|
|
 رسالة الي شارون : انك حقا تثير الرثاء
|
خطاب مفتوح إلي شـارون : انك حقا تثـير الرثـاء !!
خـالد عـويس **
جرت العادة علي مخاطبة رؤساء الوزراء والزعماء ب (سيادة الرئيس ) , ولكن حين يتعلق الأمر بكم ,يصبح من العسير قرن هذا اللقب بمن يقود المنطقة كلها إلي الجحيم ! لعلك تدرك أننا الآن نتعامل مع الهولوكوست الفلسطيني مثلما تتعاملون مع الهولوكوست اليهودي , وتمعّن في اقتران صورتك في أذهان كل الأطفال العرب يصورة الهر أدولف هتلر في أذهان اليهود !!.
لا ننكر انك جئت إلي سدة الحكم بإرادة شعبية ، لكنها إرادة سوداوية تعكس خللاً في مجتمعكم الذي لم يعتبر بما جررته له من عزلة وتشويه علي أيام صبرا وشاتيلا فأعادك إلي الحكم في تل أبيب لتمارس هوايتك القديمة في إضفاء دراما تيكية فظيعة علي مسرح الشرق الأوسط المتزعزع أساسا .لا ألومك في بحثك عن الأمن لشعبك لكن مثل هذا الهدف الأخلاقي النبيل يستحيل إلي كابوس مرعب وعبء أخلاقي باهظ الثمن حين يتأسس علي جثث الأطفال ودماء الأبرياء الذين دفنتهم تحت أنقاض مخيم جنين !!
(جنين) التي أردتها حدثا دموياً يثير الرعب ويكسر الصمود الفلسطيني , تحوّلت إلي حدث يثير قرف العالم واشمئزازه المفرط من زعيم سياسي لم يكتف بما ولغه في صبرا وشاتيلا فإذا به يقلب امعاء العالم مرة أخرى بمرأي الدمار الذي أنجزته بمهارة تحسدك عليها الشياطين !!
لم يتعود الإعلاميون العرب علي مخاطبتك , ربما لأنهم قانعون تماما من بقية الضمير الإنساني فيك , أنا اكسر هذه القاعدة,لست لأنني لا املك قناعتهم و لكن ألم تحس يوما بحاجتك إلي مخاطبة هتلر مباشرة ؟ ... ولهذا السبب لا تتوفر لديّ أي قناعة بمخاطبة اقل ذرة من إنسانية فيك , الحقيقة أنني أسىء بعبارتي هذه – في مجال التمييز – لمخلوقات أخرى تشعر بتعاطف مع صغارها وصغار الآخرين , ما أسوأ أن ينحدر الإنسان في مشاعره العنصرية حد أن يدهس الطفولة !!.
لا شك أنني قد أمارس عليك اقسي أنواع العقاب الذاتي اذا وضعتك في حيز مقارنة مع زعيم, كان يعتد بعرقه ولونه ويناضل من اجل امن شعبه ورخائه – مثلما تفعل أنت - لكنه اختار الاساليب المناقضة تماما , و أنجز حرية شعبه دونما استهلاك للدماء كما تفعل أنت , والحقيقة أن مانديلا عبر تاريخه المضيء قاد شعبه لمنجز ضخم علي الصعيد الحضاري وعمّق الاحساس بأن ديموقراطية جنوب أفريقيا اتسعت للمفاهيم الإنسانية في مضمار بحثها عن موطئ قدم وسط المقاييس الحديثة , والحقيقة أنها لم تخرج من المؤسسة العسكرية لتؤمن بمبدأ أحادية الفعل وتزيّن نفسها دون أن تغطي سوءتها المكشوفة كما تفعلون ، والواقع ان (مانديلا) هو الرجل الذي يصح ضربه مثلا مخالفا بمائة وثمانين درجة .
أعرف انك قلق ازاء اهتزاز صورة إسرائيل في العالم اكثر من قلقك علي ضميرك الذي سدت الاحقاد في وجه كل النوافذ , بعثت بايهود باراك لتحسين صورة إسرائيل لدي الدوائر التي تكن لكم محبة , أليس مخزيا أن نبحث عمن يحسّن صورتنا ويغسل الدماء عن أيادينا الملطخة ولما تكتمل جريمتنا بعد ؟ وأدرك أنك أكثر قلقا من (لجنة تقصي الحقائق) فالثمن السياسي الذي دفعته نظير (صبرا وشاتيلا) كان عاليا ... علي المستوي السياسي بالطبع ، اذ تتعذر حقا محاسبتك علي الصعيد الانساني !!
لا تحتاج لجنة تقصي الحقائق لبحث وتنقيب في زمن الانفجار المعلوماتي ، و(جنين) لم تفضحك وحدك ، انها تفضحنا جميعا وتشكك في انتمائنا للانسانية ، فكل ما فعلته (الانسانية) لم يرق الي درجة الفعل الحقيقي ، لكنكم اطلقتم أوصافا (بذيئة) علي تدخل الامم المتحدة ووصف (نتنياهو) بحث الامم المتحدة المسألة العالقة والدماء الفلسطينية ب(التدخل الوقح) ، حسنا ... لماذا لم تطلقوا ذات الوصف علي تدخل الامم المتحدة بخصوص (مزارع شبعا ) التي يعترف العالم أجمع بأنها لبنانية ويغض الطرف عن احتلالكم لها ؟
أنت تبحث عن أمن شعبك , ومعك كل الحق في استخدام الأساليب كافة التي تكفل ذلك , ولكن أيّ شعب في الدنيا يؤثث لبقائه علي اشلاء الأطفال ، لن أذكرك بأن الغايات النبيلة تعوزها وسائل نبيلة فأنت اجدر بالرثاء والشفقة لا الاستذكار ولن اقول بأن شعبكم الذي لا زال يستذكر الهولوكوست ويعهّر به الإنسانية كونه وصمة عار في التاريخ البشري , ضل طريق النبل واختار اكثر الوسائل دناءة – عبركم – لتأمين سلامته, لا ، لأن بعض مواطنيكم تصدوا لحكومة الجنرالات التي تقودونها , وتقدموا بخطوات ثابتة لتقديم مساعدات إنسانية لرئيس السلطة الفلسطينية المحاصر بواسطتكم وللمحاصرين داخل كنيسة المهد التي جعلتموها (باستيل ) جديداً , وللغرابة فان رصاصكم لم يستثني مواطنيكم الشرفاء , في أبدع صورة يمكن أن تقدمها دولة (ديمقراطية) تحترم الحقوق وتكفل (حرية التعبير) !!
أنت لا تدمر السلطة الفلسطينية فحسب , الحقيقة انك تدمر البناء الديموقراطي في إسرائيل , وتدفع مواطنيك إلي التذمر من السلطة العسكرية التي تبطش بهم ولا تعير اراءهم أية قيمة .
والواقع انك لا تشن حربا مجنونة ضد الفلسطينيين والعرب وحدهم , حربك المجنونة استهدفت الإنسانية جمعاء فحيثما ارتفع صوت يندد بقتلك الأطفال وارتكابك جرائم هزت الضمير الإنساني , توجهت بلسانك اللاذع لمهاجمتهم واتهامهم بمعادة ( السامية ), هل يعقل أن يكون بعض الإسرائيليون (معادين للسامية) ؟ لن نتطرق إلي قضية تيري رود لارسن ولا إلي البرلمانين الغربيين الذين رددتهم علي اعقابهم , ولا الفرق الاغاثية والطبية التي تعامل معها جنودك باستهانة ، ولا اهانتك لدبلوماسيين يمثلون دولا اروبية ولا ذبح جنودك مراسلين وصحفيين ومصادرة بطاقاتهم ومطاردتهم واعتقالهم بغية منع العالم من الاطلاع علي (ديموقراطية الدولة العبرية) و الكيفية التي تجتثون بها الأرهاب كما تدّعون , دعنا نتطرق إلي نقاط اكثر حيوية ، هي كيفية جلب الاحترام إلي دولة استهانت بكل القيم الانسانية واستعدت العالم اجمع ماعدا اصدقاءها الدائمين في البيت الابيض كيف تعالج الخلل الذي جعل وزارة خارجيتكم بلا عمل سوي الاتجاه إلي واشنطن , وهي تتلقي تقارير يومية عن قرارات شجاعة من مختلف العواصم بقطع العلاقات معكم .. أنت تقود اسرائيل إلي عزلة دولية مقيتة وتراهن علي الولايات المتحدة وحدها . أي زعيم يهوي بأمته إلي هذا الحضيض ولا يحظي بالمجد التاريخي الذي يستحقه؟
لعلك لاحظت انني لم اشر ولو بشكل عابر لصبرا وشاتيلا التي تلاحقك جهات من اجلها , ولكنك تمعن في سعيك المتواصل بغية احتلال ابرز موقع تاريخي ضمن عتاة الهمجيين والدمويين في العالم بايقاع وحصد اكبر حصيلة من القتلي , ولا تأبه للعالم الذي يضج من حولك جراء المذابح التي ارتكبت علي يديك طالما ( الاصدقاء ) لا يعيرونها اهتماما وطالما أن العالم يكتفي بالضجيج فقط !!
تتحدثون عن افران الغاز ومحارق هتلر , ولكن ابليس نفسه لم يخطر بباله بقر بطون النساء وشنق الاجنة في بطون امهاتها , ابليس نفسه لم يشأ ان تكون طفلة في المهد (كايمان حجو) غريما له . ان اصرارك علي بلوغ الهدف علي هذا النحو يستوجب التغريظ علي مثابرتك ووفائك تجاه ما تؤمن به , ولكن ما هو الهدف بحد ذاته ,و أي قضية يقود الايمان بها إلي ارتكاب كل المحرمات بما فيها ذبح الأطفال والتنكيل بالنساء ,وهدم البيوت علي ساكنيها والتعرض للمساجد والكنائس ورجال الدين .
ندرك ان الفرق بينك وبين الذين ارتكبوا مجزرة رهيبة بحق الانسانية في 11 ايلول سبتمبر, لاشئ !, ولكن الاصدقاء يعتبرون التنظيم المعني وضحاياك علي نفس الشاكلة, ولو تخلي العالم عن نظرته المرتبطة بالمصالح يوما واحدا لأدرك بأن التنديد والشجب فحسب هو شراكة في جريمة كاملة وأنهم بالقدر ذاته الذي يحاصر المتواطئين مع الجماعات الارهابية يتواطؤون معكم في استكمال حلقات الجريمة التي بدأت في (دير ياسين) و(صبرا وشاتيلا ) و(بحر البقر) واستمرت في (جنين ) و( نابلس) والله وحده يعلم متي تنتاب العالم صحوة ضمير حقيقية ليضع لها حداً.
أفلحتم ومعكم اصدقاؤكم في وسائل الاعلام الحليفة إلي حد كبير في الصاق تهمة الارهاب بالعرب والمسلمين ,وروجتم لهذا الامر إل درجة استنفاذ الوسائل المتاحة والذرائع التي تمكنكم من استغلال 11 ايلول إلي اقصي مدي إلي درجة طرحت بمقتضاها تساؤلات في الغرب عن امكانية مشاركة الاصابع الخفية التي تديرونها في الفوضي العبثية التي ضربت الولايات المتحدة في ذلك التاريخ وحاصرتم العروبة والاسلام ككل جمعي بدلا من محاصرة(بن لادن) الذي طاولت هجماته عالمنا العربي بادئا قبل ان تبلغ ذراعه نيويورك, النقطة التي تدعوني إلي التفكير حقا هي ان ارهابيّ ايلول لم يحاصروا كنيسة ولا هدموا معبدا , بل ان طالبان نفسها اكتفت بتفجير تماثيل بوذا ووجدت المنظمتان ادانة واسعة من قبل العالم الحر , ولكن العالم الذي ابدي انزعاجه البالغ وتحرك لاقتلاع (الارهاب ) من جذوره , لم يبد الحرص ذاته ازاء مسّكم المباشر ومحاصرتكم كنيسة (المهد ) وترويعكم الرهبان المسيحيين بالرغم من امتعاض (البابا) مما يطرح اسئلة حيوية حول اولوية الاديان والمصالح .. ايهما نحترم وأيهما يحترم الآخرون الفاتيكان أم البيت الابيض الذي صمت عن الاعتداءات التي وقعت ضد كنيسة مهد(المسيح) ؟
لاشك ان دوائر كثيرة تخشي اعلامكم الذي يشهر سيف (معاداة السامية ) ويستذكر الهولوكوست في اطار ارهاب فكري وثقافي مستمر منذ خمسة عقود ,ولكنكم تتغافلون عن حقيقة أن السامية في حد ذاتها اصبحت جزارا يجيد التعامل مع رقاب ( العرب ) وان الهولوكوست الذي اضحي في طي التاريخ وذاكرة النسيان تجدد اليوم علي يديكم ولكنكم لم تشأوا الاستمرار في دور الضحية ,جنحتم إلي عكس الادوار وتمثلتم بكل التاريخ السوداوي للنازية التي تناصبونها العداء ولي ان اوجه سؤالي إلي العالم الحر هل نعادي النازية في افعالها ام نحصر معاداتنا لها في المصطلح واذا كانت اسرائيل بقيادة شارون تتفوق علي النازية في جرائمها البشعة التي اقشعر لهابدن الشرفاء في اسرائيل نفسها , هل يعوزنا تفكير طويل لانقاذ شعب كامل من تكرار حالة الهولوكوست التي يعانيها حاليا بدلا من اظهار تضامننا مع شعب مضت عقود طويلة منذ انتهاء (هولوكوسته) ؟
المجازر النازية التي اضحت جزء من تسويقكم لأنفسكم وتغطيتكم لجرائمكم لم تصل الي درجة ازهاق ارواح ( 1400) طفل ، أزهقتموها بدم بارد في فلسطين خلال 19 شهرا فقط ، ليست (ايمان حجو) أو (محمد الدرة) وحدهما صنعا هولوكوست ( الاطفال الابرياء) ، وانما ينضاف اليهما (139 طفلا آخرين .. ولو كان العالم يعي انحطاط أخلاقه ، وتعدي ولو بقدر يسير (الشجب) لما أنفق 50 ألف دولار لانقاذ (كلبة) علقت في ناقلة بحرية معطلة غربي هاواي وترك اطفال فلسطين عرضة لنيرانكم ، وأنتم تمنعون سيارات الاسعاف من انقاذهم مرحي لعيد الطفولة ومرحي مرحي لعيد الأم !!
ندرك أن الفظاعات التي ترتكبونها تجد التستر الكامل من قبل حلفائكم ، ويتكفل (حق النقض) بمصادرة اية رغبة في ادانتكم ، لكن الغفلة التي تراهنون عليها بدأت تتزحزح قليلا ، ماذا عن تأييد 68% من الامريكيين لقيام دولة فلسطينية حسب آخر استطلاع للرأي حيال الموضوع ؟ يا للخسارة ، لم تفلح CNN) ) اذن في التستر علي جرائمكم ، فضحت انحيازها جهات اعلامية أخري في آيسلندة وبلدان أخري بنشرها صورا تبرز الضحايا الفلسطينيين أمام بيوتهم المهدمة في حين بثت القناة المذكورة نفس الصور وذكرت أن القوات الاسرائيلية قامت بهدم بيوت للارهابيين وكان (الارهابيون) .... امرأة مسنة وقفت تبكي علي اطلال بيتها حسب الصحيفة الآيسلندية !!
الآن نفهم لماذا قذفوا ببعض الي (غوانتنامو) ولم يلحقوك بهم !!
** كاتب وصحفي سوداني مقيم بالرياض
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست