قضية جبال النوبة... أخشى عليها من النوبة أنفسهم
كوري كوسا / السودان
سوف يصير عما قريب في حكم المؤكد أن دولة وليدة، بسيادة كاملة و حكومة و نشيد وطني و حدود معترف بها دولياً ستنشأ في منطقة شرق أفريقيا، منفصلة عن جمهورية السودان أكبر دول القارة الأفريقية مساحة، و كخاتمة مطاف لأكثر من خمسين عاماً من سلسلة نزاعات أهلية مريرة قتلت و شردت الكثيرين. و سوف تخلف دولة الجنوب في حالة إنفصالها الكامل بعد تموز (يوليو) 2011م شريط حدودي طويل يفصلها عن جارتها الشمالية و تُوجد بها ثلاث مناطق شهدت هي الأُخرى نفس الصراع الأهلي، و قد ضُمنت تلك المناطق فيما بعد في بروتوكول المناطق الثلاث بحسب إتفاقية السلام الشامل CPA الموقعة في ضاحية (نيفاشا) بكينيا في عام 2005م كما يعرف الجميع. و رغم أنني أرى صادقاً أن إتفاقية السلام تلك تمثل محمدة لنا كسودانيين بشكل عام و كأهل مناطق مهمشة بشكل خاص، إلا أن الإتفاقية ذاتها قد أصبغت لوناً رمادياً على مواقف تلك المناطق الثلاث نكاد لا نفهمه و جعلت منها الآن و في هذه اللحظات الأخيرة من عُمر إنفاذ إتفاقية السلام الشامل قضايا عالقة و موضع شد و جذب مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال و الذي يتصرف حيالها كالغريق.
و سوف أتحدث هنا عن منطقة جبال النوبة تحديداً، و التي تتخبط الآن بين عملية تعداد سكاني غير واضحة المعالم و بين سجل إنتخابي متنازع حوله و بين عملية مشورة شعبية تنتظر دورها. و يقيني أن حزب المؤتمر الوطني طالما بدأ ومنذ الآن في وضع عقبات جدية أمام سير إنفاذ الإتفاقات المتعلقة بجبال النوبة و نحن مازلنا بعد على سفينة نيفاشا، فالمؤتمر الوطني بلا أدنى شك سوف يكشف عن المزيد مما يضمره للمنطقة و أهلها في قادم الأيام بعد إنقضاء أجل نيفاشا و سوف يذهب للجهر بكُفره و إزدرائه لهذا البروتوكول الذي إختصت به نيفاشا المنطقة. و لعل ما نراه من مماطلات غير مبررة و محاولات لتزوير إرادة الشعب هناك و تسليح مليشيات و شحن الأجواء بالتوتر و البارود ما هو إلا مقدمة لرأس جبل الجليد بأن المؤتمر الوطني قد بيت النية سلفاً للإنقضاض على البروتوكول الخاص بجبال النوبة و ينتظر اللحظة التالية فقط لإعلان ذلك صراحةً. إن الحزب الحاكم في الشمال يعمل جاهداً لتجفيف قضية شعب جبال النوبة و إفقادها صيتها بعد أن شبت عن الطوق و قويت و غذتها دماء آلاف الشهداء من أبناء شعب جبال النوبة الشًُرفاء على مدى سنبن طويلة من النضال المسلح و بؤس النزوح إلى الشمال و مذلة الفقر و التشرد. لكني أخشى جداً أن تنطلي هذه المخططات الشريرة على شعب جبال النوبة فيسقطون إلى الهاوية و يخيبون في هذا الإمتحان المصيري و يتمكن المؤتمر الوطني من سحب البساط من تحتهم بعد كل هذه التضحيات الجسام و الدماء الحارة التي سالت و الأرواح الغالية التي رفرفت فداءً من أجل قضية الحق و الكرامة. أخشى أن نعود كما كُنا نسكن هوامش الأرض في وطن لنا و نتشبث باستار مواطنة هي من الدرجة الثالثة أو الرابعة أو المليون و كأننا (لا رحنا و لا جينا)، فإذا كانت تضحيات الشهداء كبيرة بذاك الحجم فلا يجب أبداً أن نخذل أنفسنا و نظل صغاراً و نجعلها تضيع هدراً لنأتي ونبكي على اللبن المسكوب الذي فرطنا فيه. أورد ذلك وأنا أخشى على الشعب هناك من خُبث و دناءة المؤتمر الوطني مع إقتراب موعد الإنتخابات التي كان مفترض أن تتم متزامنة مع الإنتخابات العامة التي جرت في نيسان(أبريل) 2010م، خبث و دناءة حزب المؤتمر الوطني في التلاعب بالتعداد و فبركة توزيع الدوائر الإنتخابية و التحريف في السجل الإنتخابي و التغبيش و الترهيب و شراء الزمم في التصويت و تزوير إرادة شعب جبال النوبة فيما يتعلق بالمشورة الشعبية و سائر تلك الأساليب الخسيسة و الساقطة التي يبيحها فقه المؤتمر الوطني المختل، و الخالية من الضمير و الأخلاق و التي نعرفها جميعاً. إننا كشعب جبال النوبة مع بقية أبناء الهامش في كل أنحاء السودان و مع كل من يعرف كلمة الحق و يؤمن بقول كلمة (لا) في وجه الظلم و الإقصاء لن نرتضي لأنفسنا أبداً أن نعيش عيشة التبعية الممنهجة و الإستلاب العروبي المتأسلم الذي رزحنا تحته سنيناً ثقيلة. فإما تعود الأُمور إلى نصابها الصحيح و نكون في الحق سواء، أرض لنا و نشعر بالإنتماء إليها و يحترم كل من فيه نفسه، فنحن الأصالة و نحن أقدم أبناء السودان و لنا ثقافة أفريقية عريقة إعترف بها العالم و شهد لها الأعداء، هذا أو فلنبحث لنا عن وطن نكون فيه أسياداً لأنفسنا و مواطنين من الدرجة الأُولى لا من الدرجة المليون.
[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة