رسالة فاروق محمد ابراهيم الى رئيس مجلس قيادة الثورة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 08:47 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-23-2007, 10:26 PM

Mohamed Omer
<aMohamed Omer
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 2369

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رسالة فاروق محمد ابراهيم الى رئيس مجلس قيادة الثورة

    السجن العمومي
    الخرطوم بحري 29 يناير 1990
    السيد رئيس مجلس قيادة ثورة الانقاذ الوطني
    بواسطة السيد مدير السجن العمومي
    المحترمين
    بعد التحية
    الموضوع: شكوى ضد تعذيب معتقل سياسي ومطالبة بالتحقيق
    تم اعتقالي حوالي الساعة الثانية من ظهر الخميس 30 نوفمبر سنة 1989م، خارج احدى بوابات جامعة الخرطوم، واقتدت الى مبنى جهاز الامن الذي حولت منه مساء نفس اليوم وانا معصوب العينين الى مبنى اتضح لي فيما بعد انه المقر السابق للجنة الانتخابات، وقد تعرضت قبل وخلال وبعد الاستجواب في نفس المساء الى تعذيب بدني شمل الضرب بالسياط والركل واللكم في الوجه والرأس وسائر اجزاء الجسم بواسطة اشخاص متمرسين في تلك المهنة، والى تهديد بالقتل والاساءة وغير ذلك من اشكال التعذيب، وبعد ذلك تم تحويلي الى مرحاض صغير مبتل بالماء حيث بقيت لمدة ثلاثة ايام تعرضت خلالها للضرب والاساءات والحرمان من النوم، حولت بعدها الى حمام مع خمسة معتقلين اخرين تعرضت معهم لنفس الاساءات وللضرب والحرمان من النوم ومن الاغتسال والسواك والوضوء والصلاة لمدة تسعة ايام اخرى، وفي منتصف ليلة انتقالي من المرحاض الى الحمام اقتدت الى العراء حيث تعرضت لحمام بارد بالماء المثلج تخلله الضرب بالسياط والاساءات المستمرة. وتم اقتيادي في فجر الثاني عشر من ديسمبر الى السجن العمومي بالخرطوم بحري مع 18 من المعتقلين الذين تعرضوا لنفس تجربة التعذيب وهم ممن شغلوا مناصب قيادية في النقابات من قبل، اذكر منهم السادة هاشم محمد احمد نقيب المهندسين، ومحجوب الزبير نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، صادق شامي احد سكرتيري نقابة المحامين، والدكتور حمودة فتح الرحمن نقيب اطباء النيل الابيض، والدكتور طارق اسماعيل الاستاذ بكلية الطب بجامعة الخرطوم، حيث تم الكشف علينا بواسطة طبيب السجن وتقديم العلاج اللازم.
    ومع انه لم توجه لي اية اتهامات محددة خلال الاستجواب الذي هدف لانتزاع معلومات تحت تأثير التعذيب عن اماكن تواجد اشخاص لا علم لي بهم، وموعد ومكان انعقاد اللجنة التنفيذية للهيئة النقابية لاساتذة جامعة الخرطوم التي لم اكن من بين اعضائها، الا انني فهمت من حديث وجهه لي العميد بكري حسن صالح عضو مجلس قيادة الثورة في مساء السبت 2 ديسمبر، دون ان يوفر لي فرصة للرد، انه يعترض على محتوى بعض المواد التي اقوم بتدريسها في الجامعة، وانه يتهمني بالقيام بنشاط معارض للنظام السياسي القائم، وانه على قناعة بأنني اتلقى عقابا وجزاء عادلا لتلك الجرائم التي لا علم لي بها.
    وحيث ان التعذيب، بمحاكمة او بدون محاكمة، لم يرد ذكره لا في القوانين السارية قبل الثلاثين من يونيو سنة 1989م، او الصادرة بعده، ونسبة لان الناطق الرسمي باسم الدولة قد نفى علمه بحدوث مثل هذه الانتهاكات لحقوق الانسان التي تتنافى مع قيمنا السودانية والانسانية، فانني اكتب لسيادتكم طالبا التحقيق فيما ورد ذكره من وقائع.
    ويقتضي العدل تقديمي للمحاكمة ان كان هنالك اتهام ضدي، او اخلاء سبيلي ان لم يكن هنالك اتهام، ومحاكمة من قاموا بتلك الانتهاكات.
    اما بالنسبة لمحتوى المواد التي اقوم بتدريسها، فلا يفوتني ان اؤكد ان مجلس اساتذة جامعة الخرطوم هو المرجع الوحيد المخول قانونا بتحديد المناهج الدراسية والفتوى بشأنها.
    هذا وقد ارسل الدكتور فاروق صورة من عريضته هذه الى السادة: بكري حسن صالح عضو مجلس قيادة الثورة والى وزير الداخلية انذاك ورئيس القضاء والنائب العام ووزير الثقافة والاعلام ومدير جامعة الخرطوم (لعناية مجلس الاساتذة) وتضمن في الختام ملحوظة اوضح فيها اسماء المعتقلين معه في ذات الموقع وهم منصور اسحق (صيدلي) وعكاشة عبد الرحمن (عضو اللجنة التنفيذية لاتحاد نقابات العمال) وعبد الله البشير مهندس اتصالات وبدر الدين ادريس مهندس بوزارة الاسكان وهاشم بابكر تلب موظف.

    نواصل.
                  

04-23-2007, 10:33 PM

Saifeldin Gibreel
<aSaifeldin Gibreel
تاريخ التسجيل: 03-25-2004
مجموع المشاركات: 4084

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة فاروق محمد ابراهيم الى رئيس مجلس قيادة الثورة (Re: Mohamed Omer)

    التحية للدكتور فاروق محمد ابراهيم، فلقد سبق لى وان زاملته فى بيوت الاشباح.
                  

04-23-2007, 10:35 PM

Mohamed Omer
<aMohamed Omer
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 2369

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة فاروق محمد ابراهيم الى رئيس مجلس قيادة الثورة (Re: Mohamed Omer)

    السيد عبد العزيز عبد الله شدو
    نائب رئيس المجلس الوطني ورئيس لجنة قانون التوالي السياسي
    والسادة المحترمين اعضاء اللجنة
    القاهرة في 12/11/1998م
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    اشكركم على خطابكم بتاريخ 27 جمادى الاخر الموافق 18 اكتوبر 1998م، ودعوتكم لى للمشاركة في الحوار حول التداول السلمي للسلطة السياسية الذي اتخذتم من مشروع قانون التوالي السياسي لسنة 1998 مدخلا له. فما الحرب الاهلية الطاحنة، والانهيار التام لمقومات وجود وحياة شعبنا المادية والمعنوية والخطر الماثل بانفراط السلطة المركزية، وتدني القيمة والمنزلة الوطنية والاقليمية والدولية للمواطن السوداني وللجمهورية السودانية، الا الثمرة المرة لعجز النخب السودانية عن استيعاب الثراء المدهش لتنوعنا الاثني والثقافي وتعددنا السياسي، ما كان يستدعي اصلا تعميق الممارسة الديمقراطية والوفاق الوطني بشأن التداول السلمي للسلطة السياسية، وما كان يفترض ان يكون نعمة لشعبنا، لا نقمة ووبالا عليه.
    الانذار المبكر بخطر التدويل:
    ولئن كانت مسؤولية التردي المأساوي في التسعينيات تقع على عاتق الذين استغلوا هشاشة بنية الديمقراطية الثالثة الخارجة من سني القهر المايوي الستة عشر، لينقضوا عليها في الوقت الذي تحدد فيه موعد المؤتمر الدستوري والحل السلمي لقضايا الحرب الاهلية المعقدة، واستأثروا بالسلطة السياسية وفرضوا احاديتهم الايدولوجية والسياسية في الوقت الذي غربت فيه شمس الانظمة الشمولية، فالجميع بلا استثناء مسؤولون عن الحصاد المر من منتصف الخمسينيات الى نهاية الثمانينيات، والجميع يطالهم الخطر الماثل بتدويل القضية السودانية المطروحة الان امام المجلس الامن، ولن يكون حالنا حينها، ولا هو الان، احسن من حال الشعب العراقي، ولا اطفالنا الذين هم الان أسوأ حالا من اطفال العراق (الذين يتوفر لهم على الاقل بعض الغذاء والدواء مقابل النفط)، ولا جنوب وطننا الذي هو الان اسوأ حالا من كردستان، كما سيكون حينها على استقلالنا الوطني، وعلى ما تبقى من عزتنا وكرامتنا، وعلى السودان نفسه العفاء.
    انقل هنا لتأكيد ذلك العناوين البارزة لعدد اليوم، الذي امامي (السبت 7 نوفمبر) من صحيفة الخرطوم الغراء.
    برنامج شريان الحياة يسحب اغلب موظفيه بغرب الاستوائية لانعدام الامن، منظمة الاغاثة الكاثوليكية تحث المجتمع الدولي على ايجاد الية فعالة لتحقيق السلام في السودان، رئيس المنظمة:
    حدود السودان الاستعمارية مصطنعة، ويجب اعادة فحصها!!
    واقتبس من المقال الافتتاحي لرئيس تحريرها الاستاذ فضل الله محمد بعنوان (سباق بين ارادتين):
    (اعطي رئيس الاغاثة الكاثوليكية نفسه الحق في الوصول الى نتائج تحليلية بالغة الخطورة مفادها ان مشكلة السودان تكمن في بنيته كدولة، وان الحل الناجع للمشكلة لا بد ان يمر عبر اعادة الفحص والنظر في تكوين الدولة السودانية بما في ذلك الحدود التي وصفها بأنها اصطناعية رسمها الاستعمار الاوروبي قبل رحيله لاجزاء السودان؟).
    وواصل قائلا:
    (ان تغييرا نوعيا في مسار النزاع السوداني يجري الاعداد له، بعيدا عن السودان والسودانيين، وما تصريحات ونداءات منظمات العون الانساني الا بالونات اختبار وتهيئة لما هو آت من حلول، ان تلك الحلول ستفرض على السودانيين فرضا ما لم تحدث المعجزة وينتفض النيام من ثباتهم العميق ويعودوا ليمسكوا بزمام قضيتهم بايديهم في ظل اقتناع تام بان حل النزاع السوداني لا يتأتى الا بمشاركة جميع السودانيين في صياغة ذلك الحل.
    والصورة الماثلة الان هي باختصار صورة سباق بين حدوث صحوة سودانية وطنية، تبدو بعيدة المنال في ظل الاستقطاب الراهن، ووقوع فعل دولي تحدد اهدافه ومراميه ووسائله معايير النظام الدولي الذي لا يكاد يعبأ بمصالح السودان الاستراتيجية ولا برغبات اهله).
    انني اجد نفسي في اتفاق تام مع الاستاذ فضل الله محمد في الصورة القاتمة، للاسف الشديد، التي رسمها، واشاركه في نفس الوقت الامل في صحوة وطنية سودانية، مهما كانت بعيدة المنال، لتجاوز الاستقطاب الراهن، وللاعلاء من شأن ارادتنا الوطنية والامساك بزمام قضيتنا بايدينا.
    دستور التوالي ومفارقة الواقع:
    ان الدعوة المقدمة للحوار تقصر عن تلبية هذا الاحتياج، لا بل هي تقفل الباب امام الوفاق الوطني تماما، انها تحصر الحوار في قانون التوالي السياسي الذي ينص في البند الثاني من مادته الثالثة على ان:
    (يلتزم التنظيم في حركته السياسية بثوابت المبادئ والاحكام في الدستور والقانون، ولا يتخذ التنظيم اي وسيلة او تدبير في سبيل انفاذ اي مذهب لتعديل تلك الثوابت الا بالطرق والاجراءات التي تقتضيها النصوص الدستورية القانونية).
    ان ثوابت الدستور هي محور الخلاف بين القوى السياسية المعارضة الموقعة على مواثيق اسمرا والسلطة القائمة، وهي القضايا التي تدور حولها الحرب الاهلية، وبديهي ان ترفض تلك القوى الحوار المقيد بالدستور الذي لم تشارك في وضعه والذي ينتهي بها في احسن الفروض لان تدور في فلك الجبهة الاسلامية القومية، وبالتعبير الشعبي الذكي الذي يجيده الاستاذ محمد ابراهيم نقد (تمامة جرتق) هذا لا يجدي شيئا ولا يليق ان يتقدم به النظام اصلا.
    وان الحوار حول ثوابت الدستور وحدها لا يكفي للتمهيد لوفاق حقيقي، اننا الان امام حقيقتين: دستور مكتوب يعبر عن المشروع الذي تم باسمه الانقلاب في 30 يونيو 89، تنص ثوابته (المادة الرابعة) على ان:
    (الحاكمية في الدولة لله خالق البشر، والسيادة فيها لشعب السودان المستخلف، يمارسها عبادة لله وحملا للامانة وعمارة للوطن وبسطا للعدل والحرية والشورى، وينظمها الدستور والقانون).
    وفي المادة 18 على ان:
    (يستصحب العاملون في الدولة والحياة العامة تسخيرها لعبادة الله، يلازم المسلمون فيها الكتاب والسنة، ويحفظ الجميع نيات التدين، ويراعون تلك الروح في الخطط والقوانين والسياسات والاعمال الرسمية وذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لدفع الحياة العامة نحو اهدافها ولضبطها نحو العدل والاستقامة توجها نحو رضوان الله في الدار الآخرة).
    ونحن في نفس الوقت امام وضع كرست فيه الانقاذ خلال عشرة اعوام من الانفراد بالحكم واقعا جديدا افرز طبقة جديدة استأثرت بالثروة التي هبرت من المال العام ومن كدح المواطنين البؤساء ومعاناتهم وتمايزت بها، ومكنت نفسها من كل اجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية وفي القوات النظامية والامنية والمؤسسات التعليمية والثقافية والدينية والاعلامية والرياضية، وهيمنت على الحياة الاقتصادية، ولها ينتمي ويدين اكثر المتنفذين، قضاة وولاة وجنرالات ومدراء وموجهون، ان افراد هذه الطبقة الطفيلية المجردة من الرحمة البعيدة عن مقاصد الدين هم المسؤولون عن الخراب الاقتصادي والثقافي والروحي، وهم المنتفعون بمحرقة الحرب الاهلية، وما دعاوي الحاكمية الالهية الا ذريعة وغطاء لمصالحهم، فهم ظل الله في الارض، الحاكمون بأمره، حملة الامانة المستخلفون على رقاب البشر، الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وما ثوابت الدستور الا واقع تمايزهم بالثروة التي جرد منها المواطن المسحوق تماما، والتي يقاتلون قتالا شرسا للحفاظ عليها، ظفرا ونابا، وقد صارت مصالح الشعب السوداني بأسره بما فيه قسم كبير ممن قاموا بالانقلاب في 30 يونيو والذين ساندوه، تتعارض مع مصالح هذه الطبقة.
    ينص الدستور المكتوب في المادة 6 على ان:
    (الوطن توحده روح الولاء، تصافيا بين اهله كافة، وتعاونا على اقتسام السلطات والثروات القومية بعدالة دون مظلمة، وتعمل الدولة على توطيد روح الوفاق والوحدة الوطنية بين السودانيين جميعا، اتقاء لعصبيات الملل الدينية والحزبية والطائفية وقضاء على النعرات العنصرية).
    لكن وفق الدستور المفروض في ارض الواقع فقد خلقت الدولة عصبية لملة النظام الدينية والحزبية ودعمتها بالسلاح وبكل سلطان الدولة ووظفتها لوأد روح الوفاق والقضاء على الوحدة الوطنية تماما.
    ينص الدستور المكتوب في المادة 20 على ان:
    (لكل انسان الحق في الحياة والحرية، وفي الامان على شخصه وكرامة عرضه الا بالحق وفق القانون، وهو حر يحظر استرقاقه او تسخيره او اذلاله او تعذيبه).
    لكن وفق الدستور المفروض في ارض الواقع فالاذلال والتعذيب تمارسه اجهزة الامن كل يوم وفي كل مكان ومع من تريد، وسائر المواطنين خصوصا الطلبة يتم ارهابهم وتسخيرهم وقودا للمدافع في حرب النظام ضد الوطن والمواطنين، ولا زال القتل الاعتباطي الذي يمارسه النظام بلا ضابط او قانون مستمرا، من د. علي فضل وشهداء رمضان في بداية عهد النظام الى الشهيد محمد عبد السلام مؤخرا.
    وينص الدستور المكتوب في المادة 21 على ان:
    (جميع الناس متساوون امام القضاء، والسودانيون متساوون في الحقوق والواجبات في وظائف الحياة العامة، ولا يجوز التمييز فقط "هذه زلة قلم معبرة، ولعل المقصود قط" بسبب العنصر او الجنس او الملة الدينية، وهم متساوون في الاهلية للوظيفة والولاية العامة ولا يتمايزون بالمال).
    لكن وفقا للدستور المفروض في ارض الواقع فالاهلية للوظيفة والولاية العامة مقصورا على المنتمين لحزب الحكومة (الجبهة الاسلامية القومية سابقا) ومن والاهم، والسودانيون يتمايزون الان بالمال اكثر من اي وقت مضى في تاريخ السودان، ويعلم القاصي والداني انهم يتمايزون بهذا المال العام المنهوب بوقاحة منقطة النظير.
    وينص الدستور المكتوب في المادة 25 على انه:
    (يكفل للمواطنين حرية التماس اي علم او اعتناق اي مذهب في الرأي والفكر دون اكراه بالسلطة، وتكفل لهم حرية التعبير، وتلقى المعلومات والنشر والصحافة دون ما قد يترتب عليه من اضرار بالامن او النظام او السلامة او الاداب العامة وفق ما يفصله القانون).
    لكن وفقا للدستور المفروض في ارض الواقع فالتعليم صار عملية غسيل لادمغة المواطنين بفكر النظام الفج وايديولوجيته الاحادية الضيقة التي سخرت لها كل وسائل الاعلام والنشر وكل المنابر الرسمية، واصبح حزب النظام ينفي وجود الاخرين ويستعلي عليهم بحجة الحاكمية الالهية التي يستمدون سلطانهم منها.
    وينص الدستور المكتوب في المادة 26 على انه:
    - للمواطنين حق التوالي والتنظيم لاغراض ثقافية او اجتماعية او اقتصادية او مهنية او نقابية لا تقيد الا وفق القانون.
    - يكفل للمواطنين الحق لتنظيم التوالي السياسي، ولا يقيد الا بشرط الشورى والديمقراطية في قيادة التنظيم واستعمال الدعوة لا القوة المادية في المنافسة والالتزام بثوابت الدستور كما ينظم ذلك القانون.
    لكن وفق الدستور المفروض في ارض الواقع فقد حولت الدولة الروابط والنقابات المهنية والاقتصادية والثقافية الى اذرع لها عن طريق التحايل والتزوير والارهاب، واوضح مثال لذلك التدخل الفاضح والتزويرالمكشوف في نقابة المحامين، ووفق الدستور المفروض في ارض الواقع فقد استباحت الدولة عن طريق تنظيمها الحزبي المسلح واجهزتها الامنية حرمة الجامعات والمؤسسات التعليمية واحلت العنف والقوة المادية محل الدعوة تماما.
    وينص الدستور المكتوب في المادة 28 على انه:
    - لكل شخص حقه في الكسب من المال والفكر، وله خصوصية التملك لما كسب، ولا تجوز المصادرة لكسبه من رزق او مال او ارض او اختراع او نتاج عملي او علمي او ادبي او فني، الا بقانون بكلفة ضريبة الاسهام للحاجات العامة، او لصالح عام مقابل تعويض عادل.
    - لا يجوز فرض الضرائب او الرسوم او المفروضات المالية الاخرى الا بقانون.
    لكن وفق الدستور المفروض في ارض الواقع فلا احد يضمن عدم تكرار الجريمة البشعة بالحكم بالاعدام شنقا على كل من المرحومين مجدي وجرجس بتهمة امتلاك حفنة دولارات من حر مالهما وجدت بحوزتهما.
    اما عن الضرائب والرسوم المالية الاخرى المفروضة جزافا فحدث ولا حرج.
    وينص الدستور المكتوب في المادة 30 على ان:
    (الانسان حر لا يعتقل او يقبض الا بقانون بشرط بيان الاتهام وقيد الزمن وتيسير الافراج واحترام الكرامة في المعاملة).
    وبنص الدستور المفروض في ارض الواقع فايدي اجهزة الامن مطلقة للاعتقال والتعذيب حتى اليوم، ولا رقيب عليها، وقد صرح وزير العدل مؤخرا، السيد علي عثمان يسن، بضرورة استمرار سلطة الاعتقال التحفظي برغم قانون التوالي السياسي وذلك درءاًَ للفوضى.
    ولهذا فان اي حوار يهدف لوفاق حقيقي اذا لم ينتقل من الوفاق الدستوري الى تفكيك جهاز الدولة الراهن وازالة هيمنة الطبقة الجديدة عليه واستبداله بجهاز قومي في تركيبه وتوجهاته، فلن يكتب له النجاح ولا يكون مجديا، وما لم نتجاوز الاستقطاب الراهن بصحوة وطنية توصلنا الى المؤتمر الدستوري، والتي تبدو بعيدة المنال حقا، فالمعارضة ستواصل نضالها المسلح، والحكومة ماضية في تشبثها بالسلطة لاجل السلطة، ومساحة وفاعلية هذه السلطة ستظل تتلاشى تلاشيا مستمرا، ويصبح الوجود الحضاري السوداني المتمثل في الدولة المركزية الحديثة بجيشها الوطني وشرطتها وقضائها ومدارسها وجامعاتها ومساجدها وكنائسها وسدودها ومشاريعها الزراعية المروية والمطرية الحديثة، وخدماتها الصحية وسفاراتها، هذا الوجود الحضاري الذي ظل يتحقق منذ الممالك الاسلامية القروسطية عبر حقب التركية والمهدية والحكم الثنائي والاستقلال، يصبح مهددا بالزوال كما حدث في الصومال تماما، ولن يجدي التدخل الاجنبي حينها لاستعادة هذا الوجود الحضاري الا بمثل ما افلح في الصومال والعراق
                  

04-23-2007, 10:37 PM

Mohamed Omer
<aMohamed Omer
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 2369

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة فاروق محمد ابراهيم الى رئيس مجلس قيادة الثورة (Re: Mohamed Omer)

    الرسالة الثالثة
    * ما لا يدرك كله لا يترك كله
    ان رفضى للحوار المنطلق من قانون التوالى السياسي بالصورة التي تمنح النظام الشرعية التي يفتقدها ويسعى اليها لا يعني رفضى التام للحوار ، اذ هنالك نمط للحوار المرتبط بابلند الاول من المادة 26 في الدستور المتعلق بحوار المواطنين في التوالى والتنظيم لاغراض ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية او مهنية او نقابية ارحب به واسعى اليه وفي ذهني الحوار الذي يدور في ارض الواقع بين التحالف الوطني لاسترداد الديمقراطية الذي يمثل تيار المعارضة في نقابة المحامين ، وينطلق من ضمان الحقوق الديمقراطية الاولية على المستوى القاعدي.
    وربما كان الحوار حول هذا البند بمشاركة القوى ذات المصلحة المباشرة فيه الخطوة الاولى والطبيعية التي تقود للحوار حول التنظيم السياسي والتداول السلمى الديمقراطي للسلطة السياسية، ولا غرابة اذن في ارتباط هذين البندين وتواليهما بالصورة الواردة في المادة 26 من الدستور .
    انني لا امثل حزبا سياسيا ولا فصيلا مسلحا معارضا ، ولست الا واحدا من عشرات الالاف من المهنيين الذين يمارسون العمل العام عبر تنظيماتهم واتحاداتهم المهنية والنقابية ، وقد تم اختيارى عقب مؤتمر التعليم العالى في السودان الذي عقدته رابطة الاكاديميين السودانيين في جامعة عين شمس بالقاهرة في الفترة 1-5 اغسطس الماضى وشارك فيه ممثلون عن اكاديميين سودانيين داخل وخارج الوطن ، منسقا عاما للرابطة ، وربما كان هذا النمط من النشاط احد الاعتبارات التي اسهمت في توجيه الدعوة لى للمشاركة في الحوار حول قانون التوالى السياسي.
    وقد هالنا خلال المؤتمر امر هجرة الاكاديميين والمهنيين السودانيين عموما خارج الوطن التي ربما كان اكثرها هجرة في اتجاه واحد بلا عودة ، وهالنا في نفس الوقت مدي الافقار الذي اصاب مؤسسات التعليم العالى والمؤسسات الخدمية الاخرى كالمستشفيات نتيجة لهذه الهجرة ، وكما جاء في تقرير وزير التعليم العالى السابق الدكتور عبد الوهاب عبد الرحيم لمجلسكم الوطني عن اوضاع الجامعات – واقيل بسببه – ان الفاقد من اعضاء هيئة التدريس في الجامعات الخمس القديمة في الفترة 90-96 نتيجة للفصل او الاستقالة او الغياب او عدم العودة بعد انتهاء الانتداب 1004 استاذا من مجموع 1664 بنسبة 60% وتشير الاحصاءات الى ان الاطباء الذين هاجروا يبلغ عددهم اكثر من ثلاثة اضعاف الذين يعملون بداخله والبالغ عددهم حوالى 3000 فقط.
    ومع ان اسباب هجرة المهنيين ليست كلها من صنع النظام تماما، الا انه فاقم منها بسبب سياساته الهادفة لقمعهم واضطهادهم واضعاف دورهم الاجتماعي والسياسي ومكانتهم في جهاز الدولة ، وذلك كاجراء وقائي ضد خطر الانتفاضة الشعبية التي برهنت تجربتا اكتوبر وابريل انهم مشعلوها.
    هذه السياسة قصيرة النظر ستكون في تقديرى العامل الاول الذي يسهم في انهيار النسيج الاجتماعي السوداني وصوملته وارتداده الى كياناته القروسطية المبعثرة ، فالمهنيون والنقابيون والمثقفون عموما هم دينامو الطبقة الوسطى التي هي بمثابة النسيج الضام للمجتمع السوداني وعصب الدولة السودانية المركزية ، وهم حملة مشاعل الوعى وصناع مشاريع النهضة الوطنية والاستنارة ، فمن احشاء مؤتمر الخريجين العام الذي هو تنظيمهم الام ، نشأت كل الاحزاب والحركات السياسية في شمال السودان ، وليست هنالك مصلحة حقيقية لنظام يمتلك مشروعا نهضويا معاداتهم كطبقة مهما كان دورهم مقلقا للنظام الحاكم.
    ان الكثيرين من المهنيين والنقابيين تنصب معارضتهم – مثلى – لا على قانون التوالى وحسب وانما على الدستور المستمد منه ، ويرفضون اضفاء الشرعية التي ينشدها النظام بقبوله ، لكن الحركة الجماهيرية النقابية والمهنية مجبرة على التعامل مع اي نظام سياسي بغض النظر عن شرعيته ، من الحكم الثنائي الى الانقاذ ، بغية اكتساب الحريات النقابية الاولية وتوسيع نطاق الممارسة الديمقراطية ، على غرار ما يفعل التحالف الوطني لاسترداد الديمقراطية الان ، انطلاقا من الحكمة التي تقول بان ما لا يدرك كله لا يترك كله، وهم لذلك ايضا يقبلون بمبدأ العمل المعارض الذي يستهدف تغيير الدستور ونظام الحكم وفقا لما يتيحه الدستور والقانون ، وهذا الطريق يؤدى الى الانتفاضة الشعبية والعصيان المدني.
    وان فحوى الدعوة المقدمة لى للحوار ان النظام ينشد الانتقال من الحكم الاستثنائي الاعتباطي الى حكم يستند الى شرعية دستورية وقانونية وانه يضمن حرية التنظيم والعمل العام التي يكفلها الدستور بوجه عام، وقانون التوالى السياسي بوجه خاص ، وهو لذلك يرحب بهجرة معاكسة الى الوطن لكل النقابيين والمهنيين المعارضين الذين اغتربوا او هاجروا ، بسبب القهر السياسي والاجتماعي.
    وانني كاحد هؤلاء النقابيين والمهنيين اقبل الدعوة على هذا الاساس ، شريطة توفر الصدق والشفافية ومناخ الثقة الذي يتيح لنا الجلوس في مائدة واحدة والاستماع لبعضنا البعض، لقد انهارت الثقة في الاشهر الاولى لانقلاب 30 يونيو 1989م حينما زجت سلطته بالقادة النقابيين في السجون وابتدعت بيوت الاشباح لتعذيبهم ، وحينما اصدرت حكمها باعدام رئيس نقابة الاطباء ، الدكتور مامون محمد حسين ، بتهمة الدعوة للاضراب ، وهو حق نقابي ، وحينما اطلقت مليشياتها لتفريق المواكب الطلابية السلمية مستبيحة ارواح الطلاب كالسوائم ، وحينما بلغ استهتارها بالارواح حد التعذيب حتى الموت لعشرات النقابيين واعضاء الاتحادات الطلابية ، بدءا بالشهيد الدكتور على فضل في مارس سنة 1990 وانتهاء بالشهيد محمد عبد السلام طالب القانون بجامعة الخرطوم الذي اغتيل في يوليو الماضى ، ولا يزال مسلسل التعذيب والقتل مستمرا.
    * من الذي اشرف على التعذيب في بيوت الاشباح ؟
    ولا يكفى كارضية للحوار طرح القوانين المنبثقة عن المادة 26 من الدستور التي تمنح حرية التوالى والتنظيم ، لابد ان تعترف الحكومة بانتهاجها للتعذيب المنظم وان تعلن عن ادانتها تلك الممارسات واقلاعها عنها وعن فتح باب الشكاوي والاتهامات في حالات التعذيب والتحقيق فيها ومحاسبة من تثبت ادانته ، توطئة لتسوية تتيح ، اذا ما خلصت النيات لوفاق سياسي حقيقي ، ما اسماه السيد الصادق المهدي التعافى المتبادل ، على غرار جنوب افريقيا.
    لقد ظلت الحكومة تنفى على لسانك يا اخي عبد العزيز شدو وقوع التعذيب ، او تنسبه لتجاوزات ابدت استعدادها للتحقيق فيها ، دون ان يحدث ذلك ابدا ، وكانت لك صولات وجولات في محافل حقوق الانسان الدولية بهذا الصدد ، حينما كنت نائبا عاما ووزيرا للعدل ورئيسا للوفد السوداني للمؤتمرات الدولية لحقوق الانسان ، ارجو ان الفت انتباهك الى الشكوى التي تقدمت بها من السجن العمومي بالخرطوم بحرى الى الرئيس البشير بتاريخ 26 يناير 1990م عارضا فيها تجربتى الشخصية المريرة في بيوت الاشباح ، وتكمن اهمية هذه الحالة في ان الذين قاموا بالتعذيب ، واشرفوا عليه ليسوا اشخاصا ملثمين بلا هوية ، بل كان على رأسهم العميد بكرى حسن صالح عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس جهاز الامن وقتها ، والدكتور نافع على نافع وزير الزراعة الراهن وزميلي في هيئة التدريس بجامعة الخرطوم ، الذي كان طالباً بالجامعة حينما كنت من اساتذتها في الستينيات ويهون ما تعرضت له في بيوت الاشباح عندما افكر فيما اصاب اثنين من زملائي الخمسة الذين اشرت اليهم في المذكرة ، احدهم السيد عكاشة عبد الرحمن عضو اللجنة التنفيذية لاتحاد نقابات عمال السودان حينها ، وقد تعرض لمثل ما تعرضت له ووصلنى منه خطاب قبل قرابة عام ذكر فيه ان ابنه الطالب مجدي اعتقله الامن .. ولا يعرف عنه شيئا وانه التحق باحدى الفرق المسلحة باسمرا لمقاومة نظام الجبهة ثم قرأت في تحقيق صحفى معه في صحيفة الخرطوم انه التقى صدفة باحد الاسرى من الطلبة العاملين بجهاز الامن وقوات الدفاع الشعبي اعترف بقتل بانه مجدي.
    اما الاخر وكان شابا هادئا وسيما شجاعا فارع الطول فقد تعرض لتعذيب لا اخلاقى شديد البشاعة علمت وارجو ان لا يكون ذلك صحيحا انه لم يطلق سراحه الا بعد ان فقد عقله فذبح زوجته وابيه وبعض اقاربه.
    انه يسهل على جدا ان اقرر اننى لا احقد حقدا شخصيا على اي شخص – وهذه حقيقة – لا الدكتور نافع ولا العميد بكرى حسن صالح الذي ضربنى حارسه في وجوده هؤلاء ليسوا افرادا ناشزين وانما هم ابرز قادة الجبهة الاسلامية القومية ورموزها الذين استولوا على السلطة السياسية ولا زالوا طليعتها وهي تحتفى بعامها العاشر وهم مع ذلك اشخاص عاديين تقمصتهم الذهنية التي تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ودفعتهم الى نفى الاخر واستباحة دمه وماله وعرضه فتحولوا الى مجرمين شأنهم في ذلك شأن بقية اعضاء حزبهم الذين تكتظ بهم اجهزة الامن والدفاع الشعبي الذين قرروا والذين نفذوا من قمة النظام الى قاعدته.
    * تحدي التدويل وضرورة الحوار الجدي :
    فاذا ما قرر هؤلاء الان العمل بمقتضى شرعية دستورية وقانونية تحول دون ارتكاب هذه الجرائم ، فانني لا اطلب فيما يخصنى لكى ادخل في حوار معهم سوى اعترافهم حكومة وافرادا بالجرائم التي ارتكبت وان يعبروا عن الاسف والندم الحقيقي تطهيرا لانفسهم هذا فيما يخصنى شخصيا ، لكنني لا استطيع ان اقول نفس الشئ بالنسبة للاخ عكاشة الذي قتل ابنه ، او الشاب الذي فقد عقله وزوجته وابيه او بالنسبة للالاف من ضحايا التعذيب لابد اذن لكى يتوفر المناخ الصحى لحوار حقيقي من خلق آلية للمحاسبة على التعذيب ، على غرار جنوب افريقيا هذا هو الشرط الاول لتوفير المناخ الصحى الموائم لتخطي مأساة التعذيب.
    الشرط الثاني كبادرة لخلق المناخ الصحى هو اجراء انتخابات حرة يقبلها طرفا نقابة المحامين لحسم النزاع القائم حول شرعية النقابة هذا يوفر الاطمئنان الى الحقوق الدستورية والى مطابقة القانون للدستور مما يتعين ان يسرى على كل التنظيمات النقابية والمهنية.
    الشرط الثالث لخلق المناخ الصحى للحوار ايقاف العنف الذي تمارسه المليشيات المولية للنظام خصوصا ضد الطلاب المعارضين والتحقيق والمحاكمات الفورية العادلة لكل الذين تثبت ادانتهم واشير بالتحديد الى حالة العنف ضد طلاب جامعة ام درمان الاهلية التي طرحها المحامي غازي سليمان ، رئيس التحالف الوطني لاسترداد الديمقراطية في مؤتمره الصحفى هذا الاسبوع والتي لا تكاد تخلو منها صحيفة على مر الايام ولهذا لابد من الشروع الفورى في تجريد هذه المليشيات من السلاح.
    قد تسأل : لماذا توافق الحكومة طوعا واختيارا على عودة القادة النقابيين وعلى قيام تنظيمات نقابية ومهنية مماثلة للتحالف الوطني لاسترداد الديمقراطية وهي قد تنتشر وتسرى حتى الانتفاضة ؟ ما مصلحتها من ذلك ؟ والجواب اولا : انها لا تفعل ذلك طوعا واختيارا وانما استجابة لتحدي المعارضة المسلحة التي تهدد وجودها ، وللمعارضة المتزايدة لحكمها ولخطر الصوملة واندثار السلطة المركزية الماثل امامنا، وبالتالى ضياع الجمهورية التي تحكمها.
    ثانيا: انها تفعل ذلك استجابة لتحدي التدويل والتدخل الاجنبي الذي يتهددنا جميعا.
    ثالثا : ونسبة للفشل والعجز التام للمشروع الاسلامي الذي جاء بالجبهة للسلطة ، ولصراع السلطة الدائر داخل النظام ، فان المنتصر في هذا الصراع ، لو كان يملك مشروعا او بقية مشروع اسلامي او وطني يسعى لتحقيقه ربما تحت مظلة الوفاق التاريخي او الوحدة الوطنية فانه هو الذي قد يأنس في نفسه الثقة في التنافس الديمقراطي لتداول القيادة او تواليها في النقابات والمنظمات الديمقراطية.
    * النكتة السياسية وقانون التوالى :
    وبمناسبة (بدعة) التوالى هذه على قول الكاتب الاسلامي فهمي هويدي في صحيفة الاهرام ، فانه يبدو ان الشعب السوداني محق في التعامل معها باعتبارها نكتة سياسية عملية ، من الواضح ان المقصود الترجمة الحرفية للكلمة الانجليزية Succession لكن لماذا يفكر الدكتور حسن الترابي الذي استحدث هذا التعبير باللغة الانجليزية لصياغة دستورنا الاسلامي ؟ ثم ان كلمتي Succession وSuccessor معناها باللغة العربية خلافة وخليفة وهذا معني اسلامي حقيقي ، لكن الخلافة الاسلامية لم تتأسس على مبدأ تداول السلطة عبر الانتخابات الحديثة فهل يبغي الدكتور الترابي حقيقة الخلافة ، التي لا انتخاب فيها وقام باستخراجها من الانجليزية للتعمية والتغبيش؟
    والنكات السياسية العملية لها تاريخ في السياسة السودانية ، الا تذكر يا اخي عبد العزيز تلك الفترة المضطرمة الصاخبة في تاريخ اتحاد طلبة جامعة الخرطوم ، ما بين الغاء حكومة النحاس لاتفاقية 1936م في اكتوبر سنة 1951م وقيام الثورة المصرية في يوليو سنة 1952م حينما اجريت الانتخابات للجنة الاتحاد وللجمعيات الفرعية في مناخ ساده الصراع ثنائي القطبية بين الاخوان والشيوعيين واكتسحنا (الشيوعيون) حينها الانتخابات ؟ كان المرحومان بابكر كرار والرشيد الطاهر والاستاذان ميرغني النصرى ويوسف حسن سعيد في قيادة الاخوان وكنت مع المرحوم فاروق مصطفى المكاوي والسادة الامين حاج الشيخ ابو ومحمد ابراهيم نقد .. الخ في قيادة الشيوعيين بينما كنت في قيادة تيار المستقلين الذي اتخذ من مجلة الصاروخ منبرا وحينها قمت بترشيح نفسك لرئاسة الجمعية الدينية ، معتمدا على اصوات الشيوعيين وكنت انا من بين من اتصلت بهم لتأييد ترشيحك فكانت تلك النكتة السياسية العملية التي زلزلت اركان الاتحاد بالضحك في ذلك الزمن الصاخب.
    الان بلغت النكتة السياسية منعرجا خطيرا حينما خولتما لنفسيكما انت والدكتور الترابي ان تكونا المرجعية العليا للحاكمية الالهية التي استخلفتم انفسكم لممارستها وصرتما الاوصياء على مبدأ استصحاب العاملين في الدولة والحياة العامة تسخيرهما لعبادة الله خالق البشر وقد صارت هذه النكتة للاسف الشديد باهظة التكلفة يدفع شعبنا ثمنها ملايين الارواح التي تحصدها الحرب وتسحقها المجاعة وتفتك بها الامراض ونظاما اجتماعيا لا رحمة فيه ، يولد يوميا انحطاطا خلقيا ومعنويا لا مثيل له في تاريخ بلادنا.
    هدانا الله واياكم ووفقنا الى العمل لحماية الحقوق الاولية للانسان في السودان وفي كل مكان ووهبنا الحكمة التي نميز بها الحد الفاصل بين ما نستطيع ان نعمله وما لا نستطيع والصبر الذي نتجمل به لمعايشة ما ليس منه بد ، والشجاعة التي تحفزنا للعمل على تغيير ما يمكن تغيره وقدرا من الصدق والشفافية يتيح لاقوالنا ان تتطابق مع افكارنا واعمالنا.




                  

04-23-2007, 10:46 PM

Mohamed Omer
<aMohamed Omer
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 2369

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة فاروق محمد ابراهيم الى رئيس مجلس قيادة الثورة (Re: Mohamed Omer)

    القصاص والعفو وجهان لعملة واحدة -د.فاروق محمد ابراهيم

    الدكتور فاروق محمد ابراهيم من اوائل السودانيين الذين طالهم الاعتقال والتعذيب في بداية عهد الانقاذ في عام 1989م، وكان اول من طرح مبدأ الاعتراف والمعافاة والمصالحة وفق نموذج المصالحة في جنوب افريقيا متجاوزا ما حل به من اذى شخصي في سبيل مصلحة وطنية عليا وقد كتب الى بالامس معقبا على ما نشر في الصحف حول هذا الموضوع مؤخرا ليقول:
    اخي محجوب
    ظلت الايام تتابع ملفات اتفاقية السلام متابعة ايجابية دقيقة وبناءة – كدأبها- ما اهلها لان تحصد الجائزة الدولية تلو الاخرى في الاداء الصحفي المسؤول والمتميز، عن جدارة واستحقاق، ولقد لفتت نظري بصفة خاصة ملفات التحول الديمقراطي، ومن اهمها ملف التعذيب الذي كرس له الاخ محجوب عثمان حيزا كبيرا من معالم طريقه التي قلت ودلت، كذلك مسألة الاخ مرتضى الغالي والكتابات الاخرى، واخيرا ذلك المسح الشامل لملف التعذيب في مقال الاخ امين مكي مدني بعدد الخميس 12 ابريل الجاري بعنوان (اليست هذه الانتهاكات اشد خطورة) وذلك في اشارة منه لما ورد عن محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك، ثم تصفية الذين ارتبطت اسماءهم بها، وقد اشارت تلك المقالات اشارة واضحة لما تعرضت له انا من تعذيب، وذلك في اشارة للمذكرات التي تقدمت بها من داخل السجن وخارجه للرئيس البشير، مطالبا بالتحقيق مع المسؤولين عن تلك الانتهاكات.
    لقد كتب الكثير عن تلك المذكرات التي نشرت خارج السودان، لكن نشرها داخله لم يكن متاحا ابدا.
    كذلك نشرت مقالات جريئة في الصحف المحلية من قبل صحفيين متميزين على رأسهم الاساتذة السر سيد احمد وعبد الله علي ابراهيم ومحجوب الحارث وان من حقي وحق القارئ وواجب الصحف ان تتولى نشرها الان وقد اتيح القدر الراهن من الحريات.
    ان ما يميز هذه المذكرات اولا الادلة الدامغة التي لم يقابلها المسؤولون الا بالصمت، وثانيا ان الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية المسؤول عن ملف التحول الديمقراطي والفريق بكري حسن صالح وزير شؤون رئاسة الجمهورية بالنسبة لي كانا على رأس الذين باشروا ذلك التعذيب. وثالثا ان الخيار الاول الذي طرحته في هذه الحالة الاختيارية لمعالجة ملفات التعذيب باسرها ليس المحاكمة، محليا او خارجيا، وانما المواجهة المباشرة وكشف الحقائق اولا، ثم بعد ذلك الاعتذار الصادق، وفي حالتي الشخصية فانني اقبل الاعتذار المعلن اعلانا كافيا، على غرار تجربة جنوب افريقيا، ذلك لان الكشف عن الحقائق والاعتذار الكافي من قبل هؤلاء المسؤولين الكبار يحفز من هم دونهم في المسؤولية لفعل نفس الشئ، ويسير بنا خطوة الى الامام على طريق تجاوز هذه الانتهاكات وعلى طريق التحول الديمقراطي.
    فلنبدأ اذن بهذه الحالة الاختبارية الان.
    ولك خالص مودتي وتقديري.
    فاروق محمد ابراهيم.
                  

04-23-2007, 10:50 PM

Mohamed Omer
<aMohamed Omer
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 2369

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة فاروق محمد ابراهيم الى رئيس مجلس قيادة الثورة (Re: Mohamed Omer)

    في رسالة للاستاذ محجوب عثمان رداً على ما اثاره في عموده كتب الدكتور فاروق محمد ابراهيم يقول :
    احيى روحك الوثابة الشجاعة التي تصرع الداء الوبيل وتقهر الموت الزؤام واتفق معك تماما ان الجروح الغائرة التي احدثتها ممارسات التعذيب تلك لن تداوى باعتذار او اعتراف او ما شابه ذلك ، ولابد من اجراءات اكثر عدالة واكثر جدية في ازالة اثار ظلم وقع ، كما خلصت في نهاية عمودك المؤثر بعدد الايام الاحد 21 مايو، وما امتثالى للاية الكريمة (ولمن صبر وغفر ان ذلك لمن عزم الامور 34 الشورى) الا تأكيدا لما خلصت اليه ، فكما بينت في رسالتي للرئيس البشير بتاريخ 12/11/2000م فانه (يختلط لدى الكثيرين مبدأ العفو مع مبدأ سريان حكم القانون ، فانني اعفو بالمعنى الديني والاخلاقى عن كل من ارتكب جرما في حقى ، بما في ذلك السيدين بكرى ونافع، بمعنى انني لا ابادلهما الكراهية والحقد ، ولا ادعو لهما الا بالهداية ، ولا اسعى للانتقام والثأر منهما ، ولا اطلب لشخصى ولهما الا العدل وحكم القانون).
    كما جاء في ردى على الاستاذ المرحوم عبد العزيز شدو للمشاركة في الحوار حول قانون التوالى السياسي:
    (انه يسهل على جدا ان اقرر اننى لا احقد حقدا شخصيا على اي شخص – وهذه حقيقة – لا الدكتور نافع ولا العميد بكرى حسن صالح الذي ضربنى حارسه في وجوده، هؤلاء ليسوا افرادا ناشزين وانما هم ابرز قادة الجبهة الاسلامية القومية ورموزها الذين استولوا على السلطة السياسية ولا زالوا طليعتها وهي تحتفى بعامها العاشر وهم مع ذلك اشخاص عاديين تقمصتهم الذهنية التي تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ودفعتهم إلى نفى الاخر واستباحة دمه وماله وعرضه شأنهم في ذلك شأن بقية اعضاء حزبهم الذين تكتظ بهم اجهزة الامن والدفاع الشعبي ، الذين قرروا والذين نفذوا ، ما قمة النظام إلى قاعدته ، فاذا ما قرر هؤلاء الان العمل بمقتضى شرعية دستورية وقانونية تحول دون ارتكاب هذه الجرائم ، فانني لا اطلب فيما يخصنى لكي ادخل في حوار معهم سوى اعترافهم حكومة وافرادا بالجرائم التي ارتكبت وان يعبروا عن الاسف والندم الحقيقي تطهيرا لانفسهم هذا فيما يخصنى شخصيا لكننى لا استطيع ان اقول نفس الشئ بالنسبة للاخ عكاشة الذي قتل ابنه ، او الشاب الذي فقد عقله وزوجته وابيه ، او بالنسبة للالاف من ضحايا التعذيب ، لابد اذن لكى يتوفر المناخ الصحى لحوار حقيقي من خلق آلية للمحاسبة على التعذيب، على غرار جنوب افريقيا .. هذا هو الشرط الاول لتوفير المناخ الصحى المواتي لتخطي مأساة التعذيب).
    ان القصاص والعفو وجهان لعملة واحدة ، يرتقى بنا القرآن الكريم في فهمهما درجة اثر درجة من السلوك الحضارى وتزكية النفس ، فيقابل التوبة والندم الحقيقي بالعفو ، دونما الغاء للقصاص وحكم القانون.
    لقد عرى هذا الموقف المتسامح يا اخي محجوب اولئك المتنفذين في قمة السلطة من ورقة التوت تماما ، فهاهو الدكتور الطيب زين العابدين يعيب عليهم في عدد الصحافة امس ان (اخذتهم العزة بالاثم ان يعتذروا ، فقد ظنوا انهم اكبر من العدالة ولكنهم في ذات الوقت اضعف من ان يستقيلوا من مناصبهم النافذة). ويدعو المجلس الوطني استردادا لعافيته السياسية ان يفتح هذا الملف وغيره من الملفات الحساسة المسكوت عنها ، وهاهو الدكتور محمد المهدى بشرى يصيح مدويا في اصوات واصداء اول امس بالايام ان الصمت لم يعد ممكنا ، والاستاذان الطيب وبشرى ، العضوان البارزان في مجلس اساتذة جامعة الخرطوم ، يعلمان ولا شك ان الدكتور نافع الذي انتدبته جامعة الخرطوم عقب انقلاب الثلاثين من يونيو للعمل (بالامن الغذائي) جعل من الجامعة ومجلس اساتذتها ضحيته الاولى حينما تولى بنفسه تعذيب اساتذته وزملائه وطلابه على السواء ، في بيوت الاشباح التي تفتقت عنها عبقريته ، ولن يسترد مجلس اساتذة جامعة الخرطوم عافيته الاكاديمية ان لم يفتح ملف التعذيب الخاص بي ، وتلك الرسالة التي وجهت صورة منها لمدير الجامعة لعناية مجلس اساتذتها بتاريخ 29 يناير 1990 معلنا فيها الرئيس البشير (ان مجلس اساتذة جامعة الخرطوم هو المرجع الوحيد المخول قانونا بتحديد المناهج الدراسية والفتوى بشأنها).
    وازاء صمت السلطة التنفيذية المريب هذا فانه يحق للمجلس الوطني كما لمجلس اساتذة جامعة الخرطوم مساءلة الدكتور نافع عن الجرائم المنسوبة اليه ، كل في المجال الذي يليه ، ويملك مجلس اساتذة جامعة الخرطوم صلاحية سحب درجة البكالوريوس التي منحها له وحق اخطار الجامعات التي حصل منها على درجتى الماجستير والدكتوراة بقراره وحيثياته ، حتى يتسنى لها الغاء ما ترتب على درجة البكالوريوس التي لا يستحق شرف نيلها ، حضوريا كان ذلك القرار ام غيابيا، لقد فتح هذا الموقف المتسامح الباب كذلك يا اخي محجوب لكل اولئك المناضلين الصامدين الذين سرد الاخ يوسف حسين (الاضواء) باقتضابه المعهود تجربة من بقى منهم على قيد الحياة في بيوت الاشباح ، ومن اغتيل منهم بدم بارد وكل هؤلاء لا يطلبون سوى العدل وحكم القانون ، ولمن صبر وغفران ذلك لمن عزم الامور.
    قد يطيش صواب هؤلاء المتنفذين الذين ما عادوا يلوحون للكثيرين منا اشخاصا ، بل مخازيا، على قول المتنبي العظيم فيعملون (اسياخهم الحمراء في الحى شمالا ويمينا) كما كتب صلاح في قصيدته (نحن والردى) لكن لسان هؤلاء الذين كشفوا سر ما هو اقسى من الموت وخبروا امره واستساغوا مره ، كما انشد صلاح ولسان كل المناضلين الصامدين من ابناء وبنات شعبنا:
    هذه اجنابنا مكشوفة فليرم رامي
    هذه اكبادنا .. لكها وزغرد يا حقود
    هذه اضلاعنا مثلومة وهي دواي
    وعلى النطع الرؤوس
    فاستبدى يا فؤوس
    وادخلى ابياتنا واحتطبي
    وادير يا منايانا كؤوسا في كؤوس
    من دمانا واشربي
    ما الذي اقسى من الموت ؟! فهذا قد كشفنا سره
    وخبرنا امره واستسغنا مره
    صدئت الاته فينا ولازلنا نعافر
    ما جزعنا ان تشاها ولم يرضى الرحيل
    فله فينا اغتباق واصطباع ومقيل
    اخر العمر ، قصيرا ام طويل
    كفن من طرف السوق وشبر في المقابر
    انه عن طريق المحكمة الدستورية ، وعن طريق المجلس الوطني نفسه وعن طريق الانتظام لاسترداد الحقوق في كل الجبهات ، في اماكن العمل والسكن معا، يتاح لشعبنا ان يقف على قدميه وان يقول كلمته للمرة الثالثة ، ولن تستطيع قوة ان تحول دون تحقيق مراده وبهذا وحده تداوى الجروح الغائرة التي غرزها نظام الانقاذ في صدر شعبنا ، ولك يا اعز وانبل الرجال ، خالص مودتي وتقديري.
    فارق محمد ابراهيم
    الاثنين 22 مايو 2006
                  

04-23-2007, 10:53 PM

Mohamed Omer
<aMohamed Omer
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 2369

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة فاروق محمد ابراهيم الى رئيس مجلس قيادة الثورة (Re: Mohamed Omer)

    ولا يزال التعذيب مستمراً (1) -بقلم الصادق سيد أحمد الشامي

    ولا يزال التعذيب مستمراً (1)

    شباب في مقتبل العمر عذبوا حتى الموت فما ضعفوا ولا وهنوا وذهبت ارواحهم فداء لهذا الوطن ونذكر منهم د. علي فضل ومنهم من وضع في برميل ملئ بالثلج حتى تجمدت أطرافه وتلفت شرايينه فبترت ساقه ونذكر المحامي عبد الباقي عبد الحفيظ وتعرض الكثيرون لأصناف وأساليب ونماذج من التعذيب لا يقرها ضمير حي ولا دين ولا قيم ولا خلق سوي.
    ونخشي أن تضعف ذاكرة التاريخ وتضيع الحقائق والوقائع الثابتة في خضم الاكاذيب والترهات وصناعة التزييف.
    فبعد فترة وجيزة من استشهاد د. علي فضل سأل الصحفي والكاتب فتحي الضو العقيد يوسف عبد الفتاح في 9/5/1990م عن موت د. علي فضل بالتعذيب في السجن فكانت الاجابة "هذه اشاعات لقد مات بالملاريا".
    ومنذ فترة وجيزة سئل احد قادة النظام عن حقيقة بيوت الأشباح وما كان يمارس فيها من تعذيب جسدي ومعنوي فكانت الاجابة مرة أخرى "هذه إشاعات".
    إن السكوت عن بيان هذه الحقائق يفتح المجال لطمسها ونسيانها ومن ثم ضياعها ولذلك لابد من تعرية وفضح جميع ممارسات التعذيب وكافة أوجه انتهاكات حقوق الانسان ومصادرات الحريات الأساسية توثيقاً واثباتاً وتاريخاً لها.
    لقد قرأنا في الصحف الصادرة خلال الأسبوع المنصرم خبراً عن استمرار نفس وسائل التعذيب لبعض الطلاب في جامعة أم درمان الإسلامية وفي غيرها مما يدل على أن هؤلاء الزبانية لا يزالوا في طغيانهم يعمهون ومما يعني ان السكوت يغري بممارسة هذه البشاعات مرة اخرى وبأساليب جديدة ولذلك رأيت ان أنشر تجربتي اضافة جديدة قديمة لتجربتي د. فاروق محمد إبراهيم وعمار محمد آدم سيراً على نهجهما، وادعوا الآخرين لتوثيق وتسجيل تجاربهم في هذا المجال.
    * معاملة السجون:
    عندما وقع انقلاب الانقاذ كنت مشاركاً في مؤتمر المحامين العرب في سوريا وعند عودتي إلى السودان في 4 يوليو 1989م اعتقلت في مطار الخرطوم لبضع ساعات وبعدها بعشرة أيام تم اعتقالي وحبسي ادارياً لمدة اربعة أشهر بسجن كوبر ثم افرج عني لمدة اسبوع وتم اعتقالي مرة اخرى لمدة أربعة أشهر امضيتها بين كوبر وسجن بورتسودان ثم اعتقلت مرة ثالثة لمدة ثمانية أشهر لقد امضينا تلك المدة بسجن كوبر بأقسامه المختلفة وبسجن بورتسودان.
    وأشهد بأنه طوال الستة عشر شهراً التي امضيتها بين سجني كوبر وبورتسودان كنت وغيري من المعتقلين نتلقى معاملة عادية ولم نسمع أي سباب أو إهانات جارحة أو ألفاظ نابية ولم يقع علينا أي اعتداء وكنا نعامل وتصان حقوقنا وفق لوائح السجن وقد كان ضباط السجون وأفرادها يعاملوننا بكل مودة واحترام طوال مدة الاعتقال.
    تجربة بيوت الأشباح
    صدمة البداية:
    لقد جاء الاعتقال في المرة الثانية بعد منتصف الليل في 10/11/1989م واخذت في عربة بوكس تايوتا وكان معي في نفس العربة المرحوم المهندس/ عبد الله السني والمحامي عبد الرحمن الزين والمهندس عبد الجليل محمد حسين وقد عصبت اعيننا حتى لا نعرف الجهة التي سوف نؤخذ اليها وتوالت علينا الاهانات والضرب منذ بداية الاعتقال فسأل المشرف على الاعتقال المرحوم المهندس عبد الله السني هل لك سكرتيرة وعندما اجاب بالنفي ضربه بمؤخرة البندقية بقوة على صدره ولقد ظل أثر تلك الضربة بارزاً وظاهراً على صدر المرحوم السني حتى فارق الحياة.
    ثم بدأ سيل الاهانات والشتائم والألفاظ النابية دونما مبرر أو أي سبب ولقد تجملنا بالجلد وقوة العزيمة والصبر على المكاره.
    وعندما وصلنا إلى مكان الاعتقال طلب منا ان نقف معصوبي الاعين إلى جوار احد الأعمدة وبدأ الزبانية يركلوننا بأقدامهم وينهالون علينا ضرباً بالأيدي وعندما اعترضت على ذلك ضربني احدهم بسوط على صدري وظهري فما كان مني إلاَّ أن أمسكت ذلك السوط وأخذته منه بقوة تربال وتمكنت من نزعه منه ورفعت العصابة عن عيني فوجدت انه يغطي رأسه بطاقية من صوف تغطي وجهه حتى ذقنه وليس بها سوى فتحتي الأعين وليست بها فتحات للأنف أو الفم وسألني "ماذا تريد ان تفعل لي هل ستضربني" فأجبته بالايجاب وخاطبته بألفاظ حادة يستحقها ولكني وجدت العذر في قوله سبحانه وتعالى:
    "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليما"
    كنا مظلومين ولقد ذهب الرد الحاد ببعض غيظ قلبي وبعد ذلك ارجعت له السوط فاحجم عن ضربي ولم يكررها مرة أخرى وبعد ذلك اجلسنا ولكني ندمت عليها لأن ذلك ليس من طبعي ولا خلقي واجلسنا على الأرض معصوبي الأعين وإذا بمقادير كبيرة من الثلج والمياه الباردة تصب علينا بالجرادل وكان منظراً بائساً ومزرياً ومؤلماً للغاية.
    وقد مكثنا على تلك الحالة باقي تلك الليلة وفي اليوم التالي اخذوني والثلاثة الذين اعتقلوا معي معصوبي الاعين إلى غرفة ضيقة وقفل علينا بابها من الخارج وكنا نشعر بوجود مياه تحت أقدامنا وراوائح نتنه وكريهة وحر شديد.
    وبعد قفل باب الغرفة نزعنا الاربطة عن أعيننا فوجدنا اننا محتجزون في دورة مياه قديمة بها مياه راكدة ولم يكن من الممكن ان نجلس في تلك المياه وهي تغطي حتى منتصف الساق.
    وكان لزاماً أن نباشر في غرفة تلك المياه واخراجها من تحت باب ذلك الحمام القديم وبالفعل نزعنا ما كنا نرتدي من قمصان او عمائم وجلابيب وبدأنا في شطف تلك المياه بغمس ملابسنا فيها ثم عصرها تحت الباب حتى تخرج تلك المياه الآسنة.
    وللاستمرار في هذه العملية كان لابد أن تكون بالتناوب يقوم بها اثنان ويبقى اثنان على جانب لضيق المكان. لقد استمرت تلك العملية لمدة خمس ساعات متصلة وبعد ان انهكتنا وضعفت قوتنا تمكنا من نزح تلك المياه.
    ولضيق الحمام لم يكن من الممكن ان نجلس نحن الاربعة فيه ناهيك عن رقود او راحة واتفقنا على ان نتناوب بأن يجلس اثنان ويقف اثنان وهكذا وقبل أن يبدأ ذلك التناوب سألنا احد الحراس من خارج الباب المغلق "هل تمكنتم من تجفيف ارضية الحمام؟ وعندما اجبنا بالايجاب قال "مبروك ارتاحوا" وخلال دقائق معدودة بدأ تدفق المياه قوياً من ماسورة مكسورة قفلها أو مفتاحها خارج الحمام فقد قام الحارس بفتحه ليعود تدفق المياه لتملأ وتغرق المكان مرة أخرى.
    رغم مرور هذه السنوات الطوال التي تزيد على الست عشر عاماً لا يزال ذلك الشعور بالغيظ الكظيم العميق والألم الممض ينتابني ويؤرقني بسبب تلك التصرفات المهينة واللا انسانية واقسم وقتها لو كنا تمكنا منه وقتئذ لقضى احدنا على الآخر.
    ورغم شعورنا بالألم والمهانة والغيظ إلاَّ اننا قررنا عدم (شطف) المياه مرة أخرى حتى لا تتكرر العملية ويعاود فتح الماسورة وتصبح امر مسلياً له ومتلفاً لأعصابنا.
    وأمضينا ليلتنا تلك والجميع وقوف وظل الحال هكذا حتى عصر اليوم التالي.
    واكتشفنا في تلك الليلة ان اي انسان له قوة كامنة هائلة ان فجرها صار في مقدوره ان يتغلب على اصعب واقسى الظروف وان يتعايش معها هل يصدق احد ان يقوى شخص على الوقوف وتحته مياه ترتفع حتى منتصف ساقيه يقاسم ثلاثة أشخاص آخرين ذلك الحيز الضيق ويغفوا غفوة هي بين منزلتي النوم والصحو.
    وفي عصر اليوم التالي فتح احد الحراس الباب وسمح لنا (بشطف) تلك المياه وتنظيف الحمام، وبعد تجفيفه قمنا بعد بلاطات الحمام الصغيرة وكانت تسع بلاطات طولاً وخمس بلاطات عرضاً أي أن مساحة دورة المياه التي حشدنا فيها كانت متراً مربعاً ونصف المتر.
    ولقد مكثنا في ذلك المرحاض الشديد الضيق المقفل بابه من الخارج بلا منفذ للتهوية سوى (شباك) جد صغير في أعلاه طوال مدة اعتقالنا في بيت الأشباح ذاك لمدة شهر كامل.. وهؤلاء الزبانية الطغاة يسومونا سوء العذاب ضرباً وركلاً بالأقدام وألفاظاً نابية وجارحة وكل ذلك بغياً وعدوا.
    الطعام والشراب:
    في حوالي الخامسة من عصر اليوم التالي احضروا لنا اربعة (سندوتشات) من الفاصوليا وكانت مليئة بمقادير كبيرة من (الشطة) وعندما اعترضنا على ذلك قالوا هذا طعامكم لكم أن تتناولوه او تتركوه فقمنا بإخراج الفاصوليا وأكلنا ما تبقى من الرغيف.
    ولقد ظل موعد تناول تلك الوجبة الوحيدة ثابتاً طوال شهر قضيناه في بيت الأشباح وظل الطعام هو الفاصوليا الملغومة بالشطة التي تراكمت بقاياها داخل المرحاض مما جعل لها رائحة نتنة تأذينا منها وتعايشنا معها.
    أما عن مياه الشرب فحدث ولا حرج ذلك إننا طوال تلك الفترة لم نشرب إلا من ابريق وضع في دورة المياه التي كان يسمح لنا بالذهاب اليها مرة واحدة في اليوم وهو لم يكن من نوع أباريق البلاستيك العادية وإنما كان علبة من الصفيح او شيء من هذا القبيل ضغطت في وسطها وتركت بها فتحتان من الجانبين مثل النوع المستعمل في الخلاوي والأسواق الشعبية وهو أبريق صدئ وفي مكان ملوث وكنا نشرب منه مرة واحدة في اليوم.
    وبدأ أذى الحرمان من الأكل والشرب إلى أن فقدت شخصياً ثلاثين كيلو جراماً من وزني خلال شهر واحد ورب ضارة نافعة.
    قضاء الحاجة:
    وإذا كان للوجبة الواحدة موعداً ثابتاً فلم يكن لقضاء الحاجة مرة واحدة في اليوم موعد يحدد الحاح الحاجة وانما يحدده مزاج أولئك الحراس فيختارون لكل منا وقت قضاء حاجته وفق اهوائهم فقد يكون آخر الليل أو أول الصباح أو منتصف النهار او أي وقت يحلو لهم وفي كل الأحوال فقضاء الحاجة كان محظوراً لأكثر من مرة واحدة في اليوم. ولقد حرصنا على أن نتناول أقل قدر من المياه لعدم نقائها وحتى لا نضطر لاستعمال دورة المياه المحظور علينا استخدامها إلاَّ مرة واحدة في اليوم يحددها الزبانية كيفما اتفق ولا تحددها حاجتك.
    وكان يخرجوننا من المرحاض حيث كنا نعتقل إلى دورة المياه الأخرى معصوبي الأعين واذكر إنني كنت انتعل (سفنجة) وكانت لهم ممارسات صبيانية معها وهي ان يضغط الواحد منهم على آخر (السفنجة) أثناء سيري معصوب العينين ما يجعلني اتعثر حتى لاكاد أقع على الارض، فكان هذا مصدر فكاهة وتلذذ وسخرية لهم وأذكر في احدى المرات ان تعثرت بشدة وكدت أقع على الأرض فكان تعليقه امامي الحفرة التي دفنوا فيها د. امين مكي مدني وانا كنت أعلم أن د. أمين مكي مدني لايزال بسجن بورتسودان وقد كنت معه في زنزانة واحدة وأعلم أنه لم يطلق سراحه حتى تاريخ اعتقالي ولم ينقل لسجن كوبر ولذلك لم أعر ذلك الأمر أي اهتمام وبالتالي لم يتحقق للجلاد ما أراده منه.
    نواصل
                  

04-23-2007, 10:54 PM

Mohamed Omer
<aMohamed Omer
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 2369

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة فاروق محمد ابراهيم الى رئيس مجلس قيادة الثورة (Re: Mohamed Omer)

    ولا يزال التعذيب مستمراً الحلقة الثانية

    * التعرف على موقع احد بيوت الأشباح:
    في إحدى المرات وأنا ذاهب إلى دورة المياه تلك رفعت عن عيني عصابتها لأتعرف على موقع الاعتقال فلفت انتباهي عدد كبير من الصناديق الصغيرة مكتوب عليها "لجنة الانتخابات القومية" فعلمت إننا معتقلون في مقر لجنة الانتخابات القومية وهو المنزل الذي يقع جنوب غرب المصرف العربي للتنمية وحتماً كان هذا احد بيوت الأشباح.
    وما يثير الاستغراب إننا طوال تلك الفترة لم يتم التحقيق معنا سوى مرة واحدة وكانت اسئلة شكلية عن الاسم والعمر والمهنة ومقر السكن والمعتقدات السياسية ولا شيء غير ذلك.
    وكنت اعجب من ذلك التحقيق فكلها معلومات معروفة لجهاز الأمن وكنا نشعر بوجود معتقلين آخرين ولكن لم نكن نراهم وانما كنا نسمع اصواتهم وحركاتهم وبما ان جميع الحرس كانوا يرتدون تلك الطواقي الصوفية الكاسية حتى الذقن ولم نكن نراهم ولا نرى المعتقلين الآخرين وانما نسمع أصوات وهكذا جاء "مصطلح بيوت الأشباح".
    * وجبات التعذيب:
    كنا نسمع مخاطبة الحرس للمعتقلين في الغرفة المجاورة وكان أول اليوم يبتدي بالمناداة على المرحوم بدر الدين لأخذ الوجبة الأولى وبالطبع لم نكن نعرف أي نوع من التعذيب يتعرض له ولكن كنا نشعر به يعود متألماً متأوهاً.
    ثم كانوا ينادونه عند المغيب لأخذ وجبة المساء. ثم يخاطبونه بقولهم تشتكينا لعمر البشير خلي عمر البشير ينفعك هنا.
    وفي إحدى المرات جاء متألماً ويبدو نازفاً وسمعنا طرقات على باب الغرفة المجاورة والحرس يخاطبونهم بعباراتهم المعهودة "مالكم يا وهم" فنلقوا اليهم حال بدر الدين وجاء الرد "ما معاكم دكتور فاروق محمد ابراهيم خلو يعالجه" فرد عليهم فاروق بأنه دكتور في الزراعة وكان ردهم العجيب "ماكلوا واحد".
    ولم نكن نسمع طوال تلك الفترة من أولئك الحراس سوى هذه العبارة الفارغة "يا وهم".
    * السخرية المؤلمة:
    كما ذكرت فقد كنا نعيش في ذلك المرحاض النتن بمساحته البالغة الضيق وافتقاره إلى التهوية ومع بواقي الفاصوليا المتراكمة واجسامنا المتسخة وملابسنا القذرة ولم نكن قد سمح لنا بالحمام او الاغتسال طوال تلك الفترة بخلاف ما قد نغسل به أفواهنا من ذلك الابريق الملوث. ولا شك ان رائحتنا كانت منفرة ولكن أشد ما كان يحز في نفوسنا سخرية اولئك الحرس منا عند فتح الباب لمناداتنا لتناول (السندوتشات) أو لأخذ أحدنا لدورة المياه فكانوا يجعلون اصابعهم على أنوفهم ويخاطبوننا بقولهم "أنتم بني آدمين أم جيف"؟ وهم يعلمون انهم سبب كل تلك القذارة وما نكابده من ألم ومشقة.
    * الحرمان من الراحة أو النوم:
    بالرغم من أننا كنا معتقلين في ذلك المرحاض الضيق والذي لا تزيد مساحته عن متر ونصف المتر مربع وبالرغم من أننا كنا أربعة معتقلين في ذلك الحيز الضيق منعدم التهوية، وكانت تلك المساحة لا تسمح بأن نجلس جميعاً فيها ناهيك عن الرقاد او النوم، إلاَّ أن أولئك الزبانية وللمزيد من ارهاق اعصابنا فقد حرصوا على القرع على الباب في فترات قصيرة متفاوتة وبصفة خاصة اثناءالليل كل ذلك بغرض ان نظل يقظين طوال الوقت ولا ننال حتى تلك الغفوة القصيرة. ومن المؤكد أنهم قد درسوا كل أساليب وأصناف التعذيب قبل أن يطبقوها علينا.
    أضف إلى ذلك عصب الأعين في فترات الخروج البسيطة لدورة المياه مما يعني حرماننا طول فترة الاعتقال من أشعة الشمس وانعكاس ذلك على صحتنا.
    * منع العلاج:
    أنا شخصياً أعاني من ارتفاع في ضغط الدم ومن تضخم في عضلة القلب وأواظب على الكشف الطبي والعلاج من الدكتور القدير سراج أبشر.
    ومنذ اليوم الأول اخطرتهم بذلك وبأني لم يسمح لي بأخذ الأدوية معي وطلبت منهم الاتصال بالأسرة لاحضارها ولكنهم رفضوا بصورة قاطعة وفي احدى المرات اصبت بإغماء بسبب ارتفاع درجة الحرارة وانعدام التهوية فخبط الاخوة في الحمام على الباب بشدة حتى اتى من ينادي "مالكم يا وهم" فاخبروه بالحاصل فقال "يعني ايه ما يموت او تموتوا كلكم بتساوا شنو يا وهم".
    ومع الاصرار على خبط الباب والقرع بشدة فتحه لبعض الوقت إلى ان افقت من تلك الغيبوبة وعلمت منهم تفاصيل المواقف التي ذكرتها وتم قفل الباب بعد ذلك ولكن لم يسمحوا لي بأي علاج أو باحضار الأدوية المطلوبة.
    * منع العبادة:
    ومنذ اليوم الأول طلبنا منهم السماح لنا بالوضوء واخراجنا في أوقات الصلاة سواء فرادي او جماعة لآداء الصلوات في أوقاتها فكان الرد "انتم مالكم ومال الصلاة وهل انتم مسلمون" يا سبحان الله ورددنا بتذكيرهم بقول الحق سبحانه وتعالى في سورة العلق:
    (ارأيت الذي ينهي، عبداً إذا صلى، ارأيت إن كان على الهدى)
    ولكن ذلك لم يحرك فيهم ساكناً بل زادهم إصراراً واستكباراً على منعنا من الوضوء والصلاة. ورفعنا أمرنا إلى الله وشكوناه له سبحانه وتعالى. ونعلم ان الصلاة لا تسقط عن المسلم في كل الأوقات ولكن لم يكن من الممكن ادؤها في ذلك المكان القذر وعلى غير طهارة فأديناها في قلوبنا وقمت بقضائها بعد ان انتقلنا إلى سجن كوبر.
    * اللهم لا غل ولا حقد:
    نحن نتعرض لك تلك المعاني وتلك الانتهاكات والآن وبعد كل هذه السنوات لا أجد في نفسي أي غل أو حقد على أولئك الحراس.. فقد كانوا أدوات وقطعاً من رقعة الشطرنج وأشعر أنهم ضحايا مثلنا تماماً لقد غسلوا ادمغتهم وسيطروا على عقولهم ومسخوا شخصياتهم ونزعوا عنهم آدميتهم وأفهموهم إن كل الذي يقومون به انما هو من اجل تمكين الاسلام والاسلام برئ مما يفعلون.
    أنا أقول هذا ولا أعفيهم من المسئولية ولكن أشعر ان المجرم الحقيقي والمسئول الأول هو الذي يحرك تلك الدمي الخشبية وهو الآمر بكل تلك الأفعال والموجه بفعلها وأياً كان موقعه في تراتبية نظام الانقاذ وهرمه وكل القابعين في قمة ذلك الهرم لانهم هم الذين اختطوا منهجاً يستحل كل حرام في سبيل استدامة سلطتهم. وأولئك المسئولون هم الذين يجب ان تطالهم المحاسبة هم الذين وجهوا اولئك الصغار بلبس تلك الاقنعة واعدوا تلك المنازل "بيوت الأشباح" لممارسة ابشع اساليب اذلال الناس واحتقار آدميتهم، وقد كانوا يحضرون بأنفسهم ويشاهدون تلك الانتهاكات ولعلهم كانوا يستمتعون بأنين المعذبين وآهاتهم.



    * قوة العزيمة والإرادة:
    لقد تمكن أولئك النفر من الجلاوزة والعسس والجلادين من تعذيب أجسامنا والحاق الأذى بها ولكنهم فشلوا في قهر ارداتنا أو النيل من عزيمتنا وكبريائنا والحق أقول إننا كنا كل ما زادت المعاناة والقهر قويت عزائمنا وازداد ايماننا بقضيتنا وازددنا اصرار على التمسك بكبرائنا وعجبنا لتلك القوة الخفية في الإنسان التي تجعله يصمد كل الصمود وينتصر على كل الأهوال والرزايا.
    * الانتقال إلى كوبر:
    وكما دخلنا تلك البيوت في منتصف الليل خرجنا منها في منتصف الليل في يوم 11/12/1989م فقد حضر الحراس في أول المساء وأخبرونا بأن أجلنا قد دنا إذ جاء وقت أخذنا إلى الدروة وتنفيذ الاعدامات، وجمعونا في تلك الليلة ولأول مرة عرفنا أسماء جزء ممن كانوا معنا واحضروا حافلة ووضعونا فيها ونحن لا نزال معصوبي الأعين وتحركت العربة لا ندري إلى أين؟ وكنا نسمع أصوات البنادق وأصوات حراس آخرين حتى لقد صدقنا لأول مرة أن تلك هي الدروة وعندما طلب منا رفع عصابات الأعين وجدنا أنفسنا في بوابة سجن كوبر.
    هل تصدقوا إن أحداً يفرح لدخوله السجن كما يفرح لذهابه لمنزله؟ والله لقد فرحنا عندما علمنا أننا انتقلنا لسجن كوبر فقد كان في ذلك خلاص لنا من ذلك العذاب المقيم، فنحن نعلم أن ضباط السجون كما عهدناهم أكثر التزاماً بقوانين السجون وأكثر حرصاً على انفاذها ولن ينالنا منهم أذى او اهانات او انتقاص من اي من حقوقنا كافة.
    * المفاجأة داخل سجن كوبر:
    في الساعات الأولى من الفجر حضر مدير سجن كوبر اللواء م. الكامل محمد سليمان وعندما قدم له الحرس الأمر بإدخالنا سجن كوبر وشاهد حالتنا رفض استلامنا. وقال انه لا يمكن استلام معتقلين بهذه الحالة وبعضهم مشرف على الموت وهذه مسئولية بالنسبة له وبالنسبة للسجن لذلك أخطر حرس الأمن بإرجاعنا من حيث جئنا.
    وكنت أعرف الكامل معرفة شخصية امتدت منذ تزاملنا بالدراسة في مدرسة مروي الوسطى وأنا في ثلاثة دفع قبله دفعه في المدرسة وتربطني به صلة قربى، وعندما كنت أعمل قاضياً مقيماً في مدينة الدامر سنة 1970م كان هو ملازماً أولاً في سجن الدامر فاخذته جانباً وشرحت له أين كنا وبايجاز ما تعرضنا له من صنوف التعذيب والانتهاكات وانه اذا اراد أن يخدمنا فعليه أن يقبل بإدخالنا سجن كوبر.
    ففكر ملياً وتشاور مع نائبه العقيد م. موسى أحمد الماحي ثم اجاب حرس الأمن بأنه سيقبل بإدخالنا السجن ولكن شريطة أن يتم كشف طبي علينا جميعاً بواسطة أطباء السجن وكتابة تقرير طبي عن حالة كل منا.
    وبالفعل قام بإجراء بعض الاتصالات وحضر طبيب السجن على عجل وقاموا بإجراء الكشف الطبي على كل منا ووصف الحالة ولقد تحصلت منظمة العفو الدولية على نسخة من ذلك التقرير وقامت بنشره وتوزيعه بواسطة فروعها في كل العالم مع صور لبعض من كانوا في بيوت الأشباح. ولا يفوتني في هذا المقام إلاَّ الإشادة باللواء م. سجون الكامل محمد سليمان ونائبه العقيد م. موسى الماحي فقد كانت معاملتهم لكل المعتقلين تحفظياً بسجن كوبر يسودها الاحترام وتوفير كل الحقوق من غذاء وعلاج وكتب ورياضة بل ادخل التلفزيون وكانت النتيجة إحالة كل منهما للمعاش المبكر بحجة معاملتهم الطيبة للمعتقلين.
                  

04-23-2007, 10:57 PM

Mohamed Omer
<aMohamed Omer
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 2369

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة فاروق محمد ابراهيم الى رئيس مجلس قيادة الثورة (Re: Mohamed Omer)

    ولا يزال التعذيب مستمرا

    الجوانب المشرقة والمضئية في التجربة




    الان وقد خلصنا من تسجيل تجربة بيوت الاشباح بكل مرارتها وقسوتها وقيمها يتحتم علينا القاء الضوء على الجوانب الايجابية والمشرقة في تلك التجربة.
    1.الحارس الفلتة :
    لا شك ان اولئك الزبانية والحرس كانوا نتيجة تربية خاصة وغسل لادمغتهم ولكن رغم ذلك فلم يكونوا جميعا من طينة واحدة ولا قوالب من طوب فالاغلبية كانوا اصحاب تلك النفوس المريضة منعدمة الانسانية الا ان احدهم لفت انتباهي لمعاملته المختلفة فكان حينما تحين ورديته لاخذى إلى دورة المياه لا يقوم بتلك الاعمال الصبيانية مثل باقى المجموعة ، فكان يتكلم معى بصوت خافت مشجعا وموصيا على الصبر والاحتمال وكان يسمح لى برفع العصابة عن وجهي بعض الشئ حتى ارى الطريق وان افعل ذلك بصورة لا تلفت الانتباه حتى اصل بسلام ولانه كان يسير خلفى فلم اكن ارى ملامحه ومن المؤكد ان ما يقوم به لم يكن دورا مرتبا ومرسوما كما قد يتبادر إلى الذهن كما هو معروف في لجان التحقيق والتحريات من تبادل للادوار بين الشدة واللين بل كانت تلك طبيعته الانسانية ونفسه السمحة ، ورغم انهم كانوا يستعملون اسماء رمزية فلم اعرف اسمه ولكن ظل صوته الخافت الهادئ محفورا ومطبوعا في ذاكرتي وساتعرف عليه متي ما سمعته وحمدا لله فالدنيا لا تزال بخير.
    2.التصوير والنشر :
    في اليوم التالى مباشرة لدخولنا للحبس الانفرادى وقد حول معنا من ذكرت من داخل سجن كوبر فوجئت في الصباح الباكر بالاستاذ التجاني الطيب يمر على وهو يحمل كاميرا وطلب مني الكشف عن صدرى وظهرى لتصوير اثار الضرب وفعلت ذلك ولقد اندهشت في بادئ الامر عن كيفية حصوله على الكاميرا وبتلك السرعة الفائقة وبالفعل صور بعض من كانوا معنا وتم ارسال تلك الصور إلى منظمة العفو الدولية والتي بادرت بنشرها وتوزيعها عبر شبكتها في كل العالم ولم يمض كبير وقت حتى تسلمت نسخ منها داخل السجن ومعها مناشدتهم للرئيس البشير بشجب الاعتقال التحفظى والتعذيب ومناشدتهم له باطلاق سراحنا.
    ولقد تعلمت ان الانسان قادر على ان يطوع كل الظروف لمصلحته وان لا يضعف ويستكين.
    3.الرموز القدوة :
    لا شك ان المعتقلين كبشر تختلف شخصياتهم وقوة احتمالهم فهنالك من تجده يعيش في المعتقل بصورة طبيعية ودون هلع او انفعال ومنهم من يستغرقه التفكير في اسرته وزوجته واطفاله وكيف يتدبرون معيشتهم وحالهم بعده بحيث يؤدى به ذلك التفكير إلى الضعف والاستكانة والانكسار واجهزة الامن تراقب وتتابع لتلتقط تلك الحالات.
    ولكن كان من بين المعتقلين ايضا رجال رموز وقدوة للاخرين بقوة شخصيتهم وتمتعهم بالصبر والاحتمال والجلد ، فكانوا يلتقطون بسرعة تلك الحالات قبل رجال الامن ويشجعونهم على الصبر وقوة الارادة وقد كانوا بالفعل رموز تحتذى ونبراسا مضيئا للجميع ولابد ان نذكر من اولئك القدوة الامير نقد الله نسأل الله ان يسبغ عليه الصحة والعافية والاساتذة محمد ابراهيم نقد والتجاني الطيب والفنان المبدع محجوب شريف.
    فقد كنا نشعر بانهم يعيشون فترة الاعتقال وكأنهم في منازلهم لا وهن ولا ضعف وخور بل ان الاستاذ التجاني كان يلاحظ حتى السلوكيات الضارة في الغذاء ومع انعدام الرياضة ومع ذكر الحاج عبد الرحمن نقد الله لا يفوتني ان اذكر انني في احدي الليالي انتبانى الارق نتيجة اصابتى بمغص حاد وبعد منتصف الليل سمعت همهمة وصوت ضعيف من الزنزانة المجاورة حيث كان يقيم فذهبت اليه فوجدته على فروته يتعبد ويتلو القرآن فيا سبحان الله هذا الرجل الصوام القوام الزاهد المتعبد المتبتل يعتقل باسم الاسلام.
    4.الشخصيات المرحة :
    وبقدر ما كان اولئك الرجال الذين ذكرناهم نبراسا وقدوة ومثلا يحتذى للاخرين فقد كانت هنالك شخصيات تقوم بنفس الدور ولكن بطريقة مختلفة فقد كان من بينهم من تجده مصدرا للمرح واطلاق النكات ومقدرة على التمثيل والمحاكاة الامر الذي يجعلك تنسى السجن والاعتقال ويبعث في نفسك المرح والبهجة ومن ابرز تلك الشخصيات الصحفى محمد محمد خير فقد كان مصنعا للنكات وجالبا للمرح والبسمة بقفشاته المستمرة وحكاياته عن تجاربه في تشاد وغيرها كما كان معينا لا ينضب للاخبار منها الحقيقي والاخر من عندياته لرفع المعنويات واوصى كل من يعتقل مرة اخرى بان يطالب باعتقال محمد محمد خير معه.
    ولقد فوجئت به في احد الايام وبعد ان تناولنا طعام الفطور يخرج شنطتي الصغيرة من تحت السرير ويعبث بمحتوياتها ويستولى على ما بها من صابون ومعجون وامواس حلاقة وكل ما هو مفيد ما عدا ادويتي الخاصة وسألته ماذا تفعل فقال مبروك افرج عنك ولم استغرب فقد كان من ضمن لجنة الغذاءات الامر الذي يمكنه من مقابلة ادارة السجن كل صباح ومعرفة الاخبار وبالفعل تم الافراج عني.
    ولكنها حرية لم تدم فقد اعيد اعتقالى بعد اسبوعين وتلك قصة اخرى
                  

04-23-2007, 10:59 PM

Mohamed Omer
<aMohamed Omer
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 2369

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة فاروق محمد ابراهيم الى رئيس مجلس قيادة الثورة (Re: Mohamed Omer)

    اعدام الشاب مجدي وقضايا التعذيب

    محجوب عثمان
    كُتب في: 2006-06-19



    وفاءا لما التزمنا به بشأن مواصلة الكتابة عن قضايا التعذيب من كل جوانبها حتى نصل يوما إلى مرفأ يعيد لمن ظلموا حقهم وبسط العدل عقوبة لمرتكبي كل اثم ونبدأ اليوم بمساهمة المواطن حركي عبد الرحمن حريكة (الاسكان خشم القربة) الذي كتب لنا رسالة مطولة يحكي فيها قصة الشاب الذي اعدم في ديسمبر 1989م وهو السيد مجدي محجوب محمد احمد والذي لم يكن له من ذنب الا وجود مبلغ من الدولارات الامريكية في بيت الاسرة في الخرطوم (2) ومجدي ينتمي لاسرة لها باع واسع في اعمال التجارة والمقاولات ولم يك غريبا ان تكون في خزينته دولارات.الكاتب يروي المأساة خطوة خطوة ويصل حتى قرار الشنق واعطاء تصريح للسيد عاصم جمال محمد احمد لتسليم الجثة ويعجب الكاتب من الذي خرب الاقتصاء السوداني هل هو مجدي الذي كانت عنده بعض الدولارات ام النظام الذي جاء وكانت 15 جنيها سودانيا او 13 تساوي الدولار الامريكي فاذا هي اليوم في ظل النظام الذي قتل مجدي وكذلك قتل الطيار جرجس قد بلغ 2200 جنيها بالتمام والكمال. تحدث الكاتب عن مساهمات مجدي واسرته في بناء الاقتصاد السوداني، من ذلك أنشاء اول شركة تأمين سودانية وهي شركة التأمينات العامة والبنك التجاري السوداني ومد خط السكة الحديد إلى واو وتثق السيد حركي عبد الرحمن ان العدالة يجب ان تتحقق يوما ما ويسرد كثيرا من امثلة التاريخ التي تؤكد ان الظلم لا يمكن ان يستمر إلى الابد وان الظالم يجب ان يلقى جزاءه يوما اذا كان ظلمه بالتعذيب او بالقتل الذي حرمه الله . نشكر الكاتب الدكتور فاروق محمد ابراهيم على مقالاته التي شرح فيها التعذيب الذي تعرض له وذكره من عذبوه او اشرفوا على تعذيبه بالاسم ولكن الكاتب يعيب على الدكتور فاروق ويعارض اقتراحه الخاص بالعفو . وكما قال الكاتب في صدر مقاله (الساكت عن الحق شيطان اخرس) فأننا نلتزم بالمتابعة كما اسلفنا وهذا العمود يرحب بكل الاسهامات في قضايا التعذيب والمعذبين .




    (عدل بواسطة Mohamed Omer on 04-23-2007, 11:00 PM)

                  

04-24-2007, 00:09 AM

Elbagir Osman
<aElbagir Osman
تاريخ التسجيل: 07-22-2003
مجموع المشاركات: 21469

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة فاروق محمد ابراهيم الى رئيس مجلس قيادة الثورة (Re: Mohamed Omer)

    فوق
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de