و مــــــاذا بعد إتفاقيــــــات كـــــادوقلي؟؟
بقلم/ ميوين دوت فيوت نقلويط
منطقة ابيي
في الايام القليلة الماضية تمكنت السلطات في كل من الخرطوم و جوبا من التوصل لإتفاقٍ يقضي بفتح طرق العودة الطوعية للعايدين من أبناء الجنوب، بالإضافة إلى فتح المسارات لقبائل المسيرية للتحرك جنوباً بحثاً عن الماء و الكلا، و قد سبق هذا الإتفاق إتفاقٍ آخر بين بعض الزعامات الاهلية لقبيلتي الدينكا نقوك و المسيرية في مدينة كادوقلي. و بما أن الإتفاقية هي محاولة لإئجاد حل سلمي للمشكلة الدائرة حول تبعية منطقة أبيي للشمال أو الجنوب إلا أنني إعتقد أنها لن تدوم طويلاً. فالمشكلة الحقيقية لم تحل بعد، لأن هذه الإتفاقيات لم تتناول السبب الحقيقي للمشكلة أصلاً. فسبب إندلاع الصراع بين مليشيات المسيرية المدعومة من قبل المركز و قوات الشرطة التابعة لحكومة الجنوب المنتشرة في المنطقة هو عدم جدية الطرفين (المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية) لإئجاد حل نهائي لقضية المنطقة. فكل الإتفاقيات الإطارية التي تم التوقيع عليها من قبل الطرفين بخصوص المنطقة لم ترى النور ليست لأنها عاجزة في حد ذاتها و لكن لأن أليات تنفيذها ليست منطقية على الإطلاق. فأي إتفاقية يخرج نصوصها عن روح إتفاقية السلام الشامل سوف تكون مصيرها الفشل كما هو الحال مع الإتفاقيات السابقة لها.
فإتفاقية السلام الشامل عرّفت منطقة أبيي بأنها منطقة عشائر دينكا نقوك التسعة التي تمت نقلها من بحر الغزال إلى كردفان في عام 1905مم. كما ثبّتت الإتفاقية حقوق قبائل المسيرية التقليدية المتمثلة في التحرك داخل و خارج المنطقة بحثاً عن الماء و الكلا. و قد نصّ الإتفاقية أيضاً على أن تجرى في المنطقة إستفتاءٍ خاص يحدد فيه أبناء المنطقة إذا ما كانوا يريدون البقاء في الشمال أو العودة إلى الجنوب. و بما أن قبائل المسيرية لم يكونوا يومٍ ما جذءً من إقليم الجنوب السوداني إلا أن زعمائهم طالبوا بإشراكهم في الإستفتاء الخاص بالمنطقة بإعتبارهم إحدى مكونات سكان منطقة أبيي. و قد أدى هذا الشد و الجزب إلى إحراق المدينة بأسرها عندما إصطدمت الجيش الشعبي بمليشيات تابعة للخرطوم كانت موجودة داخل المنطقة. و قد وقّع الطرفين بعد هذا الصدام على ما سميتّ بخارطة الطريق. و قد أدى هذه" الخارطة" إلى طريق آخر مسدود يحاول بواسطتها الطرفين الوصول إلى إتفاق موسمي آخر يخفف من الخناق على الطرفين لفترة مؤقتة لتندلع مرة آخرى في وقت لاحق. و هكذا تستمر مسلسلة الهزل التي تقوم بها الطرفين و الذي يكون فيه الخاسر الوحيد هو أبناء دينكا نقوك. فسفك الدماء، في إعتقادي لن تنتهي بمجرّد التوقيع على إتفاقية ظالمة يضمن حق الرعي لقبائل المسيرية بينما يمنع أبناء دينكا نقوك من الحصول على حقهم في تقرير مصير منطقتهم.
أود أن أذكّر كل من السيد المهندس/ إبراهيم محمود حامد و السيد الفريق/ قير شوانق بأن المشكلة أكثر من مجرد فتح المسارات لقبائل المسيرية للرعي داخل الجنوب أو حتى فتح الطرق للعايدين من أبناء الجنوب. فالمشكلة يخص مستقبل شعب عاش في المحنة في فترة الحرب و السلم معاً. فمواطنوا أبيي، في الحقيقة، لم يجنوا ثمار السلم و الأمان عندما كان الشمال و الجنوب يستمتعان بليالٍ خالية من دوي الرصاص. فكم مرة أستخدمت العسكر الأسلحة الثقيلة في المنطقة، و أي منطقة نُهبت ممتلكات مواطنيها و أُحرقت المنازل فيها في فترة السلام غير أبيي؟ و أين كان هولاء الوزراء عندما حدث ذلك؟ و ماذا فعلوا بعد ذلك حتى لا يتكرر السيناريو مرة آخرى؟ هل كان المشكلة مجرد فتح المسارات و الطرق أيضاً؟
و الأن، أتمنى أن يعرف الطرفين (الحركة الشعبية و المؤتمر الوطني) أن هذا الإتفاق هو مجرد مهدّي فقط ينتهي فعاليته بمجرد إنتهاء حفل التوقيع عليه. و من هو ذلمك المواطن الغبي الذي سيقبل بدخول راعٍ يحاول نهب أرضه، و هل ما زال الطرفين يعتقدون أن مواطنوا المنطقة هم مجرد شعب غير واعٍ لا حول و لا قوة لهم؟ و هل سيضمن المسيرية تعاون دينكا نقوك معهم أثناء مرورهم بأرضهم في الوقت الذي يرفضون فيه أن يصوّتوا حول تبعية منطقتهم للشمال أو الجنوب؟ أليس من الآحرى للمسيرية التأكد من رضاء الدينكا قبل أن يفكروا في التحرك جنوباً؟ و لماذا يحاول المؤتمر الوطني إدخال المسيرية في ورطة مع إناسٍ يمسكون بريموت "كنترول" بقاءهم و بقاء أبقارهم التي لا ترعي إلا في هذه الأرض؟ كل هذه الأسئلة كان يمكن لكل من قير شوانق و نظيره إبراهيم محمود من الإجابة عليها إن هم سألوا باعثيهم عنها. فكل من الوزيرين لم يحاولوا حتى التطرق على حقوق الطرف الآخر الذي دُمرت مستقبله في ليلة واحدة في مايو 2008م و هل أنتم في إنتظار إحتجاج دينكا نقوك الذي بات وشيكاً؟
الحل الحقيقي و المنطقي الوحيد هو إقرار المسيرية بحيلولة الأرض إلى دينكا نقوك. فالنقوك لم يطالبوا-حتى الآن-بأكثر من مستقبل منطقتهم. و قد قبل المؤتمر الوطني وزعماء المسيرية منذ البداية بنتيجة محكمة التحكيم في لاهاي حول حدود المنطقة، و لكنهم تنصلوا عن هذا التحكيم برفضهم رسم خريطة المنطقة على الأرض و إجراء الإستفتاء. و بالفعل لم يجرى الإستفتاء كما خططت له، و لكن هذا لا يعني نهاية مطالبة دينكا نقوك بحقوقهم. فالأرض ستظل ملكهم إن كانوا في الجنوب أو الشمال، و سوف يظلوا هم أصحاب الكلمة الأولى و الآخيرة في ما إذا كانوا يرحبون بأبقار المسيرية في أرضهم أم لا. فمن يعتقد أن وزيري داخلية الجنوب و الشمال هم أصحاب القرار في المنطقة واهم و سوف يرون مستقبل هذا الإتفاق إن لم يبدي الطرفين (الحركة الشعبية و المؤتمر الوطني) جدية حقيقية في قضية المنطقة.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة