صورة الأحزاب وقصعة المؤتمر الوطني
محمد الأمين نافع
خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر كان السودان حديث العالم، لما كان فيه من استفتاء قد ينتهي فيه السودان فيما ينتهي اليه الي الانقسام ثم الي أشياء وسيناريوهات أخرى كثيرة، وفي ذات الأسبوع الأول وفي الشأن السوداني أيضاً شهدنا حدث انقسام ما يعرف بالجبهة الوطنية العريضة المعارضة الي تيارين عريضين قد يضمان بداخلهما حشوات انشطاراتٍ أخرى قادمة، كما أن المعارضة الداخلية وحتى تلك التي لها ( رجل جوة ورجل برا ) وجناح وحلف خارجي، ضجت كثيراً ودقت علي طبل إسقاط النظام القائم سواء خلال الأيام الحرم المنصرمة، أيام الاستفتاء، أو قبل معرفة نتيجة الاستفتاء أو في أي وقتٍ يناسب المعارضة ولا يناسب النظام، أما ما يناسب الوطن رغم التباكي عليه من الجميع فلا بواكي له. وأخيراً شهد المحيط الاقليمي أحداث تونس التي سرعان ما تضافرت أحداث محلية وخارجية الي إرسائها علي الإطاحة برئيس البلاد دون القضاء علي النظام، وهذا الحدث الأخير بالذات هو ما فتح شهية معارضاتنا المتعارضة والمتناسقة، خارجيها وداخليها، علي التعبير مجدداً عن أشواقها القديمة الي السلطة والتصابي تغزلاً في كرسي الحكم رغم أعراض وآلام تكلس العظام واغورار الوجنات التي يعاني منها الجميع حكومةً ومعارضة، دون أمل في وصفة علاجية أو حلول سحرية انفرادية يرجى منها أن تصلح ما أفسد الدهر من حال الفريقين الحاكم والمعارض. الأمر الذي يحتم علي الفريقين التخلي عن التنطع والتشدق والتطاول بالقدرة الفردية علي فعل شيء دون إشراك الآخر، هذا إذا استثنينا من هذا الشيء المفعول إحداث التخريب أو صنع ما تسميه امريكا بالفوضى البناءة أو الخلاقة، ذلك الشيء الذي لا يحتاج الي أي نوع من القدرات والمعجزات حتى يحدث، بل يحدثه إشعال عود ثقاب أو رمي أعقاب السجائر علي أي كوم للقمامة لتحترق القمامة ومن قمـَّـــها ومن أشعلها ويكون الجميع في هوى الحريق سوا. وتلك هي عين الفوضى البناءة التي هي كما يتضح بناءة وذات فوائد عند قوم وهدامة وذات مصائب عند قوم، علماً أن كل السودان لن يكون إلا من القوم الأخيرين.
في اعتقادي لا أحد اليوم بحاجة الي دروس خصوصية في الإلمام بما تعيشه الحركات والحراكات السياسية في سودان اليوم، فلم تعد الأحزاب العقائدية هي المسيطرة علي زمام الحراك السياسي النشط والفاعل ولا تعتبر أكبر العوامل والمحددات في توجيه حركة السير السياسي، ولا الأحزاب الطائفية عادت تملك دوائر الإشارة المقفولة، لقد نزف الجسم السياسي السوداني الذي طالما عاش سليماً من الكثير من أدواء السياسة في العالم الثالث والمتقدم علي السواء، حتى بات اليوم سقيماً عقيماً يعاني من هشاشة العظام وضعف البصر والبصيرة. يجب أن نتذكر أن الحركة السياسية السودانية كانت دون غيرها حركة عمادها المبادئ والعقائد لا الجهات والأعراق، فبينما كانت أكثر البلدان النامية ديمقراطيةً وتقدماً فكرياً تكاد تنحصر فيها الحركات العقائدية والأحزاب السياسية الحداثية التكوين، تنحصر بوجهٍ عام علي فئات وربما عائلات بعينها أو تحسب عليها، وكانت ولا زالت الشركات والبيوتات واللوبيات المالية الأخطبوطية الكبرى تدير دولاب السياسة والاعلام في العالم المتقدم، كانت السياسة السودانية وحتى وقتٍ قريب لا تعرف الولاء إلا لعقيدة أو منهج جامع لا علاقة له بالعرق أو اللون، وبهذا الانتماء السياسي المتجرد استطاع الشعب السوداني تركيع دكتاتوريتين دون عونٍ أو عاملٍ خارجيٍّ يذكر، كما لم تتمكن الحركة الشعبية من فرض شروط السلام علي الحكومة الحالية إلا بعد الزخم الذي اكتسبته بالحرص علي إظهار طابعها القومي ومن ثم انضمام أفراد وجماعات أخرى من جميع أنحاء وأعراق وأديان السودان اليها.
مما تقدم يتضح لنا أن سودان اليوم لا توجد به أحزاب سياسية راشدة بما في ذلك الحزب الحاكم، فزلزال الانحسار الفكري وثقافة البراغماتية والانتهازية الشاملة لكل أوجه الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية قد ضرب جميع القوى السياسية والفكرية في العالم، ولم يتبق في عالم اليوم سوى حفنة من المفكرين ما زالوا يتمتعون ببقايا حكمة وأثارة من علمٍ وإيثار للآخرين علي النفس، وهؤلاء بالطبع ليسوا في صرة ولا سلة واحدة لدى هذا الحزب أو ذاك الاتجاه، إنما هم موزعون ومترامون هنا وهناك، ولكن أهم ما يجمع بينهم هو البحث عن الحكمة والأخذ بها أينما وكيفما وجدت، رجائي وأملي أن يكون هذا ديدن ساستنا اليوم من الآباء المؤسسين أو حوارييهم وتلاميذهم ممن يشاركونهم تسيير دفة الأمور، فكل الأحزاب الحاكمة والمعارضة في السودان اليوم تجمع في أحشائها بين أساتذة جامعات مخضرمين وتلاميذهم في تلك الجامعات، هذا فضلاً عن القادة السياسيين العتيقين والمعتقين ممن أكلوا أكثر من خريفين وربما خروفين أو ثلاث، والبعض منهم علي شفا بئر الهرم والتخريف، بل هناك محاولات متكررة من الفئة الأخيرة للانتحار سقوطاً في هذه البئر السحيقة التي لا أمل في أن يصادفوا واردأ ينتشلهم منها، لذا يجب أن يتواضع الجميع ويتفقوا علي الممارسة السليمة لفن الممكن مع الاتفاق بينهم علي استبعاد الأجندة الخارجية ورفض من وطنوا أنفسهم علي الطيران والهبوط أينما طار وهبط اللولب أو اللوبي الخارجي.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة