي أمدرمان وادعة نائمة ، ومن يدري ما بداخلها من المتناقضات ومختلف مظاهر الحركة والسكون ، وشتى مظاهر العاطفة والشجون ! وإنني لأذكر النيل الأبيض وسفرتي فيه وأنا ما زلت صبيا حدثا ، كيف نسيت نفسي في مرح وبساطة وأنا على السفين ! كلها ذكريات قوية واضحة ، تتسلل إلى ذاكرتي من حيث لا أشعر أنني في حاجة إلى (بروست) آخر ليصف كل ما يجري في وعيي المستتر في تلك اللحظة من الزمان . إنها لتملأ مجلدا ضخما ولا تفنى ! وإنني لأذكر ليالي المدرسة ، وسماعي لذلك البوري الذي يهز كياني هزا ، ويلعج نفسي ويذكرها بمن مات من أهلي وأحبابي ! ولا أدري أي علاقة لذلك الصوت وتلك الذكريات المحزونة ، فلربما لأن خالي كان ضابطا ، وأن ذلك البوري يضرب لعشاء الضابط ، وخالي قد مات ! . وأنظر إلى يميني فأذكر ضواحي الخرطوم وأذكر بري بنوع خاص ، لا أذكر بري اليوم وإنما أذكر بري التي لم أرها بل سمعت عنها ، وأصغيت إلى أناشيد الفتيات وأغانيهن في مدحها ( بري الطراوة والزول حلاوة ) إن ذكر هذه الجملة ليمثل أمامي صورا من الماضي قوية ، حية كأشد ما تكون حياة وقوة ! يا لصور الماضي ويا لشجوه وحنينه ! أذكر شوقي إلى الماضي ، وأذكر حنيني إلى المجهول ، وأذكر شعور الإغتباط والجمال الفني الذي أشرف عليه عند مشاهدتي النيل في تلك الليلة ، فأقول يا للعجب ! أتراني أود أن أعيش الماضي والحاضر والمستقبل في ساعة واحدة ! يا لنهم الحياة ، وطبع الإنسان ، وعطش العواطف !

    فأنا الآن أذكر كل هذا ، أذكر الليلة القمراء بأمدرمان وأنا صبي ألعب ، وأذكر مكاني من الخرطوم وجمالها الساهي ، وصفائها الصامت ، ورونقها وأحلامها وصمتها وما يحيط بها من ضوضاء ، وما يتصل بأسمها من أسماء تاريخية ، وهالات وحروب ، وأذكر الحيتان في قعر النيل ، وأذكر الشجر في وقفته الكئيبة ، ووحشته الدامعة ، وأذكر عوالم أخرها شهدتها أو قرأت عنها .. وأذكر أبي وأذكر أختي التي فارقت هذه الحياة ، وأذكر هؤلاء الراقصين القاصفين ، وأذكر الجمال الماثل لعيني ، وأذكر غير هؤلاء أشياء كثيرة لا صلة بينها ولا قرابة عندها .. ! فأسأل نفسي ماذا تعني كل هذه الأشياء ؟ وليس من مجيب .. سوى أننا في هذه الحياة وسنظل فيها إلى أبد الآبدين ، لا نعرف عنها شيئا يرتاح إليه الضمير ، ويسكن عنده الخاطر . وإذا أنا في هذه الخواطر المسائية أشعر برعشة في جسمي ، وأحس بدمعة في عيني .. فما أدري أهذه الدمعة شعور بجذل الحياة ، أم هي بكاء عليها ؟ غير أنني أعرف أنني أذهب وأعمل بعد ذلك كما يذهب أناس كل يوم ويعملون .

    المصدر : السياسة الإسبوعية - العدد 246 - 22 نوفمبر سنة 1930 م

    http://www.alsudanonline.com/viewtopic.php?t=1237
                  

05-19-2007, 11:44 AM

انا بنت النيل

تاريخ التسجيل: 08-06-2003
مجموع المشاركات: 717

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: wesamm)

    في معرض نقده للشعراء الرومانتكيين ..يقول معاوية نور :
    "فلنتكلم عن الحب كموضوع شعر ..يتناوله أي شاعر عصري يود أن يقرأه أي مخلوق حي شاعر في القرن العشرين فليس ثمة شك في أن الحب حاجة فسيولوجية فهو كحاجة أي مخلوق حي إلي الأكل والنوم وهو مظهر عادي تشترك جميع الأحياء فيه ويمكن أن يقال أن النبات والجماد يعرفان الحب ايضاً والسلب والإيجاب من قوانين الكون بأجمعه فلم يختص إذن بنظم الشعر والأناشيد والأغاني؟
    فالحب يصبح موضوعاً جديداً بالشعر كما تصبح أي حاجة انسانية أخرى حينما يكشف لنا الشاعر معنى هذا النغم وراء مظاهره المعروفة ومصاحباته العادية وربما لا يقع من نفس القارئ هذا النغم وذلك المعني وقد يبدو سخيفاً وغير صادق فالأمزجة والثقافات تتباين وتفترق " ء



    من قصص معاوية نور الرائعة " في القطار" كتبها عام 1930م ..وهذه مقتطفات منها :
    " بعد أن قطع القطار صحراء العتمور ومافيها من جبال ملتفة ورمال بيضاء منبسطة وأحجار سوداء متناثرة في لج ذلك الخضم الذي لا تقف منه العين علي شئ من صور الحياة النابضة ن سار ينساب إلي ارض لا تحوجه إلي مثل ذلك الكفاح والنضال القوي ، بل راح راكضاً في اتساق وسرعة على ضفاف وادي النيل ..وكنت من قبل أنظر إلي هذه الصحراء وأمعن النظر اليها كلما امعنت النظر جاشت بي الخواطر والذكرى .وخيل إلي أن لي تاريخاً مع هذه الصحراء وانه محال أن تكون هذه هي المرة الثانية أو الثالثة التي أشاهد فيها هذه الصحراء ، لما أشعر به من القرابة والعطف والإيناس لهذه الحجارة التي تترامي بالقرب من سير القطار.
    والقطار سائر إلي ان اقترب من مدينة شندي بعد أن مر بمدن عدة والمسافر لا يرى غير السهول الواسعة حينا والأشجار المتناثرة حينا آخر وقد يرى بعض الأحيان أرضاً خضراء ، ولا يرى غيرها سوى الرمال والحصى. غير أن النظرة إلي شجرة من هذا الشجر الذي تجده بين حين وآخر ، واقفاً متدلي الأغصان في يأس واكتئاب وصبر ووحشة لا تخالطها بشاشة أو يمازجها فرح لحري بأن يحمل الإنسان إلي الإعتقاد بنضوب هذه البقاع من الحياة كما عرفها وذاقها بين المدن الصاخبة ، وأنفاس الإنسان النابضة ، ووثبة الحياة الدافقة.
    كل هذا وبعض أصحابنا المسافرين المترفين في شغل عن الصحراء والسهول والأشجار وحديثها ، هذا يدخن سيجارته ، وغيره يقرأ كتاباً ، وثالث نائم ، وغيره وديع حالم وما أن يقف القطار عند قرية صغيرة يحسبها الإنسان خلاء وقفراً ، قبل ان يطلع عليه بعض اهلها من شباب وشيب وعهم أشياء من الطعام يرغبون في بيعها إلي المسافرين ، أو انواع الخزف والآنية.
    وقف بنا القطار في هدوء طارئ من المحطات بعد أن أجتاز مدينة شندي وكنت تسمع المسافرين ينادون بعضهم بعضا : (أقفل الباب ، أقفل الشباك) بين قصف الرياح واصوات المسافرين ، وذلك لأن الرياح قد ابتدأت تعصف بشدة ، وتذر التراب في العيون والعاصفة تولول كالشارد المجنون والشمس تختفي بين حين وآخر لأن بالسماء الداكنة غمام يتجمع ويقلع حينا ، ثم تظهر الشمس سافرة وكأن النيل الذي وقفنا منه يرسل أصواتاً هائجة من أمواجه الثائرة ، وهكذا وقف القطار بين ولولة العاصفة ، وهدير الموج الصاخب ودكنة السماء ، وحلوكة الجو .."
                  

05-19-2007, 01:31 PM

محمد سنى دفع الله
<aمحمد سنى دفع الله
تاريخ التسجيل: 12-10-2005
مجموع المشاركات: 10986

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: انا بنت النيل)

    معاوية النور
    الضوء الوهاج
    الألق الباهر
    العشق الخالد
    للسودان الواعي
    لقومية الفنون والدراما
    وفضاء الحرية والإبداع الخلاق ..
    أول ناقد مسرحي كان يطرد من المسارح بواسطة حراس الأمن ، فلقد كان الناقد الوحيد في ذاك العصر الذي يقتني نسخة من النص ويشاهد العرض .. لهذا كتب بوعي اصيل وعميق عن مسرح الكتاب العرب في مصر والمسرح المترجم وهو اول من لفت النقاد والجمهور المسرحي لضعف مسرحيات شوقي ومدى رداءتها
    وصدق كلامه فهي الأن تقبع في المكتبات ولا يقربها شجاع ولا مجنون ..كان يكتب للعقول الوثابة
    وللمستقبل الزاهي ، كنا ومصطفى احمد الخليفة نسب ونشتم المشعوذ الذي قتله بالضرب ليخرج الجن من عقله المتوقد ،، لانه لو عاش كان سوف يكون عميد معهد الموسيقى والمسرح بل عميد أكاديمية الفنون..
    أحببته حتى أطلقت اسمه على القاعة التي ادرس بها التمثيل ,ما زالت القاعة تحمل اسمه حتى الأن..
    مثل معاوية من المفترض ان يشيد له تمثال اما كل كلية للأداب وأمام كل كلية ومدرسة فنية فهو الأب الحقيقي للفنون والأداب القومية في السودان ..
    كان سباقا من اول من تناول في كتابته التحليل النفسي أول من لفت الأدباء للأهتمام بكل آداب العالم
    والإطلاع على فنونهم كان يهتم بقومية الأدب ووانتماء الفنان والتزامه العميق والأصيل بالفنون والأداب
    معاوية نور فنان الشعب فمتى نكرمه التكريم الحقيقي ...

    (عدل بواسطة محمد سنى دفع الله on 05-21-2007, 07:28 AM)

                  

05-21-2007, 05:04 AM

wesamm
<awesamm
تاريخ التسجيل: 05-02-2006
مجموع المشاركات: 5128

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: محمد سنى دفع الله)

    up
                  

05-21-2007, 02:05 PM

د.معاويه عمر

تاريخ التسجيل: 08-09-2016
مجموع المشاركات: 11

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: wesamm)

    الاعزاء
    انا الوحيد وصاحبى ابوبكر (كمبيوتر مان) السعداء بامتلاكنا (كتاب) لمعاويه محمد نور وح احاول انشر مقاطع من نقده وفكره متى ما كان ذلك ممكنا
    وشكرا
    وسااااا(wesamm)اااام ما قصرت نشرت قطره من محيط
    ما كتبه معاويه نور سيد الاسم وسيد العارفين
                  

05-21-2007, 02:33 PM

د.معاويه عمر

تاريخ التسجيل: 08-09-2016
مجموع المشاركات: 11

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: محمد سنى دفع الله)

    Quote: معاوية نور فنان الشعب فمتى نكرمه التكريم الحقيقي ... ???



    وهأنذا أضم صوتى لصوت الاستاذ السنى دفع الله وهذه بمثابة دعوه لتشكيل لجنه قوميه لتبنى تكريم معاويه محمد نور ونشر اعماله والتعريف بأدبه وطرح جائزه أدبيه بأسمه
    وارج من الساده الادباء ومحبى معاويه ان يتنادوا الى هذا البوست لتكريمه واعتبرونى اول مشارك
                  

05-21-2007, 02:38 PM

د.معاويه عمر

تاريخ التسجيل: 08-09-2016
مجموع المشاركات: 11

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: انا بنت النيل)

    شكرا
    بنت النيل والرياحين والمطر
    والمزيد من اعمال سيد الاسم
    ورأيك شنو تنضمى للجنه فكرة تكريم معاويه نور؟؟
                  

05-21-2007, 02:24 PM

د.معاويه عمر

تاريخ التسجيل: 08-09-2016
مجموع المشاركات: 11

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: سلمى الشيخ سلامة)

    Quote: اضف الى ذلك لدى سؤال هل ادوارد عطية هو نفسه (صاحب قلم المخابرات الشامى الذى ذكرت بعض المصادر انه كان قد حظر اغنيات خليل فرح وعدد من ( منلوجات خالد ابو الروس ؟)ودمت



    استاذتنا سلمى
    شكرا للمداخله والتساؤل الذى اترك للجميع فرصة البحث عن اجابته
    وبعد
    كم كنت حزينا وانت تغادرين الخرطوم العاصمه وقبلها (الخرطوم) الصحيفه
    بعد ان نال قلمى (قابل للكسر) شرف ان يكتب معك فى نفس الصحيفه وبنفس الوجع
    تكتبين فياقة حريم فى زمن الدهشه والاسف النزيف
    شكرا غزيرا
    للمرور فمثلما جمعتنا الخرطوم على صفحاتها
    ها هو معاويه نور يجمعنا على اثير العنكبوت
                  

05-22-2007, 06:33 AM

ابو خالد

تاريخ التسجيل: 02-11-2007
مجموع المشاركات: 217

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: د.معاويه عمر)

    الأخ / معاوية

    تحية طيبة واحتراما

    شكرا لك على فتح هذا البوست الغني عن أحد العباقرة السودانيين.

    هناك نقطتان أود هنا التعليق عليهما وأرجو أن " يستحملني" القراء الأعزاء لخروجي عن

    النص قليلا.

    أحب أن اعلق على بعض الشخصيات التي ورد ذكرها في متن هذا البوست وكلهم أهلي

    وأقربائي:

    الرشيد عثمان خالد وهو ابن أخت معاوية محمد نور (عليهما الرحمة) كان من الخبراء

    الاقتصاديين المميزين في البنك الدولي وهو من دفعة حنتوب الشهيرة التي شملت كل من

    النميري ونقد والترابي والجزولي دفع الله وعلى ما أظن مقابل هذه الدفعة في مدرسة وادي

    سيدنا كان الدكتور منصور خالد وصلاح الدين حسن رئيس القضاء الأسبق والذي اشتهر في قضية

    حل الحزب الشيوعي وهو والد حسن صلاح الدين الكاتب أعلاه. وحسن بدوره حفيد لمعاوية محمد

    نور (خال والدته). ويربط أهلنا الكبار كثيرا بين عبقرية معاوية وعبقرية واجتهاد حسن

    صلاح الدين الأستاذ الجامعي – الذي لم يمنعه فقدان بصره عن التميز والنبوغ في جميع

    مراحل دراسته. فلا غرو أن من شابه جده فما ظلم.

    نعم لقد كان معاوية عبقريا بحق لكنني لا انوي هنا مناقشة عبقريته في الكتابة أو النقد

    الأدبي فقد أفاض فيها المتخصصصون ومازالوا ، إنما أود طرح موضوع الخلل الذي يصيب عقول

    العباقرة والذي ناء بكلكله على كثير من مبدعي الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من

    القرن الماضي .. فالتجاني يوسف بشير ومعاوية نور وعشري وجماع ، اتهموا بالجنون. لعل

    ذلك ناتج عن الصراع الفكري في موضوعين مهمين: الأول هو موضوع الدين والثاني هو موضوع

    الأدب خاصة فيما خص علاقة الأدب/الأديب بالدين وما التأملات الصوفية والتي كانت إحدى قصائد

    التجاني يوسف بشير العصماوات (باسم الصوفي المعذب) إلا إشـارة في هذا المنحى .

    جانب آخر، فان تاريخ الوفاة المبكر لهؤلاء المبدعين يشير إلى أن الموضوع السياسي كان

    حاضرا في مخيلتهم فقد شهدت فترة الثلاثينيات وحتى الخمسينيات، ذروة النضال ضد

    الاستعمار والذي توج أخيرا بالاستقلال.

    هناك تساؤل لا يفتأ يمر بخاطري ويشكل هاجسا كبيرا يبحث عن حل لطلاسمه: هل كان شحن

    النفوس سياسيا فوق طاقتها- حتى وان لم يسجل ذلك ظهورا او حضورا في النتاج الشعري أو

    الأدبي- إضافة إلى شحذ التفكير العميق (فيما تميزوا فيه من علوم) استعصي على

    قدراتهم النفسية والروحية فأفضي بهم إلى الجنون والرحيل المبكر عن دنيانا ؟

    يحضرني هنا أيضا ذكري جدي (خال والدي) أبو بكر إسماعيل خاطر الذي ادعي النبوة وهو

    في ريعان شبابه وقد كانت له صولات وجولات مع الأستاذ محمود محمد طه وأساطين الصوفية بأم

    ضوا بان مما تشهد له بذلك بعض ما جادت به صحف أول الخمسينيات. كان يميز الرجل حتى

    آخر أيام عمره ، الذي امتد حتى شارف على التسعين عاما، الذكاء الحاد والسخرية من

    الوجود بأكمله حتى نفسه لم تسلم من سخريته. وقد ترك مذكرات طريفة بخط يده، تحكي

    الكثير من نوادر وطرائف تلك الأيام.

    نرجو أن نسمع من القراء ما يغني النقاش حول هذه النقطة(علاقة العبقرية باضطراب

    العقول).

    ودمتم.
                  

05-24-2007, 03:56 PM

د.معاويه عمر

تاريخ التسجيل: 08-09-2016
مجموع المشاركات: 11

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معـــاوية محمــد نـور(سيد الاسم) بقلم إدوارد عطية !! (Re: ابو خالد)

    شكرا ايها الحفيد
    والسؤال متروك للجميع فقط متعة الاجابه عليه
    علاقة العبقريه بالجنوووووووووووووووون؟
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de