لماذا حزب الامة دائما؟
عزالدين الشريف
للتكتيكي والاستراتيجي موقع ثابت في اي خارطة سياسية سواء كانت لدولة او حزب او اي كيان يمارس عملا سياسيا ذلك ما علم بالضرورة في مقتضى السياق. ولكن يبدو ان لحزب الامة رؤية مختلفة لما هو تكتيكي وما هو استراتيجي تختص به وحده دون سائر الاحزاب والتنظيمات السياسية في فهما لما سلف! تواثقت قوى المعارضة السودانية منذ السنة الماضية وحددت اجندتها للاطاحة بالنظام عبر انتفاضة شعبية وبلغت الاستعدادات والتعبئة مرحلة متقدمة. الظرف الموضوعي لقيام الانتفاضة الشعبية ونجاحها بات مكتملا. الظرف الموضوعي الذي نتحدث عنه بات اوضح من الشمس في رابعة النهار: نظام اتى الى السلطة عن طريق الانقلاب العسكري وجثم على صدر الشعب منذ 1989م وحتى تاريخه وفرط في وحدة البلاد وقمع الحريات وحظر العمل السياسي وفرط في سيادة البلاد وظل يمارس فسادا ماليا واداريا بلغ حدا يعجز عنه الوصف وازمة اقتصادية وضائقة معيشية تكاد تعود بالناس الى مجاعة 1306هـ المعروفة في التاريخ السوداني ان لم تكن قد عادت بهم بالفعل. تواثقت قوى المعارضة على الاطاحة بالنظام بعد ان اقتنعت اقتناعا تاما ان لا جدوى من التفاوض مع النظام. عقد النظام اتفاقيتين مع حزب الامة في 1999م في جيبوتي وفي 2008م بالخرطوم واتفاقا اخر مع التجمع الوطني الديموقراطي في 2005م واتفاقا مع جبهة الشرق وآخر مع حركة مناوي ... هل التزم النظام بأي اتفاقية من هذه الاتفاقيات؟ الاتفاق الوحيد الذي تواصل حتى نهايته – برغم الخروقات الكثيرة التي حدثت به – كانت اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية. الاخيرة كانت وما زالت تحرسها القوة المسلحة علاوة على الوضع الخاص للجنوب.
حملت الينا وسائل الاعلام ان السيد/ الصادق المهدي التقى بالرئيس البشير في 22/1/2011م وخرج موقع حزب الامة ببيان اوضح فيه ان الحزب قدم "الاجندة الوطنية" و"التزمت قيادة المؤتمر الوطني بدراستها والرد على ما جاء فيها من مطالب في لقاء لاحق". هل ذهبنا بعيدا عن "حجوة ام ضبيبينة" بخصوص اللقاء واللقاء اللاحق؟
هل تشاور حزب الامة مع بقية قوى المعارضة التي يلتقيها ليل نهار حول هذا اللقاء؟ اذا كانت "الاجندة الوطنية"، وهي تخص حزب الامة دون شك، وطنية بحق، لما لا يكون هنالك اجماع عليها من قوى المعارضة ولماذا لا يكون اللقاء شاملا اطراف المعارضة - اذا افترضنا اقتناع الاخيرة به اصلا؟ لقد اصبحت كثير من العبارات شيئا فارغا لا يحمل اي محتوى عند الالقاء به الى سامعيه من كثرة استخدامه وعدم الالتزام به. الذئب يأكل من الغنم القاصية وفضل الصادق المهدي ان يكون القاصية لمرات ولم يأت بنتيجة و"المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين" كما تقول العامة عندنا في السودان ويبدو ان المهدي يحب تجريب المجرب دائما! الاتفاق مع العسكر لا يأتي بنتائج ابدا في تاريخ السياسة السودانية. حالة النميري والمصالحة الوطنية في 1977م ماثلة ونظام الانقاذ حالته معلنة ولم تصبح تاريخا بعد!
ما هو هدف النظام من لقاء الصادق المهدي في هذا التوقيت بالذات؟ رموز النظام ما فتئت تستخدم لغة العصابات والبلطجية في تعاملها مع المعارضة وقبل يومين فقط من لقاء المهدي والبشير قال نافع "الداير يقلعنا يقوي ضراعوا" وقبله بأيام قال البشير بالحرف ان من يريد اقتلاعه يجرب (يلحس كوعو)، وهي لغة غاية في الركاكة والبؤس، ويعني استحالة اقتلاعهم لعدم تحقق الاولى سلفا! ما الذي دفع رموز السلطة الى تغيير خطابها؟ ولماذا لجأ النظام الى عقد لقاء مع الصادق المهدي في هذا التوقيت بالذات؟ من الواضح ان النظام يلعب على ورقة الوقت من خلال اللقاءات التي لا تنتهي كما انه يحاول استغلال خلافات احزاب المعارضة. خلافات احزاب المعارضة ليست جوهرية لان الجميع اتفق على النظام الذي تحكم به البلاد وعلى اهداف المرحلة الحالية.
ان اكثر ما تخشاه الانظمة العسكرية نزول الجماهير الى الشارع لانها تدرك ان لا شيء يمكن ان يوقف حركتها بعد ذلك، لا منطق التهدئة والتودد، ولا منهج العنف والرصاص. الثورة التونسية التي نشهدها هذه الايام نموذج اخر لقدرة الجماهير على اقتلاع سلطة الفرد وهو نموذج خبرناه اكثر من غيرنا.
لم يتبق امام النظام ما يدافع عنه. لقد فقد النظام مصداقيته ومبرر وجوده واصبح الكذب ولغة البلطجة همه الشاغل. لم يعد النظام يدافع عن برنامج واضح امام الجماهير الا انه يتخذ الشريعة مبررا لوجوده. البلاد ليست في حاجة الى الشريعة في الوقت الحالي. اولويات اي حكومة قادمة الحفاظ على ما تبقى من وحدة البلاد وحل جميع المشكلات العالقة مع الجنوب والعمل معه لخلق وضع لا يتضرر منه 13 مليونا يمثلون ثلث عدد السكن يعيشون وينتقلون جيئة وذهابا بين الشمال والجنوب وحل مشكلة دارفور ورفع الضائقة المعيشية وفرض الديموقراطية كاملة غير منقوصة.
يناير 2011م
ezzeldin72@hotmail.com
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة