ترهلات مخّلة تصبغ الشخصية السودانية-الحلقة الاولى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 07:37 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-20-2002, 04:59 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ترهلات مخّلة تصبغ الشخصية السودانية-الحلقة الاولى

    مرئيات لمناقشة اختلالات البني السودانية وتفكيك العقل المستعار (1) - خالد عويس
    كنت قبل شهور طرحت رؤية مختصرة عن الوضع الفكري في السودان في (الزمان) حاولت ان اتأمل خلالها الحالة المتراخية للحركة العقلانية في السودان واتقصي منابع اختلالاتها وتأخرها عن طرق ابواب ومنافذ لتفكير ينفذ من خلال المسائل السطحية الي العمق بتركيز علي حزب الامة كواحد من اكبر الأحزاب واكثرها فاعلية، وحاولت جاهدا رصد ظواهر سالبة رافقت مسيرة السياسة والاجتماع في البلد، ووردتني جملة ردود ما بين ناقم ومؤيد لما ذهبت اليه، بعضها حصر الجهد في اطار الحزب من دون تبصّر للمدلولات التي تقود اليها حالة التأمل بحد ذاتها والتي تنطبق علي المجتمع السوداني بحسب ان مكونات هذه الاحزاب هي الفعالية الجماهيرية التي نقصيها دائما من أية مسؤولية يمكن ان تلقي علي عاتقها جراء سنوات طويلة لم نفلح خلالها في التقدم شبرا واحدا، في حين تحمس آخرون للنقاش وان تباينت الرؤي، وأعود اليوم لمواصلة ما انقطع من تأملات بخصوص الشخصية السودانية، فمن خطل القول تعليق كل الفشل الذي رافق الرحلة السودانية الطويلة علي الانظمة ليبرالية ــ شمولية ، وينبغي ان نقول بأن الخلل الاساس في السودان لا يتعلق بالبني التحتية وانما بأهم عنصر من عناصرها: الانسان!
    وبعدما فككنا المنظومات السياسية في السودان وتبيّن جليا حجم تصدعها الداخلي ومهارة التطبيب الذي تمارسه النخبة المتواطئة علي الدوام لاظهار الحال بعكس ما هي عليه وتضخيم الرؤي السياسية باحالتها الي الفكري علي الرغم من خلوها من المؤشرات الفكرية الواضحة وانحصارها في اطار الجهد الاستقطابي المرحلي، يتوضح ما نحتاجه من جهد لتفكيك رموز الشخصية السودانية المسؤولة عن هذا الترهل، فاسئلة جوهرية قد تقود باحثين الي فهم العلاقة الجدلية بين حالة التراخي والشخصية التي ترفده بعوامل التضعضع والخمول، فالتشوهات التي لحقت بأجيال تالية توّلدت عن انتقال خبرات غير مدعومة برؤي نقدية من اجيال سالفة، فتعاطي الاجيال مع بعضها عملية تلقينية بالكامل تتمحور حول محاور سبق ذكرها شيخ الطريقة ــ المدرسة ــ الاب ــ زعيم الحزب او يمكن القول بأنها دينية، تعليمية، اجتماعية تفرّخ أجيالاً غير قادرة علي وضع لمسات حداثية عبر اتجاهات وطرائق جديدة للتفكير في ما عدا التقنية، أي ان الذهنية نفسها استبطنت النسق المتكامل المضمر في أنسجة المجتمع المستلهم للتراث الديني والثقافي والاجتماعي، متي ما خرج عليه تداعت اليه الفئات والتكوينيات الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية لتجريده من أسلحته ومحاصرته، علي مستوي الفكر دلل التواطؤ الذي مارسناه بحق الشهيد محمود محمد طه الي أزمة حقيقية في الفكر، افرغ دعاوي الحق الانساني والجدل الحضاري من محتوياتها وخلّف واقعا قاتما يتضامن مع النسق ولا يخل به، وعلي المستوي الثقافي برزت تيارات داعية الي هدم النسق العروبي ــ الافريقي وبانية لتمازج تتقبله العقلية المتصلبة في الجنوب والشمال، قاده محمد عبد الحي وصلاح ابراهيم في ما يعرف بمدرسة الغابة والصحراء بوعي عميق بطبيعة التكوين الرافض لمثل هذه التذويبات، اعجب الكثيرون بنسقها المغاير علي مستوي اللغة والغرائبية التي تمتعت بها أعمالهم الشعرية والنثرية الا انهم استبطنوا مخالفة لها علي أرض الواقع، وسعي د. الطيب زين العابدين لتطويرها في ما اسماه بـ السودانوية التي كان يمكن ان تتطور، ولم تكن المعسكرات الثقافية المتناحرة بعيدة عن رصد تجربته لنحرها في مهدها اذ سرعان ما تشكلت مدرسة الواحد في التشكيل السوداني مستبطنة ذاكرة اسلامية وعروبية تتماهي تماما مع التيارات الاسلامية والعروبية واتضحت الحلقة تماما بعد تنفيذ الاسلاميون لانقلابهم الفكري الاجتماعي في السودان صبيحة الجمعة 30 حزيران (يونيو) عام 1989، فالانقاذ لم يكن حالة من رفض الفعالية السياسية ما قبل 1989 م فحسب، وانما تعدي ذلك الي محاولة اعادة صياغة الشخصية ، لكن الاسلاميين ارتكبوا مجزرة بحق التطور الفكري في السودان باعتبار ان السودان اقليما ثقافيا اسلاميا وعربيا، وهم ألغوا بذلك التلاقحات الحادثة بين التيارات التي كانت تكافح للتعمق في بطن النسيج السوداني، انحصر الجهد الانقاذي في توطين العروبة والاسلام بابتسار المكونات الخاصة بكل شعب وقولبة التاريخ والحاضر السوداني في الاتجاه ذاته، مؤاد ذلك ان التعبير عن الالتصاق بالثقافة الاسلامية والعربية وعزل ما سواها اضحي جزءاً من المظهر العام لسنوات الانقاذ، وتعدي ذلك ليتجذر في الخطاب السوداني، وكانت المآلات بحق مدمرة لكل النتائج التي تحققت سابقا في اتجاه تذويب الشحنات العاطفية والنفسية المتبئرة في الثقافة والوعي باتجاه بناء تكوين ثقافي وطني يحوي ملامح متعددة تسمح بجدل الأنا والآخر داخل ماعون وطني يتسع لها، الا ان الماعون الانقاذي اتسع لمفاهيم سربت شعورا بالاقصاء لدي الثقافات المهمشة فقويت نزعاتها للتعبير عن ذاتها وبالطريقة نفسها المبتسرة للانقاذ، اذ ان شكل التعبير شابهه نقص في الجهد الفكري الخلاق الذي يستدعي شروحاً عميقة لطبيعة التكوينيات المتمرحلة عبر التاريخ وتماساتها وقدرتها علي الابقاء علي عناصرها المتوهجة ومدي تداخلها مع العام المفقود تماما، فالعام حالة مبهمة تجاهد الاطراف كافة في الاستئثار بها وابتسار معناها الشمولي في قالب ضيّق تحشر فيه ثقافة بعينها وتتوّج كثقافة السودان ، كان للباحث السوداني محمد جلال هاشم جهد يتسم بالمثابرة بخصوص المركز والهامش الا ان هاشم لخّص المشكلة في استثمار الوسط لفرص النهوض الاقتصادي والسياسي والتعليمي وتواجد الوسائط الاعلامية ليبشّر بالمشروع الثقافي السوداني باعتبار انه مشروع الوسط المعبر عن الاتجاهات كافة، مهمشا ما اعتبره جلال هاشم ثقافات تعاني العزلة والاقصاء، هذا اثر محسوس في الثقافة السودانية ويصح حتي ربطه بالسياسي كما فعل هاشم في ربطه الامر بـ ثقافة ام درمان التي تناسلت عن المهدية وتطورت بفعل الانصهار السكاني لكنها تشوّهت حين عجزت المجاميع الثقافية عن التعبير عن كينونتها ومسخت بفعل الظاهرة الامدرمانية التي ترسخت في الوجدان السوداني كثقافة معبرة عن السودان بأجمعه، لكن هاشم علي الرغم من وجاهة طرحه لم يتطرق لعوامل حفرت تاريخيا للأمر وصيّرته واقعا معاشا في ثقافة السودانيين وذاكرتهم الجمعية، والافتراضات بنشوء الظاهرة الامدرمانية بناء علي تواطؤ مورس من قبل ارباب هذه الثقافة هو ضرب من الخيال فالتراكمات في اللا وعي الأم درماني هي وحدها التي كفلت بريق ثقافتها وسطوتها علي ما عداها، ويصح تطبيق النظريات الحديثة في التفكيك والتحليل الثقافي للحصول علي نتائج من خلال تشريح اللاوعي الذي أفرز تجربة لا تخلو من وجوه حسنة، فان كانت تجربة أم درمان مشوّهة فهي أعطت مؤشرات لامكانية تلاقحات لاحقة وتعبيرات متمازجة من دون تغليب عنصر ثقافي علي آخر، فالواقع الذي افرز ام درمان لم يكن ديمقراطيا علي المستوي السياسي فاني له ان يفرز تجربة ديمقراطية علي الصعيد الثقافي؟ وواحد من أبرز من يعدون مدافعين عن أم درمان الصادق المهدي لاعتبارات تاريخية وسياسية وثقافية، عدل عن ارائه المجحفة بخصوص الثقافات الاخري غير العربية التي طرحها في الستينيات والسبعينيات الي رؤية اكثر شمولية بخصوص ثقافة سودانية فضفاضة وقادرة علي ملامسة كل الروافد التي تغذي التيار العام باعتبار انه يتكون من مجاميع ثقافية متعددة وان التعدد وحده هو المعبّر عن ثقافة سودانية، لكن المهمشين يذهبون بعيدا حين يلحون علي تجريد الثقافة السودانية من بعدها الاسلامي والعربي تماما، ويركزون علي تهميش الثقافة الجنوبية متناسين حقيقة التهميش الذي تعانيه ثقافات أخري مثل الانقسنا و البجة وغيرها. المقابلة بين الاسلامي العربي و الافريقي المسيحي التي يلّح عليها البعض تنقل الصراع دفعة واحدة الي مدارات العملية السياسية المباشرة وبتواطؤ مع عناصر الاشعال السياسي في الشمال والجنوب مستبعدة عناصر أخري لم تصل الي سدة الحكم ولم تشهر السلاح في اطار معارضاتها للحاكمين، والي هذا يعزي رفع مجاميع ثقافية اخري مثل البجة السلاح تعبيرا عن رفضها للاتجاهات الغالبة برغم تآخيها السياسي مع الحركة الشعبية التي تمثل واحدة من التيارات المعبّرة عن المزاج الجنوبي علي الرغم من دعاويها بالعمل علي ايجاد سودان جديد يتمثل فيه كل السودانيين، الا ان الحلقة الأقوي لتكوينها افريقية محضة، وبرزت اتجاهات داخل الحركة لاستصحاب الرؤي المغايرة ثقافيا لكنها تعطلت بفعل المماحكة الانقاذية التي ابرزت الاسلامي والعربي بصورة دعت المكونات الأخري للثورة الي درجة انها شرعت في استئصال الآخر مثلما مورس ضدها اقصاء بواسطة التيار الذي تغلّب ومثّل ذروة الانجاز الاسلامي والعربي في السودان وان لم يعبر عنه بالشكل المطلوب، الورطة: ان المزاج السوداني انقسم الي تيارين عريضين توافقا وتواطآ مع الافريقي المسيحي أو العربي الاسلامي فحسب، ومآلات هذا الجدل المختزل مزيد من البعد عن ترميم التشوهات واحداث اختلالات أخري تكرّس لحالة جديدة تحل ثقافتين متصارعتين كنسق سوداني محل ثقافة واحدية طاغية، اذن فان طبيعة الثقافة المنتظرة لا تختلف كثيرا في حدتها وانغلاقها عن الثقافة التي يستهدف اجتثاثها ولا يستبعد ان تتواطأ الثقافتان لاقامة نسق متجزئ يعبر عنهما ويبتلع الثقافات الاخري، والاحتشادات الحادثة الآن تتمحور حول شروط عاطفية محضة وتبعد تماما عن العقلانية ما عدا النذر القليل، فكشوفات ثقافة السودان تستدعي انثيالات ماضوية تطرق بوابات مروي وسنار وكرمة وتعيد النظر في ما خلفته الحضارات القديمة من نقوش وحفريات علي الذاكرة الجمعية، وتنحو للبحث عن المكامن الحضارية الباقية من حضارات الغرب والشرق ودراسة الآثار المتبادلة بين الحضارات السودانية والأخري في الاقليمين الافريقي والعربي ضمن التيارات الشعرية الحديثة التي برزت في السودان، ونعود للتحدث عن تيار الغابة والصحراء الذي كان له اثر كبير في التذكير والايحاء بأن الامتزاج العربي ــ الافريقي في السودان هو الاكبر اثرا علي الوعي السوداني، وانه يحتاج لمزيد من النبش والتقصي بهدف الابانة والترسيخ، فالمدلولات العميقة لقصيدة العودة الي سنار للشاعر السوداني محمد عبد الحي تستنطق شواهد ثقافية واجتماعية غائبة عن المخيّلة السودانية وتستدعي أساطير تاريخية، لكن هل تجاوزت قصائد عبد الحي وصلاح احمد ابراهيم لدي المتلقين اثر الدهشة الشعرية والمتعة الأدبية الي الحفر العميق في ما وراء استنطاقات الشعر؟ في الفن التشكيلي كانت الصورة أكثر اتضاحا وانسجاما مع الشواهد التي تقفاها الفنانون السودانيون ليبرز تشكيل سوداني محض مثّل ارفع الفنون السودانية علي الاطلاق واعاد افتراضات الاسئلة علي الرغم من اثره غير الواضح علي الشارع السوداني المنجذب بطبيعة ثقافته العربية في الغالب الي الشعر والفنون النثرية اكثر من الفنون البصرية ولعلها علامة فارقة علي ان التكوين السوداني ذا الجذور العربية ــ الافريقية التي ربما افضت الي قالب سودانوي ــ كما يشير اليه الطيب زين العابدين ــ وهو تشكيلي، غير قادر علي التواؤم مع مكوناته المتعددة وينزع الي ترسيم مشهده الثقافي بتغليب العروبية، خلفيات هذا التكوين تشير الي الذهنية التي تراكمت عليها الرموز العربية وحدها وبصورة اكثر وضوحا ــ المهدية ــ وما تلاها من استحضارات البنية الدينية والثقافية العربية التي ترفض امتداداتها الي تاريخ وثني يتمثل في مروي وسنار والنوبا وغيرها، وكان للأثر الصوفي علي العقل السوداني فضل توجيهه الي التعاطي مع عناصر بعينها وحضور الدور الوجداني والروحي أكثر من التجسيد والمشاهد البصرية التي تميّز النسيج الثقافي الافريقاني المحض، ويلقي بعض الباحثين باللائمة علي باحثين وآثاريين آخرين لكونهم اغفلوا دراسة التاريخ السوداني الورائي وانهمكوا في التنقيب عن الحضارة الفرعونية من دون ربطها بجذورها المتشعبة التي تمتد الي السودان والحبشة واواسط وغربي افريقيا، فالامريكي كريستيان جاك يبحث هذا الامر في كتابه الموسوم بـ الفرعون الاسود The black pharaoh مقررا بأن نشأة الحضارة الفرعونية كانت في شمال السودان وان الفترة التي حكم خلالها فراعنة سودانيون الارض المصرية وامتدت ألف سنة حدث خلالها تداخل كبير وأواصر حضارية يصعب فصلها، ويقرر اكثر من ذلك ان الحضارات التي سادت شمال السودان كان لها الفضل في استقرار حضارات الشمال، وعلي الرغم من ان حدود الدولتين كانت في الغالب غير واضحة، الا ان نب أرض الذهب التي أغرت بعدا محمد علي باشا بغزوها وضمها الي مصر لتتكون حقبة تاريخية حديثة اسقطت ما سبقها، الممتدة من شمال السودان الي جنوب مصر وترتاح علي الضفاف النيلية مليئة برموزها القديمة وترابها المشبع بالتاريخ وجبالها الموسومة برسومات واحجارها المنقوشة بطلاسم الاسلاف، هي بلاد لها خصوصيتها الحضارية ولغتها المميزة، يسمونها في الانحاء الشمالية للسودان والجنوبية لمصر الرطانة ويقصدون بها العجمة تمييزا عن العربية وتتمسك قبائل عدة الدناقلة، المحس، السكوت، الحلفاويين، الكنوز وغيرها من العناصر المكونة لقبائل النوبة في المنطقة بالرطانة اضافة الي الارض، ويوصمون الوافدين من الجزيرة العربية بـ العرب الذين يقيمون علي اطراف مدنهم وقراهم كناية عن قلة الشأن، فالنوبي شديد الاعتداد بأصوله ككائن نيلي منتم للنيل بينه وبين الصحراء خصام، ولم تقلل السنوات الطويلة لامتزاجهم بالعرب من شعورهم بالرفعة، ورغم تعمقهم في الديانة الاسلامية وحرصهم علي اداء فرائضها الا ان الواقع الماثل يدلل علي تمسكهم بعادات وثقافة ممتدة الجذور، تعبر عن عراقة غير قادرة علي التواؤم مع الجديد، علي الرغم من قبولها بها وكأن تماسات غامضة تشدهم الي تاريخهم علي قلة معرفتهم به، فزيارة العروسين نهر النيل ليلة الزفاف، وطقوس ختان البنات، والمظاهر الاحتفالية التي تصاحب زيجاتهم، والاخري الحزينة التي ترافق اتراحهم، وانحصار معظم النكات التي تباعد ما بين الانسان والاسلام في السودان في عنصر من عناصرهم هو الحلفاويين تشير الي اعماق مسكونة بحضارة عظيمة ولا تدل الي قلة عناية بالتدين، بقدرما تربط نمط التدين ذاته بصور ثقافية ماثلة منذ القدم في رقصاتهم واهازيجهم، اللغة النوبية التي تكافح الا تنقرض بفعل الاهمال وقلة المبالاة بدراستها وتمحيصها برغم ما تبذله جهات بحثية واهلية من جهود لتدوينها وتسطيرها لغة مكتوبة تستطيع الاجيال التعامل معها ويمكن من خلالها تفكيك ما خلفته الحضارة النوبية من كتابات ومخلفات متناثرة علي مرمي حجر من النيل الذي ارتبط به النوبيون ارتباطا مباشرا، واحدة من اقدم اللغات في الارض برغم انها لغة محكية فقط الي الآن، وتشير دراسات آثارية وعلمية الي ان فلاحة القمح انطلقت من ارض نب اضافة الي آلات زراعية خاصة بهم الساقية ــ الشادوف ولم يتخل النوبيون عن استعمالها في سقاية النخل والقمح والفول المصري والعدس الا بعد امتلاكهم للتقنية الحديثة، ويعكف باحثون فرنسيون منذ عام 1960 علي دراسة الشواهد التاريخية والحضارية بمناطق دنقلا العجوز وبها اول كنيسة سودانية حوّلت الي مسجد كان هو الاول بالسودان وكرمة وكريمة ومروي علي الرغم مما يحاصر آثار النوبا والمقرة من تجاهل رسمي تركها للحيوانات السائبة ولصوص الآثار بما يمكن ان يجعل من واحدة من اعظم الحضارات الانسانية عرضة لضياع أهم الخيوط المؤدية لتفكيكها، والجهد السوداني في هذه الناحية لا يرقي لدرجة امكانية العثور علي شيء مفيد، فالعقل السوداني نفسه لم يظهر الي الآن عناية بحضاراته القديمة وحصر جهوده في اجترار التاريخ الانجلوسكسوني بالسودان ومناوراته مع المهدية، وهذا يستدعي تضافرا لجهود تدعمها منظمات عالمية مختصة من اجل الكشف عن حلقة من أهم الحلقات الانسانية، كانت لها اتصالاتها بحضارات بعيدة، يقرر باذل ديفدسن في كتابه افريقيا تحت اضواء جديدة بأن آنية من الآنيات المعروضة في المتحف السوداني باعتبارها راجعة للحقبة المروية تحمل زخارف صينية! ديفدسن ينبه العالم الي ان لمروي علي الانسانية ان ترعاها وان تكشف ما في بطونها من ذخائر، انها من أعظم ما خلّف العالم القديم، والتاريخ الذي تحتويه، شطر من تاريخ الانسان جليل القدر علينا ان نجلوه، فالواقع الذي لا يزين الآن، هو اننا لا نعرف عن الحياة التي عاشها الانسان في مروي وسائر مدن كوش، اكثر مما عرفه هيردوتس قبل 14 قرنا وما مروي الآن الا مدينة بائسة يغير عليها النهر اثناء فيضانه وتتجاذبها رمال الصحراء الجامحة في سطوتها التي تذرو الغبار علي كنوزها الغائبة في بطن الارض، وتحتوي علي اهرامات ملوكية لا تقل ابداعا هندسيا عن رصيفاتها في الجيزة الا بصغر حجمها، وحدثني باحث سوداني في منتصف التسعينيات بملاحظة جديرة بالتأمل مفادها ان الاهرامات السودانية ــ المصرية متدرجة من الاصغر في أقصي نقطة في الجنوب الي الأكبر في أقصي نقطة في الشمال وان هذا الأمر لا يمكن ان يكون قد جري اعتباطا، وانه يمثّل رؤية عميقة لبناتها وربما لو افاض الباحثون في دراسة الظاهرة لخرجوا بكشوفات عظيمة دللت حتي الي ما خفي عن اهرامات خوفو، خفرع ومنقرع ولا شك ان بينها وبين تلك التي في الجنوب علاقة غامضة علي الرغم من تناغم بنائها الهندسي في الجنوب والشمال، اضافة الي معبد الشمس في رمال مروي الذهبية الذي بدوره يطرح تساؤلات عن الآلهة المعبودة لفراعنة الشمال والجنوب ومدي الانجاز الحضاري الروحي في تلك الفترة واستقرار مدنيتهم ردحا طويلا من الزمان في مروي قبل ان يتناساها العالم، ويرصد دافدسن ثلاثة مراكز أساسية للحضارة الافريقية في مصر والسودان وليبيا، لكنه يقرر بأن شغل الحديد انتقل الي عواصم مصر وليبيا من بيرمنغهام افريقيا قاصدا مروي، نقلته الحضارة الليبية الي اعماق القارة السوداء، اذن فكشوفات مروي فيما لو اهتم الباحثون بدراسة روابطها بمصر وليبيا انتقالا الي نيجيريا والكونغو واواسط افريقيا سيقود حتما الي كشوفات جوهرية بخصوص حضارات افريقيا القديمة وارتباط جذورها، الا ان دورة الحضارة تتغير، فمن مروي انتقل الحديد الي افريقيا مثلما نقله الحثيون الي سواحل المتوسط وجنوب اوروبا خلال العصر البرونزي، فيما نقل الفينيقيون شغل البرونز الي اعماق القارة السمراء، يلوح هذا التاريخ المتشظي في رواية مريود للطيب صالح بحكم تلاقحه مع العناصر المكونة لشمال السودان، وفي معظم اعمال الروائي الليبي ابراهيم الكوني، نقطة الاختلاف هي ان عالم الكوني هو صحراوي يبحث في حضارة الصحراء بينما واقعية صالح السحرية واساطيره هي قريبة من النيل، لكن ثمة ارتباطاً بين النسيج المتداخل مع غياهب التاريخ، الجهود التي بدأها دكتور جان فيركوتير الذي كان مديرا لمصلحة الآثار السودانية، ورايزنر وجرفث وغيرهم ممن لفتت مروي والكرو والبركل انظارهم خليقة بأن تدعم بجهود مثابرين في هذا الصدد، خاصة وان بعض الاعمدة الرخامية المروية تتناثر في ارجاء سهل البطانة ليس بعيدا من سنار التي هي بدورها تمثل حضورا كبيرا في تاريخ الحضارات السودانية، فهل ثمة ارتباط بين كوش وسنار؟ المسألة ليست في ان يبحث السودانيون عن مصادر لزيادة دخلهم القومي عبر السياحة، أو حتي اكتشاف حلقة من حلقات تؤكد صدارتهم الحضارية ذات يوم بما يحفز طاقاتهم لاستعادة مجد ضائع، وانما هي مسألة نبش أمين في تاريخهم للحصول علي حلقات كاملة تقودهم لاكتشاف ذاتهم وتبرهن علي تواصلهم واتصالهم الحضاري وتلقي ضوءا علي الشخصية السودانية التي باتت عربية محضة من غير أسس راسخة لهذه العوربة التي لا يمكن ان تؤسس وحدها لشخصية تاريخية تتقاطع فعلا مع غيرها وتتواصل مع تاريخ نابض اسهم فيه العرب كما اسهم غيرهم. وما يقال عن مروي والنوبا ينطبق علي حضارات أخري سادت السودان خلال حقب متعددة يغفلها الآن دعاة الافريقانية والعروبية من غير تدبر لتأملات قد تستنطق الشواهد الذاخرة وتدعّم فرضيات مبثوثة في الثقافة السودانية تشير الي تعدد المنابع وتلاقيها وتمازجها في نسيج غير قادر علي تبيين ملامحه الاصلية فاضطر لاستعارة شخصية افريقية محض او آخري عربية محل الشخصية السودانوية التي تتطلب جهدا لابانتها واستنطاق رموزها وتاريخها.
    جريدة الزمان
                  

04-21-2002, 09:08 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ترهلات مخّلة تصبغ الشخصية السودانية-الحلقة الاولى (Re: بكرى ابوبكر)

    تنبهت الي ان معظم حالات الوعي التي قادت لفتح مزاليج العقل العربي وتفكيكه واعادة تأمل التاريخ العربي مؤدية الي حراك فكري واسع تتسع دوائره تدريجيا نهضت في اطراف لا تعتبر مركزية في الخارطة العربية، وفي يقيني ان العناصر ذات الدم المختلط في المغرب وسوريا وحتي البحرين كانت اقدر من سواها علي استيعاب تقاطعات الثقافة العربية و النسق المضمر كما يصفه عربي قح هو الناقد السعودي عبد الله الغذامي، وسواء اتفقنا مع طروحات هؤلاء او اختلفنا، فان محصلة جهودهم قادت الي حركة عقلانية لا زالت تصادم المرئيات المتوارثة وتسفر عن اهتزازات في يقينيات العرب بعقلهم الجمعي وثقتهم فيه، الا ان الواضح ايضا ان حركة التفكير في السودان لم تبلغ ما بلغه هؤلاء ولم تستجب لطروحاتهم الا بقدر يتبين فيه حجم الاجترار والترديد من دون اسقاطات او محاولات لتتبع الحالة ذاتها حيال العقل السوداني حتي بحسبانه جزءاً من العقل العربي علي الرغم من عدم دقة الوصف، وهو ما كان خليقا بالسودانيين ان تتوّلد بينهم حركات عقلانية تقود لكشوف جوهرية بخصوص وعيهم بتاريخهم المنتسب الي العرب وحدهم اجحافا، وضرورات تفكيك التاريخ المتيقن لديهم بناء علي ما توافر بين ايديهم من تشكيك في ما يختص بالنسق، ويزيدون عليه بتأملات خاصة بهم باعتبار ان ثقافتهم حالة متميزة، وان ذلك يحتم نشوء تيارات عقلانية تتدارس الحالة السودانية وترمم اختلالاتها، وبالامكان اعتبار المجهودات العقلانية المشار اليها مرجعية تتيح للباحثين وضع اسس معيارية وعقلانية تتأسس عليها جهود اخري ــ ويمكن ان تتقاطع معها ــ فالغذامي مثلا لم يكتف ببحث النسق المضمر وانما تعداه لنقد الاطروحة الادونيسية، صحيح ان الموازنة كانت غائبة بغياب صوت الفكر الافريقي بحسبانه متلقيا ايضا لما بثته افكار لومببا ونيكروما وسنغور ومانديلا التحررية الثورية، لكن العقل السوداني كان دائما مستجيبا لشرط الوافد الفكري سواء افريقيا او عربيا، فالصوفية التي تتمركز في قلب الذاكرة السودانية لم تنشأ كتجربة سودانية محضة وانما وفدت من العراق والمغرب ومصر، ووجدت في التربة السودانية مناخا خصبا لتتم سودنتها وفق الشرط السوداني الذي يتلاءم مع مزاجها المعتدل، وحركات التحرر في الجنوب برغم احقية ما تطرحه الا ان العامل الفكري الخارجي سواء كان امميا كما في نشأة الحركة الشعبية او اقليميا، شكّل لب التفكير الجنوبي وقاده لتماسات حرية بالتأمل مع مجمل الحراك الفكري في قارة افريقيا علي الرغم من صعوبة الفصل، والتيارات الاسلامية الحديثة رفدت الحياة السياسية في السودان بتجارب بعيدة كل البعد عن البيئة السودانية، ويتمثل واقع الرفد الفكري الخارجي والاستجابة السودانية المتعاطية باجترار واداء تلقيني في وجوه كثيرة كسلوك ثقافي كرّس حالة القطيعة مع العقل الناقد والمتحفز للحفر العميق، فليس من المعقول ان تكون الحالة السودانية مضمحلة في محتواها الداخلي غير قادرة علي تبصر المكونات الجوهرية التي غذت الشخصية السودانية، في حين تستجيب للشرط الخارجي من غير عناء التعمق ايضا، حالة الديكتاتورية التي يرصدها الغذامي مثلا في وجوه ثقافتنا العربية ويبينها في نماذج كثيرة تشمل فحول الشعراء والادباء مع الاشارة لمصطلح الفحولة نفسه لتتماهي مع فحولة اجتماعية تقولب المجتمع في اطار النموذج الذكوري المحض باستبطان سيادة ثقافية وتواطؤ مع النسق الذكوري وكونه متباينا بين الذكور انفسهم، هي حالة تشبع بها العقل السوداني واعاد انتاجها كحالة عربية تضادد الآخر وتسلب رؤاه لصالحها وتطوّع الظروف لاكتمال نسقها وتضمره في شتي مناحي الحياة، وبرغم ان الافريقانية واتتها الجرأة لتضمر شيئا من انساقها كما يرصد الباحث مختار عجوبة علي سبيل المثال حال المرأة السودانية الا انها كانت خافتة ولم تتوضح كحالة افريقية وسودانية محضة بل ان العقل السوداني تورط مع الانقاذيين في حملتهم الشعواء ضد المرأة بحسبان ان مكاسبها السابقة تبطن شيئا من الوثنية والبعد عن النموذج الديني فالعقل هنا مال للاستجابة لشرط الاجتهاد الوافد اكثر من ميله للتعاطي والاخذ باجتهاد يتلمس حاجات مجتمع له ثقافته وظرفه الخاص مثّلت المرأة فيه علي الدوام عنصرا فاعلا وحيويا و عاملا ففلاحة الاراضي والعمل الي جانب الرجال كان جزءاً من الحالة السودانية الخاصة، فالذاكرة لم تخبيء المرأة الانثي بقدرما خبأت المرأة النموذج، لكنها اعرضت عن ذلك بعد ان اقتنعت بطروحات الانقاذ الداعية الي تقييدها والتعامل معها علي اسس جديدة هي في حقيقتها مستلفة من ذاكرة مشبعة بخيالات الجواري والمرأة المطابقة للشرط الجنسي فقط، نستنج ان العامل الديني ذا الحضور الاقوي جسّد خللا لكونه هو الآخر وافدا تعامل معه العقل السوداني كزرع استنبت في تربة غريبة لابد من تطويعها لصالحه، لهذا فان معظم الاحالات الدينية والاخذ بمعطيات جديدة ينبني علي ذاكرة لا تؤمن بقدراتها هي بصدد الاجتهاد والتجديد وانما تهرع لجغرافيات تعتبر قداستها وقربها من المصادر للأخذ عنها وتفريخ نماذج تؤمن بصلاحيتها اكثر من نماذج يمكن ان تنشأ في بيئة غريبة!! وتتوه البوصلة الجنوبية ايضا لتبحث عن مصادر تزن المعادلة الثقافية المتكاملة، وتتوه بوصلات اخري بين هذي وتلك لتذوب في خضم الموجات الفكرية التغريبية الوافدة او تستند الي افكار اممية لتضمن وجودها، واجد بعض الطروحات الفكرية في السودان غريبة بعض الشيء، فالبعث العربي اذا ما توافرت له فرص النجاح واثمر واقعا جديدا في كل البلدان العربية فاني له ان يثمر ذات النتائج في السودان؟ ناقشت عدداً من البعثيين حيال الامر وتوّضح لي انهم منشغلون فعلا بالمعضلة لكن انشداداتهم بـ عبقرية عفلق لاعادة الحياة للعروبة لم تمكنهم من دراسة الامر علي نحو جدي، والتيارات الاسلامية تقوّت بفضل هؤلاء وسواهم من اليساريين والوسطيين الامة ــ الاتحادي لتستغل العاطفة الدينية الجارفة وترمي كل خصومها باستبعاد الدين من الخارطات الفكرية وتستلف كامل نهج المودودي ــ البنا وتطوره بناء علي آليات براغماتية وتنزله الي ارض الواقع السوداني علي خلفيات تدغدغ عقلاً سودانياً لا عقلانياً ! اذن هل يمكن ان نشير لشخصية سودانية منفصلة عن شخوص عربية وافريقية؟ واين تستوطن الشخوص التاريخية في عقل لا يستوعب سوي شخصيتين هلاميتين تابعتين للاقليم اكثر من نضوجهما الذاتي وانتمائهما للداخل، وهل كلتا الشخصيتين تعبران عن أحادية ام انهما نتاج تراكيب مشوّهة لجملة شخوصاً تكوّنت متواطئة ضد التاريخ ومقصيّة شخوصاً اكثر حضورا او علي الاقل ذات فاعلية تاريخية ضخمة، لا يمكن سبر اغوار هذه المسائل المتشاكلة باستبعاد اعادة انتاج التاريخ السوداني ورصد كل شخصية علي حدة وتلاقحاتها الخاصة وما رفدت به الشخصية العامة التي نحاول ان نتبينها، ولابد ان تتحمل كل شخصية الافصاح عن اختلالاتها الخاصة كذلك التي ادت لاهتزاز الشخصية العامة والغائها، ونعود مرة اخري للجزم بأن اية دراسة تخلو من العودة الي بداية التكوين السوداني لتتبع الحراك التاريخي وصولا الي شخصية مضمرة بالفعل وخافية لا نتبينها هي الأحق بالوجود، وفضح الشخوص الماثلة التي الغتها بوعي او من دون وعي، سيكون مجهودا ينضاف الي المجهودات التي كرّست واقع العزلة الذي نعيشه.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de